بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-060-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٥٤

ونفي ثبوته ووجوده في الخارج ، وإثبات فرد منه فيه ـ وهو الله ـ يدل بالملازمة البيّنة على امتناع تحققه في ضمن غيره تبارك وتعالى ، ضرورة أنه لو لم يكن ممتنعا لوجد ، لكونه من أفراد الواجب (١).

______________________________________________________

لها على عدم امكان إله آخر» فتكون ناقصة الدلالة من حيث عدم دلالتها على امتناع إله غيره.

(١) وتوضيح الجواب بحيث تكون تامة الدلالة على التوحيد يتوقف على امور :

الأول : ان معنى الإله المنفي بلا هو المعبود بالحق ، فهو لفظ موضوع لمعنى كلي ، ولفظ الجلالة أي لفظ الله هو واجب الوجود بالذات ، وهو اسم خاص لذاته جلت وعظمت فهو من الاعلام ، ولا يخفى ان المعبود بالحق الذي هو الكلي منحصر في الفرد ، لوضوح ان العبادة بالحق من صفاته عزوجل المختصة به لأنها من الصفات الخاصة بواجب الوجود بالذات ، لان العبادة بالحق هي الخضوع بالحق ، وخضوع شيء لشيء لا يكون جزافا بل لأنه مستمد منه صيرورته شيئا بالفعل ، وانه به صار موجودا منعما عليه بنعمة الوجود ، وحيث انه لا فاعل للوجود الا واجب الوجود ، فان الممكن الموهوب له الوجود لا يملك غير وجود نفسه ، فلا يعقل ان يهب وجود نفسه وهو فاقد لغير ذلك ، وفاقد الشيء لا يعطيه.

فتحصل : ان المعبود بالحق الإله اي كلي منحصر في الفرد ، والفرق بينه وبين لفظ الله ـ لفظ الجلالة ـ هو ان لفظ الجلالة علم لذاته علة العلل عزت وجلت عظمته.

الثاني : ان الامكان بمعنى عدم الامتناع لا بمعنى سلب الضرورة عن الطرفين اتصاف واجب الوجود بالذات به يلازم فعليته ووجوده ، لان واجب الوجود بالذات هو ما كان وجوده ضروريا لذاته لوضوح امتناع ان يكون وجوده من غيره ، وإلّا لم يكن وجوده واجبا لذاته بل واجبا له بغيره وعلته وهو خلف ، فاذا ادرك العقل عدم امتناع وجود ذات وجودها ضروري لذاتها فلا بد وان تكون موجودة بالفعل لفرض انها لا علة لها حتى توجد بها ، وحيث ان العقل ادرك انها لا امتناع

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

في تحققها فلا بد وان تكون متحققة بالفعل ، وإلّا لكان عدم تحققها بالفعل اما لان علتها لم تمنحها الوجود وهو خلف لفرض عدم العلة لها ، واما لانه يمتنع تحققها وهو خلف أيضا لفرض ادراك العقل عدم امتناعها فهي حينئذ مما اذا امكن وجد.

الثالث : انه كما ان عدم امتناعه يلازم وجوده وفعليته كذلك عدم وجود واجب الوجود يلازم امتناعه بالذات لعين ما ذكرناه ، لانه مع فرض كونه واجب الوجود وغير محتاج الى علة فلا بد ان يوجد ، واذا لم يوجد فلا بد وان يكون ممتنعا. فاذا عرفت هذا اتضح الجواب.

فانا نختار ان الخبر المقدر هو موجود ، وقد عرفت ان جهة الاشكال عليه بان النقصان فيها من حيث انها لا تدل على امتناع غيره تعالى وان دلت على وجوده ، والتوحيد لا بد وان يكون مشتملا على الامرين ، لأن دلالتها تكون انه لا إله موجود إلّا الله فهو موجود ، ونفي وجود غيره لا يدل على امتناع ذلك الغير الموجود لعدم الملازمة بين عدم الوجود والامتناع.

وبما بيّنا يتضح : انه في مفهوم واجب الوجود عدم وجوده يلازم امتناعه كما عرفت ، وانما لا يلازم عدم الوجود الامتناع في الممكن المحتاج الى العلة ، اما ما لا حاجة فيه الى العلة فعدم وجوده لا بد وان يلازم امتناعه ، اذ لو لم يكن ممتنعا لوجد.

