عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٢٠

بعد الفرغ لحدوث الشك بعد العمل وعدم وجوده قبله حتى يوجب الأمر بالطهارة والنهي عن الدخول فيه بأوانها (انتهى) (وملخصه) أنه يعتبر في الاستصحاب الشك الفعلي ولا ينفع الشك التقديري أي لو التفت لشك (فإذا تيقن) بالحدث فشك ومجرى استصحاب الحدث وصار محكوماً بكونه محدثا شرعاً بمقتضى الاستصحاب ثم غفل وصلى بطلت صلاته ولا تنفعه قاعدة الفراغ أصلا لأن مجراها الشك الحادث بعد الفراغ لا الموجود من قبل (واما إذا تيقن) بالحدث ثم غفل وصلى واحتمل انه قد تطهر قبل الصلاة بعد حدثه المتيقن صحت صلاته لقاعدة الفراغ وعدم فعلية الشك في الحدث من قبل الصلاة ليكون محكوماً بالحدث من قبل فتبطل صلاته وان كان بحيث لو التفت لشك (ثم إن المصنف) قد زاد على الشيخ أعلى الله مقامه فاعتبر فعلية اليقين أيضاً وانه لا ينفع اليقين التقديري (فقال) ويعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين ... إلخ غير انه قدس‌سره لم يذكر مثالا لليقين التقديري كما ذكر للشك التقديري (ومثاله) على الظاهر هو ما إذا شك في الجنابة عند الزوال وأجرى البراءة عنها وصلى ثم وجد في ثوبه منياً تيقن به انه قد أجنب عند الفجر ولكن احتمل الغسل بعد الفجر صحت صلاته لقاعدة الفراغ فإنه قبل الصلاة وإن شك في الجنابة وتحقق أحد ركني الاستصحاب ولكن لم يتيقن بالجنابة السابقة ليستصحبها وتبطل صلاته وإن كان بحيث لو رأى المني في ثوبه لتيقن بها وجرى استصحابها وبطلت صلاته شرعا فتأمل جيدا.

(قوله فيحكم بفساد صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك ... إلخ)

وإلا بأن احتمل تطهيره بعد الشك قبل الصلاة جرت قاعدة الفراغ أيضا فإنه حين الشك وان كان محكوما بالحدث بمقتضى الاستصحاب ولكن استصحاب والحدث ليس بأقوى من القطع بالحدث فكما انه إذا قطع بالحدث ثم غفل وصلى واحتمل بعد الصلاة انه تطهر بعد القطع بالحدث قبل الصلاة صحت صلاته لقاعدة الفراغ فكذلك فيما إذا استصحب الحدث ثم غفل وصلى واحتمل بعد الصلاة انه تطهر

١٢١

بعد استصحاب الحدث قبل الصلاة صحت صلاته بطريق أولى.

(قوله لا يقال نعم ولكن استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت بعدها يقتضى أيضا فسادها ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) أنه نعم من أحدث ثم غفل وصلى ثم شك في أنه تطهر قبل الصلاة أم لا يكن شاكاً قبل الصلاة كي يجري في حقه استصحاب الحدث ولكن بعد ما صلى وشك في ذلك يجري في حقه استصحاب الحدث من حين اليقين به إلى حال الصلاة وبعدها فتبطل صلاته قهرا (وحاصل الجواب) أنه نعم يجري استصحاب الحدث فعلا بعد الصلاة ويقتضي بطلانها لكن لو لا تقدم قاعدة الفراغ عليه المقتضية لصحتها وسيأتي من المصنف في آخر الاستصحاب إن شاء الله تعالى أن الوجه في تقدم قاعدة الفراغ على الاستصحاب هو التخصيص لأخصية دليلها من دليله (وان كان يظهر من الشيخ) أعلى الله مقامه هاهنا أن وجه تقدم القاعدة على الاستصحاب حكومتها عليه (قال) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) نعم هذا الشك اللاحق يوجب الإعادة بحكم استصحاب عدم الطهارة لو لا حكومة قاعدة الشك بعد الفراغ عليه (انتهى).

(أقول)

والظاهر ان مراده من الحكومة هاهنا ليس معناها الحقيقي إذ ليس في البين شرح ولا نظر كي تتحقق الحكومة بل هو الورود أي نفي الموضوع وهو الشك ولو تعبدا لا حقيقة ويشهد لذلك إطلاقه كثيرا على الأصل السببي انه حاكم على المسببي مع انه مما لا نظر له قطعاً ولكن مع ذلك لا ينبغي إطلاق الحاكم هنا ولو بهذا المعنى على قاعدة الفراغ إذ نفي موضوع الاستصحاب وهو الشك بقاعدة الفراغ المحرزة للطهارة ليس أولى من نفي موضوع قاعدة الفراغ وهو الشك بقاعدة الاستصحاب المحرزة للحدث (ولعله إليه) أشار الشيخ أخيراً بقوله فافهم فراجع (وعلى كل حال) ان الصحيح في وجه تقديم قاعدة الفراغ على الاستصحاب هو ما اختاره المصنف

١٢٢

من التخصيص وسيأتي شرح ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى فانتظر.

