عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٢٠

المعنى غير معتبر شرعاً وأن القاعدة الشريفة المذكورة يعني بها قاعدة الاستصحاب المستفادة من الأخبار غير شاملة له.

(ثانيهما) ما ملخصه أيضاً أن استصحاب الحكم الشرعي الكلي في الشبهات الحكمية إنما يعمل به ما لم يظهر مخرج عنه وقد ظهر المخرج وذلك لتواتر الأخبار بأن كلما يحتاج إليه الأمة قد ورد فيه خطاب وحكم حتى أرش الخدش ولتواتر الأخبار أيضاً بحصر المسائل في ثلاث بيّن رشده وبيّن غيّه وشبهات بينهما وبوجوب التوقف في الثالث ومن جملة الشبهات محل النزاع يعني به الشبهات الحكمية فيجب التوقف فيه (انتهى) ملخص الدليلين جميعاً.

(أقول)

(أما الدليل الأول) الّذي هو العمدة حقيقة وواقعاً ولذا قد أشار إليه المصنف ولم يؤشر إلى الثاني (فيرد عليه) أن المعيار في بقاء الموضوع كما سيأتي تفصيله في تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى هو نظر العرف ومن المعلوم أن نظر العرف مما يختلف في قيد موضوع المسألة فقد يكون القيد من مقومات الموضوع ومحققاته في نظرهم بحيث إذا زال القيد زال الموضوع وتبدل وتغير كخصوصية النوم في قولك لا تصح عند هذا النائم أو خصوصيته العلم في قولك أكرم هذا الرّجل العالم وهكذا وقد يكون القيد من حالات الموضوع أي حالاته المتبادلة لا من مقوماته ومحققاته وذلك كالشبوبة والشيبوبة والسمن والهزال ونحو ذلك في قولك أكرم هذا الشباب أو جالس هذا الشيخ وهكذا (وعليه) فليس كلما تخلف قيد موضوع المسألة اختلف موضوع المسألتين ولم يجر الاستصحاب أبداً بل إذا كان القيد من حالات الموضوع أي حالاته المتبادلة صح الاستصحاب بلا شبهة نظراً إلى بقاء الموضوع عرفاً وصدق الشك في بقاء ما كان فإذا شك في بقاء وجوب الصلاة الجمعة مثلا بعد زمن الحضور أو شك في بقاء نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره بنفسه أو في بقاء طهارة المكلف بعد خروج المذي منه جرى الاستصحاب في جميع

٢١

هذا كله لعدم كون الغيبة والحضور بالنسبة إلى الجمعة أو التغير وعدمه بالنسبة إلى الماء أو خروج المذي وعدمه بالنسبة إلى المكلف إلا من الحالات المتبادلة للموضوع لا من القيود المقومة فالموضوع في تمام الأمثلة المذكورة باق على حاله على نحو يصدق معه الشك في بقاء ما كان عرفاً فيستصحب الحكم الشرعي (هذا مضافاً) إلى ما أورده الشيخ أعلى الله مقامه من النقض بالموارد التي ادعى المحدث المذكور الإجماع والضرورة فيها على اعتبار الاستصحاب كالليل والنهار ونحوهما فإن الزمان المشكوك ليلا أو نهاراً مع الزمان السابق المتيقن أشد اختلافاً من المشكوك مع المتيقن السابق في محل النزاع وهو ردّ متين جداً.

(واما الدليل الثاني) فيرد عليه (مضافاً) إلى ما تقدم في البراءة من الجواب عن الاخبار الآمرة بالتوقف عند الشبهة من أنها (بين ما يكون) ظاهراً في استحباب التوقف والاحتياط فلا يصلح للاستدلال به (وبين ما يكون) ظاهراً بنفسه في الشبهات الحكمية من قبل الفحص والمراجعة ولا كلام لنا فيها (وبين ما يكون) مختصاً بقرينة التعليل بالهلكة بما إذا كان الواقع فيه منجزاً على المكلف كما في الشبهات الحكمية من قبل الفحص والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي وبعض الشبهات الموضوعية التي أحرز اهتمام الشارع بها جداً ولا كلام لنا فيها أيضاً (أن الاستصحاب) وارد على ساير الأصول ومنها الاحتياط ورافع لموضوعه وهو الشبهة ولو تعبداً من غير فرق بين كون الاستصحاب أمارة أو أصلا عمليا وسيأتي لك شرح هذا كله بنحو أبسط في تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى فانتظر.

(قوله إلّا بنحو البداء بالمعنى المستحيل في حقه تعالى ... إلخ)

مما لازمه الجهل وهو ظهور ما خفي عليه كما تقدم في آخر العام والخاصّ.

(قوله ولذا كان النسخ بحسب الحقيقة دفعاً لا رفعاً ... إلخ)

قد تقدم تفصيل ذلك في آخر العام والخاصّ مبسوطاً وأن هذا التعبير عن النسخ مما لا يخلو عن مسامحة وإن كان الغرض منه واضحاً معلوماً جداً وهو المنع عن سراية

٢٢

الحكم كما في التخصيص غايته أنه في التخصيص يمنع عن سراية الحكم إلى جميع الأفراد وفي النسخ يمنع عن سراية الحكم إلى جميع الأزمان وأن الأصح في التعبير عن النسخ أن يقال إنه بيان أجل الحكم وانتهاء أمده كما قاله صاحب الفصول رحمه‌الله ،

(قوله ضرورة صحة إمكان دعوى بناء العقلاء على البقاء تعبداً أو لكونه مظنوناً ولو نوعا أو دعوى دلالة النص أو قيام الإجماع عليه قطعا إلى آخره)

(قد أشار) بقوله هذا إلى الوجوه الأربعة الآتية التي استدل بها للاستصحاب كما أشار إليها من قبل بقوله المتقدم في صدر المسألة إما من جهة بناء العقلاء على ذلك في أحكامهم العرفية مطلقاً أو في الجملة تعبداً أو للظن به الناشئ عن ملاحظة ثبوته سابقاً واما من جهة دلالة النص أو دعوى الإجماع عليه كذلك ... إلخ (ومقصوده من ذلك) أن تمام الوجوه الأربعة الآتية التي استدل بها للاستصحاب هو مما يجري عند طرو انتفاء بعض ما احتمل دخله في الأحكام الشرعية الثابتة لموضوعاتها مما عدّ من حالات الموضوعات لا من مقوماتها فلا وجه حينئذ لتفصيل الأخباريين ومنعهم عن الاستصحاب عند الشك في بقاء الأحكام الشرعية الكلية أبداً.

