عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٢٠

وحدة القضيتين المتيقنة والمشكوكة موضوعاً وهذا كما في استصحاب وجود الليل أو النهار أو نبع الماء أو سيلان الدم ونحو ذلك فإن الجزء من الليل أو النهار أو الماء أو الدم الّذي تيقنا بوجوده وتحققه أو بنبعه وسيلانه في السابق لم يبق فعلا والجزاء الّذي نشك فعلا في وجوده وتحققه أو في نبعه وسيلانه لم نتيقن به في السابق فاختلف الموضوع أي معروض المستصحب (وإما من ناحية تبدل المحمول) أي عدم وحدة القضيتين محمولا وهذا كما في استصحاب التكلم والكتابة والمشي ونحو ذلك بل والزمان بناء على كونه هو حركة الشمس كما أن الأول هو حركة اللسان على نحو خاص والثاني هو حركة اليد على نحو خاص والثالث هو حركة الرجلين على نحو خاص فان الحركة التي تيقنا بها في السابق لم تبق فعلا والحركة التي شككنا فعلا في بقائها لم نتيقن بها في السابق فاختلف المحمول أي نفس المستصحب وقد أشير قبلا مرارا ويأتي بعدا مفصلا ان وحدة القضيتين أي المتيقنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا هي مما لا بد منه في الاستصحاب وإلّا لم يكن الشك في البقاء ولا رفع اليد عن اليقين في مورد الشك نقضا لليقين بالشك وهذا واضح ظاهر لا غبار عليه هذا كله حاصل الإشكال (واما جواب الشيخ أعلى الله مقامه) عن الإشكال ان مجموع أجزاء الليل أو النهار أو الماء أو الدم أو حركات اللسان أو اليد أو الرجلين في نظر العرف يعد أمرا واحدا مستمرا فيتحد الموضوع أو المحمول عرفا ويصدق الشك في البقاء ويكون رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقضاً لليقين بالشك فيجري الاستصحاب قهراً (وقد أخذ المصنف) هذا الجواب من الشيخ وعبّر عنه بلفظ آخر (فقال ما حاصله) إن الأمر التدريجي ما لم يتخلل بين أجزائه العدم أو تخلل بما لا يخل بالاتصال العرفي هو امر واحد مستمر عرفا بحيث إذا شك في بقائه صدق الشك في بقاء ما كان وإذا رفع اليد عن اليقين في محل الشك صدق نقض اليقين بالشك ولا يعتبر في الاستصحاب حسب تعريفه واخبار الباب كما تقدم في التنبيه السابق غير هذين الأمرين أي صدق الشك في البقاء عرفا وصدق نقض اليقين بالشك كذلك أي عرفا.

١٤١

(قوله كانت باقية مطلقاً أو عرفا ... إلخ) أي كانت الأمور الغير القارة باقية حقيقة وعرفا فيما لم يتخلل في البين العدم أو كانت باقية عرفا فيما تخلل بما لا يخل بالاتصال عرفا وإن انفصل حقيقة.

(قوله هذا مع أن الانصرام والتدرج في الوجود في الحركة في الأين وغيره انما هو في الحركة القطعية وهي كون الشيء في كل آن في حد أو مكان لا التوسطية وهي كونه بين المبدأ والمنتهى ... إلخ)

هذا تصحيح آخر من المصنف لجريان الاستصحاب في الأمور التدريجية من الزمان والزماني الّذي لا استقرار لوجوده إذا كان الشك في بقائها من جهة الشك في انتهاء الحركة التوسطية ووصولها إلى المنتهى (وتوضيح المقام) مما يقتضي ذكر مقدمتين.

(الأولى) أن الحركة مما يتوقف على أمور ستة.

(الأول) و (الثاني) ما منه الحركة وما إليه الحركة وهما المبدأ والمنتهى.

(الثالث) ما به الحركة وهو السبب والعلة الفاعلية لوجودها.

(الرابع) ما له الحركة وهو الجسم المتحرك الثابت له الحركة.

(الخامس) ما فيه الحركة وهي المقولة التي تكون حركة الجسم في تلك المقولة.

(السادس) الزمان الّذي يقع فيه الحركة (ثم إن) المقولة التي تكون حركة الجسم في تلك المقولة هي أربعة (الكم) (والكيف) (والأين) (والوضع) فحركة الجسم في الكم هي كالأجسام النامية إذا أخذت في النموّ أو الذبول وحركته في الكيف هي كالماء البارد إذا صار حارا أو ورق الشجر الأخضر إذا صار أصفر وهكذا وحركته في الأين هي انتقال الشيء من مكان إلى مكان وحركته في الوضع هي كالقائم إذا صار قاعدا أو القاعد إذا صار نائما وهكذا والحركة في الوضع مما تستلزم الحركة في الأين كما صرح به العلامة أعلى الله مقامه.

