عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٢٠

طاهر فإن استصحاب نجاسة المتمم بالفتح وطهارة المتمم بالكسر مما لا يوجب مخالفة عملية ولكن قام الإجماع على عدم اختلاف حكم ماء واحد بأن يكون بعضه نجسا وبعضه طاهراً.

(الثالثة) ما إذا لم يكن العمل بهما مستلزما لمخالفة قطعية عملية ولم يقم دليل على عدم الجمع مع ترتب أثر شرعي على كل من المستصحبين في الزمان اللاحق كما في استصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن فيمن توضأ غافلا بمائع مردد بين الماء والبول.

(الرابعة) ما إذا لم يكن العمل بهما مستلزماً لمخالفة قطعية عملية ولم يقم دليل على عدم الجمع مع عدم ترتب أثر شرعي إلا على أحدهما دون الآخر كما إذا علم إجمالا بطرو الجنابة عليه أو على غيره فإن جنابة الغير وعدم جنابته مما لا أثر له بالنسبة إلى هذا إلا إذا كان الغير ممن يقتدي به في الصلاة (وعلى كل حال) قد حكم أعلى الله مقامه في الصورتين الأوليين بتساقط الاستصحابين وحكم في الصورة الثالثة بجريان الاستصحابين جميعاً لعدم لزوم مخالفة قطعية عملية وعدم الدليل على عدم الجمع وحكم في الصورة الرابعة بجريان الاستصحاب في الطرف المترتب عليه الأثر دون الطرف الآخر.

(أقول)

اما عدم جريان الاستصحابين في الصورتين الأوليين فلا كلام لنا فيه واما جريانهما في الصورة الثالثة فقد عرفت ضعفه مما تقدم وذلك لقصور أدلة الأصول عن الشمول لجميع الأطراف ولو لم يلزم منه مخالفة عملية وأما جريان الاستصحاب في الصورة الرابعة في الطرف المترتب عليه الأثر دون الطرف الآخر فهو حق ولكنها ليست من تعارض الاستصحابين بعد كون الطرف الآخر خارجاً عن الابتلاء وخالياً عن الأثر وقد اعترف أعلى الله مقامه بذلك كله في كلام له في المقام فراجع عين كلامه زيد في علو مقامه.

٢٦١

(قوله فإن قوله عليه‌السلام في ذيل بعض أخبار الباب ولكن ينقض اليقين باليقين لو سلم انه يمنع عن شمول قوله عليه‌السلام في صدوره لا ينقض اليقين بالشك ... إلخ)

جواب عن منع المقتضي لجريان الاستصحابين جميعاً ووجه المنع عدم إطلاق الخطاب وعدم شموله للاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي وذلك للزوم المناقضة بين الصدر والذيل فلو شمل صدر خطاب لا ينقض اليقين أبداً بالشك كلا من أطراف العلم الإجمالي لناقضه الذيل وهو قوله وإنما ينقضه بيقين آخر بعد فرض حصول العلم الإجمالي بالخلاف في أحدها وذلك لوضوح المناقضة بين السلب الكلي أي النهي عن النقض في جميع الأطراف مع الإيجاب الجزئي أي الأمر بالنقض في أحدها المعلوم بالإجمال (وأصل المنع) من الشيخ أعلى الله مقامه (قال) فيما أفاده لإثبات التساقط في الصورة الأولى من الصور الأربع المتقدمة (ما لفظه) لأن العلم الإجمالي هنا بانتقاض أحد المستصحبين يوجب خروجهما عن مدلول لا ينقض لأن قوله لا ينقض اليقين بالشك ولكن ينقضه بيقين مثله يدل على حرمة النقض بالشك ووجوب النقض باليقين فإذا فرض اليقين بارتفاع الحالة السابقة في أحد المستصحبين فلا يجوز إبقاء كل منهما تحت عموم حرمة النقض بالشك لأنه مستلزم لطرح الحكم بنقض اليقين بمثله (انتهى) كلامه رفع مقامه (وحاصل جواب المصنف) عن المنع ان المناقضة بين الصدر والذيل لو سلم انها مما تمنع عن إطلاق الخطاب وعن شموله لأطراف العمل الإجمالي فهي موجودة في بعض اخبار الباب مما فيه الذيل المذكور أي وانما ينقضه بيقين آخر وليست هي موجودة في جميع الاخبار مما ليس فيه الذيل المذكور (وعليه) فإطلاق الخطاب وشموله لأطراف العلم الإجمالي في ساير الاخبار محفوظ على حاله والمقتضي للجريان فيها محقق لا محالة

(أقول)

ان الشيخ أعلى الله مقامه وإن منع عن إطلاق الخطاب وعن شموله لأطراف العلم

٢٦٢

الإجمالي في خصوص الصورة الأولى فقط كما أشرنا آنفاً وهي ما إذا كان العمل بالاستصحابين مستلزماً لمخالفة قطعية عملية والمصنف قد ادعى جريان الاستصحابين فيما لم يلزم منه مخالفة قطعية عملية ولكن حيث رأي المصنف أن منع إطلاق الخطاب من جهة المناقضة بين الصدر والذيل مما يجري حتى فيما لم يلزم منه مخالفة قطعية عملية فصار بصدد الجواب عن المناقضة ليستريح منها (ومن هنا يظهر) ما يتوجه إلى الشيخ أعلى الله مقامه من أن المناقضة وإن أفادها هو في خصوص الصورة الأولى من الصور الأربع المتقدمة ولكنها مما تجري هي في ساير الصور أيضاً فلا يبقي معها مجال لجريان الاستصحابين في الصورة الثالثة بل ولا في الثانية لو لا الإجماع على عدم الجمع فإن المخالفة القطعية العملية هب انها مما لا تلزم فيهما ولكن المناقضة بين الصدر والذيل محققة فيهما جداً وهي مما تكفي للمنع عن إطلاق الخطاب وعن شموله لأطراف العلم الإجمالي بلا كلام.

