بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-060-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٥٤

فإنه يقال : مضافا إلى أنه إنما قيل لعدم استلزامه له ، لا عدم إمكانه ، فإن استعمال المطلق في المقيد بمكان من الامكان ، إن كثرة إرادة المقيد لدى إطلاق المطلق ولو بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزية أنس (١) ،

______________________________________________________

(١) أجاب عنه بجوابين :

الأول : ان غاية ما مر منا هو ان التقييد لا يستلزم التجوز واستعمال اللفظ الموضوع لذات المقيد في المقيد بما هو مقيد ، بمعنى انه لا ينحصر افادة المقيد باستعمال اللفظ الموضوع للمطلق فيه ، بل يمكن ان يكون اللفظ مستعملا في المطلق والتقييد مستفاد من دال آخر ، وكما يمكن بهذا النحو يمكن أيضا بنحو استعمال المطلق في المقيد بما هو مقيد بنحو التجوز ، ومع استعماله بهذا النحو فحصول مراتب الانصراف مما لا اشكال فيه كما اعترف به المورد ، وقد اشار الى هذا الجواب بقوله : «مضافا الى انه انما قيل» ان قولنا التقييد لا يوجب التجوز انما هو «لعدم استلزامه» أي استلزام القيد «له» أي للتجوز لانه يتأتى بنحو تعدد الدال والمدلول «لا عدم امكانه» أي لم تقل بعدم امكان استعمال المطلق في المقيد بما هو مقيد «فان استعمال المطلق في المقيد» بما هو مقيد «بمكان من الامكان».

الثاني : ان الوجدان قائم على حصول الانس الذهني بين اللفظ الموضوع للمطلق والمقيد بما هو مقيد من كثرة استعمال المطلق مع الدال على التقييد ، فان الانس كما يحصل بالاستعمال مجازا يحصل بمحض المجاورة الكثيرة ، والى هذا اشار : «ان كثرة ارادة المقيد لدى اطلاق المطلق ولو» بأن كان التقييد «بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له» أي اللفظ المطلق «مزية الأنس» بينه وبين المقيد بما هو مقيد ويحصل من هذا الانس مراتب الانصراف.

٣٢١

كما في المجاز المشهور ، او تعيينا واختصاصا به ، كما في المنقول بالغلبة (١) ، فافهم (٢).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان المجاز المشهور هو الذي يكون اشهر من الحقيقة ، والمجاز الراجح هو الذي يكون ارجح من بقية المجازات ، والفرق بينه وبين المقام الذي اوجب التشبيه هو ان فرض المقام ان المطلق لم يستعمل في المقيد بل استعمل في معناه والقيد مستفاد من دال آخر ، وفي المجاز اللفظ مستعمل في المعنى المجازي ولكن حيث ان الانس من المجاورة أيضا لذا شبه الانصراف بالمجاز المشهور ، والمشبه بالمجاز المشهور هو مراتب الانصراف ما عدا الموجب للنقل او الاشتراك ، وهو وان لم يذكر الاشتراك لكنه لمشاركته مع النقل في حصول الوضع ، لذا ما كان للنقل فهو للاشتراك أيضا.

والحاصل : انه بواسطة المجاورة يحصل الانس بين اللفظ الدال على المطلق وبين المقيد بما هو مقيد ، وهذه المجاورة تندرج في مراتب الانصراف بحسب زيادة الاستعمال ، وحالها حال استعمال اللفظ الحقيقي في المعنى المجازي في حصول مراتب المجاز حتى يحصل المجاز المشهور ، ثم يترقى فيحصل من كثرة الاستعمال مجازا النقل بالغلبة ، كما انه تندرج مراتب الانصراف حتى يحصل الاشتراك والنقل.

ويحتمل ان التشبيه بالمجاز المشهور انما هو المجاز في الاسناد لا في الكلمة ، وعلى هذا يكون التشبيه تاما لان المجاز في الاسناد لم يستعمل اللفظ فيه في المعنى المجازي ، بل اللفظ مستعمل فيه في المعنى الحقيقي والتصرف في أمر عقلي وهو ادعاء انه من افراد المعنى الحقيقي ، فتأمل.

(٢) لعله اشارة الى انه يشكل حصول الاشتراك من الانصراف ، لان الانصراف هو حصول غير المعنى الحقيقي من اطلاق اللفظ ، ثم يترقى حتى يكون حقيقة في المعنى الثاني ، وضابط الاشتراك هو ان يكون اللفظ لا يتعين في احد معنييه الحقيقيين إلّا بقرينة معينة ، وهذا مناف لكون الانصراف موجبا للوضع بنحو الاشتراك ، بل لا بد انه اذا حصل الوضع من الانصراف يكون نقلا لا اشتراكا.

٣٢٢

تنبيه : وهو أنه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة ، كان واردا في مقام البيان من جهة منها ، وفي مقام الاهمال أو الاجمال من أخرى ، فلا بد في حمله على الاطلاق بالنسبة إلى جهة من كونه بصدد البيان من تلك الجهة ، ولا يكفي كونه بصدده من جهة أخرى (١) ، إلا إذا كان بينهما

______________________________________________________

(١) بعد ما عرفت ان من مقدمات الاطلاق كون المتكلم في مقام بيان مراده ، وان من الواضح ان المتكلم ربما يكون في مقام البيان من جهة خاصة دون جهة اخرى كما هو مشاهد بالوجدان ، فاذا كان المتكلم في مقام البيان من جهة اضافة صديقه ، فقال لعبده احسن لفلان فليس لعبده التمسك باطلاق لفظ الاحسان في فرضه لصديقه اذا كان المولى في مقام البيان من جهة اضافة صديقه فقط ، ولذا لا يتمسكون باطلاق الاحكام الواردة في مقام البيان من جهة التشريع في الجهات الاخرى ، فقول الشارع مثلا الصلاة واجبة على كل مكلف ليس له اطلاق ينفي به الجزء المشكوك في كونه من اجزائها ام لا.

