عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٢٠

والوضوء المانع عن انعقاد الإطلاق للفظ الشيء الواقع في قوله عليه‌السلام إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره أو كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره أو إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه فإنه من قبيل المتيقن في مقام التخاطب المانع عن انعقاد الإطلاق وقد تقدم التفصيل في محله فلا نعيد.

(نعم) قوله عليه‌السلام في الرواية الرابعة كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو حيث ليس فيه سؤال عن شيء دون شيء فلا مانع عن انعقاد الإطلاق للموصول الواقع فيه فكل شيء شك في وجوده وقد مضى محله وموطنه فيجب إمضاؤه كما هو سواء كان جزء عمل كالفاتحة والركوع والسجود ونحو ذلك للصلاة أو جزء جزء كالآية للفاتحة أو الكلمة الآية أو الحرف للكلمة أو كان عملا من الأعمال المترتبة بعضها على بعض كأعمال الحج من الطواف والصلاة والسعي ونحو ذلك أو كان عملا مستقلا برأسه قد مضى وقته ومحله كالشك في الصلاة بعد مضي وقته ففي جميع هذا كله لا يعتني بالشك أصلا للموثقة المذكورة أعني الرواية الرابعة من الاخبار العامة.

(وأما أخبار الفراغ) وهي من قوله عليه‌السلام كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد إلى قوله عليه‌السلام كلما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه ولا إعادة عليك فيه (فهي مختصة) بباب الطهارة والصلاة بلا شبهة (ودعوى) ان الشك في صحة المأتي به حكمه حكم الشك في الإتيان بل هو هو لأن مرجعه إلى الشك في وجود الشيء الصحيح فيندرج تحت الرواية الرابعة من الاخبار العامة الغير المختصة بباب دون باب (هي ضعيفة جداً) ونظيرها في الضعف دعوى تنقيح المناط أو الاستناد إلى موثقة ابن أبي يعفور المشتملة على قوله عليه‌السلام إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه فإن المناط غير منقح والموثقة ليس فيها ما يستفاد منه العموم.

(نعم لا بأس) بجعل أصالة الصحة في فعل الفاعل المريد للفعل الصحيح

٢٨١

أصلا برأسه من غير اختصاص بباب دون باب كأصالة الصحة في فعل الغير التي سيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى (أو يستفاد عموم اعتباره الفراغ) من التعليل المذكور في رواية بكير ابن أعين هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك (بل ومن التعليل) المذكور في رواية محمد بن مسلم وان كان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك فمن هذين التعليلين يعرف ان المناط في عدم الاعتناء بالشك في الصحة بعد الفراغ عن الوضوء أو عن الصلاة هو أذكريته قبلا أو أقربيته إلى الحق حين الانصراف منه بعد ذلك ومن المعلوم تحقق هذا المناط بعينه في غير البابين أيضا فيعم التعليلان تمام الأبواب ولا يختصان بباب دون باب (هذا مضافاً) إلى أن منشأ الشك في صحة عمل نفس الشاك بعد الفراغ عنه إذا كان هو الشك في وجود الجزء أو الشرط في الجملة جرى فيه التجاوز بلا كلام كما عرفت في آخر الموضوع الثاني وإن لم يجر إذا كان منشأ الشك فيها هو الشك في فقد المانع فتذكر.

هل يعتبر في التجاوز والفراغ الدخول في الغير أم لا

(الموضع الرابع) هل يعتبر في التجاوز والفراغ الدخول في الغير المترتب على المشكوك شرعاً أم يكتفي بتجاوز المحل وبالفراغ عن العمل فالكلام يقع في مقامين

(المقام الأول) في اعتبار الدخول في الغير وعدمه في قاعدة التجاوز (والظاهر) أنه لا تظهر الثمرة في الأجزاء المترتبة بعضها على بعض كأجزاء الصلاة أو الأعمال المترتبة بعضها على بعض كأعمال الحج بناء على جريان التجاوز فيها كما تقدم في الموضع الثالث وذلك لعدم صدق التجاوز فيهما الا بعد الدخول في الغير المترتب على المشكوك شرعاً.

٢٨٢

(نعم تظهر الثمرة) في الجزء الأخير من العمل كالتسليم للصلاة أو في العمل الأخير من الأعمال المترتبة بعضها على بعض كما في الحج إذا انفصل بين الجزاء الأخير أو العمل الأخير وبين الشك فيه زمان طويل ماح لصورة العمل أو انفصل بينهما فعل وجودي مناف للعمل كالحدث والاستدبار ونحوهما مما لا يبقى معه محل للمشكوك أصلا فحينئذ يصدق التجاوز والمضي عن المحل ولا دخول في الغير المترتب على المشكوك شرعاً (وكيف كان) ظاهر الرواية الأولى والثانية من الأخبار العامة الأربعة اعتبار الدخول في الغير وظاهر الرواية الرابعة عدم اعتبار الدخول في الغير وكفاية صدق المضي وأما الرواية الثالثة فصدرها ظاهر في اعتبار الدخول في الغير وذيلها في عدم اعتباره كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد ذكر حديث زرارة المشتمل على قوله عليه‌السلام إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشككت فليس بشيء وحديث إسماعيل بن جابر المشتمل على قوله عليه‌السلام كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه (ما لفظه) وهاتان الروايتان ظاهرتان في اعتبار الدخول في غير المشكوك (وقال) بعد ذكر حديث محمد بن مسلم كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (ما لفظه) وهذه الموثقة ظاهرة في عدم اعتبار الدخول في الغير (وقال) بعد ذكر حديث ابن أبي يعفور إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء إنما الشك إذا كانت في شيء لم تجزه (ما لفظه) وظاهر صدر هذه الموثقة كالأوليين وظاهر عجزها كالثالثة يعني بها حديث محمد بن مسلم.