هل يكفي الشك في بقاء شيء على تقدير ثبوته

(قوله الثاني انه هل يكفي في صحة الاستصحاب ... إلخ)

(وحاصل الكلام) انه هل يكفي في صحة استصحاب الشيء الشك في بقاءه على تقدير ثبوته وإن لم يحرز ثبوته بالقطع غايته انه إذا أحرز ثبوته بالقطع فبقاؤه التعبدي محرز معلوم بلا شبهة وإلّا فبقاؤه التعبدي تقديري فرضي أي على تقدير ثبوته هو باق تعبداً فيكون نتيجة هذا الاستصحاب هي مجرد الملازمة بين الثبوت والبقاء في الخارج (وجهان) (من عدم) إحراز ثبوت الشيء فلا يقين به ولا بد من اليقين في الاستصحاب فلا يكفي (ومن أن) اعتبار اليقين فيه انما هو لأجل ان يكون التعبد في مرحلة البقاء فقط دون الثبوت لا لأجل أن لليقين خصوصية في الاستصحاب فيكفي بمعنى أنه يثبت حينئذ بالاستصحاب بقاء الشيء على تقدير ثبوته فإذا قامت حجة على ثبوته كانت حجة أيضا على بقاءه وذلك لما ثبت بالاستصحاب من الملازمة بين ثبوته وبين بقاءه (ثم إن مقصود المصنف) من هذا كله هو دفع ما قد يتوجه إليه بناء على ما حققه في الطرق والأمارات من ان المجعول فيهما هو مجرد الحجية أي المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ كما في القطع عينا لا الأحكام الظاهرية كما هو ظاهر الأصحاب رضوان الله عليهم حيث يرد على المصنف حينئذ أنه كيف يستصحب الأحكام التي قامت عليها الطرق والأمارات إذا شك في بقائها إذ لا يقين بالحكم الواقعي كي يستصحب الواقعي ولا حكم ظاهري في البين بناء على جعل الحجية كي يستصحب الظاهري فيندفع الإشكال حينئذ بما ذكره في المقام من أن الاستصحاب مما يتكفل بقاء الحكم الواقعي على تقدير ثبوته ووجوده فتكون الحجة على ثبوته حجة أيضاً على بقاءه لما ثبت من

١٢٣

الملازمة بين الثبوت والبقاء بوسيلة الاستصحاب نظير ما إذا قام الدليل الشرعي على طلوع الشمس فيكون دليلا على وجود النهار أيضا بعد ما ثبت الملازمة بين طلوع الشمس ووجود النهار غايته أن الملازمة في المثال وجدانية وفي المقام تعبدية وهذا واضح.

(أقول)

والإنصاف أن دفع الإشكال مما لا يحتاج إلى مثل هذا الجواب الطويل العريض من الالتزام بكفاية الشك في بقاء شيء على تقدير ثبوته وعدم الحاجة إلى إحراز ثبوته بالعلم واليقين إلى آخر ما ذكره المصنف (فإنه مضافا) إلى ضعفه في حد ذاته فإن اعتبار العلم واليقين في الاستصحاب ربما يكون من البديهي هو تطويل بلا طائل (والصحيح في الجواب) هو ان يقال ان اليقين المعتبر في الاستصحاب أعم من اليقين الوجداني واليقين التنزيلي فدليل الاستصحاب ناطق باعتبار اليقين في الاستصحاب ودليل اعتبار الأمارة ينزل الأمارة منزلة اليقين فيكون دليل الأمارة حاكماً على دليل الاستصحاب وموسعا لدائرته فكما يستصحب الأمر المكشوف باليقين الوجداني فكذلك يستصحب الأمر المكشوف باليقين التنزيلي ولعمري هذا واضح ظاهر لا يحتاج إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإبرام.

(قوله فيما رتب عليه أثر شرعا أو عقلا ... إلخ)

(أما الأثر الشرعي) فواضح (وأما الأثر العقلي) الّذي رتب على المستصحب فهو حكم العقل بوجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة المترتب جميع ذلك كله على الحكم الشرعي المستصحب وسيأتي شرح ذلك كله من المصنف في التنبيه التاسع إن شاء الله تعالى وقد أشار إليه قبله بسطر أيضاً في آخر التنبيه الثامن وعبر عنه باللازم المطلق أي ولو في الظاهر فإن اللازم العقلي الّذي لا يكاد يترتب على المستصحب إنما هو لازم المستصحب واقعاً لا مطلقاً ولو ظاهرا.

١٢٤

(قوله بل ولا شك فانه على تقدير لم يثبت ... إلخ)

أي بل ولا شك في بقائه فإن الشك في البقاء إنما هو على تقدير لم يثبت وهو تقدير ثبوته فكما ان مع عدم إحراز الثبوت لا يقين فكذلك لا شك (وفيه ما لا يخفى) فإن الشك في البقاء ليس إلّا احتمال البقاء وهو موجود بالوجدان فيما احتمل ثبوته وبقائه.

(قوله فيتعبد به على هذا التقدير فيترتب عليه الأثر فعلا ... إلخ)

أي فيترتب عليه الأثر فعلا فيما إذا قامت الحجة على ثبوته فتكون حجة على بقائه أيضا كما سيأتي من المصنف وأشير إليه آنفاً وإلّا فمجرد التعبد بالبقاء على تقدير الثبوت مما لا يوجب ترتب الأثر عليه فعلا كما هو واضح ، (قوله إن قلت كيف وقد أخذ اليقين بالشيء في التعبد ببقائه في الأخبار أو لا يقين في فرض تقدير الثبوت ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) انه كيف يكفي في صحة الاستصحاب الشك في بقاء الشيء على تقدير ثبوته وقد أخذ اليقين بالشيء في التعبد ببقائه في الأخبار ولا يقين في فرض تقدير الثبوت (وحاصل الجواب) انه نعم قد أخذ اليقين بالشيء في التعبد ببقائه في الأخبار ولكنه قد أخذ بما هو كاشف عن الواقع ليكون التعبد في مرحلة البقاء فقط دون الثبوت والتعبد مع فرض ثبوته بالحجة يكون في مرحلة بقائه أيضاً دون ثبوته.

