عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٢٠

في وجوب الصوم وأنه فريضة من فرائض الله فلا يجوز تأديته بالشك أو الظن بل بالرؤية (ولكن) مع ذلك لا يكون قرينة على أن المراد من اليقين في خبر الصفار (اليقين لا يدخل فيه الشك) هو اليقين بدخول شهر رمضان سيما بعد وجود هذا التعبير في الصحيحة الثالثة أيضاً المتقدمة بل المراد منه أن جنس اليقين السابق مما لا يدخل فيه الشك اللاحق كما ظهر من الشيخ أيضاً في عبارته المتقدمة وقد عرفت قبلا في ذيل الصحيحة الثالثة أن إدخال الشك في اليقين هو عبارة أخرى عن نقض اليقين بالشك والاعتناء بالشك وخلطه باليقين فتذكر.

في الاستدلال بقوله كل شيء طاهر وقوله

الماء كله طاهر وقوله كل شيء حلال

(قوله ومنها قوله عليه‌السلام كل شيء طاهر حتى تعلم إنه قذر وقوله الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس وقوله كل شيء حلال حتى تعرف انه حرام إلى آخره)

(الشيخ أعلى الله مقامه) بعد أن فرغ عن ذكر الأخبار الستة المتقدمة من الصحاح الثلاثة وما بعدها (قال ما لفظه) هذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار المستدل بها للاستصحاب (إلى ان قال) وربما يؤيد ذلك بالأخبار الواردة في المورد الخاصة يعني بها الأخبار الدالة على حجية الاستصحاب في موارد مخصوصة وأبواب خاصة (فذكر رواية عبد الله بن سنان) الواردة فيمن يعير ثوبه الذميّ وسنذكر تفصيلها إن شاء الله تعالى (إلى ان قال) ومثل قوله عليه‌السلام في موثقة عمار كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر (ثم ساق الكلام طويلا إلى ان قال) ونظير ذلك ما صنعه صاحب الوافية حيث ذكر روايات أصالة الحل الواردة في مشتبه الحكم أو

٨١

الموضوع في هذا المقام (إلى ان قال) ومنها قوله عليه‌السلام الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس (انتهى).

(أقول)

(أما الرواية الأولى) أعني موثقة عمار فقد رواها في الوسائل في أبواب النجاسات في باب أن كل شيء طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه (ولفظه) كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك ولكن المشهور على الألسن هو كل شيء طاهر ولا أصل له.

(وأما روايات الحلّ) فقد عرفت تفصيلها في البراءة سنداً ومتناً فلا نعيد.

(وأما الرواية الأخيرة) فقد رواها في الوسائل في أول باب من أبواب الماء المطلق (ولفظه) الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر وان كان لفظ الشيخ والمصنف جميعاً حتى تعلم أنه نجس ولكن المروي ما نقلناه.

(قوله وتقريب دلالة مثل هذه الأخبار على الاستصحاب أن يقال ان الغاية فيها انما هو لبيان استمرار ما حكم على الموضوع واقعاً ... إلخ)

(ملخص كلام الشيخ) أعلى الله مقامه في تقريب دلالة موثقة عمار كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر على الاستصحاب أنها مبنية على كونها مسوقة لبيان استمرار طهارة كل شيء إلى ان يعلم حدوث قذارته لا ثبوتها له ظاهراً إلى أن يعلم عدمها (والأصل) في ذلك أن القضية المغياة (قد يقصد المتكلم بها) مجرد ثبوت المحمول للموضوع (وقد يقصد المتكلم بها) مجرد الاستمرار لا أصل الثبوت بحيث يكون أصل الثبوت مفروغاً عنه (والمقصود) من الموثقة.

(إما ان يكون المعنى الثاني) وهو القصد إلى بيان الاستمرار بعد الفراغ من ثبوت أصل الطهارة فيكون دليلا على استصحاب الطهارة لكنه خلاف الظاهر.

(وإما ان يكون المعنى الأول) وحينئذ لم يكن فيه دلالة على استصحاب الطهارة وإن شمل مورده إلّا أن الحكم فيما علم طهارته ولم يعلم طرو القذارة له ليس

٨٢

من حيث سبق طهارته بل باعتبار مجرد كونه مشكوك الطهارة فالرواية تفيد قاعدة الطهارة حتى في مسبوق الطهارة لا استصحابها.

(وملخص كلام المصنف) في تقريب دلالة تلك الاخبار على الاستصحاب أن المستفاد من الغاية بيان استمرار ما حكم على الموضوع واقعاً بحسب الظاهر فقوله عليه‌السلام كل شيء طاهر يستفاد منه إثبات حكم واقعي للشيء وقوله عليه‌السلام حتى تعلم أنه قذر يستفاد منه أن الحكم الواقعي الثابت للشيء مستمر ظاهراً إلى أن يعلم الخلاف فالمعني دليل اجتهادي والغاية استصحاب الطهارة وليست الغاية لتحديد الموضوع أي كل شيء لم يعلم انه قذر هو طاهر كي يكون المجموع قاعدة الطهارة وذلك لظهور المغيا في بيان الحكم للأشياء بعناوينها الأولية لا الأشياء بعناوينها الثانوية أي الأشياء الغير المعلومة قذارتها (والفرق بين التقريبين) أن الاستمرار على تقريب الشيخ يقصد من نفس المحمول أي كلمة طاهر وعلى تقريب المصنف يقصد من نفس الغاية من دون تصرف في المحمول أبداً على ما يظهر من قوله إن الغاية فيها إنما هو لبيان استمرار ما حكم على الموضوع واقعاً ... إلخ وهكذا قوله بعد ذلك إلا أنه بغايته دل على الاستصحاب حيث أنها ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهراً ما لم يعلم بطرو ضده أو نقيضه ... إلخ فيكون المعنى على تقريب الشيخ هكذا كل شيء طاهر أي مستمر طهارته حتى تعلم انه قذر والمعنى على تقريب المصنف هكذا كل شيء طاهر أي واقعاً وهذه الطهارة الواقعية مستمرة ظاهراً إلى ان يعلم قذارته (ومن هنا) تكون الرواية على تقريب الشيخ استصحاباً محضاً وعلى تقريب المصنف يكون المغيا دليلا اجتهادياً والغاية استصحاباً للطهارة الواقعية.