١٤٢

(الثانية) ان الحركة كما نبه عليها المصنف على قسمين (قطعية) وهي كون الشيء في كل آن في حد أو مكان (وتوسطية) وهي كون الشيء بين المبدأ والمنتهى فإذا خرج زيد ماشيا من البصرة إلى الكوفة فكونه في كل آن في مكان هي حركته القطعية وكونه بين البصرة والكوفة هي حركته التوسطية (فإذا عرفت) هاتين المقدمتين (فنقول) إن الانصرام والتدرج في الوجود شيئا فشيئا المانع عن الاستصحاب كما تقدم إما من ناحية تبدل الموضوع أو المحمول إنما هو في الحركة القطعية وهي كون الشيء في كل آن في حد أو مكان لا التوسطية وهي كونه بين المبدأ والمنتهى فإنه بهذا المعنى امر مستمر قار كما لا يخفى (وعليه) فلا مجال للإشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار فإن الليل عبارة عن كون الشمس تحت الأرض بين المغرب والمشرق والنهار عبارة عن كونها على وجه الأرض بين المشرق والمغرب فإذا شك في بقاء الليل أو النهار فمرجعه إلى الشك في وصول الشمس إلى المنتهى أو انه بعد في البين فيستصحب عدم وصولها إليه (وهكذا) الأمر في كل أمر تدريجي إذا كان الشك في بقائه من جهة الشك في انتهاء حركته التوسطية ووصوله إلى المنتهى أو انه بعد في البين فيستصحب عدم وصوله إليه وانه بعد في البين ففي مثال خروج زيد ماشيا من البصرة إلى الكوفة إذا شك في بقاء مشيه من جهة الشك في انتهاء حركته التوسطية ووصوله إلى الكوفة فيستصحب عدم وصوله إليها وانه بعد في البين.

(نعم) إذا شك في بقاء مشيه للشك في استعداده وقابليته للمشي إلى هذا الحد أو للشك في طرو مانع قد منعه عن المشي فهذا هو شك في حركته القطعية فيجري الإشكال المتقدم في استصحابه (ولكنك) قد عرفت دفعه بما لا مزيد عليه وان مجموع الحركات هو في نظر العرف امر واحد مستمر فلا مانع عن استصحابه أصلا.

١٤٣

(قوله وأما إذا كان الشك في كميته ومقداره ... إلخ)

هذا في قبال قوله إذا كان الشك في الأمر التدريجي من جهة الشك في انتهاء حركته ووصوله إلى المنتهى ... إلخ يعني به من جهة الشك في حركته التوسطية (وعليه) فقوله هذا يكون من جهة الشك في حركته القطعية ومن هنا يتوجه إليه انه لا وجه لتخصيص الشك في الأمر التدريجي من جهة حركته القطعية بما إذا كان الشك في الكمية والمقدار بل مهما شك فيه من هذه الجهة سواء كان للشك في الكمية والمقدار أو للشك في طرو المانع جرى الإشكال المتقدم من ناحية تبدل الموضوع أو المحمول كما ان الجواب المتقدم من كون مجموع الأجزاء في نظر العرف هو شيء واحد مستمر مما يجري في كليهما جميعاً من غير اختصاص بأحدهما خاصة فتأمل جيداً.

(قوله ثم إنه لا يخفى ان استصحاب بقاء الأمر التدريجي إما يكون من قبيل استصحاب الشخصي أو من قبيل استصحاب الكلي بأقسامه ... إلخ)

الظاهر انه تضعيف لما استظهره الشيخ أعلى الله مقامه من كون استصحاب الأمر التدريجي كالتكلم والكتابة والمشي ونبع الماء وسيلان الدم هو من قبيل القسم الأول من استصحاب الكلي.

(فيقول المصنف) إنه يمكن تصوير استصحاب الأمر التدريجي بتمام أنحاء الاستصحاب من الشخصي والكلي بأقسامه الثلاثة جميعاً.

(فإذا شك) مثلا في أن السورة المعينة التي شرع فيها كسورة الحمد ونحوها هل هي قد تمت أم هي باقية فيستصحب شخص تلك السورة ويكون من استصحاب الشخص ويستصحب أيضا الطبيعي الّذي كان متحققا في ضمنها ويكون من القسم الأول من استصحاب الكلي.

(وإذا شك) في بقاء السورة من جهة ترددها بين القصيرة والطويلة كالتوحيد والبقرة فيستصحب كلي السورة والمشترك بينهما ويكون من القسم الثاني من استصحاب الكلي.

