عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٢٠

للأفراد الموجودين فعلا المقدرين حين صدور الحكم فإذا شك في بقائه لهم لاحتمال نسخه في هذه الشريعة فيستصحب.

(نعم لو كان) الحكم في القضايا الشريعة لخصوص الأفراد الموجودين في الخارج بنحو القضية الخارجية لم يصح استصحاب الحكم حتى في شرعنا هذا من قرن إلى قرن نظرا إلى تغاير الموضوع بل ولم يصح نسخ الحكم بالنسبة إلى غير الموجودين في زمان صدور الحكم نظرا إلى تغاير الموضوع جدا فان المكلف الفعلي ممن لم يكلف بذلك الحكم كي صح نسخة في حقه وهذا واضح.

(قوله كان الحكم في الشريعة السابقة ثابتا لعامة أفراد المكلف ممن وجد أو يوجد ... إلخ)

جزاء لقوله المتقدم حيث كان ثابتا لأفراد المكلف أي وذلك لأن الحكم الثابت في الشريعة السابقة حيث كان ثابتا لأفراد المكلف كانت محققة وجودا أو مقدرة إلى آخره كان الحكم في الشريعة السابقة ثابتاً لعامة افراد المكلف ممن وجد أو يوجد

(قوله والشريعة السابقة وان كانت منسوخة بهذه الشريعة يقيناً إلّا انه لا يوجب اليقين بارتفاع أحكامها بتمامها ... إلخ)

هذا جواب عن الجهة الثانية من جهات اختلال أركان الاستصحاب في المقام (وحاصله) منع كون الشريعة السابقة منسوخة بتمامها بهذه الشريعة اللاحقة كي لا يمكن استصحاب حكم من أحكام تلك للشريعة.

(وقد أخذ المصنف) هذا الجواب من الشيخ أعلى الله مقامه غير أن جواب الشيخ هو أكمل وأتم (قال) بعد ذكر الجهة الثانية (ما لفظه) وفيه انه إن أريد نسخ كل حكم إلهي من أحكام الشريعة السابقة فهو ممنوع وإن أريد نسخ البعض فالمتيقن من المنسوخ ما علم بالدليل فيبقي غيره على ما كان عليه ولو بحكم الاستصحاب (انتهى).

١٦١

(قوله والعلم إجمالا بارتفاع بعضها انما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها ... إلخ)

إشارة إلى ما ربما يشكل في المقام من انه إذا فرض عدم اليقين بارتفاع أحكام الشريعة السابقة بتمامها فنحن نعلم إجمالا بنسخ جملة منها والعلم الإجمالي مما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها (فيجيب عنه المصنف) بما حاصله ان العلم الإجمالي بنسخ جملة منها إنما يمنع عن استصاب ما شك في بقائه منها إذا كان المشكوك من أطراف العلم الإجمالي بالنسخ لا فيما إذا لم يكن من أطرافه أصلا كما إذا علم تفصيلا بمقدار ما علم نسخه إجمالا وانحل العلم الإجمالي من أصله أو كان العلم الإجمالي بالنسخ هو في موارد خاصة ليس المشكوك منها (هذا) وقد أجاب الشيخ عن الإشكال بنحو آخر (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) فإن قلت انا نعلم قطعاً بنسخ كثير من الأحكام السابقة والمعلوم تفصيلا منها قليل في الغاية فيعلم بوجود المنسوخ في غيره قلت لو لم ذلك لم يقدح في إجراء أصالة عدم النسخ في المشكوكات لأن الأحكام المعلومة في شرعنا بالأدلة واجبة العمل سواء كانت من موارد النسخ أم لا فأصالة عدم النسخ فيها غير محتاج إليها فيبقى أصالة عدم النسخ في محل الحاجة سليمة عن المعارض (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه

(ومحصله) انه لو سلم ان المعلوم نسخه بالتفصيل هو أقل من مقدار المعلوم بالإجمال وان العلم الإجمالي بالنسخ باق على حاله فالأحكام المعلومة في شرعنا بالدليل الاجتهادي هي مما لا تحتاج إلى الاستصحاب من الشرع السابق فيبقى الاستصحاب في الأحكام المشكوكة في شرعنا بلا معارض (هذا تمام الكلام) في الجواب عن الجهة الثانية من جهات اختلال أركان الاستصحاب في المقام.

(واما الجهة الثالثة) التي لم يؤشر إليها المصنف وتقدم تفصيلها من المحقق القمي من أن جريان الاستصحاب مبني على القول بكون حسن الأشياء ذاتياً وهو ممنوع بل التحقيق انه بالوجوه والاعتبار ... إلخ.

١٦٢

(فقد أجاب عنها الشيخ) أعلى الله مقامه (بما هذا لفظه) وفيه انه إن أريد بالذاتي المعنى الّذي ينافيه النسخ وهو الّذي أبطلوه بوقوع النسخ فهذا المعنى ليس مبني الاستصحاب بل هو مانع عنه للقطع بعدم النسخ حينئذ فلا يحتمل الارتفاع وإن أريد غيره فلا فرق بين القول به والقول بالوجوه والاعتبارات فان القول بالوجوه لو كان مانعا عن الاستصحاب لم يجر الاستصحاب في هذه الشريعة (انتهى)

(قوله وقد علم بارتفاع ما في موارد الأحكام الثابتة في هذه الشريعة إلى آخره)