(ثم إنه أعلى الله مقامه) قد احتمل حمل التقييد في الروايتين الأوليين على الغالب نظراً إلى كون الخروج عن المحمل مما لا يمكن غالباً إلّا بالدخول في الغير فيلغو التقييد بمعنى انه لا مفهوم له (وقد احتمل أيضاً) عكس ذلك وهو انصراف المطلق في موثقة محمد بن مسلم كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو إلى الغالب نظراً إلى ان الغالب في التجاوز والمضي هو الدخول في الغير فلا يحكم بالإطلاق

٢٨٣

(قال) فيما أفاده في المقام (ما لفظه) الموضع الثالث الدخول في غير المشكوك ان كان محققاً للتجاوز عن المحل فلا إشكال في اعتباره وإلّا فظاهر الصحيحتين الأولتين اعتباره وظاهر إطلاق موثقة ابن مسلم عدم اعتباره ويمكن حمل التقييد في الصحيحين على الغالب خصوصاً في أفعال الصلاة فإن الخروج من أفعال الصلاة يتحقق غالباً بالدخول في الغير وحينئذ فيلغو القيد ويحتمل ورود المطلق على الغالب فلا يحكم بالإطلاق (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

والإنصاف ان الخروج من الشيء والتجاوز عنه حيث لا يتحقق غالباً إلا بالدخول في الغير المترتب عليه شرعاً الا في الجزء الأخير من الصلاة أو في العمل الأخير من الحج فيتحقق بفصل زمان طويل أو بفعل منا في للعمل كما تقدم وعرفت فلا يبقى اعتماد على التقييد الموجود في الرواية الأولى والثانية وفي صدر الثالثة فيكون القيد فيها محمولا على الغالب كما احتمله الشيخ أعلى الله مقامه بمعنى ان اعتبار الدخول في الغير في الروايات المذكورة انما هو لتوقف صدق عنوان التجاوز عليه غالباً لا لمدخلية الدخول في الغير بما هو هو (وأما إطلاق) الرواية الرابعة كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (فالظاهر) انه لا وجه لرفع اليد عنه ولا وجه لحمله على الغالب فان المطلق انما يحمل على الغالب ويرفع اليد عن إطلاقه إذا لم يكن ظاهراً في الإطلاق والإنصاف ان ظهور المطلق هنا في الإطلاق باق محفوظ على حاله (وعليه) فالأظهر الأقوى في جريان قاعدة التجاوز هو الاكتفاء بصدق عنوان التجاوز والمضي فقط غايته انه فيما سوى الجزء الأخير أو العمل الأخير لا يتحقق هذا العنوان إلّا بالدخول في الغير وفيهما بالخصوص يتحقق بالفصل الطويل والفعل المنافي هذا كله تمام الكلام في المقام الأول.

(واما المقام الثاني) وهو اعتبار الدخول في الغير وعدمه في قاعدة الفراغ فظاهر أخبارها المتقدمة هو عدم اعتبار شيء فيها سوى صدق عنوان الفراغ والانصراف والمضي.

٢٨٤

(الا الرواية الثالثة) إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو لم تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حالة أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شيء عليك فيه (فإن صريحها) هو اعتبار القيام من الوضوء في جريان الفراغ في أفعاله (والظاهر) انه يلحق بالقيام من الوضوء مضي زمان طويل مخلّ بالموالاة فإن مع مضيه إذا شك في غسل الذراعين مثلا لم ينفع العود عليهما قطعاً (ويؤيده) بل يدل عليه قوله عليه‌السلام فأعد عليهما (إلى ان قال) ما دمت في حال الوضوء.

(وبالجملة) يعتبر في جريان الفراغ في خصوص الوضوء فقط إما القيام من الوضوء أو مضى زمان طويل مخلّ بالموالاة (وعليه) فإذا فرغ من مسح رجله الأيسر وشك بدون فصل طويل مخلّ بالموالاة في مسح رأسه أو في غسل ذراعيه لم تجر قاعدة الفراغ أصلا بل يجب العود على المشكوك وإن صدق عليه عرفاً انه قد فرغ من وضوئه فتأمل جيداً.

هل يكفي الدخول في مقدمات الغير في

جريان التجاوز أم لا

(الموضع الخامس) انك قد عرفت في الموضع السابق انا لم نعتبر في جريان قاعدة التجاوز الدخول في الغير في خصوص الجزء الأخير من الصلاة أو في العمل الأخير من الحج بل يكفي فيهما فصل زمان طويل أو فعل منا في للعمل فإنهما كافيان في صدق عنوان التجاوز والمضي ولكن فيما سوى الجزء الأخير أو العمل الأخير

