عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٢٠

(قوله فلا وجه للإشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة من التكليف وعدم المنع عن الفعل بما في الرسالة ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن الأدلة الأربعة التي استدل بها للبراءة (ما لفظه) وقد يستدل على البراءة بوجوه غير ناهضة منها استصحاب البراءة المتيقنة حال الصغر أو الجنون إلى ان أورد أعلى الله مقامه على هذا الوجه الأول إيراداً طويلا مضطرباً جداً (وملخصه) كما تقدم في أصل البراءة بعد التدبر التام فيه ان المستصحب هو أحد أمور ثلاثة إما براءة الذّمّة أو عدم المنع من الفعل أو عدم استحقاق العقاب عليه ولا أثر للمستصحبات المذكورة سوى أمرين عدم ترتب العقاب على الفعل في الآخرة والإذن والترخيص في الفعل أما عدم ترتب العقاب عليه في الآخرة فليس من اللوازم المجعولة الشرعية لتلك المستصحبات المذكورة كي يحكم به في الظاهر وأما الإذن والترخيص في الفعل فهو من المقارنات لتلك المستصحبات فهو نظير إثبات وجود أحد الضدين بنفي الآخر بأصالة العدم نعم لو كان اعتبار الاستصحاب من باب الظن وكان من الأمارات أو قلنا بالأصل المثبت صح التمسك به حينئذ لإثبات اللازم وإن لم يكن شرعياً أو لإثبات المقارن وان لم تكن الملازمة شرعية (هذا ملخص) كلام الشيخ أعلى الله مقامه.

(واما المصنف) فيقول في جوابه ما حاصله ان عدم ترتب العقاب في الآخرة وإن لم يكن من اللوازم المجعولة الشرعية حتى يحكم به الشارع في الظاهر ولكن عدم المنع من الفعل بنفسه أمر قابل للاستصحاب من دون حاجة إلى ترتب أثر مجعول عليه وذلك لما عرفت آنفا من عدم التفاوت في المستصحب أو المترتب على المستصحب بين أن يكون هو ثبوت الحكم ووجوده أو عدمه ونفيه فإذا استصحب عدم المنع من الفعل رتب عليه قهرا عدم ترتب العقاب في الآخرة فإنه وإن كان لازماً عقلياً له ولكنه لازم مطلق لعدم المنع ولو في الظاهر وستعرف شرح ذلك في التنبيه الآتي من ان اللازم العقلي أو العادي إنما لا يثبت بالاستصحاب إذا كان

١٨١

لازماً للمستصحب واقعاً واما إذا كان لازماً له ولو في الظاهر فهذا مما يثبت به بلا كلام فانتظر يسيراً.

(قوله فتأمل ... إلخ)

ولعله إشارة إلى الفرق بين المقام وبين ما سيأتي في التنبيه الآتي فإن الّذي سيأتي فيه هو ثبوت اللازم المطلق لوجود الأثر الشرعي لا لعدم الأثر الشرعي كعدم المنع من الفعل ونحوه.

في اللازم المطلق

(قوله التاسع انه لا يذهب عليك ان عدم ترتب الأثر الغير الشرعي ولا الشرعي بواسطة غيره من العادي أو العقلي ... إلخ)

وحاصل الكلام في هذا التنبيه ان ما تقدم من عدم ثبوت اللازم العادي أو العقلي ولا الأثر الشرعي المترتب عليه انما هو في اللازم العادي أو العقلي للمستصحب واقعاً لا اللازم المطلق له ولو في الظاهر أي سواء كان لوجوده الواقعي أو الظاهري (والسر فيه) ان ثبوت اللازم الواقعي للمستصحب يحتاج إلى أحد أمرين.

(إما تحقق المستصحب واقعاً) ولم يتحقق سوى وجوده ظاهراً.

(وإما سراية التعبد) والتنزيل من المستصحب إلى لازمه العادي أو العقلي ولم يثبت بأخبار الاستصحاب أكثر من تنزيل نفس المستصحب وحده بلحاظ ما له من الأثر الشرعي دون العادي أو العقلي (وهذا بخلاف) اللازم المطلق للمستصحب فإنه مما يثبت بلا حاجة إلى تنزيل نفس اللازم أصلا فإن ملزومه عبارة عن وجود المستصحب مطلقا ولو في الظاهر وقد تحقق فيترتب عليه قهراً (وعليه) فإذا ثبت الحكم الشرعي سواء كان بخطاب الاستصحاب بأن استصحب أو كان من آثار المستصحب أو بغير خطاب الاستصحاب من أنحاء الخطاب مما يعتبر شرعاً ثبت اثره الشرعي لو

١٨٢

كان له أثر كذلك مترتب عليه بنذر وشبهه كما تقدم التمثيل له في صدر التنبيه السابع وثبت أيضا اثره العقلي المطلق من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة.

(قوله أو بواسطة أثر شرعي آخر ... إلخ)

وقد مثلنا له فيما تقدم في صدر التنبيه السابع بوجوب التصدق بدرهم أو بدرهمين المترتب على حرمة المائع الخارجي بنذر وشبهه فإذا استصحب خمرية المائع الخارجي ورتب عليه اثره الشرعي وهو الحرمة ثبت اثره الشرعي الّذي كان له بوساطة هذا الأثر أيضاً وهو وجوب التصدق بدرهم أو بدرهمين.

