عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٢٠

وقوله عليه‌السلام فإنه على يقين من وضوئه يكون توطئة له.

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه مع احتمال ان لا يكون قوله عليه‌السلام فإنه على يقين علة قائمة مقام الجزاء بل يكون الجزاء مستفاداً من قوله عليه‌السلام ولا ينقض وقوله فإنه على يقين توطئة له والمعنى انه إن لم يستيقن النوم فهو متيقن لوضوئه السابق ويثبت على مقتضي يقينه ولا ينقضه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

والإنصاف أن هذا الاحتمال أبعد من سابقه كما أفاد المصنف بل أبعد بكثير على نحو لا يخطر بالبال أصلا فلا يلتفت إليه أبداً.

(قوله وقد انقدح بما ذكرنا ضعف احتمال اختصاص قضية لا ينقض إلى آخره باليقين والشك في باب الوضوء جدا فانه ينافيه ظهور التعليل في أنه بأمر ارتكازي لا تعبدي قطعاً ... إلخ)

إشارة إلى الإشكال الّذي تعرضه الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد الفراغ عن تقرير الاستدلال بالصحيحة (ما لفظه) هذا ولكن مبني الاستدلال على كون اللام في اليقين للجنس إذ لو كانت للعهد لكانت الكبرى المنضمة إلى الصغرى ولا ينقض اليقين بالوضوء بالشك فيفيد قاعدة كلية في باب الوضوء وانه لا ينقض إلا باليقين بالحدث واللام وان كان ظاهراً في الجنس إلّا أن سبق يقين الوضوء ربما يوهن الظهور المذكور بحيث لو فرض إرادة خصوص يقين الوضوء لم يكن بعيداً عن اللفظ (انتهى).

(ومحصله) أن سبق قوله عليه‌السلام فإنه على يقين من وضوئه مما يوجب ظهور اللام في العهد والإشارة إلى خصوص اليقين بالوضوء أي فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالوضوء أبداً بالشك فيكون المستفاد من الصحيحة قاعدة كلية مختصة بباب الوضوء فقط لا قاعدة كلية غير مختصة بباب دون باب كما

٤١

هو المطلوب (وقد أجاب عنه المصنف) ونعم ما أجاب به (وحاصله) ان ظاهر التعليل وهو قوله عليه‌السلام فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبداً بالشك هو التعليل باندراج اليقين والشك في مورد السؤال في القضية الكلية العامة المرتكزة في أذهان العقلاء من عدم نقض اليقين أبداً بالشك ولو كان اللام للعهد لكان تعليلا باندراجهما في القضية التعبدية وهي عدم نقض اليقين بالوضوء بالشك إذ ليس خصوص عدم نقض اليقين بالوضوء بالشك قضية مرتكزة في أذهان العقلاء كما لا يخفى.

(ومن المعلوم) ان ظهور التعليل بأمر ارتكازي هو أقوى بمراتب من ظهور اللام في العهد وإن شئت قلت إن مع سبق قوله عليه‌السلام فإنه على يقين من وضوئه ... إلخ إذا أريد الجنس من اللام فلا ركاكة في الكلام أصلا بخلاف ما إذا أريد العهد من اللام وكان التعليل بأمر تعبدي فيكون الكلام ركيكاً جداً فتأمل جيداً ،

(قوله ويؤيده تعليل الحكم بالمضي مع الشك في غير الوضوء في غير هذه الرواية بهذه القضية أو ما يرادفها ... إلخ)

كما في الفقرة الثالثة من الصحيحة الثانية الآتية (لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً) وهكذا في الفقرة السادسة منها (لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك) فالتعليل بهذه القضية في الصحيحة الثانية مع التعليل بها في الصحيحة الأولى مما يؤيد ان القضية مرتكزة عامة غير مختصة بباب دون باب كالوضوء والحدث أو الطهارة والنجاسة ونحوهما وإن جاز عقلا أن يكون التعليل في كلتا الصحيحتين بأمر تعبدي بأن كان عدم جواز نقض اليقين بالوضوء بالشك قضية تعبدية وعدم جواز نقض اليقين بالطهارة بالشك قضية تعبدية أخرى (ولعل من هنا) قد جعله المصنف مؤيداً لا دليلا برأسه (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه

٤٢

إلى هذا المؤيد في بعض كلامه (فقال) ولكن الإنصاف ان الكلام مع ذلك لا يخلو عن ظهور خصوصاً بضميمة الأخبار الأخر الآتية المتضمنة لعدم نقض اليقين بالشك (انتهى).

(قوله مع ان الظاهر انه للجنس كما هو الأصل فيه وسبق فإنه على يقين ... إلخ لا يكون قرينة عليه مع كمال الملاءمة مع الجنس أيضاً فافهم ... إلخ)

هذا جواب ثاني عن الإشكال (ولكن فيه ما لا يخفى) فإن اللام بطبعه وان كان ظاهراً في الجنس وانه الأصل فيه ولكن سبق فإنه على يقين من وضوئه ... إلخ مما يوهن الظهور المذكور (كما أشار إليه الشيخ) أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم (فقال) واللام وإن كان ظاهراً في الجنس إلا أن سبق يقين الوضوء ربما يوهن الظهور المذكور ... إلخ (ولعل من هنا) قال المصنف أخيراً فافهم.