في تفصيل الشيخ في الحكم الشرعي الكلي

بين ما كان مدركه العقل أو النقل

(قوله بلا تفاوت في ذلك بين كون دليل الحكم نقلا أو عقلا ... إلخ) قد أشرنا مرتين أن للشيخ أعلى الله مقامه تفصيل في الأحكام الشرعية الكلية بين

٢٣

ما كان مدركها العقل فلا يعتبر الاستصحاب فيه وبين ما كان مدركها النقل فيعتبر الاستصحاب فيه فهذا شروع من المصنف في تضعيف هذا التفصيل كما ينبغي

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في ذيل تقسيم الاستصحاب باعتبار الدليل الدال على المستصحب (ما لفظه) الثاني من حيث انه قد يثبت أي المستصحب بالدليل الشرعي وقد يثبت بالدليل العقلي ولم أجد من فصَّل بينهما إلا أن في تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي وهو الحكم العقلي المتوصل به إلى حكم شرعي تأملا نظراً إلى أن الأحكام العقلية كلها مبيّنة مفصلة من حيث مناط الحكم والشك في بقاء المستصحب وعدمه لا بد وأن يرجع إلى الشك في موضوع الحكم لأن الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن والقبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف الّذي هو الموضوع فالشك في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع لا يكون إلّا للشك في موضوعه والموضوع لا بد ان يكون محرزاً معلوم البقاء في الاستصحاب كما سيجيء (انتهى) موضع الحاجة من كلامه هاهنا (وقال أيضاً) في التنبيه الثالث من تنبيهات الاستصحاب (ما لفظه) الأمر الثالث أن المتيقن السابق إذا كان مما يستقل به العقل كحرمة الظلم وقبح التكليف بما لا يطاق ونحوهما من المحسنات والمقبحات العقلية فلا يجوز استصحابه لأن الاستصحاب إبقاء ما كان والحكم العقلي موضوعه معلوم تفصيلا للعقل الحاكم به فان أدرك العقل بقاء الموضوع في الآن الثاني حكم به حكما قطعياً كما حكم أولا وإن أدرك ارتفاعه قطع بارتفاع ذلك الحكم ولو ثبت مثله بدليل لكان حكماً جديداً حادثاً في موضوع جديد واما الشك في بقاء الموضوع فان كان الاشتباه خارجي كالشك في بقاء الإضرار في السم الّذي حكم العقل بقبح شربه فذلك خارج عما نحن فيه وسيأتي الكلام فيه وان كان لعدم تعيين الموضوع تفصيلا واحتمال مدخلية موجود مرتفع أو معدوم حادث في موضوعية الموضوع فهذا غير متصور في المستقلات العقلية لأن العقل لا يستقل بالحكم الا بعد إحراز الموضوع ومعرفته تفصيلا (إلى ان قال)

٢٤

واما موضوعه كالضرر المشكوك بقائه في المثال المتقدم فالذي ينبغي أن يقال فيه أن الاستصحاب إن اعتبر من باب الظن من عمل به هنا لأنه يظن الضرر بالاستصحاب فيحمل عليه الحكم العقلي وإن اعتبر من باب التعبد لأجل الأخبار فلا يثبت إلا الآثار الشرعية المجعولة القابلة للجعل الظاهري وتعبد الشارع بالحكم العقلي يخرجه عن كونه حكماً عقليا مثلا إذا ثبت بقاء الضرر في السم في المثال المتقدم بالاستصحاب فمعنى ذلك ترتيب الآثار الشرعية المجعولة للضرر على مورد الشك وأما حكم العقل بالقبح والحرمة فلا يثبت إلا مع إحراز الضرر نعم تثبت الحرمة الشرعية بمعنى نهي الشارع ظاهراً (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (وملخص المجموع) لدى التدبر التام فيه يرجع إلى دعاوي ثلاث.

(الأولى) عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية المستندة إلى الأحكام العقلية وقد صرح به في كلا الموضعين في جملة من كلامه الّذي لم نذكره حذرا من التطويل.

(الثانية) عدم جريان الاستصحاب في نفس الأحكام العقلية.

(الثالثة) انه إذا استصحبنا موضوعاً من موضوعات حكم العقل كالضرر مثلا فان كان اعتبار الاستصحاب من باب الظن رتب عليه حكمه العقلي وان كان اعتباره من باب الاخبار رتب عليه الأثر الشرعي دون العقلي وهذه الدعوى مما لم يتعرضها المصنف لخروجها عما نحن فيه كما أشار إليه الشيخ أيضاً (وقد أفاد) في وجه عدم جريان الاستصحاب في نفس الأحكام العقلية على وجه يتضح منه عدم جريانه في الأحكام الشرعية المستندة إليها أيضاً (ما ملخصه) ان الحكم العقلي موضوعه معلوم تفصيلا لدى العقل الحاكم به ولا يعقل تطرق الإهمال إلى موضوعه وعليه فإذا تخلف قيد من قيود الموضوع وحالة من حالاته فان كان دخيلا في الموضوع بنظر العقل فالحكم العقلي غير باق قطعاً وهكذا الشرعي المستند إليه وان لم يكن دخيلا فيه فالحكم العقلي باق قطعاً وهكذا الشرعي المستند إليه فإذا حكم

٢٥

العقل مثلا بحرمة السم المضر وانتفى الإضرار من اسم فإن كان الإضرار دخيلا بنظره في الموضوع فلا حرمة يقيناً وإن لم يكن دخيلا فالحرمة باقية يقيناً (وعليه) فلا استصحاب على كلا التقديرين بلا شبهة.

