عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٢٠

شرعاً بعد حصول العلم واليقين به كي يستصحب ،

(نعم يعقل) فيه الشك في بقاء الموضوع خارجاً كما إذا شك في بقاء السؤال أو بقاء ضغطة القبر أو وحشته في بقعة من بقاع الأرض لدفن نبي فيها أو وصي نبي أو صديق أو شهيد ونحو ذلك فيستصحب الموضوع فيها ويرتب عليه حكمه الشرعي من وجوب الاعتقاد به والانقياد والتسليم له وعقد القلب عليه.

(هذا) ولكن مختار الشيخ أعلى الله مقامه هو عدم جريان استصحاب الموضوع في هذا القسم الثاني ولم يتعرض لحال استصحاب الحكم فيه أصلا كما لم يتعرض لحال القسم الأول أيضا إلا خصوص النبوة منه (وقد استند) في وجه عدم جريان استصحاب الموضوع في القسم الثاني إلى ان الاستصحاب (ان كان) من باب الأخبار فمؤداها جعل الحكم المعمول به على تقدير اليقين بذلك الموضوع من وجوب الاعتقاد به ولا يعقل الحكم بوجوب الاعتقاد بشيء في ظرف الشك لزوال اليقين به (وان كان) من باب الظن فهو مبني على حجية الظن في أصول الدين بل الظن غير حاصل لتغير بعض ما يحتمل مدخليته وجوداً أو عدماً (وفيه) ان وجوب الاعتقاد وهكذا التسليم والانقياد وان كان مترتباً على اليقين بالشيء على وجه كان اليقين به موضوعاً لوجوب الاعتقاد والتسليم والانقياد له ولكن اليقين كان مأخوذاً على وجه الكاشفية لا على وجه الصفتية (ومن المعلوم) قيام الاستصحاب مقام اليقين المأخوذ موضوعا بما هو كاشف لا بما هو صفة فكما أنه إذا تيقن بسؤال النكيرين مثلا وجب الاعتقاد به والتسليم والانقياد له فكذلك إذا أحرز بالاستصحاب بقائه وجب الاعتقاد به والتسليم والانقياد له (هذا إذا كان) الاستصحاب أصلا عملياً (وأما إذا كان) من باب الظن فالظن وإن لم يعتبر في أصول الدين لكن ذلك في القسم الأول من الأمور الاعتقادية لا في القسم الثاني منها مما لا يجب تحصيل العلم واليقين بها وإنما يجب الاعتقاد بها والتسليم والانقياد لها إذا حصل اليقين بها بطبعه فإن الظن الخاصّ في هذا القسم الثاني مما يجوز العمل به جداً كما تقدم تفصيله

٢٠١

في خاتمة الظنون مشروحاً (وأما دعوى) ان الظن غير حاصل من الاستصحاب لتغير بعض ما يحتمل مدخليته في المستصحب وجوداً أو عدماً فهي مما لا يضر بالمقام أصلا إذا لم نقل باعتبار الاستصحاب من باب الظن الشخصي بل النوعيّ كما لا يخفى.

(قوله وكونه أصلا عملياً إنما هو بمعنى انه وظيفة الشاك تعبداً قبالا للأمارات الحاكية عن الواقعيات ... إلخ)

دفع لما قد يتوهم من أن الاستصحاب أصل عملي فيجب إجرائه في الفروع العلمية ولا معنى لإجرائه في الأمور الاعتقادية (فيقول) في دفعه إن معنى كونه أصلا عملياً انه وظيفة للشاك تعبداً في ظرف شكه وتحيره في قبال الأمارات الحاكية عن الواقع الرافعة للشك ولو تعبداً لا أنه يختص بالفروع العملية المطلوب فيها عمل الجوارح بل هو مما يعم الأمور الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح أيضاً إذا تم فيها أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق.

(قوله واما التي كان المهم فيها شرعاً وعقلا هو القطع بها ومعرفتها إلى آخره)

ثم بعد القطع بها ومعرفتها الاعتقاد بها والانقياد والتسليم لها وعقد القلب عليها.

(هذا هو القسم الأول) من الأمور الاعتقادية وقد أشير إليه آنفاً وتقدم شرحه في خاتمة مباحث الظن مفصلا وهو التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد (ثم انه لا وجه) لما يظهر من المصنف في هذا القسم مطلقاً من وجوب تحصيل القطع والمعرفة به شرعاً وعقلا فإن في مثل الإمامة والمعاد وإن أمكن القول بوجوب تحصيل القطع والمعرفة به شرعاً وعقلا ولكن في مثل التوحيد والنبوة لا معنى لوجوب تحصيل القطع والمعرفة به شرعاً بل هو بحكم العقل فقط خاصة (كما انه لا وجه) لما يظهر منه في القسم الثاني المتقدم من وجوب الانقياد والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد القلب عليه بحكم الشرع فقط حيث قال فيه كان المهم فيها شرعاً هو

٢٠٢

الانقياد ... إلخ مع كونه بحكم العقل والشرع جميعاً كما نبهنا عليه (وعلى كل حال) حاصل كلام المصنف في هذا القسم الأول من الأمور الاعتقادية أنه لا مجال لجريان الاستصحاب فيه موضوعاً وذلك لما يجب فيه من تحصيل القطع والمعرفة به ومن المعلوم ان الاستصحاب مما لا يجدي في حصولهما نعم لجريان الاستصحاب فيه مجال واسع حكماً لا موضوعاً.