ولذلك انكروا على الشيخ قدس‌سره في تمسكه باطلاق (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ)(١) على طهارة موضع عضّة الكلب المعلّم من الحيوان الذي يصطاده الكلب ، لان الاطلاق وارد في مقام بيان حكم الحلية للحيوان وانه من المذكى اذا صاده الكلب المعلّم ، لا من كل جهة حتى من ناحية الطهارة والنجاسة ، فجواز الأكل الذي دلت عليه الآية المباركة هو الجواز من ناحية انه ليس من الميتة التي لا يحل اكلها ، فهو في مقام البيان من جهة الحلية لا من كل جهة حتى الجواز من ناحية كونه طاهرا وليس بنجس ، فالآية المباركة هي في مقام البيان من ناحية الحلية ، واما من ناحية الطهارة فهي في مقام الاهمال لا البيان ، ولذا قال : «فلا بد في حمله على الاطلاق بالنسبة

__________________

(١) المائدة : الآية : ٤

٣٢٣

ملازمة عقلا أو شرعا أو عادة ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

الى جهة» من الجهات «من كونه» : أي المتكلم «بصدد البيان من تلك الجهة ولا يكفي كونه» بصدد البيان من جهة خاصة لان يكون «بصدده» : أي بصدد «البيان من جهة اخرى».

(١) الملازمة بين الحكمين ، تارة عقلية وان كان الحكمان شرعيين ، كما في الحكم بمانعية نجاسة رجيع ما لا يوكل لحمه من الحيوان غير الطائر من ذي النفس السائلة عن الصلاة ، ومانعية كل شيء مما لا يؤكل لحمه عن الصلاة ايضا ، وبعد تمامية الاطلاق فيهما لحالتي الذكر والنسيان يرد مخصص كان واردا في مقام البيان من جهة النجاسة : بان الصلاة في عذرة ما لا يؤكل لحمه من الحيوان نسيانا لا يمنع عن الصلاة ، فان كون المولى في مقام البيان لعدم المانعية من جهة النجاسة ملازما لكونه في مقام البيان من جهة كونه شيئا مما لا يؤكل لحمه ، لوضوح لغوية عدم مانعية نجاسة عذرة الحيوان عن الصلاة مع فرض مانعيتها بما انها شيء مما لا يؤكل لحمه ، فالبيان من ناحية عدم المانعية من حيث النجاسة يلازمه عقلا البيان من ناحية عدم المانعية من جهة غير المأكولية ايضا في حال النسيان لمحالية اللغوية على الشارع الحكيم.

واخرى تكون الملازمة شرعية بينهما كما اذا كان في مقام البيان من ناحية جواز التقصير في الصلاة فيما اذا خفى الاذان ، ان كونه في مقام البيان من جهة القصر في الصلاة يلازمه شرعا كونه في مقام البيان من جهة الافطار ايضا ، لقوله اذا قصرت افطرت.

والفرق بين هذه الملازمة والملازمة الاولى انه هنا يمكن التفكيك ، بخلافه في الاولى فانه لا يعقل جعل عدم المانعية لعذرة ما لا يؤكل لحمه من حيث النجاسة مع جعله للمانعية لها من حيث كونها شيئا مما لا يؤكل لحمه ، للزوم اللغوية كما عرفت ، بخلاف الملازمة بين الافطار والقصر ، فانه يمكن التفكيك بينهما.

٣٢٤

فصل

إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين ، فإما يكونان مختلفين في الاثبات والنفي ، وإما يكونان متوافقين (١) ، فإن كانا مختلفين مثل أعتق رقبة ، ولا تعتق رقبة كافرة فلا إشكال في التقييد ، وإن كانا متوافقين ،

______________________________________________________

وثالثة : تكون الملازمة عاديّة كما لو كانت غالبية ، مثل الملازمة بين كونه في مقام البيان من ناحية عدم مانعية جلد الميتة للصلاة فيها فانه ملازم عادة لكونه في مقام البيان من جهة عدم مانعية نجاسة جلد الميتة ايضا ، فان الملازمة بينهما عادية لا عقلية ولا شرعية ، بل هي من حيث ان الغالب في جلد الميتة كونه نجسا لكونه مما له نفس سائلة غالبا.

وعلى كل فقد اتضح في هذه الملازمات الثلاث اذا كان المتكلم في مقام البيان من جهة احد المتلازمين لا بد وان يكون في مقام البيان من الجهة الملازمة الاخرى. اما فيما اذا لم يكن بين الجهات تلازم فلا يكون البيان من جهة ملازما للبيان من جهة اخرى كما عرفت ، والى هذا اشار بقوله : «إلّا اذا كان بينهما» : أي بين الحكمين «ملازمة عقلا ... الى آخر الجملة».

(١) التنافي بين المطلق والمقيد كما يكون باختلافهما سلبا وايجابا ، كاعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة ، كذلك يكون باختلافهما في الموضوع بان يكون الموضوع فيهما مختلفا كاعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة ، ولذا قسم التنافي بينهما الى مختلفين في النفي والاثبات ، والى المتوافقين في النفي والاثبات.

لا يقال : انه اذا كان التنافي يشمل المتوافقين يكون قيد التنافي بالنسبة الى المتوافقين ليس احترازيا بل يكون تأكيديا ، لوضوح ان كونهما مطلق ومقيد يغني عنهما عن قيد التنافي ، اذ لا يمكن مع فرض كونهما مطلقا ومقيدا أن لا يتنافيا في الموضوع.

٣٢٥

فالمشهور فيهما الحمل والتقييد (١).

