بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-060-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٥٤

المقيد منه فيما يمكن أن يتطرق اليه الفقدان ، وإن صح فيما لا يتطرق إليه ذلك (١). وليس المراد بالاتحاد في الصنف إلا الاتحاد فيما اعتبر قيدا في

______________________________________________________

المشافهين «من دون التقييد به» أي من دون التقييد بدخالة ما كان البالغ الآن فاقدا له مما كان المشافه واجدا له كصفات المشافه الخاصة بذاته.

(١) هذا جواب عن سؤال يمكن ان يورد ، وحاصله : انه سيأتي في باب المطلق والمقيد ان الاطلاق انما يجري لنفي غير القدر المتيقن في مقام التخاطب ، واما القدر المتيقن في مقام التخاطب فيجوز اعتماد المتكلم عليه ويكون قيدا للموضوع ولا يصح نفيه بالاطلاق ، وما كان المشافه واجدا له في حال الخطاب مما كان غيره فاقدا له الآن هو من القدر المتيقن في مقام التخاطب ويحتمل اعتماد المتكلم على وجوده في حال الخطاب في تقييد ما هو الموضوع للحكم به ، ولا ينفي هذا الاحتمال الاطلاق لما عرفت.

والجواب عنه : ان الصفات الخاصة كالاصوات المخصوصة والاشكال الخاصة مما يتطرق عليها التغير والفقدان مما لا يصح ان تكون قدرا متيقنا يعتمد عليها لو كانت لها دخالة في تقييد الموضوع للحكم بها.

نعم يصح ان تكون من القدر المتيقن في مقام التخاطب الذي يجوز للمتكلم الاعتماد عليه في تقييد الموضوع به ، ولا ينفيها الاطلاق هي الصفات التي لا يتطرق اليها التغير والفقدان ، فلو كان للمشافهين صفات خاصة مما لا يتطرق اليها الفقدان واحتمل دخالتها في تقييد موضوع الحكم بها لما صح نفيها بالاطلاق وجاز للمتكلم الاعتماد عليها ، ولكن وجود مثل هذه الصفات التي لا يتطرق اليها التغيير وكانت يحتمل دخالتها هو من النادر الشاذ الذي يمكن ان نقول انها غير موجودة في الاحكام العامة المتضمن لها الخطاب المختص بالمشافهين.

فاتضح ان الصفات التي يتطرق اليها التغير ليست من القدر المتيقن فيصح نفيها بالاطلاق ، والى هذا اشار بقوله : «وكونهم كذلك» أي كون المشافهين واجدين

٢٠١

الاحكام ، لا الاتحاد فيما كثر الاختلاف بحسبه ، والتفاوت بسببه بين الانام (١) ، بل في شخص واحد بمرور الدهور والايام ، وإلا لما ثبت

______________________________________________________

لصفات خاصة مفقودة عند غيرهم وهي مما يتطرقها التغير والفقدان وكانت دخيلة في الحكم لا يصح للمتكلم الاعتماد على وجودها في حال الخطاب لنفي الاطلاق لدخالتها ، فيلزم منه نقض الغرض لدخولها في موضوع الحكم واقعا مع ان الاطلاق ينفيها ، وهذا مراده من قوله : «لا يوجب صحة الاطلاق مع ارادة المقيد معه فيما يمكن ان يتطرق اليه الفقدان» أي في الصفات التي يتطرقها الفقدان لا يوجب صحة ان لا ينبه المتكلم على دخالتها ويطلق كلامه غير منبه على التقييد بالنسبة اليها ، لانها ليست من القدر المتيقن فينفيها الاطلاق ، فيلزم نقض الغرض لفرض دخالتها واقعا وعدم التنبيه من المتكلم على تقييد الموضوع بها.

نعم في الصفات التي لا يتطرق اليها الفقدان يصح الاعتماد وهي من القدر المتيقن في مقام التخاطب ، والى هذا اشار بقوله : «وان صح فيما لا يتطرق اليه ذلك» أي وان صح للمتكلم عدم التنبيه واطلاق الكلام اعتمادا على الصفات الموجودة في زمان الخطاب وكان الموضوع مقيدا بها لانها من القدر المتيقن في مقام التخاطب ، وهو مما يصح الاعتماد عليه وعدم تنبيه المتكلم على دخالته ، إلّا أنّك قد عرفت ندرة تلك الصفات وشذوذها.

(١) هذا هو الامر الثالث.

وحاصله : ما عرفت ان مرادهم بالاتحاد في الصنف اللازم رعايته في دليل الاشتراك هو الاتحاد في الصفات التي يحتمل ـ احتمالا عقلائيا ـ دخالتها في الاحكام وهي الصفات التي لا يتطرق اليها الفقدان. اما ما يتطرق اليها الفقدان غالبا فلا يحتمل ـ عقلائيا ـ دخالتها في الحكم ، وهذه الصفات هي التي يكثر فيها الاختلاف ويكون البالغ الآن بالنسبة اليها بالخصوص فاقدا لما كان المشافه واجدا له.

٢٠٢

بقاعدة الاشتراك للغائبين ـ فضلا عن المعدومين ـ حكم من الاحكام. ودليل الاشتراك إنما يجدي في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين ، فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان ، لو لم يكونوا معنونين به لشك في شمولها لهم أيضا ، فلو لا الاطلاق وإثبات عدم دخل ذاك العنوان في الحكم ، لما أفاد دليل الاشتراك ، ومعه كان الحكم يعم غير المشافهين ولو قيل باختصاص الخطابات بهم (١) ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

واما الصفات التي لا يتطرق اليها الفقدان فدخالتها في الحكم وان كان محتملا عقلائيا إلّا ان البالغ الآن واجد لها فيجوز لغير المشافه التمسك بالاطلاق بالنسبة اليها ، وتعيين الحكم الذي هو للمشافه وثبوته لغير المشافه بدليل الاشتراك ، فلا يكون التمسك بالاطلاق وعدمه ثمرة النزاع المتقدم في عموم الخطاب للمشافهين وغيرهم واختصاصه بخصوص المشافهين.

