بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-060-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٥٤

معه الذي هو الماهية اللابشرط القسمي (١) ، وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى ، بلا عناية التجريد عما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها ، كما لا يخفى ، مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد ، وإن كان يعم كل واحد منها بدلا أو استيعابا ، وكذا المفهوم

______________________________________________________

اما اذا كان الموضوع له هو الماهية بما هي مرسلة المعبر عنها في لسان بعضهم بالوجود السعي ، بان تكون الماهية الموضوع لها اسم الجنس هي الملحوظة بنحو الوجود السعي الساري في جميع افرادها ، وتكون عندهم مساوقة للعموم البدلي ، لا ان اسم الجنس الذي هو المطلق هو عام بدلي ، فانه من البعيد جدا بل المستغرب ان يكون اسم الجنس من العام البدلي ، لوضوح كون المطلق غير العام ولكان اللازم عده في الفاظ العموم الدالة على العموم البدلي.

وعلى كل فاذا كان اسم الجنس موضوعا للماهية المقيدة بالإرسال ـ فيرد عليه ما سيذكره ويكون اسم الجنس هو الماهية بشرط شيء ، والى هذا اشار بقوله : «الذي هو المعنى بشرط شيء ولو كان ذاك الشيء هو الارسال والعموم البدلي» إلّا أنّك قد عرفت انه من البعيد جدا ان يكون اسم الجنس من افراد العام البدلي.

(١) لما كان مختاره ان اسم الجنس موضوع للماهية من حيث هي هي وليس موضوعا للماهية المقيدة بالارسال الذي هو من البشرطشيء كما نبه عليه ، وليس موضوعا للماهية بنحو اللابشرط القسمي ، أشار اليه بقوله : «ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه الذي هو الماهية اللابشرط القسمي» وتعبيره بقوله ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه ـ صريح في كون اللابشرط القسمي هو المقيد بهذه اللابشرطية ، وقد عرفت ان اللابشرط القسمي غير مقيد بهذه اللابشرطية ، لا كما بنى عليه كما سيذكره فيما بعد من لزوم كونه كليا عقليا لا موطن له الا الذهن.

٢٨١

اللابشرط القسمي (١) ، فإنه كلي عقلي لا موطن له إلا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها ، بداهة أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود

______________________________________________________

(١) حاصله : انه اذا كان الموضوع له اسم الجنس هو الماهية بقيد الارسال ـ يرد عليه ايرادان :

الأول : ان لازم كونه مقيدا بالإرسال لزوم تجريده عن هذا القيد فيما اذا استعمل في الماهية المجردة عن الارسال ، ولازم ذلك كونها في هذا الاستعمال قد استعملت مجازا لاستعمالها في غير ما هو الموضوع له ، لوضوح كون الماهية المقيدة بالارسال غير الماهية المجردة ، ولا بد في المستعمل مجازا من لحاظ العناية والعلاقة فيه في مقام الاستعمال ، ولا نجد في انفسنا لحاظ علاقة ولا عناية في استعمال اسم الجنس في الماهية المجردة عن الارسال ، والى هذا اشار بقوله : «لوضوح صدقها» أي لوضوح ان الماهية الموضوع لها اسم الجنس تصدق على الماهية المجردة بما هي موضوع لها و «بما لها من المعنى بلا عناية التجريد عما هو قضية» الارسال المأخوذ فيها الذي مرجعه الى «الاشتراط والتقييد فيها كما لا يخفى» ولو كانت مقيدة بالارسال للزم تجريدها المستلزم للمجاز ولحاظ العلاقة والعناية.

الايراد الثاني : هو انه لو كان الموضوع له اسم الجنس هو الماهية بقيد الارسال لكانت من الكلي العقلي ، لوضوح ان الافراد الخارجية للماهية هي حصصها ، وكل حصة موجود جزئي خارجي وليس في الخارج وجود جامع لجميع حصصها ، فاذا كان الموضوع له هو الماهية المقيدة بالارسال والعموم أي بالوجود السعي الساري لا يكون لها بما هي مقيدة بهذا القيد مصداق خارجي ، اذ كل موجود خارجي هو حصة واحدة لا جميع الحصص ، فلازم هذا القيد فيها ان لا يكون لها فرد خارجي ، وان تكون من الماهيات المقيدة بالكلية والعموم ، والماهية المقيدة بذلك من الكلي العقلي الذي لا موطن له الا الذهن ، والى هذا اشار بقوله : «مع بداهة عدم صدق

٢٨٢

خارجا ، فكيف يمكن أن يتحد معها ما لا وجود له إلا ذهنا (١).

______________________________________________________

المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد» لوضوح ان كل فرد هو حصة واحدة لا جميع الحصص ان كان العموم استغراقيا وفي العموم البدلي هو ان الفرد بنفسه احد افراد العام البدلي ، وليس مصداقا له بما هو بنفسه او غيره ، لبداهة عدم امكان كون الموجود الخارجي هو أو غيره ، بل كل موجود هو هو بنفسه لا هو او غيره.

نعم العموم الاستغراقي او البدلي في مرحلة الذهن يعم الافراد استغراقا او بدلا والى هذا اشار بقوله : «وان كان يعم كل واحد منها بدلا او استيعابا».

(١) لما كان اللابشرط القسمي عنده قدس‌سره هو المقيد باللابشرطية كان لا موطن له الا الذهن ، لما عرفت من ان اللابشرط المقيد باللابشرطية لا وجود له في الخارج ، فان الانسان في الخارج اما مع الكتابة او مع عدم الكتابة ، وليس في الخارج انسان لا مع الكتابة ولا مع عدم الكتابة ، وتسميته بالكلي العقلي مبني على ما اصطلح من كون كل مقيد بأمر ذهني كليا عقليا ، لا على اصطلاح المنطقيين من اختصاص الكلي العقلي بنفس الكلية كما هو واضح.

