عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٢٠

(وأما إذا اعتمدنا) في اعتباره على بناء العقلاء والاخبار المستفيضة جميعا كما اخترنا ذلك فيما تقدم (أو اعتمدنا) في اعتباره على الاخبار المستفيضة فقط كما فعل الشيخ والمصنف وهو ظاهر المتأخرين غالبا فلا وجه لاعتبار الظن الشخصي بالوفاق بل يجري الاستصحاب حتى مع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق فإن العقلاء هب انهم لا يعملون على طبق الحالة السابقة الا في خصوص ما إذا حصل لهم منها الظن الشخصي بالبقاء بل الوثوق والاطمئنان ولكن الاخبار المستفيضة الناهية عن نقض اليقين بالشك مما توسع الدائرة ويجعل الاستصحاب حجة مطلقا ولو لم يفد الظن بل ولو كان الظن على خلافه (وقد تقدم) نظير ذلك عيناً في خبر الثقة فبناء العقلاء فيه وان كان مستقراً على العمل به في خصوص ما إذا حصل منه الوثوق والاطمئنان وإلا فلا يعملون العقلاء به تعبداً ولكن الاخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة على حجيته واعتباره مما توسع الدائرة فتجعله حجة مطلقاً ولو لم يفد الظن بل ولو كان الظن على خلافه فتأمل جيداً.

(قوله ويدل عليه مضافاً إلى انه كذلك لغة كما في الصحاح ... إلخ)

أي ويدل على كون الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين وجوه أربعة غير ان بعضها يدل عليه بالمطابقة وبعضها بالالتزام والجامع بين الكل هو الدلالة التزاماً على جريان الاستصحاب حتى مع الظن بالخلاف الّذي هو المقصد الأصلي من عقد هذا التنبيه كما نبهنا آنفاً فضلا عن الظن بالوفاق.

(الأول) تصريح الصحاح كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه بل وغير الصحاح أيضاً على ما راجعت بكون الشك خلاف اليقين.

(نعم لا يبعد) أن يكون الشك اصطلاحا هو الاحتمال المتساوي طرفاه في قبال الظن وهو الاحتمال الراجح وفي قبال الوهم وهو الاحتمال المرجوح ولكنه اصطلاح جديد بين أهل العلم لا ربط له بالآيات والروايات كما لا يخفى.

(الثاني) تعارف استعمال الشك في خلاف اليقين في غير باب واحد بل

٢٢١

وفي جميع الاخبار مما جعل فيه الشك مقابلا لليقين كما صرح به الشيخ أيضاً في عبارته الآتية.

(الثالث) قوله عليه‌السلام في الصحيحة الأولى لزرارة وإنما ينقضه بيقين آخر حيث ان ظاهره انه في مقام تحديد ما ينقض به اليقين وانه ليس إلا اليقين وأن الظن بالخلاف ليس بناقض فيجري الاستصحاب معه.

(الرابع) قوله عليه‌السلام في الصحيحة الأولى أيضاً لزرارة (لا) حتى يستيقن انه قد نام بعد السؤال عنه عليه‌السلام عما إذا حرك إلى جنبه شيء ولم يعلم به حيث دل بإطلاقه على عموم النفي من غير تفصيل بين ما إذا أفادت الأمارة المذكورة الظن بالنوم أو لم تفد أي لا يجب الوضوء مطلقاً ولو أفادت الأمارة المذكورة الظن بالنوم حتى يستيقن هذا مجموع ما استدل به المصنف لكون الشك هو خلاف اليقين وسيأتي لذلك شواهد أخرى في الاخبار يشير إليها الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه الآتي فانتظر.

(قوله على عموم النفي لصورة الإفادة ... إلخ)

متعلق بقوله دل أي حيث دل بإطلاقه على عموم النفي لصورة الإفادة.

(قوله وقوله عليه‌السلام بعده ولا ينقض اليقين بالشك ان الحكم في المغيا مطلقاً هو عدم نقض اليقين بالشك كما لا يخفى ... إلخ)

عطف على فاعل دل والمعنى هكذا حيث دل قوله عليه‌السلام (لا حتى يستيقن انه نام) بإطلاقه على عموم النفي لصورة الإفادة ودل قوله عليه‌السلام بعده ولا ينقض اليقين بالشك ان الحكم في المغيا أعني في قوله (لا) هو مطلقاً عدم نقض اليقين بالشك أي ولو حصل بالظن بالخلاف حتى يستيقن انه قد نام.

٢٢٢

(قوله وقد استدل عليه أيضاً بوجهين آخرين الأول الإجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف على تقدير اعتباره من باب الأخبار ... إلخ)

أي وقد استدل على ما تقدم من كون الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين بوجهين آخرين غير ما تقدم من المصنف من الوجوه الأربعة (والمستدل هو الشيخ) أعلى الله مقامه وتفصيله أنه استدل على ذلك بوجوه ثلاثة وجعل الوجوه المتقدمة من المصنف كلها وجملة من شواهد أخر في الأخبار وجهاً واحداً من الوجوه الثلاثة (قال أعلى الله مقامه ما لفظه) الأمر الثاني عشر انه لا فرق في احتمال خلاف الحالة السابقة بين أن يكون مساوياً لاحتمال بقائه أو راجحاً عليه بأمارة غير معتبرة (ويدل عليه) وجوه.

(الأول) الإجماع القطعي على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار (الثاني) ان المراد بالشك في الروايات معناه اللغوي وهو خلاف اليقين كما في الصحاح ولا خلاف فيه ظاهراً ودعوى انصراف المطلق في الروايات إلى معناه الأخص وهو الاحتمال المساوي لا شاهد لها بل يشهد بخلافها مضافاً إلى تعارف إطلاق الشك في الاخبار على المعنى الأعم موارد من الأخبار.

