بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-060-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٥٤

والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في رجوعه إلى الاخيرة على أي حال ، ضرورة أن رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة (١) ، وكذا في صحة رجوعه إلى الكل ، وإن كان المتراءى من

______________________________________________________

(١) ينبغي ان يعلم ان محل الكلام ما اذا كان الاستثناء صالحا للرجوع الى الكل والى الاخيرة ، كما لو قال : اكرم الفقهاء والنحويين الّا الفساق منهم فانه صالح للرجوع الى الكل والى الاخيرة ، واما لو كان غير صالح الّا للرجوع الى احدهما وان كان مرددا بينهما كما لو قال اكرم الفقهاء والنحويين الّا زيدا ، وكان زيد مرددا بين شخصين احدهما من الفقهاء والثاني من النحويين بان كان شخص من الفقهاء اسمه زيد وشخص من النحويين ايضا اسمه زيد ، فان مثل هذا خارج عن محل الكلام لعدم صلاحية الاستثناء للرجوع الى كل من الجملتين للعلم بانه واحد قطعا فلا يعقل رجوعه الى الاثنين.

ثم لا يخفى ان المحتملات بدوا اربعة : الاول ، رجوعه الى خصوص الاول او الى ما عدا الاخيرة.

الثاني : رجوعه الى الكل.

الثالث : رجوعه الى خصوص الاخيرة.

الرابع : لا ظهور له في شيء من ذلك.

وحيث ان الاحتمال الاول وهو رجوع الاستثناء الى خصوص الاول مع فصل الجمل او الجملة الواحدة بينه وبين المستثنى منه جار على خلاف الاستعمالات المتعارفة فلذا لم يذكره اولا ، وقد ذكر الاحتمالات الثلاثة ، واشار بالاخير الى الاحتمال الاول وهو رجوعه الى الكل او الى خصوص الاخيرة او لا ظهور له في شيء منهما بقوله : «هل الظاهر هو رجوعه الى الكل او خصوص الاخيرة او لا ظهور له في واحد منهما».

٢٢١

كلام صاحب المعالم رحمه‌الله حيث مهد مقدمة لصحة رجوعه إليه ، أنه محل الإشكال والتأمل (١). وذلك ضرورة أن تعدد المستثنى منه ،

______________________________________________________

ولا يخفى ان الكلام في كون الاستثناء له ظهور في احد القولين من الرجوع الى الكل او خصوص الاخيرة كون الاستثناء بحيث يكون دالا على رجوعه الى الكل أو الاخيرة ، ولذلك مع القول بالثالث وانه لا ظهور له في احدهما لكن رجوعه الى الاخيرة مما لا بد منه لكونه قدرا متيقنا سواء كان ظاهرا في الرجوع الى الكل او كان ظاهرا في الرجوع الى خصوص الاخيرة.

والحاصل : ان معنى لا ظهور له في احدهما هو انه لا دلالة له على احدهما بالخصوص من الرجوع الى الكل او خصوص الاخيرة ، وقد اشار الى أن مراده من قوله «او لا ظهور له في واحد منهما» هو ما ذكر بقوله : «بل لا بد في التعيين من قرينة» واشار الى ان الرجوع الى الاخيرة على كل حال من القدر المتيقن بقوله : «والظاهر انه لا خلاف ولا اشكال في رجوعه الى الاخيرة على أي حال» وقد اشار الى ان احتمال رجوع الاستثناء الى غير الاخيرة مما هو خارج عن متعارف الاستعمال ، فهو احتمال مقطوع بخلافه عادة بقوله : «ان رجوعه الى غيرها» أي الى غير الاخيرة بان تكون الاخيرة غير مستثنى منها «بلا قرينة» تدل على ذلك «خارج عن طريقة اهل المحاورة».

(١) قد عرفت ان الاحتمالات الثلاثة : الرجوع الى الكل ، او الى خصوص الاخيرة ، او لا ظهور له في احدهما.

ولا شبهة في امكان الاحتمالين الاخيرين ، لكن الاول قد يظهر من صاحب المعالم احتمال عدم امكانه.

بدعوى : ان (الّا) من الحروف وحيث ان الوضع في الحرف على المشهور هو الوضع العام والموضوع له الخاص فلا بد وان يكون المستعمل فيه ايضا خاصا ، ف (الّا) في مقام الاستعمال لا بد وان يراد بها اخراجا خاصا خارجيا ، واذا كان

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كذلك فرجوعه الى الكل يكون ممتنعا لاستلزامه استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد ، وهو محال على رأي ، وغير جائز على أي رأي آخر.

ويردّه ، اولا : ان هذا مبنى على ان الحرف موضوع للجزئي الخارجي لا للجزئي الاضافي ولا الى الجزئي الذهني فانه غير مانع بناء عليهما من تعدد مصداق الحرف خارجا وهو واضح.

وثانيا : انه مع تسليم وضعه للجزئي الخارجي فان مراد القائل هو ان الموضوع له واحد متشخص من ناحية تشخصه بطرفيه فيتبع في السعة والضيق في مقام الخارج سعة الطرفين وضيقهما ، ففي قولنا : الماء في الكوز لا بد وان يكون الواحد واحدا خارجيا شخصيا ، وفي مثل السير من الكوفة غير السير من البصرة ، فان الحرف في مثل هذا ايضا مستعمل في متشخص خارجي ، ولكنه بحسب تشخص طرفيه من السير والبصرة والسير والكوفة.

وعلى هذا فلا مانع من صحة رجوعه الى الكل حتى بناء على الوضع العام والموضوع له الخاص ، لوضوح امكان ملاحظة الجمل كلها بما هي مستثنى منه واحدا ، ولا يلزم من تعددها خارجا استعمال اللفظ في اكثر من معنى.