(أقول)

ومرجع هذا الجواب الّذي التأمل إلى أن اليقين بالشيء المأخوذ في الأخبار قد أخذ موضوعا للتعبد بالبقاء بما هو كاشف عن الواقع لا بما هو صفة فتقوم الحجة المعتبرة مقامه فكما أنه إذا أحرز شيء باليقين وقد شك في بقائه يبني على بقائه فكذلك إذا أحرز بالحجة وقد شك في بقائه يبني على بقائه.

(نعم) يتوجه إليه حينئذ انه قد أنكر في بحث القطع قيام الطرق والأمارات

١٢٥

مقام القطع المأخوذ موضوعاً بما هو كاشف كما انها لا تقوم مقام القطع المأخوذ موضوعاً بما هو صفة (وعليه) فكيف يلتزم هاهنا بقيامها مقام القطع المأخوذ موضوعاً بما هو كاشف ويتخلص بذلك عن الإشكال الوارد عليه (ولعله) إليه أشار أخيراً بقوله فافهم فافهم جيدا.

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشير الآن إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

في أقسام استصحاب الكلي

(قوله الثالث أنه لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص أحد الأحكام أو ما يشترك بين الاثنين منها أو الأزيد من أمر عام ... إلخ)

أي لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون هو خصوص الوجوب مثلا أو الرجحان المشترك بين الوجوب والاستحباب أو الجواز المشترك بين الوجوب والاستحباب والإباحة والكراهة (ثم إن المقصود) من عقد هذا التنبيه الثالث هو بيان أقسام استصحاب الكلي غير أن المصنف قد جعل محط كلامه في أول التنبيه خصوص الأحكام وتداركه في آخر التنبيه (فقال) ومما ذكر في المقام يظهر حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام ... إلخ يعني بها الموضوعات (وقد أجاد) الشيخ أعلى الله مقامه حيث جعل محط كلامه من أول الأمر ما يعم الحكم والموضوع جميعا (فقال) إن المتيقن السابق إذا كان كلياً في ضمن فرد وشك في بقائه ... إلخ.

١٢٦

في القسم الأول من استصحاب الكلي

(قوله فإن كان الشك في بقاء ذلك العام من جهة الشك في بقاء الخاصّ الّذي كان في ضمنه وارتفاعه كان استصحاب كاستصحابه بلا كلام ... إلخ)

إشارة إلى القسم الأول من استصحاب الكلي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه إن المتيقن السابق إذا كان كلياً في ضمن فرد وشك في بقائه (فإما أن يكون) الشك من جهة الشك في بقاء ذلك الفرد (وإما أن يكون) من جهة الشك في تعيين ذلك الفرد وتردده بين ما هو باق جزماً وبين ما هو مرتفع (وإما أن يكون) من جهة الشك في وجود فرد آخر مقامه مع الجزم بارتفاع ذلك الفرد.

(أما الأول) فلا إشكال في جواز استصحاب الكلي ونفس الفرد وترتب أحكام أكل منهما عليه (انتهى).

(وبالجملة) المقصود من القسم الأول هو أن يكون الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في بقاء الفرد الّذي كان الكلي متحققاً في ضمنه كما إذا علم بوجود الإنسان في ضمن زيد ثم شك في بقاء الإنسان من جهة الشك في بقاء زيد فلا إشكال في جواز استصحاب الإنسان وترتيب أثره عليه كما جاز استصحاب شخص زيد وترتيب هذا الأثر بعينه عليه فإن أثر الكلي أثر الفرد أيضاً ولا عكس ولذا قد يكون للفرد بخصوصه أثر دون الكلي فيجوز استصحاب الفرد ولا يجوز استصحاب الكلي (والحاصل) ان الأثر المترتب على الكلي هو مسوغ لاستصحاب كل من الكلي والفرد جميعاً دون الأثر المترتب على الفرد بخصوصه فلا يسوغ الا استصحاب الفرد دون الكلي.

١٢٧

في القسم الثاني من استصحاب الكلي

(قوله وان كان الشك فيه من جهة تردد الخاصّ الّذي في ضمنه بين ما هو باق أو مرتفع قطعاً فكذا لا إشكال في استصحابه ... إلخ)

إشارة إلى القسم الثاني من استصحاب الكلي وهو أن يكون الشك في بقاء الكلي من جهة تردد الفرد الّذي كان الكلي متحققاً في ضمنه بين ما هو مرتفع قطعاً وما هو باق جزما (وقد اشتهر التمثيل) له بما إذا علم إجمالا بحدوث البول أو المني ولم يعلم الحالة السابقة ثم توضأ ولم يغتسل فان كان الحدث من البول فقد زال وان كان من المعنى فهو باق فيستصحب كلي الحدث المشترك بين البول والمني ويترتب عليه أثر المشترك كحرمة مس المصحف وعدم جواز الدخول في الصلاة ونحوهما مما يشترط بالطهارة وإن لم يترتب عليه أثر الجنابة بالخصوص كحرمة اللبث في المساجد وعدم جواز قراءة العزائم ونحوهما فيجوز له ما يحرم على الجنب كما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه (أو علم إجمالا) بوجود حيوان في الدار له خرطوم ولم يعلم انه البق أو الفيل ثم مضى مقدار عمر البق دون الفيل فان كان الحيوان بقاً فقد مات وان كان فيلا فهو باق فيستصحب الحيوان وهو القدر المشترك بينهما ويترتب عليه أثره.

(نعم إن) الشك في المثال الأول هو من الشك في الرافع وفي المثال الثاني هو من الشك في المقتضي (وكيف كان) لا إشكال في جواز هذا القسم الثاني من استصحاب الكلي بل يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه انه المشهور (قال) واما الثاني يعني به القسم الثاني من استصحاب الكلي فالظاهر جواز الاستصحاب في الكلي مطلقاً على المشهور (انتهى).