(قوله حسبما عرفت فيما مرّ ... إلخ)

قد مرّت الإشارة من المصنف في صدر التنبيه السابع إلى الأثر الشرعي الّذي كان للمستصحب بوساطة أثر شرعي آخر بقوله كما لا شبهة في ترتيب ما للحكم المنشأ بالاستصحاب من الآثار الشرعية والعقلية ... إلخ كما انه قد أشار إلى اللازم المطلق بقوله والعقلية وقد أشرنا نحن إلى ذلك كله هناك فلا تغفل.

(قوله لا بالنسبة إلى ما كان للأثر الشرعي مطلقاً ... إلخ)

كان الأنسب أن يقول لا بالنسبة إلى ما للمستصحب مطلقاً ولو ظاهراً.

(قوله فما للوجوب عقلا يترتب على الوجوب الثابت شرعاً باستصحابه أو استصحاب موضوعه ... إلخ)

أي فما للوجوب من اللازم العقلي المطلق من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة هو مما يترتب على الوجوب المستصحب أو الوجوب المترتب على المستصحب لا محالة كما انه مما يترتب هو على الوجوب الثابت بغير الاستصحاب أيضا من أنحاء الخطاب مما يعتبر شرعا أو عقلا.

١٨٣

في لزوم كون المستصحب حكماً شرعياً

أو ذا حكم شرعي

(قوله العاشر انه قد ظهر مما مرّ لزوم أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو ذا حكم كذلك ... إلخ)

نعم قد ظهر لزوم ذلك مما مرّ ولكن لم يظهر منه قدس‌سره وجه لزومه سوى ما ظهر منا قبلا من استقلال العقل بذلك نظراً إلى أن المستصحب إن لم يكن حكماً شرعياً ولا موضوعاً ذا حكم شرعي كان التعبد به من الشارع لغواً جداً فتأمل جيداً

(قوله لكنه لا يخفى انه لا بد أن يكون كذلك بقاء ولو لم يكن كذلك ثبوتاً ... إلخ)

أي لكنه لا يخفى انه لا بد أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً ذا حكم شرعي ولو بقاء أي عند الشك فيه لا حدوثاً أي عند اليقين به وذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عما تيقن به مطلقاً ولو كان حكماً أو موضوعاً ذا حكم بقاء لا حدوثاً.

(وقد مثّل المصنف) للأول باستصحاب عدم التكليف فإنه في الأزل لم يكن حكماً مجعولا ولكنه عند الشك في التكليف هو حكم مجعول شرعاً نظراً إلى كون امر بقائه ورفعه بيد الشارع فعلا كما هو الحال في وجود التكليف عيناً (هذا) ولكن لا يخفى ان ذلك مناف لما تقدم منه آنفاً من قوله وعدم إطلاق الحكم على عدمه يعني عدم الأثر غير ضائر (ثم إنه) قدس‌سره لم يمثل للثاني أي لاستصحاب موضوع لم يكن له حكم شرعي حدوثاً وكان له حكم كذلك بقاء ولعله لوضوحه فإذا فرض مثلا أن اجتهاد زيد لم يكن ذا أثر شرعي عند اليقين به

١٨٤

ولكن فعلا لو كان باقياً له أثر شرعي بأن صدر أمر من الشارع بعداً بتقليد المجتهد فيصح حينئذ استصحابه وترتيب الأثر عليه شرعاً.

(قوله والعمل كما إذا قطع بارتفاعه يقيناً ... إلخ)

عطف على رفع اليد عنه أي وذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه والعمل بنحو كأنه قطع بارتفاع يقيناً.

(قوله ووضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتاً فيه ... إلخ)

عطف على صدق نقض اليقين أي وذلك لصدق نقض اليقين بالشك ولوضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة حدوثاً فيه.

(قوله من اعتبار كون المستصحب حكماً أو ذا حكم ... إلخ)

متعلق بقوله يتوهمه أي يتوهمه من اعتبار كون المستصحب حكماً أو ذا حكم ... إلخ وليس هو متعلقاً بالغافل فلا تغفل.

في الشك في التقدم والتأخر وبيان

المقام الأول منه

(قوله الحادي عشر لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقق حكم أو موضوع وأما إذا كان الشك في تقدمه وتأخره بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان فإنه لوحظ بالإضافة إلى أجزاء الزمان ... إلخ)

(لا إشكال) في جريان الاستصحاب إذا شك في أصل حدوث الحادث حكماً كان أو موضوعاً ذا حكم (وأما إذا شك) في تقدمه وتأخره بعد العلم بتحقق أصله (فتارة) يلاحظ تقدمه وتأخره بالنسبة إلى أجزاء الزمان كما إذا علم ان زيداً ميت لا محالة ولم يعلم أنه مات يوم الخميس أو مات يوم الجمعة.

١٨٥

(وأخرى) يلاحظ تقدمه وتأخره بالنسبة إلى حادث آخر قد عليم بحدوثه أيضاً كما إذا علم بموت متوارثين على التعاقب ولم يعرف المتقدم منهما عن المتأخر (فهاهنا) مقامان من الكلام.

(اما المقام الثاني) فسيأتي الكلام فيه عند قول المصنف وإن لوحظ بالإضافة إلى حادث آخر ... إلخ.