وبعبارة اخرى فيما كان المستثنى واحدا شخصيا خارجيا لا مانع من ناحية المستثنى لفرض وحدته الخارجية ، وانما الاشكال من ناحية المستثنى منه ، اذ الواحد الخارجي بما هو واحد خارجي لا يكون له اخراجات متعددة الّا بلحاظات متعددة باستعمالات متعددة ، فان الاستثناء حيث انه نسبة خاصة بين المستثنى منه والمستثنى وهي خارجية شخصية فلا بد من ان يكون طرفاها شخصين ايضا ، وفيما كان المستثنى منه واحدا وكان المستثنى جملا متعددة يقع الاشكال من ناحية المستثنى.

وقد عرفت ان لحاظ المستثنى منه المتعدد بلحاظ واحد وجعله واحدا كاف في لزوم مراعاة الجزئية الموضوع لها الحرف ، ومثله لحاظ المستثنى المتعدد واحدا بجعله وفرضه واحدا.

٢٢٣

كتعدد المستثنى ، لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الاداة بحسب المعنى ، كان الموضوع له في الحروف عاما أو خاصا ، وكان المستعمل فيه الاداة فيما كان المستثنى منه متعددا هو المستعمل فيه فيما كان واحدا ، كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا إشكال ، وتعدد المخرج أو المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الاخراج مفهوما (١) ، وبذلك

______________________________________________________

وقد اشار الى صحة رجوعه الى الكل وأخر البرهان عليه بقوله : «وكذا في صحة رجوعه الى الكل» أي وكذا لا ينبغي الاشكال في صحة رجوع الاستثناء الى الكل ، واشار الى الاشكال فيه بقوله : «وان كان المتراءى من كلام صاحب المعالم رحمه‌الله حيث مهد» صاحب المعالم «مقدمة لصحة رجوعه اليه» أي لصحة رجوع الاستثناء الى الكل «انه محل الإشكال والتأمل» في هذه الجملة وهي قوله انه محل الاشكال هي خبر وان كان المتراءى.

وحاصله : انه يستظهر من تمهيد المقدمة من صاحب المعالم لصحة رجوع الاستثناء الى الكل ان رجوع الاستثناء الى الكل محل اشكال ، ولم يشر الى وجه الاشكال ولكنه من برهانه على صحة الرجوع يعلم وجه الاشكال.

(١) هذا هو البرهان على صحة رجوع الاستثناء الى الكل.

وحاصل البرهان : انه لا مانع بحسب الظاهر في رجوع الاستثناء الى الكل الا ما ذكرناه من لزوم استعمال اللفظ في اكثر من معنى بناء على ما هو المعروف في الحروف من الوضع العام والموضوع له الخاص.

واذا اتضح انه لا مانع من هذه الجهة فلا يبقى اشكال في صحة رجوع الاستثناء الى الكل ، وقد ذكرنا وجه الصحة ، وبقي شرح عبارة المتن وهي قوله : «ضرورة ان تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى» وبهذا اشار الى ان الاشكال لا يختص بتعدد المستثنى منه ووحدة المستثنى ، بل يجري في وحدة المستثنى منه وتعدد المستثنى ايضا للزوم الوحدة الخارجية في الطرفين ، وحيث ان المراد من الوحدة هي فرض المستثنى

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

منه والمستثنى واحدا مفهوما ولحاظا ، فانه به يحصل التشخص اللازم في المعنى الحرفي ، ولذلك كان تعدد المستثنى منه «لا يوجب تفاوتا اصلا في ناحية الاداة بحسب المعنى» من لزوم كون الموضوع له والمستعمل فيه واحدا وشخصيا ، فان الوحدة كما تكون خارجية تكون ايضا جعلية ولحاظية بان يلاحظ المتعدد واحدا في مقام الاخراج والاستثناء سواء «كان الموضوع له في الحروف عاما او خاصا» فانه بناء على الوضع العام والموضوع له العام فالامر واضح جدا.

واما بناء على خصوصية الموضوع له فاللازم ما عرفت من كفاية الوحدة والتشخص بحسب الفرض واللحاظ «و» على هذا «كان المستعمل فيه الاداة فيما كان المستثنى منه متعددا هو المستعمل فيه فيما كان واحدا» لانه بعد فرض المتعدد واحدا كان المستثنى منه واحدا ايضا كما لو كان واحدا خارجا ، واشار الى ان الحال في تعدد المستثنى ، ووحدة المستثنى منه هو الحال في تعدد المستثنى منه ، ووحدة المستثنى اشكالا وجوابا بقوله : «كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا اشكال».

وعلى كل فالعبرة في لزوم تعدد اللحاظ في مقام الاخراج هو التعدد مفهوما بمعنى ان يكون بما هو مخرج منه متعددا ، لا ما اذا كان بما هو مخرج منه واحدا ولكنه في الخارج كان متعددا كما هو الحال في المقام ، فان المخرج قد كان واحدا لحاظا ولكنه متعدد في الخارج ، والى هذا اشار بقوله : «وتعدد المخرج او المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الاخراج مفهوما» والمراد من تعدد المفهوم الذي يلزم منه تعدد الاخراج هو ما ذكرنا : من كونه بما هو مخرج منه في قبال المخرج منه الآخر وفي المقام لم تلحظ الجمل المتعددة كذلك بل لحظت كلها بما هي مخرج واحد.

