عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٧

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأولين والآخرين محمد وعترته المعصومين النجباء الطاهرين واللعنة على أعدائهم ومعادي أوليائهم وموالي أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين.

أما بعد فيقول العبد المتفضل عليه ربه بالإحسان مرتضى بن محمد الحسيني اليزدي الفيروزآبادي إن هذه تعليقة علقتها على كفاية الأصول وهي في ستة اجزاء الأول من موضوع العلم إلى آخر الأوامر والثاني من أول النواهي إلى آخر المجمل والمبين والثالث يشتمل على مباحث القطع والظن والرابع على مباحث البراءة والتخيير والاشتغال والخامس على مباحث الاستصحاب فقط والسادس على مباحث التعادل والتراجيح والاجتهاد والتقليد وليعلم انه لا تدع هذه التعليقة مشكلة في الكفاية الا وقد حلتها ولا معضلة الا وأوضحتها بل وتتكفل هي حل مطالب شيخنا الأنصاري أيضا أعلى الله مقامه وقد أخذت آراؤه الشريفة في مباحث الألفاظ من التقريرات المعروفة لبعض أجلاء تلامذته وفي الأدلة العقلية من كتاب الرسائل وهو بقلمه الشريف هذا مضافا إلى تكفل هذه التعليقة لحل جملة من مطالب الفصول وغيره حيثما يشير إليه المصنف قدس‌سره كل ذلك بعبارات واضحة جلية

٢

خالية عن الإطناب الممل والإيجاز المخل رجاء ان ينتفع بها عموم الطلاب والمشتغلين وان يذكروني بالخير عند ما حلت لهم مشكلة واتضحت لهم معضلة وان يستغفروا لي ربهم حيا كنت أو ميتا فيقولوا غفر الله له ، غفر الله لكم أيها الإخوان جميعا.

في موضوع العلم

(قوله أما المقدمة ففي بيان أمور الأول إن موضوع كل علم إلخ) إن موضوع كل علم وهو الّذي من العلم كالقطب من الرحى نحول فيه حوله ونبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة كما سيأتي بشرحها هو عين موضوعات مسائله أو الكلي المتحد مع موضوعاتها خارجا وان كان يغايرها مفهوما تغاير الكلي وأفراده وهكذا محمول العلم فهو عين محمولات مسائله أو الكلي المتحد مع محمولاتها خارجا وإن كان يغايرها أيضا مفهوما تغاير الطبيعي ومصاديقه.

(قوله عوارضه الذاتيّة أي بلا واسطة في العروض إلخ) المقصود من تفسير العوارض الذاتيّة بقوله أي بلا واسطة في العروض هو التنبيه على المسامحة الواقعة في تفسير العرض الذاتي (وتفصيله) إن العرض وإن كان له تقسيمات كتقسيمه إلى العرض الخاصّ والعام وإلى اللازم والمفارق واللازم تارة إلى لازم الماهية كالزوجية للأربعة أو لازم الوجود الخارجي كالإحراق للنار أو لازم الوجود الذهني كالكلية للإنسان وأخرى إلى اللازم البين أو الغير البين والمفارق إلى ما يدوم كحركة الفلك أو ما يزول أما بسرعة كحمرة الخجل وصفرة الوجل أو ببطء كالشباب ولكن المقصود منه في المقام

٣

تقسيمه بنحو آخر فيقال إن العرض (تارة) يكون عارضا للشيء بلا واسطة أصلا لا في الثبوت ولا في العروض بل بمجرد اقتضاء الذات كالزوجية للأربعة (وأخرى) يكون مع الواسطة في الثبوت وهي أما أمر داخلي مساوي للمعروض كالتكلم العارض للإنسان بواسطة كونه ناطقا أو أعم منه كالمشي العارض للإنسان بواسطة كونه حيوانا ولا ثالث للأمر الداخليّ بان يكون أخص إذ الداخليّ لا يخلو من كونه فصلا يساوي الشيء أو جنسا أعم منه وأما أمر خارجي مساوي للمعروض أي في الاجتماع كالضحك العارض للإنسان بواسطة التعجب فان التعجب مما لا يجتمع مع غير الإنسان أصلا أو أعم منه كالتعب العارض للإنسان بواسطة المشي فان المشي مما يجتمع مع الإنسان وغيره أو أخص منه كالضحك العارض للحيوان بواسطة كونه ناطقا فان النطق مما يجتمع مع بعض أفراد الحيوان لا جميعها فضلا عن غيرها أو مباين معه كالحرارة العارضة للماء بواسطة النار التي يستحيل اجتماعها مع الماء أبدا (وثالثة) يكون مع الواسطة في العروض بان لا يكون العارض عارضا للشيء حقيقة بل لغيره وإنما ينسب إليه تجوزا لعلاقة بينه وبين ذلك الغير الّذي هو المعروض الحقيقي كالجري العارض للميزاب فانه ينسب إليه بالعرض والمجاز لعلاقة بينه وبين الماء الّذي هو المعروض الحقيقي للجري فهذه ثمانية أقسام للعرض في هذا التقسيم والظاهر أنه لا كلام عندهم في كون العارض بلا واسطة والعارض بواسطة أمر داخلي أو خارجي مساوي هو من الأعراض الذاتيّة وأن العارض بواسطة أمر خارجي أعم أو أخص أو مباين والعارض مع الواسطة في العروض هو من الأعراض الغريبة وأما العارض بواسطة أمر داخلي أعم فقد اختلفوا فيه فالقدماء منهم على ما نسب إليهم عدوه من الأعراض الغريبة والمتأخرين منهم عدوه من الأعراض الذاتيّة وأما المصنف فجميع هذه