(قوله مع أنه غير ظاهر في اليقين بالوضوء لقوة احتمال أن يكون من وضوئه متعلقاً بالظرف لا بيقين ... إلخ)

هذا جواب ثالث عن الإشكال (وحاصله) أن كون اللام في قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين أبداً بالشك للعهد والإشارة إلى خصوص اليقين بالوضوء مبني على كون لفظة من وضوئه متعلقة بلفظة (يقين) بنفسها فيكون اليقين حينئذ في الصغرى خاصاً وهو اليقين بالوضوء أي فانه على اليقين بوضوئه ولا ينقض اليقين بالوضوء أبداً بالشك واما إذا كان متعلقاً بالظرف أي بلفظة (على يقين) بحيث كان المعنى هكذا أي فانه من وضوئه على يقين ولا ينقض اليقين أبداً بالشك فلا يكون اليقين حينئذ في الصغرى خاصاً كي تكون اللام في يقين الكبرى للإشارة إليه بل جنساً مطلقاً فيكون اليقين في الكبرى أيضاً كذلك فتأمل جيداً.

٤٣

في تفصيل الشيخ بين الشك في المقتضى

والشك في الرافع

(قوله ثم لا يخفى حسن إسناد النقض وهو ضد الإبرام إلى اليقين ولو كان متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار لما يتخيل فيه من الاستحكام إلى آخره)

شروع في تضعيف تفصيل الشيخ أعلى الله مقامه بين الشك في المقتضي فلا يكون الاستصحاب حجة فيه والشك في الرافع فيكون حجة فيه وهو القول التاسع في المسألة كما تقدم الّذي نسبه إلى ظاهر المحقق صاحب المعارج (وقد استدل الشيخ) لهذا التفصيل بعد الفراغ عن ذكر الأخبار (بما هذا لفظه) ان حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتصالية كما في نقض الحبل والأقرب إليه على تقدير مجازيته هو رفع الأمر الثابت وقد يطلق على مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لعدم المقتضي له بعد ان كان آخذاً به فالمراد من النقض عدم الاستمرار عليه والبناء على عدمه بعد وجوده (إذا عرفت هذا) فنقول إن الأمر يدور بين أن يراد بالنقض مطلق ترك العمل وترتيب الأثر وهو المعنى الثالث ويبقي المنقوض عاماً لكل يقين وبين أن يراد من النقض ظاهره وهو المعنى الثاني فيختص متعلقه بما من شأنه الاستمرار المختص بالموارد التي يوجد فيها هذا المعنى والظاهر رجحان هذا على الأول يعني به الثالث لأن الفعل الخاصّ يصير مخصصاً لمتعلقه العام كما في قول القائل لا تضرب أحداً فإن الضرب قرينة على اختصاص العام بالأحياء ولا يكون عمومه للأموات قرينة على إرادة مطلق الضرب عليه كسائر الجمادات (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) ان للنقض (معنى حقيقي) وهو ضد الإبرام أي فك

٤٤

الفتل وهو المقصود من قوله رفع الهيئة من الاتصالية كما في نقض الحبل ... إلخ (ومعنى مجازي) أقرب وهو رفع الأمر الثابت أي المستحكم الّذي فيه اقتضاء الثبوت والاستمرار (ومعنى مجازي أبعد) وهو مطلق رفع اليد عن الشيء وترك العمل به ولو لعدم المقتضي له فإذا تعذر المعنى الحقيقي كما في المقام ودار الأمر بين المعنيين المجازيين فيتعين المعنى الثاني الأقرب فيختص اليقين حينئذ بما كان متعلقه أمراً ثابتاً مستحكماً فيه اقتضاء الثبوت والاستمرار كالزوجية والملكية والعدالة ونحوها مما يحتاج رفعه إلى وجود رافع ومزيل دون ما ليس فيه اقتضاء الثبوت والاستمرار بل يرتفع بنفسه كالليل والنهار واشتعال السراج إذا شك في بقائه للشك في استعداده (هذا محصل كلام الشيخ) أعلى الله مقامه.

(وأما المصنف) فمحصل كلامه في تضعيفه أن حسن إسناد النقض إلى اليقين بعد تعذر إرادة المعنى الحقيقي ليس بملاحظة متعلقه أي المتيقن كي يوجب تخصيصه بما من شأنه الثبوت والاستمرار نظراً إلى كون رفعه أقرب إلى المعنى الحقيقي فيكون الفعل الخاصّ مخصصاً لمتعلقه العام بل بملاحظة نفسه كما في إسناده إلى البيعة أو العهد أو اليمين ونحو ذلك لما يتخيل في اليقين من الاستحكام سواء كان متعلقاً بما فيه اقتضاء الثبوت والاستمرار أم لا بخلاف الظن فإنه يظن انه ليس فيه إبرام واستحكام.

(أقول)

بل لا يبعد أن يكون النقض في المقام مستعملا في المعنى الثالث وهو مطلق رفع اليد عن الشيء وترك العمل به ولو للشك في استعداده واقتضائه للثبوت والاستمرار وذلك بشهادة حسن اسناد النقض إلى الشك أيضا كاليقين بعينه كما في الصحيحة الثالثة الآتية فيقول عليه‌السلام فيها بل ينقض الشك باليقين ... إلخ فلو كان حسن إسناد النقض إلى اليقين لأجل ما يتخيل فيه من الاستحكام لم يحسن إسناده إلى الشك أيضاً (ومنه يظهر) ضعف قول المصنف بخلاف الظن فإنه يظن انه ليس

٤٥

فيه إبرام واستحكام ... إلخ إذ لو جاز إسناد النقض إلى الشك عرفاً فإسناده إلى الظن بطريق أولى (وقد اعترف الشيخ) أعلى الله مقامه بهذا الشاهد في آخر كلامه (فقال) ويمكن أن يستفاد من بعض الأمارات إرادة المعنى الثالث مثل قوله عليه‌السلام بل ينقض الشك باليقين ... إلخ.