(وأما المقام الأول) فحاصل الكلام فيه انه لا إشكال في استصحاب عدم تحقق الحادث في الزمان الأول وترتيب آثار عدمه لا آثار تأخره عن الزمان الأول ولا آثار حدوثه في الزمان الثاني فإنه بالنسبة إلى عنواني التأخر والحدوث مثبت ولا عبرة بالأصل المثبت كما عرفت تفصيله في التنبيه السابع (إلّا بدعوى) خفاء الواسطة (أو بدعوى) عدم التفكيك بين تنزيل عدم تحققه في الزمان الأول وتنزيل تأخره عنه أو حدوثه في الزمان الثاني وقد أشار الشيخ أعلى الله مقامه إلى خصوص الدعوى الأولى فقط دون الثانية (قال) فإذا شك في مبدأ موت زيد مع القطع بكونه يوم الجمعة ميتاً فحياته قبل الجمعة الثابتة بالاستصحاب مستلزمة عقلا لكون مبدأ موته يوم الجمعة وحيث تقدم في الأمر السابق انه لا يثبت بالاستصحاب بناء على العمل به من باب الاخبار لوازمه العقلية فلو ترتب على حدوث موت زيد في يوم الجمعة لا على مجرد حياته قبل الجمعة حكم شرعي لم يترتب على ذلك نعم لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن أو كان اللازم العقلي من اللوازم الخفية جرى فيه ما تقدم ذكره آنفاً (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله نعم لا بأس بترتيبها بذلك الاستصحاب بناء على انه عبارة عن أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق وعدم الوجود في السابق ... إلخ)

أي لا بأس بترتيب آثار حدوثه في الزمان الثاني باستصحاب عدم تحققه في الزمان الأول بناء على ان الحدوث أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق وهو محرز بالوجدان وعدم الوجود في الزمان السابق وهو محرز بالاستصحاب فيثبت به

١٨٦

الحدوث (وقد أشار إليه الشيخ) أعلى الله مقامه واتخذه المصنف منه (قال) وتحقيق المقام وتوضيحه أن تأخر الحادث قد يلاحظ بالقياس إلى ما قبله من أجزاء الزمان كالمثال المتقدم فيقال الأصل عدم موت زيد قبل الجمعة فيترتب عليه جميع الأحكام ذلك العدم لا أحكام حدوثه يوم الجمعة إذ المتيقن بالوجدان تحقق الموت يوم الجمعة لا حدوثه إلّا ان يقال ان الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم وإذا ثبت بالأصل عدم الشيء سابقاً وعلم بوجوده بعد ذلك فوجوده المطلق في الزمان اللاحق إذا انضم إلى عدمه قبل ذلك الثابت بالأصل تحقق مفهوم الحدوث (انتهى).

في المقام الثاني من الشك في التقدم والتأخر

وبيان مجهولي التاريخ منه

(قوله وإن لوحظ بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضاً وشك في تقدم ذاك عليه وتأخره عنه ... إلخ)

إشارة إلى المقام الثاني من الشك في التقدم والتأخر وهو ما إذا لوحظ تقدم الحادث وتأخره بالنسبة إلى حادث آخر قد علم بحدوثه أيضا كما إذا علم بموت متوارثين على التعاقب ولم يعرف المتقدم منهما عن المتأخر (وهاهنا) موضعان من الكلام.

(الموضع الأول) ما إذا كان كل من الحادثين مجهول التاريخ (وقد أشار إليه المصنف) بقوله الآتي فإن كانا مجهولي التاريخ ... إلخ.

(والموضع الثاني) ما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهول التاريخ (وقد أشار إليه المصنف) بقوله الآتي وأما لو علم بتاريخ أحدهما ... إلخ.

(أما الموضع الثاني) فسيأتي الكلام فيه.

١٨٧

(وأما الموضع الأول) (فقد قال فيه الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) فإن جهل تاريخهما فلا يحكم بتأخر أحدهما المعين عن الآخر لأن التأخر في نفسه ليس مجري الاستصحاب لعدم مسبوقيته باليقين واما أصالة عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر فهي معارضة بالمثل وحكمه التساقط مع ترتب الأثر على كل واحد من الأصلين وسيجيء تحقيقه إن شاء الله تعالى يعني به في تعارض الاستصحابين (ثم قال) وهل يحكم بتقارنهما في مقام يتصور التقارن لأصالة عدم كل منهما قبل وجود الآخر وجهان من كون التقارن امراً وجودياً لازماً لعدم كون كل منهما قبل الآخر ومن كونه من اللوازم الخفية حتى كاد يتوهم انه عبارة عن عدم تقدم أحدهما على الآخر في الوجود (انتهى) كلامه رفع مقامه.

(واما المصنف) فقد أطال الكلام فيه (وملخصه) ان الأثر الشرعي في مجهولي للتاريخ.

(تارة) يكون لتقدم أحدهما أو لتأخره أو لتقارنه بنحو مفاد كان التامة (وقد أشار إليه) بقوله فتارة كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن ... إلخ.

(وأخرى) يكون للحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التقارن بنحو مفاد كان الناقصة (وقد أشار إليه) بقوله واما إن كان مترتبا على ما إذا كان متصفاً بالتقدم أو بأحد ضديه ... إلخ.