(أقول)

(اما تقريب الشيخ) فهو خلاف الظاهر وقد اعترف به أعلى الله مقامه كما تقدم فان الظاهر من قوله كل شيء طاهر إثبات نفس الطهارة للشيء لا إثبات استمرارها

٨٣

له (واما تقريب المصنف) ففيه (مضافا) إلى انه خلاف الظاهر (مستلزم) لاستعمال اللفظ في أكثر من معنى فإن الغاية على هذا الفرض قد أريد منها استمرار الحكم الواقعي ظاهراً وأريد منها أيضاً معناها الحقيقي وهو الانتهاء إذ المقصود ليس استمرار الحكم الواقعي ظاهراً إلى الآخر بل إلى العلم بالقذارة فينتهي وهذا هو استعمال اللفظ في أكثر من معنى فيتعين كون الرواية لقاعدة الطهارة وحدها كما هو ظاهر الشيخ أعلى الله مقامه (ودعوى) ظهور المغيا في بيان الحكم للأشياء بعناوينها الأولية وان كانت هي حقاً لكن ما لم تكن الغاية هي العلم وإلّا فيكون المغيا لبيان الحكم للأشياء الغير المعلومة قذارتها وهي عبارة أخرى عن الأشياء بعناوينها الثانوية وهذا واضح ظاهر.

(قوله من الطهارة والحلية ظاهراً ... إلخ)

قوله ظاهراً ليس تمييزاً للطهارة والحلية بل لاستمرار ما حكم على الموضوع واقعاً بمعنى ان ما حكم على الموضوع واقعا من الطهارة والحلية هو مستمر ظاهراً إلى العلم بطرو ضده أو نقيضه وقد صرح بذلك في قوله الآتي في المتن في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهرا ما لم يعلم بطرو ضده أو نقيضه ... إلخ.

(قوله لا لتحديد الموضوع كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته ... إلخ)

بل ليست الغاية لتحديد الموضوع ولو كان الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته فإن الغاية إما قيد للمحمول أو للنسبة كما في قولك زيد نائم حتى تطلع الشمس أو قائم إلى الزوال.

(نعم نتيجة) كون المحمول أو النسبة مغيا بالعلم هو تحديد الموضوع قهراً فيكون الشيء الثابت له الطهارة أو الحلية هو الشيء الغير المعلوم طهارته أو حليته لا الشيء مطلقاً وهو معنى تحديد الموضوع قهرا فتأمل جيدا.

٨٤

(قوله كما انه لو صار مغيا لغاية مثل الملاقاة بالنجاسة أو ما يوجب الحرمة لدل على استمرار ... إلخ)

فإذا قال مثلا الماء كله طاهر حتى يلاقي النجس أو العصير حلال حتى يغلي لدل ذلك على استمرار ذلك الحكم الواقعي إلى الملاقاة أو الغليان فينقطع ولم يكن له حينئذ بنفسه ولا بغايته دلالة على الاستصحاب أصلا أما عدم دلالته بنفسه فواضح فإن المغيا دليل اجتهادي محض وأما عدم دلالته بغايته فلأن الغاية ليست هي العلم كي يكون الاستمرار المغيا به ظاهرياً مجعولا في ظرف الجهل والستار على الواقع ويكون عبارة أخرى عن الاستصحاب والأصل العملي وهذا أيضاً واضح.

(قوله ولا يخفى انه لا يلزم على ذلك استعمال اللفظ في معنيين ... إلخ)

بل قد عرفت منا لزوم ذلك جدا فإن الغاية على تقريب المصنف قد أريد منها استمرار ما حكم على الموضوع واقعاً وأريد منها أيضا معناها الحقيقي وهو الانتهاء إذ المقصود كما تقدم ليس استمرار الحكم الواقعي ظاهراً إلى الآخر بل إلى العلم بالقذارة فينتهي وينقطع وهذا هو استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

(قوله وإنما يلزم لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع وقيوده غاية لاستمرار حكمه ليدل على القاعدة والاستصحاب ... إلخ)

هذا رد على صاحب الفصول (ره) وتوضيحه أنه (قال الشيخ) أعلى الله مقامه في ما أفاده في المقام (ما لفظه) نعم إرادة القاعدة والاستصحاب معاً يوجب استعمال اللفظ في معنيين لما عرفت ان المقصود في القاعدة مجرد إثبات الطهارة في المشكوك وفي الاستصحاب خصوص إبقائها في معلوم الطهارة سابقاً والجامع بينهما غير موجود فيلزم ما ذكرنا (إلى ان قال) وقد خفي ذلك على بعض المعاصرين يعني به الفصول فزعم جواز إرادة القاعدة والاستصحاب معاً وأنكر ذلك على صاحب القوانين فقال إن الرواية تدل على أصلين.