(قوله وإلّا لصح أن يسند إلى نفس ما فيه المقتضى له مع ركاكة مثل نقضت الحجر من مكانه ولما صح أن يقال انتقض اليقين باشتعال السراج فيما إذا شك في بقاءه للشك في استعداده ... إلخ)

أي وإن لم يحسن إسناد النقض إلى اليقين إلّا إذا كان متعلقاً بما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار لصح إسناد النقض إلى نفس ما فيه اقتضاء البقاء كما في نقضت الحجر من مكانه ولما صح إسناد النقض إلى اليقين المتعلق بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار كما في انتقض اليقين باشتعال السراج فيما إذا شك في بقاءه للشك في استعداده مع انه يصح إسناده إليه مثل ما يصح إسناده إلى اليقين المتعلق بما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار عيناً كاليقين بالطهارة والنجاسة والزوجية والملكية ونحوها (فمن هذا كله) يعرف أن حسن إسناد النقض إلى اليقين ليس بملاك تعلقه بما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار بل بملاك كون اليقين بنفسه مما يتخيل فيه الاستحكام

(أقول)

والظاهر ان ركاكة مثل نقضت الحجر من مكانه إنما هو بلحاظ لفظة من مكانه الدالة على إرادة الرفع أو النقل من النقض وهو غير مناسب مع المعنى الحقيقي وأما إذا أسند النقض إلى الحجر وحده بلا لفظة من مكانه كما في قولك نقضت الحجر فقد صح وحسن كما في نقضت البناء عيناً.

(قوله مثل ذاك الأمر ... إلخ)

أي مثل ذاك الأمر المبرم.

٤٦

(قوله حقيقة ... إلخ)

راجع إلى إرادة مثل ذاك الأمر أي بعد تعذر إرادة مثل ذاك الأمر حقيقة مما يصح إسناد النقض إليه.

(قوله فإن قلت نعم ولكنه حيث لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) انه نعم إنما يكون حسن إسناد النقض إلى اليقين بملاحظة نفسه لا بملاحظة متعلقة لكن لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة وإنما الانتقاض كذلك في قاعدة اليقين والفرق بينهما كما سيأتي شرحه مفصلا ان كلامه من اليقين والشك في الاستصحاب قد تعلق بغير ما تعلق به الآخر وفي قاعدة اليقين قد تعلق بعين ما تعلق به الآخر فيتحد متعلقهما (فإذا تيقن) بالوضوء مثلا في أول النهار وشك في الوضوء في وسط النهار فهذا مجري الاستصحاب ولا انتقاض فإن ما تعلق به اليقين السابق وهو الوضوء في وسط النهار لم يتعلق به الشك اللاحق وما تعلق به الشك اللاحق وهو الوضوء في وسط النهار لم يتعلق به اليقين السابق (واما إذا تيقن) بالوضوء في أول النهار وشك في وسط النهار في أصل وضوئه في أول النهار فهذا مجري قاعدة اليقين وفيه انتقاض اليقين السابق حقيقة (وعليه) فإذا لم يكن انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة (فان كان) المتعلق أي المتيقن مما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار لم يصح إسناد النقض إليه اليقين ولو مجازاً (وان كان) فيه اقتضاء البقاء والاستمرار صح إسناد النقض إليه ولو مجازاً فإن اليقين معه كأنه تعلق بأمر مستمر باق قد انقطع وانفصم بسبب الشك في الرافع (وحاصل الجواب) ان عدم انتقاض اليقين في باب الاستصحاب حقيقة لتعدد متعلقي اليقين والشك إنما هو على المداقة العقلية وأما على المسامحة العرفية وعدم ملاحظة تعددهما زماناً فالانتقاض محقق عرفاً فكأن الشك اللاحق قد تعلق بعين ما تعلق به اليقين السابق (وعليه) فإذا لم يعامل معاملة اليقين في ظرف الشك صدق

٤٧

عليه عرفاً أنه قد نقض اليقين بالشك فيكون إسناد النقض إليه حسناً عرفاً ولو مجازاً بتخيل ما فيه من الاستحكام وهذا من غير فرق بين كون متعلقه مما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار أم لا.

(نعم) ان الإسناد إليه مع اقتضاء البقاء والاستمرار في متعلقه هو أقرب اعتباراً ولكنه ليس مما يوجب تعينه عرفاً إذا المتبع في الأقربية هو نظر العرف وفهم أهل اللسان لا على الاعتبار والاستحسان كما لا يخفى.

