بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-060-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٥٤

تبارك وتعالى ، بالمعنى المستلزم لتغير إرادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة (١) ، والّا لزم امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ ، فإن الفعل إن كان

______________________________________________________

الحكم واقعا ونسخه قبل حضور وقت العمل ، لان ثبوته واقعا لازمه كونه لمصلحة في متعلقه ، ونسخه قبل حضور وقت العمل لازمه عدم كونه لمصلحة في متعلقه.

إلّا أنّك قد عرفت انه لا يعقل ان يكون النسخ رفعا للحكم الثابت واقعا وأن حقيقته هو الرفع اثباتا لا ثبوتا ، وغاية ما يقتضى ذلك هو اظهار ان الحكم لبيان الواقع فاذا كان الحكم له هذا الاظهار جاز ان ينسخ قبل حضور وقت العمل.

والفرق بين النسخ والتخصيص هو ان التخصيص بناء على المشهور يكون من استعمال العام في الخاص لالتزامهم بمجازية العام المخصّص ، وعلى هذا فالفرق بينهما واضح لكشف التخصيص عن عدم استعمال العام في العموم.

واما بناء على ما هو المختار للمصنف من انه راجع الى الارادة الجدية دون الاستعمالية فللعام ظهور استعمالي في العموم حتى بعد التخصيص ، فالفرق بينهما ان السبب في عموم العام هو ضرب القاعدة او عدم تعنون العام بعنوان من عناوينه الداخلة فيه ، وفي النسخ هو قيام المصلحة الواقعية بنفس اظهار الحكم لبيان انه هو الحكم واقعا.

وعلى كل فالنسخ هو دفع لا رفع ولا مانع ان يكون قبل حضور وقت العمل لانه متقوم بالاظهار وهو حاصل قبل حضور وقت العمل ، ولذا قال قدس‌سره : «وحيث عرفت ان النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا وان كان بحسب الظاهر رفعا فلا بأس به مطلقا ولو كان قبل حضور وقت العمل».

(١) قد عرفت ان النسخ اذا كان رفعا كان محالا سواء كان قبل العمل او بعد العمل.

وعبارة المتن لا تخلو عن اجمال فانه يحتمل ان يكون عدم لزوم البداء هو تعليل لكون النسخ دفعا لا رفعا ، وقوله «والّا لزم امتناع النسخ» تعليل لعدم امكانه قبل حضور وقت العمل.

٢٦١

مشتملا على مصلحة موجبة للامر به امتنع النهي عنه ، وإلا امتنع الامر

______________________________________________________

ولكن الظاهر منها انهما معا تعليل لعدم امكانه قبل حضور وقت العمل ، فلا بد وان يكون النسخ عند القائلين بامتناعه قبل حضور وقت العمل ان يكون هو انتهاء امد الحكم الثابت واقعا لمصلحة في متعلقه ، واذا كان كذلك فينحصر جوازه بكونه بعد حضور وقت العمل ، لمعقولية انتهاء امد الحكم الثابت واقعا لمصلحة في متعلقه بعد ان عمل به مدة ، واما قبل حضور وقت العمل فانه يلزم منه البداء في احكامه تعالى المستلزم للجهل وتغير الارادة ـ تعالى ـ عن ذلك.

اما لو كان النسخ ليس هو انتهاء الحكم الثابت واقعا وانه قبل النسخ لم يكن حكم واقعي بل لم يكن الا اظهار الحكم بعنوان انه هو الحكم الواقعي فلا يستلزم جهلا ولا تغيرا في الارادة ، ولذا بعد ان قال ان النسخ بحسب الحقيقة هو دفع لا رفع ، قال لا بأس به مطلقا ولو كان قبل حضور وقت العمل «لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى بالمعنى المستلزم لتغيير ارادته تعالى» وهو ما اذا كان رفعا للحكم الثابت واقعا ، فانه يلزم على هذا ان يكون قد اريد ايجاد متعلق الحكم واقعا ثم بدا له ان لا يريده ، ويلزم أيضا الجهل فانه لو كان عالما بنسخه في المستقبل قبل حضور وقت العمل فلا يعقل ان يكون مريدا له واقعا ، اما لو كان دفعا وانه لم يكن سوى اظهار الحكم دون الحكم واقعا فلا يكون مرادا واقعا ولا يستلزم جهلا أصلا «مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة» أي عنوانا ومصلحة ، وهو على ما هو عليه قبل النسخ وبعد النسخ ، لانه لم يكن الحكم متعلقا به واقعا وانما كان تعلقه به ظاهرا فقط ، فالمتعلق باق على ما هو عليه من عنوانه ومصلحته ، وانه قبل النسخ وبعد النسخ ليس فيه مصلحة او مفسدة دعت الى الحكم ، لانه بناء على الدفع هو اظهار حكم لا حكم واقعا.

٢٦٢

به (١) ، وذلك لان الفعل أو دوامه لم يكن متعلقا لارادته ، فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير إرادته ، ولم يكن الامر بالفعل من جهة كونه مشتملا على مصلحة ، وإنما كان إنشاء الامر به أو إظهار دوامه عن حكمة ومصلحة (٢).