ولا يخفى ان الاشكال من ناحية المستثنى ضعيف لانه غالبا يتعدد بالعطف والعطف بمنزلة اعادة (الا) فلا يلزم الاشكال المزبور. نعم تعدد المستثنى منه بالعطف لا ينفع في رفع الاشكال ، لان العطف فيه يجعله مستثنى منه ولما كان الاستثناء ب (الا) واحدا يأتي الاشكال من ناحية وحدة المستثنى وتعدد المستثنى منه.

٢٢٥

يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع ، أو خصوص الاخيرة ، وإن كان الرجوع إليها متيقنا على كل تقدير (١) ، نعم غير الاخيرة أيضا من الجمل لا يكون ظاهرا في العموم لاكتنافه بما لا يكون معه ظاهرا فيه ، فلا بد في مورد الاستثناء فيه من الرجوع إلى الاصول.

اللهم إلا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبدا ، لا من باب الظهور ، فيكون المرجع عليه أصالة العموم إذا كان وضعيا ، لا ما إذا كان بالاطلاق ومقدمات الحكمة ، فإنه لا يكاد يتم تلك المقدمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع (٢) ،

______________________________________________________

(١) حاصله بعد ما عرفت من صحة رجوع الاستثناء الى الكل كما يصح رجوعه الى الاخيرة ـ تعرف ان اصح الاقوال هو القول الاخير من انه لا ظهور للاستثناء المتعقب للجمل المتعددة في كونه راجعا الى الكل او الى خصوص الاخيرة ، اذ ليس في الكلام على الفرض قرينة على التعيين وأداة الاستثناء صالحة لهما معا ولا قرينة عامة بحسب المتفاهم العرفي على التعيين ، كما يدعى في ورود الامر عقيب الحظر في ظهوره في الاباحة. فالاقوى هو القول الاخير من عدم الظهور في احدهما ولكنه حيث كان الرجوع الى الاخيرة من القدر المتيقن فالاستثناء منها مقطوع به ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وبذلك يظهر انه لا ظهور لها» أي لاداة الاستثناء «في الرجوع الى الجميع او خصوص الاخيرة وان كان الرجوع اليها» أي الى الاخيرة «متيقنا على كل تقدير» كما تقدم بيانه واضحا.

(٢) لا يخفى انه بعد ان كان الرجوع الى الاخيرة من باب القدر المتيقن لا لان أداة الاستثناء ظاهرة في الرجوع اليها فقط دون الكل ، وقد عرفت امكان رجوع الاستثناء الى الكل ـ فتكون الجمل ما عدا الاخيرة بالنسبة الى ما خرج بالاستثناء من قبيل الكلام المحتف بمحتمل القرينية ، مثلا قوله : اكرم الفقهاء والامراء الا المتكبر منهم فان خروج المتكبر من الامراء هو القدر المتيقن ، وعموم الفقهاء بالنسبة الى المتكبر منهم من الكلام المحتف بمحتمل القرينية فلا حجية له بالنسبة الى اكرام المتكبر من العلماء

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فيرجع فيه كسائر الموارد من المجملات الى ما تقتضيه الاصول في غير القدر المتيقن فيها. هذا بناء على مختاره في الظهور المكتنف بمحتمل القرينية من ان الحق فيه هو اجماله.

واما بناء على حجية اصالة الحقيقة من باب التعبد ـ كما مر بيانها قريبا ـ وكان العام دالا على العموم بحسب الوضع اما للقول بان المعرف باللام من الصيغ الموضوعة للعموم او بان يقول اكرم كل فقيه وامير الا المتكبر منهم ، فلا مانع من التمسك بها وبها تثبت حجية العموم في وجوب اكرام المتكبر من الفقهاء. واما اذا كان الشمول مستفادا من الإطلاق ومقدمات الحكمة كما لو قلنا بعدم وضع المعرف للعموم وانما يتم الشمول فيه بواسطة الاطلاق ومقدمات الحكمة فاحتفاف الكلام بمحتمل القرينية ـ لما مر وسيأتي في بابه ـ من اشتراط تمامية الاطلاق بانتفاء القرينة ولا بد من احراز ذلك ، وحيث يصلح الاستثناء للقرينية ولا بناء من التمسك باصالة عدم القرينة في الكلام المحتف بمحتمل القرينية فلا محرز لعدم القرينة ، ولذلك فلا يتم الاطلاق بالنسبة الى المتكبر من العلماء ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : «نعم غير الاخيرة ايضا من الجمل لا يكون ظاهرا في العموم» بحيث يشمل مورد الاستثناء «لاكتنافه» أي لاكتناف العموم «بما لا يكون العموم معه» وهو محتمل القرينية «ظاهرا فيه» أي في الشمول بحيث يشمل مورد الاستثناء ويكون العموم بالنسبة اليه من المجمل ، ولا بد في المجمل من الاخذ بالقدر المتيقن والرجوع في غيره الى الاصول ، وكل فقيه بالنسبة الى المتكبر من هذا القبيل ، ولذا قال : «فلا بد في مورد الاستثناء فيه» أي فيما كان العام بالنسبة اليه مجملا «من الرجوع الى الاصول» هذا على مختاره في الكلام المحتف بمحتمل القرينية.

واما بناء على غير ذلك فقد اشار اليه بقوله : «اللهم إلّا ان يقال بحجية اصالة الحقيقة تعبدا لا من باب الظهور فيكون المرجع عليه» أي على مبنى التمسك باصالة الحقيقة من باب التعبد هو «اصالة العموم اذا كان وضعيا» كما لو كان مستفادا من

٢٢٧

فتأمل (١).

______________________________________________________

لفظه كل «لا ما اذا كان» الشمول مستفادا «بالاطلاق ومقدمات الحكمة فانه لا يكاد يتم تلك المقدمات» أي مقدمات الحكمة التي لا بد من تماميتها في جريان الاطلاق «مع صلوح الاستثناء للرجوع الى الجميع».