٢٨٥

قد أشرنا انه لا يكاد يصدق عنوان الخروج عن الشيء والتجاوز والمضي الا بعد الدخول في الغير (فحينئذ) يقع الكلام في انه هل يكفي في صدق هذا العنوان الدخول في مقدمات الغير أم لا يكفي بل لا بد من الدخول في نفس الغير بعينه (فإذا شك) في الركوع بعد ما أهوى إلى السجود (أو شك) في السجود بعد ما نهض للقيام فهل تجري قاعدة التجاوز أم لا تجري (الظاهر) جريانها لصدق عنوان التجاوز بذلك أي بمجرد الدخول في مقدمات الغير وان لم يدخل بعد في نفس الغير بعينه (وعليه) فما ورد من الدليل الخاصّ على الاكتفاء بالهويّ للسجود وهي الرواية الثالثة من الأخبار الخاصة قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال قد ركع (يكون) على القاعدة (وما ورد) من الدليل الخاصّ على عدم الاكتفاء بالنهوض للقيام وقد رواه في الوسائل في أبواب السجود في باب من شك في السجود بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال فيه قلت فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائماً فلم يدرأ سجد أم لم يسجد قال يسجد (يكون) على خلاف القاعدة يقتصر فيه على مورد النص (هذا) وقد ذهب الشيخ أعلى الله مقامه إلى عدم كفاية الدخول في مقدمات الغير واعتبر الدخول في نفس الغير بعينه (واستدل له) بقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة إسماعيل بن جابر وهي الرواية الثانية من الروايات الأربعة العامة إن شك في الركوع بعد ما سجد وان شك في السجود بعد ما قام فليمض وانه في مقام تحديد الغير الّذي يعتبر الدخول فيه وأنه لا غير أقرب من السجود بالنسبة إلى الركوع ومن القيام بالنسبة إلى السجود (وفيه ما لا يخفى) فإن قوله عليه‌السلام ان شك في الركوع بعد ما سجد محمول على التمثيل لا على مقام التحديد وانه لا غير أقرب من السجود إلى الركوع وإلا لم يقل أبو عبد الله عليه‌السلام في الرواية الثالثة من الأخبار الخاصة في جواب السائل رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال قد ركع بل كان يعتبر عليه‌السلام الدخول في نفس السجود بعينه ولم يكتف بالهوي إليه وهذا لدى التدبر واضح فتدبر جيداً.

٢٨٦

في التجاوز عن المحل الاعتيادي والدخول

في الغير الاعتيادي

(الموضع السادس) انك قد عرفت في الموضع الثالث عدم اختصاص قاعدة التجاوز بباب الطهارة والصلاة فقط بل تجري في جزء أي عمل كان بل وفي جزء الجزء أيضاً وهكذا في الأعمال المترتبة بعضها على بعض أو في العمل الموقت إذا مضى وقته ومحله (كما انك قد عرفت) في الموضع الرابع أن فيما سوى الجزء الأخير من العمل أو العمل الأخير من الأعمال المترتبة لا يكاد يصدق التجاوز يصدق إلا بالدخول في الغير المترتب على المشكوك وفي خصوص الجزء الأخير أو العمل الأخير يصدق التجاوز عن المحل بمضي زمان طويل ماح لصورة العمل أو بصدور فعل مناف للعمل كالحدث والاستدبار ونحوهما (وحينئذ) يقع الكلام في أنه (هل يكفي) التجاوز عن المحل الاعتيادي أو الدخول في الغير الاعتيادي مع بقاء المحل الشرعي أم لا يكفي (فإذا اعتاد) الموالاة في الغسل الترتيبي وشك في غسل الجانب الأيسر بعد فصل ما يخل بما اعتاده من الموالاة فهل تجري القاعدة نظراً إلى التجاوز عن المحل الاعتيادي وإن لم يتجاوز محله الشرعي لعدم اعتبار الموالاة في الغسل شرعاً (وإذا اعتاد) زيارة عاشوراء بعد صلاة الصبح بلا فصل ثم رأى نفسه فيها وشك في صلاة الصبح فهل يجري التجاوز مع بقاء الوقت شرعاً أم لا (الظاهر) انه لا يعتد بالتجاوز عن المحل الاعتيادي ولا بالدخول في الغير الاعتيادي بعد بقاء المحل الشرعي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ذكر التمثيل بغسل الجانب الأيسر (ما لفظه) مع أن فتح هذا الباب بالنسبة إلى العادة يوجب مخالفة إطلاقات كثيرة (فمن اعتاد) الصلاة في أول وقتها أو مع الجماعة فشك في فعلها بعد ذلك

٢٨٧

فلا يجب عليه الفعل (وكذا من اعتاد) فعل شيء بعد الفراغ من الصلاة فرأى نفسه فيه وشك في فعل الصلاة (وكذا من اعتاد) الوضوء بعد الحدث بلا فصل يعتد به أو قبل دخول الوقت للتهيؤ فشك بعد ذلك في الوضوء إلى غير ذلك من الفروع التي يبعد التزام الفقيه بها (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