وعلى كل ، فحاصل هذا هو ان اسم الجنس ليس بموضوع للماهية بنحو اللابشرط القسمي ، لانه بعد ان كان هو المقيد باللابشرطية يكون أمرا ذهنيا ، ولا يعقل ان يكون الأمر المقيد بامر لا موطن له الا في الذهن مما يصدق على الموجود الخارجي ، وإلّا لزم اتحاد الموطنين من الذهن والخارج وهما متقابلان ، ولا يعقل ان يكون الموجود في احدهما بما هو مقيد بذلك يوجد في غير موطنه المتقيد به وهو واضح جدا ، ولذا قال : «فانه كلي عقلي» أي ان اللابشرط القسمي كلي عقلي «لا موطن له الا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها» أي على الافراد الموجودة في الخارج «بداهة ان مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا» أي مناط الصدق والانطباق على شيء في الخارج هو الاتحاد في الوجود بين الطرفين في الوجود الخارجي ، فاسم الجنس لو كان هو اللابشرط القسمي لما صح حمله على فرد من

٢٨٣

ومنها : علم الجنس كأسامة ، والمشهور بين أهل العربية أنه موضوع للطبيعة لا بما هي هي ، بل بما هي متعينة بالتعين الذهني ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف (١).

______________________________________________________

افراده الخارجية ، لان صحة الحمل مناطها الاتحاد في الوجود ولا يعقل الاتحاد في الوجود الخارجي بين موجود خارجي وموجود ذهني ، ولذا قال : «فكيف يمكن ان يتحد معها» أي مع الافراد الخارجية «ما لا وجود له الا ذهنا» لكنه قد عرفت ان اللابشرط القسمي ليس بمقيد اللابشرطية وانما اللابشرطية هو لحاظ الماهية بالنسبة الى ما هو خارج عنها غير مقترنة بوجوده ولا بعدمه ، فاسم الجنس على هذا موضوع للماهية الملحوظة بالنسبة الى كل ما هو خارج عنها غير مقترنة بوجوده ولا بعدمه ، وقد عرفت ان الموضوع له هو نفس الماهية لا بما هي ملحوظة بهذا اللحاظ ، وانما كان لحاظها كذلك قد جعلها من اللابشرط القسمي ، والداعي للحاظها كذلك هو ان يكون الموضوع له ساريا في جميع افراده وحصصه سواء اقترنت بشيء أم لم تقترن.

(١) قد فرق أهل العربية بين لفظ الاسد وبين لفظ اسامة ، فقالوا : ان الأول هو اسم الجنس ، والثاني علم الجنس ، فعلى هذا لا بد وان يكون الموضوع له في احدهما هو غير الموضوع له في الآخر ، وإلّا فلا يكون فرق بينهما.

وحاصل ما ينسب اليهم من الفرق ان الماهية الملحوظة لا ريب في انها تتعين ذهنا بواسطة لحاظها.

ولكن اللفظ ، تارة يوضع للماهية بما هي هي ، واخرى بما هي متعينة بهذا التعين اللحاظي الذي هو من موجودات عالم الذهن ، فان وضع اللفظ لها بما هي هي غير مقيدة بشيء حتى هذا التعين الذهني فهو اسم الجنس ، وان وضع اللفظ لها بما هي متعينة بهذا التعين الذهني فهو علم الجنس ، وقد مثلوا للاول بلفظ اسد ، وللثاني بلفظ اسامة ، فأسد من اسم الجنس واسامة علم الجنس ، ولذا يصح تعريف الأول ب (ال) فيقال الاسد لان الموضوع له هو الجنس وهو غير معرفة ، ولا يصح تعريف

٢٨٤

لكن التحقيق أنه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلا كاسم الجنس ، والتعريف فيه لفظي ، كما هو الحال في التأنيث اللفظي (١) ، وإلا

______________________________________________________

الثاني ب (ال) لان الموضوع له فيه معرفة ولا يصح التعريف للمعرفة ، لان الماهية بعد تقييدها بهذا التعين الذهني صارت معرفة وليس المعرفة الا كون اللفظ قد وضع للمتعين بما هو متعين ، فتارة يكون اللفظ موضوعا للموجود الخارجي بما هو متعين خارجا كأعلام الاشخاص ، واخرى للمتعين بالتعين الذهني كعلم الجنس ، والى هذا اشار بقوله : «والمشهور بين أهل العربية انه» أي علم الجنس «موضوع للطبيعة لا بما هي هي» كاسم الجنس «بل بما هي متعينة بالتعين الذهني «ولذا يعامل معه» أي مع علم الجنس «معاملة المعرفة بدون أداة التعريف».

(١) حاصله : انه لا يعقل ان يكون الموضوع له هو الماهية المقيدة بهذا الأمر الذهني في كل ماهية تصدق على الافراد الخارجية كما سيوضحه ، فلا فرق بين اسم الجنس وعلم الجنس والموضوع له في كليهما واحد وهو الماهية بما هي هي.