(قوله وأما الهيئة فلا محالة يكون المراد منها النهي عن الانتقاض بحسب البناء والعمل لا الحقيقة لعدم كون الانتقاض بحسبها تحت الاختيار إلى آخره)

الشيخ أعلى الله مقامه بعد أن أفاد العبارة المتقدمة التي كان محصلها ان للنقض معاني ثلاثة (رفع الهيئة الاتصالية) (ورفع الأمر الثابت المستحكم) (ومطلق رفع اليد عن الشيء وترك العمل به) وأن الأمر يدور بين المعنيين الأخيرين وأن الثاني أظهر من الثالث فيختص متعلق اليقين بما من شأنه الاستمرار (قال ما لفظه) ثم لا يتوهم الاحتياج إلى تصرف في اليقين بإرادة المتيقن منه لأن التصرف لازم على كل حال فإن النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه لا يتعلق بنفس اليقين على كل تقدير بل المراد نقض ما كان على يقين منه وهو الطهارة السابقة أو أحكام اليقين والمراد بأحكام اليقين ليس أحكام نفس وصف اليقين إذ لو فرضنا حكماً شرعياً محمولا على نفس صفة اليقين ارتفع بالشك قطعاً كمن نذر فعلا في مدة اليقين بحياة زيد ويعني بالفعل مثل الصدقة ونحوها بل المراد أحكام المتيقن المثبتة له من جهة اليقين وهذه الأحكام كنفس المتيقن أيضاً لها استمرار شأني لا يرتفع إلّا بالرافع فإن جواز الدخول في الصلاة بالطهارة أمر مستمر إلى أن يحدث ناقضها (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(ومحصله) ان إرادة المعنى الثاني من النقض وهو رفع الأمر الثابت المستحكم

٤٨

واختصاص متعلق اليقين حينئذ بما من شأنه البقاء والاستمرار وان كانت مما يحتاج إلى إرادة المتيقن من اليقين ولكن هذا التصرف أمر لازم على كل حال وذلك ليصير النقض اختيارياً قابلا لتعلق النهي به.

(فيقول المصنف) في تضعيفه ما حاصله ان المراد من النهي عن النقض ليس هو النهي عن النقض الحقيقي فإن النقض الحقيقي ليس تحت الاختيار على كل حال سواء كان المراد هو نقض اليقين بنفسه أو نقض المتين أو آثار اليقين بل المراد هو النهي عن النقض بحسب البناء والعمل ومن المعلوم ان النقض كذلك هو تحت الاختيار وإن أسند إلى اليقين بنفسه من غير حاجة إلى التصرف في ظاهر القضية بإرادة المتيقن أو آثار اليقين من اليقين كي يصير النقض اختيارياً قابلا لتعلق النهي به بل لا مجوز لذلك أصلا فضلا عن الملزم له كما لا يخفى.

(قوله بناء على التصرف فيها بالتجوز أو الإضمار ... إلخ)

فإن التصرف بإرادة المتيقن أو آثار اليقين كما ادعى الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم آنفاً هو على نحوين

(فتارة) يكون بنحو التجوز في الكلمة كما إذا أريد من اليقين المتيقن.

(وأخرى) بنحو التجوز في التقدير كما إذا أضمر لفظ الآثار قبل لفظ اليقين فقوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين أبدا بالشك أي لا ينقض آثار اليقين أبداً بالشك

(قوله فلا يكاد يجدى التصرف بذلك في بقاء الصيغة على حقيقتها إلى آخره)

أي فلا يكاد يجدي التصرف في القضية بالتجوز في الكلمة أو الإضمار في صيرورة النقض اختيارياً قابلا لتعلق النهي به حقيقة كما استفيد ذلك من كلام الشيخ أعلى الله مقامه.

٤٩

(قوله لا يقال لا محيص عنه فإن النهي عن النقض بحسب العمل لا يكاد يراد بالنسبة إلى اليقين وآثاره لمنافاته مع المورد ... إلخ)

(حاصل الإشكال) انه لا محيص عن التصرف في القضية بأن يراد من اليقين المتيقن أو آثار اليقين أي المثبتة للمتيقن من جهة اليقين كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه (وذلك) لعدم صحة إسناد النقض ولو بحسب البناء والعمل إلى نفس اليقين إلّا إذا كان لوصف اليقين أثر شرعي مترتب عليه كما إذا نذر أن يتصدق كل يوم بدرهم ما دام كونه متيقناً بحياة زيد مثلا فيصح حينئذ النهي عن نقضه عملا بمعنى النهي عن عدم ترتيب أثره عليه (واما إذا لم يكن) لوصف اليقين أثر شرعي كما في المورد بل كان الأثر الشرعي كجواز الدخول في الصلاة ونحوه مترتباً على نفس المتيقن كالطهارة ونحوها يرتبه المكلف عليه من جهة اليقين به فلا محالة يكون المراد من اليقين المتيقن أو آثار اليقين أي المثبتة للمتيقن من جهة اليقين به أي لا ينقض المتيقن عملا بعدم ترتيب أثره عليه أو لا ينقض آثار اليقين عملا بترك العمل بها ورفع اليد عنها (وحاصل الجواب) ان الإشكال انما يتم إذا كان اليقين المأخوذ في الحديث الشريف ملحوظاً بنفسه وعلى وجه الاستقلال واما إذا كان ملحوظاً بما هو مرآة للمتيقن أو لآثار اليقين فيصح إسناد النقض العملي إليه بلحاظ متعلقه أو بلحاظ آثاره.