(أحدهما) أن الحكم الأولى للأشياء ظاهراً هي الطهارة مع عدم العلم

٨٥

بالنجاسة وهذا لا تعلق له بمسألة الاستصحاب.

(الثاني) أن هذا الحكم مستمر إلى زمن العلم بالنجاسة وهذا من موارد الاستصحاب وجزئياته (قال الشيخ) انتهى (ثم قال) أقول ليست شعري ما المشار إليه بقوله هذا الحكم مستمر إلى زمن العلم بالنجاسة (فإن كان) هو الحكم المستفاد من الأصل الأولى فليس استمراره ظاهراً ولا واقعاً مغيا بزمان العلم بالنجاسة بل هو مستمر إلى زمن نسخ هذا الحكم في الشريعة (مع ان قوله) حتى تعلم إذا جعل من توابع الحكم الأول الّذي هو الموضوع للحكم الثاني فمن أين يصير الثاني مغيا به إذ لا يعقل كون شيء في استعمال واحد غاية لحكم ولحكم آخر يكون الحكم الأول المغيا موضوعاً له (وإن كان) هو الحكم الواقعي المعلوم يعني ان الطهارة إذا ثبتت واقعاً في زمان فهي مستمرة في الظاهر إلى زمن العلم بالنجاسة فيكون الكلام مسوقاً لبيان الاستمرار الظاهري فيما علم ثبوت الطهارة له واقعاً في زمان فأين هذا من بيان قاعدة الطهارة من حيث هي للشيء المشكوك من حيث هو مشكوك (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (وملخصه) انه يرد على الفصول القائل بكون الرواية للقاعدة والاستصحاب جميعاً إشكالات عديدة.

(أحدها) استعمال اللفظ في أكثر من معنى وهو لفظ طاهر وذلك لما عرفت من أن المقصود في قاعدة الطهارة هو إثبات نفس الطهارة للشيء وفي الاستصحاب إثبات استمرارها له بعد الفراغ عن ثبوت أصلها فيكون لفظ طاهر مستعملا في الطهارة وفي استمرارها جميعا.

(ثانيها) ان المشار إليه في قوله إن هذا الحكم مستمر إلى زمن العلم بالنجاسة (ان كان) هو الحكم الظاهري كما هو ظاهر كلامه بل صريحه أي ان الطهارة الظاهرية التي هي مع عدم العلم بالنجاسة مستمرة ظاهراً إلى زمن العلم بالنجاسة فليس استمرار هذا الحكم الظاهري مغيا بزمان العلم بالنجاسة بل هو ثابت إلى زمن نسخ هذا الحكم في الشريعة (وإن كان) هو الحكم الواقعي أي إن الطهارة الواقعية

٨٦

الثابتة للشيء مستمرة ظاهراً إلى زمن العلم بالنجاسة فالرواية على هذا تكون دليلا اجتهادياً واستصحاباً كما تقدم من المصنف لا قاعدة واستصحاباً كما ادعاه الفصول

(ثالثها) وهو العمدة ان الحكم الأول أي الطهارة مغيا بالعلم بالنجاسة وبهذه الغاية صارت هي طهارة ظاهرية مجعولة في ظرف الشك أي في ظرف عدم العلم بالنجاسة والحكم الثاني وهو استمرار الطهارة الظاهرية مغيا أيضاً بالعلم بالنجاسة إذ المفروض استمرارها إلى هذا الحد لا إلى الأبد (وعليه) فغاية واحدة هي غاية للحكم الأول والثاني جميعاً وهذا وإن لم يكن مانع عنه عقلا ولكنه في المقام حيث ان الحكم الأول مع تابعة أي مع غايته يكون موضوعاً للحكم الثاني مستلزم لتقدم الشيء على نفسه فانها بما هي من توابع الحكم الأول المفروض كونه موضوعاً للحكم الثاني تكون في رتبة سابقة وهي رتبة الموضوع وبما انها غاية للحكم الثاني أيضاً المترتب على الحكم الأول تكون في رتبة متأخرة وهي رتبة الحكم وهذا هو تقدم الشيء على نفسه المحال عقلا فتأمل جيدا.

(هذا كله من امر الشيخ) أعلى الله مقامه مع الفصول وقد أجاد إنصافاً في الرد عليه ولم يدع شيئا.

(واما المصنف) فحيث ان إرادة القاعدة عنده مبتنية على كون الغاية لتحديد الموضوع كما تقدم فرد على الفصول بلزوم استعمال اللفظ في معنيين بطريق آخر غير طريق الشيخ وهو أن الغاية يلزم أن تكون من قيود الموضوع لتتحقق بها قاعدة الطهارة ويلزم أن تكون غاية لاستمرار الطهارة الظاهرية ليتحقق بها الاستصحاب فيكون معنى قوله عليه‌السلام كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر هكذا كل شيء لم يعلم قذارته طاهر وهذه الطهارة مستمرة ظاهراً إلى العلم بالقذارة وهذا هو ما ذكره المصنف من استعمال اللفظ في معنيين.

(أقول)

ويمكن إرجاع ذلك الإشكال الأخير من الإشكالات الثلاثة التي أوردها الشيخ

٨٧

على الفصول وكان مرجعه إلى استلزام تقدم الشيء على نفسه المحال عقلا (وعلى كل حال) قد تقدم منا ان إرادة القاعدة من الرواية الشريفة غير مبتنية على كون الغاية لتحديد الموضوع بل هي أما غاية للمحمول أو للنسبة وإن كانت نتيجة تحديد المحمول أو النسبة هي تحديد الموضوع قهراً كما عرفت (وعليه) فالتحقيق في رد الفصول من حيث لزوم استعمال اللفظ في أكثر من معنى أو غيره هو ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه.