والحاصل : انه بناء على ان المقدر موجود فالمتحصل منها نفي وجود واجب وجود غير الله وان الله موجود ، وهذا المعنى يدل على وجوده وامتناع غيره وهو التوحيد ، لان واجب الوجود هو الذي يكون وجوده ضروريا لذاته ، ونفي وجود ما كان وجوده ضروريا لذاته يلازم امتناعه ، لما عرفت من ان ما كان وجوده ضروريا لذاته اذا لم يكن ممتنعا فلا بد وان يكون موجودا ، والى هذا أشار بقوله : «مندفع بان المراد من الإله هو واجب الوجود» لا يخفى انه ليس غرضه ان مفهوم الإله ومفهوم واجب الوجود مترادفان بل غرضه ان الإله حيث انه هو المعبود بالحق والمعبود بالحق مساوق لواجب الوجود «ونفي ثبوته ووجوده في الخارج» أي نفي

٦٢

ثم إن الظاهر أن دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى بالمفهوم (١) ، وأنه لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه التي دلت

______________________________________________________

ثبوت هذا المفهوم الكلي «واثبات فرد منه فيه وهو الله» العلم لذاته تعالى بالخصوص وهو فرد هذا المفهوم الكلي «يدل بالملازمة البينة على امتناع تحققه» أي على امتناع تحقق ذلك الكلي في فرد آخر غيره تعالى ، لما تقدم من الملازمة في الواجب بين عدم وجوده وامتناعه ، والكلمة المباركة بناء على كون الخبر موجودا قد دلت على عدم وجود هذا المفهوم في الخارج «في ضمن غيره تبارك وتعالى» ونفي وجود غيره يلازم كون ذلك الغير ممتنعا «ضرورة انه لو لم يكن ممتنعا لوجد لكونه من افراد الواجب» الذي يلازم عدم امتناعه وجوده كما مرّ.

ثم لا يخفى انه اتضح أيضا ان الخبر المقدر للكلمة الطيبة لو كان ممكنا أيضا لدلت على التوحيد الكامل التام ، لأنها تدل على عدم امكان غيره تبارك وتعالى ، وبالنسبة اليه وان دلت على امكانه لا على وجوده إلّا أنّك قد عرفت ان امكانه أي عدم امتناعه يلازم وجوده ، ولم يشر المصنف الى هذا لوضوح انه بعد معرفة لوازم الواجب من ان عدم وجوده يلازم امتناعه ، وعدم امتناعه يلازم وجوده يفهم هذا الجواب ولا داعي لذكره.

(١) حاصله : ان (الّا) دلت على مجرد إخراج المستثنى عن المستثنى منه المختص بالحكم فثبوت نقيض الحكم للمستثنى منه لازم اخراجه عن حكم المستثنى منه المختص بهم ، وعلى هذا فالدلالة مفهومية وان دلت (الا) على ثبوت نقيض الحكم للمستثنى فتكون الدلالة منطوقية.

والحاصل : انه ان كان معنى قولنا ما جاءني القوم الا زيد هو مجرد خروج زيد عن القوم الذين اختصوا بعدم المجيء ، فتكون الدلالة مفهومية لان لازم خروج زيد عن القوم الذين ما جاءوا المختص بهم عدم المجيء كون زيد قد جاء ، وان كان معنى

٦٣

عليها الجملة الاستثنائية ، نعم لو كانت الدلالة في طرفه بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة ، كانت بالمنطوق ، كما هو ليس ببعيد ، وإن كان تعيين ذلك لا يكاد يفيد.

______________________________________________________

قولنا ما جاءني القوم الا زيد هو كون القوم ما جاءوا وزيد قد جاء كانت الدلالة منطوقية لدلالته على حكمين منطوقيين هما عدم مجيء القوم ومجيء زيد.

هذا ما ينبغي ان يقال ، واما ظاهر المتن فهو ان كان الدال على الاستثناء هيئة الجملة دون حرف الاستثناء فالدلالة مفهومية ، وان كان حرف الاستثناء فالدلالة منطوقية.

قوله (قدس‌سره) : «وانه لازم خصوصية الحكم» فان تلك الخصوصية هي دلالة الجملة على اختصاص القيام وانحصاره بالقوم الذين هم غير زيد ، ولازم هذه الخصوصية الانحصارية هو ثبوت حكم لزيد مناقض للحكم الثابت للقوم.

قوله (قدس‌سره) : «كما هو ليس ببعيد» ظاهره عدم استبعاده (قدس‌سره) ان تكون الدلالة منطوقية ، ولعل السبب في عدم جزمه بذلك هو دعوى ان الدال على الاستثناء حتى لو كان هو (الّا) فان الدلالة مفهومية أيضا لا منطوقية ، لوضوح ان (الّا) لا تدل على أكثر من إخراج زيد عن الحكم الثابت للقوم ، وليس المفهوم من هذا الكلام هو عين قولنا لم يقم زيد ، بل لازم ذلك هو كون زيد لم يقم وهو واضح.

قوله : (قدس‌سره) : «وان كان تعيين ... الخ» حاصله : انه بعد دلالة القضية الاستثنائية على حكم للمستثنى مناقض للحكم الذي هو للمستثنى منه ، فسواء كان ذلك حكما مفهوميا أو منطوقيا لا تترتب عليه ثمرة عملية ، اذ ليس للحكم المنطوقي خصوصية وثمرة غير مترتبة على ذلك الحكم لو كان مفهوميا.