(أقول)

بل لا مجال له حتى حكماً إذ لا محصل للشك في بقاء وجوب تحصيل القطع والمعرفة بالتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد (ولو سلم انه يعقل ذلك بالنسبة إلى الإمامة والمعاد نظراً إلى وجوب تحصيل المعرفة بهما عقلا وشرعاً لا عقلا فقط فلا يعقل ذلك في التوحيد والنبوة فإن وجوب المعرفة بهما ليس إلّا بحكم العقل فقط كما أشرنا قبلا ولا معنى لاستصحاب حكم العقل أصلا فإن موضوع حكمه ان كان باقياً محفوظاً على حاله فالحكم باق قطعاً وإلّا لم يكن باقياً يقيناً.

(قوله فلو كان متيقناً بوجوب تحصيل القطع بشيء كتفاصيل القيامة في زمان وشك في بقاء وجوبه يستصحب ... إلخ)

تفريع على جريان استصحاب الحكم في القسم الأول من الأمور الاعتقادية وهو الّذي أشار إليه بقوله واما التي كان المهم فيها شرعاً وعقلا هو القطع بها ومعرفتها إلى آخره (وفي التفريع ما لا يخفى) فإن التي يجب فيها تحصيل القطع والمعرفة هي أمور أربعة مخصوصة كما تقدم شرحها وهي التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد وقد عرفت آنفاً حال استصحاب الحكم فيها واما تفاصيل القيامة فليس شيء منها مما يجب تحصيل القطع به ومعرفته شرعا وعقلا كي إذا شك في بقاء وجوبه استصحب شرعاً.

٢٠٣

(قوله وأما لو شك في حياة إمام زمان مثلا فلا يستصحب لأجل ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه ... إلخ)

تفريع على عدم المجال لاستصحاب الموضوع في القسم الأول من الأمور الاعتقادية وفي التمثيل بحياة الإمام ما لا يخفى فإن حياة الإمام عليه‌السلام ليست مما يجب تحصيل القطع بها فإنها ليست بأعظم من حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يجب تحصيل القطع بحياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قطعاً بل الّذي يجب تحصيل القطع به هو إمامة الإمام عليه‌السلام كنبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا حياته وبقائه في الخارج (فالصحيح) كان التمثيل له بإمامة الإمام عليه‌السلام أو نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(قوله إلّا إذا كان حجة من باب إفادته الظن وكان المورد مما يكتفى به أيضا .. إلخ)

أي إلّا إذا كان الاستصحاب حجة من باب الظن وكان المورد مما يكتفي فيه بالظن الخاصّ كما في القسم الثاني من الأمور الاعتقادية حيث انك قد عرفت فيما تقدم جواز العمل بالظن الخاصّ فيه والاعتقاد على طبق مؤداه كما يجوز ترك العمل به والاعتقاد بما هو الواقع إجمالا (ومن هنا يظهر) لك ان الاستثناء في كلام المصنف أعني قوله إلا إذا كان حجة من باب إفادته الظن ... إلخ هو منقطع لا متصل بعد كون الكلام هنا مفروضاً في القسم الأول لا في الثاني.

(قوله فالاعتقاديات كسائر الموضوعات ... إلخ)

تفريع على جريان الاستصحاب موضوعاً في خصوص القسم الثاني من الاعتقاديات دون القسم الأول المتأخر ذكره فلا تغفل.

(قوله وقد انقدح بذلك انه لا مجال له في نفس النبوة إذا كانت ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها ... إلخ)

أي وقد انقدح بما ذكرناه من أن الاعتقاديات كسائر الموضوعات لا بد في جريان الاستصحاب فيها من ان يكون في المورد أثر شرعي يتمكن من موافقته مع بقاء

٢٠٤

الشك فيه (انه لا مجال) للاستصحاب في نفس النبوة إذا كانت ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها (إما لعدم الشك) في بقائها لكونها مما لا تزول بعد اتصاف النّفس بها (أو لعدم كونها) مجعولة شرعاً بل من الصفات الخارجية التكوينية كالجود والشجاعة والجبن ونحوها ولا أثر شرعي مهم يترتب عليها إلا إذا فرض ترتبه بنذر وشبهه مما يتفق أحياناً وقد عرفت قبلا اعتبار كون المستصحب أمراً مجعولا أو ذا أثر مجعول (وفيه ما لا يخفى) فإن النبوة.

(أولا) ليست هي ناشئة من مجرد كمال النّفس بمثابة يوحى إليها بل النبوة كما ستأتي الإشارة إليها بقوله نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة ... إلخ هي منصب إلهي يجعلها الله تبارك وتعالى لمن يشاء من عباده قال الله تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالته فلو فرض ان النّفس قد بلغت هي أقصى مرتبة الكمال ولم يعطها الله جل وعلا ذلك المنصب العظيم فلا يكاد يوحى إليها ولا يكاد تكون نبياً أصلا.

(وثانياً) ان النبوة على تقدير كونها ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها هي مما يقبل الزوال والسقوط قطعاً ويقع الشك في بقائها قهرا كما اعترف به أخيراً وأشار إليه بقوله ولو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النّفس عن تلك المرتبة إلى آخره (وأما عدم كونها مجعولة) حينئذ فهو وان كان حقا وهكذا عدم ترتب أثر شرعي مهم عليها ولكنها مما يترتب عليها أثر عقلي من وجوب الانقياد لمن اتصف بها والتسليم له والاعتقاد به وعقد القلب على نبوته بل ووجوب العمل على طبق ما جاء به من التكاليف الشرعية وهو كاف في صحة استصحابها بعد ما عرفت مراراً من عدم الدليل على اعتبار كون المستصحب أثراً شرعياً أو موضوعاً ذا أثر شرعي سوى حكم العقل بأنه لو لا ذلك لزم اللغوية (ومن المعلوم) انه تندفع اللغوية بترتب ذلك الأثر العقلي المهم بل الآثار العقلية المهمة كما لا يخفى.