٤

الأعراض كلها عنده ذاتية سوى العارض مع الواسطة في العروض وذلك لما فسر العرض الذاتي بقوله أي بلا واسطة في العروض وهو جيد متين لا نتعدى عنه وإن العرض الغريب منحصر بما كان عروضه مع الواسطة في العروض ومن الغريب عد ما سوى ذلك من الأعراض الغريبة فتأمل جيدا.

(قوله وما يتحد معها خارجا إلخ) ولو قال أو ما يتحد معها خارجا لكان أولى بل كان هو الصحيح فان موضوع العلم بناء على كونه نفس موضوعات مسائله متعدد بتعدد موضوعات مسائله وبناء على كونه هو الكلي المتحد مع موضوعات مسائله أمر وجداني صادق على الجميع وبينهم فرق عظيم فلا وجه لجعل الثاني عبارة أخرى عن الأول وهذا واضح.

في مسائل العلم ومباديه

(قوله والمسائل عبارة عن جملة من قضايا إلخ) إن مسائل كل علم ومنه علم الأصول عبارة عن جملة من قضايا متفرقة مندرجة تحت غرض واحد الّذي لأجله دون ذلك العلم فمسائل النحو مثلا هي المسائل التي يجمعها صون اللسان عن الخطاء في المقال ومسائل المنطق هي المسائل التي يجمعها صون الإنسان عن الخطاء في الفكر وهكذا إلى غيرهما (ثم) إن ما يذكر في العلم قسمان مسائل ومبادئ (أما المسائل) فقد عرفت شرحها (وأما المبادي) فهي على قسمين فما يوجب معرفة الموضوع والمحمول فهو من المبادي التصورية ، وما يوجب التصديق بثبوت المحمول للموضوع فهو من المبادي التصديقية وقد ذكر لعلم الأصول مبادئ أخر. (منها) المبادي الأحكامية وهي المسائل

٥

الباحثة عن حقيقة الحكم وماهيته كما يظهر من البهائي رحمه‌الله في الزبدة أو عن حالاته وعوارضه مثل أن وجوب الشيء هل يستلزم عقلا وجوب مقدمته أم لا أو الوجوب هل يجوز اجتماعه مع الحرمة أم لا كما يظهر ذلك من صاحب التقريرات رحمه‌الله (قال) في مقدمة الواجب إن الترتيب الطبيعي يقضى بان تكون أي مقدمة الواجب ملحقة بالمسائل المذكورة في المبادي الأحكامية كما صنعه العضدي تبعا للحاجبي فان من المناسب عند تحقيق الحكم الشرعي وتقسيمه إلى الوضعي والتكليفي وتنويعه إلى الأنواع الخمسة المعروفة تحقيق لوازم تلك الأحكام من حيث أن الوجوب المتعلق بشيء يستلزم وجوب مقدماته أولا (وقال) في مسألة الاجتماع والأولى أن يقال بان البحث فيها انما هو بحث عن المبادي الأحكامية حيث يناسب عند ذكرها وتحقيقها ذكر بعض أحكامها وأوصافها من ملازمة وجوب شيء لوجوب مقدمته ومن جواز اجتماع الحكمين مع تضادهما كما تقدم شطر من الكلام في ذلك في بحث المقدمة وذلك هو الوجه في ذكر العضدي له في المبادي الأحكامية كشيخنا البهائي قدس‌سره انتهى.

(أقول) والحق أن المسألتين هما من المسائل الأصولية كما سيأتي في محلهما ومجرد اشتمالهما على جهة المبادي الأحكامية لا يوجب خروجهما عن المسائل الأصولية كما لا يخفى (ومنها) المبادي اللغوية وهي كما يظهر من الفصول عبارة عن مباحث الحقيقة والمجاز والمشترك والمنقول والمترادف ومباحث الوضع وعلائم الحقيقة والمجاز وما أشبه ذلك إلى آخر المشتق (قال) في الفصول ورتبته على مقدمة ومقالات وخاتمة (إلى أن قال) أما المقدمة ففي تعريف العلم وبيان موضوعه وذكر نبذ من مباديه اللغوية ثم لما فرغ من تعريف العلم وبيان موضوعه قال القول في المبادي اللغوية وشرع في المباحث.