______________________________________________________

(١) هذا هو الاشكال في النسخ قبل حضور وقت العمل ، وحاصله : ان حكم العام لو كان هو الوجوب كاكرم العلماء فاكرام الفساق منهم ان كان ذا مصلحة تدعو الى كونه واجبا واقعيا فلما ذا نهى عنه بالنسخ؟ وان لم يكن ذا مصلحة واقعا تدعو الى وجوبه فلما ذا امر به اولا؟ ولذا قال : «فان الفعل ان كان مشتملا على مصلحة موجبة للامر به امتنع النهي عنه والّا» أي ان لم يكن مشتملا على المصلحة امتنع الامر به ، فيلزم اما امتناع النسخ فيما اذا كان فيه مصلحة وان لم يكن فيه مصلحة امتنع الحكم ابتداء الذي هو المنسوخ.

ولا يخفى ان مبنى هذا الاشكال كله هو كون الحكم ينحصر في كونه عن مصلحة في متعلقه.

(٢) هذا هو الجواب ، ولا يخفى ان النسخ كما يكون في بعض الافراد كما في العام المتعقب بالخاص ، كذلك يكون نسخا لكل الحكم كما في العام الناسخ للخاص فانه نسخ للحكم باجمعه ، كما انه يكون بعد العمل فيكون نسخا لدوام الحكم لا لاصله كذلك يكون قبل العمل فيكون نسخا لاصله لا لدوامه ، والى هذا اشار بقوله : «لان الفعل او دوامه» وقد عرفت ان هذا انما يلزم اذا كان النسخ رفعا لا دفعا ، فانه لو كان دفعا فلا يكون الفعل الذي نسخ حكمه اما اصلا او دواما متعلقا للحكم واقعا ، بل الحكم كان صوريا قد تعلقت الحكمة باظهاره ليس إلّا ، ولا يكون الفعل ولا دوامه متعلقا للحكم واقعا فلا يستلزم تغيرا في ارادته ولا يستلزم الجهل.

لا يقال : ان الحكم لا بد وان يكون عن مصلحة في المتعلق ، واذا لم يكن الحكم ثابتا واقعا فلا يكون هناك مصلحة في المتعلق ، فمن أي جهة يكون الحكم منبعثا؟

٢٦٣

وأما البداء في التكوينيات بغير ذاك المعنى ، فهو مما دل عليه الروايات المتواترات ، كما لا يخفى ، ومجمله أن الله تبارك وتعالى إذا تعلقت مشيته

______________________________________________________

فانا نقول : ان اللازم هو ان يكون الحكم بداعي المصلحة ، واما ان المصلحة لا بد وان تكون في المتعلق فلا ملزم بذلك ، وكما تكون المصلحة في متعلق الحكم كذلك تكون المصلحة في نفس الحكم واظهاره بعنوان انه حكم ، فان كان بداعي ضرب القاعدة كان الخاص مخصصا وان كان بداعي اظهار انه هو الواقع كان الخاص ناسخا ، وقد اشار الى انه اذا كان النسخ دفعا لا رفعا لا يكون بداء حقيقة ، بل هو إبداء ولا يلزم تغير في ارادته لانه قبل النسخ لم يكن حكم واقعا بل صورة حكم فلا يستلزم النسخ محالا بقوله : «وذلك لان الفعل او دوامه لم يكن متعلقا لارادته» واقعا لانه كان صورة حكم لا حكم واقعا «فلا يستلزم امره بالنهي تغيير ارادته» كما لو امر باكرام العلماء ثم نهى عن اكرام فساقهم فانه لم يكن الامر باكرام الفساق منهم امرا واقعيا بل كان صورة امر ، فنسخ الامر باكرامهم بالنهي عنه لم يكن نسخا لحكم واقعي بل كان نسخا لحكم صوري ، وقد اشار الى ان الحكم اذا كان صوريا والنسخ دفع لا رفع فلا يرد ما ذكر من ان الفعل ان كان مشتملا على المصلحة امتنع النهي ، وان لم يكن مشتملا عليها امتنع الامر به ، لان الحكم لم يكن حكما واقعيا منبعثا عن مصلحة في المتعلق ، بل كان حكما ناشئا عن مصلحة في نفس اظهاره لا في متعلقه بقوله : «ولم يكن الامر بالفعل» المتعلق للامر ظاهرا «من جهة كونه مشتملا على مصلحة» في نفس متعلقه «وانما كان انشاء الامر به» فيما كان النسخ نسخا للامر بكلّه قبل حضور وقت العمل «او اظهار دوامه» فيما كان النسخ نسخا له في بعض افراده قبل حضور وقت العمل بالعام «عن حكمة ومصلحة» في نفس اظهار الحكم او اظهار دوامه لا في متعلقه حتى يكون النسخ نسخا للحكم الثابت ويكون رفعا له.