(ثم إنه) يرد على جواب المصنف عن المنع ان الذيل المذكور وإن كان مما يختص ببعض أخبار الباب دون الكل ولكن مجرد ذلك مما لا يقتضي شمول ما ليس فيه الذيل لأطراف العلم الإجمالي بل لو لم يكن في أخبار الباب ما فيه الذيل أصلا لمنعنا مع ذلك عن شمول دليل الأصل لأطراف العمل الإجمالي فإن الأصل العملي موضوعه الشك وغايته العلم ومع حصول الغاية المانعة عن الأصول في أحد أطراف العلم الإجمالي كيف يجري الأصل في جميعها نعم لا مانع عن جريانه في الطرف الآخر الّذي لا علم لنا فيه أصلا ولكن حيث لا تعيين له في مقام الإثبات فيسقط الأصل قهراً عن الحجية في جميع الأطراف بتمامها وسيأتي نظير هذا التقريب أو عينه في تعارض الخبرين أيضاً عند بيان كون مقتضي القاعدة الأولية فيهما هو التساقط لا التخيير فانتظر.

(قوله وشموله لما في أطرافه ... إلخ)

عطف على عموم النهي في سائر الاخبار مما ليس فيه الذيل أي إلا انه لا يمنع عن

٢٦٣

عموم النهي في ساير الأخبار وعن شموله لما في أطراف المعلوم بالإجمال.

في تقدم التجاوز والفراغ وأصل الصحة

على الاستصحاب بالتخصيص

(قوله تذنيب لا يخفى أن مثل قاعدة التجاوز في حال الاشتغال بالعمل وقاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه وأصالة صحة عمل الغير إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية إلا القرعة يكون مقدمة على استصحاباتها المقتضية لفساد ما شك فيه من الموضوعات لتخصيص دليلها بأدلتها ... إلخ)

مقصوده من قوله إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية ... إلخ هو مثل قاعدة اليد (وحاصل كلامه) هاهنا أن وجه تقدم كل من التجاوز والفراغ وأصل الصحة في فعل الغير واليد على الاستصحابات المخالفة لها هو التخصيص وأخصية أدلتها من أدلة الاستصحاب.

(وأما الشيخ) أعلى الله مقامه فقد فصّل بين ما إذا قلنا ان هذه القواعد أمارات شرعية فيكون تقدمها على الاستصحاب بالحكومة على مبناه المتقدم في تقدم الأمارات على الاستصحاب وبين ما إذا قلنا إنها أصول شرعية فيكون تقدمها على الاستصحاب بالتخصيص إلا في أصالة الصحة فننظر في تقديمها على الاستصحاب الموضوعي الّذي في مورده من استصحاب عدم الإتيان بالجزء أو الشرط ونحوه ولم يقل بتقديمها عليه بالتخصيص (قال أعلى الله مقامه ما لفظه) أما الكلام في المقام الأول يعني به معارضة الاستصحاب لبعض الأمارات التي يتراءى كونها من الأصول كاليد ونحوه يعني التجاوز والفراغ وأصل الصحة في فعل الغير فيقع في مسائل.

٢٦٤

(الأولى) أن اليد مما لا يعارضها الاستصحاب بل هي حاكمة عليه (قال) بيان ذلك أن اليد إن قلنا بكونها من الأمارات المنصوبة دليلا على الملكية من حيث كون الغالب في مواردها كون صاحب اليد مالكاً أو نائباً عنه وأن اليد المستقلة الغير المالكية قليل بالنسبة إليها وان الشارع انما اعتبر هذه الغلبة تسهيلا على العباد فلا إشكال في تقديمها على الاستصحاب على ما عرفت من حكومة أدلة الأمارات على أدلة الاستصحاب وإن قلنا بأنها غير كاشفة بنفسها عن الملكية أو أنها كاشفة لكن اعتبار الشارع له ليس من هذه الحيثية بل جعلها في محل الشك تعبداً لتوقف استقامة نظام معاملات العباد على اعتبارها نظير أصالة الطهارة (إلى ان قال) فالأظهر أيضا تقديمها على الاستصحاب (إلى ان قال) وكيف كان فاليد على تقدير كونه من الأصول التعبدية أيضاً مقدمة على الاستصحاب وإن جعلناه أي الاستصحاب من الأمارات الظنية لأن الشارع نصبها في مورد الاستصحاب (قال) وإن شئت قلت إن دليله أخص من عمومات الاستصحاب

(إلى أن قال المسألة الثانية) في ان أصالة الصحة في العمل عند الفراغ عنه لا يعارض بها الاستصحاب إما لكونها من الأمارات كما يشعر به قوله عليه‌السلام في بعض روايات ذلك الأصل هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك وإما لأنها وان كانت من الأصول إلا أن الأمر بالاخذ بها في مورد الاستصحاب يدل على تقديمها عليه فهي خاصة بالنسبة إليه يخصص بأدلتها أدلته (ثم ساق الكلام) طويلا في تحقيق التجاوز والفراغ.