هذا من تتمات قوله أو في موارد ليس المشكوك منها والمعنى هكذا والعلم الإجمالي بارتفاع بعض أحكام الشريعة السابقة انما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها إذا كان مشكوك البقاء من أطراف العلم الإجمالي واما إذا لم يكن من أطرافه كما إذا علم تفصيلا بمقدار ما علم إجمالا ارتفاعه وانحل العلم الإجمالي من أصله أو كان العلم الإجمالي بارتفاع في موارد خاصة لم يكن ما شك في بقائه منها فلا يكاد يمنع عن استصحابه والمقام من قبيل الثاني فإن العلم الإجمالي بالارتفاع انما هو في موارد الأحكام الثابتة في هذه الشريعة بالأدلة الاجتهادية ففيها نعلم إجمالا انه قد ارتفع بعض أحكام الشريعة السابقة لا في غيرها ففي موارد العلم الإجمالي لا حاجة لنا إلى استصحاب الحكم من الشريعة السابقة إذ المفروض ثبوت الحكم فيه في شرعنا بالدليل وفيما نحتاج إلى استصحاب الحكم من الشريعة السابقة لا علم إجمالي لنا بالارتفاع كي يمنع عن استصحابه فتأمل جيدا.

(قوله ثم لا يخفى انه يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا العلامة أعلى الله في الجنان مقامه في الذب عن إشكال تغاير الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني إلى ما ذكرنا ... إلخ)

(الشيخ أعلى الله مقامه) بعد ان ذكر الجهة الأولى من جهات اختلال أركان الاستصحاب من الشريعة السابقة وهي جهة تغاير الموضوع قد أجاب عنها بجوابين

١٦٣

(الأول) ما سيأتي ذكره عند تعرض المصنف له بقوله وأما ما أفاده من الوجه الأول ... إلخ.

(الثاني) ما لفظه وثانيا ان اختلاف الأشخاص لا يمنع عن الاستصحاب وإلّا لم يجر استصحاب عدم النسخ وحله أن المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فيه إذ لو فرض وجود اللاحقين في السابق عمهم الحكم قطعاً (انتهى) فيقول المصنف انه يمكن إرجاع ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه من الجواب الثاني إلى ما ذكرناه نحن من الجواب المتقدم من أن الحكم ثابت لأفراد المكلف كانت محققة وجوداً أو مقدرة بنحو القضية الحقيقية لا ما يوهمه ظاهر كلامه من ان الحكم ثابت للكلي كما ان الملكية للكلي في مثل باب الزكاة والوقف العام كالوقف على الفقراء والمساكين ونحو ذلك من الجهات العامة من دون مدخل للأشخاص فيها في قبال الوقف على اشخاص مخصوصين كالوقف على الذرية ونحوها وإلّا فلا يتم ما أفاده أعلى الله مقامه فان التكليف وهكذا الثواب أو العقاب المترتب على الطاعة أو المعصية لا يكاد يتعلق بالكلي من دون مدخل الأشخاص فيها.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى عدم الفرق بين التكليف والوضع أصلا فكما ان الملكية جاز ثبوتها للكلي لا لأشخاص فكذلك التكليف جاز ثبوتها له عينا.

(قوله وأما ما أفاده من الوجه الأول فهو وان كان وجيها بالنسبة إلى جريان الاستصحاب في حق خصوص المدرك للشريعتين إلّا أنه غير مجد في حق غيره من المعدومين ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ذكر الجهة الأولى من جهات اختلال أركان الاستصحاب من الشريعة السابقة وهي تغاير الموضوع (ما لفظه) وفيه أولا إنا نفرض الشخص الواحد مدركاً للشريعتين فإذا حرم في حقه شيء سابقا وشك في

١٦٤

بقاء الحرمة في الشريعة اللاحقة فلا مانع عن الاستصحاب أصلا وفرض انقراض جميع أهل الشريعة السابقة عند تجدد اللاحقة نادر بل غير واقع فإن الشريعة اللاحقة لا تحدث عند انقراض أهل الشريعة الأولى (انتهى) ومقصوده أعلى الله مقامه ان الشخص المدرك للشريعتين إذا استصحب الحكم الشرعي بالنسبة إلى نفسه يتم الأمر في حق غيره من المعدومين بقيام الضرورة على اشتراك أهل الزمان الواحد في الشريعة الواحدة كما صرح بذلك في عبارة له بعد هذا (وقد اعترض المصنف) على هذه الجواب بما حاصله ان ذلك غير مجد في تسرية الحكم من المدرك للشريعتين إلى غيره من المعدومين فإن قضية الاشتراك ليس إلّا ان الاستصحاب حكم كل من كان على يقين فشك لا حكم الكل ولو من لم يكن كذلك.

(أقول)

ليس مقصود الشيخ أعلى الله مقامه هو تسرية الاستصحاب من المدرك للشريعتين إلى غيره كي يعترض عليه بذلك بل مقصوده هو تسرية المستصحب أي ما استصحبه المدرك للشريعتين إلى غيره بقيام الضرورة على اشتراك أهل الزمان الواحد في الشريعة الواحدة (وعليه) فلا مجال للاعتراض عليه ولا الإيراد.