(١) هذا اشارة الى الدليل على عدم امكان احتمال دخالة الصفات التي يكثر الاختلاف فيها في كونها مما يتقيد الحكم بها.

وحاصله : انه لو كانت الصفات التي يكثر الاختلاف فيها دخيلة في الحكم لما أمكن ان يستمر الحكم بالنسبة الى شخص واحد ، فان هذا الشخص الواجد كثيرا ما يكون واجدا لصفات في حال الخطاب تتغير بمرور الدهور والايام ، ولازمه انتفاء الحكم بالنسبة اليه فيما اذا تغيرت فيه صفة مما كانت فيه حال الخطاب لاحتمال دخالتها في الحكم ايضا ، واذا كان الحكم لا يمكن استمراره بالنسبة الى شخص واحد ، فلا يمكن ان يثبت حكم المشافهين لغيرهم ابدا وتكون قاعدة الاشتراك لغوا محضا ، اذا احتملنا دخالة الصفات التي يكثر فيها الاختلاف في موضوع الحكم ، اذ لا يشذ حكم من الاحكام الثابتة للمشافهين عن احتمال دخالة صفات حاصلة للمشافهين دون غيرهم ، فاي فائدة في قاعدة الاشتراك واي حكم يثبت بها اذا كان الاتحاد في الصنف مما يشمل الصفات التي يكثر فيها الاختلاف ، والاتحاد في الصنف

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مما يلزم رعايته في تسرية دليل الاشتراك حكم المشافهين لغيرهم من الغائبين فضلا عن المعدومين ، والى هذا اشار بقوله : «وإلّا لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين فضلا عن المعدومين حكم من الاحكام».

واتضح مما ذكرنا : ان الفائدة في دليل الاشتراك انما تكون حيث لا يكون للصفات التي تكثر فيها الاختلاف دخالة بتقييد موضوع الحكم بها ولذا قال (قدس‌سره) : «ودليل الاشتراك انما يجدي» في تسرية الحكم لغير المشافهين بواسطتها و «في عدم اختصاص التكاليف باشخاص المشافهين» انما هو «فيما لم يكونوا» أي المشافهون «مختصين بخصوص عنوان» يكثر الاختلاف فيه وقد احتمل دخالته في قيديته للحكم ، فانه في مثل هذا لا يجدي دليل الاشتراك ، وكذلك لا يجدي دليل الاشتراك فيما لو كان مثل هذا العنوان الذي يكثر فيه الاختلاف قد عنون به المشافهون ، ففي مثله لا تجدي قاعدة الاشتراك لتقييد موضوع الحكم بعنوان غير موجود في غير المشافهين ، وفي مثل هذين لا يستمر الحكم بالنسبة الى نفس المشافهين ايضا لكثرة حصول التغيير في مثل تلك الصفات ، مثلا لو خاطب المشافهين بمثل ايها الشباب واحتملنا دخالة عنوان الشبابية في الحكم لما امكن ثبوت الحكم مستمرا لنفس المشافهين فيما لو كانوا كهولا او شيوخا والى هذا اشار بقوله : «او لم يكونوا معنونين به للشك في شمولها لهم ايضا» أي انما يجدي دليل الاشتراك في غير ما كان المشافهون معنونين بعنوان يكثر الاختلاف فيه ، فانه في مثله لا يستمر الحكم لخصوص المشافهين فيما اذا تغير ذلك العنوان فضلا عن غيرهم من الغائبين والمعدومين الفاقدين لذلك العنوان ، فلا بد من ان يكون مثل هذه العناوين التي يكثر فيها الاختلاف ليست قيدا في موضوع الحكم وتنفى بالاطلاق ، وإلّا لما افاد دليل الاشتراك ولما نفع في اثبات حكم المشافهين لغيرهم ، ولذا قال : «فلو لا الاطلاق واثبات عدم دخل ذلك العنوان» الذي يكثر فيه الاختلاف في الحكم ونفيه بواسطة الاطلاق «لما افاد دليل الاشتراك» واذا لم يكن للصفات التي يكثر فيها الاختلاف

٢٠٤

فتلخص : أنه لا يكاد تظهر الثمرة إلا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد إفهامه ، مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالافهام ، وقد حقق عدم الاختصاص به في غير المقام ، واشير إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام (١).

______________________________________________________

دخالة في الحكم سواء احتملنا دخالتها ولم تكن عنوانا للمشافهين او كانت عنوانا للمشافهين كمثل عنوان الشباب مثلا ، ولكن حيث يكثر الاختلاف فيه فلا يصح الاعتماد في مقام التكلم عليه فينفيه الاطلاق ولا يكون له دخالة في الحكم ، وتبقى الصفات التي لا يتطرق اليها تغير او فقدان غالبا في احتمال الدخالة في الحكم ، وهي موجودة في المعدومين والغائبين فيثبت الحكم لهم بواسطة دليل الاشتراك ولا فائدة ولا ثمرة في القول باختصاص الخطاب بالمشافهين ، والى هذا اشار بقوله : «ومعه» أي ومع دخالة تلك الصفات التي يكثر فيها الاختلاف ويتطرق اليها الفقدان في قيدية موضوعية الحكم «كان الحكم» الثابت للمشافهين يعم غير المشافهين «ولو قيل باختصاص الخطابات بهم» أي بالمشافهين.