هل يجري التجاوز في الشروط كما

يجري في الأجزاء

(الموضع السابع) هل يجري التجاوز في الشروط كما يجري هو في الأجزاء أم لا يجري (فكما إذا شك) في القراءة أو الركوع أو السجود يمضي ولا يعتني بالشك (فكذلك إذا شك) في الطهارة أو الستر أو القبلة يمضي ولا يعتني بالشك أم لا (الحق هو التفصيل) فإذا شك في الشرط بعد انقضاء العمل فتجري قاعدة التجاوز فيه بلا مانع عنها أبداً كما انه تجري قاعدة الفراغ فيه بلا شبهة ولا ريب فان المفروض في الرواية الأولى والثانية بل والثالثة من الأخبار العامة الأربعة وإن كان هو الشك في الجزء دون الشرط وهو مما يمنع عن انعقاد الإطلاق للفظ الشيء الواقع فيها فإنه من قبيل المتيقن في مقام التخاطب (ولكن الرواية الرابعة) كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو مما لا مانع عن شمولها للشروط كما لا يخفى (وأما إذا شك) في الشرط في أثناء العمل فالتجاوز وإن كان هو مما يجري فيه بالنسبة إلى المقدار الماضي من العمل ولكن لا بد من إحرازه بالنسبة إلى المقدار الباقي (فإن كان) محرزاً فعلا كما إذا رأى نفسه متستراً الآن مستقبلا للقبلة وشك في الستر والاستقبال بالنسبة إلى المقدار الماضي من الصلاة فهاهنا ينفع التجاوز بالنسبة إلى المقدار الماضي بلا كلام (وأما إذا لم يكن) محرزاً فعلا لا بعلم ولا بعلمي

٢٨٨

فهاهنا لا يكاد ينفع التجاوز الجاري في الشرط بالنسبة إلى المقدار الماضي من العمل أصلا (إلّا إذا لم يكن الشرط) شرطاً لجميع العمل من أوّله إلى آخره بل كان شرطاً لبعض أجزائه وقد جاز محله كما إذا شك في الجهر بالقراءة أو في الإخفات بها بعد ما ركع أو سجد فحينئذ يجري التجاوز فيه بلا شبهة (أو كان الشرط) مما أمكن تحصيله فعلا بالنسبة إلى المقدار الباقي من العمل بدون استلزامه الفعل المنافي كما إذا كان جالساً في الصلاة وكان الماء حاضراً عنده وقد شك في الوضوء فهاهنا ينفع التجاوز بالنسبة إلى الماضي فيجريه بالنسبة إليه ويتوضأ بالنسبة إلى الباقي وهو جالس مستقبل القبلة بدون فصل طويل ماح لصورة العمل (هذا) وقد حكى الشيخ أعلى الله مقامه عن بعض الأساطين جريان التجاوز في الشروط مطلقاً سواء كان بعد الفراغ عن العمل أو في الأثناء بل وإذا كان على هيئة الدخول فيه أيضاً (وهو ضعيف) (وحكى) عن بعض الأصحاب عدم جريانه في الشروط مطلقاً ولو كان بعد الفراغ عن العمل (وهو أيضا ضعيف) (وقد اختار هو بنفسه) التفصيل في المسألة على نحو ما ذكرناه آنفاً من الفرق بين الشك فيه بعد العمل فيجري التجاوز فيه بلا مانع عنه وبين الشك فيه في الأثناء فلا بدّ من إحرازه بالنسبة إلى القدر الباقي (واستشهد له) بصحيحة علي بن جعفر عليه‌السلام عن أخيه عليه‌السلام المروية في الوسائل في أبواب الوضوء في باب من تيقن الطهارة وشك في الحدث قال سألته عن الرّجل يكون على وضوء ثم يشك على وضوء هو أم لا قال إذا ذكرها وهو في صلاته انصرف وأعادها وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك (قال) بناء على ان مورد السؤال الكون على الوضوء باعتقاده ثم شك في ذلك (انتهى) (ثم إنه) أعلى الله مقامه قد حكى تفصيلا في الشك في الشرط في الأثناء فإن كان في الوضوء فيجري التجاوز فيه وكأن نظر المفصل إلى أن الوضوء محله قبل الصلاة نظراً إلى قوله تعالى وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ... إلخ وإن كان في غير الوضوء وجب إحرازه للأجزاء الباقية من الصلاة (وهو كما ترى) تفصيل بلا

٢٨٩

وجه إذ لا فرق بين الوضوء وغيره من الشروط كالستر والقبلة ونحوهما في كونه شرطاً مقارناً للصلاة يعتبر وجوده من أولها إلى آخرها وإنما يؤتي به كسائر الشروط من قبل الصلاة لتقع أول جزء من أجزاء الصلاة إلى آخرها مقارناً للشرط لا ان محله الشرعي هناك وهذا واضح ظاهر.

(بقي شيء) وهو انه إذا شك في الشرط بعد الفراغ عن العمل وبنينا على وجوده بقاعدة التجاوز أو الفراغ (فهل يكتفي به) بالنسبة إلى مشروط آخر لم نأت به أم لا بل لا بد من تحصيله له.

(الحق هو الثاني) فإن الشك في الشرط بالنسبة إلى العمل الّذي قد فرغ منه وإن كان شكاً بعد تجاوز المحل فلا يجب الاعتناء به ولكن بالنسبة إلى العمل المستقبل لم يتجاوز محله فيجب الاعتناء به (وقد صرح بذلك) الشيخ أعلى الله مقامه وإن ذكر عن بعضهم نوع ترديد فيه (قال) وإما بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل فيه فلا ينبغي الإشكال في اعتبار الشك فيه لأن الشرط المذكور من حيث كونه شرطاً لهذا المشروط لم يتجاوز عن محله بل محله باق فالشك في تحقق شرط هذا المشروط شك في الشيء قبل تجاوز محله (قال) وربما بنى بعضهم ذلك على ان معنى عدم العبرة بالشك في الشيء بعد تجاوز المحل هو البناء على الحصول أو يختص بالمدخول (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه ويعني بالمدخول المشروط الّذي قد دخل فيه وفرغ منه في قبال المشروط الّذي لم يدخل فيه بعد.