٦٤

ومما يدل على الحصر والاختصاص (إنما) وذلك لتصريح أهل اللغة بذلك ، وتبادره منها قطعا عند أهل العرف والمحاورة (١).

ودعوى ـ أن الانصاف أنه لا سبيل لنا إلى ذلك ، فإن موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة ، ولا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا ، حتى يستكشف منها ما هو المتبادر منها ـ غير مسموعة ، فإن السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا ، فإن الانسباق إلى أذهان أهل العرف أيضا سبيل (٢).

______________________________________________________

(١) حاصله : ان من جملة ما يدل على الحصر هو لفظ (انّما) فقولنا : انما قام زيد دون عمرو يدل على حصر القيام بزيد واخراج عمرو ، ولازم الحصر بزيد ان عمرا لم يقم.

واستدل له المصنف بدليلين : الأول : تنصيص أهل اللغة ان (انّما) من ادوات الحصر.

الثاني : التبادر فان اهل العرف يفهمون من قول القائل : انما قام زيد دون عمرو هو حصر القيام به ونفيه عن عمرو والتبادر آية الحقيقة ، وهذا الدليل كما يدل على افادتها للحصر يدل أيضا على ان ذلك بحسب الوضع.

(٢) هذا تعرض لصاحب التقريرات حيث ادعى ان الانصاف عدم دلالة (انّما) على الحصر.

وتوضيحه : ان (انّما) ربما تستعمل لحصر القيام بزيد ، كقولنا : انّما قام زيد دون القوم ، وربما تستعمل لحصر اتصافه بالقيام كقولنا : انما قام زيد ولم يضرب ، في قبال من يدعي انه قام وضرب ، فانها لا تدل على حصر القيام بزيد وانما تدل على ان زيدا وصفه منحصر بالقيام وحده دون الضرب.

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وكما تستعمل لصرف اتصافه بوصف واحد لا بوصفين كما يقال : انّما زيد شاعر لا كاتب في قبال من يدعي انه كاتب وشاعر ، كذلك تستعمل لصرف بيان ان وصفه هو الشاعرية دون الكاتبيّة في قبال من يدعي انه كاتب لا شاعر.

وربما تستعمل لبيان العلية كقولنا انما قام زيد ليحترم عمرا فانها تدل على ان الداعي لقيامه هو احترامه لعمرو.

ولما كان موارد استعمال انما مختلفا فلا نعلم انها مشتركة بين افادة الحصر وغيره ، او انها موضوعة للحصر ومستعملة في غيره مجازا ، او انها لم توضع للحصر أيضا وغيره مستفاد من القرينة ، واذا كان هذا حالها فنحن انما نميّز ونجزم بوضع لفظ لخصوص احد موارد استعمالاته حيث يكون له مرادف في لغة اخرى كالفارسية ، كلفظ (ان) الشرطية فان مرادفها بالفارسية لفظ (اگر) او (الّا) الاستثنائية فان مرادفها بالفارسية لفظة (مكر) وبواسطة المرادف نستطيع ان نعرف الحقيقة التي وضع لها اللفظ بالعربية ، واذا لم يكن للفظ المختلف موارد استعماله مرادف في لغة اخرى فلا نستطيع ان نعرف الموضوع له في اللغة العربية ، والى هذا أشار بقوله : «فان موارد استعمال هذه اللفظة مختلف ولا يعلم» أي لا يعلم حالها حقيقة «ب» واسطة «ما هو مرادف لها في عرفنا» أي في عرف اللغة الفارسية حتى يستكشف «منها ما هو المتبادر منها».

ويردّه ان الانسباق والتبادر لا ينحصر في تبادر غير العرب حتى يكون السبيل الى معرفة ما هو المتبادر من اللفظ العربي بالتبادر من مرادفه باللغة الفارسية مثلا ، فان هناك سبيلا آخر لمعرفة ما هو المتبادر منها بتبادر نفس العرب من مجرد اطلاق اللفظ العربي ، كلفظ (انما) فانها وان كان ليس لها مرادف فلا يكون للفرس ـ بما هم فرس ـ بالنسبة اليها سبيل في معرفة معناها الحقيقي ، ولكن تبادر العرب انفسهم دليل تام على ما وضعت له في لغة العرب ، وقد عرفت انه يتبادر منها الحصر فلا بد وان تكون موضوعة للحصر وان استعمالها في غير الحصر مجاز ، والى هذا اشار بقوله : «غير

٦٦

وربما يعدّ مما دل على الحصر ، كلمة (بل) الاضرابية ، والتحقيق أن الاضراب على أنحاء :

منها : ما كان لاجل أن المضرب عنه ، إنما أتى به غفلة أو سبقه به لسانه ، فيضرب بها عنه إلى ما قصد بيانه ، فلا دلالة له على الحصر أصلا ، فكأنه أتى بالمضرب إليه ابتداء ، كما لا يخفى.

ومنها : ما كان لاجل التاكيد ، فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب إليه ، فلا دلالة له عليه أيضا.