(بقي أمور) :

(الأول) إن في المسألة قولا آخر وهو كون الرواية دليلا اجتهادياً وقاعدة واستصحاباً فالمغيا دليل اجتهادي وقاعدة والغاية استصحاب محض (وهذا هو خيرة المصنف) في تعليقته على الرسائل (قال) عند التعليق على قول الشيخ نعم إرادة القاعدة والاستصحاب معاً يوجب استعمال اللفظ في معنيين (ما لفظه) إرادتهما إنما توجب ذلك لو كان كما أفاده قدس‌سره بان يراد من المحمول فيها تارة أصل ثبوته وأخرى استمراره بحيث كان أصل ثبوته مفروغاً عنه وكذلك الحال في الغاية فجعلت غاية للحكم بثبوته مرة وللحكم باستمراره أخرى واما إذا أريد أحدهما من المغيا والآخر من الغاية فلا (توضيح ذلك) ان قوله عليه‌السلام كل شيء طاهر مع قطع النّظر عن الغاية بعمومه يدل على طهارة الأشياء بعناوينها الواقعية كالماء والتراب وغيرهما فيكون دليلا اجتهاديا على طهارة الأشياء وإطلاقه بحسب حالات الشيء التي منها حالة كونه بحيث يشتبه طهارته ونجاسته بالشبهة الحكمية أو الموضوعية يدل على قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته كذلك (إلى ان قال) ولا ضير في اختلاف الحكم بالنسبة إلى افراد العام وصيرورته ظاهرياً بالنسبة إلى بعضها وواقعياً بالإضافة إلى بعضها والآخر لأن الاختلاف بذلك انما هو من اختلاف افراد الموضوع لا من جهة الاختلاف في المعنى المحكوم به بل هو بالمعنى الواحد (إلى ان قال) فدلّ أي الحديث الشريف بما فيه من الغاية والمغيا على ثبوت

٨٨

الطهارة واقعاً وظاهراً على ما عرفت على اختلاف أفراد العام وعلى بقائها تعبداً عند الشك في البقاء من دون لزوم محذور استعمال اللفظ في المعنيين (انتهى) موضع الحاجة من كلامه.

(أقول)

(أما إرادة) الاستصحاب من الغاية فقد عرفت قبلا في ذيل التعليق على قوله وتقريب دلالة مثل هذه الاخبار ... إلخ محذورها وهو لزوم استعمال الغاية في معنيين أي في الاستمرار وفي الانتهاء جميعاً فراجع.

(وأما إرادة) القاعدة والاستصحاب جميعاً من الرواية فقد عرفت آنفاً محاذيرها من الشيخ أعلى الله مقامه في ضمن رده على الفصول وكان عمدتها لزوم تقدم الشيء على نفسه فتذكر.

(وأما إرادة) الدليل الاجتهادي والقاعدة جميعاً من المغيا بدعوى إطلاق لفظ الشيء في قضية كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر وشموله للشيء بعنوانه الأولي كالماء والتراب ونحوهما وللشيء بعنوانه الثانوي أي مشكوك الطهارة والنجاسة وأن الجميع طاهر غايته ان بعض أفراده طاهر واقعاً وبعضها الآخر طاهر ظاهراً فهي لو سلم معقوليتها مما لا تلائم الغاية وهي العلم بالقذارة إذ لا معنى لكون الطهارة الواقعية مغياة بالعلم بالقذارة الا الظاهرية المجعولة في ظرف الشك في الطهارة الواقعية فقهراً يكون المغيا قاعدة الطهارة فقط لا دليلا اجتهادياً وقاعدة فتأمل جيدا.

(هذا تمام الكلام) في تنقيح المسألة وقد عرفت ان فيها وجوهاً خمسة.

(الأول) كون الرواية هي قاعدة الطهارة فقط وهو الحق المشهور وهو الظاهر من الشيخ أعلى الله مقامه لما عرفت من تصريحه بكونها للاستصحاب خلاف الظاهر.

(الثاني) كونها استصحاباً فقط وهو الّذي قد عرفت تقريبه من الشيخ

٨٩

بإرادة استمرار الطهارة من المحمول لا نفس الطهارة وإن اعترف أعلى الله مقامه انه خلاف الظاهر وهو كذلك.

(الثالث) كونها دليلا اجتهادياً واستصحاباً وهو خيرة المصنف في الكتاب.

(الرابع) كونها قاعدة واستصحاباً وهو خيرة الفصول.

(الخامس) وهو أخس الوجوه كونها دليلا اجتهادياً وقاعدة واستصحاباً وهو خيرة المصنف في تعليقته على الرسائل.

(الأمر الثاني) ان الشيخ أعلى الله مقامه بعد أن أنكر في موثقة عمار وهي كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر كونها للاستصحاب وقال انه خلاف الظاهر كما تقدم قبلا قد ادعى في رواية الماء كله طاهر حتى تعلم انه نجس أن الأولى حملها على الاستصحاب (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) ومنها أي ومن الأخبار الدالة على الاستصحاب في موارد خاصة قوله عليه‌السلام الماء كله طاهر حتى تعلم انه نجس وهو وان كان متحداً مع الخبر السابق من حيث الحكم والغاية إلا أن الاشتباه في الماء من غير جهة عروض النجاسة للماء غير متحقق غالباً فالأولى حملها على إرادة الاستصحاب والمعنى ان الماء المعلوم طهارته بحسب أصل الخلقة طاهر حتى تعلم أي مستمر طهارته المفروضة إلى حين العلم بعروض القذارة له سواء كان الاشتباه وعدم العلم من جهة الاشتباه في الحكم كالقليل الملاقي للنجس والبئر أم كان من جهة الاشتباه في الأمر الخارجي كالشك في ملاقاته للنجاسة أو نجاسة ملاقيه (انتهى).