في الأصول المثبتة

(قوله السابع لا شبهة في ان قضية أخبار الباب هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الأحكام والأحكامية في استصحاب الموضوعات إلى آخره)

المقصود من عقد هذا التنبيه السابع هو تحقيق حال الأصول المثبتة غير انه شرع في تحقيقها تدريجا شيئا فشيئا (وعلى كل حال) مراد المصنف من هذه العبارة ان مقتضي نهي الشارع عن نقض اليقين بالشك والتعبد الشرعي ببقاء المستصحب في

١٦٥

مثل استصحاب وجوب صلاة الجمعة هو إنشاء وجوب للصلاة في ظرف الشك مثل وجوبها في السابق وفي مثل استصحاب خمرية المائع الخارجي هو إنشاء حرمة للمائع في ظرف الشك مثل حرمته في السابق غير ان وجوب الصلاة أو حرمة المائع في السابق كان حكما واقعيا وهذا الحكم المنشأ فعلا في ظرف الشك هو حكم ظاهري

(قوله كما لا شبهة في ترتيب ما للحكم المنشأ بالاستصحاب من الآثار الشرعية والعقلية ... إلخ)

(فإذا فرضنا) ان لوجوب صلاة الجمعة أو لحرمة المائع الخارجي في المثالين المتقدمين أثر شرعي كوجوب التصدق بدرهم أو بدرهمين مترتب عليه بنذر وشبهه فيجب ترتيبه عند استصحاب وجوب صلاة الجمعة أو استصحاب خمرية المائع الخارجي (وهكذا) يترتب على الحكم المنشأ بالاستصحاب أثره العقلي من وجوب موافقته وحرمة مخالفته واستحقاق العقوبة على عصيانه ونحو ذلك من الآثار فانها وان كانت لوازم عقلية ولكنها لوازم مطلق المستصحب ولو في الظاهر وسيأتي شرح ذلك في التنبيه التاسع إن شاء الله تعالى فانتظر.

(قوله وإنما الإشكال في ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة غير شرعية عادية كانت أو عقلية ... إلخ)

من هاهنا شرع المصنف في تحقيق حال الأصول المثبتة (وتوضيح (المقام) ان الإشكال كل الإشكال في أن الاستصحاب كما يثبت به نفس المستصحب ويترتب عليه آثاره الشرعية فهل يثبت به لوازم المستصحب عادية كانت أو عقلية أو ملزومه أو ملازمه بحيث لو كان لهذه الأطراف من اللازم والملزوم والملازم آثار شرعية يجب ترتيبها عليها أم لا (فإذا شك مثلا) في حياة زيد واستصحبنا حياته فكما يثبت بالاستصحاب حياته ويترتب عليها آثارها الشرعية من حرمة التصرف في أمواله وحرمة العقد على زوجته ونحو ذلك من الآثار فهل يثبت به نمو زيد أو نبات لحيته ونحو ذلك من اللوازم العادية للحياة ويترتب عليها أثرها الشرعي لو كان

١٦٦

لها أثر كذلك أم لا يثبت (وإذا قطع مثلا) جسد زيد بالسيف نصفين ونحن نشك في حياته في حال القطع واستصحبنا حياته إلى تلك الحال فهل يثبت بذلك لازمها العقلي وهو القتل ويترتب عليه أثره الشرعي من القصاص ونحوه أم لا (وإذا استصحبنا النهار) مثلا فهل يثبت به ملزومه كطلوع الشمس أو ملازمه كضوء العالم ويترتب على الملزوم أو الملازم أثره الشرعي أو كان له أثره كذلك أم لا وهذا هو النزاع المعروف بالأصل المثبت (والظاهر) ان المشهور عدم القول به وإن ذكر الشيخ أعلى الله مقامه من كثير من الفقهاء التمسك به في مقامات كثيرة قد أشار إلى حملة منها واحدا بعد واحد ومن أراد الوقوف عليها فليراجع الرسائل

(قوله ومنشؤه أن مفاد الأخبار هل هو تنزيل المستصحب والتعبد به وحده بلحاظ خصوص ما له من الأثر بلا واسطة أو تنزيله بلوازمه العقلية أو العادية ... إلخ)

ولو قال أو تنزيله بأطرافه من اللازم والملزوم والملازم كان أجمع وأتم وسيأتي منه مثل هذا التعبير في الطرق والأمارات عينا (فيقول) فإن الطريق أو الأمارة حيث انه كما يحكي عن المؤدي ويشير إليه كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه ولوازمه وملازماته (انتهى) (وكيف كان) حاصل الكلام ان منشأ النزاع في الأصل المثبت هو ان مفاد أخبار الباب هل هو تنزيل نفس المستصحب فقط والتعبد به وحده بلحاظ آثاره الشرعية المترتبة عليه بلا واسطة أو مفادها تنزيل المستصحب بأطرافه من اللازم بقسميه أي العادي والعقلي والملزوم والملازم وإن شئت قلت تنزيل المستصحب بلحاظ مطلق ما له من الأثر الشرعي ولو بواسطة اللازم العادي أو العقلي أو الملزوم أو الملازم فعلي التقدير الأول لا يترتب آثار الأطراف بل يقتصر على آثار نفس المستصحب وحده بلا واسطة وعلى التقديرين الأخيرين يترتب آثار الأطراف أيضا جميعا.

١٦٧

(قوله كما هو الحال في تنزيل مؤديات الطرق والأمارات ... إلخ)

سيأتي تفصيل الحال في تنزيل مؤديات الطرق والأمارات لدى التعليق على قوله الآتي ثم لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب وساير الأصول التعبدية وبين الطرق والأمارات فانتظر يسيرا.

(قوله وذلك لأن مفادها لو كان تنزيل الشيء وحده ... إلخ)

علة لقوله المتقدم ومنشؤه ان مفاد الاخبار هل هو تنزيل المستصحب والتعبد به وحده ... إلخ.

(قوله ولا يكون تنزيله بلحاظه ... إلخ)

أي ولا يكون تنزيل الشيء بلحاظ ما كان مترتبا على لوازمه (والمعنى هكذا) وذلك لأن مفاد الاخبار لو كان هو تنزيل الشيء وحده بلحاظ أثر نفسه لم يترتب عليه ما كان مترتباً على لوازمه العقلية أو العادية لعدم إحرازها حقيقة أي بالعلم ولا تعبداً أي بالأخبار ولا كان تنزيل الشيء بلحاظ ما كان مترتبا على لوازمه العقلية أو العادية كي يجب ترتيبها وهذا بخلاف ما لو كان تنزيل الشيء بلوازمه أو بلحاظ ما يعم آثار لوازمه فإنه حينئذ يترتب باستصحابه ما كان بوساطة لوازمه.