واما معاملة التعريف مع احدهما دون الآخر فهذا لا يدل على الاختلاف فيما هو الموضوع له فيهما ، لأن التعريف كالتأنيث يكونان تارة حقيقيين ، واخرى لفظيين ، فالموضوع للانثى حقيقة مؤنث حقيقي ، والموضوع لغير المؤنث حقيقة كلفظ الشمس والأرض ـ مثلا ـ مؤنث لفظي ، ولكنه يعامل معه معاملة المؤنث الحقيقي فهو مؤنث لفظي وتانيثه تانيث لفظي لا حقيقي. ومثله التعريف فانه ، تارة يكون الموضوع له معرفة حقيقة كالعلم الشخصي ، واخرى تكون المعاملة معه معاملة المعرفة كمثل لفظ اسامة فانه يعامل معه معاملة الاعلام ، ومثل هذا وان يصح ان يكون فارقا في تسمية الاسد باسم الجنس واسامة بعلم الجنس ، إلّا ان غايته هو انه يعامل مع لفظ اسامة معاملة الفاظ الاعلام ، ولا يستلزم ان يكون الموضوع له في احدهما غير الآخر ولذا قال : «التحقيق انه» أي علم الجنس «موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلا كاسم الجنس» فالموضوع له فيها واحد وهو الماهية من حيث هي هي ، والفرق

٢٨٥

لما صح حمله على الافراد بلا تصرف وتاويل ، لانه على المشهور كلي عقلي ، وقد عرفت أنه لا يكاد صدقه عليها مع صحة حمله عليها بدون ذلك ، كما لا يخفى ، ضرورة أن التصرف في المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف ، لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه ، مع أن وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال ، لا يكاد يصدر عن جاهل ، فضلا عن الواضع الحكيم (١).

______________________________________________________

بينهما في التعريف وعدمه لا يستلزم الفرق بينهما في المعنى ، لان التعريف كما يكون حقيقيا يكون لفظيا ، واذا كان لفظيا لا يستلزم الفرق بينهما في المعنى ، وقد اشار الى هذا بقوله : «والتعريف فيه» أي في علم الجنس «لفظي كما هو الحال في التأنيث اللفظي» وما يستلزم الفرق فيما هو الموضوع له هو التعريف الحقيقي والتأنيث الحقيقي ، فان الموضوع له في المعرف الحقيقي غير المنكر ، وفي المؤنث الحقيقي غير المذكر الحقيقي ، اما التعريف اللفظي والتأنيث اللفظي فلا يستلزم فرقا فيما هو الموضوع له.

(١) أشار الى ايرادات ثلاثة على ما نسب الى المشهور من كون الموضوع له في علم الجنس هو الماهية المتعينة بالتعين الذهني.

الأول : انه لا اشكال في ان علم الجنس كاسم الجنس مما يحمل على الفرد الموجود في الخارج ، فانه يقال : هذا اسد ، وهذا اسامة ، ولو كان اسامة موضوعا للمقيد بالتعين الذهني لما صح حمله على الموجود الخارجي ، لان المقيد بأمر ذهني ذهني ، وهو كلي عقلي لا يتحد مع الموجود الخارجي ولا بد في الحمل من الاتحاد فلا بد في اللفظ الموضوع للمقيد بامر ذهني في مقام حمله على الموجود الخارجي من تجريده عن قيده الذهني واستعماله في الماهية المجردة حتى يصح اتحادها مع الموجود في الخارج.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنه لا نجد في انفسنا في مقام حمل علم الجنس على الافراد الخارجية تصرفا وتجريدا المستلزم ذلك التصرف الى لحاظ العلاقة المجازية ، لانه يكون من استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، والى هذا اشار بقوله : «وإلّا» أي لو كان الموضوع له في علم الجنس هو المقيد بأمر ذهني «لما صح حمله على الافراد» الخارجية كقولنا هذا اسامة مقبلا «بلا تصرف وتأويل» بالغاء قيده الذهني لانه بما هو مقيد بامر ذهني «كلي عقلي» لا يتحد مع الافراد الخارجية ، ولذا قال : «وقد عرفت انه» مع كونه كليا عقليا «لا يكاد» يصح «صدقه عليها» اي على الافراد الخارجية «مع» بداهة «صحة حمله عليها بدون ذلك» أي بدون تأويل وتصرف ولا لحاظ علاقة.

الثاني : انه من الواضح ان علم الجنس لو كان موضوعا للمقيد بقيد ذهني لكان استعماله من غير تجريد منحصرا في الحمل الاولى ، اما في القضايا المتعارفة التي هي حمل علم الجنس على فرده الذي هو من الحمل الشائع ، فانه لا بد فيه من التصرف والتأويل باستعمال اللفظ في نفس الماهية من دون قيدها الذهني ليصح الحمل على الفرد ، ومن الواضح ان الحمل الاولى قليل والمتعارف هو الحمل الشائع وهو حمل الكلي على فرده.

فاتضح من هذا ان مذهب المشهور والتزامهم بان الموضوع له علم الجنس هو المقيد بأمر ذهني الذي لا يكون استعماله الا مع التجريد تعسف وتكلف منهم ، والى هذا اشار بقوله : «ضرورة ان التصرف في المحمول بارادة نفس المعنى بدون قيده تعسف» لاستلزامه التصرف والتأويل المستلزم للاستعمال المجازي وهذا «لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه».

الثالث : ان وضع اللفظ لمعنى مقيد بقيد يلزم تجريده عنه غالبا لا ينبغي ان يصدر من الحكيم سواء كان الواضع هو الله او الناس ، فانه لو كان الواضع هو الناس فانه

٢٨٧

ومنها : المفرد المعرف باللام ، والمشهور أنه على أقسام : المعرف بلام الجنس ، أو الاستغراق ، أو العهد بأقسامه ، على نحو الاشتراك بينها لفظا أو معنى ، والظاهر أن الخصوصية في كل واحد من الاقسام من قبل خصوص اللام ، أو من قبل قرائن المقام ، من باب تعدد الدال والمدلول ، لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاشتراك ، فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما يستعمل فيه غير المدخول (١).

______________________________________________________

أيضا لا ينبغي لهم ان يضعوا لفظا لمعنى يجرده عما هو الموضوع له فيه غالبا ، والى هذا اشار بقوله : «مع ان وضعه لخصوص معنى ... الى آخر كلامه».

ولا يخفى ان هذا انما يرد على المشهور ، حيث يكون مرادهم من التعين هو التعين الذهني ، اما اذا كان مرادهم منه هو التعين الذاتي كما سيأتي بيانه فلا يرد عليهم شيء مما ذكر.

