عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٢٠

(٦ ـ قلت) إني رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة قال تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته وإن لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك (انتهى) الحديث الشريف (ولا يخفى) أن بين ما ذكرناه من الوافي وبين ما ذكره المصنف في الكتاب اختلاف يسير في بعض الألفاظ كما في الصحيحة الأولى عيناً وهو وإن لم يكن على نحو يغير المعنى ولكن مع ذلك حيث كان الوقوف على متن الحديث على الضبط والدقة بلا اختلاف فيه أصلا أولى وأحسن فلم نكتف بما ذكره المصنف قدس‌سره.

(قوله وقد ظهر مما ذكرنا في الصحيحة الأولى تقريب الاستدلال بقوله فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك في كلا الموردين ... إلخ)

أي في الفقرة الثالثة والسادسة فكما انه عليه‌السلام في الصحيحة الأولى قد علل عدم وجوب الوضوء باندراج اليقين والشك في المورد تحت القضية الكلية المرتكزة في أذهان العقلاء الغير المختصة بباب دون باب وهو مما يكشف عن إمضاء تلك القضية الكلية فكذلك في الصحيحة الثانية قد علل عدم وجوب إعادة الصلاة في الفقرة الثالثة والسادسة باندراج اليقين والشك في المورد تحت القضية الكلية المرتكزة وهو مما يكشف عن إمضائه لها ورضائه بها.

(ودعوى) ان اللام في الكبرى للعهد والإشارة إلى اليقين بالطهارة لا للجنس كي يثبت به المطلوب وهو حجية الاستصحاب في جميع الأبواب من غير اختصاص بباب دون باب (فقد عرفت جوابها) مما تقدم في الصحيحة الأولى من منافاتها مع ظهور الصحيحة في التعليل بالقضية الكلية المرتكزة الغير المختصة بباب دون باب وانه لو كان اللام للعهد لكان التعليل بأمر تعبدي وهو ركيك جداً

(أقول)

هذا مضافاً إلى عدم سبق اليقين بالطهارة في الفقرة السادسة كي يدعي العهد فيها

٦١

كما سبق في الفقرة الثالثة فدعوى العهد في الفقرتين جميعاً مما لا وجه له قطعاً.

(ولعل من هنا) قال الشيخ أعلى الله مقامه وإرادة الجنس من اليقين لعله أظهر هنا (انتهى).

(بقي شيء) وهو ان الظاهر من الفقرة السادسة أن الإمام عليه‌السلام قد فرّق بين ما إذا رأي الدم في ثوبه في أثناء الصلاة يابساً على وجه علم انه كان من السابق وقد وقع بعض الصلاة في الثوب النجس فينقض الصلاة ويعيد وبين ما إذا رآه في ثوبه في أثناء الصلاة رطباً على وجه قد احتمل وقوعه عليه في حال الصلاة فيقطع الصلاة ويغسل الثوب ثم يبني عليها من حيث قطعها (ومقتضي الجمع) بين هذه الفقرة السادسة وبين الفقرة الثالثة الدالة على صحة الصلاة إذا وقعت في ثوب نجس جهلا بالموضوع هو التفصيل بين وقوع جميع الصلاة في الثوب النجس جهلا فتصح وبين وقوع بعضها كذلك فتبطل وتمام الكلام في الفقه إن شاء الله تعالى

(قوله نعم دلالته في المورد الأول على الاستصحاب مبنى ... إلخ)

(وحاصله) ان في لفظ اليقين في قوله عليه‌السلام في المورد الأول لأنك كنت على يقين من طهارتك احتمالين.

(أحدهما) ان يكون المراد منه هو اليقين بطهارة الثوب من قبل ظن الإصابة أي لأنك كنت على يقين من طهارة ثوبك قبل ان تظن الإصابة ثم شككت وظننت انه قد اصابه فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبداً وعلى هذا الاحتمال يكون المورد من الاستصحاب وهذا هو الظاهر من الحديث الشريف.

(ثانيهما) ان يكون المراد منه هو اليقين بالطهارة الحاصل بالنظر في الثوب ولم ير شيئاً الزائل برؤية النجاسة بعد الصلاة حيث يحتمل ان تكون هي النجاسة التي قد خفيت عليه حين نظر ولم ير شيئاً ويحتمل أن تكون هي حادثة بعدها بحيث وقعت الصلاة في الثوب الطاهر وعلى هذا الاحتمال يكون المورد من قاعدة اليقين لأن الشك قد تعلق بأصل ما تعلق به اليقين لا ببقائه ولكن هذا خلاف ظاهر قوله

٦٢

ثم صليت فيه فرأيت فيه فان ظاهره انه رأيت النجاسة التي قد خفيت عليّ حين نظرت فلم أر شيئاً بحيث علم وقوع الصلاة في الثوب النجس بلا شبهة.

(قوله ثم انه أشكل على الرواية بأن الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة ... إلخ)

حاصل الإشكال ان ظاهر قول الراوي ثم صليت فيه فرأيت فيه كما تقدم آنفاً انه رأي النجاسة التي قد خفيت عليه حين نظر فلم ير شيئاً بحيث علم وقوع الصلاة في الثوب النجس (وعليه) فإعادة الصلاة حينئذ بعد انكشاف وقوعها في النجاسة ليس نقضاً لليقين بالطهارة بالشك بل باليقين بالنجاسة فتعليله عليه‌السلام عدم إعادة الصلاة باستصحاب الطهارة حين الصلاة حيث قال تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا مما لا يكاد يصح.