(وثالثة) يكون للعدم النعتيّ أي للحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد كان الناقصة (وقد أشار إليه) بقوله فالتحقيق انه أيضاً ليس بمورد للاستصحاب فيما كان الأثر المهم مترتبا على ثبوته المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر ... إلخ.

(ورابعة) يكون للعدم المحمولي أي لعدم أحدهما في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد ليس التامة (وقد أشار إليه) بقوله وكذا فيما كان مترتباً على نفس

١٨٨

عدمه في زمان الآخر واقعاً ... إلخ فهاهنا صور أربع مستفادة كلها من كلام المصنف

(اما الصورة الأولى) فقال فيها ما حاصله إن الأثر إذا كان لتقدم أحدهما أو لتأخره أو لتقارنه دون الحادث الآخر ولا لهذا الحادث بجميع أنحائه فاستصحاب عدمه بنحو ليس التامة جار بلا معارض لليقين السابق به والشك اللاحق فيه بخلاف ما إذا كان الأثر لتقدم كل منهما أو لتأخر كل منهما أو لتقارن كل منهما أو كان لأحدهما بجميع أنحائه من التقدم والتأخر والتقارن فإن الاستصحاب حينئذ يعارض

(واما الصورة الثانية) وهي ما إذا كان الأثر مترتبا على الحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التقارن بنحو مفاد كان الناقصة (فقال) فيها بعدم جريان الاستصحاب أصلا ولو كان الأثر مفروضاً في طرف واحد دون الآخر وذلك لعدم اليقين السابق فيه.

(وأما الصورة الثالثة) وهي ما إذا كان الأثر للعدم النعتيّ أي للحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد كان الناقصة (فقال) فيها بعدم جريان الاستصحاب أيضا أي ولو كان الأثر مفروضاً في طرف واحد دون الآخر وذلك لعدم اليقين السابق فيه كما في الصورة الثانية عيناً (هذا) ولكن الظاهر انه لا وجه لعدم جريان الاستصحاب في هذه الصورة فان الحادث كان متصفاً بالعدم من الأزل فيستصحب كونه كذلك بنحو مفاد كان الناقصة إلى زمان حدوث الآخر بلا مانع عنه أصلا سوى المعارضة إذا كان الأثر مفروضاً في كلا الطرفين.

(واما الصورة الرابعة) التي هي عمدة الصور الأربع وهي ما إذا كان الأثر للعدم المحمولي أي لعدم أحدهما في زمان حدوث الآخر (فقال) فيها بعدم جريان الاستصحاب لكن لا للمعارضة بالمثل والتساقط كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه كي تختص المعارضة بما إذا كان الأثر مفروضا في كلا الطرفين بل لاختلال أركان الاستصحاب من أصلها ولو كان الأثر مفروضاً في طرف واحد دون الآخر (وذلك) لعدم إحراز اتصال زمان شكه بزمان يقينه فإذا علم مثلا إجمالا بموت كل

١٨٩

من زيد وعمرو على التعاقب وأنه مات أحدهما في يوم الخميس والآخر في يوم الجمعة ولم يعلم أن أيهما مات في يوم الخميس وأيهما مات في يوم الجمعة فلا يستصحب عدم موت زيد من زمان اليقين به وهو يوم الأربعاء إلى زمان موت عمرو لأن زمان الشك وهو زمان موت عمرو لم يعلم انه هل هو يوم الخميس كي يكون متصلا بزمان اليقين أو أنه يوم الجمعة كي يكون منفصلا عنه باتصال حدوث موت زيد به فإذا لم يحرز باتصال زمان الشك بزمان اليقين فلا مجال للاستصحاب حينئذ (قال) حيث لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشك من نقض اليقين بالشك ... إلخ (والظاهر) من قوله هذا وإن لم يصرح به تصريحاً انه يحتمل حينئذ نقض اليقين باليقين فإن زمان الشك وهو زمان موت عمرو إذا كان يوم الجمعة وكان منفصلا عن زمان اليقين وهو يوم الأربعاء فقد تخلل بينهما موت زيد المعلوم بالإجمال فإذا احتمل تخلل المعلوم بالإجمال احتمل تخلل العلم قهرا فإن العلم تابع للمعلم إذ حيثما كان المعلوم كان العلم هناك فإذا احتمل تخلل العلم احتمل نقض اليقين باليقين فتكون الشبهة مصداقية فلا يجري الاستصحاب أصلا.

(قوله كما إذا علم بعروض حكمين ... إلخ)

أي في موضوع واحد ولم يعرف السابق من اللاحق كي يكون العمل على اللاحق الناسخ لا على السابق المنسوخ.

(قوله فإن كانا مجهولي التاريخ ... إلخ)

إشارة إلى الموضع الأول من المقام الثاني وأما الموضع الثاني فسيأتي الإشارة إليه كما نبهنا قبلا بقوله وأما لو علم بتاريخ أحدهما ... إلخ فانتظر.

(قوله فتارة كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن ... إلخ)

إشارة إلى الصورة الأولى من الصور الأربع المتقدمة كما أشرنا قبلا.

١٩٠

(قوله ولا له بنحو آخر ... إلخ)

كان الصحيح أن يقول ولا له بجميع أنحائه فإن مجرد ثبوت الأثر للحادث بنحوين من أنحائه كالتقدم والتأخر مما لا يوجب التعارض كما لا يخفى بل يجري أصالة عدم كل منهما بلا معارض وإن لم يثبت بهما التقارن ويمكن استفادة ما ذكرناه من قوله الآتي أو لكل من أنحاء وجوده فإنه حينئذ يعارض ... إلخ.