٦

المذكورة إلى آخرها (ومنها) المبادي المنطقية وهي كما يظهر من البهائي أيضا هي المسائل الباحثة عن تعريف الدليل والعلم تصديقه وتصوره ومباحث الجزئي والكلي والجنس والفصل والعرض ومباحث القضايا من الحملية والشرطية والشخصية والطبيعية إلى غير ذلك (قال) في الزبدة المطلب الأول في نبذ من أحواله ومباديه المنطقية ثم لما فرغ من ذكر حد الأصول وموضوعه وثمرته شرع في المباحث المذكورة فلاحظ وتدبر.

(قوله فلذا قد يتداخل بعض العلوم إلخ) أي فلأجل أن القضايا جمعها اشتراكها في الدخل في الغرض قد يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل.

(قوله لا يقال علي هذا يمكن تداخل علمين إلخ) أي لا يقال إذا جاز تداخل بعض العلوم في بعض المسائل مما كان له دخل في مهمين جاز تداخل علمين في تمام مسائلهما فيما كان مهمان متلازمان في الترتب على جملة من القضايا وهو مما لا محصل له (لأنه يقال) أو لا أن ذلك بعيد جدا بل يمتنع عادة وثانيا لو فرض اتفاقه فلا يصح حينئذ تدوين علمين وتسميتهما باسمين كي يلزم تداخل علمين في تمام مسائلهما بل يدون علم واحد يبحث فيه تارة لكلا المهمين وأخرى لأحدهما وهذا بخلاف ما إذا تداخلا في بعض المسائل أو أزيد فان حسن تدوين علمين حينئذ وتسميتهما باسمين مما لا يخفى.

في تمايز العلوم وتمايز مسائلها

(قوله وقد انقدح بما ذكرنا أن تمايز العلوم إلخ) أي وقد انقدح بما ذكرنا من أن القضايا جمعها اشتراكها في الدخل في الغرض الّذي لأجله دون

٧

هذا العلم أن تمايز العلوم بعضها عن بعض هو بتمايز الأغراض الداعية إلى التدوين لا بتمايز موضوعات العلم ولا بتمايز محمولاته وإلّا لزم أن يكون كل باب بل كل مسألة من كل علم علما على حده (وفيه) أن ذلك إنما يلزم إذا كان موضوع العلم هو عين موضوعات مسائله وهكذا محموله وأما إذا قلنا أن موضوع العلم هو أمر وحداني وهو الكلي المنطبق على موضوعات مسائله المتحد معها اتحاد الكلي ومصاديقه كما أشار بذلك قبلا بقوله وما يتحد معها خارجا وسيأتي التصريح به أيضا بقوله وهو الكلي المتحد مع موضوعات المسائل إلخ وهكذا لو قلنا بمثله في محموله فلا يكاد يلزم ذلك وأما معرفة موضوع العلم أي الكلي المنطبق على موضوعات مسائله وهكذا معرفة محموله فهي وان كانت تتوقف على معرفة المسائل وتحديدها سعة وضيقا كما أن معرفتها وتحديدها كذلك لا يكاد يمكن الا بالغرض فإذا لا مميز الا الغرض ولكن بعد ما ميزنا وحددنا المسائل سعة وضيقا بوسيلة الغرض وأخذنا الجامع بين موضوعاتها وكان هو موضوع العلم وأخذنا الجامع بين محمولاتها وكان هو محمول العلم كان المميز حينئذ للعلم أمور ثلاثة الغرض والموضوع والمحمول (ثم) إن مما ذكرنا يظهر أن تمايز مسائل كل علم عن مسائل ساير العلوم أيضا يكون بتمايز الأغراض والموضوعات والمحمولات فان العلم ليس إلّا عبارة عن جملة من المسائل فإذا كان تمايز العلم بتمايز هذه الأمور الثلاثة كان تمايز مسائله أيضا عن مسائل ساير العلوم بتمايز هذه الأمور الثلاثة فكل مسألة من مسائل هذا العلم يمتاز عن مسائل ساير العلوم بترتب غرض هذا العلم عليه وبانطباق موضوع هذا العلم على موضوعه ومحموله على محموله (نعم) تمايز مسائل علم واحد بعضها عن بعض لا يكون بتمايز الأغراض إذا المفروض هو ترتب غرض واحد على جميع مسائله المختلفة فكيف يكون تمايز بعضها عن بعض بتمايز الغرض بل يكون

٨

تمايزه بتمايز موضوعه أو محموله أو بتمايز كليهما فكل مسألة من مسائل هذا العلم يمتاز عن مسألة أخرى لهذا العلم بامتياز موضوعها أو محمولها أو كليهما.

(قوله فلا يكون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول إلخ) تفريع على قوله لا الموضوعات ولا المحمولات أي فلا يكون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول موجبا لتعدد العلم كما لا تكون وحدتهما في مسألة موجبة لأن تكون المسألة من علم واحد لإمكان دخلها في مهمين فتكون من علمين مستقلين (قوله بكل ما دل عليه إلخ) أي من العناوين المشيرة إليه مثل أن يقال أن موضوع العلم هو الجامع بين موضوعات مسائله المتحد معها خارجا اتحاد الكلي ومصاديقه والطبيعي وأفراده.