(١) لقد ذكر وجه التأمل في هامش الكتاب (١) ، وحاصله : ان احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية انما يمنع الاطلاق ويختل به شرط مقدمات الحكمة فيما اذا كان الاحتمال اعتماد المتكلم عليه.

وبعبارة اخرى : ان المانع هو احتمال كون المتكلم قد نصب القرينة على خلاف ما يقتضيه الاطلاق ولكنها كانت القرينة غير واضحة الظهور في القرينية ، لانه مع هذا الاحتمال لا يحرز كون المتكلم في مقام البيان لما يقتضيه اطلاق كلامه ، كما اذا قال رأيت اسدا يرمي واحتملنا انه يريد بقوله يرمي رمي الحجارة فيكون قرينة على المجازية ، او انه يريد انه يرمي الزبد من فمه من الغيض والشراسة ، ففي احتفاف الكلام بمثل هذا يكون صلوح يرمي للقرينية مانعا ، وهذا المثال وان كان في الدوران بين الحقيقة والمجاز إلّا انه لبيان ان الصلوح المانع عن جريان الاطلاق هو كونه مثل هذا بحيث يحتمل اعتماد المتكلم عليه.

واما اذا كان احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة ليس كذلك ، بل كان كلاما بطبعه يصلح للقرينة ولكن لم يعلم ولا هناك قرينة على التفات المتكلم اليه واعتماده عليه فلا يصلح مثل هذا مانعا عن جريان الاطلاق كما في مثل المقام ، فان صلوح (الا) للرجوع الى غير الاخيرة انما هو بطبيعة الحال بمعنى انه لو اريد به الرجوع الى الكل لما

__________________

(١) كفاية الاصول بحاشية المحقق المشكيني (قدس‌سره) ج ١ ص ٣٦٦ (حجري).

٢٢٨

فصل

الحق جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد المعتبر بالخصوص كما جاز بالكتاب ، أو بالخبر المتواتر ، أو المحفوف بالقرينة القطعية من الخبر الواحد ، بلا ارتياب (١) ، لما هو الواضح من سيرة الاصحاب على العمل

______________________________________________________

كان مانعا من جهة استعمال (الّا) في ذلك ، وحيث لم يعلم التفات المتكلم الى هذا الصلوح ولم ينصب القرينة عليه فلا وجه للاعتماد على مثل هذا لمنع الاطلاق.

وبعبارة اخرى : ان المانع عن الاطلاق هو كون محتمل القرينيّة صالحا بحسب المتفاهم العرفي للقرينيّة ، واذا لم يكن كذلك فاصالة الاطلاق بمعنى ان الاصل في الكلام الذي فيه قابلية الاطلاق ان يكون المتكلم بصدده مع ضميمة اصالة عدم القرينة تتم مقدمات الحكمة ويجري الاطلاق ، والمقام من هذا القبيل لان (الّا) وان كانت صالحة بذاتها للقرينيّة إلّا انها لم يحرز انها بحسب المتفاهم العرفي صالحة لذلك.

الّا ان يقال : ان الاطلاق حيث انّ لازمه هو انه لو لم يرد الاطلاق لكان ناقضا للغرض ، فمجرد احتمال ان يكون قد اعتمد عليه يكون مانعا عن هذا اللازم لانه يكفي في عدم لزوم نقض الغرض صرف كون الكلام محتفا بما يصلح للقرينيّة ، فانه بعد صلاحية (الّا) لرجوعها الى الكل يكون مما يحتمل ان يكون هو مراد المتكلم فيكون مانعا عن جريان الاطلاق ومقدمات الحكمة.

وبعبارة اخرى : انه يمنع عن جريان الاطلاق اخص الاحتمالات.

(١) لا يخفى انه يحتمل ان يكون مراده من قوله المعتبر بالخصوص هو الخبر الذي قامت الادلة الخاصة على حجيته كالاجماع والاخبار المتواترة والسيرة الممضاة ، في قبال الخبر الواحد الذي قام دليل الانسداد على اعتباره لانه انما يقوم على حجية مطلق الظن ، والخبر الواحد احد المصاديق وليس الانسداد دليلا على حجية خبر الواحد بعنوان كونه خبر واحد.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويحتمل ان يكون مراده من قوله بالخصوص هو حجية الخبر الواحد في قبال الخبر المتواتر والخبر المحفوف بالقرينة القطعية.

وحيث ان القائل بجواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد لا يفرق فيه بين الخبر الواحد المعتبر للادلة الخاصة او لدليل الانسداد فالاحتمال الثاني اقوى ان يكون هو مراده ، مضافا الى ان قوله كما جاز بالكتاب او بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية والمحفوف بالقرينة القطعية من الخبر الواحد ، وفي هذا اشعار أو اشارة بان مراده من الخبر الواحد المعتبر هو ما قام الدليل على اعتباره ، وان كان الانسداد في قبال الخبر القطعي وهو المحفوف بالقرينة القطعية وفي قبال بقية المذكورات التي لا ريب في جواز تخصيص الكتاب بها.

وعلى كلّ فالاقوال في جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ثلاثة جواز التخصيص به. وعدم الجواز. والتوقف ، وحيث ان وجه التوقف عدم تبين وجه الترجيح لاحد الرأيين عند القائل فليس هناك دليل على التوقف حتى يذكر ، لذا فالامر دائر بين الجواز والعدم.

ولا يخفى ان القول بالجواز لا بد فيه من امرين شمول الادلة الدالة على حجية الخبر الواحد لتخصيص الكتاب به وعدم المانع عن شمولها لذلك.