٢٠٥

(قوله وعدم أثر شرعي مهم لها يترتب عليها باستصحابها ... إلخ)

عطف على قوله أو لعدم كونها مجعولة ... إلخ وهو في الحقيقة متمم له إذ لا ينتج هو بدونه فإن مجرد عدم كون النبوة مجعولة مما لا يكفي في عدم جواز استصحابها ما لم ينضم إليه عدم أثر شرعي مهم يترتب عليها.

(قوله نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة وكانت كالولاية ... إلخ)

استدراك عن قوله وقد انقدح بذلك انه لا مجال له في نفس النبوة إذا كانت ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها ... إلخ أي نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة وكانت هي كالولاية كانت بنفسها مورداً للاستصحاب ولكن يحتاج الاستصحاب حينئذ إلى دليل غير منوط بتلك النبوة غير مأخوذ من ذلك الشرع وإلا لزم الدور فإن بقاء النبوة السابقة مما يتوقف على اعتبار ذلك الدليل واعتبار ذلك الدليل مما يتوقف على بقاء النبوة السابقة وهذا هو الدور وهو لدى الحقيقة وجه آخر لعدم جريان الاستصحاب في نفس النبوة قد ذكره على تقدير كون النبوة من المناصب المجعولة في قبال ما ذكره من الوجه الأول وهو إما عدم الشك في بقائها أو عدم كونها مجعولة ولا أثر شرعي مهم يترتب عليها على تقدير كونها ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها.

(أقول)

لا يخفى ان النبوة وان كانت هي من المناصب المجعولة الإلهية كما أشرنا ولكنها بهذا المعنى مما لا يقع الكلام في جواز استصحابها وعدمه فإنها نظير الولاية والقضاوة وغيرهما من المناصب المجعولة لا يكاد يعقل بقائها بعد ممات صاحب المنصب بل هي بمعنى الشرعية والأحكام تقع محل البحث الكلام ومورد النقض والإبرام (فاستصحاب) اليهودي نبوة موسى عليه‌السلام أو النصراني نبوة عيسى عليه‌السلام (ليس من جهة الشك) في انحطاط نفسهما المقدسة عن تلك المرتبة التي كانت يوحى إليهما (ولا من جهة الشك) في عزلهما عن ذلك المنصب المجعول الإلهي (ولا من

٢٠٦

جهة الشك) في بقاء ذلك المنصب الإلهي بعد الممات (بل من جهة الشك) في بقاء شرعهما المقدس من الواجبات والمحرمات وغيرهما من الأحكام والسنن واحتمال نسخها بشرع جديد متأخر لا حق وهذا لدى التدبر واضح فتدبر.

(قوله فيترتب عليها آثارها ولو كانت عقلية بعد استصحابها ... إلخ)

ووجه ترتب تلك الآثار العقلية على النبوة بعد استصحابها من وجوب الانقياد لمن اتصف بها والتسليم له والاعتقاد به وعقد القلب على نبوته بل ووجوب العمل على طبق ما جاء به من التكاليف الشرعية ان تلك الآثار وان كانت هي لوازم عقلية ولكنها من اللوازم المطلقة لها وقد عرفت معنى اللازم المطلق ووجه ثبوته في التنبيه التاسع فلا نعيده ثانياً هاهنا.

(قوله واما استصحابها بمعنى استصحابها بعض أحكام شريعة من اتصف بها فلا إشكال فيها كما مرّ ... إلخ)

أي وأما استصحاب النبوة بمعنى استصحاب بعض أحكام شرعية من اتصف بالنبوة السابقة فلا إشكال فيه كما مر في التنبيه السادس وذلك لما عرفت من جواز استصحاب الحكم من الشريعة السابقة إلى الشريعة اللاحقة إذا تمت فيه أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق وغيرهما.

(قوله ثم لا يخفى ان الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم إلا إذا اعترف بأنه على يقين فشك ... إلخ)

بمعنى ان استصحاب الكتابي نبوة موسى أو عيسى عليهما‌السلام لا يكاد يلزم به الخصم المسلم إلا إذا اعترف بأنه كان على يقين فشك.

(قوله فيما صح هناك التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل ... إلخ)

قد نبّه بذلك على اعتبار أمرين آخرين في الاستصحاب غير اليقين والشك.

(أحدهما) صحة التعبد بالمستصحب وتنزيله.

(ثانيهما) قيام الدليل على الاستصحاب علاوة على صحة التعبد بالمستصحب

٢٠٧

وتنزيله (ولا يخفى) ان اعتبار هذين الأمرين هو تمهيد لما سيأتي من المنع الأكيد عن استصحاب الكتابي نبوة موسى أو عيسى عليهما‌السلام فتأمل يسيراً.

(قوله كما لا يصح أن يقنع به الا مع اليقين والشك والدليل على التنزيل ... إلخ)

يعني انه لا يصح للكتابي ان يقنع باستصحاب نبوة موسى عليه‌السلام أو عيسى عليه‌السلام الا مع اليقين والشك ومع الدليل على التنزيل (هذا) والأصح كان أن يقول إلا مع اليقين والشك وقد صح هناك التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل ليطابق ذلك قوله المتقدم فيما صح هناك التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل ... إلخ

(قوله ومنه انقدح أنه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى عليه‌السلام أصلا ... إلخ)