(إلى ان قال المسألة الثالثة) في أصالة الصحة في فعل الغير وهي في الجملة من الأصول المجمع عليها فتوى وعملا بين المسلمين (ثم ساق الكلام) طويلا في تحقيق حالها.

(إلى أن قال السادس) في بيان ورود هذا الأصل على الاستصحاب فنقول أما تقدمه على استصحاب الفساد وما في معناه فواضح وله عبارتان في وجه الوضوح

٢٦٥

قد رقم على إحداهما زائد وأفاد في كلتيهما كون أصل الصحة سببياً وأصل الفساد أي عدم الأثر عقيب الفعل المشكوك في تأثيره مسببياً (إلى ان قال) وأما تقديمه على الاستصحابات الموضوعية المترتب عليها الفساد كأصالة عدم البلوغ وعدم اختبار المبيع بالرؤية أو الكيل أو الوزن فقد اضطرب فيه كلمات الأصحاب خصوصاً العلامة وبعض من تأخر عنه (ثم قال) والتحقيق انه إن جعلنا هذا الأصل من الظواهر كما هو ظاهر كلمات جماعة بل الأكثر فلا إشكال في تقديمه على تلك الاستصحابات وإن جعلناه من الأصول (إلى أن قال) ففي تقديمه على الاستصحاب الموضوعي نظر (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

(أما قاعدة اليد) فالحق فيها هو تفصيل الشيخ أعلى الله مقامه (فإن كانت) هي أمارة كما هو الظاهر منها نظراً إلى كشفها وحكايتها عن الملكية ولو لأجل الغلبة التي قد أشير إليها فهي حاكمة أو واردة على الاستصحاب على الخلاف المتقدم بيننا وبين الشيخ أعلى الله مقامه في وجه تقديم الأمارات على الاستصحاب (وان كانت) أصلا عمليا فتقدمها على الاستصحاب يكون بالتخصيص لأخصية دليلها من دليله ويجري هذا الكلام بعينه في أصالة الصحة حرفاً بحرف (فإن كانت) هي أمارة كما سيأتي فهي حاكمة أو واردة على الاستصحاب وإلّا فتقدم عليه بالتخصيص لأخصيتها منه (ومن هنا يظهر) انه لا وجه لتنظر الشيخ في تقديم أصالة الصحة على الاستصحابات الموضوعية بناء على كون أصالة الصحة أصلا عملياً وسيأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله تعالى (وأما التجاوز والفراغ) فالحق فيهما هو ما أفاده المصنف من التخصيص فإنهما وإن فرض كونهما أمارتين كما سيأتي ولكنهما حيث أخذ في لسان دليلهما الشك كالاستصحاب عيناً فلا معنى لورودهما عليه لعدم الترجيح إذا كما لو أخذ بهما فلا يبقى موضوع للاستصحاب أي الشك ولو تعبداً فكذلك لو أخذ بالاستصحاب فلا يبقى موضوع لهما أصلا فقهراً

٢٦٦

تصل النوبة على هذا إلى ملاحظة النسبة بين الطرفين من حيث العموم والخصوص وحيث ان كلا من التجاوز والفرغ أخص من الاستصحاب فيقدم عليه بالتخصيص

(قوله وكون النسبة بينه وبين بعضها عموماً من وجه لا يمنع عن تخصيصه بها ... إلخ)

في العبارة مسامحة واضحة والصحيح هكذا عن تخصيصه به أي ببعضها (وعلى كل حال) مقصوده من بعضها الّذي تكون النسبة بينه وبين الاستصحاب عموماً من وجه هو اليد إذ قد يتفق أحياناً أن لا يكون في مورد اليد استصحاب أصلا كما إذا علمنا أو احتملنا ان ما في اليد قد نشأ في ملك ذي اليد ولم يكن مما علم انه لم يكن في ملكه سابقاً كي يستصحب عدم الملكية كما انه قد يتفق أيضاً أحياناً أن يكون ما في اليد مما تبادل فيه الحالتان بأن علم أنه كان ملكاً له في وقت وعلم أيضا أنه لم يكن ملكاً له في وقت آخر ولم يعلم السابق من اللاحق كي يستصحب أحدهما ففي هذين الموردين يد ولا استصحاب فيكون هو مورد الافتراق من جانب اليد ومورد الافتراق من جانب الاستصحاب كثير فتكون النسبة بينهما عموماً من وجه ولا تكون اليد أخص منه كي تقدم عليه بالتخصيص (هذا وقد يوجد) في كلام الشيخ أيضاً إشارة إلى ذلك (حيث قال أعلى الله مقامه) في ذيل ما أفاده لتقديم اليد على الاستصحاب (ما لفظه) إذ الغالب العلم بكون ما في اليد مسبوقاً بكونه ملكاً للغير كما لا يخفى (انتهى) (وكيف كان) حاصل ما أجاب به المصنف عن كون النسبة بينهما من وجه أمران.