(قوله واما إن كان مترتباً على ما إذا كان متصفاً بالتقدم أو بأحد ضديه ... إلخ)

إشارة إلى الصورة الثانية من الصور الأربع المتقدمة كما نبهنا قبلا.

(قوله وأخرى كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر ... إلخ)

هذا في قبال قوله المتقدم فتارة كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص إلى آخره (ثم إن) هذه العبارة جامعة بين الصورتين الأخيرتين من الصور الأربع المتقدمة أي العدم النعتيّ والعدم المحمولي جميعا وسيفرزهما المصنف بعضهما عن بعض ويبين حكم كل منهما على حدّه فانتظر يسيراً.

(قوله فالتحقيق انه أيضا ليس بمورد للاستصحاب فيما كان الأثر المهم مترتبا على ثبوته المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر ... إلخ)

إشارة إلى الصورة الثالثة من الصور الأربع المتقدمة كما ذكرنا قبلا.

(قوله وكذا فيما كان مترتباً على نفس عدمه في زمان الآخر واقعاً إلى آخره)

إشارة إلى الصورة الرابعة من الصور الأربع المتقدمة كما بينا قبلا.

(قوله وان كان على يقين منه في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما إلى آخره)

أي وان كان على يقين من عدم أحدهما في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما

١٩١

وهو في مثالنا المتقدم يوم الأربعاء كما أن زمان اليقين بحدوث أحدهما هو يوم الخميس فلا تغفل.

(قوله وبالجملة كان بعد ذاك الآن الّذي قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما زمانان ... إلخ)

أي وبالجملة كان بعد يوم الأربعاء في مثالنا المتقدم زمانان.

(أحدهما) يوم الخميس وهو زمان حدوث أحدهما.

(والآخر) يوم الجمعة وهو زمان حدوث الآخر الّذي يكون ظرفاً للشك في ان موت زيد في مثالنا المتقدم هل هو حادث فيه أو في قبله.

(قوله لا يقال لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين بذاك الآن وهو بتمامه زمان الشك في حدوثه ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) انه لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين وهو في مثالنا المتقدم يوم الخميس ويوم الجمعة بذلك الآن الّذي هو قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما أي يوم الأربعاء وأن مجموع الزمانين هو زمان الشك في حدوث موت زيد فكيف يقال بعدم إحراز اتصال زمان شكه بزمان يقينه (وحاصل الجواب) ان هذا إذا لوحظ موت زيد بالنسبة إلى أجزاء الزمان فيستصحب عدم موت زيد من زمان اليقين به وهو الأربعاء إلى الخميس بل إلى بعض الجمعة بلا مانع عنه واما إذا لوحظ بالنسبة إلى موت عمرو وكان هو الظرف للشك فلا شبهة في تردده وعدم تعينه وعدم إحراز اتصاله بزمان اليقين فلا يستصحب عدم موت زيد من الأربعاء إلى حين موت عمرو الغير المعلوم اتصاله بالأربعاء.

(قوله فانقدح انه لا مورد هاهنا للاستصحاب لاختلال أركانه لا أنه مورده وعدم جريانه انما هو بالمعارضة ... إلخ)

أي فانقدح بما تقدم كله انه لا مورد للاستصحاب في الصورة الرابعة وهي ما إذا كان الأثر للعدم المحمولي أي لعدم أحدهما في زمان حدوث الآخر وذلك لاختلال

١٩٢

أركانه من ناحية عدم إحراز اتصال زمان شكه بزمان يقينه لا للمعارضة بالمثل والتساقط كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه كي يختص عدم الجريان بما إذا كان الأثر مفروضاً في كلا الطرفين لا في طرف واحد.

(وبالجملة) لو كان السبب لعدم جريان الاستصحاب هو المعارضة فلا مانع عن جريانه فيما إذا كان الأثر مفروضاً في طرف واحد وأما إذا كان السبب لعدم جريانه هو عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين فلا يكاد يجري الاستصحاب حتى فيما إذا كان الأثر مفروضاً في طرف واحد لا في الطرفين.

إذا علم بتاريخ أحد الحادثين دون الآخر

(قوله واما لو علم بتاريخ أحدهما ... إلخ)

إشارة إلى الموضع الثاني من الحادث الملحوظ تقدمه وتأخره بالنسبة إلى حادث آخر وهو في قبال قوله المتقدم فإن كانا مجهولي التاريخ الّذي قد أشار به إلى الموضع الأول (وحاصله) ان الحادثين إذا كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهول التاريخ

(فتارة) يكون الأثر مترتباً على تقدم أحدهما أو تأخره أو تقارنه بنحو مفاد كان التامة (وقد أشار إليه) بقوله فلا يخلو أيضاً إما يكون الأثر المهم مترتباً على الوجود الخاصّ من المقدم أو المؤخر أو المقارن ... إلخ.

(وأخرى) يكون مترتباً على الحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التقارن

(وثالثة) على الحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر (وقد أشار) إلى هاتين الصورتين إلى الثانية والثالثة بقوله وإما يكون مترتبا على ما إذا كان متصفاً بكذا ... إلخ.