إشارة إلى المقصد الأصلي من عقد هذا التنبيه الثاني عشر (وتوضيحه) أن بعض سادة الفضلاء من أصحابنا على ما ذكر المحقق القمي تفصيله قد جرى بينه وبين بعض أهل الكتاب مناظرة فتمسك الكتابي بأن المسلمين قائلون بنبوة نبينا فنحن وهم متفقون على حقيته ونبوته في أول الأمر فعلي المسلمين أن يثبتوا بطلان دينه (فأجابه السيد) بما هو المشهور من انا لا نسلم نبوة نبي لا يقول بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فموسى عليه‌السلام أو عيسى عليه‌السلام الّذي يقول بنبوته اليهود أو النصارى نحن لا نعتقده بل نعتقد بموسى عليه‌السلام أو عيسى عليه‌السلام الّذي أخبر عن نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدقه (فأجابه الكتابي) بأن عيسى بن مريم المعهود الّذي لا يخفى على أحد حاله وشخصه أو موسى بن عمران المعلوم الّذي لا يشتبه على أحد من المسلمين ولا أهل الكتاب جاء بدين وأرسله الله نبيا وهذا القدر مسلم للطرفين ولا يتفاوت ثبوت رسالة هذا الشخص وإتيانه بدين بين أن يقول بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم لا فنحن نقول دين هذا الرّجل المعهود رسالته باق بحكم الاستصحاب فعليكم بإبطاله (قال المحقق القمي) وبذلك أفحم الفاضل المذكور في الجواب (انتهى).

٢٠٨

(فيقول المصنف) في إبطال الاستصحاب المذكور ما محصله انه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى عليه‌السلام أو عيسى عليه‌السلام أصلا لا إلزاماً للمسلم ولا إقناعا به (اما إلزاماً) للمسلم فلعدم شكه في بقاء نبوة موسى عليه‌السلام أو عيسى عليه‌السلام بل هو متيقن بنسخها وإلّا فليس بمسلم (مضافاً) إلى ان المسلم ما لم يعترف بأنه كان على يقين سابق فشك لم يلزم به (وأما إقناعاً) فللزوم معرفة النبي عقلا بالفحص والنّظر في معجزاته وذلك لما عرفت من ان النبوة هي من القسم الأول من الأمور الاعتقادية الّذي يجب فيه بحكم العقل تحصيل القطع والمعرفة به يقيناً ومن المعلوم أن استصحاب النبوة هو مما لا يجدي في حصولهما بلا شبهة (مضافاً) إلى انه لا دليل على التعبد ببقائها عند الشك فيه لا عقلا ولا شرعاً (أما عقلا) فواضح إذ ليس الحكم بالبقاء عند اليقين بالحدوث من مستقلات العقل كما لا يخفى (وأما شرعاً) فلان الدليل الشرعي ان كان هو من الشريعة السابقة فاستصحاب النبوة السابقة بسببه مما يستلزم الدور كما تقدم شرحه وان كان من الشريعة اللاحقة فيستلزم الخلف فان استصحابها بهذا الدليل المأخوذ من هذا الشرع مما يتوقف على الاعتقاد بهذا الشرع اللاحق الّذي قد أخذ منه دليل الاستصحاب فلو استصحب في هذا الفرض بقاء الشرع السابق لم يعتقد بهذا الشرع اللاحق أبداً وهذا هو الخلف عيناً.

(وبالجملة) إن المحصل من مجموع كلمات المصنف من أول التنبيه الثاني عشر إلى هنا هو جوابان عن استصحاب الكتابي نبوة موسى عليه‌السلام أو عيسى عليه‌السلام غير ما ظهر منه في وجه بطلان إلزام المسلم بالاستصحاب.

(الأول) ان النبوة ان كانت هي ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها فلا مجال للاستصحاب أصلا إما لعدم الشك في بقائها لكونها مما لا تزول بعد اتصاف النّفس بها أو لأنها ليست مجعولة ولا أثر شرعي مهم يترتب عليها باستصحابها (وان كانت) هي من المناصب المجعولة فهي وان كانت حينئذ قابلة للاستصحاب ولكنه مما يحتاج إلى

٢٠٩

دليل يدل على اعتباره أما من العقل أو من الشرع ولا دليل عليه كذلك (أما من العقل) فواضح فإن البناء على البقاء عند الشك ليس هو من مستقلات العقل بلا كلام ولو سلم كونه مما استقر عليه بناء العقلاء فهو بلحاظ احتياجه إلى إمضاء الشرع هو دليل شرعي لا عقلي (وأما من الشرع) فلأنه (ان كان) من الشرع السابق فاستصحاب النبوة السابقة مما يستلزم الدور (وان كان) من الشرع اللاحق فيستلزم الخلف.

(الثاني) ان النبوة هي من الأمور الاعتقادية التي يستقل العقل بتحصيل القطع بها ومعرفتها والاستصحاب مما لا يجدي في حصولهما قطعاً.

(أقول)

وفي كلا الجوابين ما لا يخفى.

(اما الجواب الأول) فلأن دعوى كون النبوة ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها هي مما قد عرفت ضعفها جداً مضافاً إلى قابليتها للاستصحاب على تقدير كونها كذلك كما انك قد عرفت أن الصحيح أن النبوة هي من المناصب المجعولة الإلهية واستصحابها حينئذ وان كان مما يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه ولا من العقل كما تقدم قبلا ولا من الشرع كما تقدم ذلك أيضاً فإنه ان كان من الشرع السابق لزم الدور وان كان من الشرع اللاحق لزم الخلف على التقريب المتقدم لك شرحه وتفصيله ولكنه إذا علم إجمالا ان الاستصحاب هو مما يعتبر في كلا الشرعين جميعاً فلا مانع عن الاستصحاب أصلا (ومن هنا يتضح) لك ضعف الجواب الثاني أيضاً فإن النبوة وإن كانت هي مما يجب عقلا تحصيل العلم به ولكنه إذا شك في بقائها واحتمل نسخها بشرع جديد وعلم إجمالا ان الاستصحاب هو معتبر في كلا الشرعين جميعاً وانه طريق معتبر إلهي فلا مانع عن استصحاب النبوة أبداً وذلك لقيامه مقام القطع بها بلا شبهة.