ومنها : ما كان في مقام الرّدع ، وإبطال ما أثبت أولا ، فيدل عليه وهو واضح (١).

______________________________________________________

مسموعة» أي دعوى ان الانصاف عدم دلالة (انما) على الحصر كما يظهر من التقريرات غير مسموعة «فان السبيل الى التبادر لا ينحصر بالانسباق الى اذهاننا» أي بما اننا فارسيون ، فان الانسباق الى اذهان اهل العرف أي اهل اللسان العربي «أيضا سبيل» الى معرفة ما هو الموضوع له اللفظ في لغة العرب.

(١) من جملة ما ادعى دلالته على الحصر كلمة (بل) الاضرابية ، وحيث ان موارد استعمالها مختلف ، فتارة تدل على الحصر ، واخرى لا تدل ـ لا بد من ذكر الموارد التي استعملت فيها ليتبين المورد الذي تدل فيه على الحصر.

وقد ذكر لها في المتن أربعة معان ، وذكر في الهامش لها معنى خامس ، ولها معنى سادس لم يشر اليه المصنف.

اما المعاني التي اشار اليها في المتن فالاول : استعمالها لأجل بيان ان المضرب اليه وهو الواقع بعد (بل) جيء به للدلالة على ان المضرب عنه انما ذكر غفلة كقولنا جاء زيد بل عمرو فيما اذا كان السبب لذكر زيد واسناد المجيء اليه هو الغفلة والنسيان ، وبعد ذكره حصل التذكر والالتفات الى انه ليس هو زيد فاضرب عنه وذكر الذي كان هو الجائي واقعا.

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : ان يكون السبب في الاضراب هو ان اللسان قد سبق في مقام التكلم الى زيد فاضرب المتكلم لبيان ان لسانه قد سبق الى ذكره ، وان الجائي واقعا هو عمرو ، والفرق بين هذا والاول انه في الاول عند ذكر زيد كان يرى انه هو الجائي ثم التفت الى غفلته فاضرب عنه ، وفي الثاني المتكلم كان عند ذكره لزيد يعلم بانه عمرو ولكن لسانه سبق الى ذكر زيد.

ولا يخفى انه في هذين الاستعمالين لا دلالة للاضراب على الحصر ، فان الداعي للاضراب فيهما هو الغفلة وسبق اللسان لا بيان الحصر ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «منها ما كان ان المضرب عنه» كزيد «انما أتي به غفلة او سبقه به لسان» واشار الى ان الداعي الى الاضراب ليس هو الحصر بقوله : «فيضرب بها» أي ب (بل) «عنه الى ما قصد بيانه» واشار الى انه حيث ان السبب للاضراب هو بيان ما له الحكم واقعا فلا دلالة لها على الحصر بقوله مفرعا على ما ذكر «فلا دلالة له» أي للاضراب «على الحصر اصلا فكانه اتى بالمضرب اليه ابتداء» لان الاضراب كان لاجل ان ذكر المضرب عنه الذي ذكره ابتداء هو لغفلة او سبق لسان ، والمضرب اليه هو الذي ينبغي ذكره ابتداء.

الثالث : ان يكون الاضراب لاجل التمهيد وتنبيه السامع ليتأكد الاسناد الى المضرب اليه كما لو كان السامع قد ألف ذهنه زيد ، فبمجرد ذكره ينتبه ذهنه لان يسمع ما يسند اليه فيذكر زيدا لاجل التنبيه ليلتفت السامع الى ما هو المسند اليه واقعا فيضرب المتكلم عنه بعد تنبيه السامع الى ذكر المضرب اليه ، وفي مثل هذا أيضا لا دلالة للاضراب على الحصر لان الداعي له هو التمهيد دون الحصر.

الرابع : ان يكون الداعي للاضراب هو الردع وابطال ما ثبت له الحكم اولا ، لبيان ان الثابت له الحكم واقعا هو المضرب اليه ، وهذا يدل على الحصر لان انحصار الفعل بالمضرب اليه لازمه سلب الحكم عن غيره ، ولو كان الغرض محض اثبات الحكم للمضرب اليه دون الانحصارية لما قام المتكلم في مقام الردع والابطال للاسناد

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الى المضرب عنه والاضراب عنه الى الاسناد الى المضرب اليه ، وكل ما دل على الانحصار فلازمه ثبوت المفهوم وان غير المضرب اليه لم يكن هو المسند اليه واقعا.