٢٦٤

تعالى بإظهار ثبوت ما يمحوه ، لحكمة داعية إلى إظهاره ، ألهم أو أوحى إلى نبيه أو وليه أن يخبر به ، مع علمه بأنه يمحوه ، أو مع عدم علمه به ، لما أشير إليه من عدم الاحاطة بتمام ما جرى في علمه ، وإنما يخبر به لانه حال الوحي أو الالهام لارتقاء نفسه الزكية ، واتصاله بعالم لوح المحو والاثبات اطلع على ثبوته ، ولم يطلع على كونه معلقا على أمر غير واقع ، أو عدم الموانع ، قال الله تبارك وتعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) الآية ، نعم من شملته العناية الالهية ، واتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الذي هو من أعظم العوالم الربوبية ، وهو أم الكتاب ، يكشف عنده الواقعيات على ما هي عليها (١) ، كما ربما يتفق

______________________________________________________

(١) حاصله : انه كما يوجد في الاحكام ما يستلزم البداء ، وقد عرفت انه ليس بداء بل هو اظهار وابداء ، كذلك يوجد في التكوينيات ، بل ما ورد في التكوينيات كان بعنوان البداء ، كما ورد في زيارة الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام السلام عليك يا من بدا لله في حقه ، ومثله قد ورد في حق الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.

وعلى كل فقد ورد متواترا في الروايات ما يدلّ بظاهره على تحقق البداء عنده تبارك وتعالى ، وقد عرفت محاليته بالمعنى المستلزم لتغير ارادته والجهل عليه ـ تبارك وتعالى ـ فلا بد وان يكون بمعنى الإبداء والاظهار أيضا لا بمعنى البداء الحقيقي ، وانما اطلق عليه البداء تشبيها للابداء في الواجب تعالى بالبداء الحقيقي في الممكن ، فان تغير الارادة والجهل في الممكن مما لا اشكال فيه ولا محالية ، وانما كان محالا في الواجب عزوجل.

وتوضيحه : انه لا اشكال انه في عالم الموجودات المحتاجة الى العلة التامة في وجودها المشتملة على المقتضي وعدم المانع هناك مقتضيات لا مانع لها ولا بد من تحقق معلولها لوجود مقتضياتها بلا مانع ، وهناك مقتضيات لها موانع فلا تتحقق معلولاتها بمجرد وجود مقتضياتها لابتلائها بالمانع ، وقد اشار الى هذا في القرآن

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الكريم بقوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(١). وفي آية اخرى بقوله : (أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)(٢).

فهناك لو حان لوح المحو والاثبات ، ولوح اللوح المحفوظ ، والأول عالم المقتضيات ، والثاني عالم العلل التامة وهو عالم الغيب الذي لا يعلمه إلّا الله.

والعالم الاول هو عالم المحو والاثبات تختلف درجات الانبياء بالنسبة اليه ، فمنهم من يطلع على المقتضيات الثابتة فيه فقط دون موانعها او كانت لها شروط غير محققة ، ومنهم من يطلع على المقتضيات وعلى عدم تحقق شرائطها او على موانعها.

وحيث ان الحكمة الإلهية تقتضي اظهار المقتضيات فيوحى تبارك وتعالى الى نبيه او يلهمه بثبوت شيء ، وربما اوحى اليه واعلمه بانه يمحوه وربما لم يعلمه بمحوه لعدم امكان ان يحيط الممكن وان بلغ الى اقصى درجات الكمال الممكنة للممكن بان يبلغ الى الاحاطة بجميع ما يعلمه الواجب تعالى ، كما اشير اليه بقوله في الذكر المقدس : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ)(٣) والى هذا اشار بقوله : «لما اشير اليه من عدم الاحاطة بتمام ما جرى في علمه».

وربما يكون عدم علم النبي بالموانع او عدم الشرط لعدم بلوغه الى الاتصال بعالم العلل التامة وهو اللوح المحفوظ لاختلاف مراتب النبوة قطعا

قوله قدس‌سره : «وانما يخبر به» هذا تعليل لاخبار النبي بعض الاوقات بوقوع بعض الاشياء ولكنها لا تقع.

وحاصله : ان السبب في الاخبار هو اطلاعه على المقتضى لوقوعه اما بالوحي اليه على لسان جبرائيل عليه‌السلام او بالالهام لاتصال نفس النبي بعالم المحو والاثبات الذي هو عالم المقتضيات فقط ، ولم يطلع على كونه معلقا على شرط ولكنه لا يقع الشرط او على مانع وكان محققا.

__________________

(١) الرعد : الآية : ٣٩.

(٢) الانعام : الآية : ٢.

(٣) النمل : الآية : ٦٥.

٢٦٦

لخاتم الانبياء ، ولبعض الاوصياء ، وكان عارفا بالكائنات كما كانت وتكون (١).

______________________________________________________

والذي يشتمل على المقتضيات وشروطها وموانعها هو عالم اللوح المحفوظ وهو أم الكتاب.