(نعم إنما) يصح هذا التعليل لجواز الدخول في الصلاة فإذا سأل مثلا انه كيف جاز له الدخول في الصلاة وهو ظان بنجاسة ثوبه فيعلل بأنه كان له استصحاب الطهارة فجاز له الدخول فيها.

(قوله ولا يكاد يمكن التفصي عن هذا الإشكال إلا بأن يقال إن الشرط في الصلاة فعلا حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها ... إلخ)

(وحاصله) بعد التدبر التام في مجموع ما للمصنف هنا من الكلام أن التفصي لا يكاد يمكن إلّا بأن يقال إن الشرط فعلا في حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها ولو بالأصل كالاستصحاب أو بالقاعدة كقاعدة الطهارة لا نفس الطهارة وان كانت هي شرطاً اقتضائياً بمقتضى الجمع بين هذه الصحيحة وبين بعض الإطلاقات مثل قوله تعالى وأما ثيابك فطهّر بناء على إرادة تطهيرها من النجاسات لأجل الصلاة كما صرح به الطبرسي (وعليه) فمقتضى إحراز الطهارة بالاستصحاب من قبل الصلاة وحصول الشرط لها أي الإحراز هو عدم إعادتها بعداً ولو انكشف

٦٣

وقوعها في النجس بتمامها فيطابق التعليل حينئذ مع السؤال (ثم إن) الظاهر ان وجه التقييد بحين الالتفات هو ان من غفل عن طهارة ثوبه ونجاسته وصلى بلا إحراز الطهارة أصلا صحت صلاته قطعاً وإن انكشف بعداً ان الثوب كان نجساً بتمامه فلو كان إحراز الطهارة شرطاً مطلقاً لم تصح صلاته في هذا الحال.

(أقول)

إن الظاهر مما دل على وجوب إزالة النجاسات عن الثوب والبدن لأجل الصلاة بعد وضوح كونه غيرياً لا نفسياً هو شرطية نفس الطهارة بما هي هي للصلاة واقعاً لا إحرازها غير ان التعليل في الصحيحة حيث لا يكاد يطابق السؤال المذكور فيها الا مع إجزاء الطهارة الاستصحابية أي الخبثية فيلتزم حينئذ بالإجزاء في خصوص المقام من دون التعدي إلى كل امر ظاهري فكأن الإمام عليه‌السلام قد علل عدم الإعادة بذلك لتفهيم السائل ان الطهارة الخبثيّة الاستصحابية هي مما تجزي عن الواقعية وسيأتي الإشارة من المصنف إلى احتمال كون التعليل بملاحظة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء فانتظر.

(قوله ولو بأصل أو قاعدة ... إلخ)

الظاهر ان مقصوده من الأصل كما أشرنا هو الاستصحاب ومن القاعدة قاعدة الطهارة وقيل قاعدة اليد والأمر في ذلك سهل هين.

(قوله لا يقال لا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة فإنه إذا لم يكن شرطا لم يكن موضوعاً لحكم مع انه ليس بحكم ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) انه إذا قلنا إن الشرط هو إحراز الطهارة لا نفس الطهارة فكيف تستصحب الطهارة وتحرز هي بالاستصحاب فإن الطهارة على هذا لا حكم ولا موضوع ذو حكم بعد فرض كون الشرط هو إحراز الطهارة لا نفس الطهارة ومن المعلوم انه لا بد في الاستصحاب من كون المستصحب حكماً أو موضوعاً ذا

٦٤

حكم وإلا لكان الاستصحاب والتعبد بالبقاء لغواً عبثاً كما لا يخفى (وقد أجاب المصنف) عن ذلك بأمرين.

(الأول ما حاصله أن مقتضي التوفيق بين بعض الإطلاقات ولعله يعني به الآية الكريمة كما أشرنا وبين مثل التعليل في الصحيحة أن نفس الطهارة شرط اقتضائي وإحرازها حين الالتفات إليها شرط فعلي ومن المعلوم ان كونها شرطاً اقتضائياً مما يكفي في جواز استصحابها شرعاً.

(الثاني) ان الطهارة وإن لم تكن شرطاً للصلاة بل كان الشرط هو إحرازها ولو حين الالتفات إليها ولكن مجرد كونها قيداً للشرط مما يكفي في جواز استصحابها والتعبد ببقائها ويخرجه هو عن اللغوية والعبثية بلا كلام.

(قوله لا يقال سلمنا ذلك لكن قضيته ان تكون علة عدم الإعادة حينئذ ... إلخ)

(حاصل الإشكال) انه سلمنا ان الشرط في الصلاة ولو حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها لا نفس الطهارة (ولكن) مقتضي ذلك ان تكون علة عدم إعادة الصلاة بعد انكشاف وقوعها في الثوب النجس هو إحراز الطهارة بالاستصحاب لا الطهارة المحرزة به (مع ان) مقتضي التعليل وهو قوله عليه‌السلام لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت ... إلخ أن العلة هي الطهارة المحرزة بالاستصحاب لا إحرازها به وهو مستصحبها.