ولا يخفى ان كون المتكلم قد قام مقام الردع ونفي الحكم عن غير عمرو ـ مثلا ـ يدل على انحصار الحكم به ، وقد عرفت ان لازم الانحصار هو المفهوم ، وقد اشار المصنف الى الثالث بقوله : «ومنها ما كان» الاضراب «لاجل التأكيد فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب اليه» وحيث كان ذكر المضرب عنه للتوطئة والتمهيد ولاجل تأكيد الحكم للمضرب اليه ، وليس الداعي هو الردع ونفي الحكم عن غير المضرب اليه فلا دلالة للاضراب على انحصار الحكم ، ولذا قال : «فلا دلالة له» أي للاضراب «عليه» أي على الحصر الذي لازمه المفهوم ، والى الرابع اشار بقوله : «ومنها ما كان» المتكلم في اضرابه قد قام «في مقام الردع وابطال ما أثبت اولا» وحيث قد قام في مقام الردع وبيان ان الواقع قد كان ثبوت الحكم للمضرب اليه دون غيره «فيدل عليه» أي على الحصر ولازمه دلالته على المفهوم.

واما الخامس : فهو الاضراب في مقام الاثبات ، بخلاف الرابع الذي قد كان الاضراب فيه لاجل مقام الثبوت ، وقد ذكره المصنف في هامش الكتاب (١) ، وحاصله : ان الاضراب اذا كان لبيان ابطال الدليل على الدعوى ـ مثلا ـ فلا دلالة له على المفهوم ، اذ ليس الاضراب لاجل الردع وبيان حصر الحكم واقعا بالمضرب اليه مثلا كما لو قال احد ان زيدا قد جاء لأني رأيت خادمه ، فيقال له : لا بل زيد قد جاء لأنا سمعنا صوته ، وحاصل معنى هذا الكلام ان كون الدليل على مجيء زيد مجيء خادمه ليس بصحيح ، بل الصحيح ان الدليل على مجيئه هو سماع صوته لا مجيء خادمه لاحتمال تفرد خادمه بالمجيء دونه ، فان (بل) في المقام وان كانت

__________________

(١) كفاية الاصول بحاشية المحقق المشكيني (قدس‌سره) : ج ١ ص ٣٢٩ (حجري).

٦٩

ومما يفيد الحصر ـ على ما قيل ـ تعريف المسند إليه باللام ، والتحقيق أنه لا يفيده إلا فيما اقتضاه المقام ، لان الاصل في اللام أن تكون لتعريف الجنس ، كما أن الاصل في الحمل في القضايا المتعارفة ، هو الحمل المتعارف الذي ملاكه مجرد الاتحاد في الوجود ، فإنه الشائع فيها ، لا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم ، كما لا يخفى ، وحمل شيء على جنس وماهية كذلك ، لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به وحصرها عليه ، نعم ، لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق ، أو أن مدخوله أخذ بنحو الارسال والاطلاق ، أو على أن الحمل عليه كان ذاتيا لأفيد حصر مدخوله على محموله واختصاصه به.

وقد انقدح بذلك الخلل في كثير من كلمات الاعلام في المقام ، وما وقع منهم من النقض والابرام ، ولا نطيل بذكرها فإنه بلا طائل ، كما يظهر للمتأمل ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

للرّدع والابطال إلّا انه ليس لبيان حصر الحكم بالمضرب اليه ، بل لابطال دليل المستدل ، وهذا الاضراب هو الاضراب في مقام الاثبات وهو لا يدل على الحصر.

السادس : من وجوه استعمال الاضراب ما كان لاجل الترقي كما يقال : زيد عالم بل هو أعلم ، فان الاضراب ليس للحصر بل لاثبات صفة ارقى من الصفة المضرب عنها ، وعدم دلالته على المفهوم واضحة لعدم كون الداعي الى الاضراب فيه هو الحصر.

فاتضح مما ذكرنا : ان الدلالة على الحصر انما هي في خصوص الوجه الرابع وهو ما كان الاضراب بداعي الردع والابطال في مرحلة الثبوت والواقع.

(١) توضيح الحال في بيان امور ليتبين ان تعريف المسند اليه يفيد الحصر ام لا؟

الأول : بيان النسبة بين المسند اليه والمسند وان بعضها خارج عن محل النزاع قطعا ، والنسبة بين المسند اليه والمسند تارة تكون هي التساوي كقولنا الانسان ناطق ،

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وتارة تكون النسبة بينهما العموم والخصوص ويكون المسند اليه أخص من المسند كقولنا الانسان حيوان ، وثالثة يكون المسند اليه اعم كقولنا الأمير زيد ، ورابعة يكون بينهما العموم والخصوص من وجه كقولنا الانسان أبيض.

الثاني : ان يعلم حال النسبة بينهما وفي التساوي والمسند اليه الأخص من المسند لا اشكال في افادة الحصر ، لوضوح انه بارتفاع المسند يرتفع المسند اليه ، لتساويهما في المتساويين ولارتفاع الاخص بارتفاع ما هو اعم منه ، فمع العلم بالنسبة لا وجه لان يكون داخلا في محل النزاع للعلم بالحصر ، ومع العلم بالحصر لا وجه للنزاع في افادته وعدم افادته ، ومع العلم يكون المسند اليه أعم كقولنا الامير زيد لا اشكال في عدم الحصر لعدم ارتفاع المسند اليه بارتفاع المسند لكونه اعم ، ومع العلم باعميته لا وجه للنزاع في افادته للحصر ، وكذا الحال فيما اذا كان بينهما عموم وخصوص من وجه لعدم معنى النزاع فيما اذا علم ان كلا منهما لا يرتفع بارتفاع الآخر.