(الأول) الإجماع على عدم التفصيل بين موارد اليد فكما أنه يعمل باليد فيما لا استصحاب في موردها فكذلك يعمل بها فيما كان هناك استصحاب على خلافها

(الثاني) أن مورد افتراق اليد عن الاستصحاب نادر قليل جداً فلو خصصنا اليد بالاستصحاب وجعلنا مورد الاجتماع تحت الاستصحاب قل مورد اليد حينئذ بلا شبهة بخلاف ما إذا خصصنا الاستصحاب باليد وجعلنا مورد الاجتماع تحت اليد فلا يقلّ مورد الاستصحاب بلا كلام.

٢٦٧

(أقول)

(هذا كله) إن قلنا بكون اليد أصلا عملياً وأما إذا قلنا بكونها أمارة شرعية كما أشرنا آنفاً فهي واردة على الاستصحاب رافعة لموضوعه وهو الشك ولو تعبداً ومن الواضح المعلوم انه لا يكاد تلاحظ النسبة بين الوارد والمورود أو الحاكم والمحكوم أبداً

(قوله لو قيل بتخصيصها بدليلها ... إلخ)

أي لو قيل بتخصيص بعضها كاليد بدليل الاستصحاب (ومن هنا يظهر) أن الصحيح كان هكذا لو قيل بتخصيصه بدليله بل الصحيح في عود الضمير كان أن يقول من أول العبارة هكذا لا يمنع عن تخصيصه به بعد الإجماع على عدم التفصيل بين موارده مع لزوم قلة المورد له جداً لو قيل بتخصيصه بدليله إذ قل مورد منه لم يكن هناك استصحاب على خلافه كما لا يخفى ... إلخ.

في تقدم الاستصحاب على القرعة بالتخصيص

(قوله وأما القرعة فالاستصحاب في موردها يقدم عليها لأخصية دليله من دليلها ... إلخ)

(وحاصل) ما أفاده المصنف في وجه تقديم الاستصحاب على القرعة أمران.

(أحدهما) أن دليل الاستصحاب أخص من دليل القرعة فإن كلا من الاستصحاب والقرعة وان أخذ في موضوعه الشك ولكن الاستصحاب مما يعتبر فيه سبق الحالة السابقة دون القرعة فيكون أخص منها فيقدم عليها.

(ثانيهما) أن عموم دليل القرعة موهون بكثرة تخصيصه حتى صار العمل به في مورد محتاجاً إلى الجبر بعمل المعظم ولا أقل بعمل جمع من الأصحاب بخلاف الاستصحاب فيكون عمومه قوياً لقلة تخصيصه بخصوص دليل كما في مورد التجاوز والفراغ والشك في ركعات الصلاة ونحوها فيقدم الاستصحاب عليها أيضاً (هذا كله) من أمر المصنف.

٢٦٨

(واما الشيخ) أعلى الله مقامه فعبارته في المقام مختصرة جداً قد اعتذر عن البسط فيه بعدم سعة الوقت وهي مع اختصارها مشوشة مضطربة مرددة بين نسختين أصل وبدل وكل منهما غير مستقيم (قال في الأصل) ومجمل القول فيها ان ظاهر أخبارها يعني أخبار القرعة أنها أعم من جميع أدلة الأصول فلا بدّ من تخصيصها بها فتختص القرعة موارد لا يجري فيها الاستصحاب نعم القرعة واردة على أصالة التخيير وأصالتي الاحتياط والإباحة إذا كان مدركهما العقل وإذا كان مدركهما تعبد الشارع بهما في موردهما فدليل القرعة حاكم عليهما كما لا يخفى لكن ذكر في محله ان أدلة القرعة لا يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل الأصحاب أو جماعة منهم والله العالم (انتهى) (وفيه) ان دعوى ظهور اخبار القرعة في كونها أعم من جميع أدلة الأصول وانه لا بد من تخصيصها بها مما لا تلائم دعوى حكومة دليل القرعة على أصالتي الاحتياط والإباحة إذا كان مدركهما تعبد الشارع بهما أي إذا كانا أصلين شرعيين وهذا واضح (وقال في النسخة بدل) مكان قوله فتختص القرعة موارد لا يجري فيها الاستصحاب ... إلخ (ما لفظه) فتختص القرعة موارد لا يجري فيها أصل من الأصول الثلاثة أعني البراءة والاحتياط والاستصحاب فلو دار امر المائع بين الخل والخمر لم يكن مورداً للقرعة لجريان أصالة البراءة والإباحة وكذا الشبهة المحصورة لجريان دليل الاحتياط إلا إذا تعسر الاحتياط كما هو محل روايات القرعة الواردة في قطيع غنم علم بحرمة نعجة فيها وكذا لو دار الأمر بين الطهارة والحدث حتى مع اشتباه المتأخر (انتهى) والظاهر ان مقصوده ان مع اشتباه المتأخر واليأس من استصحاب الحالة السابقة يرجع إلى الاحتياط لكون الشك في الامتثال ولا يرجع إلى القرعة أصلا لكون اخبارها أعم من جميع أدلة الأصول.