(وعليه) فالجواب الصحيح عن استصحاب الكتابي نبوة موسى عليه‌السلام أو

٢١٠

عيسى عليه‌السلام هو أن يقال إن الاستصحاب في الشبهات الحكمية مشروط بالفحص بحد اليأس (فإنه إن كان أصلا عملياً) فقد تقدم في خاتمة الاشتغال اشتراط الأصول العلمية الحكمية به جداً (وان كان أمارة ظنية) ودليلا اجتهادياً كسائر الأمارات فقد تقدم في بحث عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص اشتراط كل أمارة ودليل اجتهادي به وحينئذ فالشك في بقاء النبوة السابقة (وإن كان) بمعنى الشك في بقاء نفس الشريعة والتكاليف والسنن كما استظهرنا ذلك فيما تقدم فاشتراط جريان الاستصحاب فيها بالفحص بحد اليأس في كمال الوضوح (وان كان) بمعنى الشك في بقاء المنصب المجعول الإلهي فكذلك فإن النبوة على هذا وإن كانت موضوعاً من الموضوعات ولا يعتبر الفحص في استصحاب الموضوعات غالباً ولكنها هي أساس الأحكام ومنشأها ومبناها فإذا كان الاستصحاب في حكم واحد مشروطاً بالفحص فما ظنك بأساس الأحكام الإلهية كلها فالكتابي على هذا إذا شك في نبوة موسى عليه‌السلام أو عيسى عليه‌السلام ليس له العمل بالاستصحاب أبداً ولو فرض له العمل باعتباره في كلتا الشريعتين جميعاً الا بعد فحصه بحد اليأس فان نظر وتفحص وجدّ واجتهد وقد رزقه الله الهداية إلى دين الإسلام كما يقتضيه ظاهر قوله تعالى ومن جاهد فينا لنهدينهم سبلنا فهو وإلا فهو بعد النّظر والفحص والجد والاجتهاد بحد اليأس معذور عقلا في استصحاب الشريعة السابقة ان كان صادقاً بينه وبين ربّه ولم يكن مقصراً في النّظر والفحص ولم يتعصب في دين آبائه وأجداده فتأمل جيداً فان المقام لا يخلو عن دقة (هذا كله) تفصيل ما حققه المصنف وما حققناه نحن في ردّ تمسك الكتابي باستصحاب النبوة السابقة.

(واما الشيخ) أعلى الله مقامه فحاصل ما يستفاد من كلامه الشريف في الجواب عن الاستصحاب المذكور ان الاستصحاب (ان كان) من باب الظن فلا يحصل منه الظن ببقاء الشريعة لشيوع نسخها (ولو سلم حصوله منه فلا دليل على حجيته عقلا وإن انسد باب العلم لإمكان الاحتياط الا فيما لا يمكن (وان كان)

٢١١

من باب الدليل النقلي فلا يجدي لعدم ثبوت الشريعة السابقة ولا اللاحقة (وفيه ما لا يخفى) وذلك لما عرفت من انه إذا علم إجمالا ان الاستصحاب هو مما يعتبر في كلا الشرعين جميعاً فلا مانع عن الاستصحاب أصلا (مضافاً) إلى انه لو قيل باعتبار الاستصحاب من باب الظن فعدم حصوله هنا لشيوع النسخ مما لا يضر به إلا على القول باعتبار الظن الشخصي.

(ثم إنه أعلى الله مقامه) قد أجاب بعداً عن الاستصحاب المذكور بوجوه خمسة أوجهها الأول والثالث.

(اما الأول) فمرجعه إلى ما حققناه من اشتراط جريان الاستصحاب بالفحص بحد اليأس.

(وأما الثالث فهذا لفظه) الثالث إنا لم نجزم بالمستصحب وهي نبوة موسى عليه‌السلام أو عيسى عليه‌السلام إلّا بإخبار نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصّ القرآن وحينئذ فلا معنى للاستصحاب ودعوى أن النبوة موقوفة على صدق نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا على نبوته مدفوعة بأنا لم نعرف صدقه الا من حيث نبوته (انتهى) وهو وجه وجيه جيد (هذا) وقد ذكر قبل هذه الوجوه الخمسة وجوهاً أخر من الأصحاب (رض) لا تخلو هي عن النّظر كما يظهر بمراجعة الرسائل وإمعان النّظر

(قوله قائمة بنفسه المقدسة ... إلخ)

أي بنفس موسى عليه‌السلام.

(قوله واليقين بنسخ شريعته ... إلخ)

عطف على قوله لعدم الشك في بقائها أي لعدم الشك في بقائها ولليقين بنسخ شريعته

(قوله والاتكال على قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه إلا على نحو محال إلى آخره) أي والاتكال على قيام الدليل على التعبد بالبقاء في شريعتنا لا يكاد يجدي الكتابي إلا على نحو الخلف كما عرفت تقريبه كما انه لو اتكل على قيام الدليل عليه في شرعه

٢١٢

لا يكاد يجديه إلا على نحو الدور وقد تقدم أيضاً تقريبه.

(قوله ووجوب العمل بالاحتياط عقلا في حال عدم المعرفة بمراعاة الشريعتين ... إلخ)

عطف على قوله للزوم معرفة النبي أي للزوم معرفة النبي عقلا بالنظر إلى حالاته ومعجزاته إذا أمكنت المعرفة ولوجوب العمل بالاحتياط عقلا بمراعاة الشريعتين إذا لم تمكن المعرفة.