(ورابعة) على عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر (وقد أشار إليه) بقوله وإما يكون مترتباً على عدمه الّذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر ... إلخ فهاهنا صور أربع كما في الموضع الأول عيناً.

١٩٣

(اما الصورة الأولى) فقد حكم فيها بجريان استصحاب العدم أي عدم التقدم أو التأخر أو التقارن لو لا المعارضة باستصحاب العدم في الطرف الآخر أو المعارضة باستصحاب العدم في نفس هذا الطرف كما تقدم في الموضع الأول حرفاً بحرف (أما المعارضة) باستصحاب العدم في نفس هذا الطرف فواضح فإن الأثر إذا كان لكل من تقدم هذا وتأخره وتقارنه فاستصحاب عدم كل يعارض باستصحاب عدم الآخر (واما المعارضة) باستصحاب العدم في الطرف الآخر فكذلك فان الآخر هب ان تاريخ حدوثه معلوم ولكن تقدمه على هذا أو تأخره عنه أو تقارنه معه غير معلوم فالأصل عدمه إذا كان الأثر مفروضاً فيه أيضاً فيتعارضان الأصلان.

(واما الصورة الثانية والثالثة) فقد حكم فيهما بعدم جريان الاستصحاب لعدم اليقين السابق بعد فرض كون الأثر مترتباً على الحادث المتصف بكذا بنحو مفاد كان الناقصة كما في الثانية والثالثة من الموضع الأول عيناً ولكنك قد عرفت منا هناك جريان الاستصحاب في الصورة الثالثة كما انك قد عرفت وجهه أيضاً كما هو حقه فلا نعيد.

(واما الصورة الرابعة) فقد حكم فيها بجريان استصحاب العدم في خصوص مجهول التاريخ من الحادثين دون معلوم التاريخ (اما الجريان) في مجهول التاريخ فلأن زمان الشك حينئذ وهو زمان حدوث معلوم التاريخ قد أحرز اتصاله بزمان اليقين وليس مردداً بين زمانين كي لا يحرز اتصاله بزمان اليقين (واما عدم الجريان) في معلوم التاريخ فلعدم الشك فيه في زمان أصلا فإنه قبل حدوثه المعلوم لنا وقته تفصيلا لا شك في انتفائه وبعده لا شك في وجوده وهذا واضح.

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما اختار فيما كان أحد الحادثين معلوم التاريخ والآخر مجهول التاريخ جريان أصالة العدم في خصوص مجهول التاريخ كما اختاره المصنف عينا وإن لم يثبت بها تأخره عن معلوم التاريخ إلا على القول بالأصل

١٩٤

المثبت (قال ما لفظه) ثم إنه يظهر من الأصحاب هنا قولان آخر ان.

(أحدهما) بجريان الأصل في طرف مجهول التاريخ وإثبات تأخره عن معلوم التاريخ بذلك وهو ظاهر المشهور وقد صرح بالعمل به الشيخ وابن حمزة والمحقق والعلامة والشهيدان وغيرهم في بعض الموارد.

(منها) مسألة اتفاق الوارثين على إسلام أحدهما في غرة رمضان واختلافهما في موت المورّث قبل الغرة أو بعدها فإنهم حكموا بأن القول قول مدعي تأخر الموت

(إلى ان قال الثاني) عدم العمل بالأصل وإلحاق صورة جهل تاريخ أحدهما بصورة جهل تاريخهما (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله فلا يخلو أيضاً إما يكون الأثر المهم مترتباً على الوجود الخاصّ من المقدم أو المؤخر أو المقارن ... إلخ) إشارة إلى الصورة الأولى من الصور الأربع المتقدمة للموضع الثاني كما أشرنا قبلا

(قوله وإما يكون مترتبا على ما إذا كان متصفاً بكذا ... إلخ) قد جمع بهذه العبارة بين صورتين من الصور الأربع المتقدمة للموضع الثاني كما بينا قبلا بين الصورة الثانية وهي ما كان الأثر مترتباً على الحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التقارن وبين الصورة الثالثة وهي ما كان الأثر مترتباً على الحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر.

(قوله وإما يكون مترتبا على عدمه الّذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر ... إلخ) إشارة إلى الصورة الرابعة من الصور الأربع المتقدمة للموضع الثاني كما نبهنا قبلا.

(قوله وقد عرفت جريانه فيهما تارة وعدم جريانه كذلك أخرى إلى آخره)

أي قد عرفت جريان الاستصحاب في الحادثين.

(تارة) يعني جريانه فيهما في الجملة كما في الصورة الأولى من الموضعين مما

١٩٥

كان الأثر لتقدم أحدهما أو لتأخره أو لتقارنه لا للآخر ولا له بجميع أنحائه وفي الصورة الرابعة من الموضع الثاني مما كان الأثر لعدم أحدهما في زمان حدوث الآخر وكان الآخر معلوم التاريخ (كما أنك قد عرفت) أيضاً عدم جريان الاستصحاب في الحادثين.

(أخرى) وذلك كما في الصورة الثانية والثالثة من الموضعين جميعاً وفي الصورة الرابعة من الموضع الأول دون الموضع الثاني فتأمل جيداً.