(قوله والتحقيق أن الأخبار إنما تدل على التعبد بما كان على يقين منه فشك بلحاظ ما لنفسه من آثار وأحكامه ولا دلالة لها بوجه على تنزيله بلوازمه التي لا يكون كذلك كما هي محل ثمرة الخلاف ... إلخ)

أي بلوازمه التي لا يكون على يقين منها فشك كما هي محل ثمرة الخلاف بين القول بالأصل المثبت وعدمه وإلّا فتستصحب هي أي نفس تلك اللوازم ويترتب عليها أثرها فتنتفي الثمرة بين القولين (وعلى كل حال) حاصل ما أفاده المصنف من التحقيق في وجه عدم القول بالأصل المثبت ان مفاد الاخبار ليس أكثر من التعبد بالمستصحب وحده بلحاظ ما لنفسه من الآثار الشرعية ولا دلالة لها بوجه على تنزيل المستصحب بأطرافه من اللازم العادي أو العقلي والملزوم والملازم أو على

١٦٨

تنزيله بلحاظ مطلق ما له من الأثر الشرعي ولو بواسطة الأطراف كي يترتب عليه آثار تلك الأطراف أيضا.

(أقول)

وهذا الوجه على اختصاره هو أولى مما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في وجه عدم القول بالأصل المثبت (قال) فيما أفاده في المقام (ما لفظه) والحاصل ان تنزيل الشارع المشكوك منزلة المتيقن كسائر التنزيلات انما يفيد ترتيب الأحكام والآثار الشرعية المحمولة على المتيقن السابق فلا دلالة فيها على جعل غيرها من الآثار العقلية والعادية لعدم قابليتها للجعل ولا على جعل الآثار الشرعية المترتبة على تلك الآثار لأنها ليست آثاراً لنفس المتيقن ولم يقع ذوها مورداً لتنزيل الشارع حتى تترتب هي عليه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(ومحصله) أن تنزيل الشارع المشكوك منزلة المتيقن ليس إلا بمعنى جعل آثاره الشرعية لا الآثار العقلية أو العادية فإنها غير قابلة للجعل الشرعي ولا الآثار الشرعية المترتبة على الآثار العقلية أو العادية لأنها ليست آثارا لنفس المتيقن ولم يقع ذوها موردا لتنزيل الشارع حتى تترتب هي عليه (وهو كما ترى) ضعيف فإن تنزيل الشيء وإن كان بمعنى جعل آثاره الشرعية لا العقلية ولا العادية لأنها غير قابلة للجعل الشرعي كما أفاد ولكن من الجائز أن يكون تنزيل المستصحب هو بأطرافه جميعاً من اللازم والملزوم والملازم لا وحده وأن يكون تنزيل كل بمعنى جعل آثاره الشرعية فتترتب هي عليه ولم يقم الشيخ أعلى الله مقامه دليلا ولا برهانا على عدم تنزيل أطراف المستصحب كي لا تترتب آثارها عليها سوى قوله ولم يقع ذوها موردا لتنزيل الشارع ... إلخ (وعليه) فاللازم في نفي الأصول المثبتة أن يقال كما قال المصنف.

(مما محصله) ان مفاد دليل الاستصحاب ليس أكثر من تنزيل نفس المستصحب وحده بلحاظ آثاره الشرعية لا تنزيله بأطرافه أو تنزيله بلحاظ مطلق

١٦٩

ما له من الأثر الشرعي ولو بواسطة الأطراف كي يترتب عليه.

(قوله ولا على تنزيله بلحاظ ما له مطلقا ... إلخ)

عطف على تنزيله بلوازمه أي ولا دلالة للأخبار بوجه على تنزيل المستصحب بلوازمه ولا على تنزيله بلحاظ ما له من الأثر مطلقا ولو بالواسطة.

(قوله نعم لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوسا بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته ... إلخ)

إشارة إلى ما استثناه الشيخ من الأصول المثبتة وهو ما إذا كانت الواسطة فيها خفية (قال أعلى الله مقامه) في آخر المسألة بعد ما اختار عدم القول بالأصل المثبت وانه لا يكاد يثبت بالأصل ما عدا الآثار الشرعية المترتبة على نفس المستصحب (ما لفظه) نعم هنا شيء وهو ان بعض الموضوعات الخارجية المتوسطة بين المستصحب وبين الحكم الشرعي هو من الوسائط الخفية بحيث يعد في العرف الأحكام الشرعية المترتبة عليها أحكاما لنفس المستصحب وهذا المعنى يختلف وضوحا وخفاء باختلاف مراتب خفاء الوسائط عن أنظار العرف.

(منها) ما إذا استصحب رطوبة النجس من المتلاقيين مع جفاف الآخر فانه لا يبعد الحكم بنجاسته يعني الحكم بنجاسة الآخر الجاف مع ان تنجسه ليس من أحكام ملاقاته للنجس رطباً بل من أحكام سراية رطوبة النجاسة إليه وتأثره بها بحيث يوجد في الثوب رطوبة متنجسة.