(قوله فإنه يقال نعم ولكن التعليل إنما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الحال ... إلخ)

(وحاصل الجواب) انه نعم ان مقتضي كون الشرط إحراز الطهارة لا نفس الطهارة ان تكون العلة لعدم إعادة الصلاة بعد انكشاف وقوعها في الثوب النجس هو إحراز الطهارة بالاستصحاب لا الطهارة المحرزة به (ولكن) التعليل بالطهارة المستصحبة انما هو بلحاظ حال قبل الانكشاف لنكتة التنبيه على حجية

٦٥

الاستصحاب وانه كان هناك استصحاب (مضافاً) إلى ان تعليل عدم الإعادة بالطهارة المستصحبة مما يستلزم كون السبب واقعاً لعدم الإعادة بعد الانكشاف هو استصحاب الطهارة أي الّذي كان جارياً في حال الصلاة لا نفس الطهارة وإلا لكانت الإعادة بعد كشف الخلاف من نقض اليقين باليقين لا بالشك فلا يتم التعليل كما تقدم في الإشكال على الرواية.

(أقول)

ان التعليل وان كان هو بلحاظ حال قبل الانكشاف إذ بعد الانكشاف لا استصحاب ولا مستصحب (ولكن) نكتة التنبيه على حجية الاستصحاب وتفهيم السائل ان هناك كان استصحاب مما تحصل بكل من التعليل بالطهارة المستصحبة أو باستصحاب الطهارة وإحرازها به لا بالأول فقط دون الثاني (وعليه) فالصحيح في جواب الإشكال ان يقال إنا لا نسلم ان مقتضي التعليل أي قوله عليه‌السلام لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت ... إلخ ان العلة لعدم الإعادة هي الطهارة المستصحبة بل العلة هي إحرازها به وهو مستصحبها (مضافاً) إلى ان التعليل بالطهارة المستصحبة أو باستصحاب الطهارة مرجعهما إلى شيء واحد ولا فرق بينهما أصلا (ولعمري) ان هذا الإشكال أعني الإشكال الأخير واه ضعيف جداً لم ينبغ التعرض له أبداً غير ان المصنف قدس‌سره قد يطيل الكلام في بعض المقامات بلا طائل وقد يوجز الكلام في بعض المقامات بل في كثير منها بما يخل بالمرام كما هو غير خفي على الأعلام.

(قوله ثم إنه لا يكاد يصح التعليل لو قيل باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء كما قيل ... إلخ)

إشارة إلى ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه (قال) وربما يتخيل حسن التعليل لعدم الإعادة بملاحظة اقتضاء امتثال الأمر الظاهري للإجزاء فيكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلا على تلك القاعدة وكاشفة عنها (ثم قال) وفيه ان ظاهر قوله

٦٦

فليس ينبغي يعني ليس ينبغي لك الإعادة لكونه نقضاً (انتهى).

(فالمصنف) ردّ على هذا التخيل بمثل ما رد عليه الشيخ أعلى الله مقامه من ان العلة لعدم الإعادة على هذا هو اقتضاء ذاك الأمر الظاهري الموجود في حال الصلاة للإجزاء لا لزوم نقض اليقين بالشك من الإعادة مع ان ظاهر قوله عليه‌السلام فليس ينبغي ... إلخ أن العلة هو لزوم نقض اليقين بالشك من الإعادة لا اقتضاء ذاك الأمر الظاهري للإجزاء.

(قوله اللهم إلّا أن يقال إن التعليل به انما هو بملاحظة ضميمة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ... إلخ)

هذا توجيه للتخيل المتقدم آنفاً (وحاصله) ان تعليل الإمام عليه‌السلام عدم إعادة الصلاة باستصحاب الطهارة في حال الصلاة انما هو بملاحظة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء فان إعادة الصلاة فعلا مع فرض اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء هو طرح لاستصحاب الطهارة في حال الصلاة ونقضاً لليقين بالطهارة بالشك فيها في حال الصلاة وإلّا لزم عدم إجزاء الأمر الظاهري وهذا واضح ظاهر.

(قوله فتأمل ... إلخ)

قال المصنف في تعليقته على الكتاب في وجه التأمل إن اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ليس بذلك الوضوح كي يحسن بملاحظته التعليل بلزوم النقض من الإعادة كما لا يخفى (انتهى).

(أقول)

نعم ليس اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء بذاك الوضوح ولكنا قد أشرنا قبلا أن الإمام عليه‌السلام كأنه قد أراد بذلك تفهيم السائل أن الطهارة الخبثيّة الاستصحابية مما تجزي عن الواقعية وبهذا يصح التعليل ويحسن ويتم ويندفع الإشكال من أصله وينحسم.

٦٧

(قوله مع انه لا يكاد يوجب الإشكال فيه والعجز عن التفصي عنه إشكالا في دلالة الرواية على الاستصحاب فإنه لازم على كل حال كان مفاده قاعدة أو قاعدة اليقين ... إلخ)

(وحاصله) انه لو سلم العجز عن تصحيح مطابقة التعليل مع السؤال في الرواية الشريفة فلا يكاد يوجب ذلك قدحاً في دلالتها على الاستصحاب فإن إشكال عدم مطابقة التعليل مع السؤال هو إشكال لازم على كل حال سواء كان مفاد الرواية هو قاعدة الاستصحاب بأن كان المراد من اليقين فيه اليقين بطهارة الثوب من قبل ظن الإصابة كما تقدم أو قاعدة اليقين بأن كان المراد من اليقين فيه اليقين بالطهارة الحاصل بالنظر في الثوب ولم ير شيئاً الزائل برؤية النجاسة بعد الصلاة وليس هذا الإشكال مختصاً بما إذا كان مفاد الرواية قاعدة الاستصحاب وحجيتها كي يكون ذلك قدحاً في دلالتها عليها.