(قوله إلا إذا علم بلزوم البناء على الشريعة السابقة ما لم يعلم الحال إلى آخره)

كما إذا علم إجمالا أن الاستصحاب هو معتبر في كلتا الشريعتين جميعاً فلا يجب الاحتياط حينئذ بمراعاة الشريعتين عقلا (ولكنك) قد عرفت منا ان الاستصحاب هنا مشروط بالفحص حتى مع العلم باعتباره في كلا الشرعين جميعاً اللهم إلا أن يقال إن المفروض في كلام المصنف هنا عدم إمكان المعرفة ومعه يسقط الفحص لا محالة.

في استصحاب حكم المخصص

(قوله الثالث عشر انه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام لكنه ربما يقع الإشكال والكلام فيما إذا خصص في زمان ... إلخ)

(وحاصله) انه لا إشكال في عدم جريان الاستصحاب مع دلالة مثل العام إما لورود الأمارات ومنها العمومات عليه وإما لحكومتها عليه على الخلاف الآتي في المقام الثاني من تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى (ولكن الإشكال) في ان العام إذا خصص وخرج منه بعض الأفراد في بعض الأزمنة ولم يكن لدليل الخاصّ

٢١٣

إطلاق زماني إما لكونه لبياً كالإجماع أو لكونه لفظياً لا إطلاق له وتردد الزمان الخارج بين الأقل والأكثر فهل يرجع عند الشك أي بعد انقضاء الزمان الأقل إلى عموم العام أو إلى استصحاب حكم المخصص فإذا قال مثلا أكرم كل عالم وقام الإجماع على حرمة إكرام زيد العالم في يوم الجمعة ووقع الخلاف في حرمة إكرامه في يوم السبت فصار يوم الجمعة متيقناً ويوم السبت مشكوكاً فهل يرجع في يوم السبت إلى عموم العام من وجوب الإكرام أو إلى استصحاب حكم الخاصّ من حرمة الإكرام.

(اما الشيخ) أعلى الله مقامه فمختاره التفصيل بين ما إذا كان للعام عموم أزماني كعمومه الأفرادي فيرجع إلى عموم العام وبين ما إذا لم يكن له عموم كذلك وان كان الحكم فيه للاستمرار والدوام إما بالنصوصية أو بالإطلاق فيرجع إلى استصحاب حكم المخصص نظراً إلى عدم لزوم تخصيص زائد على التخصيص المعلوم بعد فرض عدم ثبوت العموم الأزماني للعام غير العموم الأفرادي.

(أقول)

والحق بعد فرض كون الخاصّ مجملا بحسب الزمان هو الرجوع إلى العام مطلقاً سواء كان له عموم أزماني أم لا (أما إذا كان) له عموم أزماني كما إذا قال إكرام كل عالم في كل يوم فواضح إذ مع العموم لا مجال للاستصحاب أصلا (واما إذا لم يكن) له عموم أزماني بل كان له إطلاق أزماني قد انعقد له بمقدمات الحكمية فكذلك واضح إذ كما انه لا مجال للاستصحاب مع العموم فكذلك لا مجال له مع الإطلاق فكما إذا قال أكرم كل عالم وكان له عموم أفرادي بالوضع وكان له أيضاً إطلاق أزماني بمقدمات الحكمة وشك في بقاء الحكم بعد مضي مدة فنتمسك بإطلاقه الأزماني من دون حاجة إلى التمسك بالاستصحاب أصلا فكذلك إذا خرج منه فرد في زمان ولم يكن لدليل الخاصّ إطلاق زماني وشك في حكم الفرد بعد ذلك الزمان فيرجع فيه إلى إطلاق العام أي إطلاقه الأزماني من دون الرجوع فيه

٢١٤

إلى استصحاب حكم المخصص أصلا وذلك تحكيما للإطلاق على الاستصحاب وتقديماً له عليه (ثم إن) من تمام ما ذكر إلى هنا يظهر لك حكم ما إذا خرج من العام فرد في بعض الأمكنة وتردد المكان الخارج بين الأقل والأكثر ففيما سوى الأقل المتيقن يرجع إلى عموم العام ان كان له عموم مكاني وإلا فإلى إطلاقه المكاني فإذا قال مثلا كل مسافر يقصر ثم خرج منه المسافر في البلد الّذي نوى الإقامة فيه عشراً وكان الخاصّ مجملا من حيث المكان ثم خرج المسافر إلى ما دون المسافة لا بقصد السفر فنرجع فيه إلى عموم العام إن كان له عموم مكاني كما إذا قال كل مسافر يقصر في كل مكان خرج منه بلد الإقامة وبقي الباقي وأما إذا لم يكن له عموم مكاني فنرجع فيه إلى إطلاقه المكاني فإن قوله كل مسافر يقصر مما له إطلاق مكاني قد انعقد له بمقدمات الحكمة فكما إذا شك في وجوب القصر على المسافر في بعض الأماكن فيتمسك له بإطلاقه المكاني فكذلك إذا خرج منه فرد في بعض الأماكن وشك فيما سواه فنرجع فيه إلى إطلاقه المكاني هذا تمام الكلام فيما حققه الشيخ وما حققناه لك في المقام.

(وأما ما حققه المصنف) فملخصه بعد التدبر في كلماته هاهنا وفي تعليقته على الرسائل ان العام.

(تارة) يكون الزمان ظرفاً لثبوت حكمه لموضوعه فيكون مفاده استمرار حكمه ودوامه كما في قوله إكرام كل عالم دائما أو بلا لفظة دائماً وكان بنفسه وإطلاقه ظاهراً في الاستمرار والدوام.

(وأخرى) يكون كل جزء من أجزاء الزمان أو كل يوم من الأيام قد جعل فرداً له فيكون العام مما له العموم الأزماني كما له العموم الأفرادي وهذا كما في قوله أكرم كل عالم في كل يوم كما ان الخاصّ أيضا.