(وقد أفاد المصنف) في جوابه ما ملخصه لدى التدبر التام في مجموع كلماته قدس‌سره أن تطرق الإهمال إلى موضوع حكم العقل مما يعقل في الجملة بمعنى انه يمكن أن يستقل العقل بحكم خاص على موضوع مخصوص مع وجود حالة مخصوصة فيه لكن من غير أن يدرك دخلها في المناط على نحو إذا انتفت الحالة أدرك فقد المناط فيه بل يدرك فقط تحقق المناط مع وجود الحالة فيستقل بالحكم ولا يدرك تحقق المناط مع انتفاء الحالة فلا يستقل بالحكم ولا بانتفائه (وقد أشار) إلى ذلك بقوله أخيراً فرب خصوصية لها دخل في استقلاله مع احتمال عدم دخله فبدونها لا استقلال له بشيء قطعاً مع احتمال بقاء ملاكه واقعاً (وأشار إليه) قبل ذلك مختصراً بقوله وإن لم يدركه الا في إحداهما ... إلخ (وعليه) فلا مانع حينئذ عن استصحاب الحكم الشرعي المستكشف بحكم العقل بعد انتفاء الحالة المخصوصة وذلك لليقين السابق كما هو المفروض والشك اللاحق نظراً إلى احتمال عدم دخل الحالة في المناط أصلا ولبقاء الموضوع عرفاً إذا فرض عدم كون الحالة من مقومات الموضوع بل من حالاته المتبادلة.

(أقول)

هذا مخلص ما أفاده المصنف في تصحيح جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية المستندة إلى الأحكام العقلية ونعم ما أفاد إنصافاً (وأما استصحاب نفس الأحكام العقلية) فلم يظهر منه شيء في حقه لا نفياً ولا إثباتاً (والحق) انه مما لا يجري (لكن لا) لما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه من عدم جواز تطرق الإهمال إلى موضوع حكم العقل بعد ما عرفت من جواز تطرقه إليه في الجملة بالمعنى المذكور (بل لأن) الاستصحاب سواء كان اعتباره من باب الظن أو من باب الاخبار هو حكم شرعي

٢٦

لا محالة أما على الثاني فواضح وأما على الأول فبلحاظ إمضائه بناء العقلاء على البقاء فإذا كان الاستصحاب حكماً شرعياً فحكم الشارع بإبقاء الحكم العقلي السابق عند الشك في بقاءه مما يخرجه عن الحكم العقلي إلى الشرعي ولو بقاء لا حدوثاً وهذا واضح ظاهر (وأما استصحاب موضوع حكم العقل) فالظاهر انه مما لا مانع عنه فيستصحب الضرر في السم في المثال المتقدم إذا شك في بقاءه ويرتب عليه حكم العقل والشرع جميعاً اما الثاني فواضح واما الأول فلأن العقل قد استقل كما هو المفروض بحرمة السم المضر بنحو الكبرى الكلية فإذا حكم الشرع بالصغرى وأن هذا السم باق على ضرره كما في السابق حكم عليه العقل بالحرمة كحكمه بحرمته في السابق (ومن هنا) يتضح أن تفصيل الشيخ أعلى الله مقامه في استصحاب موضوع حكم العقل بين كون الاستصحاب من باب الظن أو الاخبار مما لا وجه له فتأمل جيداً فإن المقام لا يخلو عن دقة.

(قوله إن قلت كيف هذا مع الملازمة بين الحكمين ... إلخ) أي كيف يستصحب الحكم الشرعي المستكشف بحكم العقل عند طرو انتفاء ما احتمل دخله فيه مع وجود الملازمة بين الحكمين حكم العقل وحكم الشرع جميعاً.

(وحاصل ما أجاب به المصنف) أن الملازمة إنما تكون في طرف الوجود لا في طرف العدم بمعنى أنه إذا استقل العقل بحكم حكم الشرع أيضاً على طبقه وليس كلما لم يستقل العقل بحكم لطرو انتفاء ما احتمل دخله فيه لم يحكم الشرع به أيضاً

(نعم إذا استقل) العقل بالعدم لم يحكم الشرع حينئذ لكن مجرد عدم استقلال العقل بالحكم لطرو انتفاء ما احتمل دخله فيه مما لا يوجب عدم حكم الشرع به أيضا

(وقد عبّر المصنف) عن طرفي الوجود والعدم بمقامي الإثبات والثبوت (فقال) لأن الملازمة إنما تكون في مقام الإثبات والاستكشاف لا في مقام الثبوت إلى آخره ولم يحسن في تعبيره عنهما بذلك فإن مقامي الإثبات والثبوت عبارة عن مقامي الدلالة والواقع وليست الملازمة في مقام الدلالة دون الواقع والصحيح في التعبير هو ما ذكرناه فلا تغفل عنه ولا تذهل.

٢٧

(قوله كان على حاله في كلتا الحالتين ... إلخ)

كلمة كان زائدة والصحيح إسقاطها فيقال وذلك لاحتمال ان يكون ما هو ملاك حكم الشرع من المصلحة أو المفسدة التي هي ملاك حكم العقل على حاله في كلتا الحالتين

(قوله وإن لم يدركه الا في أحدهما ... إلخ)

أي وإن لم يدركه العقل الا في إحدى الحالتين.