(وفيه) أن اليقين المأخوذ في الحديث الشريف إذا كان ملحوظاً على وجه المرآتية والكاشفية عن المتيقن أو آثار اليقين فهذا هو عبارة أخرى عن إرادة المتيقن أو آثار اليقين من اليقين وهو التصرف الّذي قد أفاده الشيخ أعلى الله مقامه عيناً وليس هو شيئاً آخر وراء ذلك لبا (ولعله) إليه أشار أخيراً بقوله فافهم كما سيأتي قريباً (والحق) في الجواب أن يقال إن اليقين كما انه إذا كان لنفسه أثر شرعي مترتب عليه صح إسناد النقض العملي إليه ويقال لا تنقضه عملا بمعنى النهي عن عدم ترتيب أثره عليه فكذلك إذا كان للمتيقن أثر شرعي مترتب عليه صح إسناد

٥٠

النقض العملي إلى اليقين ويقال لا تنقضه عملا بمعنى النهي عن عدم ترتيب الآثار الثابتة للمتيقن المنجزة على المكلف بسبب اليقين به.

(وبعبارة أخرى) كما ان اليقين إذا كان لوصفه أثر شرعي مترتب عليه ولم يرتبه المكلف صدق عليه انه قد نقض اليقين عملا من دون ان يكون ملحوظاً بنحو المرآتية فكذلك إذا كان لمتعلقه آثار شرعية مترتبة عليه ولم يرتبه المكلف صدق عليه انه قد نقض اليقين عملا من دون ان يكون ملحوظاً بنحو المرآتية فعدم ترتيب آثار كل من اليقين والمتيقن يكون هو نقضاً لليقين بنفسه وهدماً وسحقاً له بعينه فتأمل جيداً.

(قوله حيث تكون ظاهرة عرفاً في أنها كناية عن لزوم البناء والعمل بالتزام حكم مماثل للمتيقن تعبداً إذا كان حكماً ولحكمه إذا كان موضوعاً ... إلخ)

علة لقوله كما هو الظاهر في مثل قضية لا ينقض اليقين ... إلخ (وتوضيحه) انه سيأتي في التنبيه السابع من تنبيهات الاستصحاب أن قضية اخبار الباب هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الأحكام ولأحكامه في استصحاب الموضوعات بمعنى ان مقتضي قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين ... إلخ في مثل استصحاب وجوب صلاة الجمعة هو إنشاء وجوب مثل الوجوب الّذي كنا نتيقن به في السابق وفي مثل استصحاب الخمر هو إنشاء حرمة متعلقة به مثل الحرمة التي كانت متعلقة به في السابق فإذا عرفت هذا (فنقول) إن محصل كلام المصنف هنا ان الظاهر في مثل قضية ولا ينقض اليقين ... إلخ هو كون اليقين فيها ملحوظاً بنحو المرآتية حيث تكون ظاهرة عرفاً في لزوم العمل بحكم مماثل للمتيقن فيما كان المتيقن حكماً أو مماثل لحكمه فيما كان موضوعاً ذا حكم فلو كان اليقين فيها ملحوظاً بنحو الاستقلالية لكانت ظاهرة في لزوم العمل بالحكم المماثل لحكم اليقين بنفسه وبوصفه كوجوب الصدقة المترتب بالنذر على صفة اليقين بحياة زيد في المثال المتقدم لا بالحكم المماثل للمتيقن أو المماثل لحكمه.

٥١

(أقول)

بل الظاهر ان اليقين في القضية ملحوظ بنحو الاستقلالية كما أشير آنفاً لا بنحو المرآتية ليلزم التصرف المتقدم من إرادة المتيقن من اليقين ولا منافاة بين كونه ملحوظاً بنحو الاستقلالية وبين انتهى عن نقضه عملا بلحاظ كل من آثاره إذا كان لنفس اليقين أثر أو بلحاظ متعلقه إذا كان المتعلق أثراً أو بلحاظ آثار متعلقه إذا كان المتعلق موضوعاً ذا أثر فإن رفع اليد عن كل من هذه الآثار هو نقض لليقين بنفسه وهدم وسحق له بعينه كما تقدم آنفاً.

(قوله وذلك لسراية الآلية والمرآتية من اليقين الخارجي إلى مفهومه الكلي فيؤخذ في موضوع الحكم ... إلخ)

علة لقوله حيث تكون ظاهرة عرفاً ... إلخ (وحاصله) ان اليقين الخارجي القائم بالنفس الّذي هو مصداق من مصاديق اليقين كما أنه آلة ومرآة للمتيقن إذ لا يرى المتيقن بالكسر سوى الأمر المتيقن فكذلك مفهومه الكلي قد يكون آلة ومرآة للمتيقن فيؤخذ مفهوم اليقين في لسان الدليل ويكون المقصود منه هو المتيقن من دون ان يكون لنفس اليقين دخل في الحكم أصلا كما لو قال مثلا إذا أيقنت بالخمر فلا تشربه فإن اليقين هاهنا مما لا دخل له في حرمة الشرب أبداً فلا هو جزء الموضوع ولا هو تمام الموضوع بل الحكم الواقعي مترتب على نفس الخمر غير ان اليقين به طريق إليه يتنجز حكمه بسببه.

(نعم) قد يؤخذ مفهوم اليقين في لسان الدليل ويكون هو دخيلا في الحكم شرعاً إما بنحو تمام الموضوع أو بنحو جزء الموضوع كما لو قال مثلا ان تيقنت بنجاسة ثوبك فلا تصلّ فيه فإن عدم جواز الصلاة مترتب على اليقين بالنجاسة بنفسه وبوصفه لا على نفس النجاسة الواقعية بما هي هي ومن هنا إذا صلى في ثوب نجس واقعاً ولم يعلم بالنجاسة ثم انكشف انه كان نجساً صحت صلاته ولا تعاد.