(منها) مقابلة الشك باليقين في جميع الاخبار.

(ومنها) قوله في صحيحة زرارة الأولى فإن حرك إلى جنبه شيء وهو لا يعلم به إلى آخره فإن ظاهره فرض السؤال فيما كان معه أمارة النوم.

(ومنها) قوله عليه‌السلام لا حتى يستيقن حيث جعل غاية وجوب الوضوء الاستيقان بالنوم ومجيء أمر بيّن منه.

(ومنها) قوله عليه‌السلام ولكن ينقضه بيقين آخر فإن الظاهر سوقه في مقام بيان حصر ناقض اليقين في اليقين.

(ومنها) قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة الثانية فلعله شيء أوقع عليك وليس

٢٢٣

ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك فإن كلمة لعل ظاهرة في مجرد الاحتمال خصوصاً مع وروده في مقام إبداء ذلك كما في المقام فيكون الحكم متفرعاً عليه.

(ومنها) تفريع قوله عليه‌السلام صم للرؤية وأفطر للرؤية على قوله عليه‌السلام اليقين لا يدخله الشك.

(الثالث) ان الظن الغير المعتبر ان علم بعدم اعتباره بالدليل فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع وان كلما يترتب شرعاً على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده وان كان مما شك في اعتباره فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك فتأمل جيداً (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله وفيه انه لا وجه لدعواه ولو سلم اتفاق الأصحاب على الاعتبار إلى آخره)

وحاصل ردّ المصنف على الوجه الأول من وجوه الشيخ أعلى الله مقامه انه لا وجه لدعوى الإجماع القطعي ولو سلم اتفاق الأصحاب على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف وذلك لجواز استنادهم في ذلك إلى الشواهد المتقدمة من الأخبار لا إلى رأي الإمام عليه‌السلام الواصل إليهم خلفاً عن سلف وجيلا بعد جيل ليكون ذلك دليلا مستقلا برأسه.

(قوله وفيه ان قضية عدم اعتباره لإلغائه أو لعدم الدليل على اعتباره إلى آخره)

وحاصل ردّ المصنف على الوجه الثاني وهو الوجه الثالث من الوجوه المتقدمة للشيخ ان مقتضي عدم اعتبار الظن إما للدليل على عدم اعتباره أو لعدم الدليل على اعتباره انه لا يثبت به مؤداه أي ما ظن به لا ترتيب آثار الشك عليه مع عدم الشك واقعاً بل لا بد حينئذ لو فرض عدم دلالة الأخبار على اعتبار الاستصحاب مع الظن الغير المعتبر من الرجوع إلى ساير الأصول.

٢٢٤

(أقول)

هذا مضافاً إلى ما يرد على قوله أخيراً وان كان مما شك في اعتباره فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك من المسامحة الواضحة فإن الظاهر من عدم نقض اليقين بالشك هو عدم نقض اليقين السابق بالشك المتعلق بعين ما تعلق به اليقين لا عدم نقض اليقين بالحكم الفعلي السابق بالشك في اعتبار الظن القائم على خلافه وهذا واضح (بل) ويرد عليه من جهة أخرى أيضا وهي تشبثه أعلى الله مقامه بقوله في الصحيحة الأولى لزرارة فإن حرك إلى جنبه شيء وهو لا يعلم فإن ظاهره وان كان فرض السؤال فيما كان معه أمارة النوم الموجبة للظن ولكن مجرد ذلك مما لا يجدي ما لم ينضم إليه قوله الإمام عليه‌السلام في جوابه لا حتى يستيقن ومعه لا يكاد يكون هو شاهداً مستقلا في المسألة غير قوله أعلى الله مقامه ومنها قوله عليه‌السلام لا حتى يستيقن ... إلخ.

(قوله لا ترتيب آثار الشك مع عدمه ... إلخ)

أي مع عدم الشك ووجود الظن بالخلاف.

(قوله فلو فرض عدم دلالة الأخبار معه على اعتبار الاستصحاب إلى آخره)

أي فلو فرض عدم دلالة الأخبار مع الظن الغير المعتبر على اعتبار الاستصحاب.

(قوله ولعله أشير إليه بالأمر بالتأمل ... إلخ)

حيث قال في آخر كلامه المتقدم فتأمل جداً ... إلخ ولكنه بعيد على الظاهر لمكان لفظة جداً فإن الأمر بالتأمل انما يكون إشارة إلى شيء إذا لم ينضم إليه لفظة جداً أو جيداً ونحوهما.

٢٢٥

في الإشارة الإجمالية إلى ما يعتبر في الاستصحاب

من الأمور السبعة

(قوله تتمة لا يذهب عليك انه لا بد في الاستصحاب من بقاء الموضوع وعدم أمارة معتبرة هناك ولو على وفاقه ... إلخ)