(١) الكلام في المفرد المعرف باللام في جهتين :

الاولى : ان التعريف سواء كان باللام او بالقرائن على الخلاف الذي يأتي في الجهة الثانية بين المشهور والمصنف في كون التعريف باللام على رأي المشهور او بالقرائن على رأي المصنف ، وان اللام لمحض التزيين على كل حال هو من باب تعدد الدال والمدلول في جميع انحائه الستة : من العهد الحضوري ، والذكري ، والخارجي ، والذهني ، وتعريف الجنس ، والاستغراق.

والاول كقولك : اكرم الجالس تشير الى جالس خاص ، والثاني كقولك : رأيت رجلا ثم اكرمت الرجل ، والثالث كقولك : جاء الرجل الذي رايناه بالامس ، والرابع كقولك : ادخل السوق ، والخامس كقولهم : الرجل خير من المرأة ، والسادس كاكرم العالم.

وتوضيحه : ان المنسوب الى المشهور ان التعريف في جميع هذه الاقسام هو باللام وهو مشترك معنوي بينها ، وقد وضعت اللام للقدر الجامع بين هذه الانحاء وهو

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مطلق التعريف ، وينسب الى بعضهم انه من المشترك اللفظي وقد وضعت اللام لكل واحد منها بوضع على حدة ، وهناك اقوال أخر يطلب تفصيلها من محالها لا داعي الى استقصائها.

وعلى رأي المصنف انه لم توضع اللام للتعريف اصلا وانما هي لمحض التزيين وان التعريف بالقرائن ، ولكن الاقوال كلها متفقة على انه من باب تعدد الدال والمدلول ، لوضوح انه لا وضع للمركبات غير وضع افرادها ، وكون المدخول هو الدال لازمه اما تعدد الوضع للمدخول بدون اللام ، ومع اللام فيلزم الاشتراك اللفظي او باستعمال اللفظ الموضوع لغير المعرف بنحو العلاقة فيلزم المجاز ، مضافا الى كونه مما اتفق على عدمه الكل ، لان غير المصنف يقول بدلالة اللام سواء كانت بالاشتراك المعنوي كما ينسب الى المشهور ، او باللفظي كما نسب لبعضهم ، والمصنف يقول بالقرائن لا بالمدخول ، فحينئذ القول بكون الدال على التعريف المدخول مما اتفق الكل على عدمه.

والقول بأن التعريف بال او بالقرائن لازمه تعدد الدال والمدلول وهو واضح ، وقد اشار المصنف الى اقسام المعرف الستة بقوله : «والمشهور انه على اقسام : المعرف بلام الجنس او الاستغراق او العهد باقسامه» الاربعة فيكون المجموع ستة وأشار الى ان القوم بالنسبة الى التعريف باللام على رأيين الاشتراك اللفظي والمعنوي بقوله : «على نحو الاشتراك بينها» أي بين هذه الاقسام «لفظا او معنى» وقد اشار الى كون المتفق عليه الكل هو انه من باب تعدد الدال والمدلول بقوله : «والظاهر ان الخصوصية» أي خصوصية التعريف «في كل واحد من الاقسام من قبل خصوص اللام» على المشهور «او من قبل قرائن المقام» على رأيه «من باب تعدد الدال والمدلول» وحيث ان من الواضح انه لا وضع للمركبات غير وضع مفرداتها لم يشر الى رده ، واقتصر على الاشارة الى رد احتمال انه ليس بالمدخول بقوله : «لا باستعمال المدخول» بان يكون الدال على التعريف بانحائه هو المدخول اما بلحاظ

٢٨٩

والمعروف أن اللام تكون موضوعة للتعريف ، ومفيدة للتعيين في غير العهد الذهني (١) ، وأنت خبير بأنه لا تعين في تعريف الجنس إلا الاشارة

______________________________________________________

العلاقة «ليلزم فيه المجاز او» بالوضع ليلزم منه «الاشتراك» وبطلان الامرين واضح لعدم لحاظ العلاقة في المدخول في مقام استعماله في التعريف فلا مجاز ، ولان المتبادر من نفس المدخول هو عين معناه الذي يدل عليه لو لم يكن مصحوبا باللام فلا تعدد في الوضع «فكان المدخول على كل حال» أي في حال كونه مع اللام «مستعملا فيما يستعمل فيه غير المدخول» للام.

(١) هذه هي الجهة الثانية ، والكلام فيها لبيان موضع الخلاف بين المشهور والمصنف.

وقبل الشروع فيه لا بد من بيان ما به يرتفع التهافت فيما نقله عن المشهور ، فان المصنف ظهر منه ان المعروف كون اللام موضوعة للقدر الجامع بين الاقسام الستة فهي موضوعة لمطلق التعريف.

والظاهر من هذه العبارة كون اللام عندهم مفيدة للتعريف في غير العهد الذهني.