(إلى ان قال ومنها) أصالة عدم دخول هلال شوال في يوم الشك المثبت لكون غده يوم العيد فيترتب عليه أحكام العيد من الصلاة والغسل وغيرهما فإن مجرد عدم الهلال في يوم لا يثبت آخريته ولا أولية عده أشهر اللاحق لكن العرف لا يفهمون من وجوب ترتيب آثار عدم انقضاء رمضان وعدم دخول شوال الا ترتيب أحكام آخرية ذلك اليوم لشهر وأولية غده لشهر آخر (إلى ان قال) وكيف كان فالمعيار خفاء توسط الأمر العادي أو العقلي بحيث يعد آثاره آثاراً لنفس

١٧٠

المستصحب (ثم قال) وربما يتمسك في بعض موارد الأصول المثبتة بجريان السيرة أو الإجماع على اعتباره هناك مثل إجراء أصالة عدم الحاجب عند الشك في وجوده على محل الغسل أو المسح لإثبات غسل البشرة ومسحها المأمور بهما في الوضوء والغسل وفيه نظر (انتهى) كلامه رفع مقامه.

(أقول)

ولعل وجه النّظر هو التأمل في تحقق السيرة أو الإجماع (ولكن الحق) ان السيرة جارية خلفا عن سلف على عدم الفحص عن الحاجب عند الوضوء أو الغسل وعلى الاكتفاء بأصالة عدم الحاجب عند الشك في وجوده (ولو سلم المناقشة) في السيرة فلا يبعد اندراج المقام في الواسطة الخفية كما في المثالين المتقدمين على نحو يعد صحة الوضوء أو الغسل من آثار عدم الحاجب لا من آثار وصول الماء إلى البشرة اللازم له عقلا.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى ضعف ما صرح به في الكتاب من دعوى ان مفاد الاخبار عرفاً ما يعم الأثر المحسوس بنظر العرف من آثار نفس المستصحب بل مفادها عرفاً هو ترتيب خصوص ما لنفس المستصحب من الآثار لا آثار المستصحب وما يعد في نظر العرف من آثار المستصحب.

(نعم) يمكن دعوى ان المستفاد من الاخبار عرفاً وان كان هو ترتيب خصوص ما لنفس المستصحب من الآثار ولكن أثر الواسطة الخفية في نظر العرف يعد أثراً لنفس المستصحب إلا ان هذه الدعوى مضافا إلى أن مرجعها إلى ما صرح به المصنف هي مما لا تخلو عن ضعف فإن نظر العرف متبع في الكبرى لا في تطبيقها على الصغرى فإذا رأي العرف ان المثقال مثلا هو أربعة وعشرون حمصا فهذا هو المتبع وأما إذا رأى صدق المثقال علي أربعة وعشرين حمصا الا شعيرة ولو مسامحة فهذا مما لا يتبع (ولعل) المعيار الصحيح في الواسطة الخفية أن يقال إن كل أثر لم يكن للمستصحب دقة ولكن كان بحيث إذا لم نرتبه لزم صدق نقض اليقين بالشك

١٧١

كان ذلك أثر الواسطة الخفية وكان حاله حال أثر نفس المستصحب عينا في وجوب الترتيب شرعا وكل أثر لم يكن للمستصحب ولم يكن هو بهذه الحيثية لم يكن ذلك أثر الواسطة الخفية ولم يجب ترتيبه شرعاً فتأمل جيدا.

(قوله كما لا يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه وبين المستصحب تنزيلا ... إلخ)

هذا ما أضافه المصنف على ما استثناه الشيخ أعلى الله مقامه من الأصول المثبتة وهو ما إذا كانت الواسطة بحيث لا يمكن التفكيك عرفا بينها وبين المستصحب في التنزيل فإذا أنزل المستصحب نزلت الواسطة تبعاً فيجب ترتيب أثرها قهرا (والظاهر) ان ذلك مما لا يكون إلّا في اللازم البيّن بالمعنى الأخص الّذي لا ينفك تصوره عن تصور الملزوم كما في الضوء للشمس أو الجواد للحاتم ونحو ذلك.

(قوله أو بوساطة ما لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته معه بمثابة عد أثره أثرا لهما ... إلخ)

ظاهر العبارة انه استثناء ثالث من الأصول المثبتة إلا أنه ظهور بدوي وقد نشأ من سوء التعبير والتدبر التام في كلامه مما يقتضي بأنه لم يستثن إلا موردين الواسطة الخفية والواسطة الجلية أي اللازم البين بالمعنى الأخص غير انه قد أفاد لاستثناء الأخير وجهين مستقلين.

(الأول) ما يختص بالواسطة الجلية وهي الملازمة العرفية بين تنزيل المستصحب وبين تنزيلها فإذا نزل المستصحب نزلت الواسطة تبعاً فيجب ترتيب أثرها قهرا.

(الثاني) ما يشترك بينها وبين الواسطة الخفية وهو عد أثر الواسطة أثرا لهما أي أثرا للواسطة والمستصحب جميعا وسيأتي من المصنف ما هو كالصريح في استثناء موردين فقط دون غيرهما.

(وهو قوله الآتي) فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه كسائر الأصول

١٧٢

التعبدية الا فيما عد أثر الواسطة أثرا له لخفائها أو لشدة وضوحها وجلاها حسبما حققناه (انتهى)

(بقي شيء) وهو ان الظاهر ان كلمة بمثابة في كلام المصنف هي من طغيان القلم والصحيح هكذا أو بوساطة ما لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته معه عد أثره أثرا لهما.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى ضعف قوله أو بوساطة ما لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته معه ... إلخ فان الواسطة الخفية لأجل خفائها وإن أمكن أن يقال إن أثرها يعد أثرا للمستصحب واما لواسطة الجلية فلأجل شدة وضوحها وجلائها كيف يعد أثرها أثرا للمستصحب فإن اللزوم أو الملازمة ملاك الاثنينية فكلما اشتد وضوح لزومها أو ملازمتها اشتد وضوح اثنينيتها مع المستصحب فكيف يرى العرف أثرها أثرا للمستصحب.