(قوله لاحتمال عدم دخل تلك الحالة فيه ... إلخ)

علة لاحتمال أن يكون ما هو ملاك حكم الشرع على حاله في كلتا الحالتين.

(قوله أو احتمال أن يكون معه ملاك آخر ... إلخ)

عطف على احتمال عدم دخل تلك الحالة فيه فهي علة أخرى لاحتمال أن يكون ما هو ملاك حكم الشرع على حاله في كلتا الحالتين أي ولاحتمال أن يكون مع ملاك حكم العقل ملاك آخر بلا دخل للحالة فيه أصلا وان كان لها دخل فيما اطلع عليه العقل من الملاك.

(قوله وبالجملة حكم الشرع إنما يتبع ما هو ملاك حكم العقل واقعاً لا ما هو مناط حكمه فعلا ... إلخ)

وتوضيحه ان للعقل حكمان حكم واقعي شأني وإن شئت قلت حكم واقعي تعليقي أي لو أدرك المصلحة أو المفسدة لحكم بالوجوب أو الحرمة وحكم واقعي فعلي وهو الّذي لا يكون إلّا بعد درك المصلحة أو المفسدة والفرق بينهما أن ملاك حكمه الأول هو نفس المصلحة أو المفسدة بما هي هي من دون دخل للإدراك فيه أصلا وملاك حكمه الثاني هي المصلحة أو المفسدة المدركة المحرزة للعقل لا بما هي هي فما لم يدرك المصلحة أو المفسدة لم يحكم العقل على طبقها بالوجوب أو الحرمة حكماً فعلياً.

(فيقول المصنف) ان حكم الشرع انما يتبع ما هو ملاك حكم العقل واقعاً أي شأناً وهو نفس المصلحة أو المفسدة بما هي هي لا ما هو ملاك حكم العقل فعلا

٢٨

أي المصلحة أو المفسدة المدركة للعقل على وجه إذا لم يدرك العقل المصلحة أو المفسدة ولم يحكم فعلا لم يحكم الشرع أيضاً فافهم جيداً.

(قوله وموضوع حكمه كذلك ... إلخ)

عطف على مناط حكمه فعلا أي لا يتبع حكم الشرع مناط حكم العقل فعلا ولا موضوع حكمه كذلك فإذا فرض انه قد حكم العقل بحرمة السم فعلا مع وجود حالة مخصوصة فيه كالإضرار من غير ان يدرك دخل الحالة في المناط أصلا بحيث إذا انتفت الحالة أدرك فقد المناط فيه بل أدرك فقط تحقق المناط مع وجود الحالة ولا يدرك تحقق المناط مع انتفاء الحالة فالموضوع حينئذ لحكمه الفعلي هو السم المضر ولكن لا يتبع حكم الشرع هذا الموضوع على وجه إذا انتفى الإضرار لم يحكم الشرع أيضاً بحرمته وذلك لجواز بقاء المناط على حاله وعدم دخل الحالة فيها أصلا وإن لم يدرك العقل عدم دخلها ولم يشعر بقاء المناط على حاله بعد انتفائها.

(قوله مما لا يكاد يتطرق إليه الإهمال والإجمال مع تطرقه إلى ما هو موضوع حكمه شأنا ... إلخ)

بيان لموضوع حكم العقل فعلا فهو الّذي لا يتطرق إليه الإهمال مع تطرقه إلى موضوع حكمه شأناً.

(اما جواز تطرق الإهمال) إلى موضوع حكمه شأناً فلما عرفت من أن الحكم الشأني ليس إلا حكماً تقديرياً أي لو أدرك المصلحة أو المفسدة لحكم بالوجوب أو الحرمة لكن فعلا لم يدرك المصلحة أو المفسدة ولم يحكم على طبقها فإذا لم يدرك المصلحة أو المفسدة ولم يحكم على طبقها فلم يدرك موضوع الحكم قهراً وهو معنى تطرق الإهمال إليه.

(وأما عدم جواز تطرق الإهمال) إلى موضوع حكمه فعلا فلعدم جواز استقلال العقل بحكم فعلا وهو لا يعلم موضوعه ومقره فلا يعقل ان يستقل بحرمة السم فعلا وهو لا يعلم ان موضوع حكمه الفعلي هل هو السم المطلق أو السم المضر

٢٩

بل لا بد له من تعيينه أولا ثم الحكم عليه فعلا بالحرمة.

(نعم يجوز تطرق الإهمال) إلى موضوع حكمه الفعلي بمعنى آخر قد تقدم ذكره آنفاً وبه قد أجاب المصنف عما ادعاه الشيخ أعلى الله مقامه من عدم جواز استصحاب الأحكام الشرعية المستندة إلى الأحكام العقلية وهو أن يحكم العقل فعلا بحرمة السم مثلا مع وجود الإضرار فيه لكن من غير إدراك لدخل الإضرار في المناط وعدمه بل يدرك فقط تحقق المناط مع وجود الإضرار ولا يدرك تحقق المناط مع انتفاء الإضرار وإن احتمل بقاء المناط على حاله مع انتفاءه وانعدامه.

(قوله فرب خصوصية لها دخل في استقلاله مع احتمال عدم دخله فبدونها لا استقلال له بشيء قطعا مع احتمال بقاء ملاكه واقعا ... إلخ)

بهذه العبارة قد أشار المصنف إلى جواز تطرق الإهمال إلى موضوع حكم العقل بالمعنى المذكور آنفاً وبه حصل الجواب عما ادعاه الشيخ أعلى الله مقامه من عدم جواز استصحاب الأحكام الشرعية المستندة إلى الأحكام العقلية كما تقدم.

(قوله لدورانه معه وجوداً وعدماً ... إلخ)

علة لاحتمال بقاء حكم الشرع جداً أي لدوران حكمه مع الملاك وجوداً وعدماً

(قوله ثم إنه لا يخفى اختلاف آراء الأصحاب في حجية الاستصحاب إلى آخره)

قد عرفت اختلاف آرائهم في صدر المسألة إلى أحد عشر قولا مضافاً إلى ما للشيخ أعلى الله مقامه من التفصيل المذكور آنفاً.