وحيث ان المانعين ذكروا موانع منها ما يرجع الى وجود المانع ، ومنها ما يرجع الى عدم المقتضي فلا بد من ردّها حتى يتم ما دل على حجية الخبر على تخصيص الكتاب به ، فلذلك ابتدأ اولا بذكر الادلة الدالة على شمول حجية الخبر لتخصيص الكتاب به ثم تعرض بعدها لادلة المانعين وردها.

لا يقال : انه بعد تمامية هذين الامرين فالعام الكتابي والخبر الدال على تخصيصه من المتعارضين فلما ذا يقدم الخبر على عموم الكتاب؟

٢٣٠

بأخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الائمة عليهم‌السلام ، واحتمال أن يكون ذلك بواسطة القرينة واضح البطلان (١) مع أنه لولاه

______________________________________________________

قلت : تقديم الخاص بعد تمامية الامرين على العموم ليس عند العرف من مصاديق التعارض فانهم بعد تمامية حجية الخاص لا يتوقفون في تقديم الخاص على العام لكون دلالة الخاص على التخصيص اقوى عندهم من دلالة العام على العموم.

(١) هذا شروع في ذكر الدليل على كون الخبر الواحد تشمل حجيته لتخصيص العموم الكتابي به.

وحاصلها : السيرة الممضاة من عمل العلماء باخبار الآحاد المعتبرة وتخصيص العمومات الكتابية بها ولم يرد ردع عن هذه السيرة التي هي بمرأى ومسمع من الائمة عليهم‌السلام ، وسيأتي في محله كفاية عدم الردع في حجية السيرة ، والى هذا اشار بقوله : «لما هو واضح ... الى آخر الجملة».

لا يقال : انه لعل عمل العلماء على الاخذ باخبار الآحاد وتخصيص العمومات الكتابية بها لاجل قيام القرائن القطعية على صحة تلك الاخبار المخصصة للكتاب فتخرج عن عنوان خبر الواحد المصطلح وتكون من الخبر المحفوف بالقرينة القطعية.

فانه يقال : انه من المقطوع به بطلان هذا الاحتمال ، فانه مع كثرة اخبار الآحاد المخصصة للعمومات الكتابية وخلوها بحسب ما نجدها من القرائن يوجب القطع ببطلان هذا الاحتمال ، وقد اشار الى قيام السيرة الممضاة بقوله : «لما هو الواضح ... الى آخر الجملة» واشار الى بطلان احتمال ان يكون العمل باخبار الآحاد في تخصيص الكتاب بها لكونها من الاخبار المحفوفة بالقرائن القطعية بقوله : «واحتمال ... الى آخر الجملة».

٢٣١

لزم إلغاء الخبر بالمرة أو ما بحكمه ، ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب ، لو سلم وجود ما لم يكن كذلك (١).

وكون العام الكتابي قطعيا صدورا ، والخبر الواحد ظنيا سندا ، لا يمنع عن التصرف في دلالته غير القطعية قطعا ، وإلا لما جاز تخصيص المتواتر به أيضا ، مع أنه جائز جزما.

والسر : أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم ودليل سند الخبر ، مع أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينة على التصرف فيها ، بخلافها ، فإنها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره (٢) ،

______________________________________________________

(١) هذا دليل ثان على شمول ادلة حجية الخبر الواحد لتخصيص الكتاب به وحاصله : انه قلما يوجد خبر في العبادات والمعاملات الا وهناك عموم كتابي لا بد من تخصيصه بذلك الخبر ، فاذا لم تكن حجية الخبر الواحد شاملة لتخصيص الكتاب به يلزم لغوية جعل حجية خبر الواحد التي قامت الادلة القطعية عليها ، والمفروض مسلمية حجية الخبر عند القائل بعدم جواز تخصيص الكتاب به ، مع انه لا فائدة في حجية الخبر اذ قلنا بعدم جواز تخصيص الكتاب به ، والى هذا اشار بقوله : «مع انه لولاه» أي لو لا كون حجية الخبر مما تشمل تخصيص الكتاب به «لزم الغاء الخبر بالمرة او ما بحكمه» أي أو يلزم ما بحكم الالغاء بالمرة وهو لزوم حصر حجية الخبر في المورد النادر جدا ، وهذا بحكم الغاء حجية الخبر ، ولذا قال : «ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب لو سلم وجود ما لم يكن كذلك» أي لو سلم وجود خبر لا يلزم منه تخصيص عموم كتابي ، إلّا انه من المسلم كون مثل هذا الخبر نادرا جدا بحيث ليس له اهمية تقتضي جعل حجية الخبر لاجله.

(٢) هذا شروع في ادلة المانعين ، اولها ما اشار اليه بقوله : «وكون العام ... الى آخره».

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيحه : انه في مقام التعارض لا بد من تكافؤ المتعارضين ، والعام الكتابي والخاص حيث انهما يتعارضان في مقدار التخصيص فلا بد من تكافئهما وهما غير متكافئين ، لان العام الكتابي قطعي الصدور والخبر الواحد ظني الصدور فلا يصلح الخبر الواحد مكافئا للعام في مقدار التخصيص ، فكيف يجوز تخصيصه به وهذا مراده بقوله : «وكون العام الكتابي قطعيا صدورا والخبر الواحد ظنيا سندا».

ويرد عليه : نقضا وحلا ، اما النقض فبأنه لو كان هذا مانعا لمنع من تخصيص الخبر المتواتر بالخبر الواحد ، لان من البديهي ان الحال في الخبر المتواتر والخبر الواحد من كون العام قطعيا والخبر الواحد ظنيا سواء كالكتاب ، لقطعية الخبر المتواتر صدورا وظنية الخبر الواحد سندا مع انه لا يلتزم القائل به ، والى هذا اشار بقوله : «وإلّا لما جاز ... الى آخر الجملة».