(قوله ثم لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الأصول التعبدية وبين الطرق والأمارات ... إلخ)

(وحاصله) ان ما تقدم من عدم حجية الأصل المثبت انما هو في الاستصحاب وسائر الأصول العلمية وأما الطرق والأمارات فمثبتاتهما حجة بلا كلام وذلك لأن الأمارة كما تحكي عن المؤدي بالمطابقة فكذلك تحكي عن أطرافه من اللازم والملزوم والملازم بالالتزام فالأمارة لها حكايات متعددة مطابقية والتزامية (وإن شئت قلت) لها مؤديات متعددة مطابقية والتزامية فدليل اعتبار الأمارات سواء قلنا فيها بجعل الحجية وتنزيل حكاياتها منزلة العلم أو قلنا فيها بجعل الأحكام الظاهرية وتنزيل مؤدياتها منزلة الواقع هو مما ينزل تمام حكاياتها أو تمام مؤدياتها من المطابقية والالتزامية جميعاً من غير اختصاص ببعض دون بعض (وهذا بخلاف) الاستصحاب لما تقدم من عدم دلالة أخبار الباب بوجه على تنزيل أكثر من المستصحب وحده

١٧٣

بلحاظ ما لنفسه من الآثار دون أطرافه من اللازم والملزوم والملازم.

(أقول)

ويظهر من هذا كله انه لو قيل بكون الاستصحاب أمارة من الأمارات كما اخترنا ذلك في صدر المسألة فمثبتاته حجة بلا شبهة بل صريح الشيخ أعلى الله مقامه فيما أفاده هاهنا هو ذلك (قال) ومن هنا يعلم انه لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن لم يكن مناص عن الالتزام بالأصول المثبتة لعدم انفكاك الظن بالملزوم عن الظن باللازم شرعيا كان أي اللازم أو غيره إلّا أن يقال إن الظن الحاصل من الحالة السابقة حجة في لوازمه الشرعية دون غيرها (وقال) أيضا في أواخر المسألة وقد عرفت أن الاستصحاب إن قلنا به من باب الظن النوعيّ كما هو ظاهر أكثر القدماء فهو كإحدى الأمارات الاجتهادية يثبت به كل موضوع يكون نظير المستصحب في جواز العمل فيه بالظن الاستصحابي واما على المختار من اعتباره من باب الاخبار فلا يثبت به ما عدى الآثار الشرعية المترتبة على نفس المستصحب (انتهى) (وفيه ما لا يخفى) فإن بعض الأمارات كالبينة وما شاكلها وإن كانت مثبتاته حجة بلا كلام ولكن ليس كل أمارة كذلك (والسر) فيه ان الأمارات تختلف في حكاياتها عن المؤدي بالمطابقة وعن الأطراف من اللازم والملزوم والملازم بالالتزام من حيث القوة والضعف (فحكاية) بعضها عن المؤدي تكون قوية جدا وعن الأطراف أيضا كذلك وإن كان حكايته عن الأطراف دون حكايته عن المؤدي (وحكاية) بعضها عن نفس المؤدي ضعيفة فكيف بحكايته عن أطرافه من اللازم والملزوم والملازم (وعليه) فدليل الاعتبار في القسم الأول من الأمارات مما يشمل تمام حكاياته أي عن المؤدي وأطرافه جميعاً وفي القسم الثاني لا حكاية له سوى عن نفس المؤدي فقط دون ساير أطرافه كي يشمل حكاياته عنها أيضا (ومقتضي ذلك كله) انه إذا فارقنا مثلا زيدا قبل تسعة وأربعين سنة وهو ابن سنة كاملة وقد نذرنا ان نتصدق عنه إذا دخل في السنة الخمسين بمائة فإن قامت البينة

١٧٤

فعلا على حياته في هذا الحال فيثبت اللازم بلا شبهة وهو دخوله في السنة الخمسين ويجب علينا التصدق عنه بمائة وإن استصحبنا حياته من قبل تسعة وأربعين سنة إلى الآن الحاضر لم يثبت به اللازم أي دخوله في السنة الخمسين ولم يجب علينا التصديق عنه بشيء أصلا وان قلنا بكون الاستصحاب أمارة فتأمل جيدا.

(قوله كان مقتضى إطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها إلى آخره)

هذا بمنزلة الجزاء لقوله حيث انه كما يحكي ... إلخ أي حيث انه كما يحكي عن المؤدي كذا يحكي عن أطرافه كان مقتضي إطلاق دليل اعتبارها ... إلخ والعبارة مما لا تخلو عن ركاكة والصحيح هكذا وعليه فمقتضى إطلاق دليل اعتبارها ... إلخ.