في عدم جريان التجاوز في أفعال الوضوء

(الموضع الثامن) انه يخرج عن تحت قاعدة التجاوز الشك في أفعال الوضوء فإذا شك في جزء من أجزائه فيجب العود إليه وإن تجاوز محله ما لم يفرغ عن الوضوء (وذلك للإجماعات المستفيضة) (وصحيحة زرارة) المتقدمة في أخبار

٢٩٠

الباب وهي الرواية الثالثة من أخبار الفراغ عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو لم تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حالة أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شيء عليك فيه الحديث (ويظهر من الشيخ) أعلى الله مقامه أن في المسألة أخبار كثيرة في هذا المعنى (قال) فمستند الإجماع الأخبار الكثيرة المخصصة للقاعدة المتقدمة (انتهى) ولكن الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف إذ لم نجد في الكتب الفقهية ولا في الأحاديث المروية ما يدل على التخصيص سوى الصحيحة المذكورة (وعلى كل حال) لا إشكال في جواز الاعتماد على صحيحة واحدة في تخصيص قاعدة التجاوز سيما بعد اعتضادها بالإجماعات المستفيضة (ولكن الإشكال) في أن الصحيحة مما لها معارض قويّ وهي موثقة ابن أبي يعفور المتقدمة في الاخبار العامة إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء انما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه (فهل يمكن الجمع) بين الموثقة وبين الصحيحة والإجماعات المستفيضة على وجه يرتفع التنافي بينهما عرفا (أم لا) بل لا بد من رفع اليد عن الموثقة تقديماً للصحيحة المعتضدة بالإجماعات المستفيضة عليها.

(وقد تصدّى الشيخ وصاحب الجواهر وغيرهما) أعلى الله مقامهم للجمع بينهما بإرجاع ضمير غيره في الموثقة إلى الوضوء أي إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غير الوضوء فليس شكك بشيء وذلك لئلا تخالف الصحيحة والإجماعات المستفيضة.

(أقول)

إن إرجاع ضمير غيره في الموثقة إلى الوضوء هو خلاف الظاهر جداً وارتكاب خلاف الظاهر من دون أن يكون عليه شاهد عرفي مما لا سبيل إليه ومجرد ارتفاع

٢٩١

التنافي به بين الموثقة وبين الصحيحة والإجماعات المستفيضة مما لا يجوّز ذلك وإلّا لانفتح باب الجمع التبرعي بين كل خبرين متعارضين على نحو يرتفع التنافي بينهما ولو لم يساعده فهم العرف وهو كما ترى ضعيف (مضافاً) إلى ان التصرف في الموثقة بحملها على ما إذا شك في شيء من الوضوء وقد دخل في غير الوضوء ليس بأهون من التصرف في الصحيحة بحمل الإعادة فيها على غسل الذراعين وعلى جميع ما شك فيه على الاستحباب.

(وبالجملة) ان الحق في المسألة كما أشير قبلا هو رفع اليد عن الموثقة تقديماً للصحيحة المعتضدة بالإجماعات المستفيضة عليها وذلك بلا حاجة إلى التكلف والتصرف في ظهور الموثقة بنحو لا يساعده فهم العرف أصلا.

التجاوز والفراغ أمارتان ومثبتاتهما ليست بحجة

(الموضع التاسع) هل التجاوز والفراغ أمارتان أم أصلان عمليان (وعلى تقدير كونهما) أمارتين فهل مثبتاتهما حجة كما في البينة وخبر العدل إذا قلنا به أم لا (فإذا شك) في السورة وعلم انه لا يحفظ من سور القرآن الا التوحيد فقط فبقاعدة التجاوز هل يثبت انه قد قرأ التوحيد بحيث إذا نذر أن يصلي صلاة مع التوحيد فقد حصل البراء بما صلى أم لا (وإذا شك) في الستر وعلم انه لم يحضره في حال الصلاة سوى ثوب أبيض فبقاعدة الفراغ هل يثبت انه قد لبس الثوب الأبيض بحيث إذا نذر أن يصلي صلاة في الثوب الأبيض فقد حصل البرء بما صلى أم لا.

٢٩٢

(أقول)

أما كونهما أمارتين أو أصلين عمليين فالظاهر انهما أمارتان وذلك لما عرفت منا غير مرة من أن الأمارة عبارة عما له كشف وحكاية عن الواقع والتجاوز والفراغ مما لا يخلو ان عن ذلك (ويؤيده) بل يدل عليه قوله عليه‌السلام في اخبار التجاوز قد ركع أو قد ركعت امضه وفي أخبار الفرغ هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك أو كان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك (واما كون مثبتاتهما حجة أم لا) فالظاهر عدم حجيتها إذ لا ملازمة بين أمارية شيء وبين حجية مثبتاته كما عرفت ذلك في الاستصحاب حيث انه اخترنا أماريته ولم نقل بحجية مثبتاته (والسرّ) في ذلك ان المدار في القول بالمثبتات على استفادة ذلك من دليل اعتبار الأمارة ولا يكاد يستفاد ذلك من دليل التجاوز والفراغ أصلا سوى التعبد بإتيان ما شك في إتيانه أو بصحة ما شك في صحته من دون التعبد بأطرافه من لوازمه وملازماته وملزوماته ليترتب عليها آثارها (بل لا يبعد القول) بالتعبد بإتيان ما شك في إتيانه من حيث كونه جزءاً أو شرطاً للمأمور به لا من حيث هو هو (فإذا شك) في إتيان الفاتحة مثلا فلا يبني بقاعدة التجاوز إلا على وجودها وتحققها من حيث كونها جزءاً للصلاة لا من حيث هي هي بحيث لو نذر أن يقرأ الفاتحة في كل ساعة فقد حصل البراء بالنسبة إلى هذه الساعة (وهكذا إذا شك) في صحة الصلاة بعد الفراغ عنها من ناحية الطهور فلا يبني إلا على تحقق الطهارة من حيث كونها شرطاً للصلاة لا من حيث هي هي بحيث لو نذر أن يتطهر في كل ساعة فقد حصل البرء بالنسبة إلى هذه الساعة (بل قد عرفت) في الموضع السابع انه لا يمكن الاكتفاء بها من حيث كونها شرطاً للصلاة أيضاً الا لخصوص ما أتى به من الصلوات لا للصلوات الآتية.