وقد استدل بأنه جمع بين الدليلين وهو أولى (٢).

______________________________________________________

فانه يقال : انه اذا كان المقيد لا يضيق دائرة الحكم في المطلق بان دل على كونه افضل افراده لا يكون حينئذ بينهما تناف فلا غناء عن قيد التنافي ، فانهما وان توافقا في الحكم ولكن المقيد كان مقتضيا لتضييق الحكم كاعتق رقبة الدالة على كون وجوب العتق لمطلق الرقبة واعتق رقبة مؤمنة المقتضي لتضييق حكم الوجوب في الرقبة المؤمنة.

(١) اتفق الكل ـ على ان المطلق والمقيد المختلفين في النفي والاثبات كاعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة ـ على تقييد المطلق بالمقيد ، فلا يجوز عتق الرقبة الكافرة ، والظاهر انه لكون النهي في دلالته على الحرمة اقوى من اطلاق المطلق.

واما اذا كانا متوافقين كاعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة فذهب المشهور الى لزوم حمل المطلق على المقيد ايضا ويكون حاله حال المختلفين بالسلب والايجاب ، فيضيقون دائرة الوجوب في المطلق بالمقيد فلا تجزي عندهم عتق الرقبة غير المؤمنة ، والى هذا اشار بقوله : «فالمشهور فيهما» : أي في المطلق والمقيد «الحمل والتقييد».

(٢) توضيح الاستدلال انه بعد ان كان الحكم لا بد وان يكون واحدا في حال اجتماع المطلق والمقيد ، اما للعلم بكون السبب واحدا فانه اذا كان السبب للحكم واحدا لا بد وان يكون الحكم واحدا ، فحينئذ لا بد ان يكون الحكم المسبب عنه اما هو المطلق او المقيد ، واما ان لا يكون السبب فيهما واحدا ولكنهما اذا اجتمعا لا بد من وحدة الحكم لعدم معقولية اجتماع المثلين ، فيدور الأمر بين العمل بالمطلق وابقائه على اطلاقه فيلزمه طرح دليل المقيد من رأس ، او العمل بالمقيد وحمل المطلق عليه فلا يكون لازمه طرح المطلق من رأس لان المقيد بعض افراد المطلق ، فان من اعتق رقبة مؤمنة قد اعتق مطلق الرقبة والجمع بين الدليلين في عمل يكون عملا بهما اولى

٣٢٦

وقد أورد عليه بإمكان الجمع على وجه آخر ، مثل حمل الامر في المقيد على الاستحباب (١). وأورد عليه بأن التقييد ليس تصرفا في معنى اللفظ ، وإنما هو تصرف في وجه من وجوه المعنى ، اقتضاه تجرّده عن القيد ، مع تخيّل وروده في مقام بيان تمام المراد ، وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على وجه الاجمال ، فلا إطلاق فيه حتى

______________________________________________________

من طرح احدهما والعمل باحدهما ، والى هذا اشار بقوله : «بانه جمع بين الدليلين» وهو اولى من طرح احدهما والعمل بواحد منهما.

(١) حاصل الايراد على هذا الجمع ان حمل المطلق على المقيد لكونه جمعا بين الدليلين وعملا بكل منهما لا ينحصر برفع اليد عن اطلاق المطلق والعمل على طبق المقيد ، بل يمكن ان يحمل المقيد على الاستحباب وابقاء المطلق على اطلاقه ، وعليه فلا تتضيّق دائرة الوجوب في المطلق بل يبقى على اطلاقه في امكان الامتثال بعتق الرقبة الكافرة ولكن عتق الرقبة المؤمنة افضل افراد العتق ، وفي هذا الحمل ايضا يتحقق العمل بكل من الدليلين فلا وجه لترجيح حمل المطلق على المقيد وتقييده به على هذا الوجه مع كون كل منهما عملا بكل من الدليلين ، وقد اشار الى هذا بقوله : «وقد اورد عليه» : أي وقد اورد على مختار المشهور بلزوم حمل المطلق على المقيد لانه جمع بين الدليلين «ب» انه لا ينحصر الجمع بين الدليلين بهذا «لامكان الجمع على وجه آخر» ايضا هو عمل بكل من الدليلين «مثل حمل الأمر في المقيد على الاستحباب» بكونه افضل الافراد.

وربما يكون تعبيره بمثل اشارة الى امكان جمع آخر ايضا فيه جمع بين الدليلين ، وذلك بحمل الوجوب على التخيير بين المطلق والمقيد.

٣٢٧

يستلزم تصرفا ، فلا يعارض ذلك بالتصرف في المقيد ، بحمل أمره على الاستحباب (١).

______________________________________________________

(١) المورد صاحب التقريرات ، وحاصل ايراده على من اورد على المشهور بانه لا ينحصر الجمع بين الدليلين بحمل المطلق على المقيد ، بل يمكن ايضا بحمل الأمر في المقيد على الاستحباب ـ بالفرق بين جمع المشهور بحمل المطلق على المقيد وبين حمل المقيد على الاستحباب ، فانه في حمل المطلق على المقيد لا يستلزم مجازا لان اللفظ موضوع للماهية المبهمة ، وانما استفيد الاطلاق من مقدمات الحكمة وكون المتكلم في بيان الاطلاق للمطلق ، فاذا ورد التقييد كشف عن كون المولى لم يكن في مقام البيان لاطلاق المطلق ، وهذا لا يستلزم تجوزا في لفظ المطلق بل هو باق على معناه من استعماله في الماهية ، غاية الامران لازمه التصرف في كونه في مقام البيان ، بخلاف حمل المقيد على الاستحباب فانه حيث كان الامر موضوعا للوجوب فحمله على الاستحباب يستلزم تجوزا باستعمال ما هو موضوع للوجوب في غير ما وضع له.