في موضوع علم الأصول

(قوله وقد انقدح بذلك أن موضوع علم الأصول إلخ) أي وقد انقدح بما تقدم آنفا من أنه ربما لا يكون لموضوع العلم وهو الكلي المتحد مع موضوعات المسائل عنوان خاص واسم مخصوص أن موضوع علم الأصول هو الكلي المنطبق على موضوعات مسائله المتشتتة وإن لم يكن له عنوان خاص واسم مخصوص.

(قوله لا خصوص الأدلة الأربعة إلخ) أي الكتاب والسنة والإجماع والعقل كما نسب ذلك إلى المشهور من حصر موضوع علم الأصول بها (قوله ولا بما هي هي إلخ) كما يظهر من الفصول فانه صرح أن المراد من الأدلة الأربعة التي هي موضوع علم الأصول ذات الأدلة لا هي مع وصف كونها أدلة ولعل الثمرة تظهر في مثل البحث عن حجية الإجماع أو نحوه فانه

٩

إن كان بما هو دليل موضوعا للأصول فالبحث عن حجيته يكون خارجا عنها ضرورة أن البحث عن دليلية الدليل ليس بحثا عن عوارض الدليل وأما إذا كان بما هو هو موضوعا للأصول فالبحث عن حجيته بحث عن عوارض الموضوع (قوله كعمدة مباحث التعادل والتراجيح إلخ) ولعل وجه التعبير بعمدة مباحث التعادل والتراجيح أن عمدة مسائلها باحثة هي عن تعارض الخبرين وهما ليسا من السنة وقلما يتفق أن يبحث فيها عن تعارض الآيتين أو السنتين بما لهما من الظهور كي يكون بحثا في الحقيقة عن عوارض الكتاب والسنة.

(قوله ورجوع البحث فيهما إلخ) إشارة إلى ما صنعه الشيخ أعلى الله مقامه في الرسائل فانه أرجع البحث عن حجية خبر الواحد إلى البحث عن ثبوت السنة بخبر الواحد وعدمه ليكون بحثا عن عوارض السنة وحيث أنه إذا جاز هذا الإرجاع في خبر الواحد جاز في التعادل والتراجيح أيضا قال المصنف ورجوع البحث فيهما إلى أن قال غير مفيد (ووجه) عدم الفائدة أن المراد من ثبوت السنة بخبر الواحد أو بأي الخبرين في باب التعارض إن كان هو الثبوت الواقعي فهو مفاد كان التامة وليس من العوارض وإن كان هو الثبوت التعبدي فمرجعه إلى وجوب العمل بخبر الواحد وحجيته وهو من عوارض الخبر لا من عوارض السنة.

(أقول) إن الثبوت الواقعي ليس إلّا بمعنى انكشاف الشيء حقيقة بنحو العلم واليقين في قبال الثبوت التعبدي الشرعي الّذي هو بمنزلة الانكشاف العلمي اليقينيّ ومن المعلوم ان انكشاف الشيء حقيقة هو من عوارض الشيء فان الشيء قد يكون مكشوفا محرزا وقد يكون مستورا مخفيا وعليه فإذا كان البحث في خبر الواحد وفي باب التعارض هو عن ثبوت السنة بخبر الواحد أو بأي الخبرين ثبوتها الواقعي كان ذلك بحثا عن عوارض السنة ولكن الشأن في إثبات

١٠

ذلك وان البحث فيهما بحث عن ثبوت السنة واقعا وعدمه بل بحث عن الثبوت التعبدي وهو من عوارض الخبر.

(قوله وأما إذا كان المراد من السنة ما يعم حكايتها إلخ) هذا في قبال قوله المتقدم لو كان المراد بالسنة منها هو نفس قول المعصوم إلخ.

(قوله وجملة من غيرها إلخ) أي من غير مباحث الألفاظ كبحث الإجزاء وبحث مقدمة الواجب وبحث الضد فان هذه الأبحاث كما ستعرف هي مباحث عقلية وان كانت مذكورة في مباحث الألفاظ وهكذا يلزم خروج بحث حجية القطع ومباحث الأصول العملية وغيرها عن علم الأصول إذ ليست هي باحثة عن أحوال خصوص الأدلة الأربعة.

في تعريف علم الأصول

(قوله ويؤيد ذلك تعريف الأصول إلخ) أي ويؤيد ما تقدم آنفا من أن البحث في غير واحد من مسائلها كمباحث الألفاظ وجملة من غيرها لا يخص الأدلة بل يعم غيرها تعريف الأصول بأنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية ووجه التأييد أن مقتضى هذا التعريف أن كل قاعدة مهدت لاستنباط الحكم الشرعي فهو من علم الأصول سواء كانت باحثة عن عوارض الأدلة الأربعة أم لا فلو كان موضوع الأصول هي الأدلة الأربعة لكان الأنسب في تعريفه أن يقال هو العلم بالمسائل الباحثة عن أحوال الكتاب والسنة والعقل والإجماع ولعل وجه عدم جعل المصنف ذلك دليلا برأسه أن هذا التعريف من نفس المشهور القائلين بكون موضوع الأصول هي الأدلة الأربعة فكيف يمكن الاستشهاد بتعريفهم لكون الموضوع هو الأعم