(١) قد عرفت ان من جملة مقدمات انكار الثمرة الثانية هو انكار الثمرة الاولى وكون الظواهر ليست حجة في خصوص المشافهين ، اما بناء على اختصاص حجية الظواهر بالمشافهين بان نقول : باختصاص حجيتها بمن قصد افهامه ، واختصاص من قصد افهامه بخصوص المشافهين ايضا ، فانه على هذا تترتب الثمرة الثانية لعدم صحة التمسك بالاطلاق على هذا للغائبين فضلا عن المعدومين ، لوضوح عدم صحة التمسك بالاطلاق ممن لم يكن الظاهر حجة له.

ومنه يتضح ايضا انه بناء على هذا تترتب الثمرة الاولى ايضا ، وهو اختصاص حجية الظواهر بخصوص المشافهين بناء على تخصيص الخطابات بهم وعدم حجية الظواهر لغيرهم من المعدومين والغائبين.

٢٠٥

فصل

هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده ، يوجب تخصيصه به أو لا؟ فيه خلاف بين الاعلام (١) وليكن محل الخلاف ما إذا وقعا في

______________________________________________________

اما بناء على تعميم الخطابات للمشافهين وغيرهم فلا تترتب الثمرة الاولى ولا الثانية ، وهذا التلخيص اشارة الى ذلك ، ولذا قال : «فتلخص انه لا تكاد تظهر الثمرة» مطلقا لا الاولى ولا الثانية «الا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد افهامه مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالافهام» إلّا انه قد عرفت بناء العقلاء على عدم اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه ، لما عرفت من حجية الظاهر وترتب آثار السب لمن سمع شخصا يخاطب شخصا في سبه.

وعلى فرض اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه فقد عرفت عدم اختصاص من قصد افهامه بخصوص المشافهين.

واشار الى عدم اختصاص حجية الظاهر بالمقصودين بالافهام بقوله : «وقد حقق عدم الاختصاص به» أي بالمقصودين بالافهام «في غير المقام» أي في باب حجية الظواهر. واشار الى انه بناء على اختصاص حجية الظاهر بمن قصد افهامه فليس قصد الافهام مما يختص بالمشافهين بقوله : «واشير الى منع كونهم» أي المعدومين والغائبين «غير مقصودين به» أي غير مقصودين بالافهام «في خطاباته تبارك وتعالى في المقام» وهو ما اشار اليه سابقا من ورود النصوص في كون المعدومين والغائبين مقصودين بالافهام كالمشافهين كخبر لزوم العرض على كتاب الله في المتعارضين وغيره من النصوص التي تقدمت الاشارة اليها.

(١) توضيحه : انه وقع الخلاف فيما اذا كان عام وله حكم كقوله تعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ)(١) فالعام المطلقات الشامل بحسب عمومه الى البائنات

__________________

(١) البقرة : الآية : ٢٢٨.

٢٠٦

كلامين ، أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام ، كما في قوله تبارك وتعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) إلى قوله (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) وأما ما إذا كان مثل : والمطلقات ازواجهن احق بردهن ، فلا شبهة في تخصيصه به (١).

______________________________________________________

والرجعيات وجاء خاص فيه ضمير يرجع الى هذا العام كقوله تعالى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) فانه لا اشكال ان البعولة التي ثبت لها حكم الاحقية بالرد هم بعولة المطلقات الرجعيات دون مطلق المطلقات ، فان بعولة المطلقات البائنات ليس لهم حق الردّ لازواجهم المطلقات ـ فاتضح ان الضمير في هذا الخاص وهو ضمير البعولة يرجع الى بعض افراد العام وهو خصوص الرجعيات منهن ، فممّا لا اشكال فيه ان ضمير بعولتهن يراد منه بعض افراد العام.

فهل يوجب هذا ان يكون المراد من العام في حكمه وهو التربص هو خصوص الرجعيات فلا يكون تربص للبائنات او ان العام يبقى على عمومه في حكمه وهو ثبوت التربص لمطلق المطلقات؟

وهذا هو مرادهم من قولهم هل تعقب العام بضمير يرجع ذلك الضمير الى بعض افراد ذلك العام يوجب تخصيص العام في حكمه فيختص حكمه وهو التربص بخصوص الافراد التي هي مرجع الضمير ـ وهي الرجعيات ـ ام لا يوجب تخصيصه ويبقى حكم العام وهو التربص ثابتا لمطلق المطلقات الرجعيات والبائنات؟ ولذا قال (قدس‌سره) : «هل تعقب العام بضمير» مثل ضمير بعولتهن الذي «يرجع الى بعض افراده» وهو خصوص الرجعيات «يوجب تخصيصه به» أي هل يوجب ان يكون المراد من العام الذي له حكم التربص هو خصوص الرجعيات «او لا» يوجب تخصيصه ويبقى حكم التربص لمطلق المطلقات؟

(١) حاصله : ان الضمير الراجع الى العام الذي قد قامت القرينة على رجوعه اليه ببعض افراده ، تارة : يكون في كلام واحد بحيث لا يكون العام قد استوفى ظهوره

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بحسب ظاهر العرف ، بان يقال لم يتم الكلام في العام ، كما لو قال : وجبت الجنة لاصحاب رسول الله ومتابعيهم ، ونفرض انه قد قامت القرينة على ان المراد من المتابعين هم خصوص العدول ، فالمراد من الضمير هم العدول منهم قطعا ، او قال اكرم العلماء وواحدا من جيرانهم ، وقد قامت القرينة الخاصة على ان المراد من الجيران هم العدول بالخصوص ، او كما مثل المصنف والمطلقات ازواجهن احق بردهن ، فان المراد من ازواجهن هم خصوص ازواج المطلقات الرجعيات دون مطلق المطلقات.