(قوله فانقدح انه لا فرق بينهما كان الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين ولا بين مجهوله ومعلومه في المختلفين ... إلخ)

أي فانقدح بما تقدم انه لا فرق بين الحادثين سواء كانا مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين ولا بين مجهوله ومعلومه في المختلفين في الصورة الثانية والثالثة أصلا وهي ما كان الأثر مترتباً على الحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التقارن أو المتصف بالعدم في زمان الآخر وذلك لعدم اليقين السابق فيه كما تقدم.

في تعاقب الحالتين

(قوله كما انقدح انه لا مورد للاستصحاب أيضاً فيما تعاقب حالتان متضادتان كالطهارة والنجاسة ... إلخ)

الفرق بين الحادثين المعلوم تحققهما بالإجمال وبين الحالتين المتعاقبتين ان الحادثين لا يعرضان لمحل واحد كموت المتوارثين ونحوه والحالتان المتعاقبتان تعرضان لمحل واحد كما إذا علم ان ثوبه كان طاهراً في ساعة حين ملاقاته للكر وكان نجساً في ساعة أخرى حين ملاقاته للبول ولم يعلم أي الحالتين كان سابقا وأيهما كان لا حقاً أو علم انه كان متطهراً في ساعة حين ما توضأ وكان محدثاً في ساعة أخرى حين ما بال ولم يعلم أي الحالتين كان مقدماً وأيهما كان مؤخراً (هذا) مضافاً إلى أن الكلام

١٩٦

في الحادثين يقع في استصحاب عدم أحدهما إلى حال حدوث الآخر وهاهنا يقع الكلام في استصحاب وجود إحداهما إلى الحال الحاضر (وعلى كل حال) يقول المصنف قد انقدح مما تقدم كله حال الاستصحاب في المقام فكما ان هناك أعني في مجهولي التاريخ لم يستصحب عدم أحدهما إلى زمان حدوث الآخر لعدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين على التقريب المتقدم لك شرحه فكذلك في المقام لا يستصحب وجود إحدى الحالتين إلى الحال الحاضر لكن لعدم إحراز اتصال زمان اليقين بزمان الشك لا زمان الشك بزمان اليقين فمثلا إذا أردنا استصحاب حالة الطهارة الخبثية أو الحدثية فإن كانت لاحقة فقد اتصل زمان اليقين بزمان الشك الحاضر وإن كانت سابقة فقد انفصل عنه وتخلل بينهما حالة النجاسة أو حالة الحدث المعلومة بالإجمال وهكذا الأمر إذا أردنا استصحاب حالة النجاسة أو حالة الحدث

(أقول)

والظاهر انه لا فرق في المقام في عدم جريان استصحاب إحدى الحالتين بين ان كانتا مجهولتي التاريخ جميعاً أو كانت إحداهما معلومة التاريخ دون الأخرى فإن معلوم التاريخ وان كان تاريخ حدوثه معلوماً لنا ولكن اتصاله بزمان الشك الحاضر غير معلوم لنا لاحتمال انفصاله عنه وتخلل المجهول تاريخه بينهما المعلوم تحققه بالإجمال (وهكذا الأمر) في عدم جريان الاستصحاب على مسلك المعارضة أيضاً فإن تاريخ حدوث المعلوم تاريخه وإن كان معلوماً لنا ولكن بقائه إلى الحال الحاضر مشكوك لنا لاحتمال تحقق المجهول تاريخه بعده فيستصحب المعلوم تاريخه ويعارض استصحابه باستصحاب المجهول تاريخه فيرجع إلى قاعدة الطهارة في مثال الطهارة والنجاسة وإلى قاعدة الاشتغال في مثال الطهارة والحدث فيتوضأ للصلاة ولسائر ما يشترط بالطهارة الحدثية (ولعل) من هنا لم يؤشر المصنف إلى التفصيل في المقام أصلا ويظهر منه عدم جريان الأصل فيه مطلقاً (هذا ولكن يظهر) من بعض كلمات الشيخ أعلى الله مقامه ان حال الحالتين المتعاقبتين هي كحال الحادثين

١٩٧

المعلوم تحققهما إجمالا حيث جعل مسألة اشتباه تقدم الطهارة أو الحدث في رديف مسألة اشتباه الجمعتين واشتباه موت المتوارثين ومسألة اشتباه تقدم رجوع المرتهن عن الإذن في البيع على وقوع البيع أو تأخره عنه وغير ذلك وهو لا يخلو عن مسامحة وسرّه يظهر لك مما تقدم آنفاً في وجه عدم الفرق هنا بين أن كانت الحالتان مجهولتي التاريخ جميعاً أو كانت إحداهما معلومة التاريخ دون الأخرى (وكيف كان) الحق هو عدم جريان الاستصحاب في الحالتين المتعاقبتين مطلقاً سواء كانتا مجهولتي التاريخ جميعاً أو كانت إحداهما معلومة التاريخ دون الأخرى (والظاهر) أنه المشهور بين الأصحاب كما عن غير واحد وفي المسألة أقوال أخر أربعة (وهو الأخذ بضد الحالة السابقة) على الحالتين إن كانت معلومة لنا وهو المنسوب إلى المحقق الثاني وجماعة بل وإلى المحقق الأول أيضاً في المعتبر (والأخذ بوفق الحالة السابقة) على الحالتين إن كانت معلومة لنا وهو الّذي اختاره العلامة في المختلف وصرح بمصيره إليه في أكثر كتبه (والتفصيل) بين ما لو جهل تاريخهما فكالمشهور وبين ما لو علم تاريخ إحداهما فيحكم بتأخر الحالة المجهولة تاريخهما عن المعلومة تاريخهما وذلك لأصالة تأخر الحادث وهو المنصوب إلى بعض متأخري المتأخرين بل وإلى منظومة الطباطبائي أيضاً (أو يحكم) بإجراء الاستصحاب في المعلومة تاريخها دون المجهولة لعدم اتصال الشك فيها باليقين وهو الّذي اختاره صاحب العروة رحمه‌الله وقد ذكرنا تفصيل هذه الأقوال كلها مع ما فيها من النقض والإبرام جميعاً في الفقه في أحكام الوضوء في كتابنا الموسوم بالفروع المهمة في أحكام الأمة فراجع إن شئت وتدبر.