واما الحل فقد اشار اليه اولا : بقوله : «لا يمنع عن التصرف في دلالته غير القطعية قطعا» ثم شرحه بقوله : «والسر ... الى آخر الجملة».

وتوضيحه : ان للمتعارضين جهتين : الصدور والدلالة ، فان كانا متساويين في الجهتين وقع التعارض بينهما بكلتا الجهتين ، وكما لو كانا كلاهما من الكتاب فان الصدور فيهما قطعي والدلالة فيهما ظنية ، او كانا من الخبر الواحد فانهما سندا ودلالة ظنيان ، واذا اختلفا بان كان احد الخبرين قطعي الصدور كالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية والآخر ظنيا كالخبر الواحد ، فانه يقع التعارض في جهتين من الخبر الواحد وجهة واحدة من الخبر القطعي ، فانه في القطعي هي الدلالة فقط وفي الخبر الدلالة والسند.

وحيث انه في ناحية الدلالة ليس بين العام والخاص تعارض عند العرف لوضوح ان الخاص في ناحية الدلالة مقدم على العام قطعا وفي الخبر المتواتر الصدور قطعي ، فينحصر التعارض بينهما في دلالة الخبر المتواتر فانها غير قطعية وفي سند الخبر الواحد فانه ظني.

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وحيث عرفت ان السيرة الممضاة دالة على كون حجية الخبر الواحد بحيث تشمل تخصيص قطعي الصدور به فلا بد من القول بجواز تخصيص الكتاب به ، لان الكتاب وان كان قطعي الصدور ولكنه ظني الدلالة ، والخبر قطعي التقديم من ناحية الدلالة لفرض كونه خاصا ، فيقع التعارض بين دلالة العام الكتابي لكونها غير قطعية وسند الخبر الواحد لانه غير قطعي ايضا ، فلم يقع التعارض بين القطعي والظني بل التعارض بينهما بين غير القطعيين ، والى هذا اشار بقوله : «والسر ان الدوران في الحقيقة بين اصالة العموم» في العام الكتابي وهي غير قطعية «ودليل سند الخبر» وهو غير قطعي.

واذا اتضح ان التعارض بينهما في هاتين الجهتين فلا بد من تقديم الخبر وتخصيص الكتاب به ، لان اصالة العموم انما تتبع حيث لا تزاحم بحجة اقوى منها ، ودلالة الخبر الثابتة حجيتها باعتبار سند الخبر لقيام الادلة على حجيته تكون قرينة اقوى من اصالة العموم صالحة للتصرف في اصالة العموم ، واصالة العموم غير صالحة للتصرف في الخبر لكون الحجية في اصالة العموم معلقة على عدم القرينة على خلافها وحجية الخبر الواحد غير معلقة على ان لا تكون اصالة العموم على خلافه ، ومن الواضح ان الحجية المعلقة لا تزاحم الحجية غير المعلقة ، والى هذا اشار بقوله : «مع ان الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينية على التصرف فيها» أي على التصرف في اصالة العموم «بخلافها» أي بخلاف اصالة العموم «فانها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره» أي دليل اعتبار الخبر.

٢٣٤

ولا ينحصر الدليل على الخبر بالاجماع ، كي يقال بأنه فيما لا يوجد على خلافه دلالة ، ومع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به. كيف؟ وقد عرفت أن سيرتهم مستمرة على العمل به في قبال العمومات الكتابية (١) ، والاخبار الدالة على أن الاخبار المخالفة للقرآن يجب

______________________________________________________

(١) هذا ردّ المانع الثاني عن جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد ، وحاصل هذا المانع ان الدليل على حجية الخبر الواحد هو الإجماع ، والاجماع دليل لبي لا بد من الاقتصار فيه على القدر المتيقن ، والقدر المتيقن من حجيته هو ما اذا لم تقم على خلاف الخبر دلالة ، وعموم القرآن دلالة على خلافه.

ومرجع هذا المانع الى أمرين : الأول : ان الأصل عدم حجية خبر الواحد ، وبعد قيام هذا الأصل والتسالم عليه لا يخرج عنه إلّا بدليل وهو اما القطع ، او ما قام القطع على حجيته وان كانت دلالته ظنية وكلاهما مفقودان ، اذ لا قطع بجواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد ، والدليل القائم على حجيته وان كان قطعيا إلّا ان مقدار دلالته غير معلومة لان دليل حجية الخبر الواحد هو الإجماع وهو لبي ، وليس هو لفظي له ظهور شامل لتخصيص الكتاب به حتى يقال ان حجيته قد قام الدليل القطعي عليها ، ودلالته وان كانت ظنية إلّا ان بناء العقلاء المتسالم على حجيته حيث لا ردع عنه يستلزم الاخذ بالظهور وان كان ظنيا ، وحيث كان دليل الخبر هو الاجماع وليس له لسان يكون له ظهور لا بد من الاخذ به فلا بد في مثله من الاقتصار على القدر المتيقن في الخروج عن الاصل المتقدم وهو أصالة عدم الحجية ، فينتج من ذلك انه لا بد في الاقتصار في حجية الخبر على غير ما اذا قام عموم كتابي على خلافه ، ومرجع هذا في الحقيقة ليس الى وجود المانع عن ادلة حجية الخبر الشاملة بظاهرها لتخصيص الكتاب به كما هو في المانع الاول ، وانما مرجعه الى عدم المقتضى.