قد اقتصر المصنف في المقام على ذكر أمرين فقط مما لا بد منه في الاستصحاب وهما بقاء الموضوع وعدم أمارة معتبرة في مورده (وقد أشار في صدر الاستصحاب) إلى اعتبار أمرين آخرين أيضاً وهما اليقين والشك المشتركان بين الاستصحاب وقاعدة اليقين (حيث قال) وكيف كان فقد ظهر مما ذكرنا في تعريفه اعتبار أمرين في مورده القطع بثبوت شيء والشك في بقائه ... إلخ (بل قد أشار بذلك) إلى اعتبار أمر خامس أيضاً فارق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين وهو كون الشك في البقاء لا في أصل ما تيقن به وان لم يؤشر هو إلى قاعدة اليقين ولا إلى مدركها أصلا وأشار إليهما الشيخ أعلى الله مقامه في الخاتمة في الأمر الثاني مما يعتبر في الاستصحاب وسيأتي منا الإشارة إليهما إن شاء الله تعالى (وقد أشار المصنف) أيضاً في صدر التنبيه العاشر إلى اعتبار أمر سادس في الاستصحاب وهو كون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعا ذا حكم شرعي وقد أشرنا نحن هناك إلى وجه اعتباره ولزومه فتذكر (هذا) مع ما تقدم في خاتمة الاشتغال في شرائط الأصول العلمية من اشتراط جريان الأصول في الشبهات الحكمية بل والموضوعية في الجملة على التفصيل المتقدم هناك بالفحص بحد اليأس (والظاهر) انه لا فرق في ذلك بين كون الاستصحاب أصلا عملياً أو أمارة شرعية كما اخترنا ذلك وتقدم فإن مجرد كون الشيء أمارة مما لا يجوز العمل به في الشبهات الحكمية بدون الفحص بحد اليأس

٢٢٦

كيف وأظهر الأمارات والأدلة الاجتهادية هو خبر العدل أو الثقة ومع ذلك لا يجوز العمل به الا بعد الفحص عما يعارضه وينافيه كما تقدم في بحث عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص فكيف بالاستصحاب الّذي تكون ساير الأمارات حاكمة أو واردة عليه كما سيأتي في المقام الثاني من تتمة الاستصحاب فكما ان في الخبر الواحد يجب الفحص عما يعارضه وينافيه فكذلك في الاستصحاب يجب الفحص عما يكون حاكماً أو وارداً عليه (هذا مضافاً) إلى ان الأمارة التي قد أخذ في موضوعها الشك والجهل يكون حالها حال الأصل العملي فكما أن مقتضي الجمع بين الآيات والروايات الدالة على وجوب التفقه والتعلم وبين ما دل بإطلاقه على البراءة عند الجهل كان وجوب تحصيل العلم وإزالة الجهل أولا فإذا تفحص الجاهل ولم يتمكن من إزالة الجهل فعند ذلك يكون المجهول مرفوعاً عنه وهو في سعة منه فكذلك في المقام مقتضي الجمع بين الآيات والروايات الدالة على وجوب التفقه والتعلم في الشبهات الحكمية وبين ما دل على الاستصحاب عند الشك والجهل هو وجوب تحصيل العلم وإزالة الجهل أو لا فإذا تفحص المستصحب بالكسر ولم يزل الجهل عنه فعند ذلك يجب عليه إبقاء ما كان ويحرم عليه نقض اليقين بالشك.

(وبالجملة) بعد اعتبار الفحص في الاستصحاب ولو في الجملة تكون الأمور المعتبرة فيه كما نبهنا في صدر الاستصحاب لدى التعليق على قول المصنف وكيف كان فقد ظهر مما ذكرنا ... إلخ سبعة (هذا مع الغمض) عما تقدم اعتباره في التنبيه الحادي عشر من اتصال زمان الشك بزمان اليقين وبالعكس وإلّا فيكون المجموع ثمانية فتدبر جيداً.

٢٢٧

في اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب

(قوله فهاهنا مقامان المقام الأول انه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتحاد قضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعاً كاتحادهما حكماً إلى آخره)

نعم لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب ولكن ما معني الموضوع وما معنى بقاء الموضوع وما وجه اعتبار بقاء الموضوع.

(فنقول اما الموضوع) فهو معروض المستصحب وما يقوم به المستصحب

(واما بقاء الموضوع) فقد يتوهم أن معناه هو بقاء الموضوع في الخارج ولكن ينتقض ذلك في استصحاب وجود الموجودات كاستصحاب حياة زيد ونحوه فإنا لو علمنا ببقاء زيد في الخارج لم نحتج إلى استصحاب وجوده خارجاً أبداً.

(وقد يدعي) ان معناه هو تحقق الموضوع في اللاحق على نحو تحققه في السابق (فإن كان) تحققه في السابق خارجياً بان كان بوجوده الخارجي معروضاً للمستصحب كما في استصحاب قيام زيد فيعتبر تحققه في اللاحق كذلك (وان كان) ذهنياً بان كان بوجوده الذهني معروضاً للمستصحب كما في استصحاب حياة زيد فيعتبر تحققه في اللاحق كذلك (وبهذا يندفع إشكال) عدم اعتبار بقاء الموضوع في استصحاب وجود الموجودات وهذه الدعوى للشيخ أعلى الله مقامه (قال في الخاتمة) في بيان ما يعتبر في الاستصحاب (ما لفظه) الأول بقاء الموضوع في الزمان اللاحق والمراد به معروض المستصحب فإذا أريد استصحاب قيام زيد أو وجوده فلا بدّ من تحقق زيد في الزمان اللاحق على النحو الّذي كان معروضاً في السابق سواء كان تحققه في السابق بتقرره ذهنا أو بوجوده خارجاً فزيد معروض للقيام في السابق بوصف وجوده الخارجي وللوجود بوصف تقرره ذهنا لا وجوده

٢٢٨

الخارجي وبهذا اندفع ما استشكله بعض في كلية اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب بانتقاضها باستصحاب وجود الموجودات عند الشك في بقائها (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (هذا كله من أمر الشيخ في معني بقاء الموضوع).