وتوضيح الحال بحيث يرتفع به التهافت : هو ان اللام في العهد الخارجي والحضوري والذكري تدل على معرف متعين ، وفي تعريف الجنس تدل على تعيين الجنس ، وفي الاستغراق تدل على ارادة كل فرد فرد فالمدلول فيها متعين ، واما العهد الذهني كما مثلوا له : بادخل السوق واشتر اللحم لم يرد به الاشارة الى متعين بالحضور ولا الى متعين بالذكر ولا الى متعين في الخارج ولم يرد به تعريف الجنس ولا الاستغراق ، فان اللام في السوق واللحم لم تشر الى سوق او لحم خاص متعين بالحضور ولم يمر ذكر له ولم يرد به سوقا خاصا متعينا خارجا ، ولم يرد به تعريف جنس السوق من بين ساير الاجناس وعدم ارادة الاستغراق به واضحة ، فبقى ان يراد به الاشارة الى جنس السوق واللحم المعهودين بالعهد الذهني ، فلم تشر اللام الى فرد بعينه ليكون مدلولها معينا كما في بقية اقسام العهد ، ولم يقصد بها تعيين الجنس من بين ساير الاجناس كما هو في تعريف الجنس ، بل اشير بها الى الجنس

٢٩٠

إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا (١) ، ولازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الافراد ، لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلا الذهن إلا بالتجريد ، ومعه لا فائدة في التقييد (٢) ،

______________________________________________________

المراد على نحو الاهمال وانه متعين بتعين ذهني ، فلذا لا تفيد تعيينا ، فعلى هذا يكون قوله في غير العهد الذهني من قيود قوله : «ومفيدة للتعيين» فقط من دون كونها قيدا لقوله : «موضوعة للتعريف».

(١) توضيح الحال ان اللام حيث كانت عند المشهور موضوعة للجامع بين اقسام التعريف الستة والجامع لهذه الاقسام كلها هو التعين الذهني ، فانه يجمع بين التعينات سواء كان التعين ذهنا ذكريا او خارجيا او حضوريا او معهودا بالعهد الذهني ، او كان التعين ذهنا لجنس من الاجناس او لارادة كل فرد فرد ، وخص بالذكر خصوص تعريف الجنس لا انه اقل افراد التعريف تعينا ، فان تعينه لا يزيد على كونه متميزا بنفسه ذهنا من بين المعاني ، وقد اشار الى هذا بقوله : «وانت خبير بانه لا تعين في تعريف الجنس الا الاشارة الى كون المعنى» المدخول للام الذي هو الجنس «المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا».

(٢) هذا هو الايراد الاول على ما نسب الى المشهور من كون المعرف باللام كالجنس المدخول للام ، كقولهم ـ مثلا ـ الرجل هو المتعين ذهنا بنفسه من بين المعاني.

وحاصله : انه ليس عندنا في الجنس المعرف باللام غير امرين : حقيقة الجنس وتميزه الذهني ، واذا كانت اللام مشيرة الى صرف الحقيقة من دون تقيدها بتميزها الذهني من بين المعاني لا يفيد التعريف ، والمفروض كونها مفيدة له ، واذا كانت مشيرة للحقيقة المتميزة ذهنا بما هي مقيدة بهذا القيد حتى تكون مفيدة للتعريف.

يرد عليهم ان لازم تقيد الحقيقة الجنسية بقيد ذهني ان لا تصدق على افراد الجنس الخارجية ، وصدقها على الافراد الخارجية مما لا ينكر ، لان من الواضح ان المقيد بقيد ذهني لا يعقل ان يتحد مع الفرد الخارجي اللازم تحققه في مقام الحمل ،

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

لوضوح انه لا بد في صحة الحمل من اتحاد الموضوع والمحمول ، فالموضوع الذي هو الجنس المعرف المحمول على فرد خارجي لا بد ان يتحد معه في الخارج ليصح الحمل ، وقد مر عليك ان الخارج والذهن متقابلان فلا يعقل ان يتحد ما هو مقيد باحدهما مع الآخر ، وإلّا لزم اتحاد الذهن والخارج ، ولا يعقل اتحاد المتقابلين لضرورة ان المقابل لا يقبل المقابل ، فالجنس المقيد بالتعين والتميز الذهني بما هو مقيد بهذا التعين الذهني لا يعقل ان يتحد مع افراده الخارجية فلا يصح حمله ، وصحة حمل المعرف بلام الجنس على افراده مما لا يمكن انكاره ، فلا مناص عن تجريده عن قيده الذهني ويكون محمولا على الفرد بما هو حقيقة الجنس المجردة ، ومع لزوم تجريده في مقام الحمل لا فائدة من تقييده بما يلزم منه تجريده ، فانه لا يكون بما هو معرف محمولا على فرده ، بل بما هو ماهية مهملة فاي فائدة في التزامهم بكون اللام لتعريف الجنس ، فان استعمال المعرف بلام الجنس بما هو معرف انما هو لكونه موضوعا لمحمول او محمولا على موضوع.

والحمل اما اولي او شايع متعارف ، وفي الحمل الأولي المقصود شرح الحقيقة للماهية بحدها المشتمل على ذاتها وذاتياتها ، والمقصود شرح حقيقة الماهية لا الماهية بما هي معرفة فلا فائدة في التعريف في الحمل الاولى المستعمل في الحدود.

والحمل الشائع هو اما حمل الماهية على لوازمها الماهوية وفيه أيضا لا فائدة في التعريف ، لان لوازم الماهية لوازم لها بما هي ماهية لا بما هي ماهية معرفة.

او حمل الماهية على افرادها الخارجية او اوصافها الخارجية أو أوصاف افرادها الخارجية ، ولا بد في هذه الثلاثة من الاتحاد خارجا بين الماهية المعرفة بلام الجنس وبين هذه الموجودات الخارجية ، وقد عرفت انه في مثل هذا الحمل الشائع المتعارف لا بد من تجريد الماهية المعرفة عن التعريف ، والى هذا اشار بقوله : «ولازمه ان لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الافراد» لان المعرف باللام هو المقيد بالتعين الذهني ، وقد عرفت عدم امكان اتحاده مع الافراد الخارجية ، ولذا قال :

٢٩٢

مع أن التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف (١).