(قوله وشك في ثبوتهما وانتفائهما للشك في المقدم والمؤخر منهما إلى آخره)

أي وشك في ثبوت كل من الطهارة والنجاسة فعلا وانتفائه كذلك للشك في المقدم منهما والمؤخر.

١٩٨

(قوله وانه ليس من تعارض الاستصحابين ... إلخ)

وذلك لما عرفت من اختلال أركان الاستصحاب من أصلها لعدم إحراز اتصال زمان اليقين بزمان الشك واحتمال تخلل الحالة والأخرى المعلومة بالإجمال بينهما فإذا احتمل تخلل المعلوم احتمل تخلل العلم قهراً فإن العلم تابع للمعلوم وإذا احتمل تخلل العلم احتمل نقض اليقين باليقين فتكون الشبهة مصداقية فلا يجري الاستصحاب أصلا.

في استصحاب الأمور الاعتقادية

(قوله الثاني عشر انه قد عرفت أن مورد الاستصحاب لا بد أن يكون حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم كذلك فلا إشكال فيما كان المستصحب من الأحكام الفرعية أو الموضوعات الصرفة الخارجية أو اللغوية إذا كانت ذات أحكام شرعية ... إلخ)

الغرض من عقد هذا التنبيه الثاني عشر هو تحقيق حال الاستصحاب في الأمور الاعتقادية غير أنه شرع في تحقيقه تدريجاً (وعلى كل حال) حاصل مقصوده من هذه العبارة انك قد عرفت في التنبيه العاشر ان المستصحب لا بد وأن يكون حكماً شرعياً أو موضوعا ذا حكم شرعي (وعليه) فلا إشكال فيما كان المستصحب حكماً من الأحكام الشرعية كوجوب صلاة الجمعة أو موضوعاً صرفاً خارجياً إذا كان ذا حكم شرعي كخمرية المائع الخارجي أو موضوعاً لغوياً إذا كان كذلك أي ذا حكم شرعي كاستصحاب كون الصعيد حقيقة في مطلق وجه الأرض إذا شك في كونه كذلك عند نزول الآية أعني آية التيمم وقد كان له حالة سابقه كذلك (ولكن) لا يخفى ان استصحاب ذلك مما يبتني على حجية الأصل المثبت في باب اللغات كما أشار إليه المصنف في تعليقته على الرسائل أو على خفاء الواسطة ونحوه وإلّا فلا ينفع

١٩٩

الاستصحاب فيه شيئاً فإن مجرد استصحاب كون الصعيد لمطلق وجه الأرض عند نزول الآية مما لا يثبت به جواز التيمم به إلا إذا ثبت به ما هو لازمه من كون المراد منه في الآية الشريفة هو ذلك.

(قوله وأما الأمور الاعتقادية التي كان المهم فيها شرعاً هو الانقياد والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها ... إلخ)

قد عرفت في خاتمة الظن أن الأمور الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من الاعتقاد به والانقياد والتسليم له وعقد القلب عليه على قسمين كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه.

(الأول) وقد أخّره المصنف هاهنا كما أخره هناك أيضاً ما يجب فيه أولا بحكم العقل تحصيل العلم واليقين به ثم يجب بحكم العقل بعد العلم واليقين به الاعتقاد به والانقياد والتسليم له وعقد القلب عليه وهذا كما في التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد

(الثاني) ما لا يجب فيه بحكم العقل ولا بحكم الشرع تحصيل العلم واليقين به ولكن إذا حصل العلم واليقين به بطبعه وجب فيه بحكم العقل والشرع جميعاً الاعتقاد به والانقياد والتسليم له وعقد القلب عليه وهذا كما في تفاصيل البرزخ والقيامة من سؤال النكيرين والصراط والحساب والكتاب والميزان والحوض والجنة والنار وغير ذلك.

(أما القسم الأول) فسيأتي الكلام فيه عند قول المصنف واما التي كان المهم فيها شرعاً وعقلا هو القطع بها ومعرفتها ... إلخ.

(واما القسم الثاني) فحاصل كلام المصنف فيه انه مما يجري الاستصحاب فيه حكماً وموضوعاً إذا كان هناك يقين سابق وشك لا حق.

(أقول)

والظاهر ان جريان استصحاب الحكم في القسم الثاني هو مجرد فرض وإلّا فلا محصل للشك في بقاء وجوب الاعتقاد والانقياد والتسليم وعقد القلب على الأمر الاعتقادي

٢٠٠