(واما المصنف) فحاصل كلامه في معنى بقاء الموضوع هو أن يكون موضوع القضيتين أي المتيقنة والمشكوكة متحداً كاتحادهما حكماً أي محمولا فإذا كان موضوع القضية المتيقنة زيداً مثلا ومحمولها القيام فيجب أن يكون موضوع القضية المشكوكة أيضا زيداً ومحمولها القيام بأن يستصحب عند الشك نفس قيام زيد لا قيام عمرو ليختلف الموضوع ولا عدالة زيد ليختلف المحمول (والفرق) بين معنى الشيخ لبقاء الموضوع ومعنى المصنف انه على معنى الشيخ لا بد من إحراز بقاء الموضوع في الخارج في غير استصحاب وجود الموجودات نظراً إلى تحققه سابقاً في الخارج فيعتبر تحققه في اللاحق على نحو تحققه في السابق وهذا بخلاف معنى المصنف فلا يحتاج إلى إحراز بقائه في الخارج أصلا بعد اتحاد القضيتين موضوعاً كاتحادهما محمولا وذلك لتحقق أركان الاستصحاب بدون ذلك كله (والعجب) من الشيخ أعلى الله مقامه فإنه على حسب ما تقدم منه في معنى بقاء الموضوع لا بد له في غير استصحاب وجود الموجودات من إحراز بقاء الموضوع في الخارج أولا ولو بالاستصحاب ثم استصحاب عارضه من القيام والقعود والعدالة ونحو ذلك من العوارض ولكنه مع ذلك قد صرح في بعض كلماته في المقام بجواز استصحاب عدالة زيد من دون حاجة إلى بقاء حياته لأن موضوع العدالة هو زيد على تقدير الحياة وهو كما ترى ضعيف فإن موضوع العدالة في السابق كان هو زيد المحقق في الخارج لا زيد على تقدير حياته وقد التزم بلزوم تحقق الموضوع في اللاحق على نحو تحققه في السابق فيجب على هذا إحراز تحقق زيد في الخارج أو لا ثم استصحاب عدالته ثانياً (وكيف كان) هذا تمام الكلام

٢٢٩

في بيان معنى الموضوع ومعنى بقاء الموضوع.

(واما وجه اعتبار بقاء الموضوع) فقد أفاد المصنف في وجه اعتبار بقائه بالمعنى المتقدم وهو اتحاد القضيتين موضوعاً كاتحادهما حكماً أي محمولا دليلين قويّين.

(أحدهما) انه لو لم يكن موضوع القضيتين متحداً كاتحادهما محمولا لم يصدق الشك في البقاء بل في حدوث أمر آخر كما لا يخفى.

(ثانيهما) انه لو لم يكن موضوع القضيتين متحداً كاتحادهما محمولا لم يكن رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقضاً لليقين بالشك بل لا يكون نقضاً أصلا (فإذا تيقن) مثلا في السابق بعدالة زيد وشك فعلا في عدالة عمرو ولم يكن الشك حينئذ في بقاء ما كان ولا رفع اليد عن اليقين بعدالة عمرو نقضاً لليقين بالشك وهذا واضح (هذا ما أفاده المصنف) في وجه اعتبار بقاء الموضوع (واما الشيخ أعلى الله مقامه) فقد استدل على اعتبار بقائه بالمعنى المتقدم منه (بما ملخصه) انه لو لم يعلم تحقق الموضوع فعلا في ظرف الشك وأريد إبقاء المستصحب العارض له المتقوم به (فإما أن يبقى) في غير محل وموضوع وهو محال (وإما أن يبقى) في موضوع غير الموضوع السابق وهو كذلك (إما لاستحالة) انتقال العرض يعني به من موضوع إلى موضوع آخر للزوم الطفرة وهي المستلزمة لكون العرض بلا معروض ولو آناً ما في حال الانتقال والتحول (وإما لأن المتيقن) سابقاً هو وجوده في الموضوع السابق والحكم بعدم ثبوته لهذا الموضوع الجديد ليس نقضاً لليقين السابق (وقد اعترض المصنف) على الدليل المذكور بما حاصله ان انتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر بل وهكذا بقائه في غير محل وموضوع وان كان محالا حقيقة ولكنه مما لا يستحيل التعبد به والالتزام بآثاره شرعاً (وبعبارة أخرى) إن إبقاء المستصحب فعلا في ظرف الشك مع عدم إحراز تحقق موضوعه في الخارج وإن كان مما لا يمكن حقيقة لاستلزامه أحد المحذورين المحال إما بقاء العارض بلا محل

٢٣٠

أو انتقال العرض من موضوع إلى موضوع ولكن إبقاؤه تعبداً بمعنى ترتيب آثاره شرعاً في كمال الإمكان.

(قوله وأما بمعنى إحراز وجود الموضوع خارجاً ... إلخ)

ولو في الجملة أي في غير استصحاب وجود الموجودات كما اختاره الشيخ أعلى الله مقامه وقد عرفت شرحه.

(قوله لا يحتاج إلى إحراز حياته لجواز تقليده ... إلخ)

ولو قال لجواز البقاء على تقليده بناء على عدم اشتراط الحياة في البقاء عليه كان أصح بل كان هو الصحيح فان جواز تقليده وبدواً ليس إلّا كجواز الاقتداء به أو وجوب إكرامه أو الإنفاق عليه مما يحتاج إلى إحراز حياته خارجا ولعل مراده من جواز تقليده هو البقاء على تقليده فلا اعتراض عليه ولا إيراد.