(ومحصله) ان الماء حيث كانت طهارته بحسب أصل الخلقة معلومة غالباً فالأولى حمل الرواية على الاستصحاب وبيان استمرار الطهارة للماء سواء كانت في الشبهة الحكمية أو الموضوعية إلى العلم بالنجاسة لا إثبات نفس الطهارة له إلى العلم بالنجاسة.

(وفيه بعد النقض) بأن طهارة ساير الأشياء أيضاً بحسب أصل الخلقة

٩٠

معلومة غالباً من دون اختصاص بالماء فقط.

(ان طهارة الماء) بحسب أصل الخلقة وان كانت معلومة واضحة ولكن طهارته الظاهرية في وعاء عدم العلم بالنجاسة غير معلومة ولا واضحة فتكون الرواية لبيان قاعدة الطهارة في خصوص المياه لا لبيان الاستصحاب فيها (هذا مضافاً) إلى ما أشير إليه قبلا من ظهور الجملة في إثبات نفس المحمول للموضوع لا إثبات استمراره فإنه مما يحتاج إلى تقدير وتبديل فتقدر كلمة مستمر وتبدل كلمة طاهر بكلمة طهارته فقوله عليه‌السلام الماء كله طاهر ... إلخ أي الماء كله مستمر طهارته ... إلخ وهو كما ترى خلاف الظاهر.

(الأمر الثالث) ان المصنف لم يذكر من الأخبار الخاصة أي الدالة على اعتبار الاستصحاب في موارد مخصوصة سوى الأخبار الثلاثة المتقدمة وهي قوله عليه‌السلام كل شيء طاهر ... إلخ وقوله عليه‌السلام الماء كله طاهر ... إلخ وقوله عليه‌السلام كل شيء حلال ... إلخ وقد عرفت عدم دلالة شيء منها على الاستصحاب ولكن الشيخ أعلى الله مقامه قد أضاف عليها روايتين آخرتين.

في الاستدلال برواية عبد الله بن سنان

ورواية عبد الله بن بكير

(الأولى) ما رواه في الوسائل في أبواب النجاسات في باب طهارة الثوب الّذي يستعيره الذميّ عن عبد الله بن سنان (قال) سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر إني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده علي فأغسله قبل أن أصلي فيه فقال أبو عبد الله عليه‌السلام صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه فلا بأس أن تصلي فيه

٩١

حتى تستيقن أنه نجسه (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ذكر الرواية (ما لفظه) وفيها دلالة واضحة على أن وجه البناء على الطهارة وعدم وجوب غسله هو سبق طهارته وعدم العلم بارتفاعها ولو كان المستند قاعدة الطهارة لم يكن معنى لتعليل الحكم بسبق الطهارة إذا الحكم في القاعدة مستند إلى نفس عدم العلم بالطهارة والنجاسة نعم الرواية مختصة باستصحاب الطهارة دون غيرها (ثم قال) ولا يبعد عدم القول بالفصل بينها وبين غيرها مما يشك في ارتفاعها بالرافع (انتهى).

(أقول)

بل لا يبعد ان يستفاد من التعليل المذكور في الرواية اعتبار الاستصحاب في عموم الأبواب من غير اختصاص بباب الطهارة فقط بلا حاجة إلى دعوى عدم القول بالفضل أو دعوى تنقيح المناط مثلا فإن الإمام عليه‌السلام قد علل عدم غسل الثوب الّذي استعاره الذميّ باستصحاب الطهارة وانك قد أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه فإن كان التعليل باستصحاب الطهارة بما هو هو كان ذلك تعليلا بأمر تعبدي وان كان التعليل به بما هو من صغريات القضية الكلية المرتكزة في أذهان العقلاء من عدم رفع اليد عن اليقين السابق الا بيقين آخر مثله كان التعليل بأمر ارتكازي عقلائي وحيث ان الأول ركيك جداً بل خلاف الظاهر فيتعين الثاني ويثبت به حجية الاستصحاب في عموم الأبواب طراً وهذا واضح.

(الثانية) ما رواه في الوسائل في أول باب من نواقض الوضوء مسنداً عن عبد الله بن بكير عن أبيه (قال) قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام إذا استيقنت انك قد أحدثت فتوضأ وإياك أن تحدث وضوءاً أبداً حتى تستيقن أنك قد أحدثت (قال الشيخ) بعد ذكر الحديث (ما لفظه) ودلالته على استصحاب الطهارة ظاهرة (انتهى) ولم يزد أعلى الله مقامه على ذلك شيء.

(أقول)

نعم دلالته على استصحاب الطهارة ظاهرة سيما بشهادة ما في الباب من روايات أخرى

٩٢

(مثل ما رواه) في الباب عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله انه قال للصادق عليه‌السلام أجد الريح في بطني حتى أظن انها قد خرجت فقال ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح (ثم قال) إن إبليس يجلس بين أليتي الرّجل فيحدث ليشككه.

(ومثل ما رواه) في الباب عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال سألته عن رجل يتكئ في المسجد فلا يدري نام أم لا هل عليه وضوء قال إذا شك فليس عليه وضوء.