وبعبارة اخرى : ان حمل المشهور لا يستلزم تصرفا اصلا ، لانه قبل ورود المقيد كنا نتخيل ان المولى في مقام البيان من ناحية الاطلاق ، وبعد ورود المقيد كشف عن انه كان في مقام الاجمال او الاهمال ، فليس فيه تصرف اصلا ، بخلاف الحمل على الاستحباب فانه لا بد فيه من التصرف واستعمال الامر الموضوع للوجوب في غير ما وضع له ، والى هذا اشار بقوله : «مع تخيل وروده في مقام بيان تمام المراد» وذلك قبل العلم «بالمقيد وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد» للمطلق وهو المقيد «نعلم» انه لم يكن في مقام البيان لاطلاق المطلق بل كان «وجوده» : أي وجود اللفظ المستعمل في معناه لم يكن واردا في مقام الاطلاق بل كان في مقام «الاجمال فلا اطلاق فيه» بعد ورود التقييد «حتى يستلزم تصرفا فلا يعارض ذلك» : أي لا يعارض حمل المطلق على المقيد الذي كشف القيد عن انه لا يستلزم تصرفا

٣٢٨

وأنت خبير بأن التقييد أيضا يكون تصرفا في المطلق ، لما عرفت من أن الظفر بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان ، بل عن عدم كون الاطلاق الذي هو ظاهره بمعونة الحكمة ، بمراد جدي ، غاية الامر أن التصرف فيه بذلك لا يوجب التجوز فيه (١) ، مع أن حمل

______________________________________________________

«بالتصرف في المقيد بحمل امره على الاستحباب» فانه يستلزم تصرفا بحمل الامر الموضوع للوجوب في الاستحباب.

(١) هذا شروع في الجواب عن التقريرات ، وقد اجاب بجوابين :

الاول : وتوضيحه ان المراد من كون المولى في مقام البيان كونه في هذا المقام في حال التخاطب لا كونه كذلك الى الأبد ، بمعنى ان الظفر بالمقيد لا يكشف عن كون المولى كان في مقام التخاطب بالمطلق في مقام الاجمال ، بل كونه في مقام البيان متحقق حتى بعد التقييد ، غاية الامر انه بعد التقييد يكون كاشفا عن ان قيامه بصدد الاطلاق لم يكن عن جد بل كان بداعي ضرب القاعدة.

وبعبارة اخرى : ان لازم مقدمات الحكمة هو ان المولى لو لم يرد الاطلاق للزم منه نقض الغرض في مقام التخاطب ، وبعد ورود التقييد غايته هو كشفه عن ان قيامه بصدد الاطلاق لم يكن عن ارادة جدية ، ولا يستلزم التقييد ان لا يكون المولى مريدا للاطلاق ولو بداعي ضرب القاعدة كما مر نظيره في تخصيص العموم.

فتبين : انه بعد ورود التقييد ايضا يستلزم حمل المطلق على المقيد تصرفا لوضوح استلزامه مخالفة الظهور ، لا اطلاق المطلق الذي تم له بعد انتهاء محل التخاطب ، فلا فرق بين حمل المشهور والحمل على الاستحباب في كون كل منهما مستلزما للتصرف.

نعم هناك فرق بينهما وهو ان التصرف في حمل المطلق على المقيد لازمه مخالفة الظهور من دون تجوز وفي حمل الامر بالمقيد على الاستحباب يستلزم تجوزا باستعمال الامر في الاستحباب والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وانت خبير بان التقييد

٣٢٩

الامر في المقيد على الاستحباب لا يوجب تجوزا فيه ، فإنه في الحقيقة مستعمل في الايجاب ، فإن المقيد إذا كان فيه ملاك الاستحباب ، كان من أفضل أفراد الواجب ، لا مستحبا فعلا ، ضرورة أن ملاكه لا يقتضي استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه (١).

______________________________________________________

ايضا يكون تصرفا في المطلق» لاستلزامه مخالفة ظهور المطلق في الاطلاق بحمله على المقيد لان ظهوره قد تم بانتهاء مجلس التخاطب «لما عرفت من ان الظفر بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان» ولو بداعي ضرب القاعدة «بل» غاية ما يقتضيه التقييد هو كونه كاشفا «عن عدم كون الاطلاق الذي هو ظاهره بمعونة» مقدمات «الحكمة بمراد جدي» أي مرجع التقييد الى التقييد في الارادة الجدية ولا يستلزم الخلل في مقام الاستعمال وكون المطلق في هذا المقام لم يرد الاطلاق ولو بداعي ضرب القاعدة.

وقد اشار الى الفرق بين التصرفين بكونه في حمل المطلق على المقيد فيه مخالفة للظاهر وفي الحمل على الاستحباب لازمه التجوز بقوله : «غاية الامر ان التصرف فيه بذلك لا يوجب التجوز فيه» : أي حمل المطلق على المقيد.

(١) هذا هو الجواب الثاني ، حاصله : انه في حمل الامر في المقيد على الاستحباب لا يستلزم تجوزا اصلا ، فانه لا يكون الامر في المقيد دالا على الاستحباب الاصطلاحي الذي هو جواز الترك مع رجحان الفعل ، بل يجتمع في المقيد ملاكان ملاك الوجوب باعتبار كونه احد افراد المطلق وملاك الاستحباب ، ولا يعقل اجتماع امرين في واحد لانه من اجتماع داعيين وعلتين على مدعو ومعلول واحد ، وملاك الوجوب اقوى فبكون ملاك الاستحباب موجبا لتأكد الوجوب في المقيد وكونه أفضل الافراد ، وليس لازم الحمل على الاستحباب بقاء الامر الاستحبابي بالفعل على حاله حتى يستلزم تجوزا ، بل يكون الامر في المقيد وهو الأمر الواجب غايته بنحو مؤكد وهو كونه افضل افراد الواجب المطلق ، ولذا قال : «مع ان حمل الامر في المقيد على الاستحباب

٣٣٠

نعم ، فيما إذا كان إحراز كون المطلق في مقام البيان بالاصل ، كان من التوفيق بينهما ، حمله على أنه سيق في مقام الاهمال على خلاف مقتضى الاصل (١) ،

______________________________________________________

لا يوجب تجوزا» ثم اشار الى اجتماع الملاكين في المقيد بقوله : «فان المقيد اذا كان فيه ملاك الاستحباب» ثم اشار الى كونه ليس بمستحب اصطلاحي بقوله : «لا مستحبا فعلا» ثم اشار الى عدم امكان فعلية الاستحباب مع فعلية الوجوب بقوله : «ضرورة ... الى آخر الجملة».