نعم في الاخيرين بناء على افادة تعريف المسند اليه الحصر يكون الحصر ادعائيا لا حقيقيا وان علم بعدم الحصر واقعا ، اذ الادعائية لا تنافي العلم بالعدم.

الثالث : انه قد ظهر مما ذكرنا في الثاني ان محل النزاع لا بد ان يكون فيما اذا كان حال النسبة بينهما مجهولا فهل ان تعريف المسند اليه يكون دالا على كونه ما ينحصر بالمسند اما لتساويهما او لكونه اخص من المسند ، لما عرفت من انه مع العلم بالنسبة يكون خارجا عن محل النزاع ، اما للعلم القطعي بالحصر او للعلم القطعي بعدم الحصر.

الرابع : ان الاصل في (ال) بناء على المشهور كونها لتعريف الجنس ، والمصنف هنا جرى على ما عليه المشهور ، لا على ما يراه كما سيذكره في المطلق والمقيد : من ان كون الاصل في (ال) انها للتزيين لا لتعريف الجنس.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

الخامس : ان الحمل على قسمين : حمل شايع صناعي وهو الحمل المتعارف وملاكه الاتحاد في الوجود ، وحمل ذاتي وملاكه الاتحاد حقيقة وان اختلفا مفهوما بنحو الاجمال والتفصيل كالانسان والحيوان الناطق.

اذا عرفت هذه الامور ـ اتضح ان التعريف باللام لا يفيد الحصر لان الحصر انما يستفاد من اللام وذلك حيث تكون للاستغراق ، فانها لو دلت على الاستغراق لدلت على الحصر المستلزم للمفهوم.

والحاصل ان معنى الاستغراق هو ان المسند مستوعب لجميع افراد المسند اليه ، اما لكونهما متساويين او لان المسند اعم من المسند اليه ، فانه مع افادته للاستغراق وان جميع افراد المسند اليه مما يصدق عليه المسند فلا بد من ان يستفاد منها الحصر وان المسند اليه منحصر بالمسند ، وبارتفاعه يرتفع المسند اليه.

او يستفاد الحصر من الاطلاق ومقدمات الحكمة ، وان اللام وان كانت لتعريف الجنس لا للاستغراق إلّا ان الاطلاق الجاري في المقام يفيد الحصر : ببيان ان المسند اليه لو لم يكن ماخوذا بنحو السعة والاطلاق لجميع افراد مدخوله للزم نقض الغرض ، فانه لو لم يكن القائم مثلا في قولنا القائم عالم شاملا لجميع افراد القائم وكانت بعض افراد القائم ليس بعالم للزم بيانه ، والّا لزم نقض غرضه ، واذا كان الاطلاق مفيدا لشمول المسند اليه لجميع افراده وان جميع افراده يصدق عليه العالم فلا محالة من افادته للحصر وانه يرتفع بارتفاع العالم.

ويردّه : ان الاصل في البيان ان يكون لاجل اتحاد هذين المفهومين في المصداق ، وليس الاصل فيه ان يكون مسوقا لبيان ان هذا الاتحاد بين جميع افراد المسند اليه او بعضها ، نعم لو قامت القرينة على انه لبيان ذلك لافاد الحصر.

او يستفاد من الحمل بان يكون الاصل في الحمل هو الذاتي ، فان اللام وان لم تفد الاستغراق ويكون المعرّف بها مأخوذا بنحو الاهمال من ناحية الاستغراق لجميع

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الافراد ، ولكن الحمل بينهما اذا كان ذاتيا فلا مناص من استفادة الحصر لارتفاع المسند اليه بارتفاع المسند ، لان المتحدين حقيقة متلازمان تحققا وارتفاعا.

اما اذا كان الاصل في اللام تعريف الجنس والاصل في الحمل هو الاتحاد بينهما مصداقا ولا دلالة لمحض ان المفهومين يتحدان في الصدق على الحصر لصدق ذلك باتحادهما في بعض الاحيان ببعض افرادها ، ولا يستلزم الحمل الشائع اتحادهما بجميع ما للموضوع والمحمول من افراد ، فيصح الحمل الشائع فيما اذا كان المسند اليه اعم ، ويصح فيما اذا كان بينهما عموم وخصوص من وجه وفيهما لا حصر قطعا.

ولم يشر المصنف الى بيان النسبة ولا بيان ان محل النزاع مورد الجهل ، واشار الى كون الاصل في اللام هو تعريف الجنس بقوله : «لان الاصل في اللام» هذا من المصنف اما لبنائه على ان اللام هي المعرفة ، او ان مراده باللام هي (أل).