(ومثل) ما حكاه في الباب عن المحقق في المعتبر أنه روي عن موسى بن جعفر قال إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا لم يخرج من المسجد حتى يسمع أو يجد ريحاً.

(قوله ولا يذهب عليك انه بضميمة عدم القول بالفصل قطعاً بين الحلية والطهارة وبين ساير الأحكام لعم الدليل وتم ... إلخ)

قد عرفت أنه لم يتم دلالة شيء من الأخبار الثلاثة المتقدمة وهي قوله عليه‌السلام كل شيء طاهر ... إلخ وقوله عليه‌السلام الماء كله طاهر ... إلخ وقوله عليه‌السلام كل شيء حلال ... إلخ على الاستصحاب ولو في موردها كي بضميمة عدم القول بالفصل يعم الدليل ساير الموارد ويتم.

(نعم) يصح التشبث بعدم القول بالفصل في رواية عبد الله بن سنان المتقدمة كما فعل الشيخ أعلى الله مقامه بل ويصح ذلك في رواية عبد الله بن بكير المتقدمة أيضاً بل قد عرفت منا التشبث للعموم برواية عبد الله بن سنان من ناحية ظهورها في التعليل بأمر ارتكازي عقلائي من غير حاجة إلى دعوى عدم القول بالفصل أو دعوى تنقيح المناط مثلا.

٩٣

(قوله ثم لا يخفى إن ذيل موثقة عمار فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك يؤيد ما استظهرنا منها ... إلخ)

أي ان ذيل الموثقة يؤيد ما استظهرنا منها من كون المغيا دليلا اجتهادياً والغاية استصحاباً (وتوضيح التأييد) مما يحتاج إلى مقدمة وهي ان المغيا على مختار المصنف في الكتاب كما تقدم وعرفت هو دليل اجتهادي محض فقوله عليه‌السلام كل شيء طاهر قضية مستقلة تثبت الطهارة الواقعية للأشياء بعناوينها والأولية كالماء والتراب والحجر والمدر ونحو ذلك وليست هي مربوطة بالغاية أصلا ولا هي مغياة بالعلم بالنجاسة كي تكون الطهارة ظاهرية ويكون المغيا قاعدة الطهارة أبداً وأما قوله حتى تعلم انه قذر فهو استصحاب أي حكم باستمرار تلك الطهارة الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية إلى العلم بالقذارة فينتهي الاستمرار وينقطع (فإذا عرفت) هذه المقدمة فنقول إن حاصل كلام المصنف انه يؤيد ما ذكرنا من كون المغيا دليلا اجتهادياً محضاً وقضية مستقلة غير مربوطة بالغاية أصلا ظهور الذيل في التفرع على الغاية وحدها فقوله فإذا علمت فقد قذر متفرع على منطوق الغاية وقوله وما لم تعلم فليس عليك متفرع على مفهوم الغاية فلو كان المغيا مرتبطاً بالغاية وكان المجموع قاعدة الطهارة لكان الذيل متفرعاً على المجموع لا على الغاية وحدها (وفيه) ان كل ذلك دعوى بلا شاهد بل ظاهر الذيل هو التفرع على مجموع المغيا والغاية فقوله فإذا علمت فقد قذر متفرع على الغاية وما لم تعلم فليس عليك متفرع على المغيا بالغاية فتأمل جيداً.

٩٤

في استدلال النافين لحجية الاستصحاب

(قوله ثم إنك إذا حققت ما تلونا عليك من الأخبار فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان ساير الأقوال ... إلخ)

إلا قول النافين فقط فلا بأس ببيان ما ذكر لهم من الاستدلال لما فيه من مزيد الاهتمام بعد التفاصيل المتقدمة كلها (فنقول) إنهم استدلوا بأمور عديدة على ما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه أوجهها ثلاثة.

(الأول) ما عن الذريعة والغنية من أن المتعلق بالاستصحاب يثبت الحكم عند التحقيق من غير دليل (قالا) توضيح ذلك أنهم يقولون قد ثبت بالإجماع على من شرع في الصلاة بالتيمم وجوب المضي فيها قبل مشاهدة الماء فيجب أن يكون على هذا الحال بعد المشاهدة وهذا منهم جمع بين الحالتين في حكم من غير دليل يقتضي الجمع بينهما لأن اختلاف الحالتين لا شبهة فيه لأن المصلي غير واجد للماء في إحداهما واجد له في الأخرى فلا يجوز التسوية بينهما من غير دلالة فإذا كان الدليل لا يتناول إلا الحالة الأولى وكانت الحالة الأخرى عارية منه لم يجز أن يثبت فيها مثل الحكم (انتهى).

(أقول)

بعد ما اتضح لك أدلة الاستصحاب واحداً بعد واحد من الأخبار المستفيضة من الصحاح الثلاثة وغيرها بل وغير الأخبار من بناء العقلاء على ما عرفت الاستدلال به منا لا يكاد يكون المتعلق بالاستصحاب مثبتاً للحكم من غير دليل ولا مجمعاً بين الحالتين من غير برهان (وأما وجوب المضي) في الصلاة بعد مشاهدة الماء فهو من جهة النص.

(كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت

٩٥

في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلي ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين ويقطعهما ويتوضأ ثم يصلي قال لا ولكنه يمضي في صلاته ولا ينقضهما لمكان أنه دخلها وهو على طهر يتيمم.

(ورواية محمد بن حمران) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال له رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتي بالماء حين يدخل في الصلاة قال يمضي في الصلاة الحديث (وقد قيل) في المسألة بوجوب الرجوع ما لم يركع.