(قوله لا يهمنا نقلها ونقل ما ذكر من الاستدلال عليها ... إلخ)

إلا نقل جملة منها (كتفصيل) الأخباريين بين الأحكام الشرعية الكلية وبين غيرها وقد تقدم شرحه (وتفصيل الشيخ) أعلى الله مقامه في الأحكام الشرعية الكلية بين ما كان مدركها العقل أو النقل وقد تقدم أيضاً شرحه.

(وتفصيل الفاضل التوني) بين استصحاب الأحكام التكليفية والوضعيّة

٣٠

جميعاً وبين استصحاب السبب أو الشرط أو المانع وسيأتي لك شرح ذلك مبسوطاً فانتظر.

(وتفصيل) كل من المحقق صاحب المعارج والمحقق السبزواري والمحقق الخوانساري بين الشك في المقتضي والشك في الرافع وسيأتي لك شرح الجميع إن شاء الله تعالى مع ما لك مع الآخر من الفرق الواضح الجلي فانتظر قليلا بل سيأتي منا التعرض لحجج المنكرين للاستصحاب أيضا قبل التعرض لتفصيل الفاضل التوني لما فيها من الاهتمام بالنسبة إلى حجج ساير الأقوال جداً.

(قوله وإنما المهم الاستدلال على ما هو المختار منها وهو الحجية مطلقاً ... إلخ)

ولعله المشهور في المسألة وإن اختار الشيخ أعلى الله مقامه خلاف ذلك كما تقدم قبلا وهو القول التاسع في المسألة أعني الّذي اختاره المحقق صاحب المعارج من التفصيل بين الشك في المقتضي فلا يكون الاستصحاب حجة فيه وبين الشك في الرافع فيكون الاستصحاب حجة فيه فللشيخ أعلى الله مقامه تفصيلان في المسألة تفصيل في الأحكام الشرعية بين ما كان مدركها العقل أو النقل وتفصيل بين الشك في المقتضي وبين الشك في الرافع (ولكن الحق) في المسألة كما ستعرفه قريباً هو مع المصنف فالصواب فيها هو الحجية مطلقاً من غير تفصيل فيها أبداً.

في الوجوه التي استدل بها للاستصحاب

غير الاخبار

(قوله الوجه الأول استقرار بناء العقلاء ... إلخ)

قد ذكره الشيخ أعلى الله مقامه لمختاره وهو حجية الاستصحاب في الشك في الرافع

٣١

وجوهاً ثلاثة (الإجماعات المنقولة) (والاستقراء) (والأخبار المستفيضة) ثم ذكر للقول بحجية الاستصحاب مطلقا وجوها أربعة فصار المجموع سبعة فانتخب المصنف من بين الوجوه السبعة وجوهاً أربعة فخصها بالذكر ولم يذكر غيرها أبداً

(فهذا الوجه الأول) هو الوجه الرابع من وجوه القول بحجية الاستصحاب مطلقاً (قال) أعلى الله مقامه ومنها أي ومن الوجوه التي احتج بها للقول الأول بناء العقلاء على ذلك في جميع أمورهم كما ادعاه العلامة في النهاية وأكثر من تأخر عنه وزاد بعضهم أنه لو لا ذلك لاختل نظام العالم وأساس عيش بني آدم وزاد آخر أن العمل على الحالة السابقة أمر مركوز في النفوس حتى الحيوانات ألا ترى أن الحيوانات تطلب عند الحاجة المواضع التي عهدت فيها الماء والكلاء والطيور يعود من الأماكن البعيدة إلى أو كارها ولو لا البناء على إبقاء ما كان على ما كان لم يكن وجه لذلك (انتهى).

(قوله وفيه أولا منع استقرار بنائهم على ذلك تعبداً بل إما رجاء واحتياطاً أو اطمئناناً بالبقاء أو ظناً ولو نوعاً أو غفلة كما هو الحال في ساير الحيوانات دائماً وفي الإنسان أحياناً ... إلخ)

(وحاصل الرد) هو المنع عن استقرار بناء العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة تعبداً بل بملاكات متعددة (فقد يكون) رجاء واحتياطاً (وقد يكون) اطمئناناً بالبقاء (وقد يكون) ظناً ولو نوعاً (وقد يكون غفلة) كما هو الحال في الحيوانات دائماً وفي الإنسان أحياناً (وفيه ما لا يخفى) فإن بناء العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة وإن لم يكن هو تعبداً إذ لا تعبد في أمر العقلاء بما هم عقلاء فلا معنى الاستقرار بنائهم على العمل على طبق الحالة السابقة بما هي هي بلا ملاك له ولا موجب (ولكن) لا مانع من أن يكون بملاك الوثوق والاطمئنان الشخصي بمعنى انهم ما لم يحصل لهم الوثوق والاطمئنان بالبقاء من وجود الشيء في السابق ومن تحققه فيه لم يستصحبوا ذلك الشيء ولم يعملوا على طبق الحالة السابقة إلا رجاء

٣٢

واحتياطاً في بعض الأحيان لا استصحاباً وبانياً على البقاء (ومن المعلوم) أن مجرد كون العمل على طبق الحالة السابقة بملاك الوثوق والاطمئنان بالبقاء مما لا يخرجه عن الاستصحاب وإن خرج عنه إذا كان بملاك الرجاء والاحتياط (ودعوى) انه قد يكون بملاك الظن النوعيّ ممنوعة جدا إذ مرجعه إلى العمل بالحالة السابقة في مورد عدم حصول الظن الشخصي تعبداً وقد عرفت حال التعبد (وأشد منها منعاً) دعوى أنه قد يكون بملاك الغفلة فإنها في الحيوانات ممنوعة قطعاً فضلا عن الإنسان ولو أحياناً بل يكون ذلك ارتكازياً فطرياً وإن لم تمتع الغفلة عقلا.