٥٢

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشرنا في ذيل التعليق على قوله لا يقال لا محيص عنه ... إلخ إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

(ثم إن هذا كله) تمام الكلام فيما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه لبيان مختاره من التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع وهو القول التاسع في المسألة كما تقدم أي الّذي نسبه إلى ظاهر المحقق صاحب المعارج.

ما أفاده المحقق للتفصيل بين الشك في المقتضى

والشك في الرافع

(واما ما أفاده المحقق) صاحب المعارج بنفسه لهذا القول فتفصيله هكذا.

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد نقل الأقوال الأحد عشر في المسألة (ما لفظه) والأقوى هو القول التاسع وهو الّذي اختاره المحقق فإن المحكي عنه في المعارج انه قال إذا ثبت حكم في وقت ثم جاء وقت آخر ولم يقم دليل على انتفاء ذلك الحكم هل يحكم ببقائه ما لم يقم دلالة على نفيه أم يفتقر الحكم في الوقت الثاني إلى دلالة حكى عن المفيد قدس‌سره انه يحكم ببقائه وهو المختار (إلى ان قال) والّذي نختاره أن ننظر في دليل ذلك الحكم فإن كان يقتضيه مطلقاً وجب الحكم باستمرار الحكم كعقد النكاح فإنه يوجب حل الوطء مطلقاً فإذا وقع الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق فالمستدل على ان الطلاق لا يقع بها لو قال حل الوطء ثابت قبل النطق بهذه الألفاظ فكذا بعده كان صحيحاً لأن المقتضي للتحليل وهو العقد اقتضاه مطلقاً ولا يعلم أن الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء فيثبت الحكم عملا بالمقتضي (لا يقال) إن المقتضي هو العقد ولم يثبت انه باق (لأنا نقول)

٥٣

وقوع العقد اقتضى حل الوطء لا مقيداً بوقت فيلزم دوام الحل نظراً إلى وقوع المقتضي لا إلى دوامه فيجب أن يثبت الحل حتى يثبت الرافع (ثم قال) فان كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه فليس هذا عملا بغير دليل وان كان يعني أمراً آخر وراء ذلك فنحن مضربون عنه (انتهى).

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد حكى العبارة المذكورة ثانياً من قوله والّذي نختاره ... إلخ عند نقل حجة القول التاسع في ذيل نقل حجج الأقوال وأدلتها (ثم قال) وحاصل هذا الاستدلال يرجع إلى كفاية وجود المقتضي وعدم العلم بالرفع لوجود المقتضي (ثم قال) وفيه ان الحكم بوجود الشيء لا يكون إلا مع العلم بوجود علته التامة التي من أجزائها عدم الرافع فعدم العلم به يوجب عدم العلم بتحقق العلة التامة إلا أن يثبت التعبد من الشارع بالحكم بالعدم عند عدم العلم به وهو عين الكلام في اعتبار الاستصحاب (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (وملخصه) بمزيد توضيح منا ان دليل المحقق عبارة عن التشبث بقاعدة المقتضي والمانع أي الحكم بالمقتضي بالفتح بمجرد إحراز المقتضي مع الشك في المانع ولا دليل على اعتبارها وحجيتها لا عقلا ولا شرعاً ما لم يحرز عدم المانع بعلم أو بعلمي أو بأصل عملي وهو جيد متين لا يمكن إنكاره (ثم إن المحقق) وإن كان كلامه مفروضاً في خصوص الشك في رافعية الموجود حيث مثّل بالألفاظ التي وقع الخلاف في وقوع الطلاق بها ولكن الظاهر وان كل من قال بحجية الاستصحاب في الشك في رافعية الموجود قال بها في الشك في وجود الرافع ولا عكس كما ستعرفه من المحقق السبزواري (هذا تمام الكلام) فيما أفاده المحقق صاحب المعارج للقول التاسع في المسألة.

٥٤

في تفصيل المحقق السبزواري

(واما ما أفاده المحقق السبزواري) لمختاره من التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في رافعية الموجود فلا يكون الاستصحاب حجة فيهما وبين الشك في وجود الرافع فيكون الاستصحاب حجة فيه وهو القول العاشر في المسألة كما تقدم (فملخصه) بعد التدبر التام في كلام طويل له في محكي الذخيرة قد حكاه عنه الشيخ أعلى الله مقامه في ذيل نقل حجج الأقوال أن نقض اليقين بالشك المنهي عنه في الأخبار إنما يعقل في الشك في وجود الرافع كالشك في وجود البول الناقض للوضوء واما عند الشك في رافعية الموجود بنحو الشبهة الحكمية كالشك في رافعية المذي أو بنحو الشبهة الموضوعية كالشك في ان الخارج بول ناقض أو مذي غير ناقض فالنقض يكون باليقين بوجود ما شك في رافعيته فلا يكون منهياً عنه بل يكون مأموراً به بمقتضى ذيل الصحيحة الأولى المتقدمة وإنما ينقضه بيقين آخر (وقد أجاب عنه الشيخ) أعلى الله مقامه من وجوه.