واخرى : يرد الضمير الراجع الى العام ببعض افراده في كلام منفصل بعد الكلام الاول ، بحيث يكون هناك كلامان كلام فيه العام يكون قد تم ظهوره ثم ينقطع كلام المتكلم ، وبعد ذلك يتكلم المتكلم ويذكر الخاص الذي فيه الضمير ، كما لو قال : اكرم العلماء ويسكت المتكلم فيستوفي ظهوره في حجية اكرام مطلق العلماء ، وبعد ذلك يتكلم ويقول اكرم واحدا من جيرانهم ، وتقوم القرينة الخاصة على ان المراد من الجيران الّذين يجب اكرام واحد منهم هم خصوص العدول.

وثالثة : يرد الضمير الراجع الى العام ببعض افراده في كلام واحد ، ولكنه يكون بحسب المتفاهم العام قد استوفى ما له من حجية الظهور ، ويكون الخاص الذي فيه الضمير بالنسبة الى العام كالكلام المنفصل.

فاذا عرفت هذا نقول : انه لا ينبغي ان يكون محل الخلاف هو النحو الاول ، لوضوح انه فيه لم يكن للعام حكم غير حكم الخاص حتى يكون رجوع الضمير ببعض افراده موجبا لتخصيصه ، فان قوله : والمطلقات ازواجهن احق بردهن لم يكن في هذا حكم للمطلقات غير جواز الرّد ، فاذا قامت القرينة على ان المراد هو خصوص ازواج الرجعيات فلا بد وان يكون المراد من المطلقات خصوص الرجعيات ايضا ، وبقاء المطلقات على عمومه لغو لا فائدة فيه حيث لا حكم له فما الفائدة في كونه عاما او ليس بعام؟

٢٠٨

والتحقيق أن يقال : إنه حيث دار الامر بين التصرف في العام ، بإرادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه ، أو التصرف في ناحية الضمير : إما بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه ، أو إلى تمامه مع التوسع في الاسناد ، بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكل توسعا وتجوزا (١) ، كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في

______________________________________________________

واما النحو الثاني والثالث فهو الذي ينبغي ان يكون محلا للكلام لانه فيهما قد كان للعام حكم قد استوفى حجية ظهوره فيه فهل يوجب مرجع الضمير اليه ببعض افراده تخصيصا للعام في حكمه ام لا؟ والى هذا اشار بقوله : «وليكن محل الخلاف ما اذا وقعا» أي العام والخاص المشتمل على الضمير «في كلامين او في كلام واحد» ولكن «مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام» بحيث يكون مستوفيا لحجية ظهوره في حكمه الشامل لجميع افراده بحسب قانون المتفاهم العرفي «كما في» الآية الواحدة في القرآن الكريم التي ربما تكون مشتمله على جمل متعددة ذات احكام كثيرة مثل «قوله تبارك وتعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) .. الى قوله (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ)» ثم اشار الى خروج النحو الاول بقوله : «واما ما اذا كان مثل والمطلقات ازواجهن احق بردهن فلا شبهة في تخصيصه به» أي فلا شبهة في ان المراد بالعام في هذا الحكم هو الخاص وهو خصوص المطلقات الرجعيات.

(١) حاصله : انه يدور الامر بين تصرفين : التصرف في العام ، والتصرف في الخاص ، فان العام بعد ان استوفى ما له من حجية الظهور يكون الظهور فيه ان التربص لمطلق المطلقات الرجعيات والبائنات ، والظاهر من الضمير ان مرجعه نفس عنوان العام وهو المطلقات ، فإبقاء الضمير على حاله من دون تصرف فيه لازمه ان يكون المراد المطلقات هو خصوص الرجعيات ، فلازمه تخصيص العام ببعض افراده وذلك لقيام القرينة القطعية على ان الحكم لهذا الضمير يختص بخصوص الرجعيات ، فالمراد من قوله تعالى هن في بعولتهن هو خصوص المطلقات الرجعيات ، فاذا كان العام الذي

٢٠٩

جانب الضمير ، وذلك لان المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد ، لا في تعيين كيفية الاستعمال ، وإنه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الاسناد مع القطع بما يراد ، كما هو الحال في ناحية الضمير.

______________________________________________________

هو المطلقات قد خصص بالرجعيات فلا يكون تصرف في الضمير ، لان مرجعه والموضوع لحكم الخاص يكون واحدا وهو المطلقات الرجعيات ، واذا ابقينا العام على عمومه وكان التربص حكما لمطلق المطلقات الرجعيات والبائنات فلا بد من التصرف في ضمير بعولتهن الذي كان ظاهره ان مرجعه المطلقات :

اما بان يكون راجعا اليها بنحو الاستخدام الذي يكون المراد من الضمير الاستخدامي غير المراد من مرجعه وهو مجاز من المجاز في الكلمة ، للزوم التصرف في المرجع بحمله على خلاف ظاهره من حيث هو مرجع للضمير ، فيراد من المطلقات بما هي مرجع للضمير غير ما يراد منها بحسب الحكم عليها في التربص.

او بان يكون المراد من الضمير هو المطلقات بما لها من مفهومها العام بادعاء انها هي خصوص الرجعيات ، وهذا من المجاز ايضا ولكنه في الاسناد لا في الكلمة ، والى هذا اشار بقوله : «حيث دار الامر بين التصرف في العام بارادة خصوص ما اريد من الضمير الراجع اليه» فيكون تصرفا في العام في تخصيصه ببعض افراده وهو الرجعيات ، وهو خلاف الظاهر اذ الظاهر فيه ان المطلقات مما يشمل الرجعيات والبائنات ، وعلى هذا فلا تصرف في الضمير لان ما اريد منه وما اريد من مرجعه واحد «او التصرف في ناحية الضمير اما بارجاعه الى بعض ما هو المراد من مرجعه» بنحو الاستخدام وهو من المجاز في الكلمة «او الى تمامه مع التوسع في الاسناد باسناد الحكم المسند الى البعض حقيقة الى الكل توسعا وتجوزا» وهو من المجاز في الاسناد.