هل اللازم بقاء الموضوع العقلي أو المأخوذ

في لسان الدليل أو الموضوع العرفي

(قوله وإنما الإشكال كله في ان هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف أو بحسب دليل الحكم أو بنظر العقل ... إلخ)

قد عرفت مما تقدم انه يعتبر بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب لا محالة سواء كان البقاء بمعنى اتحاد القضيتين موضوعاً كاتحادهما حكماً أي محمولا كما أفاد المصنف أو بمعنى بقاء الموضوع في الخارج ولو في غير استصحاب وجود الموجودات كما تقدم من الشيخ أعلى الله مقامه وحينئذ فهل اللازم بقاء الموضوع العقلي الدقي أو الموضوع المأخوذ في لسان الدليل أو الموضوع العرفي.

(فإن كان اللازم) بقاء الموضوع العقلي الدقي فلا مجال للاستصحاب في

٢٣١

الأحكام الشرعية في كل مقام شك في بقاء الحكم لزوال خصوصية من خصوصيات الموضوع المحتملة دخلها في الحكم أو لحدوث خصوصية فيه يحتمل دخل عدمها في الحكم (سواء كانت) الأحكام الشرعية كلية ليطابق المنع مقالة الأخباريين حيث منعوا عن الاستصحاب فيها نظراً إلى عدم بقاء الموضوع على ما تقدم لك شرحه مفصلا في القول الخامس في المسألة كالشك في بقاء نجاسة المتغير بعد زوال تغيره بنفسه أو في طهارة المكلف بعد خروج المذي منه ونحو ذلك (أو كانت) جزئية كما إذا شك في بقاء وجوب الصوم عليه لحدوث حالة فيه يحتمل كونها مرضا يضر معها الصوم أو شك في بقاء حرمة الخمر عليه لحدوث مرض فيه يحتمل توقف علاجه على شربه فإن الأصلين الحكميين مع قطع النّظر عن الأصلين الموضوعيين فيهما مما لا بجريان أصلا لعدم بقاء موضوعهما الدقي العقلي.

(نعم إذا كان الشك) في بقاء الحكم الشرعي من جهة احتمال النسخ فالاستصحاب حينئذ معتبر باتفاق الأمة على ما تقدم دعواه من المحدث الأسترآبادي بل ادعى انه من ضروريات الدين (بل الشيخ) أعلى الله مقامه قد استثنى من عدم جواز استصحاب الحكم الشرعي بناء على كون المرجع في معرفة الموضوع هو العقل صورة أخرى أيضاً وهي ما كان الشك في البقاء من جهة تغير الزمان المجعول ظرفاً للحكم كالخيار (قال) لأن الاستصحاب مبني على إلغاء خصوصية الزمان الأول (انتهى) (وعلى كل حال) بناء على اعتبار بقاء الموضوع العقلي الدقي لا مجال للاستصحاب في الأحكام الشرعية في الجملة ويختص بالموضوعات الخارجية فقط كما سيأتي التصريح به من المصنف وصرح به الشيخ أيضاً وهو كما ترى ضعيف فإن الموضوعات الخارجية أيضاً إذا شك في بقائها لزوال خصوصية من خصوصيات الموضوع المحتملة دخلها فيه وجوداً أو لحدوث خصوصية فيه يحتمل دخلها فيه عدماً لم يجز الاستصحاب كما في الأحكام الشرعية عيناً (فإذا شك) في بقاء اجتهاد زيد لانعزاله عن البحث والتدريس مدة مديدة أو شك في بقاء عدالة عمرو

٢٣٢

لمجالسته مع أهل الفسق والمعصية زمنا طويلا لم يستصحب اجتهاد زيد في الأول ولا عدالة عمرو في الثاني.

(نعم إذا شك) في بقاء وجود الموجودات كالشك في حياة زيد مثلا كما سيأتي التمثيل به من المصنف لم يكن حينئذ مانع عن الاستصحاب أصلا وذلك لبقاء الموضوع فيه وهو معروض المستصحب بعينه (هذا كله) إذا كان اللازم بقاء الموضوع العقلي الدقي.

(واما إذا كان اللازم) بقاء الموضوع المأخوذ في لسان الدليل فاللازم على ما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه أن يفرّق بين مثل قوله الماء المتغير نجس وقوله الماء ينجس إذا تغير فالموضوع في الأول هو الماء المتغير فإذا زال التغير لم تستصحب النجاسة والموضوع في الثاني هو نفس الماء فإذا زال التغير استصحب النجاسة (هذا) مضافاً إلى انه لو قيل بلزوم بقاء الموضوع المأخوذ في لسان الدليل فاللازم هو الجمود في جريان الاستصحاب على بقاء نفس العناوين الموجودة في لسان الدليل وإن على كونها من العناوين المشيرة إلى ما هو الموضوع واقعاً فإذا قال مثلا أكرم هذا القائم أو القاعد أو النائم وزالت هذه العناوين المشيرة وشك في بقاء الحكم لم يستصحب وجوب الإكرام لزوال الموضوع المأخوذ في لسان الدليل.

(وهذا بخلاف ما إذا كان اللازم) بقاء الموضوع العرفي فإن المعيار حينئذ في جريان الاستصحاب هو بقاء ما يراه العرف موضوعاً ومعروضاً للمستصحب وإن لم يكن في لسان الدليل موضوعاً أصلا (ففي الأمثلة) المذكورة بعد زوال العناوين المأخوذة في لسان الدليل يجري الاستصحاب بلا كلام إذا شك في بقاء الحكم وذلك لبقاء ما هو الموضوع عرفاً وان عنوان القائم أو القاعد أو النائم هو من العناوين المشيرة إلى ما هو الموضوع واقعاً وأنه من الحالات المتبادلة له لا الأمور المقومة للموضوع حقيقة (وهكذا الأمر) فيما إذا قال العنب إذا غلا يحرم فجف وصار زبيباً فيجري الاستصحاب حينئذ بلا شبهة إذا شك في بقاء الحكم التعليقي