٢٩٣

هل يجري التجاوز والفراغ عند احتمال

الترك عمداً

(الموضع العاشر) هل التجاوز والفراغ كما يجريان عند احتمال الترك سهواً فكذلك يجريان عند احتمال الترك عمداً أم لا (الظاهر عدم الجريان) وذلك لانصراف أخبار الباب جميعاً إلى صورة احتمال الغفلة والنسيان لا إلى احتمال العمد والعصيان (مضافاً) إلى ما تقدم في بعض أخبار الفراغ من التعليل بالأذكرية فإنها مما ينفي الغفلة والنسيان ولا يكاد ينفي العمد والعصيان (هذا ولكن يظهر من الشيخ) أعلى الله مقامه الجريان (قال) في الموضع السابع (ما لفظه) نعم لا فرق بين أن يكون المحتمل ترك الجزء نسياناً أو تركه تعمداً والتعليل المذكور يعني به قوله عليه‌السلام هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك بضميمة الكبرى المتقدمة يعني بها قوله المتقدم فإذا كان أذكر فلا يترك ما يعتبر في صحة عمله الّذي يراد به براءة ذمته لأن الترك سهواً خلاف فرض الذكور عمداً خلاف إرادة الإبراء ... إلخ يدل على نفي الاحتمالين (انتهى) يعني بهما السهو والعمد جميعاً (ولكن ذلك مما لا يخلو عن مسامحة) فإن الّذي يترتب على الأذكرية أنه إذا كان أذكر فلا يترك ما يعتبر في صحة عمله سهواً وأما عدم تركه عمداً فلا يكاد يترتب عليها إذ كون المكلف مريداً لإبراء ذمته فلا يترك عمدا هو أمر آخر لا ربط له بقاعدة التجاوز والفراغ كما لا يخفى (اللهم) إلا إذا كان مقصد الشيخ هو مجرد نفي الاحتمالين هنا أحدها للتعليل المتقدم والآخر لكون المكلف مريداً لإبراء ذمته لا نفي الاحتمالين لأجل التعليل المذكور (وعلى كل حال) يمكن التشبث لنفي احتمال الترك عمداً وعصياناً إذا احتمل ذلك بعد التجاوز عن المحل أو بعد الفراغ عن العمل بأصالة

٢٩٤

الصحة الجارية حتى في عمل نفس الشاك أيضاً كما أشير قبلا في الموضع الثالث وسيأتي تفصيلها قريباً مشروحا من غير اختصاص لها بعمل الغير فقط بالخصوص به دون غيره فانتظر لذلك يسيرا.

هل الفراغ يجري عند محفوظية صورة

العمل أم لا

(الموضع الحادي عشر) هل الفراغ كما يجري عند الشك في الصحة مع عدم محفوظية صورة العمل فكذلك يجري هو مع محفوظية صورة العمل أيضاً أم لا (فكما إذا شك) في أنه هل سجد على الأرض أو على المعدن أو صلى إلى القبلة أو إلى غيرها أو صلى فيما يؤكل لحمه أو فيما لا يؤكل لحمه أو أزال الحائل بتحريك الخاتم عند الغسل أم لم يزل (يبني على الصحة) في جمع هذه الصور كلها ولا يكاد يعتني بالشك في شيء منها أصلا (فكذلك إذا علم) انه قد سجد على هذا الشيء غفلة وشك بعد الصلاة في انه هل هو أرض أو معدن أو علم أنه قد صلى إلى هذه الجهة بلا التفات وشك بعد الصلاة في انها هل هي قبلة أم لا أو علم انه قد صلى في هذا الثوب بلا التفات أيضاً وشك بعد الصلاة في انه هل هو من المأكول أو من غير المأكول أو علم انه قد غفل عن تحريك الخاتم حين الغسل قطعا وشك بعد الغسل في انه هل هو مانع عن وصول الماء إلى البشرة أم لا (فهل يبني أيضاً) على الصحة في جميع هذه الصور كلها ولا يكاد يعتني بالشك في شيء منها أصلا كما في الصور السابقة عينا أم لا (الظاهر) أنه لا يبني على الصحة في شيء من هذه الصور أصلا وذلك للتعليل المتقدم في بعض أخبار الفراغ هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك فإن التعليل المذكور مما يعبدنا بالذكر في حين العمل وأنه لم يخل بشيء سهواً وهو

٢٩٥

إنما يجري مع عدم محفوظية صورة العمل بحيث يحتمل فيه الذّكر وأما مع محفوظية صورة العمل والقطع بالغفلة وعدم الالتفات في حين العمل أصلا فلا يكاد يجري فيه التعليل المذكور وان كان شاكاً فعلا في الصحة العمل لاحتمال مطابقته مع الواقع صدفة (ومن هنا يعرف) عدم جريان القاعدة إذا شك في الصحة لأجل احتمال وجود الحائل على البدن من خاتم ونحوه مع القطع بالغفلة عنه في حين العمل.