٢١٠

وبالجملة : أصالة الظهور إنما يكون حجة فيما إذا شك فيما أريد ، لا فيما إذا شك في أنه كيف اريد (١) ،

______________________________________________________

(١) بعد ما عرفت انه يدور الامر بين التصرف في العام او التصرف في الضمير ، والتحقيق يقتضي عدم التصرف في العام والتصرف في الضمير ، لان التصرف الذي بنى العقلاء عليه هو التصرف في الاستعمال لان يكون محددا للكشف عن الارادة الجدّية ، وحيث ان المراد الجدي في الضمير معلوم لقيام القرينة على ان المراد الجدي من الضمير هو خصوص المطلقات الرجعيات ولم تقم القرينة على ما هو المراد الجدي من العام ، فظهور العام في بقائه على عمومه الاستعمالي من موارد بناء العقلاء على الاخذ به لانه يكشف عن المراد الجدي ، بخلاف ظهور الضمير في كون أن المراد منه ومرجعه واحد بعد وضوح ما هو المراد من الضمير ، فليس للعقلاء بناء على عدم التصرف فيه لانه ليس للعقلاء بناء على احراز الاستعمال ، فانه من الواضح ان عدم التصرف في الضمير لا فائدة فيه سوى بيان كيفية الاستعمال بعد قيام القرينة على ما هو المراد منه.

وبعبارة اخرى : ان البناءات العقلائية انما هي لاحراز المراد لا لاحراز الاستعمال ، والتصرف في العام لحفظ الظهور في الضمير نتيجته ان الضمير يكون استعماله استعمالا حقيقيا لعدم الشك فيما هو المراد منه ، بخلاف التصرف في الضمير وابقاء العام على ظهوره في العموم فان نتيجته استكشاف المراد الجدي وهو بقاء العام على عمومه في الحكم المترتب عليه ، وفائدته كون المراد الجدي بالتربص هو كونه حكما لمطلق المطلقات ، وقد عرفت ان الحكم في الضمير معلوم وهو لخصوص الرجعيات ، فلا فائدة فيه سوى احراز ان الضمير كيف كان استعماله؟

والى هذا اشار بقوله : «كانت اصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب الضمير» أي ان اصالة الظهور في العام سالمة عن اصالة الظهور في الضمير ، ومعناه ان اصالة الظهور في العام سالمة وغير معارضة باصالة الظهور في الضمير ، ولا تصلح

٢١١

فافهم (١) ، لكنه إذا انعقد للكلام ظهور في العموم ، بأن لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفا ، وإلا فيحكم عليه بالاجمال ، ويرجع

______________________________________________________

اصالة الظهور في الضمير لمعارضة اصالة الظهور في العام «وذلك لان المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد» وهو المتحقق في اصالة ظهور العام في عمومه لانه به يستكشف المراد الجدي من العام ، وليس للعقلاء بناء على اصالة الظهور لتعيين الاستعمال في الالفاظ ، ولذا قال : «لا في تعيين كيفية الاستعمال وانه على نحو الحقيقة او المجاز في الكلمة او الاسناد مع القطع بما يراد كما هو الحال في ناحية الضمير» فان نتيجة اصالة الظهور فيه بعد العلم بالمراد هو تعيين كيفية الاستعمال ، ولا بناء للعقلاء على الاخذ باصالة الظهور لبيان كيفية الاستعمال ، ولذا قال : «وبالجملة اصالة الظهور انما تكون حجة» عند العقلاء بحيث لو اخذ بها «فيما اذا شك فيما اريد» ليكون الاخذ باصالة الظهور لتعيين المراد «لا فيما اذا» عرف المراد و «شك في انه كيف اريد».

(١) يمكن ان يكون اشارة الى انه لا وقع لهذا النزاع من رأس ، لان هنا عامين لكل واحد حكم وقد خصص احدهما ، غايته ان العام الذي هو الموضوع في القضيتين واحد ، وكونه واحدا لا يجعل القضيتين قضية واحدة ، والتخصيص لا يوجب تصرفا في مقام الارادة الاستعمالية وانما يوجب تصرفا في الارادة الجدية ويبقى العام على عمومه في مقام الاستعمال فلا يدور الامر بين تصرفين.

وتوضيحه : ان لفظ المطلقات بعد ان كان موضوعا في حكم التربص فهو غير المطلقات الذي كان موضوعا في حكم جواز الرد لاختلاف القضايا ولو باختلاف احد اطرافها ، فهما قضيتان في كل منهما الموضوع هو المطلقات ، وفي الاولى الحكم وجوب التربص ، وفي الثانية الحكم جواز الرد.

فالظاهر من الضمير في قوله بعولتهن هو المطلقات ، والقرينة غايتها انها قامت على ان الحكم في بعولتهن يختص بالرجعيات ، فهو كتخصيص لهذا العام الثاني

٢١٢

إلى ما يقتضيه الاصول (١) ، إلا أن يقال باعتبار اصالة الحقيقة تعبدا ،

______________________________________________________

الذي كان ظاهره ثبوت حق الرّد لمطلق المطلقات. وقد عرفت ان التخصيص في كون حكم الرد في قوله وبعولتهن بخصوص الرجعيات لا يستلزم استعمال المطلقات الموضوع في حكم التربص في خصوص الرجعيات ، بل هو مستعمل في مطلق المطلقات وقد قامت القرينة على تخصيص الحكم الثاني للمطلقات التي هي المرجع للضمير في بعولتهن في الرجعيات ، ولا يلزم من استعمال الضمير في بعولتهن في خصوص بعض المطلقات وهي الرجعيات ان يكون المطلقات في حكم التربص هي الرجعيات ، فيكون حال ما اذا قال اعط العلماء دراهم ثم قال اعط العلماء طعاما ، فخصص العلماء في الحكم الثاني بخصوص العدول فيختص الاطعام بالعدول منهم ، ولا يستلزم تخصيص العلماء الذي هو الموضوع في اعطاء الدراهم بالعدول وهو واضح.