فاتضح ان سبب الاخبار هو الاطلاع على عالم المقتضيات وهو المشار اليه بالآية المباركة (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) والى عالم اللوح المحفوظ بقوله : (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وانما يخبر به لانه» أي النبي المخبر بوقوع الشيء الذي لم يقع «لانه حال الوحي» على لسان جبرائيل «او» حال «الالهام» المسبب «لارتقاء نفسه» أي نفس النبي «الزكية واتصاله بعالم لوح المحو والاثبات اطلع على ثبوته» هذا من متعلقات لانه ، والتقدير انما يخبر به لانه اطلع على ثبوته حال الوحي او الالهام وهو عالم المقتضيات ، فيكون اطلاعه على المقتضي لوقوعه فقط «ولم يطلع على كونه» أي لم يطلع على كون المقتضى «معلقا على امر غير واقع» وهو الشرط «او» معلقا على «عدم الموانع» وكانت الموانع محققه.

ثم اشار الى عالم المحو والاثبات بالآية المباركة ، واشار الى اختلاف مراتب النبوة بقوله : «نعم من شملته العناية الإلهية ... الى آخر الجملة» فانه يدل على ان العناية الإلهية قد تشمل بعض الانبياء وقد لا تشمل ، وليس ذلك إلّا لاختلاف مراتبهم في الوصول الى عالم اللوح المحفوظ وعدم الوصول اليه ، لانه من اعظم العوالم الربوبية وهو عالم أم الكتاب المنكشفة فيه الواقعيات على ما هي عليه.

(١) ان قوله ربما يتفق مشعر بأنه لا يلزم ان نعتقد في خاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يكون دائما مطّلعا على اللوح المحفوظ ، فان ظاهره انه ربما يتفق لخاتم الانبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يتصل باللوح المحفوظ ، ولازم هذا ان يكون الاتصال بعالم اللوح المحفوظ ليس لازما له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل ربما يتفق له الاتصال وربما لا يتفق. وان كان يحتمل ان يريد من قوله يتفق بيان

٢٦٧

نعم مع ذلك ، ربما يوحى إليه حكم من الاحكام ، تارة بما يكون ظاهرا في الاستمرار والدوام ، معه أنه في الواقع له غاية وأمد يعينها بخطاب آخر ، وأخرى بما يكون ظاهرا في الجد ، مع أنه لا يكون واقعا بجد ، بل لمجرد الاختبار والابتلاء ، كما أنه يؤمر وحيا أو الهاما بالاخبار بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع ، لاجل حكمة في هذا الاخبار أو ذاك الاظهار (١) ، فبدا له تعالى بمعنى أنه يظهر ما أمر نبيه أو وليه بعدم إظهاره

______________________________________________________

القسم الذي شملته العناية الإلهية فانه بعد ان قسم الانبياء الى من يطلع والى من لا يطلع اراد ان يعين المصداق الذي اتفق خروجه عن مطلق الانبياء بارتقائه واتصاله بعالم اللوح المحفوظ.

ويؤيد الاحتمال الأول ان قوله : نعم مع ذلك ربما يوحى اليه ـ ان الضمير في اليه يرجع الى مطلق النبي الشامل لخاتم الانبياء ، لان المراد منه هو المراد من ضمير يؤمر في قوله : «كما انه يؤمر وحيا او الهاما» وخاتم الانبياء كعيسى عليه‌السلام ويونس عليه‌السلام قد اخبر بوقوع ما لم يقع كما روي في اخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بموت الخطاب كاخبار عيسى بموت العروس ولم تمت ، وكاخبار يونس عليه‌السلام بوقوع العذاب ولم يقع ، والحديث الراوي لقصة عيسى وأخبار يونس بالعذاب يدل صريحا بانهما كانا لم يعلما بعدم وقوع ما اخبرا بوقوعه ، وظاهر ما ورد في اخبار النبي بموت الخطاب انه أيضا كان لا يعلم بعدم وقوع موته ، ومثله ما ورد عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام انا اذا اردنا علمنا.

(١) هذا اجمال لما مر تفصيله منه : من انه لا بداء بالمعنى الحقيقي لا في الشرعيات ولا في التكوينيات ، وانه بمعنى الابداء لمصلحة وحكمة في إبدائه ، فأشار اولا الى الشرعيات والاحكام بقوله : «ربما يوحى اليه» أي الى النبي «حكم من الاحكام تارة بما يكون ظاهرا في الاستمرار والدوام» كما في النسخ بعد حضور وقت العمل

٢٦٨

أولا ، ويبدي ما خفي ثانيا (١).

وإنما نسب إليه تعالى البداء ، مع إنه في الحقيقة الابداء ، لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك بالبداء في غيره ، وفيما ذكرنا كفاية فيما هو المهم في

______________________________________________________

فانه دفع لاستمرار الحكم ودوامه «مع انه في الواقع له غاية وحد يعينها الشارع بخطاب آخر» وذلك الخطاب هو الناسخ «واخرى بما يكون ظاهرا في الجد مع انه لا يكون واقعا بجد» كما في النسخ قبل حضور وقت العمل فان الحكم المنسوخ لم يكن مرادا بجد «بل لمجرد الاختبار والابتلاء» كما في أمر ابراهيم بذبح اسماعيل فانه نسخ قبل حضور وقت العمل به وانما كان اختبارا وابتلاء.