(أقول)

بل الظاهر ان هذا الإشكال مختص بما إذا كان مفاد الرواية هو قاعدة الاستصحاب وحجيتها دون قاعدة اليقين إذا على الثاني يكون المراد من اليقين هو اليقين الحاصل بالنظر في الثوب ولم ير شيئاً كما أشير آنفا الزائل برؤية النجاسة بعد الصلاة بحيث يحتمل ان تكون هي النجاسة التي خفيت عليه حين نظر في الثوب ولم ير شيئاً فوقعت الصلاة في الثوب النجس ويحتمل ان تكون حادثة بعدها فلم تقع الصلاة في الثوب النجس فيقول عليه‌السلام لا تنقض ذلك اليقين بالطهارة الحاصل لك بالنظر بالشك الحاصل بعدها بسبب الرؤية فلا تعاد الصلاة ثانياً ويطابق التعليل حينئذ مع السؤال (ولكن الإنصاف) أن هذا كله خلاف ظاهر قوله ثم صليت فيه فرأيت فيه فإن ظاهره كما تقدم قبلا انه رأيت النجاسة التي خفيت علي حين نظرت في الثوب فلم أر شيئاً فيكون مفاد الرواية على هذا هو قاعدة الاستصحاب وحجيتها دون قاعدة اليقين كما سبق تحقيقه في ذيل التعليق

٦٨

على قوله نعم دلالته في المورد الأول على الاستصحاب مبني ... إلخ فراجع.

في الاستدلال بصحيحة ثالثة لزرارة

(قوله ومنها صحيحة ثالثة لزرارة وإذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ... إلخ)

هذه صحيحة ثالثة لزرارة (قد رواها في الوافي) في باب الشك فيما زاد على الركعتين (ورواها في الوسائل) مقطعة بعضها في باب من شك بين الاثنتين والأربع وبعضها في باب من شك بين الثلاث والأربع (وتمامها هكذا) عن أحدهما عليهما‌السلام قال قلت له من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين قال يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه وإذا لم يدر في ثالث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات (انتهى) ومحل الاستشهاد هو قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك فإنه عليه‌السلام قد حكم بنحو القضية الكلية بعدم نقض اليقين بالشك ومنهما اليقين والشك في المورد أي اليقين بعدم الإتيان بالرابعة بالشك في إتيانها وهو المطلوب (وأما دعوى) إرادة العهد من اللام فقد عرفت ضعفها في الصحيحتين الأوليين فلا نعيده ثالثاً بل هي في المقام أضعف بكثير فإنه مع سبق اليقين بالوضوء في الصحيحة الأولى وسبق اليقين بالطهارة في الفقرة الثالثة من الصحيحة الثانية إذا لم يكن اللام للعهد فمع عدم سبق اليقين بعدم الإتيان بالرابعة في هذه الصحيحة بطريق أولى.

(بقي شيء) واحد وهو تفسير قوله عليه‌السلام ولا يدخل الشك في اليقين

٦٩

(والظاهر) ان إدخال الشك في اليقين هو عبارة أخرى عن نقض اليقين بالشك والاعتناء بالشك فإذا نقض اليقين بعدم الإتيان بالرابعة بالشك فيها واعتنى بالشك ولم يأت بالرابعة المشكوكة فقد أدخل الشك في اليقين وخلط أحدهما بالآخر (كما ان الظاهر) ان نقض الشك باليقين هو عبارة أخرى عن عدم الاعتناء بالشك فإذا لم ينقض اليقين السابق بالشك اللاحق ولم يعتن بالشك أبداً فقد نقض الشك باليقين وتم على اليقين وبنى عليه ولم يعتد بالشك في حال من الحالات.

(قوله والاستدلال بها على الاستصحاب مبنى على إرادة اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة سابقاً والشك في إتيانها وقد أشكل بعدم إمكان إرادة ذلك ... إلخ)

المستشكل هو الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد ذكر الصحيحة الثالثة (ما لفظه) وقد تمسك بها في الوافية وقرره الشارح وتبعه جماعة ممن تأخر عنه وفيه تأمل لأنه إن كان المراد بقوله عليه‌السلام قام فأضاف إليها أخرى القيام للركعة الرابعة من دون التسليم في الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة حتى يكون حاصل الجواب هو البناء على الأقل فهو مخالف للمذهب وموافق لقول العامة ومخالف لظاهر الفقرة الأولى من قوله يركع بركعتين بفاتحة الكتاب فإن ظاهره بقرينة تعيين الفاتحة إرادة ركعتين منفصلتين أعني صلاة الاحتياط فتعين أن يكون المراد به القيام بعد التسليم في الركعة المرددة إلى ركعة مستقلة كما هو مذهب الإمامية فالمراد باليقين كما في اليقين الوارد في الموثقة الآتية على ما صرح به السيد المرتضى واستفيد من قوله عليه‌السلام في أخبار الاحتياط إن كنت قد نقصت فكذا وإن كنت قد أتممت فكذا هو اليقين بالبراءة فيكون المراد وجوب الاحتياط وتحصيل اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر وفعل صلاة مستقلة قابلة لتدارك ما يحتمل نقصه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(ومحصله) ان المراد من قوله عليه‌السلام قام فأضاف إليها أخرى ان كان