هذا مضافا إلى أن الوضع لما لا حاجة إليه ، بل لا بد من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه ، كان لغوا ، كما أشرنا إليه (٢) ، فالظاهر أن اللام مطلقا يكون للتزيين ، كما في الحسن والحسين ، واستفادة الخصوصيات إنما تكون بالقرائن (٣) التي لا بد منها لتعينها على كل حال ، ولو قيل بإفادة

______________________________________________________

«من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له الا الذهن» للزوم كون المقيد بامر ذهني موطنه الذهن فلا يصح حمله «إلّا بالتجريد» وقد اشار بنحو الاجمال الى ما ذكرنا من انه لا فائدة في التقييد مع لزوم التجريد في مقام الحمل بقوله : «ومعه لا فائدة في التقييد».

(١) هذا هو الايراد الثاني على كون الجنس المعرف باللام هو المتعين ذهنا من بين المعاني ، وقد مرت الاشارة اليه في علم الجنس ، وحاصله : انه لا معنى للالتزام بالتأويل والتصرف في القضايا التي يكثر تداولها فانه تعسف وتكلف والى هذا اشار «مع ان التأويل والتصرف ... الى آخر الجملة».

(٢) هذا هو الايراد الثالث على ما نسب الى المشهور ، وقد مر ذكره أيضا في علم الجنس ، ومجمله انه لا يصح للحكيم ان يضع اللام للتعريف الذي لازمه تقييد المعرف بقيد ذهني لا يصح حمل المعرف بما هو معرف ومقيد بهذا القيد في القضايا المتعارفة الكثيرة التداول الا بتجريده عن التعريف ، والى هذا اشار بقوله : «هذا مضافا الى ان الوضع ... الى آخره». وقوله : «كان لغوا» هو خبر ان في قوله : «ان الوضع».

(٣) لا يخفى ان الوجه في قوله ان اللام مطلقا مع ان كلامه كان في اللام التي هي لتعريف الجنس هو ما ذكرنا من ان التعريف الجامع للاقسام الستة ليس هو إلّا التميز

٢٩٣

اللام للاشارة إلى المعنى ، ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الاشارة ، لو لم تكن مخلة ، وقد عرفت إخلالها ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

والتعين الذهني ، ولا خصوصية لتعريف الجنس ، فلذا قال : «ان اللام مطلقا تكون للتزيين» لا للتعريف «كما في لفظ الحسن والحسين» فان اللام فيهما ليست للتعريف لوضوح كونهما علمين لا حاجة الى تعريفهما ، فتعين ان الدال على التعريف باقسامه الستة هو القرائن الخارجية لا اللفظ المعرف الذي يكون موضوعا تارة ومحمولا أخرى ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : «فالظاهر ان اللام مطلقا يكون للتزيين كما في لفظ الحسن والحسين واستفادة الخصوصيات» أي خصوصيات الاقسام الستة المذكورة للتعريف : من الحضوري ، والذكري ، والخارجي ، والذهني ، وتعريف الجنس ، والاستغراق «انما تكون بالقرائن» الخارجة عن مفاد اللفظ المعرف باللام.

(١) حاصله : انه بعد ان كانت عند المشهور اللام موضوعة للتعريف الجامع بين الاقسام المذكورة فلا بد في مقام استعمالها في كل قسم من اقسام التعريف من قرينة خارجة عن اللام تعين كل واحد من الاقسام ، لبداهة انه لا دلالة لما هو موضوع للجامع على خصوصية افراده التي كل خصوصية منها غير الخصوصية الأخرى ، لما هو واضح من كون التعريف الذكري هو خصوصية غير خصوصية التعريف الخارجي وهلم جرا .. ، واذا كان لا بد من القرائن المعينة للخصوصيات لا تبقى فائدة في التعريف ، فان القرينة المعينة للخصوصية تشتمل على التعريف لان القرينة في التعريف الذكري معناها انها تدل على المعهود ذكرا ، ومع دلالتها كذلك لا حاجة في الاشارة باللام الى انه كذلك ، ومرجع هذا الى ايراد رابع على المنسوب الى المشهور ، والى هذا اشار بقوله : «التي لا بد منها» أي ان استفادة الخصوصيات التعريفية انما تكون بالقرائن التي لا غناء عنها ، لعدم دلالة ما هو موضوع للجامع بينها عليها للزوم «تعيينها على كل حال ولو قيل» أي حتى لو قيل بمقالة المشهور «بإفادة اللام

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

للاشارة الى المعنى» وتعريفه لان اللام موضوعة للجامع عندهم فلا بد من القرائن الاخرى لتعيين افراد هذا الجامع «ومع الدلالة عليه» أي مع دلالة القرائن على المعنى بما هو متميز بتلك الخصوصيات «لا حاجة الى تلك الاشارة» اليه باللام «لو لم تكن مخلة وقد عرفت اخلالها» من ورود ما ذكره من الايرادات عليها لو كانت اللام موضوعة للتعريف الذي هو الاشارة الى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا.

لكنه لا يخفى ان هذا كله انما يرد حيث يكون التعريف عندهم هو التعين الذهني.

اما لو كان مرادهم هو التعين الذاتي فلا يرد عليهم شيء مما ذكر ، وتوضيحه :

ان كل ماهية بل كل شيء له تعين بذاته متميز عن ساير ما عداه ، فتارة يراد الدلالة عليه من دون الاشارة الى تميزه بذاته وفي مثل هذا يكون اسم الجنس مستعملا من غير تعريف واشارة ، واخرى يراد الدلالة عليه بما هو متميز وكونه بذاته جنس غير سائر الاجناس ، وفي مثل هذا يستعمل معرفا باللام للاشارة الى تمييز هذا الجنس المعرف من بين ساير الاجناس وليس التعريف قيدا ذهنيا ، والمشار اليه باللام هو تمييز الجنس ذهنا ، لوضوح ان الغرض تمييزه بذاته لا تمييزه في خصوص الذهن والادراك ، ومن الواضح أيضا ان التميز الذاتي انما هو بكونه ماهية متميزة بذاتها عن ساير الماهيات ، وهذا التميز ذاتي للماهية من دون رعاية ذهن او غيره فلا يلزم على هذا شيء مما اورده وهو واضح ، لان كل ما اورده منوط بكون التميز ذهنيا لا ذاتيا. هذا في تعريف الجنس ، وهكذا الحال في ساير اقسام التعريف فانه في الحضوري كونه متميزا بالحضور ، وهكذا في الخارجي والذكري ، وأما في العهد الذهني فقد عرفت انه هو تميز الجنس وتعينه لكنه لا لاجل الاشارة الى تمييزه وتعيينه من بين ساير الاجناس ، بل لاجل الاشارة الى كونه متميزا ومتعينا لان يرد عليه المحمول كقولهم ادخل السوق واشتر اللحم ، فاللام في مثل هذا للاشارة الى تميز جنس السوق واللحم لان يدخل ولان يشترى.