(أقول)

وتحقيق المقام ان القرعة وإن كانت هي أمارة كما يظهر من ملاحظة رواياتها

٢٦٩

الآتية إن شاء الله تعالى ولكنها حيث أخذ في موضوعها الشك فحالها كحال الاستصحاب عيناً فتقدم الأمارات عليها حكومة أو وروداً على الخلاف المتقدم بيننا وبين الشيخ في وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب (هذا حالها) مع الأمارات التي لم يؤخذ في موضوعها الشك كالبينة وخبر الثقة ونحوها (واما مع الأمارات) التي قد أخذ في موضوعها الشك كالاستصحاب والتجاوز والفراغ وأصل الصحة بناء على أمارية الكل كما هو المختار فالظاهر تقدم الكل عليها بالتخصيص لأخصية دليل الجميع عن دليلها (واما حالها مع الأصول العملية الشرعية) كقاعدة الطهارة أو الحلّ أو البراءة النقليّة فمقتضى القاعدة من انها أمارة وهي أصول وأمارة حاكمة أو واردة على الأصول وان كان تقدمها عليها ولكن على هذا لا يكاد يبقى لهذه الأصول الشرعية مورد أصلا فتختص القرعة قهراً بغير موارد الأصول الشرعية (واما حالها مع الأصول العقلية) من البراءة العقلية والاحتياط والتخيير العقليين فإن كانت الشبهة حكمية فلا مجال للقرعة بالإجماع بل بالضرورة وان كانت موضوعية فلها مجال واسع ولكن حيث ان عمومها موهون بكثرة تخصيصه فلا بدّ في العمل بها من عمل الأصحاب بها أو ورود دليل بالخصوص في العمل بها في المورد المخصوص وإلا فيؤخذ بالأصول العقلية ولا يؤخذ بها أصلا والله العالم.

(قوله واختصاصها بغير الأحكام إجماعا لا يوجب الخصوصية في دليلها بعد عموم لفظها لها ... إلخ)

(دفع لما قد يتوهم) من ان النسبة بين الاستصحاب والقرعة هي عموم من وجه لا عموم مطلق فكما ان الاستصحاب أخص من القرعة لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه فكذلك القرعة تكون أخص من الاستصحاب لاختصاصها بالشبهات الموضوعية بالإجماع بل بالضرورة فلا وجه لدعوى تقدم الاستصحاب على القرعة بالتخصيص (وحاصل الدفع) ان القرعة وإن كانت هي تختص بالشبهات

٢٧٠

الموضوعية فقط ولا يكاد تجري في الأحكام إجماعاً بل بالضرورة ولكن ذلك مما لا يوجب خصوصية في جانبها بعد عموم دليلها بحسب اللفظ وشموله لكل من الموضوعية والحكمية جميعاً والمدار في النسبة بين الدليلين هو نسبتهما بحسب أنفسهما قبل تخصيص أحدهما بشيء لا على النسبة المنقلبة الحاصلة بعد تخصيص أحدهما بشيء كما سيأتي شرح ذلك مفصلا في التعادل والتراجيح إن شاء الله تعالى.

(قوله لا يقال كيف يجوز تخصيص دليلها بدليله وقد كان دليلها رافعاً لموضوع دليله ... إلخ)

(حاصل الإشكال) انه كيف يجوز تخصيص دليل القرعة بدليل الاستصحاب والقرعة أمارة وقد تقدم ورود الأمارات على الاستصحاب (فكما قلنا هناك) ان رفع اليد عن اليقين السابق بالأمارة القائمة على خلافه يكون من نقض اليقين باليقين أي باليقين التنزيلي يعني به الحجة (فكذلك نقول) في المقام ان رفع اليد عن اليقين السابق بالقرعة القائمة على خلافه يكون من نقض اليقين باليقين أي التنزيلي (وكما قلنا هناك) ان الأمر دائر بين التخصيص بلا مخصص أو على وجه دائر إن أخذنا بالاستصحاب ورفعنا اليد عن الأمارة وكل منهما باطل وبين التخصيص أي الورود وارتفاع الموضوع من أصله إن أخذنا بالأمارة ورفعنا اليد عن الاستصحاب وهو مما لا محذور فيه (فكذلك نقول) في المقام حرفاً بحرف (وحاصل الجواب) ان المشكوك الّذي له حالة سابقة وإن كان هو من المشكل بعنوانه الواقعي إلا انه ليس من المشكل بعنوانه الظاهري الطاري عليه من تحريم نقض اليقين بالشك والظاهر من دليل القرعة ان يكون الشيء مشكلا بقول مطلق بتمام المعنى أي واقعاً وظاهراً لا في الجملة (وعليه) فدليل الاستصحاب وارد على دليل القرعة رافع لموضوعه أي الإشكال ولو تعبداً لا حقيقة (ظاهراً لا واقعاً) (وفيه) مضافاً إلى انه عدول عن التخصيص إلى الورود ان ذلك ليس أولى من العكس (إذ كما يقال) ان موضوع القرعة هو الإشكال بقول مطلق أي واقعاً وظاهرا فإذا قام الاستصحاب

٢٧١

انتفى الإشكال ولو ظاهراً وهذا هو الورود (فكذلك يقال) إن موضوع الاستصحاب أيضاً هو الشك وانتفاء يقين آخر على الخلاف بقول مطلق أي حقيقة وتنزيلا فإذا قامت القرعة على خلاف الحالة السابقة انتفى الشك وتحقق اليقين الآخر على الخلاف ولو تنزيلا وهذا هو الورود ولعله إليه أشار إليه أخيراً بقوله فافهم (والصحيح في الجواب) أن يقال إن القرعة وان كانت هي أمارة وقد تقدم منا ورود الأمارات على الاستصحاب ولكنها أمارة قد أخذ في لسان دليلها الشك كما في الاستصحاب عيناً (وعليه) فلا معنى لورود أحدهما على الآخر وارتفاع موضوعه به وذلك لعدم الترجيح فتصل النوبة حينئذ إلى ملاحظة النسبة بينهما من حيث العموم والخصوص وحيث أن القرعة أعم والاستصحاب أخص فيقدم الاستصحاب عليها بالتخصيص.