وعلى كل فالاصل في اللام «ان تكون لتعريف الجنس» واشار الى ان الاصل في الحمل هو الحمل الشائع بقوله : «كما ان الاصل في الحمل ... الى آخر الجملة» واشار الى أن القرينة لو قامت على ان اللام للاستغراق لافاد التعريف بها الحصر بقوله : «نعم لو قامت القرينة على ان اللام للاستغراق» واشار الى انه لو قامت القرينة على ان الاطلاق ومقدمات الحكمة مسوقة لبيان الاطلاق من ناحية مدخول اللام لافاد الحصر ، إلّا ان الاصل يقتضي ان يكون البيان لصرف اتحاد المفهومين مصداقا ، وانه لا بد من قيام قرينة على كونه في مقام البيان من ناحية افراد مدخول اللام بقوله : «وان مدخوله اخذ بنحو الارسال والاطلاق» المعطوف على قوله نعم لو قامت القرينة ، واشار الى انه لو قامت القرينة على كون الحمل ذاتيا لافاد الحصر بقوله : «او على ان الحمل عليه» أي الحمل على المسند اليه «كان ذاتيا لافاد الحصر» لعطفه أيضا على قوله نعم لو قامت القرينة.

٧٣

فصل

لا دلالة للقب ولا للعدد على المفهوم ، وانتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما أصلا ، وقد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم (١) ، كما أن قضية التقييد بالعدد منطوقا عدم جواز الاقتصار على ما دونه ، لانه ليس بذاك الخاص والمقيد ، وأما الزيادة فكالنقيصة إذا كان التقييد به للتحديد بالاضافة إلى كلا طرفيه ، نعم لو كان لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه

______________________________________________________

(١) ليس المراد من اللقب ما هو المعروف وهو ما أشعر بمدح او ذم ، بل المراد منه ما وقع طرفا للنسبة في القضية سواء كان مسندا أو مسندا اليه او فعلا او فاعلا او مفعولا أو ظرفا لزمان أو مكان ، وحتى حرف الجر فان قول القائل نور في الليل لا دلالة فيه على عدم النور في النهار.

والمراد من العدد في المقام ما يشمل حتى الواحد ، وان كان العدد على ما يقال انه لا يشمل الواحد ، بل العدد يتقوم بالواحد ومنه يتألف العدد ، وعلى كل فلا دلالة للقب ولا للعدد على المفهوم ، فقولنا جاء زيد لا دلالة فيه على نفي المجيء عن عمرو ولا على نفي غير المجيء عن زيد ، ولا قول القائل عندي عشرون درهما أنه ليس عنده اكثر من ذلك ، وعلى كل فليس في اللقب والعدد ما يدل على الحصر ، وكونه طرفا في الحكم لا يدل على أزيد من كونه طرفا لشخص هذا الحكم ، وانّ شخص هذا الحكم وإن كان ينتفي بانتفاء أحد أطرافه الّا أنّ هذا الانتفاء ليس من المفهوم بل وليس لدلالة لفظية عليه ، وانما انتفاء شخص الحكم بانتفاء أحد اطرافه للدلالة العقلية ، والمفهوم كما مرّ هو انتفاء سنخ الحكم لا شخصه بالدلالة اللفظية. وقد اشار الى عدم دلالة اللقب والعدد على المفهوم بقوله : «لا دلالة للقب ولا للعدد على المفهوم ... الى آخر الجملة» ، واشار الى ان انتفاء الحكم بانتفاء احد اطرافه من انتفاء شخص الحكم لا سنخه وهو ليس من المفهوم بقوله : «وقد عرفت ان انتفاء شخصه ليس من المفهوم».

٧٤

الاقل لما كان في الزيادة ضير أصلا ، بل ربما كان فيها فضيلة وزيادة ، كما لا يخفى ، وكيف كان ، فليس عدم الاجتزاء بغيره من جهة دلالته على المفهوم ، بل إنما يكون لاجل عدم الموافقة مع ما أخذ في المنطوق ، كما هو معلوم (١).

______________________________________________________

(١) ينبغي ان لا يخفى ان المفهوم في العدد ـ لو أفاد المفهوم ـ لا بد وان يكون مدلوله الانتفاء عن العدد الذي يكون أكثر من العدد المذكور في المنطوق ، لان الانتفاء عن العدد الذي يكون اقل من المذكور في المنطوق وان كان متحققا إلّا انه ليس من المفهوم ، بل لان قضية التقييد بالحد المذكور في المنطوق هو عدم حصول الامتثال بما دون المقدار المحدود في المنطوق.

وعلى كل فتوضيح المقام ببيان لحاظ العدد في مرحلة الثبوت ، وحاصله : ان العدد بحسب مرحلة الثبوت يمكن ان يكون ملحوظا بانحاء اربعة :

الأول : ان يكون التقييد بالعدد ملحوظا بنحو اللابشرط من ناحية الزيادة والنقيصة كقوله تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)(١) فان السبعين قد لحظ بنحو اللابشرطية زيادة او نقيصة ، لانه من المعلوم انه لو استغفر لهم اكثر من سبعين أو أقل منه لا يغفر لهم ، وذكر خصوص السبعين قد يكون لكونه من المعتاد ذكره او لكونه أخف على اللسان او لنكتة اخرى.