٢٩٥

وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه ، فلا دلالة فيها على أنها تكون لاجل دلالة اللام على التعيين ، حيث لا تعين إلا للمرتبة المستغرقة لجميع الافراد (١) ، وذلك لتعين المرتبة

______________________________________________________

فاتضح انه ليس في اقسام التعريف ما هو مقيد بأمر ذهني ، وكيف غرضهم التقييد بأمر ذهني ، فان معنى التقييد بأمر ذهني هو كون اللام مشيرة الى المعنى الملحوظ بما هو مقيد بأنه ملحوظ وليس في اللام دلالة على ذلك!

واما الاشكال الأخير بأنه لا بد اذا قيل بأن اللام موضوعة للقدر الجامع فلا بد من قرينة معينة لفرد الجامع ومع القرينة لا حاجة الى التعريف باللام.

فالجواب ان هذا انما يتم بناء على مختاره في وضع الحروف من الوضع العام والموضوع له العام ، اما بناء على مبناهم في وضع الحروف من الوضع العام والموضوع له الخاص فاللام دائما في مقام الاستعمال تدل على المعنى الخاص بما له من الخصوصية ، ولا يكون مدلولها هو المعنى العام الجامع بين الاقسام حتى نحتاج الى القرينة المعينة لخصوصية الفرد.

(١) لا يخفى انه من قوله : «مع عدم دلالة المدخول» الى قوله : «وذلك» هو اشارة الى ما استدل به على دلالة اللام في الجمع المعرف باللام على الاشارة الذهنية الى تعينه وتميزه بارادة جميع الافراد.

وتوضيح الاستدلال هو ان الجمع المدخول للام لا دلالة له على الاستغراق وهو واضح ، لضرورة عدم دلالة لفظ علماء من دون اللام على الاستغراق ولا وضع للمركب غير وضع مفرداته ، وبعد دلالة الجمع المعرف على غير ما دل عليه المدخول فلا بد وان تكون المرتبة المتعينة التي تشير اللام اليها هي المرتبة المستغرقة ، لوضوح انه ليس للجمع المدخول للام مرتبة متعينة غير هذه المرتبة وهذه المرتبة لا بد أيضا ان يكون الدال عليها هو اللام لانه لو لم تكن مدلولة للام لكانت مدلولا من غير دال وهو واضح البطلان ، فلا مناص بعد تمامية هذه المقدمات عن الالتزام بكون الدال

٢٩٦

الاخرى ، وهي أقل مراتب الجمع ، كما لا يخفى. فلا بد أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك ، لا إلى دلالة اللام على الاشارة إلى المعين ، ليكون به التعريف ، وإن أبيت إلا عن استناد الدلالة عليه اليه ، فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين ، فلا يكون بسببه تعريف إلا لفظا ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

على هذا التعيين هو اللام ، لانه بعد كون الجمع المعرف دالا على الاستغراق وعدم دلالة المدخول بنفسه من دون اللام على ذلك فالدلالة على المرتبة المستغرقة اما ان تكون دلالة من غير دال ، او يكون الدال عليها هو اللام اذ ليس في الكلام غيره ، وقد اشار الى جل ما ذكرنا ، اما الى كون الجمع المعرف دالا على العموم فقد أشار بقوله : «واما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم» واشار الى كون المدخول غير دال على ذلك بقوله : «مع عدم دلالة المدخول عليه» أي ان المدخول للام من دون اللام لا يدل على العموم والاستغراق ، واشار الى انه لا بد وان تكون اللام هي الدالة على ذلك بقوله : «على انها» أي الدلالة على العموم لا بد وان «تكون لاجل دلالة اللام على التعيين» للمرتبة المستغرقة ، واشار الى ان المرتبة المستغرقة هي المرتبة التي يكون المدخول فيها متعينا وفي غيرها لا تعين للمدخول فيها بقوله : «حيث لا تعين الا للمرتبة المستغرقة لجميع الافراد».

(١) المتحصل من مجموع عبارة المتن ثلاثة ايرادات على هذا الاستدلال :

الأول : ان للجمع مرتبتين يتعين فيها ، وهما أقل الجمع ، والمرتبة المستغرقة فلا يختص تعيين الجمع في المرتبة المستغرقة ، فلا يتم ما ذكروه من انه لا تعين للجمع الا في المرتبة المستغرقة ، والى هذا اشار بقوله : «وذلك لتعين المرتبة الاخرى وهي أقل مراتب الجمع».