٧٠

هو القيام إلى ركعة أخرى موصولة وكان المراد من اليقين فيها اليقين بعدم الإتيان بالرابعة فالصحيحة من باب الاستصحاب ولكنها حينئذ مخالفة لمذهب الشيعة وموافق لقول العامة بل ومخالف للفقرة الأولى منها الظاهرة في الإتيان بركعتين منفصلتين فيتعين ان يكون المراد من القيام فيها القيام بعد التسليم إلى ركعة أخرى مفصولة ويكون المراد من اليقين فيها اليقين بالبراءة الحاصلة بالبناء على الأكثر والإتيان بركعة مستقلة فتكون الصحيحة حينئذ أجنبية عن الاستصحاب.

(قوله ويمكن الذنب عنه بأن الاحتياط كذلك لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة ... إلخ)

والصحيح أن يقال ويمكن ذبه أي دفعه لا الذب عنه أي الدفع عنه فانه خلاف المقصود (وعلى كل حال) حاصل المراد انه يمكن دفع الإشكال بأن الاحتياط بالبناء على الأكثر والإتيان بركعة أخرى مفصولة مما لا ينافي إرادة اليقين بعدم الإتيان بالرابعة فأصل الإتيان بالرابعة يكون بمقتضى الاستصحاب والإتيان بها مفصولة يكون بأخبار أخر دالة على الإتيان بها كذلك.

(مثل ما رواه) في الوسائل في باب وجوب البناء على الأكثر عن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال له يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين متى شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتم ما ظننت انك نقصت.

(وما رواه) في الباب أيضاً عن عمار بن موسى الساباطي قال وسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شيء من السهو في الصلاة فقال ألا أعلمك شيئاً إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء قلت بلى قال إذا سهوت فابن علي الأكثر فإذا فرغت وسلمت فقم وصل ما ظننت انك نقصت الحديث.

(وما رواه) في الباب عن عمار بن موسى أيضا قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام كلما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر قال فإذا انصرفت فأتم

٧١

ما ظننت انك نقصت (وعليه) فتكون هذه الأخبار كلها مقيدة لإطلاق قوله عليه‌السلام في الصحيحة ولا ينقض اليقين بالشك المقتضي للإتيان بالرابعة مطلقاً سواء كانت موصولة أو مفصولة.

(أقول)

وبهذه الأخبار يرفع اليد أيضاً عن ظهور قوله عليه‌السلام قام فأضاف إليها أخرى في الإتيان بها موصولة.

(وبالجملة) لا ينبغي الإشكال في كون الصحيحة من باب الاستصحاب وأن المراد من اليقين فيها هو اليقين بعدم الإتيان بالرابعة لا اليقين بالبراءة كما احتمله السيد (ره) في الموثقة الآتية إذا شككت فابن علي اليقين واحتمله شيخنا الأنصاري أيضاً في المقام فإنه بعيد جداً فيبقى في المقام ظهور قوله عليه‌السلام قام فأضاف إليها أخرى فيرفع اليد عنه بالأخبار الدالة على البناء على الأكثر ويحمل على الإتيان بالرابعة بعد التسليم مفصولة وبه يقيد إطلاق النهي عن النقض الشامل للإتيان بها موصولة أو مفصولة (هذا إن قلنا) بمذهب المشهور من وجوب البناء على الأكثر تعييناً والإتيان بما احتمل نقصه منفصلا (واما إذا قلنا) بالتخيير بينه وبين البناء على الأقل والإتيان بما احتمل نقصه متصلا كما أفتى به الصدوق في الفقيه على ما ذكره الوافي جمعاً بين الاخبار أي الآمرة بالبناء على الأكثر والآمرة بالبناء على الأقل كما سيأتي بالإشارة إليها في ذيل الموثقة الآتية فلا وجه لرفع اليد عن الظهور المذكور بل الصحيحة تكون هي من الأدلة الدالة على البناء على الأقل كما لا يخفى.

(قوله فافهم .. إلخ)

ولعله إشارة إلى ان أصل الإتيان بالرابعة لو كان هو بمقتضى استصحاب عدم الإتيان بها لوجب الإتيان بها حينئذ موصولة كما إذا قطع بعدم الإتيان بها لا الإتيان بها مفصولة.

٧٢

(أقول)

نعم ولكن مع ذلك كله لا يضر ذلك بكون الصحيحة من باب الاستصحاب وان المراد من اليقين فيها هو اليقين بعدم الإتيان بالرابعة إذ غاية ما يلزم حينئذ هو رفع اليد عن الاتصال بأخبار أخر لا الالتزام بكون المراد من اليقين فيها هو اليقين بالبراءة كما احتمله الشيخ أعلى الله مقامه لتكون الصحيحة أجنبية عن الاستصحاب رأساً.