ثم اشار الى عدم البداء في التكوينيات بقوله : «كما انه يؤمر» أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «وحيا او الهاما بالاخبار بوقوع عذاب» كما في قصة يونس «او غيره» كما في اخبار عيسى بموت العروس واخبار نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بموت الخطاب «مما لا يقع» كما انه لم يقع العذاب ولا مات من اخبر بموته «لاجل حكمة في هذا الاخبار» بالامور التكوينية «او» للحكمة في «ذاك الاظهار» في الاحكام الشرعية.

(١) أي ان البداء بمعنى الابداء لا انه بداء حقيقة ، ولذا قال : «بمعنى انه يظهر ما امر نبيه او وليه بعدم اظهاره اولا ويبدي ما خفى ثانيا».

ولا يخفى ان هذا انما يناسب خاتم الانبياء الذي تتصل نفسه الزكية باللوح المحفوظ المشتمل على العلل التامة والعلل الناقصة ، فهو يعلم بما يقع لاجل تحقق شرطه وانتفاء مانعة وبما لا يقع لعدم تحقق شرطه ووجود مانعة ، وحيث تقدم منه الاخبار بوقوع العذاب الذي لم يقع الوارد في قصة يونس المشار اليها في الذكر الكريم.

والظاهر ان الاخبار المفصلة لكيفية قصة يونس مصرحة بعدم علم يونس بانه لا يقع العذاب ، ولهذا استظهرنا من كلامه السابق ان المراد من الضمير في اليه وفي يؤمر هو النبي بمعناه الشامل لمن يقف علمه عند لوح المحو والاثبات ، ولمن يترقى الى عالم اللوح المحفوظ.

٢٦٩

باب النسخ ، ولا داعي الى ذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب كما لا يخفى على أولي الالباب (١).

ثم لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ ، ضرورة أنه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأسا ، وعلى النسخ ، على ارتفاع حكمه عنه من حينه ، فيما دار الامر بينهما في المخصص ، وأما إذا دار بينهما في الخاص والعام ، فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلا ، وعلى النسخ كان محكوما به من حين صدور دليله ، كما لا يخفى (٢).

______________________________________________________

(١) هذا وجه اطلاق لفظ البداء على ما ليس ببداء ، وانما هو ابداء وهو التشبيه بالبداء في الممكن ، فانه يتحقق حقيقة اذ لا مانع من تغيير ارادة الممكن ومن جهله.

والحاصل : ان الوجه في اطلاق البداء فيه تعالى على إبدائه هو وجه الشبه بين إبدائه تعالى والبداء الحقيقي في الممكن ، وهو انه في كل منهما كان حال المستقبل مخفيا ، ولكنه في الواجب تعالى من الاخفاء وفي الممكن من الخفاء واقعا لا من الاخفاء ، والى هذا اشار بقوله : «لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك» اي في الاحكام والتكوين «بالبداء» الحقيقي «في غيره» أي في الممكن.

(٢) لا يخفى ان الثمرة التي ذكرها هي اعم من الثمرة العملية والعلمية بناء على مختاره من امكان النسخ قبل حضور وقت العمل.

وتفصيله : انه تارة يدور امر الخاص بالخصوص بين كونه مخصصا او ناسخا كما اذا تقدم العام وتأخر الخاص ، فان الخاص يمكن ان يكون ناسخا للعام ويمكن ان يكون مخصصا له.

وهو قد يكون قبل حضور وقت العمل وفي هذا الفرض تكون الثمرة علمية لا عملية ، لخروج الافراد بالخاص على كل حال سواء كان مخصصا او ناسخا قبل حضور وقت العمل بالعام ، لانه عند حضور وقت العمل الذي هو محل الثمرة

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

العملية الافراد تكون قد خرجت قطعا اما بالتخصيص او بالنسخ ، فلا ثمرة عملية على هذا وتختص الثمرة بكونها علميّة.

فانه على التخصيص يكون الخاص خارجا عن حكم العام رأسا ، والمراد بالارادة الجدية هو ما عدا الخاص.

وعلى النسخ يكون الخاص خارجا عن العام من حين ورود الخاص.

وقد يكون بعد حضور وقت العمل ، وعلى هذا الفرض يكون الخاص على التخصيص أيضا غير مراد من اول الامر بالإرادة الجدية فهو خارج من رأس.

وعلى النسخ يكون الخاص خارجا من حين ورود الخاص ، وأما قبله فهو مراد بالإرادة الجدية كالافراد الباقية ، وهنا تترتب الثمرتان العلمية والعملية.

واخرى يدور الامر في التخصيص او النسخ بينهما بان يكون على التخصيص يكون الخاص مخصصا للعام ، وعلى النسخ يكون العام ناسخا للخاص ، وذلك فيما اذا تقدم الخاص وتأخر العام ، وفي هذا تكون الثمرة علمية وعملية سواء كان قبل حضور وقت العمل او بعده ، فان الخاص على التخصيص يكون غير مراد بالإرادة الجدية من العام ، ويثبت للخاص حكمه الذي تضمنه الدليل الدال على التخصيص ، فاذا ورد ـ مثلا ـ لا تكرم فساق العلماء ثم ورد اكرم العلماء ، فانه بناء على التخصيص يكون المراد بالإرادة الجدية في وجوب اكرام العلماء هو ما عدا فساقهم ، ويبقى حكم الفساق منهم على الحرمة. واما على النسخ فانه يرتفع حكم الخاص ويكون الواجب اكرام حتى فساقهم.