١١

(قوله وان كان الأولى تعريفه إلخ) ولعل وجه العدول عن التعبير بالأولوية أن أمثال هذه التعاريف كما سيأتي من المصنف مكررا تعاريف لفظية لمجرد حصول الميز في الجملة من قبيل تعريف السعدانة بأنها نبت فلا تجب أن تكون جامعة مانعة لها العكس والطرد فلا ينبغي إطالة الكلام فيها بالنقص والإبرام بل التعاريف الحقيقية لا يعرفها إلّا الله العالم بكنه الأشياء وحقائقها كما ستأتي منه الإشارة إلى ذلك في صدر الاجتهاد والتقليد نعم حيث أنه مع ذلك يحسن التعريف بالأقرب فالأقرب فعدل المصنف عن تعريف المشهور إلى تعريف آخر وقال وان كن الأولى تعريفه إلخ.

(قوله بأنه صانعة إلخ) وكأن وجه العدول عن التعبير بالعلم إلى الصناعة هو التنبيه على أن علم الأصول ليس مجرد الإدراك بل هو فن فوق العلم كالصياغة والنجارة والبناء ونحو ذلك فكما أن الصياغة مثلا صناعة يتمكن بها من صنع المصوغات فكذلك الأصول صناعة يتمكن بها من استنباط الأحكام الشرعية.

(قوله التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام إلخ) ولعل وجه العدول عن التعبير بالممهدة إلى التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام هو التنبيه على أن الأصول لا تنحصر بالمسائل التي مهدها السابقون لاستنباط الأحكام الشرعية بل تشمل كل مسألة يمكن أن يستنبط بها الحكم الشرعي ولو لم تمهد بعد بل يمهدها المتأخرون اللاحقون.

(ثم) لا فرق في استنباط الحكم الشرعي بالمسألة الأصولية بين أن يكون بلا واسطة كما في قولك شرب التتن مشكوك الحرمة وكل مشكوك الحرمة حلال ظاهرا فشرب التتن حلال ظاهرا أو مع الواسطة كما في قولك أقم الصلاة أمر وكل أمر للوجوب فأقم الصلاة للوجوب فتجب الصلاة نعم يجب

١٢

أن لا تكون الوسائط كثيرة بحيث تخرج المسألة عن كونها مسألة أصولية كما في المسائل النحوية والصرفية واللغوية وغيرها مما يستنبط به الحكم الشرعي لكن بوسائط عديدة.

(قوله أو التي ينتهى إليها في مقام العمل إلخ) الغرض من زيادة هذه العبارة هو إدراج مسألة حجية الظن على الانسداد والحكومة ومسائل الأصول العملية العقلية الجارية في الشبهات الحكمية في تعريف علم الأصول (وتوضيحه) أنه إذا قلنا بحجية مطلق الظن بوسيلة مقدمات الانسداد فتارة نقول بالكشف أي أن المقدمات مما توجب الكشف عن كون الظن طريقا منصوبا من قبل الشارع في ظرف الانسداد كخبر الواحد أو ساير الأمارات المعتبرة بالخصوص عند الانفتاحي وأخرى نقول بالحكومة أي أن العقل يستقل حينئذ في الحكم بحجية الظن في هذا الحال كحجية العلم في حال الانفتاح فان قلنا بالأول فالمسألة مما يستنبط به الحكم الشرعي كمسألة حجية خبر الواحد ونحوها ولا كلام لنا فيها وإن قلنا بالثاني فهي قاعدة ينتهى إليها في مقام العمل وليست هي مما يستنبط به الحكم الشرعي فتكون خارجة عن تعريف علم الأصول وهكذا الكلام في الأصول العملية العقلية كقاعدة قبح العقاب بلا بيان وقاعدة التخيير في دوران الأمر بين المحذورين وقاعدة الاحتياط عند العلم الإجمالي بالتكليف فان جميع هذا كله قواعد ينتهى إليها في مقام العمل وليست هي مما يستنبط به الحكم الشرعي فتكون خارجة أيضا عن تعريف علم الأصول فالمصنف انما زاد في التعريف كلمة أو التي ينتهى إليها في مقام العمل كي يشمل هذه المباحث المهمة الجليلة.

(قوله الأصول العملية إلخ) مقصوده من الأصول العملية هي العقلية منها وإلّا فالأصول العملية الشرعية داخلة بنفسها في تعريف علم الأصول

١٣

لكونها مما يستنبط به الحكم الشرعي فلا يحتاج إلى ما يدخله في التعريف.