٢٣٥

طرحها أو ضربها على الجدار ، أو أنها زخرف ، أو أنها مما لم يقل بها الامام عليه‌السلام ، وإن كانت كثيرة جدا ، وصريحة الدلالة على طرح المخالف ، إلّا انه لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة في هذه الاخبار غير مخالفة العموم ، إن لم نقل بأنها ليست من المخالفة عرفا ، كيف؟ وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم عليهم‌السلام كثيرة جدا (١) ،

______________________________________________________

ويردّه ، اولا : ما عرفت من النقض بانه لا خصوصية للكتاب بل لا بد من عدم تخصيص الخبر المتواتر والمحفوف بالقرينة القطعية بالخبر الواحد أيضا اذ انه أيضا ، لا لسان للاجماع في الشمول لتخصيصها بالخبر الواحد.

وثانيا بانه لا ينحصر دليل حجية الخبر في الاجماع لما علمت من قيام السيرة على خصوص تخصيص الكتاب به ، وقد اشار الى نفس المنع بقوله : «كي يقال» أي لو كان دليل حجية الخبر منحصر في الاجماع لجاز ان يقال «بانه» دليل لبي لا بد من الاقتصار فيه على حجية الخبر «فيما لا يوجد على خلافه دلالة ومع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به» أي بالخبر ، وتوضيحه ما عرفت وقد اشار الى ردّه وهو الردّ الثاني بقوله : «كيف؟ وقد عرفت ان سيرتهم مستمرة على العمل به في قبال العمومات الكتابية».

(١) هذا هو المانع الثالث لشمول ادلة حجية الخبر لتخصيص الكتاب به ، وهذا كالاول يرجع الى وجود المانع لا الى المناقشة في المقتضى.

وحاصله : انه لا اشكال في ان تخصيص الكتاب بالخبر مرجعه الى منافاة الخبر المخصص للعموم الكتابي بمقدار التخصيص ، وقد دلت الاخبار المتواترة على عدم حجية الاخبار المخالفة للكتاب بألسنة مختلفة ، بعضها بلسان ان الخبر المخالف للكتاب يجب طرحه كقوله يضرب بها عرض الجدار ، وبعضها بلسان الخبر المخالف للكتاب زخرف ، وبعضها بلسان انه لم نقله كقوله : ما خالف قول ربنا لم نقله.

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى كل فيستفاد من هذه الاخبار المتواترة عدم حجية الخبر المخالف لكتاب الله وقد عرفت ان الخبر المخصص للكتاب مخالف لعموم الكتاب بمقدار التخصيص للعموم ، والحاصل : ان هذه الاخبار متواترة من حيث السند صريحة من حيث الدلالة.

وحاصل الجواب عن هذا المانع : انه من المقطوع به صدور الخبر المخصص للكتاب عنهم عليهم‌السلام والّا لسقط الفقه باجمعه ، وهذه الاخبار التي ادعى منعها عن جواز تخصيص الكتاب بالخبر حيث كانت متواترة وقطعية ولكن دلالتها انما كانت صريحة في عنوان المخالفة ، ولم تنص على عدم جواز التخصيص للكتاب بالخبر ولم تنص أيضا على ان التخصيص لعموم الكتاب من المخالفة ، فلم يبق سوى دعوى ظهور المخالفة في شمولها لمثل تخصيص الكتاب بالخبر ، فلا بد من رفع اليد عن ظهور المخالفة بحيث تشمل تخصيص الكتاب ، فتارة : نقول بان المراد من المخالفة ليست مطلق المنافاة بل ما كان بحسب رأي العرف مخالفة والعموم والخصوص ليست من المخالفة ، ومرجع هذا الى ان المراد من المخالفة منصرفها العرفي لا معناها اللغوي ، والى هذا اشار بقوله : «ان لم نقل بانها ليست من المخالفة عرفا».

واخرى نقول ان هذه الاخبار هي من العمومات التي قام الدليل القطعي على تخصيصها ، فالعموم والخصوص وان كان من المخالفة إلّا انه بعد قيام القطع بانه صدر منهم عليهم‌السلام ما خصص الكتاب ، فيكون هذا تخصيصا لعنوان المخالفة في هذه الاخبار ، فتختص المخالفة التي يضرب الخبر المتضمن لها عرض الجدار وانه من الزخرف ولم يقولوه عليهم‌السلام بغير المخالفة بنحو العموم والخصوص ، والى هذا اشار بقوله : «إلّا انه لا محيص عن ان يكون المراد من المخالفة في هذه الاخبار غير مخالفة العموم» بالتخصيص.

وقبل ان يذكر الدليل على لزوم تخصيص عنوان المخالفة بغير المخالفة بنحو العموم والخصوص اشار الى المناقشة الاولى بقوله : «ان لم نقل» ثم اشار الى

٢٣٧

مع قوة احتمال أن يكون المراد أنهم لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك وتعالى واقعا ـ وإن كان هو على خلافه ظاهرا ـ شرحا لمرامه تعالى وبيانا لمراده من كلامه (١) ،

______________________________________________________

الدليل على لزوم تخصيص عنوان المخالفة بقوله : «كيف وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة» أي بنحو مخالفة العموم والخصوص «منهم عليهم‌السلام كثيرة جدا» بحيث يعلم علما قطعيا بان المخالفة بنحو العموم والخصوص صادرة عنهم قطعا ، فمن الضروري ان يكون مرادهم عليهم‌السلام من المخالفة التي لا يقولونها وانها زخرف ويضرب بها عرض الجدار هي غير هذه المخالفة المقطوع صدورها عنهم عليهم‌السلام كالمخالفة بنحو التباين ، هذا بحسب ظاهر عبارة المتن.