(قوله من دوران الأمر بين التخصيص بلا مخصص إلا على وجه دائر والتخصص ... إلخ)

ويعني بالتخصص الورود ورافعية أحدهما لموضوع الآخر ولو تعبداً لا حقيقة كما تقدم في الأمارات بالنسبة إلى الاستصحاب بل بالنسبة إلى مطلق الأصول وهكذا السببي بالنسبة إلى المسببي لا التخصص المصطلح وهو الخروج الموضوعي كخروج زيد الجاهل عن إكرام العلماء موضوعاً وإنما يطلق عليه التخصص في المقام بمناسبة لفظ التخصيص كما لا يخفى.

(قوله من المشكل والمجهول والمشتبه ... إلخ)

اختلاف هذه العناوين هو إشارة إلى اختلاف أدلة القرعة بحسب اللفظ مثل قوله القرعة لكل أمر مشكل أو مشتبه أو كل مجهول ففيه القرعة ولكن الظاهر ان الّذي قد ورد من طرقنا وذكره الوسائل كما سيأتي شرحه ليس إلا يلفظ كل مجهول ففيه القرعة وإن اشتهر على الألسن القرعة لكل امر مشكل أو مشتبه ولعله مأثور من طرق العامة.

٢٧٢

(قوله الصادق عليه حقيقة رافع لموضوعه أيضا ... إلخ)

أي فدليل الاستصحاب الدال على حرمة النقض الصادق حقيقة على المشكوك الّذي كانت له حالة سابقة رافع لموضوع دليل القرعة أيضاً.

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشير آنفاً إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

(قوله فلا بأس برفع اليد عن دليلها عند دوران الأمر بينه وبين رفع اليد عن دليله لوهن عمومها وقوة عمومه ... إلخ)

الظاهر انه تفريع على رافعية دليل الاستصحاب لموضوع دليل القرعة (ولكن تعليل) رفع اليد حينئذ عن دليل القرعة عند دوران الأمر بينه وبين رفع اليد عن دليل الاستصحاب بقوله لوهن عمومها وقوة عمومه (مما لا وجه له) بل الصحيح كان أن يعلل ذلك بورود دليل الاستصحاب عليها كما ادعاه آنفاً وهذا واضح.

في قاعدة التجاوز والفراغ وذكر أخبار الباب

(ثم إن الكلام) حيث انجر إلى ذكر قاعدة التجاوز والفراغ وأصل الصحة والقرعة فلا بأس بالإشارة إلى كل منها بقدر الحاجة (فنقول) أما التجاوز والفراغ فيقع الكلام فيهما في مواضع عديدة.

(الموضع الأول) في ذكر أخبار الباب وهي على قسمين (أخبار عامة) غير مختصة مضمونها بالطهارة والصلاة بل يستفاد منها العموم والشمول لغيرهما أيضاً كالحج والعمرة ونحوهما كما صرح به الشيخ هاهنا وصاحب الجواهر في أحكام الوضوء (وأخبار خاصة) مختصة مضمونها بالطهارة والصلاة فقط كما سيأتي تفصيلها واحداً بعد واحد.

(اما الأخبار العامة) فهي أربعة مروية كلها في الوسائل.

٢٧٣

(الأول) ما رواه في أبواب الخلل في باب من شك في شيء من أفعال الصلاة بسنده عن زرارة قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة قال يمضي قلت رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر قال يمضي قلت رجل شك في التكبير وقد قرأ قال يمضي قلت شك في القراءة وقد ركع قال يمضي قلت شك في الركوع وقد سجد قال يمضي على صلاته ثم قال يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشككت فليس بشيء.

(الثاني) ما رواه في أبواب الركوع في باب عدم بطلان الصلاة بالشك في الركوع بسنده عن إسماعيل بن جابر قال قال أبو جعفر عليه‌السلام إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه (وقد) روي في الوافي في باب الشك في أجزاء الصلاة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

(الثالث) ما رواه في أبواب الوضوء في باب أن من شك في شيء من أفعال الوضوء بسنده عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه.

(الرابع) ما رواه في أبواب الخلل في باب من شك في شيء من أفعال الصلاة بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو (هذا ما ظفرنا عليه) من الأخبار العامة الغير المختصة بباب الطهارة والصلاة بعد الفحص عنها في أبواب مختلفة من الوسائل.

(واما الاخبار الخاصة) المختصة مضمونها بباب الطهارة والصلاة فقط فهي على قسمين أيضاً.

(الأول) ما يختص بالشك في الأثناء.

(والثاني) ما يختص بالشك بعد الفراغ.

٢٧٤

(اما القسم الأول) فهو أخبار متعددة.

(منها) ما رواه في الوسائل في أبواب الركوع في باب عدم بطلان الصلاة بالشك في الركوع بسنده عن حماد بن عثمان قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا قال امض (ورواه بطريق آخر) أيضاً قال فيه فقال قد ركعت امضه.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور بسنده عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال سألته عن رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع قال يمضي في صلاته.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضاً بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال قد ركع.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع قال يمضي في صلاته حتى يستيقن (ورواه بطريق آخر) أيضاً قال فيه يمضي على شكه ولا شيء عليه.