في اللازم العادي أو العقلي المتحد مع

المستصحب وجوداً

(قوله الثامن انه لا تفاوت في الأثر المترتب على المستصحب بين أن يكون مترتبا عليه بلا وساطة شيء أو بوساطة عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشائع ويتحد معه وجودا ... إلخ)

المقصود من عقد هذا التنبيه الثامن هو تضعيف ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه من عدم الفرق في اللازم العادي أو العقلي بين كونه مباينا مع المستصحب رأساً وبين كونه متحداً معه وجودا بحيث لا يتغايران إلّا مفهوما (قال) فيما أفاده في المقام (ما هذا لفظه) ومن هنا يعلم انه لا فرق في الأمر العادي بين كونه متحد الوجود مع المستصحب بحيث لا يتغايران إلّا مفهوما كاستصحاب بقاء الكر في الحوض عند الشك في كرية الماء الباقي فيه وبين تغايرهما في الوجود كما لو علم بوجود

١٧٥

المقتضي لحادث على وجه لو لا المانع حدث وشك في وجود المانع (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(وأما حاصل كلام المصنف) فهو التفصيل في اللازم العادي أو العقلي المتحد مع المستصحب وجودا المحمول عليه بالحمل الشائع (فان كان) عنواناً كلياً منتزعاً عن مرتبة ذاته كما في الحيوان والإنسان والناطق ونحو ذلك أو بملاحظة اتصافه بعرضي كما في المالك والغاصب والسابق واللاحق ونحو ذلك من العناوين التي كان مبدأ الاشتقاق فيها هو من الأمور الانتزاعية المحضة التي ليس بحذائها شيء في الخارج أصلا سوى منشأ انتزاعها ويكون من خارج المحمول (فهذا النحو) من العنوان الكلي المتحد مع المستصحب وجودا مما يثبت بثبوت المستصحب ويترتب عليه أثره.

(وأما إذا كان) منتزعا بملاحظة اتصافه بعرض من الاعراض كما في الأسود والأبيض والقائم والقاعد ونحو ذلك مما كان مبدأ الاشتقاق فيه هو من الأمور الحقيقة المتأصلة التي بحذائها شيء في الخارج غير معروضها وان كان وجودها هو في ضمن وجود معرضها وكان من المحمول بالضميمة (فهذا النحو) من العنوان الكلي المتحد مع المستصحب وجوداً مما لا يثبت بثبوت المستصحب ولا يترتب عليه أثره.

(وقد أفاد في وجه التفصيل) ما حاصله أن الأثر في الصورتين الأوليين إنما يكون لنفس المستصحب واقعاً حيث لا يكون بحذاء ذلك العنوان الكلي المتحد مع المستصحب وجوداً شيء آخر في الخارج غير المستصحب فإن الطبيعي عين وجود فرده والعرضي مما لا وجود له الا لمنشإ انتزاعه وهذا بخلاف الصورة الأخيرة كما في الأسود والأبيض والقائم والقاعد ونحو ذلك فإن الأثر فيها ليس لنفس المستصحب واقعا بل لما هو من أعراضه وهو السواد والبياض والقيام والقعود ونحو ذلك.

١٧٦

(أقول)

(أما ما ادعاه الشيخ) أعلى الله مقامه من عدم الفرق في اللازم العادي أو العقلي بين كونه مبايناً مع المستصحب رأساً أو متحداً معه وجودا بحيث لا يتغايران إلا مفهوما (فهو بهذا) الإطلاق مما لا يخلو عن مسامحة وأشد منه مسامحة تمثيله للمتحد معه وجوداً بالمثال المتقدم فإن كرية الماء الباقي في الحوض غير بقاء الكر في الحوض وان كانا متلازمين وجودا.

(وأما ما ذهب إليه المصنف) من التفصيل في المتحد مع المستصحب وجوداً على النحو المتقدم آنفا (فهو أيضا) مما لا يخلو عن مسامحة فإنا إذا استصحبنا مثلا زيداً فيثبت به مثل عنوان الضاحك والماشي والكاتب بالقوة مع كونه من العناوين المحمولة بالضميمة ولا يثبت به مثل عنوان الوالي أو القاضي أو الوصي فيما علم انه لو كان باقيا لكان واليا أو قاضيا أو وصياً مع كونها من خارج المحمول لا المحمول بالضميمة.

(وعليه فالحق في التفصيل) في العنوان الكلي المتحد مع المستصحب وجوداً أن يقال إن العنوان المتحد معه وجوداً (ان كان) مما لا يمكن زواله عنه سواء كان منتزعاً عن مرتبة ذاته كما في الحيوان والإنسان والناطق أو بملاحظة اتصافه بعرض كالضاحك والماشي والكاتب بالقوة أو عرضي كالمتأخر عن آبائه أو السابق على أولاده فهذا مما يثبت بثبوت المستصحب من دون حاجة إلى استصحاب العنوان المتحد معه أصلا.

(واما إذا كان) مما يقبل الزوال عنه كما في العالم والعادل أو الوالي والقاضي سواء كان ذلك ثابتاً للمستصحب من الأول أو علم انه لو كان باقياً إلى الآن لكان عالماً أو عادلا أو والياً أو قاضياً فهذا مما لا يثبت بثبوت المستصحب أصلا غير انه لو كان ثابتاً للمستصحب من الأول فهو بنفسه قابل للاستصحاب دون الثاني فتأمل جيداً.

١٧٧

(قوله وذلك لأن الطبيعي انما يوجد بعين وجود فرده كما ان العرضي كالملكية والغصبية ونحوهما لا وجود له إلّا بمعنى وجود منشأ انتزاعه ... إلخ)

علة لقوله فإن الأثر في الصورتين انما يكون له حقيقة ... إلخ.

(فقوله) لأن الطبيعي انما يوجد بعين وجود فرده علة لكون الأثر للمستصحب حقيقة في الصورة الأولى.

(وقوله) كما ان العرضي كالملكية والغصبية ونحوهما لا وجود له إلّا بمعنى وجود منشأ انتزاعه علة لذلك في الصورة الثانية من الصورتين.

(قوله فاستصحابه لترتيبه لا يكون بمثبت كما توهم ... إلخ)

قد ظهر لك مما تقدم ان المقصود من المتوهم هو الشيخ أعلى الله مقامه فإنه الّذي اقتضى إطلاق عبارته المتقدمة أن يكون استصحاب الفرد أو منشأ الانتزاع لترتيب أثر العنوان المتحد معه وجودا مثبتاً لا يترتب عليه أثره.