١٢٨

(أقول)

ظاهر عبارة المصنف وما تقدم في القسم الأول من كلام الشيخ أعلى الله مقامه أن هذا القسم الثاني من استصحاب الكلي ينحصر بما إذا كان الفرد الّذي كان الكلي متحققاً في ضمنه مرددا بين ما هو مرتفع قطعاً وما هو باق قطعا (والظاهر) ان ذلك مما لا وجه له لجواز ان يكون مرددا بين ما هو مرتفع احتمالا وما هو باق قطعاً أو بين ما هو مرتفع قطعاً وما هو باق احتمالا فتكون صور القسم الثاني من استصحاب الكلي ثلاثا.

(نعم) إذا كان مرددا بين ما هو مرتفع احتمالا وما هو باق احتمالا فلا يكون الشك في بقاء الكلي من جهة تردد الفرد بين فردين أي القصير والطويل بل مرجعه إلى الشك في بقائه من جهة الشك في بقاء الفرد الّذي كان الكلي متحققا في ضمنه فيكون من القسم الأول قهرا.

(قوله وتردد ذاك الخاصّ الّذي يكون الكلي موجودا في ضمنه ويكون وجوده بعين وجوده بين متيقن الارتفاع ومشكوك الحدوث المحكوم بعدم حدوثه غير ضمائر باستصحاب الكلي ... إلخ)

إشارة إلى دفع ما قد يتوهم في القسم الثاني من استصحاب الكلي من التشكيك في جريانه لاختلال بعض أركانه (قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) وتوهم عدم جريان الأصل في القدر المشترك من حيث دورانه بين ما هو مقطوع الانتفاء وما هو مشكوك الحدوث وهو محكوم الانتفاء بحكم الأصل مدفوع بأنه لا يقدح ذلك في استصحابه بعد فرض الشك في بقائه وارتفاعه (انتهى) (وحاصل التوهم) انه كيف يستصحب الحيوان في مثال البق والفيل مع تردد الفرد الّذي كان الحيوان متحققا في ضمنه بين ما هو متيقن الارتفاع وهو البق وما هو مشكوك الحدوث من الأول وهو الفيل فإن كان الفرد بقاً فلا شك في عدم بقائه وان كان فيلا فلا يقين بحدوثه من الأول والأصل يقتضي عدمه (وحاصل الجواب) ان هذا كله

١٢٩

مما يضر باستصحاب نفس البق أو الفيل لعدم اليقين السابق في شيء منهما بل ولا الشك اللاحق أيضاً في شيء منهما إذا المفروض انه ان كان بقا فهو مقطوع الارتفاع وإن كان فيلا فهو مقطوع البقاء (واما استصحاب القدر المشترك) بينهما فلا يكاد يكون مانع عن استصحابه وذلك لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق وبقاء الموضوع ونحو ذلك من الأمور السبعة المتقدمة في صدر الاستصحاب جميعا

(قوله نعم يجب رعاية التكاليف المعلومة إجمالا المترتبة على الخاصّين فيما علم تكليف في البين ... إلخ)

استدراك عن قوله وانما كان التردد بين الفردين ضائرا باستصحاب أحد الخاصّين إلى آخره (وحاصله) ان شيئا من الخاصّين أي الذين كانا طرفي الترديد وإن لم يجز استصحابه فلا يترتب أثره المختص به ولكن قد يجب مراعاة الأثر المختص لا من باب استصحاب أحد الخاصّين بل من باب العلم الإجمالي بوجوده كما إذا فرض في مثال البول والمني أن للبول أيضا أثرا يختص به كالغسل مرتين كما ان للجنابة أثرا يختص به من حرمة اللبث في المساجد وعدم قراءة العزائم ونحوهما فحينئذ يجب غسل المائع المردد بين البول والمني مرتبين ويجب الاجتناب من اللبث في المساجد وقراءة العزائم ونحوهما من هذه الجهة لا من جهة استصحاب الخاصّين فتأمل جيدا.

(قوله وتوهم كون الشك في بقاء الكلي الّذي في ضمن ذاك المردد مسبباً عن الشك في حدوث الخاصّ المشكوك حدوثه المحكوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه فاسد قطعاً ... إلخ)

إشارة إلى توهم آخر أهم من الأول بكثير في القسم الثاني أيضاً من استصحاب الكلي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد عبارته المتقدمة في بيان التوهم الأول (ما لفظه) كاندفاع توهم كون الشك في بقائه مسببا عن الشك في حدوث ذلك المشكوك الحدوث فإذا حكم بأصالة عدم حدوثه لزم ارتفاع قدر المشترك لأنه من آثاره

١٣٠

(انتهى) (وحاصله) ان الشك في بقاء الحدث في مثال البول والمني بعد ما توضأ ولم يغتسل مسبب عن الشك في حدوث المني فإذا استصحبنا عدم حدوثه فلا يكاد يبقى معه شك في بقاء الحدث وقد أشير قبلا وسيأتي مفصلا ان مع الأصل السببي لا يكاد تصل النوبة إلى الأصل المسببي (وقد أجاب عنه الشيخ) أعلى الله مقامه (بما هذا لفظه) فإن ارتفاع القدر المشترك من لوازم كون الحادث ذلك الأمر المقطوع الارتفاع لا من لوازم عدم حدوث الأمر الآخر (انتهى) (وحاصله) ان ارتفاع الحدث في المثال المذكور ليس من لوازم عدم حدوث المني كي إذا اقتضى الأصل عدم حدوثه ثبت ارتفاع الحدث بل من لوازم كون الحادث هو البول ولا أصل لنا يثبت ذلك (وفيه) ان ارتفاع الحدث بالتوضي هو من لوازم كل من حدوث البول وعدم حدوث المني والأصل وإن لم يقتض حدوث البول ولكنه يقتضي عدم حدوث المني فيثبت ارتفاع الحدث (هذا) وقد أجاب المصنف عن التوهم المذكور من وجوه.