(قوله وربما أشكل أيضاً بأنه لو سلم دلالتها على الاستصحاب كانت من الاخبار الخاصة الدالة عليه في خصوص المورد لا العامة لغير مورد ... إلخ)

(حاصل الإشكال) انه لو سلم دلالة الصحيحة على الاستصحاب بأن يكون المراد من اليقين فيها اليقين بعدم الإتيان بالرابعة فهي من الاخبار الخاصة أي الدالة على الاستصحاب في مورد مخصوص (مثل) قوله عليه‌السلام إذا استيقنت أنك قد أحدثت فتوضأ وإياك أن تحدث وضوء أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت إلى غير ذلك مما سيأتي تفصيله لا من الاخبار العامة أي الدالة على الاستصحاب في عموم الأبواب من غير اختصاص بباب دون باب وذلك لظهور الفقرات السبع وهي قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ... إلخ في كونها مبنية للفاعل أي لا ينقض المصلي الشاك فإذا كان الفاعل هو المصلي الشاك كان المراد من اليقين فيها خصوص يقينه بعدم الإتيان بالرابعة لا جنس اليقين ليستفاد منها حجية الاستصحاب في عموم الأبواب (وقد أجاب عنه) المصنف بأمرين

(أحدهما) أن تطبيق قضية لا ينقض اليقين على غير مورد كما في الصحيحتين المتقدمتين مما يؤيد إلغاء خصوصية المورد في الصحيحة الثالثة.

(ثانيهما) ان الظاهر من نفس القضية أن ملاك حرمة النقض انما هو ما في نفس اليقين والشك لا لما في المورد من الخصوصية كي يختص الحكم به دون غيره.

٧٣

(أقول)

وكأن المصنف قد سلم أن المراد من اليقين في الصحيحة بعد ظهور الفقرات فيها في كونها مبنية للفاعل هو يقين المصلي بخصوص عدم الإتيان بالرابعة لا جنس اليقين غايته أنه قد تشبث لإلغاء خصوصية المورد بالأمرين المذكورين (ولكن الحق) هو منع ذلك أي منع كون المراد من اليقين فيها بعد فرض ظهور الفقرات السبع في كونها مبنية للفاعل هو يقين المصلي بخصوص عدم الإتيان بالرابعة بل المراد جنس يقينه أي ولا ينقض المصلي الشاك جنس اليقين بالشك ومنه يقينه في المورد بعدم الإتيان بالرابعة وقد أشرنا إلى ذلك كله قبلا عند ذكر محل الاستشهاد من الصحيحة مختصراً فتذكر وتدبر جيداً.

في الاستدلال بموثقة إسحاق

(بقي شيء) وهو ان الشيخ أعلى الله مقامه بعد ما فرغ من الصحيحة الثالثة قد تعرض لموثقة إسحاق التي قد أشير إليها مكرراً.

(وهي ما رواه) في الوافي في باب الشك فيما زاد على الركعتين (وفي الوسائل) في باب وجوب البناء على الأكثر مسنداً عن إسحاق بن عمار قال قال لي أبو الحسن الأول عليه‌السلام إذا شككت فابن علي اليقين قال قلت هذا أصل قال نعم (وقد ناقش الشيخ) أعلى الله مقامه في الاستدلال بها كما ناقش في الاستدلال بالصحيحة الثالثة أيضاً (وعمدة) وجه المناقشة منافاتها لما جعله الشارع أصلا في غير واحد من الاخبار يعني بها الاخبار المتقدمة الآمرة بالبناء على الأكثر وان احتمل أخيراً عدم اختصاصها بشكوك الصلاة فضلا عن الشك في ركعاتها (قال) نعم يمكن أن يقال بعدم الدليل على اختصاص الموثقة بشكوك الصلاة فضلا عن الشك في ركعاتها فهو أصل كلي خرج منه الشك في عدد الركعات وهو غير قادح (انتهى)

٧٤

(أقول)

الظاهر كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه انه لا دليل على اختصاص الموثقة بشكوك الصلاة فضلا عن الشك في ركعتها كي تنافي ما جعله الشارع أصلا في غير واحد من الاخبار (ولكن) الموثقة على هذا التقدير مجملة مرددة بين قاعدة الاستصحاب وقاعدة اليقين لعدم ظهورها في شيء منها إذ كما يحتمل أن يكون المراد انه إذا شككت في بقاء ما تيقنت به فابن علي اليقين فكذلك يحتمل أن يكون المراد انه إذا شككت في أصل ما تيقنت به فابن علي اليقين وستأتي الإشارة إلى قاعدة اليقين في تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

(نعم إذا قلنا) باختصاصها بالشك في عدد الركعات كما هو ظاهر الأصحاب بقرينة ذكرهم لها في ذيل أخبار الشكوك في ركعات الصلاة فهي من الأدلة الخاصة أي الدالة على الاستصحاب في مورد خاص وهو عدد ركعات الصلاة لا الأدلة العامة أي الدالة عليه مطلقاً في عموم الأبواب من غير اختصاص بباب دون باب كما في الصحاح الثلاث المتقدمات وحينئذ (فإذا اخترنا) ما اختاره المشهور من وجوب البناء على الأكثر عند الشك في ركعات الصلاة فلا بدّ من حملها على التقية لموافقتها لمذهب العامة كسائر ما دل على البناء على الأقل.

(مثل ما رواه) في الوافي في باب الشك فيما زاد على الركعتين عن ابن يقطين عن أخيه عن أبيه قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرّجل لا يدري كم صلي واحدة أم ثنتين أم ثلاثاً قال يبني على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد خفيفاً.