٢٣٣

وذلك لكون الموضوع بنظر العرف بحسب ما هو المرتكز في أذهانهم هو ما يعم الزبيب أيضاً وان عنوان العنب المأخوذ في لسان الدليل هو من العناوين المشيرة والحالات المتبادلة نظير عنوان القائم أو القاعد أو النائم في الأمثلة المتقدمة (بل العرف) بحسب ما في أذهانهم من المرتكزات وما يفهمونه من المناسبات قد يرون عنواناً واحداً بالنسبة إلى حكم خاص من العناوين المشيرة والحالات المتبادلة وبالنسبة إلى حكم آخر من القيود المقومة للموضوع بحيث إذا زال زال الحكم من أصله (فإذا قال) مثلا أكرم هذا النائم فيرون عنوان النائم من العناوين المشيرة والحالات المتبادلة بحيث إذا زال لم يزل الحكم أصلا وإذا شك في بقاء الحكم استصحب (وإذا قال) لا تصح عند النائم فيرون عنوان النائم من القيود المقومة للموضوع بحيث إذا زال زال الحكم من أصله وإذا شك في بقائه لم يستصحب وهذا واضح.

(قوله فلا مجال للاستصحاب في الأحكام ... إلخ)

إلا فيما أشرنا إليه من موردي الاستثناء.

(قوله ويختص بالموضوعات ... إلخ)

قد عرفت ما فيه آنفاً وأشرنا إلى مورد الاستثناء أيضاً فلا تغفل ،

(قوله مثلا إذا ورد العنب إذا غلا يحرم كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفاً هو خصوص العنب ... إلخ)

وحاصله انه إذا ورد العنب إذا غلا يحرم فالمفهوم عرفاً من لفظة العنب وان كان هو خصوص العنب لا ما يعم الزبيب ولكن العرف بحسب ما في أذهانهم من المرتكزات وما يفهمونه من المناسبات بين الحكم والموضوع يرون الموضوع للحرمة المعلقة هو ما يعم الزبيب أيضاً وأن العنبية والزبيبية والرطوبة واليبوسة هي من الحالات المتبادلة للموضوع لا من القيود المقومة له على نحو إذا حكم بعدم حرمة الزبيب إذا غلا كان ذلك عندهم من ارتفاع الحكم الأول وإذا حكم بحرمة الزبيب إذا غلا كان ذلك عندهم من إبقاء الحكم الأول وهذا أيضاً واضح.

٢٣٤

(قوله فيما إذا لم تكن بمثابة يصلح قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه إلى آخره)

أي فيما إذا لم تكن الجهات والمناسبات بمثابة تكون قرينة على صرف لفظ العنب في المثال المتقدم عما هو ظاهر فيه من خصوص العنب إلى ما يعم الزبيب وإلّا فلا يكون الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بل يكون على وفق ما ارتكز في أذهانهم.

(قوله ولا يخفى ان النقض وعدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع ... إلخ)

هذه مقدمة مهدها المصنف لإثبات كون اللازم في الاستصحاب هو بقاء الموضوع العرفي لا الموضوع العقلي الدقي ولا الموضوع المأخوذ في لسان الدليل (وتوضيحها) انك قد عرفت فيما تقدم ان ما لم يكن الموضوع باقياً على حاله أي لم يتحد القضيتين المتيقنة والمشكوكة موضوعاً كاتحادهما حكماً أي محمولا لم يكن رفع اليد عن اليقين في ظرف الشك نقضاً لليقين بالشك فالنقض مما يتوقف صدقه على بقاء الموضوع (فنقول) حينئذ إن النقض وعدمه يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع (فإذا زال) خصوصية من خصوصيات الموضوع مما يحتمل دخلها في الحكم ولم تكن مأخوذة في لسان الدليل ولا من القيود المقومة للموضوع بنظر العرف فرفع اليد حينئذ عن اليقين في ظرف الشك لا يكون نقضاً بحسب الموضوع العقلي الدقي لعدم بقائه ويكون نقضاً بحسب الموضوع المأخوذ في لسان الدليل والموضوع العرفي لبقائهما وعدم ارتفاعهما (وإذا زال) عنوان من العناوين المأخوذة في لسان الدليل مما يراه العرف من العناوين المشيرة والحالات المتبادلة لا من القيود والمقومة فرفع اليد حينئذ عن اليقين في ظرف الشك لا يكون نقضاً لا بحسب الموضوع العقلي الدقي ولا بحسب الموضوع المأخوذ في لسان الدليل لعدم بقائهما وإن كان نقضاً بحسب الموضوع العرفي لبقائه وعدم ارتفاعه (وإذا زال) عنوان من العناوين

٢٣٥

المأخوذة في لسان الدليل مما يراه العرف أيضا موضوعاً لا مما يراه من العناوين المشيرة والحالات المتبادلة فرفع اليد حينئذ عن اليقين في ظرف الشك نقض بحسب الموضوع العقلي الدقي وبحسب الموضوع المأخوذ في لسان الدليل والموضوع العرفي جميعاً.