(تارة) يكون الزمان ظرفاً لثبوت حكمه لموضوعه كما إذا قام الإجماع على حرمة إكرام زيد العالم في يوم الجمعة ونحن نعلم من الخارج ان الزمان ظرف لحرمة إكرامه.

٢١٥

(وأخرى) يكون الزمان قيداً لموضوعه بحيث علمنا من الخارج ان يوم الجمعة في المثال المذكور هو قيد لزيد العالم فهذه أربعة أقسام لمجموع العام والخاصّ.

(أما القسم الأول) بان كان مفاد كل من العام والخاصّ على النحو الأول أي كان الزمان ظرفاً لثبوت حكمهما فقد حكم المصنف فيه باستصحاب حكم الخاصّ في غير مورد دلالة الخاصّ أي في غير يوم الجمعة وهو يوم السبت نظراً إلى عدم دلالة للعام على حكم زيد في يوم السبت لعدم دخوله في موضوع العام ثانياً بعد خروجه عنه وانقطاع استمرار حكم العام عنه بالخاص الدال على حرمة إكرامه في يوم الجمعة من دون تعرض لإكرامه في يوم السبت بعد فرض كون الزمان ظرفاً لحكمه لا قيداً لموضوعه (وفيه) ان المرجع على ما حققناه هو الإطلاق الأزماني المنعقد للعام بمقدمات الحكمة نعم إذا فرض عدم انعقاد الإطلاق له وعدم ظهوره في الاستمرار والدوام كان المرجع حينئذ استصحاب حكم المخصص.

(واما القسم الثاني) بأن كان مفاد كل من العام والخاصّ على النحو الثاني أي كان العام مما له عموم أزماني والخاصّ كان الزمان قيداً لموضوعه فقد حكم فيه بالتمسك بالعامّ في غير يوم الجمعة وذلك لدلالة بعمومه الأزماني على حكم زيد في يوم السبت ولا دلالة للخاص على خلافه لو لم نقل بدلالته مفهوماً على وفاقه.

(وأما القسم الثالث) بأن كان مفاد العام على النحو الأول والخاصّ على النحو الثاني أي كان الزمان ظرفاً لثبوت حكم العام وقيداً لموضوع الخاصّ فقد حكم فيه بالرجوع إلى ساير الأصول بالنسبة إلى يوم السبت لا إلى العام ولا إلى الاستصحاب اما عدم الرجوع إلى العام فلأن المفروض عدم العموم الأزماني له واما عدم الرجوع إلى الاستصحاب فلأن المفروض ان الزمان قيد لموضوع الخاصّ فالحرمة متعلقة بزيد المقيد بيوم الجمعة فكيف يمكن انسحابها إلى موضوع آخر وهو زيد المقيد بيوم السبت (وفيه) ان المرجع على ما حققناه هو الإطلاق الأزماني المنعقد للعام بمقدمات الحكمة فإن لم يكن له إطلاق كذلك فالمرجع حينئذ ساير الأصول.

٢١٦

(واما القسم الرابع) بأن كان مفاد العام على النحو الثاني والخاصّ على النحو الأول أي كان العام مما له عموم أزماني والخاصّ كان الزمان ظرفاً لثبوت حكمه فقد حكم فيه بالرجوع إلى العام لكن لو لا دلالة العام وعمومه الأزماني لكان استصحاب حكم الخاصّ هو المرجع إذ المفروض كون الزمان ظرفاً لثبوت حكمه لا قيداً لموضوعه كي يمنع عن الاستصحاب وهذا واضح.

(قوله ان مفاد العام تارة يكون بملاحظة الزمان ثبوت حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار والدوام ... إلخ)

هذا هو القسم الأول من قسمي العام.

(قوله وأخرى على نحو جعل كل يوم من الأيام فرداً لموضوع ذاك العام ... إلخ)

هذا هو القسم الثاني من قسمي العام.

(قوله وكذلك مفاد مخصصه تارة يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه ودوامه ... إلخ)

هذا هو القسم الأول من قسمي الخاصّ.

(قوله وأخرى على نحو يكون مفرداً ومأخوذاً في موضوعه ... إلخ)

هذا هو القسم الثاني من قسمي الخاصّ.

(قوله فإن كان مفاد كل من العام والخاصّ على النحو الأول ... إلخ)

هذا شروع في بيان حكم القسم الأول من الأقسام الأربعة المتقدمة.

(قوله في غير مورد دلالته ... إلخ)

أي في غير مورد دلالة الخاصّ.

(قوله نعم لو كان الخاصّ غير قاطع لحكمه كما إذا كان مخصصاً له من الأول لما ضرّ به في غير مورد دلالته ... إلخ)