(قوله في الشبهات الحكمية إلخ) وجه التقييد بالحكمية أن الأصول العملية الجارية في الشبهات الموضوعية ليست هي مما يستنبط به الحكم الشرعي الكلي بل الجزئي كطهارة هذا وطهارة ذاك أو حلية هذا وحلية ذاك فتكون من القواعد الفقهية لا الأصولية فان القاعدة الأصولية هي التي يستنبط بها الأحكام الشرعية الكلية كوجوب صلاة الجمعة أو حرمة العصير الزبيبي ونحوهما لا الجزئية ومن هنا يعرف أن مقصود المشهور من الحكم الشرعي في تعريفهم هو الحكم الشرعي الكلي لا الجزئي ثم أن للقاعدة الفقهية ضابطة أخرى غير ما يستنبط به الحكم الشرعي الجزئي وهي ما صح إعطاؤه بيد العامي المقلد ولا ينحصر أعماله بالمجتهد المفتي وذلك كقاعدة الطهارة وقاعدة الحل وقاعدة الاستصحاب الجارية كلها في الشبهات الموضوعية فيقول العامي هذا الشيء الخارجي مشكوك الطهارة والنجاسة وكل مشكوك الطهارة والنجاسة طاهر شرعا ولو لما أفتى به المفتي فهذا طاهر شرعا وهكذا الأمر في مشكوك الحلية والحرمة أو يقول إن وضوئي مشكوك البقاء وكل مشكوك البقاء باق شرعا ولو لما أفتى به المفتي فوضوئي باق شرعا فيجوز الصلاة معه وهكذا.

في الوضع

(قوله الأمر الثاني الوضع هو نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما إلخ) قد يخطر بالبال أن يكون الوضع عبارة عن تخصيص اللفظ المعنى فيكون معنى مصدريا وفعلا من أفعال الواضع لا نتيجة الفعل والأثر

١٤

الحاصل منه وهو الاختصاص والارتباط الخاصّ الحاصل من التخصيص ولكن التحقيق في لفظ الوضع وفي ساير ألفاظ المعاملات كالنكاح والطلاق والبيع والعتاق ونحو ذلك من المفاهيم القابلة للإنشاء بأقوال خاصة أو بافعال مخصوصة مما يقضى بكون تلك الألفاظ هي أسامي للمسببات والآثار الحاصلة من تلك الأسباب أي من تلك الأقوال أو الأفعال لا لنفس الأسباب بعينها فان تلك الأسباب هي مما ينشأ به تلك المفاهيم لا محالة فلو كانت ألفاظ تلك المفاهيم هي للأسباب لكان المنشأ بالفتح وما ينشأ به أمرا واحدا وهو غير معقول (وعليه) فالنكاح هي العلاقة الخاصة الحاصلة بين الزوج والزوجة بقولك زوجت فلانا من فلان والطلاق هي البينونة الحاصلة بين الزوجين بقولك زوجة موكلي طالق والبيع هي الملكية الحاصلة للمالك بقولك ملكتك كذا وكذا وهكذا الوضع فيكون هو الاختصاص والربط الخاصّ الحاصل بين اللفظ والمعنى بقولك وضعت اللفظ الفلاني لكذا وكذا.

(اللهم) إلّا أن يقال أن لفظ الوضع وساير ألفاظ المعاملات وإن لم تكن هي موضوعة للأسباب وإلّا لزم اتحاد المنشأ بالفتح وما ينشأ به بالتقريب المتقدم ولكنها ليست هي موضوعة للمسببات أيضا فان لنا أسباب تصدر من الإنسان مباشرة ولنا أفعال توليدية تصدر من الإنسان بوسيلة تلك الأسباب ويتولد من تلك الأسباب ولنا مسببات أي آثار خاصة مترتبة على تلك الأسباب فتلك الألفاظ هي موضوعة لتلك الأفعال لا للأسباب ولا للمسببات فقولك مثلا ملكتك كذا وكذا سبب والتمليك الحاصل بسببه وهو إدخالك المبيع في ملكه بهذه الوسيلة بيع وهو فعلك التوليدي في قبال السبب وهو فعلك المباشري وأما الملكية الحاصلة للمشتري وهي الإضافة المخصوصة والعلامة الخاصة الحاصلة بين المملوك والمالك بهذا السبب فهو المسبب والأثر

١٥

الوضعي وهكذا الأمر في النكاح والطلاق والعتاق ونحو ذلك (وان شئت) التوضيح أكثر من ذلك فقس المقام بمثل الإحراق قلنا إلقاء في النار وهو السبب والفعل المباشري ولنا فعل توليدي يحصل بواسطة هذا السبب وهو الإحراق فانه ليس أمرا مقدورا للإنسان بالمباشرة إلّا بالتسبيب ولنا أثر خاص يترتب على هذا السبب وهو الموت وإزهاق الروح وهو المسبب (ففي المقام) قولك وضعت اللفظ الفلاني للمعنى الفلاني سبب وتخصيصك اللفظ بالمعنى بهذه الوسيلة وبهذا السبب فعل توليدي منك وهو المسمى بالوضع وأما الاختصاص والربط الخاصّ الحاصل بهذا القول فهو أثر ومسبب (وعلى هذا كله) فالوضع ليس هو نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما كما أفاد المصنف بل هو تخصيص اللفظ بالمعنى بوسيلة قولك المذكور وبإنشائك المخصوص فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.