(نعم يجري) حينئذ أصالة عدم الحائل وهي وان كانت بالنسبة إلى وصول الماء إلى البشرة مثبتة ولكن الواسطة خفية فلا بأس بها مضافاً إلى ما ادعى من السيرة والإجماع عليها وقد تقدم تفصيل الكلام فيها في التنبيه السابع من تنبيهات الاستصحاب فراجع.

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد أشار إلى أكثر ما تقدم هاهنا بنحو الاختصار (قال ما لفظه) الموضع السابع الظاهر ان المراد بالشك في موضوع هذا الأصل هو الشك الطاري بسبب الغفلة عن صورة العمل فلو علم كيفية غسل اليد وإنه كان بارتماسها في الماء لكن شك في أن ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا ففي الحكم بعدم الالتفات يعني إلى الشك وجهان من إطلاق بعض الأخبار ومن التعليل بقوله عليه‌السلام هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك فإن التعليل يدل على تخصيص الحكم بمورده مع عموم السؤال فيدل على نفيه عن غير مورد العلة (إلى ان قال) ولو كان الشك من جهة احتمال وجود الحائل على البدن ففي شمول الاخبار له الوجهان نعم قد يجري هنا أصالة عدم الحائل فيحكم بعدمه حتى لو لم يفرغ عن الوضوء بل لم يشرع في غسل موضع احتمال الحائل لكنه من الأصول المثبتة وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في بعض الأمور المتقدمة (انتهى) كلامه رفع مقامه (هذا تمام الكلام) في قاعدتي التجاوز والفراغ جميعاً.

٢٩٦

في أصالة الصحة وبيان مدركها

(واما أصالة الصحة) فيقع الكلام فيها أيضاً في مواضع عديدة.

(الموضع الأول) في بيان مدركها فنقول قد استدل عليها الشيخ أعلى الله مقامه بالأدلة الأربعة بعد ما قال انها في الجملة من الأصول المجمع عليها فتوى وعملا بين المسلمين (قال) أما الكتاب فمنه آيات.

(منها) قوله تعالى وقولوا للناس حسناً بناء على تفسيره بما عن الكافي من قوله عليه‌السلام لا تقولوا إلا خيراً حتى تعملوا ما هو (قال) ولعل مبناه على إرادة الظن والاعتقاد من القول.

(ثم قال ومنها) قوله تعالى اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن إثم فإن ظن السوء إثم وإلّا لم يكن شيء من الظن إثما.

(ثم قال ومنها) قوله تعالى أوفوا بالعقود بناء على أن الخارج من عمومه ليس إلّا ما علم فساده لأنه المتيقن (قال) وكذا قوله تعالى إلا ان تكون تجارة عن تراض (ثم قال) والاستدلال به يظهر من المحقق الثاني حيث تمسك في مسألة بيع الرهن مدعياً لسبق إذن المرتهن وأنكر المرتهن السبق ان الأصل صحة البيع ولزومه ووجوب الوفاء بالعقد (قال) لكن لا يخفى ما فيه من الضعف (إلى ان قال) واما السنة.

(فمنها) ما عن الكافي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ضع امر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير سبيلا.

(قال ومنها) قول الصادق عليه‌السلام لمحمد بن الفضل يا محمد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة انه قال وقال لم أقل فصدقه وكذبهم.

٢٩٧

(قال ومنها) ما ورد مستفيضاً ان المؤمن لا يتهم أخاه وأنه إذا اتهم أخاه انماث الإيمان في قبله كانمياث الملح في الماء وان من اتهم أخاه فلا حرمة بينهما وأن من اتهم أخاه فهو ملعون ملعون (ثم قال) إلى غير ذلك من الأخبار المشتملة على هذه المضامين أو ما يقرب منها (إلى ان قال) الثالث الإجماع القولي والعملي أما القولي فهو مستفاد من تتبع فتاوى الفقهاء في موارد كثيرة (إلى ان قال) وأما العملي فلا يخفى على أحد ان سيرة المسلمين في جميع الأعصار على حمل الأعمال على الصحيح وترتيب آثار الصحة في عباداتهم ومعاملاتهم ولا أظن أحداً ينكر ذلك الا مكابرة (ثم قال) الرابع العقل المستقل الحاكم بأنه لو لم يبن علي هذا الأصل لزم اختلال نظام المعاد والمعاش (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

الظاهر ان لأصالة الصحة معنيين.

(أحدهما) ان فعل الغير إذا دار امره بين الصدور على الوجه الحسن الجائز وبين الصدور على الوجه القبيح المحرم فيحمل على الوجه الحسن الجائز دون القبيح المحرم فإذا سمع من الغير كلاماً لم يعلم أنه سلم عليه أو شتمه وجب عليه حمله على انه سلّم عليه ولم يشتمه وإذا رأي الغير قد أفطر في شهر رمضان ولم يعلم ان ذلك كان عصياناً منه أو انه كان لعذر شرعي من مرض ونحوه وجب عليه حمله على انه كان لعذر شرعي لا للعصيان والفسوق وهكذا.