(١) قد عرفت ان كون المطلق في مقام البيان ، تارة يحرز بالقطع ، واخرى بالقرينة الخاصة ، وثالثة بالاصل العقلائي وهو بناء العقلاء على كون المتكلم في مقام البيان لتمام مراده ، ففيما اذا كان الاحراز بالقطع او بالقرينة الخاصة على كونه في مقام البيان فبعد ورود التقييد لا يتعين حمل المطلق على المقيد ، اذ التقييد لا يستلزم كونه كان في مقام الاجمال ، فان القطع بكونه كان في مقام البيان لا ينقلب الى الشك بمجرد ورود التقييد ، لما عرفت من ان غايته هو التقييد في الارادة الجدية لا في مقام التخاطب ، وكذا اذا كان بالقرينة لوضوح ان التقييد لا يستلزم كونه في مقام الاجمال حتى يكون معارضا للقرينة القائمة على كونه كان في مقام البيان ، لامكان كونه كان في ذلك المقام لاجل ضرب القاعدة ، فلا وجه لرفع اليد عن القرينة الدالة على ذلك بعد ان كان التقييد لا يعارضها.

نعم ، اذا كان كون المتكلم في مقام البيان محرزا بالاصل العقلائي فينبغي حمله على انه كان في مقام الاهمال ، لان التقييد يصلح لكونه قرينة على ذلك وان لم يتعين في قرينيته عليه ، إلّا ان مع ورود ما يصلح للقرينية على خلافه لم يعلم احراز بناء العقلاء على انه في مقام البيان حتى بعد ورود ما يصلح للقرينية على الاهمال.

وبعبارة اخرى : ان الأمر يدور بين التصرف في الاصل وبين التصرف في المطلق ، بحمله على كونه مرادا بداعي ضرب القاعدة لا بداعي الجد ، وبين حمل الأمر في

٣٣١

فافهم (١).

______________________________________________________

المقيد على الاستحباب ، ولعل الاصل العقلائي اضعف هذه الثلاثة فالتوفيق بينهما يقتضي رفع اليد عن الاصل وحمل المطلق على كونه في مقام الاهمال ، ولذا قال : «نعم فيما اذا كان احراز كون المطلق في مقام البيان بالاصل كان من التوفيق بينهما» لكونه اضعف «حمله» : أي حمل المطلق «على انه سيق في مقام الاهمال على خلاف مقتضى الاصل» العقلائي الذي كان بمقتضاه هو كون المطلق في مقام البيان لا الاهمال.

(١) ذكر في هامش الكتاب (١) وجه الاشارة بقوله فافهم ، وحاصله : ان المتكلم اذا كان في مقام بيان ان المتيقن تمام مراده ، فانه بعد ان لم ينصب قرينة على ارادة تمام افراد المطلق لا يكون قد اخل بغرضه ، فبملاحظة التقييد قد فهم ان المتيقن تمام مراده ، وإلّا لكان قد اخل بغرضه فيلزمه نصب قرينة على ان المطلق تمام مراده ، نعم لو كان غرضه ان المتيقن مراد في قبال الاهمال والاجمال المطلق لم يكن عليه نصب القرينة.

ولا يخفى ان هذا انما يتم فيما اذا ورد التقييد قبل وقت الحاجة فان كونه في مقام الاهمال لا مانع منه ، اما اذا ورد التقييد بعد الحاجة فلا يمكن حمله على الاهمال للزوم القبح ، بل لا بد من كونه في مقام البيان ولو بداعي ضرب القاعدة اذا حملنا المطلق على المقيد ، وبداعي الجد اذا حملنا التقييد على افضل الافراد ، ولذلك فان جل المطلقات التي ورد عليها التقييد قد احرز البيان فيها بالاصل العقلائي ، ولو حملت على الاهمال لسقط الاطلاق فيها من رأس ولا يلتزمون بذلك.

__________________

(١) كفاية الاصول بحاشية المحقق المشكيني قدس‌سره : ج ١ ص ٣٩٣ (حجري).

٣٣٢

ولعل وجه التقييد كون ظهور إطلاق الصيغة في الايجاب التعييني أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق (١).

______________________________________________________

(١) هذا وجه ثان لحمل المطلق على المقيد غير الوجه الاول ، وهو كون الجمع اولى من الطرح لما تقدم من انه لا ينحصر الجمع بينهما بذلك ، بل يمكن بحمل المقيد على افضل الافراد.

وتوضيحه : ان المنافاة بين المطلق والمقيد هو بين اطلاقين : اطلاق المطلق في شموله لجميع الافراد وانه لا يختص بالفرد المقيد ، والاطلاق في المقيد بكون الوجوب فيه تعييني ، فانه لو كان افضل الافراد لكان وجوب المقيد غير مختص به ، وانه هو الواجب لا غير دون الفرد غير المقيد ، فان اعتق رقبة اطلاق الوجوب التعييني فيه محفوظ ، وانما الكلام في ان الوجوب التعييني فيه هل هو لخصوص فرده المقيد او يعم غيره؟ بخلاف الوجوب التعييني في اعتق رقبة مؤمنة ، فانه اذا حملنا المطلق عليه كان الوجوب التعييني فيه محفوظا ، واذا حملناه على الاستحباب بمعنى كونه افضل افراد الواجب فالوجوب فيه ليس تعيينيا بل هو احد افراد الواجب لطبيعة المطلق ولكنه افضلها ، والعقل يخير بينه وبين غيره من الافراد الخالية عن القيد.