(وبالجملة) ان مجرد وجود الشيء في السابق وتحققه فيه وان كان موجباً للظن بالبقاء ولو نوعاً وبه يكون الاستصحاب أمارة ظنية كما هو الشأن في ساير الأمارات المفيدة للظن ولو نوعاً ولكن عمل العقلاء على طبق الحالة السابقة واستصحابهم إياها مقصور بما إذا حصل منها الوثوق والاطمئنان شخصاً كما هو الحال في خبر الثقة على ما تقدم لك شرحه مبسوطاً فما لم يحصل لهم الوثوق والاطمئنان من خبر الثقة لم يعملوا على طبقه ولم يتحركوا على وفقه إلا رجاء واحتياطاً في بعض الأحيان لا عملا بخبر الثقة واعتماداً عليه وان كانت الأخبار الواردة من الشرع مما توسع الدائرة في كلا المقامين فتجعل خبر الثقة والاستصحاب حجتين مطلقا ولو لم يفيدا الوثوق والاطمئنان شخصاً وقد تقدم شرح هذا كله في صدر المسألة عند بيان كون الاستصحاب أمارة لا أصلا فتذكر.

(قوله وثانيا سلمنا ذلك لكنه لم يعلم أن الشارع به راض وهو عنده ماض ويكفى في الردع عن مثله ما دل من الكتاب والسنة على النهي عن اتباع غير العلم ... إلخ)

(ومن العجيب جداً) أنه في خبر الواحد قد ادعى أن الآيات الناهية والروايات المانعة عن اتباع غير العلم مما لا تكفي في الردع عن السيرة العقلائية المستقرة على العمل بخبر الثقة بزعم أن رادعيتهما دورية وفي المقام قد غفل عن الدور رأساً ولعله

٣٣

قدس‌سره تغافل عنه ولم يغفل (وعلى كل حال) قد عرفت هناك أن الحق في المسألة أن الآيات والروايات مما تصلح للردع عنها بلا دور ولا محذور فيه أصلا ولكنا قد أجبنا عن رادعيتهما بجواب آخر قد تقدم لك شرحه مفصلا فلا نعيد فما به الجواب عن رادعيتهما هناك يجري في مقامنا هذا أيضاً حرفاً بحرف.

(قوله وما دل على البراءة أو الاحتياط في الشبهات ... إلخ) إذا تمَّ جوابنا عن رادعية الآيات والروايات الدالة بالمطابقة على المنع عن اتباع غير العلم ومنه الاستصحاب تمّ عن رادعية أدلة البراءة أو الاحتياط في الشبهات الدالة بالالتزام على المنع عما سواهما بطريق أولى.

(قوله الوجه الثاني أن الثبوت في السابق موجب للظن به في اللاحق إلى آخره) قد أشرنا فيما تقدم أن الشيخ أعلى الله مقامه قد ذكر لمختاره وهو حجية الاستصحاب في الشك في الرافع وجوهاً ثلاثة وأنه قد ذكر للقول بحجية الاستصحاب مطلقاً وجوهاً أربعة وأن المصنف قد انتخب من بين هذه الوجوه السبعة وجوهاً أربعة فخصها بالذكر ولم يذكر غيرها فهذا الوجه الثاني الّذي ذكره المصنف هاهنا هو مذكور في ذيل الوجه الثاني من وجوه القول بحجية الاستصحاب مطلقاً.

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما ذكر الوجه الثاني وردّ عليه (ما لفظه) مع أن مرجع هذا الوجه إلى ما ذكره العضدي وغيره من أن ما تحقق وجوده ولم يظن أو لم يعلم عدمه فهو مظنون البقاء (انتهى).

(قوله وفيه منع اقتضاء مجرد الثبوت للظن بالبقاء فعلا ولا نوعاً فانه لا وجه له أصلا الا كون الغالب فيما ثبت أن يدوم مع إمكان أن لا يدوم وهو غير معلوم ... إلخ)

(وفيه ما لا يخفى) فإن منع اقتضاء مجرد الثبوت في السابق للظن بالبقاء فعلا ولا نوعاً هو خلاف الإنصاف جداً (ودعوى) انه لا وجه لذلك الا كون الغالب فيما

٣٤

ثبت أن يدوم مع إمكان أن لا يدوم وهو غير معلوم (مما لا وجه له) فان معنى كون الغالب فيما ثبت أن يدوم هو أن يستمر إلى آخر وقت أمكن بقاءه إلى ذلك الوقت إلّا إذا اتفق زواله أحياناً قبل انتهاء أجله الطبيعي بسبب خاص وداع مخصوص وهو أمر صحيح معلوم لا غير معلوم.

(نعم صح) أن يقال إن مجرد الثبوت في السابق مما لا يوجب الظن بالبقاء شخصاً كما هو ظاهر المستدل بل مما يوجب الظن بالبقاء نوعاً كما أفدناه قبلا فتذكر

(قوله ولو سلم فلا دليل على اعتباره بالخصوص مع نهوض الحجة على عدم اعتباره بالعموم ... إلخ)

بل قد عرفت الدليل بالخصوص على اعتبار الظن الحاصل من مجرد الثبوت في السابق وهو بناء العقلاء كافة على العمل على طبق الحالة السابقة فيما إذا أفاد الوثوق والاطمئنان ولو بضميمة ما أجبنا به عن رادعية الآيات والروايات المتقدم لك شرحه في خبر الواحد مفصلا.

(نعم) على هذا التقدير لا يكون هذا الوجه الثاني وجهاً مستقلا على حدّه لاعتبار الاستصحاب غير ما تقدم فإن مجرد الظن الحاصل من الثبوت في السابق مما لا يصلح الاعتماد عليه ما لم يعتمد في اعتباره على بناء العقلاء الممضى لدى الشرع ومع الاعتماد على بنائهم لا يكون هذا الوجه الثاني دليلا مستقلا برأسه غير الوجه الأول.