(١) حاصله : قد عرفت انه لا فرق في النزاع بين كون العام والضمير في كلامين مستقلين او في كلام واحد ، ولكنه بشرط ان يكون بحسب المتفاهم العرفي كون العام بحيث قد استكمل ظهوره وحجيته ، اما لو كان الضمير الوارد مع العام في كلام واحد مما يجعل العام غير متيقن في استكمال حجية الظهور فيه عرفا بحيث يعد الضمير الوارد مع العام من قبيل احتفاف الكلام بمحتمل القرينيّة ـ وسيأتي انه لا بناء من العقلاء على الاخذ بظهور الكلام المحتف بمحتمل القرينية ـ وعلى هذا فيكون العام في عمومه مجملا ، اما الخاص فلمعلومية المراد منه لا اجمال فيه ويرجع بالنسبة الى العام في غير القدر المتيقن الى الاصول العملية ، ففي مثل الآية المتقدمة اذا كان ضمير بعولتهن بالنسبة الى المطلقات من قبيل احتفاف الكلام بمحتمل القرينيّة فيقتصر بوجوب التربص على خصوص الرجعيات ، ويرجع في البائنات الى ما تقتضيه الاصول العملية ، والى هذا اشار بقوله : «لكنه اذا عقد للكلام ظهور في العموم» بحيث يكون كالظهور الاستقلالي «بان لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به

٢١٣

حتى فيما إذا احتف بالكلام ما لا يكون ظاهرا معه في معناه الحقيقي (١)

______________________________________________________

عرفا وإلّا فيحكم عليه بالاجمال» أي اذا كان العام من الكلام المحتف بمحتمل القرينيّة من جهة احتفافه بالضمير فانه يكون مجملا ويقتصر فيه على القدر المتيقن ، «و» في غير القدر المتيقن «يرجع الى ما يقتضيه الاصول».

(١) سيأتي الكلام فيه ـ في بابه ان شاء الله تعالى ـ في ان اصالة الحقيقة عند العقلاء هل هي من باب التعبد او من باب الظهور؟ ومعناه انه هل ان بناء العقلاء على الاخذ بالحقيقة من باب انه حيث كان اللفظ قد وضع للمعنى الحقيقي فالعقلاء بناؤهم على التمسك والعمل بالمعنى الحقيقي للفظ الى ان تثبت القرينة على خلافه ، او ان بناء العقلاء على حمل اللفظ على معناه الحقيقي والاخذ به من حيث ان للفظ الموضوع للمعنى الحقيقي ظهورا في معناه الحقيقي.

فعلى الاول : وهو المراد بقولهم اصالة الحقيقة من باب التعبد ، فاحتفاف الكلام بمحتمل القرينية لا يوجب رفع اليد عن حمل اللفظ على معناه الحقيقي ، لان المفروض ان الكلام قد احتف بمحتمل القرينية لا بمقطوع القرينيّة.

وعلى الثاني فلا بد من التوقف عن حمل اللفظ على معناه الحقيقي ، لضرورة الوجدان بان الكلام المحتف بمحتمل القرينية لا ظهور له وسيأتي ان الحق هو البناء على اصالة الحقيقة من باب الظهور لا من باب التعبد.

والى هذا اشار بقوله : «إلّا ان يقال باعتبار اصالة الحقيقة من باب التعبد» بان يحمل اللفظ على معناه الحقيقي وان كان لا ظهور له فيه فتكون اصالة الحقيقة عند العقلاء هي بناؤهم على التعبد بها وان كان لا ظهور ، ولذا قال : «حتى فيما اذا احتف بالكلام ما لا يكون» الكلام «ظاهرا معه في معناه الحقيقي» وهو كاحتفاف الكلام بمحتمل القرينية فانه مع هذا لا يكون للفظ ظهور.

٢١٤

كما عن بعض الفحول (١).

فصل

قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف ، مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق ، على قولين ، وقد استدل لكل منهما بما لا يخلو عن قصور (١).

______________________________________________________

(١) هو المحقق صاحب الهداية الحاشية الجليلة على المعالم ، والمنسوب له القول بحجية اصالة الحقيقة من باب التعبد ، وهو الذي عناه المصنف بقوله : «بعض الفحول».

(١) المفهوم اما موافق كقوله اكرم خدام العلماء فانه يدل عقلا بالاولوية القطعية على اكرام نفس العلماء ، او مخالف كقوله ان بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء فانه يدل على ان الماء الذي لم يبلغ كرّا ينجسه شيء.

وقد اتفقوا على جواز تخصيص العام بالمفهوم الموافق كما لو قال : لا تكرم البصريين ثم قال اكرم خدام علماء البصريين ، فانه يدل على تخصيص لا تكرم البصريين بغير العلماء منهم ، هذا هو موضع الوفاق عندهم.

واما تخصيص العام بالمفهوم المخالف فقد اختلفوا فيه كما لو قال : خلق الله الماء طهورا لم ينجسه شيء ما لم يتغير طعمه او ريحه او لونه ، ثم قال اذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء.