فتبين : ان التنافي بين الاطلاق في المطلق وبين اطلاق صيغة الامر في المقيد في اقتضائه للوجوب التعييني ، وظهور صيغة الامر في المقيد في الوجوب التعييني اقوى من ظهور اطلاق المطلق ، هذا اذا قلنا ان دلالة صيغة الامر على التعييني بالاطلاق ، واما اذا قلنا بالوضع او الانصراف فكونه اقوى مما لا ريب فيه ، والى ما قلنا اشار بقوله : «ولعل وجه التقييد» في حمل المطلق على المقيد كما هو المشهور وترجيحه على احتمال الاستحباب في المقيد هو «كون ظهور اطلاق الصيغة في المقيد في» دلالته على «الايجاب التعييني اقوى من ظهور المطلق في الاطلاق».

٣٣٣

وربما يشكل بأنه يقتضي التقييد في باب المستحبات ، مع أن بناء المشهور على حمل الامر بالمقيد فيها على تأكد الاستحباب (١) ، اللهم إلا أن يكون الغالب في هذا الباب هو تفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبية (٢) ،

______________________________________________________

(١) توضيحه : ان الداعي لحمل المطلق على المقيد في الواجبات هو عدم امكان اجتماع الوجوبين الفعليين في المقيد ، فلا بد ان لا يكون فيه الا وجوب واحد ، اما وجوب المطلق ، او وجوب المقيد بما هو مقيد ، وهذا المحذور موجود في المستحبات ، فاذا ورد مستحب مطلق ومستحب مقيد ، فبناء على مسلك المشهور في الواجبات من حمل المطلق على المقيد لا بد وان يكون الحال كذلك في المستحبات من لزوم حمل المستحب المطلق على المستحب المقيد ، مع ان عمل المشهور في المستحبات على خلاف ذلك ، فان عملهم على ابقاء اطلاق المطلق وحمل الأمر في المقيد على تأكد الاستحباب ، مع أن ما ذكرنا في وجه التقييد من كون ظهور الامر في التعييني اقوى من ظهور الاطلاق في المطلق وهذا الوجه موجود في المستحب المطلق والمستحب المقيد فان ظهور صيغة الامر في المقيد في الاستحباب التعيني اقوى من ظهور المطلق في الاطلاق ، ولذا قال : «وربما يشكل بانه يقتضي التقييد في باب المستحبات» : أي ان ما ذكرنا في التقييد وحمل المطلق على المقيد في الواجبين يقتضي ذلك في باب المستحبات «مع ان بناء المشهور» على عدمه فان بناءهم في المستحبات «على حمل الامر بالمقيد على تأكد الاستحباب».

(٢) حاصله : هو الفرق بين المستحبات والواجبات ، فان الغالب في المستحبات ان تكون اوامرها لأجل الملاك الاستحبابي لا لفعليته ، وان الملاك فيها متفاوت لكثرة ذكر درجات الثواب فيها المتفاوتة ، فاذا كانت الغلبة في المستحبات ذلك كان الأمر فيها واردا في هذا المعرض ، فجهة الظهور فيها في التعييني بملاحظة هذه الغلبة تكون ضعيفة وتكون جهة الاطلاق في المطلق اقوى ، فلذلك اختلف مسلك المشهور فيها

٣٣٤

فتأمل (١). أو أنه كان بملاحظة التسامح في أدلة المستحبات ، وكان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجيء دليل المقيد ، وحمله على

______________________________________________________

عن مسلكه في الواجبات بالحمل في المستحبات على التأكد في الاستحباب دون حمل المطلق فيها على المقيد كما هو مسلكهم في الواجبات ، والى هذا اشار بقوله : «اللهم إلّا ان يكون الغالب» : أي ان ما اشكل على المشهور من لزوم حمل المطلق فيها على المقيد كالواجبات لقوة ظهور الصيغة في التعيينية لا يرد اذا كان الغالب «في هذا الباب» : أي باب المستحبات «هو تفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبية» فان الامر الوارد في هذا المعرض من الغلبة يكون ظهوره في التعيينية ضعيفا وظهور المطلق في الاطلاق اقوى منه.

(١) لعله اشارة الى ما يمكن ان يورد من لزوم الدور ، وحاصله : ان تقديم ظهور المطلق على المقيد موقوف على ضعف ظهور المقيد وضعف ظهور المقيد موقوف على احراز هذه الغلبة في المستحبات ، واحراز هذه الغلبة موقوف على تقديمهم لاطلاق المطلق على الظهور التعييني في المقيد.

والجواب عنه : ان احراز الغلبة ليس موقوفا على تقديمهم لاطلاق المطلق لما عرفت من ان احراز الغلبة انما هي لتضمن اخبار المستحبات لدرجات الثواب المختلفة ولان كون الاوامر الاستحبابية ملاكية لا فعلية مما لا بد منه في الجملة ، لصعوبة الالتزام بفعلية الاوامر الاستحبابية كلها ، فان المستحبات الواردة في اعمال اليوم والليلة او في ليلة القدر ـ مثلا ـ مما لا يفي بها الزمان ، فالالتزام بفعلية الاستحباب مع كون الزمان مما لا يفي بها غير معقول.