(الأول) ان بقاء الحدث وارتفاعه ليس من لوازم حدوث المني وعدم حدوثه كي إذا اقتضى الأصل عدم حدوث المني ثبت ارتفاع الحدث بل من لوازم كون الحادث المعلوم بالإجمال هو ذاك المني المتيقن بقائه أو البول المتيقن ارتفاعه ولا أصل لنا يعين حال الحادث وانه كان منياً أو بولا (وفيه) ان كلا من بقاء الحدث وارتفاعه وان كان من لوازم كون الحادث المعلوم بالإجمال هو المني أو البول ولا أصل لنا يعين ذلك ولكنه أيضا من لوازم حدوث المني وعدم حدوثه فإذا اقتضى الأصل عدم حدوث المني ثبت ارتفاع الحدث.

(الثاني) ما أشار إليه بقوله مع أن بقاء القدر المشترك انما هو بعين بقاء الخاصّ الّذي في ضمنه لا انه من لوازمه (انتهى) (وفيه) ان المتوهم لم يدع ان بقاء القدر المشترك هو من لوازم بقاء ذاك الخاصّ الّذي كان الكلي في ضمنه كي يجاب عنه بهذا الجواب بل ادعى انه من لوازم حدوث المشكوك حدوثه أي المني وهو حق لا ينبغي إنكاره.

١٣١

(الثالث) وهو أهم الكل ما أشار إليه بقوله مع انه لو سلم انه من لوازم حدوث المشكوك حدوثه فلا شبهة في كون اللزوم عقليا ولا يكاد يترتب بأصالة عدم الحدوث الا ما هو من لوازمه وأحكامه شرعا (انتهى) وحاصله انه يعتبر في الأصل السببي والمسببي أن يكون اللزوم بينهما شرعياً فإذا استصحبنا طهارة الماء المشكوك طهارته كان من لوازمها الشرعية طهارة الثوب المغسول به ولا يكاد يستصحب معه نجاسة الثوب المغسول به وفي المقام ليس اللزوم شرعيا (وفيه) ان اللزوم في المقام أيضا شرعي فإنا إذا استصحبنا عدم حدوث المني وأحرزنا بوسيلته أنه ليس بمجنب وقد توضأ فارتفاع حدثه حينئذ وكونه متطهرا الآن هو من آثاره الشرعية فإن الشارع هو الّذي حكم بان من لم يكن مجنباً إذا توضأ فهو متطهر فعلا ليس بمحدث (وعليه) فالصحيح في الجواب عن التوهم المذكور وفي حسمه وقطعه من أصله هو أن يقال إن أصالة عدم حدوث المشكوك حدوثه أي المعني معارضة بأصالة عدم حدوث المتيقن ارتفاعه أي البول فيتساقطان الأصلان جميعاً وتصل النوبة إلى الأصل المسببي وهو استصحاب بقاء الحدث المشترك بين البول والمني جميعاً فيكون محكوماً بالحدث فعلا وإن توضأ سبعين مرة ما لم يغتسل مع الوضوء عن الجنابة احتياطاً فيحصل له القطع حينئذ بارتفاع الحدث على كل تقدير وهذا واضح ظاهر بأدنى تأمل فتأمل وتدبر.

في القسم الثالث من استصحاب الكلي

(قوله واما إذا كان الشك في بقائه من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاصّ الّذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه ففي استصحابه إشكال أظهره عدم جريانه ... إلخ)

إشارة إلى القسم الثالث من استصحاب الكلي وهو ان يكون الشك في بقاء الكلي

١٣٢

من جهة الشك في وجود فرد آخر بعد القطع بارتفاع الفرد الأول الّذي كان الكلي متحققاً في ضمنه (وهذا) على قسمين.

(فتارة) يقع الشك في وجود فرد آخر مقارن لوجود الفرد الأول.

(وأخرى) يقع الشك في وجود فرد آخر مقارن لارتفاع الفرد الأول كما إذا علم بوجود الحيوان في الدار في ضمن زيد ثم حصل القطع بخروج زيد عنها وشك في وجود عمرو مقارناً لوجود زيد في الدار أو مقارناً لخروجه عنها (وقد أشار إليهما المصنف) بقوله الآتي وإن شك في وجود فرد آخر مقارن لوجود ذاك الفرد أو لارتفاعه ... إلخ (ثم إن) في جريان الاستصحاب في كلا القسمين أو عدم جريانه في شيء منهما أو التفصيل فيجري في الأول دون الثاني وجوه (مختار الشيخ) أعلى الله مقامه هو التفصيل (ومختار المصنف) هو عدم الجريان في شيء منهما (قال الشيخ ما لفظه) واما الثالث وهو ما إذا كان الشك في بقاء الكلي مستندا إلى احتمال وجود فرد آخر غير الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه فهو على قسمين لأن الفرد الآخر إما أن يحتمل وجوده مع ذلك الفرد المعلوم حاله واما يحتمل حدوثه بعده إما بتبدله إليه وإما بمجرد حدوثه مقارنا لارتفاع ذلك الفرد (وفي جريان استصحاب الكلي في كلا القسمين) نظرا إلى تيقنه سابقاً وعدم العلم بارتفاعه وإن علم بارتفاع بعض وجوداته وشك في حدوث ما عداه لأن ذلك مانع من إجراء الاستصحاب في الافراد دون الكلي كما تقدم نظيره في القسم الثاني (أو عدم جريانه فيهما) لأن بقاء الكلي في الخارج عبارة عن استمرار وجوده الخارجي المتيقن سابقاً وهو معلوم العدم وهذا هو الفارق بين ما نحن فيه والقسم الثاني حيث ان الباقي في الآن اللاحق بالاستصحاب هو عين الوجود المتيقن سابقا (أو التفصيل بين القسمين) فيجري في الأول لاحتمال كون الثابت في الآن اللاحق هو عين الموجود سابقا فيتردد الكلي المعلوم سابقا بين أن يكون وجوده الخارجي على نحو لا يرتفع بارتفاع الفرد المعلوم ارتفاعه وأن يكون على نحو يرتفع بارتفاع