فهل يؤخذ بالمفهوم في هذه القضية وهو تنجس الماء غير الكر فيخصص به خلق الله الماء طهورا لم ينجسه شيء ، فيحكم بتنجس الماء غير الكر وان لم يتغيّر طعمه او ريحه او لونه ، او لا يؤخذ به فلا يخصص العام به؟

ولعل السبب في اتفاقهم على التخصيص في المفهوم الموافق والاختلاف في المفهوم المخالف هو ان الدلالة في المفهوم المخالف على المفهوم انما هي لاستفادة العليّة المنحصرة من الدلالة المنطوقية ، فالملازمة التي تدل على المفهوم مستفادة من الدلالة

٢١٥

وتحقيق المقام أنه إذا ورد العام وما له المفهوم في كلام أو كلامين ، ولكن على نحو يصلح أن يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر (١) ، ودار الامر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم ، فالدلالة

______________________________________________________

اللفظية ، بخلاف الملازمة في مفهوم الموافقة فانها مستفادة من العقل ، باضافة ان عدم المفهوم في القضية لازمه التصرف والتفكيك بين الملزوم واللازم ، وحيث ان الملازمة في مفهوم الموافقة عقلية فلا سبيل الى التفكيك فيه بين اللازم والملزوم. واما في المفهوم المخالف فلان الملازمة فيه عرفية دلالية فهناك مجال للتصرف والتفكيك برفع اليد عن الدلالة على العلية المنحصرة ، ويظهر من المطولات وجوه اخرى للاتفاق والاختلاف.

وعلى كل فقد اختلفوا في تخصيص العام بالمفهوم المخالف على قولين : من تخصيص العام به ، وعدم تخصيصه به.

قوله : «على قولين» هذا من متعلقات قوله قد اختلفوا وهو المفهوم المخالف ، لوضوح انه بعد الاتفاق في المفهوم الموافق لا معنى لوجود القولين فيه.

(١) توضيحه : ان العام وما له المفهوم المخالف ، تارة : يكونان في كلامين منفصلين لا ربط بينهما ولا اتصال ، وفي مثل هذا تلاحظ المعارضة وشئونها وينبغي خروج هذا عن محل النزاع لما سيتضح.

واخرى : يقع العام وما له المفهوم المخالف في كلام واحد او في كلامين ، كما لو كانا جملا في آية واحدة ولكنه كان بينهما ربط واتصال بحيث كانا كما لو وقعا في كلام واحد ، بان يكون في احدهما اشارة الى الربط.

وهذا هو الذي ينبغي ان يكون محلا للكلام في الاخذ بعموم العام او الاخذ بالمفهوم وتخصيص العام به ، لوضوح ان صلاحية كون احدهما قرينة على الآخر انما هو في مثل هذين الفرضين لا في الفرض الاول ، اذ لا معنى لصلاحية كون احدهما قرينة على الاخرى مع فرض كون كل واحد منهما قد استوفى ما له من الظهور

٢١٦

على كل منهما إن كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة ، أو بالوضع (١) ، فلا يكون هناك عموم ولا مفهوم ، لعدم تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما لاجل المزاحمة ، كما في مزاحمة ظهور أحدهما وضعا لظهور الآخر كذلك ، فلا بد من العمل بالاصول العملية فيما دار الامر فيه بين العموم والمفهوم (٢) ، إذا لم يكن مع

______________________________________________________

والحجية مع عدم الربط بينهما ، والى هذا اشار بقوله : «او كلامين ولكن على نحو يصلح ان يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر» ومن هذا يظهر انه اذا لم يكونا كذلك فلا وجه لجعله من محل الكلام.

(١) حاصله : ان دلالة العام ودلالة المفهوم ، تارة : تكون متساوية بان يكون دلالة كل منهما بالاطلاق كما في العموم المستفاد من قوله خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء ، وفي المفهوم كما لو قلنا ان لا دلالة لحرف الشرط على العلية المنحصرة ، وانما تستفاد من مقدمات الحكمة.

او بأن تكون دلالة كل منهما بالوضع كما لو دل العموم بما وضع للدلالة على العموم كلفظ (كل) وفي المفهوم كما لو قلنا بدلالة حرف الشرط وضعا على العلية المنحصرة ، فاذا كانا كذلك وكانا قد وقعا في كلام واحد أو في كلامين وكان بينهما ربط بحيث يعد كل منهما كقرينة على الآخر ، والى هذا اشار بقوله : «فالدلالة على كل منهما ان كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة او بالوضع» فيتساويان في الدلالة المستفادة منهما.

(٢) اما اذا كانت الدلالة في كل واحد منهما بالاطلاق فلصلاحية كل واحد منهما ان يكون قرينة على عدم الاطلاق في الآخر فلا يتم الاطلاق في كل واحد منهما ، لتوقف الاطلاق على احراز انتفاء القرينة على خلافه ، وحيث احتف كل واحد منها بالآخر فقد احتف اطلاق الكلام في كل منهما بما يصلح ان يكون قرينة على عدم الاطلاق فيه ولم يحرز في كل منهما احراز انتفاء القرينة على خلافه.

٢١٧

ذلك أحدهما أظهر ، وإلا كان مانعا عن انعقاد الظهور ، أو استقراره في الآخر (١).

______________________________________________________

واما في الدلالة الوضعية بان يكون كل واحد من العموم والمفهوم بالوضع ، فانه وان كان لكل واحد منهما ظهور في مدلوله لفرض كونه بالوضع ، إلّا انه لاحتفاف الكلام في كل منهما بما يصلح للقرينية على عدم ارادة مدلولة الوضعي تسقط حجية الظهور في كل منهما ، لما تقدم مرارا انه مع احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية ليس للعقلاء بناء على حجية الظهور ، وان بناء العقلاء على حجية الظهور انما هو فيما لا يكون الكلام محتفا بما يصلح للقرينية على خلافه ، فيكون الاطلاق والظهور في كل واحد منهما مزاحما بالاطلاق في الآخر أو بالظهور فيه ، والى هذا اشار بقوله : «فلا يكون هناك عموم ولا مفهوم لعدم تمامية مقدمات الحكمة في احد منهما لاجل المزاحمة» فيما يتم به الاطلاق «كما في» الوضع لاجل «مزاحمة ظهور احدهما وضعا لظهور الآخر كذلك» أي وضعا ايضا وفي المورد الذي يتزاحمان فيه لا بد من الرجوع فيه الى الاصول العملية كما في كل مجمل.