(ومنها) ما رواه في أبواب السجود في باب ان من شك في السجود وهو في محله بسنده عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض.

(ومنها) ما رواه في أبواب الخلل في باب من شك في شيء من أفعال الصلاة بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال سألته عن رجل ركع وسجد ولم يدر هل كبر أو قال في ركوعه وسجوده هل يعتد بتلك الركعة والسجدة قال إذا شك فليمض في صلاته (هذا تمام الأخبار) المختصة بالشك في الأثناء

(واما القسم الثاني) المختص بالشك بعد الفراغ فهو اخبار متعددة أيضاً.

(منها) ما رواه في الوسائل في أبواب الخلل في باب عدم بطلان الصلاة بالشك بعد الفراغ بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كلما

٢٧٥

شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرّجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته قال فقال لا يعيد ولا شيء عليه

(ومنها) ما رواه في أبواب الوضوء في باب أن من شك في شيء من أفعال الوضوء مسنداً عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو لم تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حالة أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شيء عليك فيه الحديث.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضاً بسنده عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال يمضي على صلاته ولا يعيد.

(ومنها) ما رواه في أبواب الخلل في باب عدم بطلان الصلاة بالشك بعد الفراغ مسنداً عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال إذا شك الرّجل بعد ما صلى فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً وكان يقينه حين انصرف انه كان قد أتم لم يعد الصلاة وكان حين انصرف اقرب إلى الحق منه بعد ذلك.

(ومنها) ما رواه في أبواب الوضوء في باب ان من شك في شيء من افعال الوضوء مسنداً عن بكير بن أعين قال قلت له الرّجل يشك بعد ما يتوضأ قال هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضاً بسنده عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كلما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فأمضه ولا إعادة عليك فيه بناء على ظهور جملة كلما مضى من صلاتك وطهورك إلى آخره في مضي تمام الصلاة والطهور لا مضي شيء منهما فيكون الشك مفروضاً بعد الفراغ لا في الأثناء والله العالم.

٢٧٦

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه لم يذكر من اخبار الباب سوى الاخبار العامة الأربعة (لكن قال) وربما يستفاد العموم من بعض ما ورد في الموارد الخاصة (مثل قوله) في الشك في فعل الصلاة بعد خروج الوقت من قوله عليه‌السلام وان كان بعد ما خرج وقتها فقد دخل حائل فلا إعادة (وقوله عليه‌السلام) كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فأمضه كما هو (وقوله عليه‌السلام) فيمن شك في الوضوء بعد ما فرغ هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك (قال) ولعل المتتبع يعثر على أزيد من ذلك يعني العثور على ما يستفاد منه العموم وإلّا فالاخبار الخاصة كثيرة كما عرفت.

المستفاد من الاخبار هو جعل قاعدتين

إحداهما التجاوز وأخراهما الفراغ

(الموضع الثاني) ان المستفاد من مجموع الاخبار المذكورة هو جعل قاعدتين مستقلتين.

(إحداهما) قاعدة التجاوز.

(وأخراهما) قاعدة الفراغ والظاهر ان النسبة بينهما عموم من وجه (وتوضيح ذلك) ان ظاهر الاخبار العامة هو الشك في وجود الشيء بنحو مفاد كان التامة فإن الشك في الشيء ظاهر في الشك في الوجود عرفاً بل ولغة كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه ،

(نعم قد يتوهم) ان التعبير فيها بالخروج عن الشيء ومضيه والتجاوز عنه قرينة على كون أصل الشيء مفروغاً عنه وان الشك هو واقع في صحته (ولكنه في غير محله) فإن المراد من الخروج عن الشيء ومضيه والتجاوز عنه هو الخروج عن محله ومضيه لا الخروج عن نفس الشيء وذاته.

٢٧٧

(نعم قد استبعد) الشيخ أعلى الله مقامه إرادة الشك في الوجود في موثقة محمد بن مسلم وهي الرواية الرابعة كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو (بل ادعى) عدم صحة ذلك في موثقة ابن أبي يعفور وهي الرواية الثالثة إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه (والظاهر) ان وجه عدم الصحة بنظره الشريف هو ما سيأتي منه من إرجاع ضمير غيره إلى الوضوء أي إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غير الوضوء فشكك ليس بشيء وذلك لئلا يخالف الإجماع على وجوب الالتفات إذا دخل في غير المشكوك من افعال الوضوء فإذا رجع الضمير في غيره إلى الوضوء فقهراً يكون الشك في شيء من الوضوء مع الدخول في غير الوضوء شكاً في صحة الوضوء مع كون أصل الوضوء مفروغاً عنه (ولكنه قد رجع) عن هذا كله أخيراً (فقال) لكن الإنصاف إمكان تطبيق موثقة ابن مسلم على ما في الروايات واما هذه الموثقة يعني بها موثقة ابن أبي يعفور فسيأتي توجيهها على وجه لا يعارض الروايات إن شاء الله تعالى (انتهى).

(وبالجملة) لا ينبغي الإشكال في ظهور الأخبار العامة المتقدمة في الشك في الوجود بنحو مفاد كان التامة بل جملة من الاخبار الخاصة صريحة في الشك في الوجود مثل قوله فلا أدري ركعت أم لا أو فلم يدر أركع أم لم يركع أو لم يدر هل كبر أو قال شيئاً في ركوعه وسجوده إلى غير ذلك.