(قوله الوجه الثالث دعوى الإجماع عليه كما عن المبادي ... إلخ)

هذا هو الوجه الأول من الوجوه الثلاثة التي ذكرها الشيخ أعلى الله مقامه لمختاره وهو حجية الاستصحاب عند الشك في الرافع (قال) بعد ما اختار القول التاسع في المسألة وهو الّذي اختاره المحقق صاحب المعارج (ما لفظه) لنا على ذلك وجوه الأول ظهور كلمات جماعة في الاتفاق عليه.

(فمنها) ما عن المبادي حيث قال الاستصحاب حجة لإجماع الفقهاء على

٣٥

انه متى حصل حكم ثم وقع الشك في أنه طرأ ما يزيله أم لا وجب الحكم ببقائه على ما كان أولا ولو لا القول بأن الاستصحاب حجة لكان ترجيحاً لأحد طرفي الممكن من غير مرجح انتهى.

(ثم ساق الكلام) إلى ان قال ونظير هذا (ما عن النهاية) من أن الفقهاء بأسرهم على كثرة اختلافهم اتفقوا على أنا متى تيقنا حصول شيء وشككنا في حدوث المزيل له أخذنا بالمتيقن وهو عين الاستصحاب لأنهم رجحوا بقاء الثابت على حدوث الحادث.

(ثم قال ومنها) تصريح صاحب المعالم والفاضل الجواد بأن ما ذكره المحقق أخيراً في المعارج راجع إلى قول السيد المرتضى المنكر للاستصحاب فان هذا شهادة منهما على خروج ما ذكره المحقق يعني الاستصحاب عند الشك في الرافع عن مورد النزاع وكونه موضع وفاق (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله وقد نقل عن غيره أيضاً ... إلخ)

وهو النهاية بل المعالم والفاضل الجواد على ما عرفت آنفاً.

(قوله وفيه أن تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة مما له مباني مختلفة في غاية الإشكال ولو مع الاتفاق ... إلخ)

(وحاصل الرد) أن تحصيل الإجماع على نحو يستكشف منه رأي الإمام عليه‌السلام في مثل هذه المسألة مما له مباني مختلفة ومدارك متعددة في غاية الإشكال ولو مع الاتفاق فيها فضلا عما إذا كانت هي محل الخلاف فإن احتمال المدرك في المسألة أي احتمال الاعتماد فيها على وجه مخصوص مما يضر باستكشاف رأي الإمام عليه‌السلام بمعنى أن معه لا يكاد يقطع برأيه لجواز استنادهم فيها إلى ذلك الوجه واعتمادهم عليه لا إلى رأيه الواصل إليهم خلفاً عن سلف وجيلا بعد جيل فكيف بما إذا كانت المسألة مما له مدارك متعددة ومباني مختلفة وهذا واضح ظاهر.

٣٦

(قوله ونقله موهون جداً لذلك ولو قيل بحجيته لو لا ذلك ... إلخ)

فإن تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة مما له مباني مختلفة ومدارك متعددة إذا كان في غاية الإشكال ولو مع فرض الاتفاق فيها نظراً إلى احتمال الاستناد فيها إلى تلك المباني والمدارك لا إلى رأي الإمام عليه‌السلام فنقل الإجماع فيها يكون موهوناً قهراً بسبب الاحتمال المذكور ولو قيل بحجية الإجماع المنقول في حد ذاته لو لا هذا الوهن.

في الاستدلال على حجية الاستصحاب

بالأخبار وبيان الصحيحة الأولى لزرارة

(قوله الوجه الرابع وهو العمدة في الباب الاخبار المستفيضة ... إلخ)

هذا هو الوجه الثالث من الوجوه التي استند إليها الشيخ أعلى الله مقامه لمختاره وهو حجية الاستصحاب عند الشك في الرافع (والظاهر) انه لم يستند صريحاً إلى الأخبار أحد من قدماء الأصحاب أصلا.

(قال الشيخ) في الأمر الأول من الأمور التي ذكرها بعد الفراغ عن تعريف الاستصحاب (ما لفظه) ولذا لم يتمسك أحد هؤلاء فيه يعني بهم الشيخ والسيدين والفاضلين والشهيدين وصاحب المعالم بخبر من الاخبار (إلى ان قال) وأوّل من تمسك بهذه الأخبار فيما وجدته والد الشيخ البهائي فيما حكى عنه في العقد الطهماسبي وتبعه صاحب الذخيرة وشارح الدروس وشاع بين من تأخر عنهم نعم ربما يظهر من الحلي في السرائر الاعتماد على هذه الاخبار حيث عبّر عن استصحاب نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيّره من قبل نفسه بنقض اليقين باليقين وهذه العبارة ظاهرة في أنها مأخوذة من الأخبار (انتهى).

٣٧

(قوله منها صحيحة زرارة قال قلت له الرّجل ينام وهو على وضوء إلى آخره)

هذه هي الصحيحة الأولى لزرارة (وقد رواها في الوسائل) في أول باب من أبواب نواقض الوضوء قال قلت له الرّجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء فقال يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن فإذا نامت العين والإذن والقلب وجب الوضوء قلت فإن حرك إلى جنبه شيء ولم يعلم به قال لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بيّن وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبداً بالشك وإنما ينقضه بيقين آخر (انتهى).

(ثم لا يخفى) أن ما ذكرناه من الوسائل وما ذكره المصنف في الكتاب بينهما فرق يسير في بعض الألفاظ وهو وإن لم يكن مما يضر بالمقصود ولكن مع ذلك حيث كان الأولى نقل متن الحديث على الضبط والدقة بلا اختلاف فيه أصلا فلم نكتف بما ذكره المصنف في الكتاب.