١٤٤

(وإذا شك) في بقاء السورة من جهة الشك في شروعه في سورة أخرى بعد القطع بانقضاء السورة الأولى فاستصحاب كلي السورة حينئذ إذا قلنا به يكون من القسم الثالث من استصحاب الكلي.

في استصحاب المقيد بالزمان

(قوله واما الفعل المقيد بالزمان ... إلخ)

إشارة إلى القسم الثالث من الأقسام الثلاثة التي قد جعل الشيخ أعلى الله مقامه كلامه في هذا التنبيه في تحقيق حالها وهو المستقر الّذي يؤخذ الزمان قيدا له كالصوم المقيد بيوم الخميس أو الجلوس المقيد بيوم الجمعة وقد حكم بنحو البت بعدم جريان الاستصحاب فيه (فقال) وأما القسم الثالث وهو ما كان مقيدا بالزمان فينبغي القطع بعدم جريان الاستصحاب فيه (انتهى) (وقد أفاد) في وجهه ما محصله ان بعد انقضاء الزمان المقيد به الفعل لا يكاد الموضوع باقياً كي يستصحب حكمه (ثم ذكر) عن بعض معاصريه وقيل هو النراقي رحمه‌الله أنه تخيل في المقام جريان استصحاب الوجود والعدم جميعا فيتعارضان (قال أعلى الله مقامه) ومما ذكرنا يظهر فساد ما وقع لبعض المعاصرين من تخيل جريان استصحاب عدم الأمر الوجوديّ المتيقن سابقا ومعارضته مع استصحاب وجوده بزعم ان المتيقن وجود ذلك الأمر في القطعية الأولى من الزمان والأصل بقائه عند الشك على العدم الأزلي الّذي لم يعلم انقلابه إلى الوجود الا في القطعة السابقة من الزمان (قال) قال في تقريب ما ذكره من تعارض الاستصحابين انه إذا علم ان الشارع أمر بالجلوس يوم الجمعة وعلم انه واجب إلى الزوال ولم يعلم وجوبه فيما بعده فنقول كان عدم التكليف بالجلوس قبل يوم الجمعة وفيه إلى الزوال وبعده معلوما قبل ورود أمر الشارع وعلم بقاء ذلك العدم قبل يوم الجمعة وعلم ارتفاعه والتكليف بالجلوس فيه

١٤٥

قبل الزوال وصار بعده موضع الشك فهنا شك ويقينان وليس إبقاء حكم أحد اليقينين أولى من إبقاء حكم الآخر (انتهى) موضع الحاجة من كلام بعض معاصري الشيخ.

(ثم رد عليه الشيخ) أعلى الله مقامه بما حاصله ان الزمان إن كان قيداً للفعل له فلا مجال لاستصحاب الوجود لما أشير إليه من عدم بقاء الموضوع وإن كان ظرفاً له فلا مجال لاستصحاب العدم بعد ما انقلب العدم إلى الوجود والمفروض تسليم حكم الشارع بأن المتيقن في زمان لا بد من إبقائه فلا وجه لاعتبار العدم السابق (إلى ان قال ما لفظه) وملخص الكلام في دفعه ان الزمان ان أخذ ظرفاً للشيء فلا يجري الا استصحاب وجوده لأن العدم انتقض بالوجود المطلق وقد حكم عليه بالاستمرار بمقتضى أدلة الاستصحاب وإن أخذ قيداً له فلا يجري الا استصحاب العدم لأن انتقاض عدم الوجود المقيد لا يستلزم انتقاض المطلق والأصل عدم الانتقاض كما إذا ثبت وجوب صوم يوم الجمعة ولم يثبت غيره (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

وبعيد جداً عن النراقي رحمه‌الله أنه في صورة كون الزمان قيداً للفعل يلتزم بجريان استصحاب الوجود ومعارضته مع استصحاب العدم ولا يتفطن أن الموضوع في صورة التقييد يتعدد فلا يستصحب الوجود (بل الظاهر) أن مراده من جريان الاستصحابين هو في صورة كون الزمان ظرفاً للفعل فيلتزم بجريان استصحاب الوجود لعدم تعدد الموضوع ويلتزم بجريان استصحاب العدم نظرا إلى تقطع العدم السابق في نظره إلى أعدام متعددة فعدم التكليف قبل يوم الجمعة في مثاله المذكور باق على حاله وعدمه في يوم الجمعة إلى الزوال قد ارتفع وعدمه في يوم الجمعة بعد الزوال مشكوك البقاء فيستصحب ويعارض باستصحاب الوجود (فيرد عليه) حينئذ أن العدم السابق مما لا يتقطع بل هو أمر واحد عرفا فإذا انقلب العدم إلى

١٤٦

الوجود ولو في الجملة انقطع استصحاب العدم.