(ثانيهما) ان فعل الغير المركب من أجزاء وشرائط سواء كان عبادة أو معاملة إذا دار امره بين الصحيح التام الواجد لتمام الاجزاء والشرائط وبين الفاسد الفاقد لبعض الاجزاء والشرائط فيحمل على الصحيح التام الواجد دون الفاسد الناقص (والظاهر) ان الآيتين الأوليين والروايات المذكورة كلها هما أجنبيتان عن أصالة الصحة بالمعنى الثاني رأساً (ولعل) من هنا قد ضعف الشيخ أعلى الله مقامه دلالة الآيتين صريحاً بل وضعف دلالة الروايات أيضاً (فقال) بعد نقلها

٢٩٨

بأجمعها (ما لفظه) هذا ولكن الإنصاف عدم دلالة هذه الاخبار الا على انه لا بد من ان يحمل ما يصدر من الفاعل على الوجه الحسن عند الفاعل ولا يحمله على الوجه القبيح عنده وهذا غير ما نحن بصدده فإنه إذا فرض دوران العقد الصادر منه بين كونه صحيحا أو فاسداً لا على وجه قبيح بل فرضنا الأمرين في حقه مباحاً كبيع الراهن بعد رجوع المرتهن عن الإذن واقعاً أو قبله فإن الحكم بأصالة عدم ترتب الأثر على البيع مثلا مما لا يوجب خروجاً عن الاخبار المتقدمة الآمرة بحسن الظن بالمؤمن في المقام خصوصاً إذا كان المشكوك فعل غير المؤمن أو فعل المؤمن الّذي يعتقد بصحة ما هو الفاسد عند الحامل (انتهى).

(وكيف كان) لا شبهة في ان لأصالة الصحة معنيين قد أشير إليهما آنفاً ولا ربط لأحدهما بالآخر أصلا.

(ويدل على الأول) من الآيات (قوله تعالى) اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن إثم بالتقريب المتقدم من الشيخ أعلى الله مقامه (واما قوله تعالى) وقولوا للناس حسناً فدلالتها غير واضحة وإرادة الظن والاعتقاد من القول لهم غير معلوم وتفسيره بما تقدم عن الكافي من قوله عليه‌السلام لا تقولوا إلا خيراً حتى تعلموا ما هو مما لا يدل على إرادة غير القول منه (وقد ذكر الطبرسي) رحمة الله في تفسيره انه روى جابر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى قولوا للناس حسنا قال قولوا للناس أحسن ما تحبون ان يقال لكم فإن الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين الفاحش المتفحش السائل الملحف ويحب الحليم العفيف المتعفف (انتهى).

(واما الآية الثالثة والرابعة) فهما أجنبيتان عن أصل الصحة بالمعنى الأول بلا شبهة.

(نعم الظاهر) من الاخبار بأجمعها انها من أدلة أصل الصحة بالمعنى الأول

(وأما أصل الصحة بالمعنى الثاني) فالدليل الوحيد عليه هو سيرة المسلمين

٢٩٩

قاطبة في جميع الأعصار والأمصار على حمل فعل الغير على الصحيح التام كما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه (وأما الآيتان الأخيرتان) فالتمسك بهما لأجله مشكل جداً فإن الخارج منهما هو العقد الفاسد واقعاً لا ما علم فساده فإن العمل مما لا مدخل له هنا (وعليه) فإذا شك في فساد عقد الغير وعدمه فالتمسك لصحته بعموم الآيتين تمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية للخاص وقد منعناه كما عرفت التفصيل في محله (وأما إجماع العلماء قولا) فالتمسك به أيضاً مشكل لجواز كون المدرك له هو سيرة المسلمين قاطبة (واما حكم العقل) بأنه لو لم يبن علي هذا الأصل لزم اختلال نظام المعاد والمعاش فهو في الجملة وان كان حقاً ولكن لا بد على هذا من الاقتصار على مقدار دفع الاختلال فقط لا أكثر.

(وبالجملة) إن الدليل الصحيح لأصل الصحة بالمعنى الثاني مما ينحصر هو بسيرة المسلمين فقط في جميع الأعصار والأمصار خلفاً عن سلف وجيلا بعد جيل على حمل فعل الغير على الصحيح التام عبادة كان أو معاملة وهو مما يكفي في استكشاف رأي الإمام عليه‌السلام وإمضائه لها.

(ثم إن) مجري أصالة الصحة بالمعنى الأول هو خصوص فعل المسلم كما يظهر من الاخبار المتقدمة مثل قوله عليه‌السلام ضع امر أخيك على أحسنه ... إلخ أو كذّب سمعك وبصرك عن أخيك ... إلخ أو ان المؤمن لا يتهم أخاه ... إلخ.

(واما مجري أصالة الصحة بالمعنى الثاني) فالظاهر انه هو فعل الغير مطلقاً سواء كان مسلما أو كافراً فإذا صدر من الكافر فعلا مركباً من اجزاء وشرائط أو صنع شيئاً خارجياً مركباً من اجزاء وشرائط كمعجون أو غيره وشك وفي صحته وفساده أي في تماميته ونقصانه فيبني على صحته وتماميته لا على فساده ونقصانه (بل الظاهر) ان أصل الصحة بالمعنى الثاني مما لا يختص بفعل الغير فقط بل يجري في فعل نفس الشاك أيضاً فإذا شك في صحة عباداته المتقدمة أو معاملاته المتقدمة فيبني على صحتها وتماميتها وذلك للسيرة العقلائية الجارية في فعل النّفس وفي فعل

٣٠٠