ويحتمل ان يكون مراده غير ما ذكرناه ، وحاصله : ان هناك مخالفة عرفية ومخالفة لغوية ، والمخالفة العرفية لا تشمل المخالفة بنحو العموم والخصوص وان كان تشملها المخالفة اللغوية. ولا نقول كما قلنا في المناقشة : من ان الالفاظ الواردة في الأخبار يلزم حملها على ما يفهم منها عرفا ، بل نقول انها تحمل على معانيها اللغوية ما لم تقم قرينة دالة على لزوم حملها على المعنى العرفي ، وفي المقام كذلك فان الاخبار الدالة على طرح المخالف وانه مما لم نقله وانه زخرف آبية عن التخصيص ، وبعد قيام الدليل القطعي على صدور المخالفة بنحو العموم والخصوص عنهم عليهم‌السلام فالجمع بينهما يقتضي حمل هذه الاخبار على المخالفة العرفية دون المخالفة اللغوية.

وقد ظهر مما ذكرنا : ان هذه المناقشة غير المناقشة الاولى التي هي كون المراد من المخالفة هي غير هذه المخالفة اللغوية لوجوب تنزيل الالفاظ الواردة في الاخبار على ما يفهم منها بحسب العرف.

(١) هذه مناقشة ثالثة في دلالة هذه الاخبار المدعى منعها عن جواز تخصيص الكتاب بالخبر ، ومحصلها : انه قد عرفت ان المخالفة لغوية وعرفية والمناقشة السابقة مبنية عليهما ، او على خصوص ان المراد بها المخالفة العرفية ، وهذه المناقشة مبنية على ان

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المراد من المخالفة في الاخبار المذكورة هي المخالفة الواقعية ، فيكون المراد من هذه الاخبار ان المخالفة لحكم الله الواقعي مما لا يقولونها عليهم‌السلام فانهم طريق تبليغ احكامه وسبل معرفته ، ومرجع هذا الى ان جميع ما يقولونه هو حكم الله ، وعلى هذا فلا يكون تخصيص الكتاب بالخبر الواحد مما يخالف كتاب الله بعد جعل حجيته منهم عليهم‌السلام.

واذا قيل : ان من المعلوم انه ليس كل خبر واحد هو صادر عنهم حتى لا يكون مما لم يخالف كتاب الله.

فانا نقول : انه اذا كان المراد من المخالفة في هذه الاخبار هي المخالفة الواقعية فيكون التمسك بها في منع شمول حجية الخبر عن تخصيص الكتاب به من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، لان الخبر غير الصادر عنهم هو المخالف دون الصادر عنهم عليهم‌السلام.

والحاصل : انه اذا كان المراد من المخالفة هي المخالفة الواقعية فلازم ذلك ان التخصيص للكتاب بما يصدر منهم وان كان ظاهره انه مخالف لعموم الكتاب إلّا انه حيث كان هو أيضا حكم الله وكلامه الصادر على لسانهم فلا يكون مخالفا لكتاب الله ، اذ المخالف لكلامه ـ جل وعلا ـ ما كان كلام غيره لا كلامه هو تبارك وتعالى ، وكلامهم عليهم‌السلام هو كلامه عزوجل الصادر على لسانهم ، وهذا مراده من قوله : «مع قوة احتمال ان يكون المراد» من المخالفة في هذه الاخبار هي المخالفة الواقعية ، وعلى هذا فيكون المراد بهذه الاخبار «انهم لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك وتعالى واقعا وان كان هو على خلافه ظاهرا شرحا لمرامه تعالى وبيانا لمراده من كلامه» فهو كلامه ولكن قد صدر على لسانهم ولا مانع من ان يكون كلامه شارحا لكلامه.

٢٣٩

فافهم (١).

والملازمة بين جواز التخصيص وجواز النسخ به ممنوعة ، وإن كان مقتضى القاعدة جوازهما ، لاختصاص النسخ بالاجماع على المنع ، مع وضوح الفرق بتوافر الدواعي إلى ضبطه ، ولذا قل الخلاف في تعيين موارده ، بخلاف التخصيص (٢).

______________________________________________________

(١) يمكن ان يكون اشارة الى وجوه من المناقشة في هذا الاحتمال :

الاول : انه على هذا لا مانع من صدور ما يباين الكتاب مباينة تامة ، ولازمه وقوع المعارضة بين الخبر الواحد وكتاب الله وهذا مما لا يلتزم به.

الثاني : ان هذه الاخبار الآمرة بضرب ما يخالف كتاب الله عرض الجدار لا يعقل ان تكون امرا منهم عليهم‌السلام للمكلف ، لوضوح ان المكلف لا يعرف ما هو المخالف واقعا لحكم الله الواقعي وانما هو من مختصاتهم عليهم‌السلام.

الثالث : ان المراد من المخالفة في هذه الاخبار لا بد وان يكون اما المخالفة اللغوية او العرفية ، لان مورد جملة من هذه الاخبار اما لترجيح احد المتعارضين على الآخر ، او لتمييز الصادر عنهم من غير الصادر ، لانها واردة في تعارض الاخبار والاخذ بما لا يخالف كتاب الله ، فلا بد وان يكون المراد من المخالفة التي يعرفها العارض للخبرين على كتاب الله ، والمخالفة الواقعية لا يعرفها المأمور بعرض الخبرين المتعارضين على كتاب الله.

(٢) هذا المانع الرابع لشمول حجية الخبر لتخصيص الكتاب به ، وهو كالاول يرجع الى وجود مانع يمنع عن شمول ادلة حجية الخبر لان يخصص به الكتاب ، لا الى عدم المقتضي لحجيته.

وحاصله : انه اذا جاز التخصيص للكتاب بخير الواحد فلا بد وان يجوز النسخ به للكتاب أيضا ، والنسخ به باطل قطعا والتخصيص باطل أيضا.

٢٤٠