الايراد الثاني : انه بعد ان كان المشهور قد ذهبوا الى ان اللام موضوعة للجامع بين اقسام التعريف ، وانما قالوا بالدلالة على المرتبة المستغرقة لكون اللام تدل على

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الاشارة الى التعيين الجامع ، وهذه المرتبة انما تتعين لانه ليس للجمع مرتبة يتعين فيها الا هذه المرتبة. وبعد ان عرفت انه هناك مرتبتان يكون الجمع متعينا فيهما أقل المراتب والمرتبة الأخيرة ، واللام الموضوعة للجامع عندهم لا دلالة لها على خصوصية من الخصوصيات أصلا ، فقولهم بدلالة الجمع المعرف على العموم لازمه الالتزام بوضع المجموع من اللام والمدخول لذلك ، ولذا بعد ان ذكر ان للجمع مرتبتين يتعين فيهما ـ فرع على ذلك مشيرا لهذا الايراد الثاني بقوله : «فلا بد ان يكون دلالته عليه» أي دلالة الجمع المعرف على العموم «مستندة الى وضعه كذلك» أي الى وضع المعرف بمجموعه «لذلك» أي للدلالة على المرتبة المستغرقة «لا الى دلالة اللام على الاشارة الى المعين ليكون به» أي ليكون بواسطة اللام الدلالة على التعريف ، لان اللام عندهم موضوعة للتعريف الجامع ، والموضوع للجامع لا يدل على خصوصيات الافراد.

الايراد الثالث : ان غاية ما تقتضيه دعوى دلالة الجمع المحلى باللام على المرتبة المستغرقة هو كون الجمع المحلى باللام دالا على الاستغراق ، ولا موجب للالتزام بدلالته بالاشارة الذهنية الى تعيين المرتبة المستغرقة ، بل نلتزم بكون الجمع المحلى باللام دالا على الاستغراق من دون دلالته بالاشارة الذهنية على التعيين في الاستغراق ، ليكون دالا على الاستغراق فقط من دون دلالة له على التعريف «فلا يكون بسببه» أي بسبب اللام «تعريف الا لفظا».

٢٩٨

ومنها : النكرة مثل رجل في وجاء رجل من أقصى المدينة ، أو في جئنى برجل ولا إشكال أن المفهوم منها في الاول ، ولو بنحو تعدد الدال والمدلول ، هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرجل. كما أنه في الثاني ، هي الطبيعة الماخوذة مع قيد الوحدة ، فيكون حصة من الرجل ، ويكون كليا ينطبق على كثيرين (١) ، لا فردا مرددا بين الافراد.

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان الكلام في مصداق النكرة لا في مفهوم النكرة أي فيما كان نكرة بالحمل الشائع لا في النكرة بالحمل الاولى.

وبعبارة اخرى : في مدلول مثل لفظ رجل لا في مدلول لفظ نكرة. وعلى هذا فالاقوال فيه أربعة :

الأول : ما هو المشهور من انها موضوعة للفرد المردد.

الثاني : كونها في مثل وجاء رجل من اقصى المدينة ، ومثل أي رجل جاءك ، تدل على الفرد المعين في الواقع عند المتكلم في المثال الأول ، وعند المخاطب في المثال الثاني ، المجهول عند المخاطب في المثال الأول ، وعند المتكلم في المثال الثاني.

وفي مثل جئني برجل تدل على حصة كلية تنطبق على أي فرد من افراد الطبيعة ، والمراد من كونه حصة هو كون مدلولها الطبيعة المقيدة بالوحدة.

الثالث : ان مدلولها مطلقا هو الطبيعة المقيدة بالوحدة ، فلا فرق بين جاء رجل من اقصى المدينة ، وبين جئني برجل.

الرابع : ان مدلولها مطلقا هو الحصة المقيدة بانها غير متعينة ، فالفرق بين النكرة واسم الجنس هو ان مدلول اسم الجنس هو الطبيعة غير المقيدة لا بالتعين ولا بعدم التعين ، ومدلول النكرة هو الطبيعة المقيدة بأنها غير متعينة فالقيد الموجب لكونها حصة ليس هو قيد الوحدة بل هو تقييدها بأنها غير متعينة.

٢٩٩

وبالجملة : النكرة ـ أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم ـ إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب ، أو حصة كلية ، لا الفرد المردد بين الافراد ، وذلك لبداهة كون لفظ رجل في جئني برجل نكرة ، مع أنه يصدق على كل من جيء به من الافراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره ، كما هو قضية الفرد المردد ، لو كان هو المراد منها ، ضرورة أن كل واحد هو هو ، لا هو أو غيره ، فلا بد أن تكون النكرة الواقعة في متعلق الامر ، هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة ، فيكون كليا قابلا للانطباق ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

ويظهر من المتن اختيار القول الثاني ، لانه بعد ان مثل للنكرة بمثالين اشار اليه بقوله : «النكرة مثل رجل في وجاء رجل من اقصى المدينة او جئني برجل» قال «ولا اشكال ان المفهوم منها» أي من النكرة «في الأول» أي في المثال الأول وهو جاء رجل من اقصى المدينة «ولو بنحو تعدد الدال والمدلول هو الفرد المعين في الواقع» وعند المتكلم في المثال المذكور «المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على واحد من افراد الرجل» لانه حيث كان مجهولا عنده فهو يحتمل الانطباق على أي فرد من افراد طبيعة الرجل «كما انه في الثاني» أي في مثل جئني برجل المدلول للنكرة «هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة فيكون» مدلولها «حصة من الرجل» وحيث ان التقيد بالوحدة لا يجعلها جزئيا شخصيا بل هي باقية على قابلية الصدق على كثيرين ، فلذا قال : «ويكون كليا ينطبق على كثيرين».

(١) اقتصر المصنف على التعرض لما ينسب الى المشهور من ان النكرة تدل على الفرد المردد ، وحاصل ما اشار اليه في رد هذا هو انه لا اشكال في كون النكرة الواقعة في مثل جئني برجل قابلة للانطباق على كل فرد من افراد طبيعة الرجل ، ومن الواضح انه لا وجود للمردد بما هو مردد في الخارج ، وكل فرد في الخارج هو هو لا هو أو غيره ، فاذا كان النكرة الواقعة في الكلام مما تنطبق على الافراد ، والمردد لا يعقل

٣٠٠