ويحتمل ان يكون اشارة الى ان المشهور مسلكهم في المقامين واحد وهو حمل الامر في الواجبات والمستحبات على الملاك ، ولكن الملاك في الواجبات يقتضي حمل المطلق على المقيد ، فان الملاك الوجوبي في المقيد بما هو مقيد يقتضي العقاب على

٣٣٥

تأكد استحبابه ، من التسامح فيها (١).

______________________________________________________

تركه ، بخلاف الملاك الاستحبابي في المقيد بما هو مقيد حيث لا يقتضي العقاب فلا مانع من كون غيره فيه ملاك الاستحباب ايضا ، والله العالم.

(١) هذا جواب آخر عن الاشكال على المشهور في ان مسلكهم يقتضي كون عملهم في المستحبات على طبق عملهم في الواجبات في حمل المطلق على المقيد.

وحاصله : ان مسلكهم في المقامين واحد ، والمطلق قد سقط عن الحجية في كونه بعنوانه الاطلاقي مستحبا بعد حمله على المقيد ، إلّا ان المطلق بعد ان بلغنا على اطلاقه يكون مستحبا بعنوان من بلغ لا بعنوانه الاولى ، فعملهم على الاستحباب في المطلق انما هو للعنوان الثانوي وهو عنوان من بلغ ، فلذا لم يرفعوا اليد عن الاستحباب في المطلق في غير الفرد المقيد ، ولازم ذلك عدم تأكد الاستحباب في الفرد المقيد ، لوضوح ان من بلغ مورده ما لا دليل فيه على الاستحباب مما يشمله دليل حجية الخبر والمقيد مستحب بعنوانه المشمول لادلة حجية الخبر.

والحاصل : ان عنوان من بلغ لا يجتمع مع العنوان الاستحبابي بعنوانه الخاص لان مورده جعل الاستحباب لما لا استحباب له ، والمقيد قد جعل استحبابه بحسب شمول ادلة حجية الخبر له ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «او انه كان» عمل المشهور في البناء على الاستحباب في المطلق ليس من جهة الاختلاف في المسلك بل مسلكهم واحد في المقامين وانما كان ذلك «بملاحظة التسامح في ادلة المستحبات» بواسطة دليل من بلغ ، لا لان مسلكهم في المستحبات على حمل الامر في المقيد على افضل الافراد «وكان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجيء دليل المقيد وحمله على تأكد استحبابه» هذا معطوف على رفع اليد أي وكان عدم حمل الامر في المطلق على تأكد الاستحباب في المقيد «من التسامح فيها» هذا خبر كان أي كان عدم رفع اليد وعدم حمله من التسامح فيها.

٣٣٦

ثم إن الظاهر أنه لا يتفاوت فيما ذكرنا بين المثبتين والمنفيين بعد فرض كونهما متنافيين ، كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتحاد التكليف ، من وحدة السبب وغيره ، من قرينة حال أو مقال حسبما يقتضيه النظر (١) ،

______________________________________________________

ولا يخفى ان قوله وكان من التسامح فيها فيه نحو اشارة الى تمريض هذا الاحتمال لكون ادلة من بلغ موردها جعل الضعيف بحسب السند مستحبا بعنوان من بلغ ، لا جعل الضعيف من ناحية الدلالة مستحبا ، لوضوح دلالة قوله ـ وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله ـ على ذلك.

(١) الغرض من هذا بيان عدم الفرق بين المطلق والمقيد فيما ذكرنا من ناحية كون الحكم فيهما حكما اثباتيا وجوبيا كاعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة ، او سلبيا تحريميا كلا تعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة.

وعدم الفرق بينهما واضح فيما اذا كان التنافي بينهما لوحدة سبب الحكم ، فان سبب الحكم اذا كان واحدا لا بد وان يكون المسبب عنه وهو الحكم واحدا ، واذا كان واحدا فهو اما الحكم الاطلاقي او الحكم التقييدي ، وكلما ذكر في التنافي بين المثبتين يجري في التنافي بين المنفيين ، كما انه لا فرق بينهما في سبب التنافي وهو وحدة السبب فيما اذا ذكر السبب وكان واحدا فيهما ، وفيما لم يذكر السبب ولكن قامت قرينة على وحدة الحكم فيهما.

وعلى كل فلا فرق بينهما اصلا فيما اذا كان السبب في التنافي هو وحدة الحكم فيهما والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ثم ان الظاهر انه لا يتفاوت فيما ذكرنا بين المثبتين والمنفيين ... الى آخر الجملة» واشار الى عدم الفرق بينهما في ما يدل على وحدة الحكم ، وانه تارة يكون وحدة السبب المذكور فيهما ، واخرى القرينة الدالة على وحدة الحكم بقوله : «كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتحاد التكليف وحدة السبب وغيره ... الى آخر الجملة».

٣٣٧

فليتدبر (١).

تنبيه : لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين ، بين كونهما في بيان الحكم التكليفي ، وفي بيان الحكم الوضعي ، فإذا ورد مثلا : إن البيع سبب ، وإن البيع الكذائي سبب ، وعلم أن مراده إما البيع على إطلاقه ، أو البيع الخاص ، فلا بد من التقييد لو كان ظهور دليله في دخل القيد أقوى من ظهور دليل الاطلاق فيه ، كما هو ليس ببعيد ، ضرورة تعارف ذكر المطلق وإرادة المقيد ـ بخلاف العكس ـ بالغاء القيد ، وحمله على أنه غالبي ، أو على وجه آخر ، فإنه على خلاف المتعارف (٢).