(الأول) ما ملخصه أن المراد من اليقين والشك في الأخبار هو اليقين والشك المتعلقان بشيء واحد كما ان المراد من اليقين المنقوض واليقين الآخر الناقض هو اليقينان المتعلقان بشيء واحد (وعليه) فلا معنى لنقض اليقين بالوضوء مثلا باليقين بوجود المذي المشكوك رافعيته أو بوجود السائل المشكوك كونه بولا أو مذياً وذلك لعدم تعلق اليقين الثاني الناقض بعين ما تعلق به اليقين الأول المنقوض وإلّا لجري عين ذلك حتى في الشك في الرافع فينقض اليقين بالوضوء مثلا باليقين بوجود ما شك معه في خروج البول فان لكل شك في الخارج منشأ موجود لا محالة كما لا يخفى.

(الثاني) ما ملخصه ان نقض اليقين السابق برفع اليد عنه لا يكاد يعقل الا

٥٥

بالشك والترديد لا باليقين بوجود ما شك في رافعيته فإن وجوده منشأ للشك الناقض لا انه بنفسه ناقض.

(الثالث) انه لو سلم تعقل نقض اليقين السابق باليقين بوجود ما شك في رافعيته فظاهر ذبل الصحيحة وإنما ينقضه بيقين آخر حصر الناقض باليقين بالخلاف المتعلق بعين ما تعلق به اليقين السابق لا بالشك ولا بيقين آخر متعلق بشيء آخر كاليقين بوجود ما شك في رافعيته فتأمل جيداً.

(هذا تمام الكلام) فيما أفاده المحقق السبزواري للقول العاشر في المسألة.

في تفصيل المحقق الخوانساري

(واما ما أفاده المحقق الخوانساري) لمختاره من التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في رافعية الموجود بنحو الشبهة الحكمية فلا يكون الاستصحاب حجة فيهما وبين الشك في وجود الرافع والشك في رافعية الموجود بنحو الشبهة المصداقية فيكون الاستصحاب حجة فيهما وهو القول الحادي عشر في المسألة كما تقدم (فملخصه) كما يظهر بمراجعة كلامه الّذي قد حكاه الشيخ أعلى الله مقامه بطوله عند نقل حجة القول الحادي عشر (ان القوم) قد ذكروا أن الاستصحاب إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان السابق عليه والاستصحاب بهذا المعنى مما لا حجية فيه أصلا إذ لا دليل عليه لا عقلا ولا نقلا.

(نعم الظاهر) حجية الاستصحاب بمعنى آخر وهو أن يكون لنا دليل شرعي على ان الحكم الفلاني بعد تحققه ثابت إلى حدوث حال كذا أو وقت كذا فحينئذ إذا حصل ذلك الحكم فيلزم الحكم باستمراره إلى ان يعمل وجود ما جعل مزيلا له ولا يحكم بنفيه بمجرد الشك في وجوده والدليل على حجيته أمران.

(الأول) أصالة الاشتغال وقد عبّر عنه فيما سيأتي بحكم العقل (وحاصل

٥٦

تقريبه) أن الحكم الّذي قد أريد استصحابه أما وضعي وإما تكليفي ولما كان مرجع الأول لدى التحقيق إلى الثاني فينحصر الحكم بالتكليفي ثم إن التكليفي إما اقتضائي كالوجوب والندب والحرمة والكراهة وإما تخييري كالإباحة اما الاستصحاب في الأول فلأنه إذا كان أمر أو نهي بفعل إلى غاية معينة فعند الشك في حدوث تلك الغاية ما لم يمتثل التكليف لم يقطع بالخروج عن العهدة وإما الاستصحاب في الثاني فلأن الأمر فيه أظهر (ولعل) وجه الأظهرية كما نبّه عليه الشيخ أعلى الله مقامه هو أن الحكم ببقاء الإباحة عند الشك في وجود الغاية مطابق لأصالة الإباحة الثابتة بالعقل والنقل.

(الأمر الثاني) الأخبار (الناهية) عن نقض اليقين بالشك (الظاهرة) في أن المراد من عدم نقض اليقين بالشك انه عند التعارض لا ينقض اليقين بالشك أي عند تعارض ما يوجب اليقين لو لا الشك (الغير الشاملة) للشك في المقتضي إذ ليس فيه ما يوجب اليقين لو لا الشك بخلافه في الشك في الرافع فإن ما يوجب اليقين لو لا الشك في الرافع موجود فيه وهو المقتضي (ثم قال ما هذا لفظه) فإن قلت هل الشك في كون الشيء مزيلا للحكم مع العلم بوجوده كالشك في وجود المزيل أم لا قلت فيه تفصيل لأنه إن ثبت بالدليل أن ذلك الحكم مستمر إلى غاية معينة في الواقع ثم علمنا صدق تلك الغاية على شيء وشككنا في صدقها في شيء آخر فحينئذ لا ينقض اليقين بالشك وأما إذا لم يثبت ذلك بل ثبت ان ذلك الحكم مستمر في الجملة ومزيله الشيء الفلاني وشككنا في أن الشيء الآخر مزيل أم لا فحينئذ لا ظهور في عدم نقض الحكم وثبوت استمراره إذ الدليل الأول غير جار فيه لعدم ثبوت حكم العقل في مثل هذه الصورة خصوصاً مع ورود بعض الروايات الدالة على عدم المؤاخذة بما لا يعلم والدليل الثاني الحق انه لا يخلو عن إجمال وغاية ما يسلم منها ثبوت الحكم في الصورتين اللتين ذكرناهما (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

٥٧

(أقول)