(واما أخبار الفراغ) وهي من قوله عليه‌السلام كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد أو الرّجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته قال فقال لا يعيد ولا شيء عليه وهكذا إلى الرواية الأخيرة كلما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فامضه ولا إعادة عليك فيه (فهي كالصريحة) في الشك في الصحة بمعنى ان الشك فيها مفروض بعد الفراغ عن العمل والشك بعد الفراغ عن العمل لا يكون إلّا في صحة العمل المأتي به (فإذا كانت) الأخبار على طائفتين

٢٧٨

طائفة منها للشك في الوجود وطائفة منها للشك في الصحة فقهراً يكون المستفاد من مجموعها هو جعل قاعدتين مستقلتين (فإذا شك) في وجود شيء بنحو مفاد كان التامة فيبني على إتيانه بعد التجاوز عنه أو الدخول في غيره وهذه هي قاعدة التجاوز (وإذا شك) في صحة الشيء بنحو مفاد كان الناقصة فيبني على صحته بعد الفراغ عنه أو المصير في حالة أخرى وهذه هي قاعدة الفراغ (والظاهر) ان بين القاعدتين كما أشرنا آنفاً عموم من وجه (فإذا شك) في وجود الشيء بعد التجاوز عنه أو الدخول في الغير جرى التجاوز (وإذا شك) في صحة العمل بعد الفراغ عنه لأجل الشك في وجود جزء أو شرط جرى التجاوز والفراغ جميعاً وإن شئت قلت بحكومة التجاوز على الفراغ أو بوروده عليه نظراً إلى ان الشك في الصحة حينئذ مسبب عن الشك في وجود الجزء أو الشرط فيجري التجاوز في السبب دون الفراغ في المسبب (وإذا شك) في صحة العمل بعد الفراغ عنه لأجل الشك في فقد المانع جرى الفراغ دون التجاوز نظراً إلى ان التجاوز مما لا يتكفل فقد المانع أصلا كتكفله وجود الجزء بل والشرط أيضا على تفصيل يأتي فيه.

هل التجاوز والفراغ يختصان بباب الطهارة

والصلاة أم يجريان في غيرهما أيضاً

(الموضع الثالث) هل التجاوز والفراغ يختصان بباب الطهارة والصلاة فقط أم يجريان في غيرهما أيضا كالحج ونحوه (مختار الشيخ) أعلى الله مقامه هو الثاني (أما التجاوز) فقد صرح بعد ذكر الاخبار العامة الأربعة ان مضمونها مما لا يختص بالطهارة والصلاة بل يجري في غيرهما أيضاً كالحج وان المناسب هو الاهتمام في تنقيح مضامينها ودفع ما يتراءى من التعارض بينها ... إلخ (وأما الفراغ

٢٧٩

فقد قال) أعلى الله مقامه في الموضع السادس (ما لفظه) ان الشك في صحة المأتي به حكمه حكم الشك في الإتيان بل هو هو لأن مرجعه إلى الشك في وجود الشيء الصحيح ... إلخ ومقصوده ان الشك في صحة المأتي به هو مما يندرج تحت الأخبار العامة الأربعة بدعوى رجوع الشك في الصحة إلى الشك في وجود الصحيح فإذا اندرج تحتها فيعم الفراغ غير الطهارة والصلاة أيضاً بعد ما عرفت من عدم اختصاص تلك الاخبار بهما فقط ولو كان مقصوده من ذلك إثبات الفراغ المختص بباب الطهارة والصلاة فقط لتمسك له بالأخبار الخاصة الواردة في بابهما كما تقدم تفصيلها لا باندراجه تحت تلك الاخبار العامة الأربعة (إلا انه) أعلى الله مقامه قد رجع أخيراً عن اندراجه تحت تلك الاخبار (فقال) لكن الإنصاف أن الإلحاق لا يخلو عن إشكال لأن الظاهر من أخبار الشك في الشيء انه مختص بغير هذه الصورة إلا أن يدعي تنقيح المناط أو يستند فيه إلى بعض ما يستفاد منه للعموم مثل موثقة ابن أبي يعفور يعني المشتملة على قوله عليه‌السلام إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه (قال) أو يجعل أصالة الصحة في فعل الفاعل المريد للصحيح أصلا برأسه ومدركه ظهور حال المسلم (قال) قال فخر الدين في الإيضاح في مسألة الشك في بعض أفعال الطهارة إن الأصل في فعل العاقل المكلف الّذي يقصد براءة ذمته بفعل صحيح وهو يعلم الكيفية والكمية الصحة (قال) انتهى (ثم قال) ويمكن استفادة اعتباره من عموم التعليل المتقدم في قوله هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك فإنه بمنزلة صغرى لقوله فإذا كان اذكر فلا يترك ما يعتبر في صحة عمله الّذي يراد به براءة ذمته لأن الترك سهواً خلاف فرض الذّكر وعمداً خلاف إرادة الإبراء (انتهى).

(أقول)

اما الاخبار العامة المتقدمة فلا يستفاد من الثلاثة الأولى منها شمول التجاوز لغير باب الطهارة والصلاة أصلا وذلك لما فيها من السؤال عن الشك في افعال الصلاة

٢٨٠