______________________________________________________

(١) لعله اشارة الى ان عدم الفرق بين المطلق والمقيد الايجابيين والمطلق والمقيد التحريميين انما هو اذا كان التنافي بينهما لوحدة الحكم ، واما اذا كان السبب في التنافي هو اجتماعهما لاستلزامه اجتماع المثلين وان تعدد السبب فيهما ، وكان السبب للحكم في المطلق غير السبب في المقيد ، ولكن حيث لا يعقل اجتماع المثلين فلا بد وان يكون الحكم في المقيد واحدا وهو اما الحكم الاطلاقي أو الحكم التقييدي ، واذا كان التنافي لهذا فيمكن الفرق بين المثبتين والمنفيين ، فان الايجابيين اذا كانا بدليين ففي مورد الاجتماع يمكن ان يراد من المطلق فرد بدلي آخر غير المقيد ، ولا بدلية في التحريميين لان الترك شيء واحد فلا يعقل ان يراد من المطلق فرد آخر.

وهناك فرق آخر بينهما ـ ايضا ـ وهو انه في المثبتين يمكن الحمل على افضل الافراد لاختلاف مراتب المحبوبية ، وفي التحريميين لا يمكن ذلك لان اقل مراتب التحريم هو ما يوجب العقاب على فعله.

(٢) حاصله : انه لا فرق في التنافي بين المطلق والمقيد بعد ما علم كون الحكم فيهما واحدا بين كونهما متضمنين لحكم تكليفي كاعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة ، او كانا متضمنين لحكم وضعي كبع وبع بالعقد مثلا ، فانه بعد ما علم ان الحكم فيهما واحد

٣٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدور امره بين كونه هو الحكم المطلق فيكون دليلا على صحة كل بيع او انه خصوص الحكم المقيد فلا تكون له دلالة على صحة غيره من البيوع.

ولا يستبعد المصنف ان الحال فيه كالحال في الحكم التكليفي من حمل المطلق على المقيد ، لكن الموجب عنده هنا لكون ظهور المقيد اقوى من ظهور المطلق غير الوجه الذي ذكره في الحكم التكليفي ، فان المقتضي هنا لتقديم ظهور المقيد على المطلق هو تعارف شيوع المقيد بعد المطلق وان المقيد هو المراد بالمطلق ، فظهور التقييد في المقيد في كونه تأسيسيا لا ينبغي رفع اليد عنه لان اطلاق المطلق وارادة المقيد منه متعارف ، بخلاف العكس بان يكون الحكم هو الحكم الاطلاقي ، وذكر القيد في المقيد لا بد ان يكون محمولا على انه الفرد الغالب او لمزيد الاهتمام به.

وعلى كل فلازمه الغاء القيد من ناحية دخالته في الحكم فانه بعيد ، وليس كذلك ذكر المطلق وارادة المقيد منه المقتضي لدخالة القيد في الحكم ، وقد اشار الى سبب تقديم المقيد على اطلاق المطلق بعد قوله : «فلا بد من التقييد لو كان ظهور دليله في دخل القيد اقوى من ظهور دليل الاطلاق ...» بقوله : «ضرورة تعارف ذكر المطلق وارادة المقيد» فان هذا هو العلة في التقديم «بخلاف العكس» وهو تقديم اطلاق المطلق على دخالة القيد الذي لازمه الالتزام «بالغاء القيد» في المقيد «وحمله على انه غالبي او على وجه آخر» لكونه موضع الاهتمام فانه على خلاف المتعارف ، بخلاف ذكر المطلق وارادة المقيد منه فانه من المتعارف.

ولا يخفى انه بعد ان كان السبب في التقديم هنا غير ما ذكره من الوجه في المثبتين المتضمنين للحكم التكليفي من كون ظهور المقيد في كونه تعيينيا اقوى من ظهور الاطلاق في المطلق.

لا ينبغي الاشكال على المصنف من كون الحكم الوضعي في المطلق في المثبتين استغراقيا ، ففي كل فرد من افراد البيع حكم تعييني فلا يكون لتقديم المقيد عليه من حيث ظهوره في التعيينية وجه ، لانك قد عرفت ان الوجه هنا ليس التقديم لأجل

٣٣٩

تبصرة لا تخلو من تذكرة ، وهي : إن قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات ، فإنها تارة يكون حملها على العموم البدلي ، وأخرى على العموم الاستيعابي ، وثالثة على نوع خاص مما ينطبق عليه حسب اقتضاء خصوص المقام ، واختلاف الآثار والاحكام ، كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام. فالحكمة في إطلاق صيغة الامر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي (١) ، فإن إرادة غيره تحتاج إلى مزيد بيان ، ولا معنى لارادة الشياع

______________________________________________________

تعيينية المطلق ، بل هو كون ذكر المطلق وارادة المقيد من المتعارف ، بخلاف رفع اليد عن دخالة القيد فانه ليس من المتعارف.

(١) حاصلها ان مقدمات الحكمة تختلف بحسب الموارد والمناسبات فقد تقتضي العموم البدلي كاعتق رقبة ، فانه لا يعقل ان يراد به العموم الاستيعابي لعدم القدرة على عتق كل رقبة ، وارادة عتق رقبة خاصة من انواع الرقبة أو اصنافها يحتاج الى بيان لا يفي به قوله اعتق رقبة ، والاهمال خلاف الغرض لكونه بصدد البيان فتكون النتيجة هي العموم البدلي.

وقد تقتضي المناسبة لكونه في مقام بيان العموم الاستيعابي كما سيشير اليه في مثل الآية المباركة : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١).

وقد تقتضي المناسبة نوعا خاصا من العام كمقدمات الحكمة الجارية في صيغة الامر فانها تقتضي كون الوجوب تعيينيا دون الاعم منه ومن الوجوب التخييري وعينيا دون الاعم منه ومن الكفائي ، ونفسيا دون الاعم منه ومن الغيري كما مر ذكره مفصلا في باب الصيغة ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : «فانها» : أي قضية

__________________

(١) البقرة : الآية : ٢٧٥

٣٤٠