١٣٣

ذلك الفرد فالشك حقيقة إنما هو في مقدار استعداد ذلك الكلي واستصحاب عدم حدوث الفرد المشكوك لا يثبت تعيين استعداد الكلي وجوه أقواها الأخير (انتهى) (ومحصل وجه التفصيل) بين القسم الأول والثاني من القسم الثالث أنه في القسم الأول يحتمل أن يكون الثابت في الآن اللاحق هو عين الموجود سابقاً بخلاف القسم الثاني فلا يحتمل فيه ذلك فيجري الاستصحاب في الأول دون الثاني (وقد أفاد المصنف) في وجه عدم جريان الاستصحاب في شيء من القسمين أصلا (ما حاصله) ان وجود الطبيعي وان كان بوجود فرده ولكن وجوده في ضمن فرد هو غير وجوده في ضمن فرد آخر (وعليه) فإذا قطعنا بارتفاع الفرد الأول فقد قطعنا بارتفاع الطبيعي الّذي كان متحققاً في ضمنه ومع القطع بارتفاعه كيف يستصحب وجوده في الآن اللاحق وهذا واضح ظاهر لا ستار عليه.

(أقول)

والحق هاهنا مع المصنف فلا يكاد يجري الاستصحاب في شيء من القسمين أصلا وذلك لما أفاده من الوجه الوجيه جدا (وتوضيحه) ان المقصود من الكلي في المقام هي الحصة من الكلي المتحققة في ضمن الفرد وهي التي إذا انضمت إليها الخصوصيات الفردية كانت فردا خارجيا (ومن المعلوم) ان الحصة المتحققة في ضمن هذا الفرد هي غير الحصة المتحققة في ضمن ذلك الفرد (وعليه) فما تيقنا به من الحصة في كلا القسمين من القسم الثالث مما لم يبق إذا المفروض ارتفاع الفرد الّذي كان الكلي متحققا في ضمنه ومما نحتمله فعلا من الحصة المتحققة في ضمن الفرد المقارن لوجود الفرد الأول أو المقارن لارتفاعه لم نتيقن به في السابق (ومن هنا يظهر) ضعف ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في وجه التفصيل وأنه يجري الاستصحاب في القسم الأول من قسمي القسم الثالث دون القسم الثاني منه معللا ذلك باحتمال كون الثابت فيه في الآن اللاحق هو عين الموجود السابق (ووجه الظهور) ان مجرد ذلك مما لا يجدي بل المجدي هو احتمال بقاء عين ما تيقنا به سابقا في الآن اللاحق وهو مفقود

١٣٤

في كلا القسمين من القسم الثالث بعد فرض القطع بارتفاع الفرد الّذي كان الكلي متحققا في ضمنه وبهذا يمتاز هذا القسم الثالث من استصحاب الكلي عن القسم الثاني منه فليس في هذا القسم الثالث احتمال بقاء عين ما تيقنا به أصلا بخلاف القسم الثاني من الكلي فيحتمل فيه ذلك بلا شبهة (هذا) مضافا إلى أنه يرد على الشيخ في تفصيله المذكور ان الشك في القسم الأول من القسم الثالث هو شك في المقتضي حسب اعترافه بأن الشك حقيقة إنما هو في مقدار استعداد ذلك الكلي ومعه كيف يجري الاستصحاب فيه مع تصريحه قبلا بعدم جريان الاستصحاب في الشك في المقتضي أصلا الا في الشك في الرافع (اللهم) إلّا ان يقال إنه يقول بجريانه فيه على المشهور لا على مختاره كما أشار إلى ذلك في القسم الثاني من استصحاب الكلي (فقال) واما الثاني فالظاهر جواز الاستصحاب في الكلي مطلقا على المشهور يعني به سواء كان بنحو الشك في الرافع كما في مثال البول والمني أو بنحو الشك في المقتضي كما في مثال البق والفيل.

(ثم ان الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما قسم القسم الثالث من استصحاب الكلي إلى قسمين واختار التفصيل بينهما كما تقدم وقال بجريان الاستصحاب في القسم الأول منه دون الثاني ذكر للقسم الثاني قسما آخر قد استثناه من حكمه بعدم جريان الاستصحاب فيه وأشار إليه في صدر عبارته المتقدمة بقوله إما بتبدله إليه إلى آخر هو قد شرحه بعداً مبسوطا (فقال) ويستثني من عدم الجريان في القسم الثاني ما يتسامح فيه العرف فيعدون الفرد اللاحق مع الفرد السابق كالمستمر الواحد مثل ما لو علم السواد الشديد في محل وشك في تبدله بالبياض أو بسواد أضعف من الأول فإنه يستصحب السواد (إلى ان قال) وبالجملة فالعبرة في جريان الاستصحاب عد الموجود السابق مستمرا إلى اللاحق ولو كان الأمر اللاحق على تقدير وجوده مغايرا بحسب الدقة للفرد السابق ولذا لا إشكال في استصحاب الاعراض حتى على القول فيها بتجدد الأمثال (انتهى) (وحاصله) ان استصحاب مثل السواد عند