وفي كلا الدليلين ما لا يخفى (اما أصالة الاشتغال) فلأنها وان كانت مما تجري إذا أمر بفعل أو نهى عنه إلى غاية معينة وشك في وجود الغاية أو في كون الموجود غاية بنحو الشبهة المصداقية لكن ذلك إذا كان المأمور به أو المنهي عنه ارتباطياً بان كان مجموع الأفعال أو التروك مطلوباً واحداً كما إذا أمر بالإمساك أو نهي عن المفطرات إلى الغروب وشك في حدوث الغروب أو في كون الحادث غروباً بنحو الشبهة المصداقية فحينئذ يجب الاحتياط وليس من الأقل والأكثر الارتباطيين في الشبهة الحكمية كي يجري فيها الخلاف المشهور وكان الأقوى فيها البراءة كما تقدم (واما إذا كان المأمور به) أو المنهي عنه غير ارتباطي ومنحلا إلى واجبات أو محرمات متعددة فحينئذ لا يجب الاحتياط بقاعدة الاشتغال ما لم يتشبث باستصحاب عدم الغروب (مضافاً) إلى أن الأمر أو النهي إذا كان غير إلزامي فالتمسك بقاعدة الاشتغال وحكم العقل بالاحتياط مما لا وجه له (واما الأخبار الناهية) عن نقض اليقين بالشك فلأنها.

(أولا) لا وجه لدعوى ظهورها في كون المراد من عدم نقض اليقين بالشك هو النهي عنه عند تعارض ما يوجب اليقين لو لا الشك كي لا تشمل الشك في المقتضي بدعوى انه ليس فيه ما يوجب اليقين لو لا الشك بل المراد من عدم نقض اليقين بالشك هو النهي عن نقضه مطلقاً سواء كان هناك ما يوجب اليقين لو لا الشك أم لا.

(وثانياً) لو سلم ظهورها في ذلك فلا وجه لاختصاصها بالشك في وجود الرافع والشك في رافعية الموجود بنحو الشبهة المصداقية بدعوى إجمال الإخبار وأن المتيقن منها خصوص الصورتين فقط بل تشمل جميع صور الشك في الرافع في قبال الشك في المقتضي سواء كان الشك في أصل وجود الرافع أو في رافعية الموجود بنحو الشبهة المصداقية أو بنحو الشبهة الحكمية فإن ما يوجب اليقين لو لا

٥٨

الشك موجود في الكل فيتعارض مع الشك ويحرم نقضه به فتأمل جيداً.

في دفع توهم اختصاص الاستصحاب

بالموضوعات

(قوله ثم انه حيث كان كل من الحكم الشرعي وموضوعه مع الشك قابلا للتنزيل ... إلخ)

دفع لما قد يتوهم من اختصاص الاستصحاب بالموضوعات فقط دون الأحكام التكليفية نظراً إلى اختصاص مورد الدليل وهو قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ... إلخ بالشك في الموضوع دون الحكم التكليفي.

(فيقول المصنف) في دفعه إن كلا من الحكم والموضوع كما في استصحاب وجوب صلاة الجمعة أو استصحاب الخمر عند الشك في انقلابه إلى الخل لما كان قابلا للتنزيل غايته أن تنزيل الخمر المشكوك بمنزلة الخمر المتيقن يكون بجعل حرمة له يماثل حرمة الخمر المتيقن وتنزيل الوجوب المشكوك بمنزلة الوجوب المتيقن يكون بجعل وجوب يماثل الوجوب المتيقن (كان) مقتضي إطلاق قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين أبدا بالشك هو اعتبار الاستصحاب في كل من الحكم والموضوع جميعاً واختصاص المورد بالموضوع فقط مما لا يوجب التخصيص به بعد كون التعليل في الصحيحة كما تقدم شرحه قبلا هو باندراج اليقين والشك في مورد السؤال تحت القضية الكلية المرتكزة في أذهان العقلاء الغير المختصة بمورد دون مورد وهذا واضح.

(قوله فتأمل ... إلخ)

ولعل ذلك راجع إلى قوله قد أتى بها في غير مورد لأجل الاستدلال بها على حكم

٥٩

المورد ... إلخ فان قضية ولا ينقض اليقين أبداً بالشك وان كانت قضية كلية ارتكازية قد أتى بها في غير مورد لأجل الاستدلال بها على حكم المورد ولكن المورد في الجميع مختص بالموضوع فقط كما لا يخفى.

في الاستدلال بصحيحة أخرى لزرارة

(قوله ومنها صحيحة أخرى لزرارة قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف ... إلخ)

هذه صحيحة ثانية لزرارة (قد رواها في الوافي) في أبواب الطهارة من الخبث في باب التطهير من المني (ورواها في الوسائل) مقطعة

في أبواب متفرقة من أحكام النجاسات وهي تشتمل على ست فقرات كل فقرة منها مسألة مستقلة برأسها.

(١ ـ قال قلت) أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئاً وصليت ثم إني ذكرت بعد ذلك قال تعيد الصلاة وتغسله.

(٢ ـ قلت) فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال تغسله وتعيد.

(٣ ـ قلت) فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئاً ثم صليت فيه فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً.

(٤ ـ قلت) فإني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنها قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارته.

(٥ ـ قلت) فهل عليّ إن شككت في أنه أصابه شيء أن انظر فيه قال لا ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك الّذي وقع في نفسك.

٦٠