(قوله فالتحقيق أن يقال إن قضية إطلاق خطاب لا ينقض هو أن يكون بلحاظ الموضوع العرفي ... إلخ)

هذا شروع في إثبات كون اللازم في الاستصحاب هو بقاء الموضوع العرفي لا الموضوع العقلي الدقي ولا الموضوع المأخوذ في لسان الدليل (وحاصله) ان مقتضي إطلاق خطاب لا ينقض اليقين بالشك أبداً أن يكون النقض هو بلحاظ الموضوع العرفي لأنه المنساق من الإطلاق وإلا لكان عليه البيان (وعليه) فالمناط في بقاء الموضوع أي اتحاد القضيتين موضوعاً هو نظر العرف وان لم يكن اتحاد بحسب الموضوع العقلي الدقي ولا بحسب الموضوع المأخوذ في لسان الدليل (ففي مثل) قوله العنب إذا غلا يحرم تستصحب الحرمة المعلقة إلى حال الزبيبية وذلك لاتحاد القضيتين بحسب الموضوع العرفي وكون العنبية والزبيبية من الحالات المتبادلة وإن لم يكن اتحاد بحسب الموضوع العقلي الدقي ولا بحسب الموضوع المأخوذ في لسان الدليل (وفي مثل) الوجوب والاستحباب أو الحرمة والكراهة إذا زالت المرتبة الشديدة من الطلب لم تستصحب الاستحباب أو الكراهة لعدم اتحاد القضيتين بحسب المحمول عرفاً وان كان اتحاد عقلا ودقة نظراً إلى كون الثاني عين الأول لا تفاوت بينهما إلا بشدة الطلب وضعفه كما تقدم في القسم الثالث من استصحاب الكلي.

(قوله كما مرّت الإشارة إليه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ... إلخ)

أي في آخر التنبيه الثالث من تنبيهات الاستصحاب قبيل الشروع في التنبيه الرابع

٢٣٦

بسطر أو بسطرين وقد أشير آنفاً إلى ما مرّت الإشارة إليه هناك من التمثيل بالإيجاب والاستحباب والحرمة والكراهة لانتفاء الاتحاد عرفاً وتحقق الاتحاد عقلا ودقة فراجع ولا تغفل.

في الإشارة إلى قاعدة اليقين ومدركها

(بقي شيء) وهو انا قد أشرنا في صدر تتمة الاستصحاب وفي صدر الاستصحاب أيضاً أن الشيخ أعلى الله مقامه قد أشار في الخاتمة إلى قاعدة اليقين ومدركها وأنه سيأتي منا الإشارة إليهما إن شاء الله تعالى فهذا هو محل الإشارة إليهما فنقول.

(اما قاعدة اليقين) فالفرق بينها وبين الاستصحاب أن الشك في الاستصحاب مما يتعلق ببقاء ما تيقن به وفي قاعدة اليقين يتعلق بأصل ما تيقن به (فإذا تيقن) بعدالة زيد في يوم الجمعة ثم شك في بقاء عدالته في يوم السبت فهذا هو مجري الاستصحاب المستفاد من الأخبار وبناء العقلاء على التفصيل المتقدم لك شرحه وبيانه (وإذا تيقن) بعدالة زيد في يوم الجمعة ثم شك في يوم السبت في أصل عدالته في يوم الجمعة بأن زال مدرك اعتقاده ومنشأ علمه فهذا هو مجري قاعدة اليقين المشتهرة بالشك الساري (ومن هنا يتضح) أن بين قاعدة الاستصحاب وقاعدة اليقين فرق آخر أيضاً غير تعلق الشك بالبقاء في الأول وبأصل ما تيقن به في الثاني وهو جواز اجتماع اليقين والشك في الاستصحاب في زمان واحد بخلاف قاعدة اليقين فلا يجوز ففي الاستصحاب يمكن أن يقطع فعلا بعدالة زيد في يوم الجمعة ويشك أيضاً فعلا في بقاء عدالته في هذا اليوم ولا يمكن ذلك في قاعدة اليقين أصلا فلا يجوز أن يقطع فعلا بعدالته في يوم الجمعة ويشك أيضاً فعلا في أصل عدالته في يوم الجمعة بل لا بد في قاعدة اليقين أن يكون اليقين والشك طوليين لا عرضيين في زمان واحد.

٢٣٧

(واما مدرك قاعدة اليقين) فقد يتوهم ان أدلة الاستصحاب مما يشملها وان مدلولها مما لا يختص بالشك في البقاء فقط بل الشك بعد اليقين ملغى مطلقاً سواء تعلق بنفس ما تيقنه أولا أم ببقائه (قال الشيخ) أعلى الله مقامه وأول من صرح بذلك الفاضل السبزواري في الذخيرة في مسألة من شك في بعض أفعال الوضوء حيث قال والتحقيق انه إن فرغ من الوضوء متيقنا للإكمال ثم عرض له الشك فالظاهر عدم وجوب إعادة شيء لصحيحة زرارة ولا ينقض اليقين أبداً بالشك (قال الشيخ) انتهى (ثم قال) ولعله تفطن له من كلام الحلي في السرائر حيث استدل على المسألة المذكورة بأنه لا يخرج عن حال الطهارة إلا على يقين من إكمالها وليس ينقض الشك اليقين (قال الشيخ) أيضاً انتهى (ثم قال) لكن هذا التعبير من الحلي لا يلزم أن يكون استفادة من أخبار عدم نقض اليقين بالشك (قال) ويقرب من هذا التعبير عبارة جماعة من القدماء لكن التعبير لا يلزم دعوى شمول الأخبار للقاعدتين على ما توهمه غير واحد من المعاصرين وإن اختلفوا بين مدع لانصرافها إلى خصوص الاستصحاب وبين منكر له عامل بعمومه (انتهى)

(ثم أخذ الشيخ) أعلى الله مقامه في دفع التوهم المذكور وتضعيفه وقد أفاد في مقام الدفع وجهين.