ومثله ما اذا كان بعد حضور وقت العمل فانه بناء على التخصيص يكون المراد بالعام ما عدا الخاص فيجب ان يكون وجوب الاكرام مختصا بغير الفساق ، واما الفساق فحكمهم حرمة الاكرام ، وبناء على النسخ يكون حرمة اكرام الفساق حكما مرادا واقعا الى زمان ورود العام الناسخ له ، وبعده يجب اكرام الفساق من العلماء كما يجب اكرام غير الفساق منهم.

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ ضرورة انه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأسا» ويكون المراد من العام بالإرادة الجدية من أول الامر هو ما عدا الخاص «وعلى النسخ» تكون للأفراد الخارجة حكم العام واقعا الى زمان ورود الخاص الناسخ لحكم العام فيها ، وهذا هو مراده من قوله : «على ارتفاع حكمه عنه من حينه» أي يبنى على ارتفاع حكم العام عن الخاص من حين ورود الخاص ، وهذا «فيما دار الامر بينهما في المخصص» أي فيما كان الخاص مرددا بين كونه مخصصا او ناسخا وذلك فيما اذا تقدم العام وتأخر الخاص «واما اذا دار بينهما في الخاص والعام» بان يدور الأمر بين كون الخاص مخصصا وكون العام ناسخا وذلك فيما اذا تقدم الخاص وتأخر العام «ف» الثمرة حينئذ كون «الخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلا» ويبقى على حكمه الذي دل عليه دليله «وعلى النسخ كان» الخاص «محكوما به» أي بحكم العام «من حين صدور دليله» أي دليل العام.

٢٧٢

المقصد الخامس

في المطلق والمقيد والمجمل والمبين

٢٧٣
٢٧٤

المقصد الخامس

في المطلق والمقيّد والمجمل والمبيّن

فصل

عرف المطلق بأنه : ما دل على شائع في جنسه ، وقد أشكل عليه بعض الاعلام ، بعدم الاطراد أو الانعكاس ، وأطال الكلام في النقض والابرام ، وقد نبهنا في غير مقام (١) على أنه مثله شرح الاسم ، وهو مما

______________________________________________________

المقصد الخامس

في المطلق والمقيّد والمجمل والمبيّن

(١) لا يخفى ان المطلق غير العام ، ولذا كان لكل منهما فصل يخصّه.

وقد عرف المطلق : بأنه ما دل على شايع في جنسه.

ربما يقال : ظاهر هذا التعريف ان المراد بالمطلق المعرف بهذا التعريف هو اللفظ الموضوع ، فاذا كان الدال على الشائع في جنسه غير اللفظ فهو خارج عن هذا التعريف ، ويدل على كونه هو اللفظ هو انصراف لفظ الدلالة الى الدلالة المستفادة من اللفظ ، وعلى كونه هو الموضوع هو ظهور الدلالة في كونها على نحو قالبيّة اللفظ للمعنى ، ومن الواضح ان قالبيّة اللفظ للمعنى انما تكون بالوضع.

ولكن الانصاف ان لمنع هذا الانصراف والظهور مجالا.

وعلى كل فالمطلق ـ بحسب هذا التعريف ـ هو الدال على معنى شايع في جنسه.

واورد عليه بأنه غير مطّرد أي انه يدخل فيه غيره فهو لا يكون مانعا ، لأن هذا التعريف يشمل (من) و (ما) الموضوعة للعموم البدلي ، فانها تدل على الشائع في جنسه وهي من ألفاظ العموم وليست من المطلق.

وبعدم الانعكاس : أي انه يخرج منه ما هو داخل فيه فلا يكون جامعا ، لعدم شمول هذا التعريف لاسم الجنس الموضوع للماهية المهملة المبهمة من دون دلالة لها

٢٧٥

يجوز أن لا يكون بمطرد ولا بمنعكس ، فالاولى الاعراض عن ذلك ، ببيان ما وضع له بعض الالفاظ التي يطلق عليها المطلق (١) ، أو غيرها مما يناسب المقام.

فمنها : اسم الجنس ، كإنسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض إلى غير ذلك من أسماء الكليات من الجواهر والاعراض بل العرضيات ، ولا ريب أنها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة ، بلا شرط أصلا ملحوظا معها ، حتى لحاظ أنها كذلك.

وبالجملة : الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى ، وصرف المفهوم غير الملحوظ معه شيء أصلا (٢) الذي هو المعنى بشرط شيء ، ولو كان ذاك

______________________________________________________

على الشيوع ، والى هذا اشار بقوله : «وقد اشكل عليه بعض الاعلام بعدم الاطراد او الانعكاس».

(١) قد مر توضيحه في مبحث العام والخاص وان هذه التعاريف عنده تعاريف لفظية يقصد منها الاشارة بوجه ما ، فلا مانع من كونها غير مطردة ولا منعكسة.