الثاني : ان يكون التقييد بالعدد قد لحظ بشرط لا من حيث النقيصة ولا بشرط من حيث الزيادة كالتسبيحات الثلاث ، بناء على انها لا يكتفى فيها بالاقل من

__________________

(١) التوبة : الآية : ٨٠

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الثلاث ، فانه على ذلك لا يجوز الاقتصار على الاقل من العدد المتقيد به الحكم ، لكن عدم الاكتفاء به ليس للدلالة المفهومية بل لعدم الإتيان بما قد كان المنطوق مقيدا به.

وبعبارة اخرى : انه انما لا يكتفى بالاقل لعدم الاتيان بما امر به من العدد ، واما الزيادة فحيث انها قد كان العدد المحدد به الحكم بالنسبة اليها لا بشرط فلا بأس بالزيادة ، وقد اشار الى ان عدم الاكتفاء بالاقل في هذا اللحاظ من المنطوق لا من المفهوم بقوله : «كما ان قضية التقييد بالعدد منطوقا ... الى آخر الجملة».

الثالث : ان يكون ملحوظا بشرط لا من حيث الزيادة او النقيصة كالعدد في الركعات ، فان العدد في الركعات كما لا يكون من الامتثال الاتيان بالناقص كذلك مما يضربا بالامتثال زيادة الركعات على عددها المحدد به الحكم ، وكما ان الاتيان بثلاث ركعات مقتصرا عليها في الظهر مضر كذلك الاتيان بخمس ركعات مضر بالامتثال ، ولكن نفي الزيادة لا للمفهوم بل لقيام الدليل الخاص على ذلك.

الرابع : ان يكون العدد ملحوظا لا بشرط من حيث الزيادة والنقيصة كالتسبيحات الثلاث اذا قلنا بالاكتفاء بالواحدة منها.

ولا يخفى ايضا ان الاكتفاء بالاقل انما هو لدلالة الدليل الخاص على ذلك ، والّا فظاهر التقييد بالثلاث عدم الاكتفاء بما دونها.

واما لحاظ العدد لا بشرط من حيث النقيصة وبشرط لا من حيث الزيادة فليس له مثال في الشرعيات على ما يقال.

وقد تبين انه فيما لحظ فيه بشرط لا سواء كان من حيث النقيصة فقط او من حيث الزيادة فقط او من حيث النقيصة والزيادة معا ، فان عدم الاكتفاء بالاقل فللدلالة المنطوقية ، وعدم صحة الامتثال فيما اذا جاء بالزائد فانما هو لدلالة الدليل الخاص على ذلك ، وليس من الدلالة المفهومية ، والى هذا اشار بقوله : «وكيف كان فليس عدم الاجتزاء بغيره ... الى آخر الجملة».

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم لا يخفى ان ما ذكر من حيث صحة الاتيان بالاقل او الاكثر او عدم صحة الاتيان بهما او باحدهما فيما اذا علم حال لحاظ العدد في تقييد الحكم به ، واما اذا لم يعلم فهل الظاهر ان التقييد بالعدد يقتضي البشرطلائية من حيث النقيصة والزيادة ، او من حيث النقيصة فقط ، او من حيث الزيادة فقط ، او انه لا بشرط من الطرفين؟

والظاهر انه من حيث النقيصة فالقاعدة تقتضي البشرطلائية لانه لم يأت بالعدد المطلوب الذي قيد به الحكم المنطوقي.

واما من حيث الزيادة فالقاعدة تقتضي اللابشرطية فيه اذا كان الامتثال تدريجيا ، فان الامتثال يتحقق بمجرد اتيان المقدار المنطوقي ، وبعد تحقق الامتثال لا يضر به الاتيان بالزائد ، بل هو من قبيل ضم الحجر الى الانسان.

واما لو كان الامتثال دفعيا فان كان غير ارتباطي فأيضا ينبغي ان لا يكون مضرا.

واما لو كان ارتباطيا فالقاعدة أيضا تقتضي ذلك ، لان الارتباطية انما هي بين الاجزاء التي امر بها دون الزائد عليها كما لا يخفى ، والله العالم.

وقد تبين مما ذكرنا ان ظاهر هو التقييد بالعدد هو الانتفاء عمّا دون المقدار المذكور في المنطوق ، ولكنه ليس من الدلالة المفهومية ، والانتفاء عمّا هو الزائد من العدد المذكور وان كان من المفهوم الّا انه لا دلالة للتقييد بالعدد المذكور في المنطوق على انتفاء سنخ الحكم عنه ، وانتفاء شخص الحكم عنه ليس من المفهوم.

٧٧
٧٨

المقصد الرابع

في العالم والخاص

٧٩
٨٠