(وما رواه) في الباب أيضاً عن سهل بن اليسع فيما إذا تلبس عليه الاعداد كلها عن الرضا عليه‌السلام انه قال يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهد تشهداً خفيفاً.

(وما رواه) في الباب أيضا عن اليسع عن أبيه قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرّجل لا يدري أثلاثاً صلي أم ثنتين قال يبني على النقصان ويأخذ بالجزم

٧٥

ويتشهد بعد انصرافه تشهداً خفيفاً كذلك في أول الصلاة وآخرها (قال) صاحب الوافي لعله سقط ذكر سجود السهو من قلم النساخ في هذا الحديث (إلى ان قال) لأن التشهد الخفيف لا يكون إلّا فيه (انتهى) وهو جيد.

(وما رواه) في الباب أيضاً عن البجلي وعلي عن أبي إبراهيم عليه‌السلام في السهو في الصلاة فقال يبني على اليقين ويأخذ بالجزم ويحتاط بالصلوات كلها (واما إذا اخترنا) ما اختاره الصدوق أعلى الله مقامه كما تقدم من التخيير بين البناء على الأكثر والبناء على الأقل بمقتضى الجمع بين الطائفتين من الاخبار فهي من جملة ما دل على البناء على الأقل بلا حاجة إلى حملها على التقية أصلا وهذا واضح.

في الاستدلال برواية محمد بن مسلم

ورواية أخرى

(قوله ومنها قوله من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فإن الشك لا ينقض اليقين أو فإن اليقين لا يدفع بالشك ... إلخ)

هذه روايتان قد جمع بينهما المصنف بلفظ واحد (قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) ومنها ما عن الخصال بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فإن الشك لا ينقض اليقين (انتهى).

(ورواها في الوسائل) في أول باب من نواقض الوضوء (وقال) ثم شك (ثم قال) الشيخ أعلى الله مقامه وفي رواية أخرى عنه من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فإن اليقين لا يدفع بالشك (قال) وعدّها المجلسي في البحار في سلك الاخبار التي يستفاد منها القواعد الكلية (انتهى) فقول المصنف

٧٦

أو فإن اليقين لا يدفع بالشك إشارة إلى هذه الرواية الثانية.

(قوله وهو وإن كان يحتمل قاعدة اليقين لظهوره في اختلاف زمان الوصفين وانما يكون ذلك في القاعدة دون الاستصحاب ... إلخ)

(توضيح المقام) أن الشيخ أعلى الله مقامه بعد أن ذكر الروايتين جميعاً أورد عليهما (بما حاصله) انه يعتبر في قاعدة اليقين اختلاف زمان اليقين والشك بأن نتيقن أولا بعدالة زيد مثلا في يوم الجمعة ثم نشك بعداً في نفس عدالته في يوم الجمعة (ولكن) لا يعتبر ذلك في الاستصحاب قطعاً إذ من الجائز أن نتيقن ونشك في زمان واحد كما إذا تيقنا في الحال أن زيداً كان عادلا في يوم الجمعة وفي عين الحال شككنا أيضاً في عدالته في هذا الحال (والسر فيه) ان الشك في الاستصحاب متعلق ببقاء ما تيقن به فيتعدد متعلق اليقين والشك دقة فلا بأس باجتماع الوصفين في زمان واحد بخلاف قاعدة اليقين فإن الشك فيها يتعلق بأصل ما تيقن به فيتحد متعلق اليقين والشك فلا يكاد يجتمع الوصفان في زمان واحد (ثم لا إشكال) في ظهور الروايتين جميعاً بمقتضى قوله عليه‌السلام من كان على يقين فشك أو فأصابه شك في اختلاف زمان اليقين والشك وان اليقين فيهما سابق والشك فيهما لاحق (وعليه) فيتعين حملهما على قاعدة اليقين دون الاستصحاب.

(فيقول المصنف) في جواب الشيخ أعلى الله مقامه ما حاصله أن الروايتين وان كانتا ظاهرتين في اختلاف زمان اليقين والشك ولكن مجرد ذلك مما لا يوجب تعين حملهما على قاعدة اليقين فإن المتداول في التعبير عن الاستصحاب أيضاً هو ذلك ولعله بملاحظة اختلاف زمان المتيقن والمشكوك وسرايته إلى نفس اليقين والشك لما بين اليقين والمتيقن من نحو من الاتحاد وهكذا بين الشك والمشكوك (بل ولنا) ما يوجب ظهور الروايتين في الاستصحاب فضلا عن عدم الموجب لتعين حملهما على قاعدة اليقين وهو قوله عليه‌السلام فان الشك لا ينقض اليقين أو فإن اليقين لا يدفع بالشك فإنه إشارة إلى القضية المرتكزة في أذهان العقلاء الواردة

٧٧

في أدلة الاستصحاب مكرراً أعني في الصحاح الثلاثة المتقدمة.

(وقد أنصف الشيخ) أعلى الله مقامه أخيراً فأشار إلى ذلك بقوله لكن الإنصاف أن قوله عليه‌السلام فإن اليقين لا ينقض بالشك بملاحظة ما سبق في الصحاح من قوله لا ينقض اليقين بالشك ظاهره مساوقته لها ويبعد حمله على المعنى الّذي ذكرنا (انتهى).