(١) قد عرفت الحال فيما اذا تساوى العموم وما له المفهوم في الدلالة.

اما اذا اختلفا وذلك : اما بان يكون احدهما بالوضع والآخر بالاطلاق او كان كل منهما بالوضع او بالاطلاق ولكن كان الظهور في احدهما اقوى من الآخر ، كما لو كان ـ مثلا ـ ظهور العام في عمومه ظهورا آبيا عن التخصيص فلا بد من الاخذ بالاظهر وترك الظاهر هذا فيما اذا كان لكل منهما ظهور وضعي ، واما اذا كان احدهما بالاطلاق فيكون ما له ظهور وضعي هو الظاهر والآخر لا ظهور فيه.

ولا يخفى ان ما كان له ظهور اقوى تارة يكون واقعا في ابتداء الكلام فيكون مانعا عن انعقاد الظهور في الثاني ، وان كان واقعا في آخر الكلام كان مانعا عن استقرار الظهور في الاول ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «اذا لم يكن مع ذلك احدهما اظهر» لا يخفى ان قوله مع ذلك اشارة الى ما ذكرنا من ان المدار على الاظهرية ،

٢١٨

ومنه قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل على العموم وما له المفهوم ، ذاك الارتباط والاتصال ، وأنه لا بد أن يعامل مع كل منهما معاملة المجمل ، لو لم يكن في البين أظهر ، وإلّا فهو المعول ، والقرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل (١).

______________________________________________________

فلا يمنع ان تكون دلالة كل منهما بالوضع او بالاطلاق ولكنه مع ذلك كان احدهما اظهر من الآخر.

ويدل هذا بالاولوية على ما اذا لم يتساويا بان كان احدهما بالوضع والآخر بالاطلاق ، فانه لا بد فيه من تقدم الاظهر قطعا ، لان الاظهرية اذا كانت موجبة للتقديم مع تساويهما في نوع الدلالة فبالاولى تكون موجبة للتقدم فيما اذا كان احدهما اضعف من الآخر لاختلافهما في نوع الدلالة وبقوله : «وإلّا كان مانعا عن انعقاد الظهور» الى ما كان المانع واقعا في ابتداء الكلام ، وبقوله : «او استقراره في الآخر» الى ما كان المانع واقعا في آخر الكلام.

(١) لقد اتضح مما ذكرنا من حكم المتساويين والمختلفين الواقعين في كلام واحد او كلامين ، بحيث يصلح عرفا ان يكون كل واحد منهما قرينة على التصرف في الآخر ـ انهما في المتساويين يكونان مجملين اما لعدم تمامية الاطلاق فيهما او لعدم تمامية حجية الظهور فيهما معا فهما من المجمل حقيقة ، وفي المختلفين يقدم الاقوى منهما.

ومنه يظهر الحال فيما اذا كان العام وما له المفهوم واقعين في كلامين منفصلين بحيث قد تم لكل منها الاطلاق او الظهور من جهة الحجية لكل واحد منهما لعدم الربط بينهما بحيث يصلح ان يكون احدهما قرينة على التصرف في الآخر.

فانه لا بد فيهما ان يعاملا معاملة المجمل فيكونان من المجمل حكما لا حقيقة اذ لم يكن احدهما اقوى ظهورا من الآخر.

اما انهما ليسا من المجمل حقيقة فلوضوح تمامية الظهور في كل واحد منهما لا انه ليس لهما ظهور كما لو كانا واقعين في كلام واحد ، فان احتفاف كل واحد منهما بما

٢١٩

فصل

الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة ، هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل أو خصوص الاخيرة ، أو لا ظهور له في واحد منهما ، بل لا بد في التعيين من قرينة؟ أقوال.

______________________________________________________

يصلح للقرينية يجعلهما من المجمل حقيقة ولا يكتسب الظهور فيهما صفة الحجية فلذلك كانا من المجمل حقيقة. واما في المنفصلين اللذين لا ربط بينهما فلم يحتف كل واحد منهما بما يصلح للقرينية فيكون كل واحد منهما قد اكتسب صفة الحجية وبعد تعارضهما وعدم وجود الاظهر فيهما يكون العمل بكل منهما غير معقول ، وباحدهما دون الآخر من الترجيح بلا مرجح ، فلا بد ان يعاملا معاملة المجمل فهما من المجمل حكما لا حقيقة.

واما السبب في المعاملة معهما معاملة المجمل ولم يجر فيهما ما ذكر في ادلة العلاج من المرجحات لو كانت وإلّا فالتخيير ، فلان المفروض ان النسبة بينهما عموم من وجه لعدم تنافيهما في المنطوق وفي بعض العام ، والقدر المتسالم عليه في مجرى ادلة العلاج هو كون النسبة بينهما التباين وفي العموم من وجه القاعدة التساقط كما يأتي تفصيله في باب التعارض ان شاء الله تعالى ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «ومنه قد انقدح» وقد عرفت وجه الانقداح «الحال فيما اذا لم يكن بين ما دل على العموم وما له المفهوم ذاك الارتباط والاتصال» بان كانا منفصلين تاما ويكون كل واحد منهما مكتسبا صفة الحجية «و» مع ذلك «انه لا بد ان يعامل مع كل منهما معاملة المجمل» فيكونان من المجمل حكما لا حقيقة هذا «لو لم يكن في البين اظهر وإلّا» أي واذا كان بينهما ما هو اظهر «فهو المعول» ويؤخذ به «و» يكون هو «القرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل» أي ان التصرف في الظاهر بقرينة الاظهر لا بد وان يكون بمقدار يكون الظاهر غير مخالف للاظهر ولا معارضا له بحيث لا يكون الظاهر مخالفا للاظهر في مقام العمل.

٢٢٠