قوله قدس‌سره : «او غيرها» أي غير الألفاظ التي هي من المطلق مثل ذكره للمفرد المعرف باللام ، فانه من ألفاظ العموم على المشهور كما مر ، وهو غير الألفاظ التي يطلق عليها المطلق.

قوله : «من الجواهر والاعراض بل العرضيات» الأول كالرجل ، والثاني كالسواد والبياض ، والثالث وهو العرض كالأسود والأبيض.

(٢) لا يخفى انه حيث كانت مسألة اعتبارات الماهية كثيرة الدوران ووقع فيها الاختلاف الكثير حتى من بعض أهل المعقول ، لذلك آثرنا ان نذكر المسألة على التحقيق الذي أشار اليه أكابر المحققين.

وحاصله : ان للماهية اعتبارات خمسة :

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأول : لحاظ الماهية مقصورا على ذاتها وذاتياتها ، ولحاظها كذلك هو لحاظ الماهية من حيث هي هي ، لأنه لحاظ الماهية مجردة عن كل اعتبار حتى اعتبار كونها مقسما او قسما ، وانما تلحظ كذلك في مقام تعريفها وبيان حدها المشتمل على ذاتها وذاتياتها لا غير ، حيث يكون تعريفها تعريفا للماهية المجردة عن كل لحاظ عدا لحاظ ذاتها وذاتياتها ، فقط لان المراد في مقام التعاريف هو تعريف الماهية المجردة عن أي لحاظ غير لحاظ ذاتها وذاتياتها.

ومما ذكرنا ظهر ان الالفاظ موضوعة للماهية المجردة من كل شيء عدا لحاظ ذاتها وذاتياتها ليكون الموضوع له ساريا في جميع أقسام لحاظات الماهية.

الثاني : لحاظها باعتبار ما هو خارج عن ذاتها وذاتياتها.

وأول اعتبار لها خارج عن الماهية من حيث هي هي ، هو لحاظها مقسما لما يرد عليها من الاعتبارات الثلاثة التي كل من هذه الاعتبارات تكون الماهية فيه قسما في قبال أقسامها الآخر ، كاعتبارها بشرط لا ، واعتبارها بشرط شيء ، واعتبارها لا بشرط من ناحية لحاظها بشرط لا وبشرط شيء ، ومن الواضح ان لحاظها لا بشرط من ناحية هذين الاعتبارين غير لحاظها لا بشرط حتى من ناحية هذه اللابشرطية ، لوضوح ان كونها مقسما لهذه الأقسام الثلاثة لا بد وان تكون ملحوظة لا بشرط حتى بالنسبة الى هذه اللابشرطية لتكون مقسما لهذه الأقسام الثلاثة ، ولحاظ الماهية باعتبار هذا اللحاظ المجرد حتى عن اعتبار اللابشرطية هو اللابشرط المقسمي.

وقد اتضح مما ذكرنا : ان الفرق بين اللابشرط المقسمي واللابشرط القسمي : هو ان اللابشرط القسمي لحاظ لا بشرطية الماهية من ناحية بشرط شيء وبشرط لا ، واللابشرطية في اللابشرط المقسمي هو لحاظ الماهية لا بشرط حتى من حيث هذه اللابشرطية.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واتضح أيضا : ان الفرق بين اللابشرط المقسمي والماهية من حيث هي هي هو ان الماهية في اللابشرط المقسمي قد لحظت باعتبار ما هو خارج عن لحاظ ذاتها وذاتياتها ، لانها لحظت باعتبار كونها مقسما ، ولحاظها كذلك لحاظ لها زائد على لحاظها المقصور على ذاتها وذاتياتها ، فلا بد وان تكون قد لحظت باعتبار أمر خارج عن ذاتها وذاتياتها.

الثالث : لحاظ الماهية مقترنة بشيء كلحاظ الرقبة باعتبار الايمان وأنها مقترنة به كقوله اعتق رقبة مؤمنة.

ولا يخفى ان لحاظ البشرطشيء يشمل حتى لحاظ الماهية مقترنة بالوجود ، لوضوح ان الوجود خارج عن الماهية وهذا هو اعتبار الماهية بشرط شيء.

الرابع : لحاظ الماهية مقترنة بعدم شيء كما لو قال : اعتق الرقبة غير الكافرة فالماهية قد لحظت في هذا مقترنة بعدم الكفر ، وهذا هو اعتبار الماهية بشرط لا.

الخامس : لحاظ الماهية لا بشرط من ناحية اعتبارها بشرط شيء وبشرط لا ، كلحاظ الانسان بالنسبة الى الكتابة غير مقترن بوجود الكتابة ولا بعدم الكتابة ، ولحاظ الرقبة غير مقترنة بالايمان ولا بعدم الايمان ، وهذا هو لحاظ الماهية لا بشرط وهو اللابشرط القسمي.