(قوله أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء ... إلخ)

الخفقة حركة الرّأس بسبب النعاس يقال خفق برأسه خفقة أو خفقتين إذا أخذته حركة من النعاس برأسه فمال برأسه دون ساير جسده.

(قوله وتقريب الاستدلال بها انه لا ريب في ظهور قوله عليه‌السلام وإلا فإنه على يقين ... إلخ عرفاً في النهي عن نقض اليقين بشيء بالشك فيه وأنه عليه‌السلام بصدد بيان ما هو علة الجزاء المستفاد من قوله عليه‌السلام لا ... إلخ)

مقصوده أن قوله عليه‌السلام وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبداً بالشك ظاهر عرفاً في النهي عن نقض اليقين بشيء بالشك فيه ... إلخ ولكن الإنصاف أن تقريب الاستدلال مما لا يحتاج إلى ذكر هذا كله كما لم يذكره الشيخ أصلا (والحق) في تقريب الاستدلال أن يقال إن جزاء الشرط أي جزاء قوله عليه‌السلام وإلّا ... إلخ محذوف أي وإن لم يستيقن أنه قد نام فلا يجب الوضوء

٣٨

ويستفاد هذا الجزاء من قوله عليه‌السلام قبل ذلك في جواب السائل قلت فإن حرك إلى جنبه شيء ولم يعلم به قال لا أي لا يجب الوضوء ثم قامت العلة وهي قوله عليه‌السلام فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبداً بالشك مقام الجزاء المحذوف (وقد ذكر الشيخ) أعلى الله مقامه لذلك أمثلة عديدة من الكتاب العزيز

(مثل قوله تعالى) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى.

(وقوله تعالى) وإن تكفروا فإن الله غني عنكم.

(وقوله تعالى) ومن كفر فإن ربي غني كريم إلى غير ذلك من الأمثلة واما العلة في المقام فهي عبارة عن اندراج اليقين والشك في مورد السؤال تحت القضية الكلية المرتكزة في أذهان العقلاء الغير المختصة بباب دون باب وهي عدم نقض اليقين أبداً بالشك وعدم رفع اليد عن العمل على طبق الحالة السابقة ما لم يعلم بالخلاف أصلا فقوله عليه‌السلام فإنه على يقين من وضوئه بمنزلة الصغرى وقوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين أبداً بالشك بمنزلة الكبرى فيكون ذلك إمضاءً لما استقر عليه بناء العقلاء وإنفاذاً لما استمر عليه وسيرتهم وتصحيحاً لما جرى عليه ديدنهم وهو المطلوب والمقصود غايته ان العقلاء كما أشرنا قبلا لا يكاد يعملون على طبق الحالة السابقة إلا إذا أفادت هي الوثوق والاطمئنان بالبقاء والصحيحة مما له إطلاق ينهى عن نقض اليقين بالشك مطلقاً ولو لم يكن هناك وثوق واطمئنان بالبقاء ما لم يكن هناك يقين آخر ينقضه (ومن هنا يظهر) ان اعتراف المصنف هنا بالقضية الكلية الارتكازية الغير المختصة بباب دون باب واندراج اليقين والشك في مورد السؤال في تلك القضية الكلية المرتكزة مناف لما تقدم منه آنفاً من منع استقرار بناء العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة بما هي هي على وجه الاستصحاب وان بنوا عليه بملاكات متعددة لا على وجه الاستصحاب اما رجاء واحتياطاً أو اطمئناناً بالبقاء أو لغير ذلك وهذا واضح جلي لا يخفى على الفطن الزكي فلا تغفل أنت ولا تذهل.

٣٩

(قوله واحتمال أن يكون الجزاء هو قوله فإنه على يقين ... إلخ غير سديد فإنه لا يصح إلّا بإرادة لزوم العمل على طبق يقينه وهو إلى الغاية بعيد إلى آخره)

(هذا احتمال ثاني) في قوله عليه‌السلام فإنه على يقين من وضوئه ... إلخ.

(فالاحتمال الأول) ان يكون علة للجزاء المحذوف وقد عرفت شرحه.

(والاحتمال الثاني) ان يكون بنفسه جزاءً للشرط (وقد أشار إليه الشيخ) أعلى الله مقامه وجعل فيه التكلف (فقال) وجعله نفس الجزاء يعني به قوله عليه‌السلام فإنه على يقين من وضوئه ... إلخ يحتاج إلى تكلف انتهى.

(وقال المصنف) إنه غير سديد ولعله نظراً إلى انه لو تركناه على حاله لم يلتئم الجزاء مع الشرط فلا بدّ من ان نريد من الجزاء وجوب العمل على طبق يقينه السابق بوضوئه أي وإن لم يستيقن انه قد نام فليعمل على طبق يقينه بوضوئه وهو إلى الغاية بعيد كما صرح به في المتن.

(أقول)

هذا مضافاً إلى ان ذلك مما لا يضر بالاستدلال أصلا فإن الاستدلال مبني كما سيأتي على كون الكلام في قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين أبداً بالشك ... إلخ للجنس وهو مما لا يتفاوت الحال فيه بين ان كان قوله فإنه على يقين ... إلخ علة للجزاء أو كان بنفسه جزاءً للشرط.

(قوله وأبعد منه كون الجزاء قوله لا ينقض ... إلخ وقد ذكر فإنه على يقين للتمهيد ... إلخ)

(هذا احتمال ثالث) في قوله عليه‌السلام فإنه على يقين من وضوئه ... إلخ.

(فالأوّل) ان يكون علة للجزاء المحذوف.

(والثاني) ان يكون بنفسه جزاءً للشرط وقد عرفت شرحهما.

(الثالث) ان يكون الجزاء قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين أبداً بالشك

٤٠