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى ضعف قوله ولعله بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين وسرايته إلى الوصفين لما بين اليقين والمتيقن من نحو الاتحاد ... إلخ فإن السرّ في تداول التعبير عن الاستصحاب بمثل تلك العبارة من كان على يقين فشك أو فأصابه شك ليس هو اختلاف زمان الموصوفين وسرايته إلى الوصفين بل السر هو اتحاد متعلقي اليقين والشك في الاستصحاب عرفاً كما في قاعدة اليقين عيناً غايته انه في الاستصحاب متحد عرفاً وفي قاعدة اليقين متحد دقة وعرفاً فإذا اتحد متعلق اليقين والشك في الاستصحاب عرفاً كما في قاعدة اليقين فقهراً يختلف زمان اليقين والشك فيه كما يختلف فيها فيكون اليقين سابقاً والشك لا حقاً ويحسن التعبير في كليهما جميعاً بمثل من كان على يقين فشك أو فأصابه شك فتأمل جيداً.

في الاستدلال بخبر الصفار

(قوله ومنها خبر الصفار عن علي بن محمد القاساني قال كتبت إليه وانا بالمدينة عن اليوم الّذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا فكتب اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وأفطر للرؤية ... إلخ)

قد رواها) في الوافي في باب علامة دخول الشهر وأن الصوم للرؤية والفطر للرؤية.

٧٨

(ورواها) في الوسائل في باب كون علامة شهر رمضان وغيره رؤية الهلال (والعجب) أن المصنف قد نقل الحديث في المقام على الضبط والدقة بلا اختلاف في متنه أصلا ولو يسيراً.

(قوله حيث دل على أن اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقاءه وزواله بدخول شهر رمضان ... إلخ)

ظاهر العبارة أن الخبر قد دل على أن خصوص اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقاءه وزواله بدخول شهر رمضان فيكون الخبر من الأخبار الخاصة أي الدالة على حجية الاستصحاب في مورد مخصوص وفي باب خاص لا الأخبار العامة أي الدالة على اعتباره في عموم الأبواب من غير اختصاص بباب دون باب (ولكنه) كما ترى ضعيف فإن الخبر قد دل على أن جنس اليقين لا يكون مدخولا بالشك ومنه اليقين بشعبان فلا يكون مدخولا بالشك في شهر رمضان وهكذا اليقين بشهر رمضان فلا يكون مدخولا بالشك في شوال لا خصوص اليقين بشعبان أو بشهر رمضان (وقد أجاد الشيخ) أعلى الله مقامه في تقريب الاستدلال به (فقال) بعد ذكر الخبر (ما لفظه) فإن تفريع تحديد كل من الصوم والإفطار على رؤية هلالي رمضان وشوال لا يستقيم إلّا بإرادة عدم جعل اليقين السابق مدخولا بالشك يعني به جنس اليقين السابق مدخولا بالشك اللاحق ومنه اليقين بشعبان واليقين بشهر رمضان.

(قوله وربما يقال ان مراجعة الأخبار الواردة في يوم الشك يشرف القطع بأن المراد باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضان ... إلخ)

(وتفصيل الأخبار) الواردة في يوم الشك هكذا قد (روي) في الوسائل في باب كون علامة شهر رمضان وغيره رؤية الهلال مسنداً عن إبراهيم بن عثمان الخزّاز عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال ان شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني.

٧٩

(وروي) أيضاً في الباب مسنداً عن سماعة قال صيام شهر رمضان بالرؤية وليس بالظن الحديث.

(وروي) أيضا في الباب مسنداً عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وليس بالرأي والتظني ولكن بالرؤية الحديث.

(وروي) أيضاً في الباب مسنداً عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال في كتاب علي عليه‌السلام صم لرؤيته وأفطر لرؤيته وإياك والشك والظن الحديث.

(فيقول المصنف) انه ربما يقال إن مراجعة تلك الأخبار مما يشرف القطع بأن المراد من اليقين في خبر الصفار هو اليقين بدخول شهر رمضان وأنه لا بد في وجوب الصوم من اليقين بدخول شهر رمضان كما لا بد في وجوب الإفطار من اليقين بدخول شوال غايته أن الحديثين الأولين أعني حديثي الخزّاز وسماعة يتعرضان حال الصوم فقط والحديثان الأخيران يتعرضان كلا من الصوم والإفطار جميعاً (وعليه) فخبر الصفار يكون أجنبياً عن الاستصحاب رأساً.

(أقول)

إن المصنف وإن لم يصرح باختيار هذا القول تصريحاً ولكن الظاهر منه الميل إليه حيث ذكر القول ولم يرد عليه وما أبعد ما بينه وبين ما ادعاه الشيخ أعلى الله مقامه من كون الخبر من أظهر روايات الباب يعني باب الاستصحاب (قال) والإنصاف ان هذه الرواية أظهر ما في هذا الباب من أخبار الاستصحاب إلا أن سندها غير سليم (انتهى).

(والحق) أن الخبر وإن لم يكن من أظهر روايات الباب بل أظهرها الصحاح الثلاثة بلا شبهة ولكن الخبر ليس أجنبياً عن الاستصحاب رأساً كما احتمله المصنف فإن مفاد اخبار يوم الشك وإن كان اعتبار اليقين بدخول شهر رمضان

٨٠