(لصحيحة زرارة) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت فإن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة قال فلينصرف وليتوضأ ما لم يركع فإن كان قد ركع فليمض في صلاته فإن التيمم أحد الطهورين.

(وخبر عبد الله بن عاصم) قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل لا يجد الماء فتيمم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام فقال هو ذا الماء فقال أن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ وإن كان قد ركع فليمض في صلاته (ومقتضي الجمع) بين الروايات وان كان تقييد الخبرين الأولين بما إذا دخل في الصلاة وركع ولكن التعليل المذكور في الصحيحة الأولى مما يأبى عن هذا التقييد فاللازم حمل الخبرين الأخيرين على استحباب الرجوع ما لم يركع.

(وبالجملة) إن في المسألة نصوصاً متعددة على المضي إما مطلقاً أو بعد ما ركع وليس الاتكال فيها على استصحاب وجوب المضي من قبل مشاهدة الماء إلى بعد المشاهدة وإلا فلا مجال لاستصحابه نظراً إلى تبدل الموضوع وهو الفاقد إلى الواجد بل وإلى كونه مسببياً يقدم عليه السببي وهو استصحاب انتقاض التيمم على تقدير وجد وجدان الماء من قبل الدخول في الصلاة إلى بعد الدخول فيها كما يجري استصحاب حرمة العصير على تقدير الغليان من حال العنبية إلى حال الزبيبية ويقدم على استصحاب الحلية في حال الزبيبية من قبل الغليان إلى بعد الغليان وسيأتي

٩٦

تفصيل السببي والمسببي مبسوطاً ووجه تقدم السببي على المسببي مشروحاً في أواخر الاستصحاب إن شاء الله تعالى فانتظر.

(الأمر الثاني) أنه لو كان الاستصحاب حجة لزم التناقض إذ كما يقال كان للمصلي قبل وجدان الماء المضي في صلاته فكذا بعد الوجدان كذلك يقال إن وجدان الماء قبل الدخول في الصلاة كان ناقضاً للتيمم فكذا بعد الدخول أو يقال الاشتغال بصلاة متيقنة ثابت قبل فعل هذه الصلاة فيستصحب (انتهى) موضع الحاجة من الأمر الثاني.

(أقول)

ويظهر ضعف ذلك مما تقدم آنفاً من عدم جريان استصحاب وجوب المضي كي يناقض استصحاب انتقاض التيمم يوجدان الماء من قبل الدخول في الصلاة إلى بعد الدخول فيها وذلك لتبدل موضوعه ،

(أولا) وكونه مسببياً.

(ثانياً) نعم لو كان جارياً لم يناقضه استصحاب الاشتغال لكون الثاني مسببياً بالنسبة إلى استصحاب وجوب المضي كما لا يخفى.

(الأمر الثالث) انه لو كان الاستصحاب حجة لكان بينة النفي أولى وأرجح من بينة الإثبات لاعتضادها باستصحاب النفي.

(وفيه) ما لا يخفى إذ الاستصحاب (ان كان أصلا عمليا) فلا يكاد يعتضد الطريق بالأصل العملي أبداً (وإن كان أمارة) كما استظهرنا ذلك فيما تقدم وعرفت فإن اقتصرنا في الترجيح في تعارض البينات على المرجحات المنصوصة فلا يكاد ينفع الاعتضاد بالاستصحاب أصلا بل اللازم هو متابعة المرجحات المنصوصة فقط سواء كانت في جانب الإثبات أو في جانب النفي وإن تعينا إلى الترجيح بكل ما يوجب الأقربية إلى الواقع كما لا يبعد ذلك بناء على اعتبار الأمارات من باب الطريقية فمن الجائز اعتضاد بينة النفي بالاستصحاب إن لم يكن في جانب الإثبات مزية

٩٧

أخرى أقوى هي من الاستصحاب مناطاً فتأمل جيدا.

في تفصيل الفاضل التوني بين التكليف والوضع

(قوله ولا بأس بصرفه إلى تحقيق حال الوضع وأنه حكم مستقل بالجعل كالتكليف أو منتزع عنه وتابع له في الجعل أو فيه تفصيل حتى يظهر حال ما ذكره هاهنا بين التكليف والوضع من التفصيل ... إلخ)

(أما تحقيق حال الوضع) من حيث كونه حكماً مستقلا بالجعل كالتكليف أو منتزعاً عنه وتابعاً له في الجعل أو فيه تفصيل كما فعل المصنف فسيأتي شرحه مفصلا وملخصه انه على أقسام

(فمنها) ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل أصلا لا استقلالا ولا تبعا.

(ومنها) ما يكون مجعولا تبعا.

(ومنها) ما يكون مجعولا استقلالا فانتظر (وأما ما ذكرها هنا من التفصيل) بين التكليف والوضع فهو للفاضل التوني رحمه‌الله وهو القول السابع في المسألة كما تقدم وهو تفصيل كما اشتهر على الألسن بين الأحكام التكليفية فلا يعتبر الاستصحاب فيها وبين الأحكام الوضعيّة فيعتبر الاستصحاب فيها ولكن التدبر التام في كلمات الفاضل المذكور مما يعطي التفصيل بين الحكم مطلقاً من التكليفي والوضعي جميعاً وبين متعلقات الحكم الوضعي فلا يعتبر الاستصحاب في الأول ويعتبر في الثاني (فلا يستصحب) الوجوب ولا الحرمة ولا الاستصحاب ولا الكراهة ولا الإباحة (وهكذا لا يستصحب) سببية السبب ولا شرطية الشرط ولا مانعية المانع (ولكن يستصحب) نفس السبب أو الشرط أو المانع من غير مساس لهذا كله بكون الحكم الوضعي مستقلا في الجعل كالتكليف أو منتزعاً عنه وتابعا له في الجعل بل النزاع في ذلك كما سيأتي هو نزاع معروف مستقل غير مرتبط بالتفصيل المذكور أصلا وكيف كان (قال الفاضل المذكور) حسب ما نقله الشيخ عنه عند نقل حجة

٩٨

ألقوا ، السابع (ما لفظه) ولتحقيق المقام لا بد من إيراد كلام يتضح به حقيقة الحال (فنقول) الأحكام الشرعية تنقسم إلى ستة أقسام.