١٣٥

الشك في بقاء المرتبة الضعيفة بعد القطع بارتفاع المرتبة الشديدة هو من القسم الثاني من القسم الثالث من استصحاب الكلي فإن السواد الضعيف على تقدير بقائه هو فرد مغاير للسواد الشديدة دقة قد حدث مقارناً لارتفاع السواد الشديد غير أن العرف ممن يتسامح فيه فيعد الفرد اللاحق مع الفرد السابق أمراً مستمراً واحداً فيستصحب (ولذا) يستصحب السواد ونحوه من الأعراض حتى على القول بتجدد الأمثال وأن الأشياء مطلقا بجواهرها وأعراضها في كل آن في حد خاص وأنها أمثال متعددة يتجدد شيئا فشيئا فالجسم في الآن السابق غير الجسم في الآن الفعلي وهو في هذا الآن غير الجسم في الآن الآتي وهكذا بالنسبة إلى ما يعرضه من السواد والبياض ونحوهما (فكما أن) مثل السواد مما يستصحب حتى على القول بتجدد الأمثال نظرا إلى مسامحة العرف وعدهم السواد الفعلي على تقدير بقائه مع السواد السابق أمرا واحدا مستمرا (فكذلك) يستصحب هو عند الشك في بقاء المرتبة الضعيفة منه مع القطع بارتفاع المرتبة الشديدة نظرا إلى هذه الجهة عينا أي المسامحة العرفية وعدهم المرتبة الضعيفة على تقدير بقائها مع المرتبة الشديدة السابقة أمرا واحدا مستمرا.

(أقول)

وفي عد استصحاب السواد بعد القطع بارتفاع المرتبة الشديدة واحتمال بقاء المرتبة الضعيفة من أقسام القسم الثالث من استصحاب الكلي مسامحة واضحة فإن السواد الضعيف على تقدير بقائه هو عين السواد السابق حقيقة ودقة وان كانت التفاوت بينهما بالشدة والضعف كالتفاوت بالسمن والهزال والصغر والكبر ونحوهما لا انه غيره حقيقة ودقة والعرف ممن يتسامح فيه ويعد الفرد اللاحق مع السابق فرداً واحد مستمرا.

(وبالجملة) إن السواد الشديد والضعيف هما شيء واحد مختلف الوصف لا أنهما فرد ان حقيقة ودقة يعدان فردا واحدا مستمرا عرفا والظاهر ان عبارات

١٣٦

المصنف هنا بل وفي أواخر الأوامر في بحث نسخ الوجوب أيضاً بما يساعدنا فتأملهما جيدا.

(قوله بنفسه أو بملاكه كما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الإيجاب بملاك مقارن أو حادث ... إلخ)

قد أضاف المصنف بقوله هذا قسمين آخرين على قسمي القسم الثالث فالشيخ أعلى الله مقامه قسمه إلى قسمين والمصنف قسمه إلى أربعة أقسام.

(فتارة) يكون الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في وجود فرد آخر مقارنا لوجود الفرد الأول أي الّذي كان الكلي متحققا في ضمنه.

(وأخرى) مقارنا لارتفاع الفرد الأول وفي كل منهما.

(تارة) يكون وجود الفرد الآخر بنفسه.

(وأخرى) بملاكه فهذه أربعة أقسام (وقد مثل) للقسمين الأخيرين بما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الإيجاب أو في الكراهة بعد القطع بارتفاع الحرمة إما بملاك مقارن للإيجاب أو الحرمة مندك في ملاكه أو مقارن لارتفاعه (وقد أشار) إلى عدم جريان الاستصحاب في الجميع بقوله المتقدم ففي استصحابه إشكال أظهره عدم جريانه ... إلخ الشامل لتمام هذه الأقسام الأربعة جميعا.

(قوله لا يقال الأمر وإن كان كما ذكر إلّا أنه حيث كان التفاوت بين الإيجاب والاستحباب وهكذا بين الكراهة والحرمة ليس إلّا بشدة الطلب بينهما وضعفه ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) أن الأمر وان كان كما ذكره فوجود الطبيعي في ضمن فرد هو غير وجوده في ضمن فرد آخر فإذا قطعنا بارتفاع الفرد الأول فقد قطعنا بارتفاع الطبيعي الّذي كان متحققا في ضمنه ومعه لا يكاد يستصحب وجوده في الآن اللاحق (ولكن هذا كله) في غير الإيجاب والاستحباب أو الحرمة والكراهة فإن التفاوت بينهما ليس إلا بشدة الطلب وضعفه كالسواد الشديد والضعيف عينا

١٣٧

وقد عرفت آنفا من الشيخ جريان الاستصحاب فيهما مع ان ظاهره تغايرهما حقيقة ودقة وان الضعيف هو فرد آخر مغاير مع الفرد الشديد قد حدث مقارنا لارتفاعه فكيف بما إذا قلنا انهما شيء واحد حقيقة مختلف الوصف قد تبدل مرتبة منه إلى مرتبة أخرى وحيث ان المرتبة الثانية هي متصلة بالأولى ولم يتخللهما العدم وكان الاتصال مساوقاً للوحدة فلم يتعدد الطبيعي المتحقق في ضمنهما فالشك في تبدل المرتبة إلى مرتبة أخرى هي شك في الحقيقة في بقاء ما تيقنا به لا في حدوث فرد آخر مقارن لارتفاع الأول (وحاصل الجواب) أن الأمر في الحقيقة وإن كان كذلك ولكن العرف ممن لا يرى الإيجاب والاستحباب أو الحرمة والكراهة إلا فردين متباينين لا فردا واحدا مستمرا قد اختلفت شدته إلى الضعف كما في السواد الشديد والضعيف ومن المعلوم ان العبرة في وحدة القضيتين موضوعاً ومحمولا كما سيأتي تفصيله هو نظر العرف (وعليه) فلا مجال للاستصحاب في مثل الإيجاب والاستحباب أو الحرمة والكراهة أبداً وإن صح في مثل السواد الشديد والضعيف لكونهما أمرا واحدا مستمرا حقيقة وعرفا فتأمل جيدا.