(الوجه الأول) ما ملخصه على طوله أن الظاهر من الأخبار الدالة على عدم نقض اليقين بالشك هو اتحاد متعلق اليقين والشك فلا بدّ ان يلاحظ المتيقن والمشكوك في قاعدة الاستصحاب غير مقيدين بالزمان وإلّا لم يجز استصحابه كما تقدم في رد شبهة من قال بتعارض الوجود والعدم في شيء واحد يعني به الفاضل النراقي على ما تقدم شرح كلامه في ذيل استصحاب الأمور التدريجية والمفروض في القاعدة الثانية كون الشك متعلقاً بالمتيقن السابق بوصف وجوده في الزمان السابق ومن المعلوم عدم جواز إرادة الاعتبارين من اليقين والشك في تلك الأخبار (إلى أن قال) ثم إذا ثبت عدم جواز إرادة المعنيين فلا بدّ أن يخص مدلولها بقاعدة

٢٣٨

الاستصحاب لورودها في موارد تلك القاعدة كالشك في الطهارة من الحدث والخبث ودخول هلال شهر رمضان أو شوال (انتهى).

(أقول)

والظاهر ان المتيقن والمشكوك لم يلحظا حتى في قاعدة اليقين مقيدين بالزمان كي يقال انه لا يمكن الجمع بين لحاظهما مقيدين فيها وبين لحاظهما غير مقيدين في الاستصحاب.

(نعم) إن الشك قد لوحظ في إحداهما متعلقاً ببقاء ما تيقن به وفي أخراهما بأصل ما تيقن به

(فالأولى) في تقريب عدم إمكان الجمع بين اللحاظين ان يقال إنه لا يمكن الجمع بين لحاظ الشك متعلقاً ببقاء ما تيقن به ولحاظه متعلقاً بأصل ما تيقن به إلا ان ذلك أيضاً ضعيف لجواز لحاظ الجامع بين الشكين حين الاستعمال فيستعمل الشك في ذلك الجامع الشامل لكليهما ومن هنا صح تصريح الإمام عليه‌السلام بالإطلاق والتسوية فيقول ولا ينقض اليقين أبداً بالشك مطلقاً سواء كان الشك متعلقا بقاء ما تيقن به أو بأصل ما تيقن به وقد صرح الشيخ أيضا في بعض كلام له في المقام بجواز تصريح الشارع بالإطلاق والتسوية فلو لم يجز إرادة الجامع ثبوتاً لم يجز التصريح بالإطلاق والتسوية إثباتاً (وعليه) فاللازم في مقام تضعيف دعوى شمول أخبار الاستصحاب لقاعدة اليقين ان يقال إن إرادة كلتا القاعدتين جميعاً من الأخبار وإن أمكن ثبوتاً بلا محذور عقلي ولكنها خلاف الظاهر بل الأخبار بقرينة المورد ظاهرة في خصوص الاستصحاب فقط والمورد وإن لم يكن هو مخصصاً لعموم العام بلا كلام ولكنه قد جاز أن يمنع عن انعقاد الإطلاق والسريان بلا شبهة.

(الوجه الثاني) مما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في دفع توهم شمول أخبار الاستصحاب لقاعدة اليقين (ما هذا لفظه) ثم لو سلمنا دلالة الروايات على ما

٢٣٩

يشمل القاعدتين لزم حصول التعارض في مدلول الرواية المسقط له عن الاستدلال به على القاعدة الثانية لأنه إذا شك فيما تيقن سابقاً أعني عدالة زيد في يوم الجمعة فهذا الشك معارض لفردين من اليقين أحدهما اليقين بعدالته المقيدة بيوم الجمعة الثاني اليقين بعدم عدالته المطلقة قبل يوم الجمعة فيدل بمقتضى القاعدة الثانية على عدم نقض اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة باحتمال انتفائها في ذلك الزمان وبمقتضى قاعدة الاستصحاب على عدم نقض اليقين بعدم عدالته قبل الجمعة باحتمال حدوثها في الجمعة فكل من طرفي الشك معارض لفرد من اليقين.

(أقول)

ويرد عليه مضافاً إلى انه لا يقين دائماً بعدم عدالته المطلقة قبل يوم الجمعة كي يحصل التعارض بين القاعدتين على التقريب المذكور (ان قاعدة اليقين) واردة على قاعدة الاستصحاب رافعة لموضوعها وهو الشك في البقاء ولو تعبداً فإنا إذا أخذنا في المثال بقاعدة اليقين وبنينا بمقتضاها على حدوث عدالته في يوم الجمعة وثبوته فيه لم يبق شك في بقاء عدم عدالته المطلقة إلى يوم الجمعة كي يستصحب العدم وهذا بخلاف ما إذا أخذنا فيه بالاستصحاب واستصحبنا عدم عدالته المطلقة إلى يوم الجمعة فقد رفعنا اليد عن قاعدة اليقين بلا مخصص لها وهذا باطل جداً.

(ثم إن هذا كله) تمام الكلام في أخبار الاستصحاب مما فيه التعبير بلا ينقض اليقين أبداً بالشك ونحوه (وأما موثقة) إسحاق بن عمار المتقدمة في أخبار الباب وهو قوله عليه‌السلام إذا شككت فابن علي اليقين قال قلت هذا أصل قال نعم فقد عرفت أنها مجملة مرددة بين قاعدة الاستصحاب وقاعدة اليقين فلا يصح الاستدلال بها لشيء منهما وإرادة كلتا القاعدتين من لفظ واحد وإن جوزناها ثبوتاً ولكنه خلاف الظاهر بلا شبهة (وأما قوله عليه‌السلام) من كان على يقين فشك أو فأصابه شك فليمض على يقينه فإن الشك لا ينقض اليقين أو فإن اليقين لا يدفع بالشك فالشيخ أعلى الله مقامه على ما تقدم في أخبار الباب وإن حمله بدواً

٢٤٠