(قوله ناش من تخصيصه به تارة ومن كثرة استعماله فيه أخرى إلخ) هذا تقسيم للوضع بلحاظ كيفيته فقد بوضع اللفظ بإزاء المعنى بالتصريح بإنشائه فيقول الواضع قد وضعت اللفظ الفلاني للمعنى الفلاني ويحصل به الاختصاص والارتباط الخاصّ ويسمى بالوضع التعييني وقد يكثر استعمال اللفظ في المعنى من شخص واحد أو من أشخاص متعددة إلى أن يحصل به الاختصاص والارتباط الخاصّ ويسمى بالوضع التعيني.

(أقول) وسيأتي في الحقيقة الشرعية من المصنف أن الوضع التعييني أيضا على قسمين فقد يحصل بالتصريح بإنشائه وقد يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما إذا وضع له بان يقصد الحكاية عنه والدلالة عليه بنفسه لا بالقرينة وسيأتي له مزيد توضيح إن شاء الله تعالى في محله فانتظر.

(قوله وبهذا المعنى صح تقسيمه إلى التعييني والتعيني إلخ) أي وبمعنى

١٦

الاختصاص والارتباط الخاصّ صح تقسيم الوضع إلى التعييني والتعيني فالارتباط الخاصّ قد يحصل من التخصيص دفعة واحدة بفعل واحد وقد يحصل من الاستعمال الكثير تدريجا شيئا فشيئا. (وفيه) أن الوضع بمعنى التخصيص أيضا مما صح تقسيمه إلى التعييني والتعيني فالتخصيص قد يكون بفعل شخص واحد دفعة واحدة وقد يكون بافعال كثيرة واستعمالات عديدة تدريجا شيئا فشيئا من شخص واحد ومن أشخاص عديدة فالوضع سواء كان بمعنى الاختصاص والارتباط الخاصّ أو كان بمعنى التخصيص هو مما صح تقسيمه إلى كل من التعييني والتعيني والتخصيصي والتخصصي وهذا واضح.

(قوله ثم أن الملحوظ حال الوضع إما يكون معنى عاما إلخ) هذا تقسيم لمجموع الوضع والموضوع له من حيث العموم والخصوص وحاصل تحقيق المصنف أن الواضع (قد يلحظ) معنى عاما فيوضع اللفظ له كما في أسامي الأجناس كالرجل والمرأة والإنسان والحيوان ونحو ذلك فيكون كل من الوضع والموضوع له عاما (وقد يلحظ) معنى عاما ويوضع اللفظ بإزاء أفراده ومصاديقه كما ادعى ذلك في الحروف وما الحق بها من أسماء الإشارة والضمائر والموصولات والهيئات كما سيأتي فيكون الوضع فيها عاما والموضوع له خاصا (وقد يلحظ) معنى خاصا فيوضع اللفظ له خاصة كما في وضع الأعلام فتكون الأقسام ثلاثة ولا يعقل أن يلحظ المعنى الخاصّ ويوضع اللفظ بإزاء العام كي تكون الأقسام أربعة والسر فيه أن المعنى العام آلة للحاظ أفراده ووجه من وجوده مصاديقه فإذا لوحظ المعنى العام فقد لوحظت الأفراد والمصاديق ولو إجمالا وصح وضع اللفظ لها بخلاف الخاصّ فانه ليس آلة للحاظ العام ولا وجها ولا مرآتا له فلا يصح وضع اللفظ للعام الا بعد لحاظه بنفسه وإذا لوحظ بنفسه فيكون من القسم الأول أي من الوضع العام والموضوع له العام

١٧

غايته أنه قد أوجب لحاظ الخاصّ لحاظ العام فوضع اللفظ له.

(أقول) أولا لا معنى للتفكيك بين الوضع والموضوع له من حيث العموم والخصوص أصلا فان الوضع ليس مجرد لحاظ المعنى كي إذا لوحظ المعنى العام كان الوضع عاما سواء كان الموضوع له عاما أيضا أم لا وإذا لوحظ المعنى الخاصّ كان الوضع خاصا سواء كان الموضوع له خاصا أيضا أم لا بناء على جواز القسم الرابع كما ستأتي الإشارة إليه.

(وثانيا) أن لحاظ الموضوع له على الدقة والتفصيل عند الوضع لازم عقلا ولا يكفى اللحاظ الإجمالي المرآتي وإلا فكما أنه يصح القسم الثاني أي الوضع العام والموضوع له الخاصّ فكذلك يصح القسم الرابع وهو الوضع الخاصّ والموضوع له العام إذ لم يعلم أن مرآتية الفرد للطبيعي هي أقل من مرآتية الطبيعي للافراد فكما أنه إذا لاحظ الطبيعي جاز وضع اللفظ لأفراده نظرا إلى كونه وجها من وجوهها فكذلك إذا لاحظ الفرد الخاصّ جاز وضع اللفظ لكليه المنطبق عليه وعلى أقرانه لكونه وجها من وجوهه.

(ثم) أن الظاهر أن تجويز القسم الثاني بدعوى كون العام وجها من وجوه أفراده ومصاديقه قد أخذه المصنف من صاحب المعالم رحمه‌الله فانه ذكر في بحث تعقب المخصص متعددا كلاما طويلا في أقسام الوضع لا بأس بذكر جملة منه مما يناسب المقام.