(قوله لما مرت الإشارة إليه ويأتي من أن قضية إطلاق أخبار الباب أن العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضا ... إلخ)

أي لما مرت الإشارة إليه في صدر الاستصحاب وسيأتي شرحه في تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى من اعتبار وحدة القضيتين فيه المتيقنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا على نحو كان الشك صادقا في البقاء لا في الحدوث وكان رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقضا لليقين بالشك وهدما له بسبب الشك وان مقتضي أخبار الباب هو كون العبرة في وحدتهما موضوعاً ومحمولا هو نظر العرف وأن يكون النقض صادقا في نظرهم وإن لم يكن نقض دقة وواقعا لتبدل الموضوع أو المحمول حقيقة (كما في استصحاب الأمور التدريجية) كاستصحاب وجود الليل أو النهار أو سيلان الدم ونبع الماء ونحو ذلك (بل واستصحاب الأمور القارة) كسواد

١٣٨

الجسم أو بياضه بناء على القول بتجدد الأمثال فإن المستصحب في الآن السابق على هذا القول غير المستصحب في الآن اللاحق بل هو مثله يتجدد الأمثال شيئا فشيئا (ففي جميع هذا كله) يجري الاستصحاب لوحدة القضيتين بنظر العرف وصدق النقض في نظرهم وإن لم يكن نقض دقة وواقعاً لتبدل الموضوع في أمثلة الأمور التدريجية وتبدل المحمول في مثالي الأمور القارة (فإذا انعكس) الأمر ولم تكن القضيتان متحدتين بنظر العرف ولم يصدق النقض في نظرهم لم يجر الاستصحاب وان كان هناك نقض دقة وواقعا لوحدة الموضوع والمحمول حقيقة كما في الإيجاب والاستحباب أو الحرمة والكراهة فإنهما وإن كانا متحدين حقيقة لا تفاوت بينهما إلّا بشدة الطلب وضعفه كما تقدم ولكن العرف حيث يراهما أمرين متباينين فلا يستصحب الاستحباب ولا الكراهة بعد القطع بارتفاع الوجوب أو الحرمة وهذا واضح ظاهر.

(قوله ومما ذكرنا في المقام يظهر أيضا حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام ... إلخ)

قد ذكرنا في صدر هذا التنبيه ان المصنف قد جعل محط كلامه في بيان أقسام استصحاب الكلي وشرح تفاصيلها خصوص الأحكام وانه يتداركه في آخر التنبيه بقوله ومما ذكرنا في المقام يظهر حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام ... إلخ يعني بها الموضوعات فهذا هو تداركه له فلا تغفل.

(قوله في الشبهات الحكمية والموضوعية ... إلخ)

مقصوده من استصحاب متعلقات الأحكام في الشبهات الحكمية هو ما إذا شك في بقاء موضوع الحكم بنحو الشبهة الحكمية كما إذا شك في بقاء السفر شرعاً عند مشاهدة الجدران بحيث لم يعلم ان السفر هل هو ينتهي بمشاهدتها أم يبقى إلى سماع الأذان في قبال ما إذا شك في بقائه بنحو الشبهة الموضوعية كما إذا علم ان السفر مما ينتهي شرعاً بمشاهدة الجدران لا محالة ولكن لم يعلم ان هذه هي جدران البلد قد انتهى السفر بمشاهدتها أم لا.

١٣٩

في استصحاب الأمور التدريجية

(قوله الرابع أنه لا فرق في المتيقن بين أن يكون من الأمور القارة أو التدريجية الغير القارة ... إلخ)

(الشيخ أعلى الله مقامه) قد جعل الكلام في هذا التنبيه في أقسام ثلاثة

(الأول) الزمان كالليل والنهار ونحوهما.

(الثاني) الزماني الّذي لا استقرار لوجوده بل يتجدد شيئاً فشيئاً على التدريج كالتكلم والكتابة والمشي ونبع الماء وسيلان الدم ونحو ذلك.

(الثالث) المستقر الّذي يؤخذ الزمان قيداً له كالصوم المقيد بيوم الخميس أو الجلوس المقيد الجمعة ونحوهما.

(واما المصنف) فقد جعل الأقسام قسمين فأشار إلى الزمان والزماني الّذي لا استقرار له بقوله أو التدريجية الغير القارة وأشار إلى المستقر الّذي يؤخذ الزمان قيداً له بقوله الآتي واما الفعل المقيد بالزمان ... إلخ.

(قوله فإن الأمور الغير القارة وان كان وجودها ينصرم ولا يتحقق منه جزء الا بعد ما انصرم منه جزء وانعدم ... إلخ)

(الشيخ أعلى الله مقامه) في بدو الأمر قد ذهب إلى عدم جريان الاستصحاب في شيء من الأقسام الثلاثة المذكورة أصلا نظراً إلى الإشكال الّذي قد أشار إليه المصنف بقوله المذكور فإن الأمور الغير القارة ... إلخ (ولكنه استدرك) أخيراً فذهب إلى جريان الاستصحاب في الزمان والزماني الّذي لا استقرار لوجوده وأجاب عن الإشكال بنحو حسن متين (أما الإشكال) فحاصله بمزيد توضيح منا أن الأمور التدريجية التي تتجدد شيئاً سواء كان زماناً أو زمانياً لا استقرار لوجوده هي مما لا يمكن استصحابه أبداً (إما من ناحية تبدل الموضوع) أي عدم

١٤٠