(قوله وكذا لا تفاوت في الأثر المستصحب ... إلخ)

(وحاصله) انه لا فرق في الأثر المستصحب أو المترتب على المستصحب (بين ان يكون) حكماً مجعولا بنفسه كالتكليف وبعض أنحاء الوضع كالحجية والقضاوة والولاية وغير ذلك مما تقدم تفصيله قبل الشروع في التنبيهات (أو يكون) حكما مجعولا بجعل منشأ انتزاعه كبعض آخر من أنحاء الوضع كالجزئية أو الشرطية أو المانعية أو القاطعية لما هو جزء المأمور به أو شرطه أو مانعة أو قاطعه على ما تقدم أيضا تفصيله (وبعبارة أخرى) لا تفاوت في الأثر المستصحب أو المترتب على المستصحب بين ان يكون حكماً مجعولا استقلالا أو مجعولا تبعاً فإن المجعول التبعي امره بيد الشارع وضعاً ورفعاً كالاستقلالي عيناً غايته ان وضع الاستقلالي ورفعه يكون بوضع نفسه ورفعه ووضع التبعي ورفعه يكون بوضع منشأ انتزاعه ورفعه

١٧٨

(قوله فليس استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت ... إلخ)

أي فليس استصحاب مثل الطهارة أو النجاسة لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت فإن الشرطية أو المانعية حكم مجعول شرعاً ولو تبعاً مترتب على الشرط أو المانع وليست هي امراً عقلياً أو عادياً ليكون الاستصحاب مثبتاً بالنسبة إليها.

(قوله كما ربما توهم بتخيل ان الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية بل من الأمور الانتزاعية ... إلخ)

الظاهر ان مقصوده من المتوهم هو الشيخ أعلى الله مقامه فإنه الّذي ادعي ان الشرطية أو المانعية أو الجزئية هي امر منتزع عن الأمر بالصلاة في حال الشرط أو من المنع عنها في حال المانع أو من الأمر بالمركب (قال) عند نقل حجة القول السابع من أقوال الاستصحاب وهو تفصيل الفاضل التوني كما تقدم قبلا (ما لفظه) وكذا الكلام في غير السبب فإن شرطية الطهارة للصلاة ليست مجعولة بجعل مغاير لإنشاء وجوب الصلاة الواقعة حال الطهارة وكذا مانعية النجاسة ليست إلا منتزعة من المنع عن الصلاة في النجس وكذا الجزئية منتزعة من الأمر بالمركب (انتهى) وقد صرح قبل ذلك في موضعين آخرين بعدم كون الجزئية امرا مجعولا شرعيا (قال) في الأقل والأكثر الارتباطيين بعد ما اختار البراءة عن وجوب الجزء المشكوك أو وجوب الأكثر في ذيل الرد على بعض معاصريه الّذي عدل عن البراءة عن الحكم التكليفي إلى الوضعي أي جزئية الجزء المشكوك (ما لفظه) ومنع كون الجزئية امراً مجعولا شرعياً غير الحكم التكليفي وهو إيجاب المركب المشتمل على ذلك الجزء (انتهى) (وقال) أيضاً في التنبيه على أمور متعلقة بالجزء أو الشرط في مسألة ترك الجزء سهواً (ما لفظه) إن جزئية السورة ليست من الأحكام المجعولة لها شرعاً بل هي ككلية الكل وإنما المجعول الشرعي وجوب الكل (انتهى).

١٧٩

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى ما يحتمل في المقام من ان مراد الشيخ أعلى الله مقامه من نفي كون الشرطية أو المانعية أو الجزئية مجعولة شرعاً هو نفي مجعوليتها استقلالا وان مراده من انتزاع الشرطية من الأمر بالصلاة في حال الشرط أو المانعية من النهي عن الصلاة في النجس أو الجزئية من الأمر بالمركب هو جعلها تبعاً لجعل التكليف فيتحد حينئذ معناه مع ما أفاده المصنف عينا.

(قوله وكذا لا تفاوت في المستصحب أو المترتب ... إلخ)

أي لا فرق أيضاً في المستصحب أو المترتب على المستصحب بين ان يكون هو ثبوت الأثر ووجوده أو نفيه وعدمه (وقد استند) في ذلك إلى أمرين بل إلى أمور.

(منها) أن نفي الأثر وعدمه أمره بيد الشارع كأمر ثبوته ووجوده وهذا المقدار مما يكفي في صحة الاستصحاب.

(ومنها) ان عدم إطلاق الحكم على نقي الأثر غير ضائر إذ لا دليل هناك على اعتبار ذلك في الاستصحاب بل سيأتي منه قريباً إطلاق الحكم المجعول عليه بمجرد كون أمره بيد الشارع كثبوته ووجوده.

(ومنها) صدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه كصدقه على رفع اليد عن ثبوته ووجوده.

(أقول)

والأولى من الجميع أن يقال كما تقدم قبلا غير مرة انه لا دليل على اعتبار كون المستصحب أثراً مجعولا أو ذا أثر مجعول سوى ما استقل به العقل من أن المستصحب إذا لم يكن كذلك كان التعبد بالبقاء لغوا جداً ومن المعلوم ان اللغوية كما تندفع بالتعبد بثبوت حكم شرعي أو بموضوع مترتب عليه حكم شرعي فكذلك تندفع بالتعبد بنفي حكم شرعي أو بنفي موضوع مترتب عليه نفي حكم شرعي.

١٨٠