(قال) في ما أفاده في العام والخاصّ ما لفظه أصل إذا تعقب المخصص متعددا سواء كان جملا أو غيرها وصح عوده إلى كل واحد كان الأخير مخصوصا قطعا وهل يختص معه الباقي أو يختص هو به أقوال وقد جرت عادتهم بفرض الخلاف والاحتجاج في تعقب الاستثناء ثم يشيرون في باقي أنواع المخصصات (إلى أن قال) والّذي يقوى في نفسي أن اللفظ محتمل لكل من

١٨

الأمرين لا يتعين أحدهما إلّا بالقرينة (إلى أن قال) ولنقدم على توجيه المختار مقدمة يسهل بتدبرها كشف الحجاب عن وجه المرام وتزداد بتذكرها بصيرة في تحقيق المقام وهي أن الواضع لا يد له من تصور المعنى في الوضع فان تصور معنى جزئيا وعين بإزائه لفظا مخصوصا أو ألفاظ مخصوصة متصورة تفصيلا أو إجمالا كان الوضع خاصا لخصوص التصور المعتبر فيه أعنى تصور المعنى والموضوع له خاصا أيضا وهو ظاهر لا لبس فيه وأن تصور معنى عاما تندرج تحته جزئيات إضافية أو حقيقة فله أن يعين لفظا معلوما أو ألفاظا معلومة بالتفصيل أو الإجمال بإزاء ذلك المعنى العام فيكون الوضع عاما لعموم التصور المعتبر فيه والموضوع له أيضا عاما وله أن يعين اللفظ أو الألفاظ بإزاء خصوصيات الجزئيات المندرجة تحته لأنها معلومة إجمالا إذا توجه العقل بذلك المفهوم العام نحوها والعلم الإجماليّ كاف في الوضع فيكون الوضع عاما لعموم التصور المعتبر فيه والموضوع له خاصا فمن القسم الأول من هذين يعنى الأخيرين المشتقات (إلى أن قال) ومن القسم الثاني المبهمات كأسماء الإشارة (إلى أن قال) ومن هذا القبيل أيضا وضع الحروف فانها موضوعة باعتبار معنى عام وهو نوع من النسبة لكل واحدة من خصوصياته (إلى أن قال) وفي معناها الأفعال (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه ومقصوده من الأفعال هيئاتها كما يظهر بمراجعة باقي كلامه.

(قوله وهذا بخلاف ما في الوضع العام والموضوع له الخاصّ إلخ) فلا يوجب تصور العام تصور الخاصّ بنفسه وهذا في الحقيقة دفع لما قد يقال من أنه لو سلم أنه ربما يوجب تصور الخاصّ تصور العام بنفسه فيوضع له اللفظ فيكون الوضع عاما كما كان الموضوع له عاما كما اعترف به المصنف وصرح به فليكن الوضع العام والموضوع له الخاصّ أيضا من هذا القبيل

١٩

فتصور العام قد أوجب تصور الخاصّ بنفسه فيوضع له اللفظ فيكون الوضع خاصا كما كان الموضوع له خاصا فيكون الوضع على هذا على قسمين لا على أقسام ثلاثة.

(فيقول) في الدفع ما حاصله أنه فرق بين المقامين فان تصور الخاصّ قد يوجب تصور العام بنفسه فيوضع له اللفظ فيكون الوضع عاما كما كان الموضوع له عاما وهذا بخلاف ما في الوضع العام والموضوع له الخاصّ فان تصور العام مما لا يوجب تصور الخاصّ بنفسه كي يوضع له اللفظ ويكون الوضع خاصا كما كان الموضوع له خاصا بل تصوره بوجهه وفرق واضح بين تصور الشيء بنفسه وبين تصوره بوجهه.

(قوله ولعل خفاء ذلك على بعض الأعلام إلخ) الظاهر أن المراد من بعض الأعلام هو صاحب البدائع رحمه‌الله فانه الّذي أصر في البدائع على ثبوت القسم الرابع وان كان يظهر من الفصول وجود القائل به من قبل بان يشاهد الواضع حيوانا خاصا فيوضع اللفظ بإزاء نوعه.

(قوله ثم أنه لا ريب في ثبوت الوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ إلخ) لا يخفى أن المصنف من أول قوله ثم أن الملحوظ حال الوضع إلى هاهنا كان بصدد بيان إمكان الأقسام الثلاثة من الوضع العام والموضوع له العام والوضع العام والموضوع له الخاصّ والوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ وهاهنا صار بصدد بيان ما وقع في الخارج من تلك الأقسام الثلاثة فيقول ما محصله أن الواقع في الخارج قسمان الوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ كما في وضع الأعلام والوضع العام والموضوع له العام كما في وضع أسامي الأجناس واما الوضع العام والموضوع له الخاصّ فلم يقع في الخارج وإن ادعى وقوعه وانه وضع الحروف وما الحق بها من أسماء الإشارة والضمائر والموصولات والهيئات كما أشرنا ولكنه خلاف التحقيق كما ستعرف.

٢٠