استدراك عن حكمه في القسم الأول باستصحاب حكم الخاصّ في غير مورد دلالته

٢١٧

أي نعم لو كان الخاصّ غير قاطع لاستمرار حكم العام كما إذا كان الخاصّ مخصصاً له من الأول لما ضرّ بالتمسك بالعامّ حينئذ في غير مورد دلالة الخاصّ بل يكون أول زمان استمرار حكم العام بعد زمان دلالة الخاصّ (فإذا قال) مثلا أوفوا بالعقود وخصص أوّله بخيار المجلس في الجملة على نحو تردد الخيار بين أن يكون هو في المجلس الحقيقي عيناً أو فيه وما يقرب منه صح التمسك بعموم أوفوا بالعقود لإثبات اللزوم في غير المجلس الحقيقي ولو كان مما يقرب منه (وهكذا) إذا خصص أوّله بخيار الحيوان في الجملة وتردد بين ان يكون هو إلى ثلاثة أيام بلياليها أم ثلاثة أيام مع ليلتين في خلالها دون غيرهما (وهذا كله) بخلاف ما إذا قال أوفوا بالعقود وخصص واسطة بخيار الغبن أو العيب ونحوهما وتردد الخيار بين الزمان الأقل أو الأكثر فلا يكاد يتمسك حينئذ بعموم أوفوا بالعقود لإثبات اللزوم بعد انقضاء الزمان الأقل وذلك لانقطاع استمرار حكم العام بالخاص وعدم دخول الزمان المشكوك ثانياً تحت العام بل يستصحب حكم الخاصّ من الخيار وعدم اللزوم إلى الزمان الثاني.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى ضعف ما ذكره من التفصيل بين كون الخاصّ قاطعاً لاستمرار حكم العام فلا يتمسك بالعامّ في غير مورد دلالة الخاصّ وبين كونه مخصصاً له من الأول فيتمسك به في غير مورد دلالة الخاصّ فإن استمرار حكم العام (ان كان) هو بمنزلة العموم الأزماني في وجوب الأخذ به والرجوع إليه كما اخترنا ذلك وتقدم وعبرنا نحن عنه بالإطلاق الأزماني المنعقد بمقدمات الحكمة فيتمسك به حينئذ مطلقاً حتى في فرض كون الخاصّ قاطعاً لحكم العام وذلك اقتصاراً في الخروج عنه على القدر المتيقن (وان لم يكن) هو بمنزلة العموم الأزماني فلا يكاد يرجع إليه حتى في فرض كون الخاصّ مخصصاً للعام من الأول بل يرجع فيه إلى استصحاب حكم المخصص إلى ان ينتقض اليقين باليقين فتأمل جيدا.

٢١٨

(قوله وإن كان مفادهما على النحو الثاني فلا بدّ من التمسك بالعامّ بلا كلام ... إلخ)

هذا شروع في بيان حكم القسم الثاني من الأقسام الأربعة المتقدمة.

(قوله وان كان مفاد العام على النحو الأول والخاصّ على النحو الثاني فلا مورد للاستصحاب ... إلخ)

هذا شروع في بيان حكم القسم الثالث من الأقسام الأربعة المتقدمة.

(قوله فإنه وإن لم يكن هناك دلالة أصلا ... إلخ)

أي لم يكن هناك دلالة للعام أصلا.

(قوله ولا مجال أيضاً للتمسك بالعامّ لما مرّ آنفاً ... إلخ)

أي لما مرّ آنفاً في القسم الأول من قوله لعدم دلالة للعام على حكمه لعدم دخوله على حدة في موضوعه وانقطاع الاستمرار بالخاص ... إلخ.

(قوله وإن كان مفادهما على العكس كان المرجع هو العام ... إلخ)

هذا شروع في بيان حكم القسم الرابع من الأقسام الأربعة المتقدمة.

(قوله فتأمل تعرف أن إطلاق كلام شيخنا العلامة أعلى الله مقامه في المقام نفياً وإثباتاً في غير محله ... إلخ)

قد عرفت فيما تقدم ان ملخص كلام الشيخ أعلى الله مقامه هو التفصيل بين ما إذا كان للعام عموم أزماني فلا يرجع فيه إلى استصحاب حكم المخصص بل إلى عموم العام وبين ما إذا لم يكن له عموم كذلك فيرجع فيه إلى استصحاب حكم المخصص فالمصنف حيث فصل هنا بنحو آخر وجعل فيه أقساماً أربعة على الشرح المتقدم لك بيانه وتوضيحه قد ناقش في إطلاق نفي الشيخ وإثباته (ولكن الظاهر) على حسب تحقيق المصنف لا وجه للمناقشة في إطلاق نفيه فإن نفي الاستصحاب فيما كان للعام عموم أزماني كما في القسم الثاني والرابع من الأقسام الأربعة المتقدمة للمصنف هو في محله وان كان إطلاق إثباته فيما لم يكن للعام عموم أزماني في غير

٢١٩

محله على حسب تحقيق المصنف وذلك لما عرفت من عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث مع انه لا عموم أزماني للعام أصلا بل وعدم جريانه في القسم الأول أيضاً إذا كان الخاصّ غير قاطع لاستمرار حكم العام فتأمل جيدا.

في جريان الاستصحاب حتى مع الظن

بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق

(قوله الرابع عشر الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب ... إلخ)

المقصود من عقد هذا التنبيه كما ستعرف هو بيان جريان الاستصحاب حتى مع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق (وتوضيحه) ان الاستصحاب (إما ان يعتمد) في اعتباره على بناء العقلاء فقط (أو عليه وعلى الأخبار) المستفيضة جميعاً (أو على الأخبار) المستفيضة فقط (فإذا اعتمدنا) في اعتباره على بناء العقلاء فقط كما هو ظاهر القدماء فالظاهر انه يعتبر في جريان الاستصحاب الظن الشخصي بالوفاق وذلك لما عرفت من أن بنائهم على العمل على طبق الحالة السابقة لا يكاد يكون إلا بملاك حصول الظن منها بل الوثوق والاطمئنان وانه لا معنى للتعبد في أمر العقلاء بما هم عقلاء بأن يعملوا على طبقها بلا ملاك لها ولا موجب ودعوى كفاية الظن النوعيّ هي مرجعها إلى العمل على طبق الحالة السابقة فيما لا ظن شخصي هناك تعبداً وهو كما ترى ضعيف (وعليه) فما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه من أنه على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب الظن يكون العبرة عندهم بالظن النوعيّ بل ولو كان الظن الشخصي على خلاف الحالة السابقة هو مما لا يخلو عن مسامحة

٢٢٠