اذا عرفت هذا فهنا أمور لا بد من التنبيه عليها :

الأول : الظاهر ان الكلي الطبيعي هو الماهية من حيث هي هي ، لان الظاهر ان الماهية المعرفة هي الكلي الطبيعي ، ولا ينبغي ان يحتمل ان يكون هو اللابشرط المقسمي باعتبار كونه في قبال الكلي المنطقي والعقلي ، وانه مقسم للطبيعي الموجود في الخارج والموجود في الذهن ، لبداهة ان اللابشرط المقسمي هو لحاظها من حيث كونها مقسما فقط ، ولا يعقل ان يكون الموضوع له هو الماهية المقيدة بهذا اللحاظ ، ويحتمل ان يكون هو اللابشرط القسمي باعتبار تعبيرهم عنه بالجنس ، وهو الموضوع

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

له اللفظ ، إلّا انه قد عرفت ان الموضوع له اللفظ هو الساري في جميع الاقسام وهو الماهية المجردة.

الثاني : ان لحاظ الماهية بنحو اللابشرط القسمي ليس بنحو القيدية بحيث تكون مقيدة بهذه اللابشرطية ، لوضوح صدق اللابشرط القسمي مع البشرطشيء والبشرطلا ، ولو كان اللابشرط القسمي مقيدا بالعدم لما صدق على أمر وجودي خارجي ، مثلا ان الانسان الملحوظ لا بشرط من ناحية الكتابة وعدمها اذا كان مقيدا بهذه اللابشرطية لا يكون له وجود خارجي ، لان الانسان الموجود في الخارج اما مع الكتابة او مع عدم الكتابة ، وليس هناك وجود ثالث للانسان ليس مع الكتابة وليس مع اللاكتابة ، وحيث ان الماهية قد لحظت باعتبار ما هو خارج عن ذاتها وذاتياتها فليست هي الماهية من حيث هي هي ، وحيث ان لحاظها كذلك لم يكن باعتبارها مقسما للاعتبارات الثلاثة فليست هي اللابشرط المقسمي ، فتعين ان تكون هي اللابشرط القسمي. واتضح انها ليست مقيدة بهذا اللحاظ اللابشرطي ، وإلّا لم تصدق في الخارج.

لا يقال : انها اما ان تلحظ مهملة وهي الماهية من حيث هي هي ، لا الماهية التي هي اللابشرط القسمي ، واما ان تلحظ بما هي غير مقيدة لا بشرط شيء ولا بشرط لا ، وهذا نحو من التقييد فكيف تصدق على البشرطشيء والبشرطلا؟

فانه يقال : ان لحاظها غير مقيدة باحدهما لا يمنع عن صدقها معهما ، وانما الذي يمنع عن صدقها معهما هو لحاظها مقيدة بعدم البشرطشيء وبعدم البشرطلا.

والحاصل : ان لحاظها غير مقيدة باحدهما غير لحاظها مقيدة بعد مهما ، والذي يمنع عن الصدق هو الثاني لا الأول.

الثالث : ان الذي يظهر من المتن ان اعتبارات الماهية أربعة ، وكان اللابشرط المقسمي هو الماهية من حيث هي هي.

٢٧٩

الشيء هو الارسال والعموم البدلي (١) ، ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء

______________________________________________________

وقد أشار الى ما ذكرنا من كون الموضوع له هو الماهية من حيث هي بقوله : «ولا ريب انها» أي اسماء الكليات التي هي اسماء الاجناس بلسان أهل العربية لا باصطلاح المنطقيين لاختصاص الجنس عندهم بكليات الجواهر ، بخلاف عرف أهل العربية فان اسم الجنس عندهم مما يشمل الجواهر والاعراض والعرضيات ، وعلى كل فاسماء الاجناس «موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة بلا شرط أصلا ملحوظا معها حتى لحاظ انها كذلك» أي حتى لحاظ انها غير ملحوظ معها شيء ، لما عرفت من منافاة أي لحاظ حتى لحاظ انها ليس ملحوظا معها شيء للحاظ الماهية من حيث هي هي المقصور على لحاظ ذاتها وذاتياتها من لحاظها بأي لحاظ خارج عن ذلك ، ولحاظها ولو بنحو انها غير ملحوظ معها هو لحاظها بما يخرج عن الاقتصار على ذاتها وذاتياتها.

«وبالجملة الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم غير الملحوظ معه شيء أصلا».

(١) قد عرفت ـ مما مر ـ ان لحاظ الماهية بنحو بشرط شيء هو لحاظها مقترنة بشيء ، وليس مطلق لحاظها باعتبار ما هو خارج عن ذاتها وذاتياتها من اللحاظ لها بنحو البشرطشيء ، لما مر من ان لحاظها مقسما ولحاظها بنحو اللابشرط القسمي ليس من لحاظها بشرط شيء.

نعم ما ذكره صحيح بالنسبة الى ما هو المنسوب الى المشهور : من ان اسم الجنس موضوع للماهية المرسلة اذا كان مرادهم من ارسالها ليس اللابشرطية : أي لحاظها غير مقترنة بشيء الذي لازمه سريانها في مقام الصدق على الفرد بأي حال من احواله وبأي كيفية كان ، فيكون الارسال لازما لها لا مأخوذا فيها ، وتكون مساوقة في مقام الصدق للعموم البدلي لا انها ملحوظة بنحو ما هو كالعموم البدلي.

٢٨٠