(الأول) و (الثاني) الأحكام الاقتضائية المطلوب فيها الفعل وهي الواجب والمندوب.

(والثالث) و (الرابع) الأحكام الاقتضائية المطلوب فيها الترك وهو الحرام والمكروه.

(والخامس) الأحكام التخييرية الدالة على الإباحة.

(والسادس) الأحكام الوضعيّة كالحكم على الشيء بأنه سبب لأمر أو شرط له أو مانع له (إلى ان قال) إذا عرفت هذا فإذا ورد أمر بطلب شيء فلا يخلو إما أن يكون موقتاً أم لا.

(وعلى الأول) يكون وجوب ذلك الشيء أو ندبه في كل جزء من أجزاء الوقت ثابتاً بذلك الأمر فالتمسك في ثبوت ذلك الحكم في الزمان الثاني بالنص لا بالثبوت في الزمان الأول حتى يكون استصحاباً وهو ظاهر.

(وعلى الثاني) أيضاً كذلك إن قلنا بإفادة الأمر التكرار وإلا فذمة المكلف مشغولة حتى يأتي به في أي زمان كان ونسبة أجزاء الزمان إليه نسبة واحدة في كونه أداء في كل جزء منها سواء قلنا بأن الأمر للفور أم لا (إلى أن قال) وكذا الكلام في النهي بل هو الأولى بعدم توهم الاستصحاب فيه لأن مطلقه يفيد التكرار (والتخييري) أيضاً كذلك فالأحكام التكليفية الخمسة المجردة عن الأحكام الوضعيّة لا يتصور فيها الاستدلال بالاستصحاب (وأما الأحكام الوضعيّة) فإذا جعل الشارع شيئاً سبباً لحكم من الأحكام الخمسة كالدلوك لوجوب الظهر والكسوف لوجوب صلاته والزلزلة لصلاتها والإيجاب والقبول لإباحة التصرفات والاستمتاعات في الملك والنكاح وفيه لتحريم أم الزوجة يعني الإيجاب والقبول في النكاح لتحريم أم الزوجة والحيض والنفاس لتحريم الصوم والصلاة إلى غير ذلك

٩٩

فينبغي أن ينظر إلى كيفية سببية السبب هل هي على الإطلاق كما في الإيجاب والقبول فان سببيته على نحو خاص وهو الدوام إلى أن يتحقق المزيل وكذا الزلزلة أو في وقت معين كالدلوك ونحوه مما لم يكن السبب وقتا للحكم وكالكسوف والحيض ونحوهما مما يكون السبب وقتا للحكم فإن السببية في هذه الأشياء على نحو آخر فإنها أسباب للحكم في أوقات معينة وجميع ذلك ليس من الاستصحاب في شيء فإن ثبوت الحكم في شيء من أجزاء الرمان الثابت فيه الحكم ليس تابعاً للثبوت في جزء آخر بل نسبة السبب في محل اقتضاء الحكم في كل جزء نسبة واحدة (وكذلك الكلام) في الشرط والمانع (فظهر مما ذكرناه) أن الاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلا في الأحكام الوضعيّة أعني الأسباب والشرائط والموانع للأحكام الخمسة من حيث أنها كذلك ووقوعه في الأحكام الخمسة إنما هو بتبعيتها كما يقال في الماء الكر المتغير بالنجاسة إذا زال تغيره من قبل نفسه فإنه يجب الاجتناب عنه في الصلاة لوجوبه قبل زوال تغيره فإن مرجعه إلى ان النجاسة كانت ثابتة قبل زوال تغيره فكذلك يكون بعده والنجاسة من الموانع ويقال في المتيمم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة إن صلاته كانت صحيحة قبل الوجدان فكذا بعده أي كان مكلفاً ومأموراً بالصلاة بتيممه قبله فكذا بعده فإن مرجعه إلى انه كان متطهراً قبل وجدان الماء فكذا بعده والطهارة من الشروط (فالحق) مع قطع النّظر عن الروايات عدم حجية الاستصحاب لأن العلم بوجود السبب أو الشرط أو المانع في وقت لا يقتضي العلم بل ولا الظن بوجوده في غير ذلك الوقت كما لا يخفى (إلى ان قال) إلّا ان الظاهر من الاخبار انه إذا علم وجود شيء فإنه يحكم به حتى يعلم زواله (انتهى) كلامه رفع مقامه.

(ومحصله) أن الأمر سواء كان وجوبياً أو ندبيا (ان كان) موقتاً فالحكم في كل جزء من أجزاء الوقت ثابت بذلك الأمر فثبوته في الزمان الثاني والثالث والرابع إلى الآخر يكون بالدليل لا بثبوته في الزمان الأول كي يكون استصحاباً (وإن لم يكن) موقتا (فإن قلنا) بالتكرار فهو كالموقت فثبوت الحكم في كل من

١٠٠