(نعم) إذا كان الزمان قيداً للفعل فيتعدد الفعل حينئذ ويتعدد العدم أيضاً بتعدد الفعل فإذا لم يستصحب الوجود بعد انقضاء الزمان لتعدد الموضوع استصحب العدم لا محالة لتعدده.

(وبالجملة) ان الزمان إن كان قيدا للفعل فيتعدد الفعل ويتعدد العدم أيضا فبعد انقضاء الزمان لا يستصحب الوجود بل يستصحب العدم وان كان ظرفا له فالفعل واحد وعدمه أيضا واحد فبعد انقضاء الزمان يستصحب الوجود ولا يستصحب العدم (هذا كله من أمر الشيخ) وبعض معاصريه وما لنا من التحقيق في المقام بنحو الاختصار.

(واما المصنف) فحاصل كلامه ان الفعل المقيد بالزمان

(تارة) يقع الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء الزمان.

(وأخرى) يقع الشك في حكمه مع القطع بارتفاع الزمان.

(والثاني) على قسمين.

(فتارة) يكون الزمان مأخوذا في الدليل ظرفاً للحكم.

(وأخرى) يكون مأخوذا قيدا لمتعلق الحكم أي الفعل وقد عبّر عنه المصنف بموضوع الحكم.

(والثاني) أيضا على قسمين.

(فتارة) يعلم ان الزمان قيد للفعل بنحو وحدة المطلوب بمعنى كون القيد قيداً لأصل المطلوب.

(وأخرى) يحتمل كون الزمان قيدا للفعل بنحو تعدد المطلوب بمعنى كون القيد قيداً لتمام المطلوب لا لأصله فهذه أقسام أربعة.

(واما القسم الأول) وهو ما إذا شك في حكم المقيد بالزمان من جهة الشك في بقاء الزمان (فقد حكم) فيه باستصحاب الزمان وترتيب الأثر عليه فإذا شك

١٤٧

مثلا في وجوب صوم يوم الخميس لأجل الشك في بقاء نهار الخميس فيستصحب النهار ويترتب عليه حكمه من وجوب الصوم والإمساك وحرمة استعمال المفطرات ما لم يعلم بدخول الليل بل ويجوز استصحاب كون الإمساك قبل هذا الآن في النهار بنحو مفاد كان الناقصة فالآن كما كان (وقد أشار) إلى هذا القسم الأول بقوله فتارة يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده ... إلخ.

(واما القسم الثاني) وهو ما إذا شك في الحكم مع القطع بارتفاع الزمان والزمان ظرف للحكم كما إذا قال مثلا إن في يوم الجمعة يجب عليك الجلوس فشك في وجوب الجلوس في يوم السبت (فقد حكم) فيه باستصحاب الحكم (والسر فيه) هو عدم تعدد الموضوع عرفاً فإن الجلوس كان واجبا في يوم الجمعة فالآن كذلك بالاستصحاب (وقد أشار) إلى هذا القسم الثاني بقوله وان كان من الجهة الأخرى فلا مجال إلا لاستصحاب الحكم في خصوص ما لم يؤخذ الزمان فيه إلا ظرفا لثبوته إلى آخره (ثم لا يخفى) ان هذا القسم الثاني هو خارج لدى الحقيقة موضوعا من مقسم المصنف فإن المقسم في كلامه الشريف هو الفعل المقيد بالزمان والزمان إذا أخذ ظرفاً للحكم لا يكاد يكون الفعل مقيداً بالزمان وهذا واضح ظاهر.

(واما القسم الثالث) وهو ما إذا شك في الحكم مع القطع بارتفاع الزمان والزمان قيد لمتعلق الحكم كما إذا قال مثلا يجب عليك جلوس يوم الجمعة فشك في وجوب جلوس يوم السبت (فقد حكم) فيه باستصحاب العدم دون الوجود نظرا إلى تعدد الموضوع حينئذ فان المتيقن هو وجوب جلوس يوم الجمعة والمشكوك هو وجوب جلوس يوم السبت فلا يكون الشك في بقاء ما كان بل في ثبوت أمر جديد (وقد أشار) إلى هذا القسم الثالث بقوله لا قيداً مقوما لموضوعه وإلا فلا مجال إلا لاستصحاب عدمه فيما بعد ذاك الزمان ... إلخ (ثم إن المصنف) لم يصرح في هذا القسم بما إذا علم كون الزمان قيداً للفعل بنحو وحدة المطلوب لكن بقرينة ما سيأتي منه في القسم الرابع من التصريح باحتمال التعدد المطلوبي يعرف ان مفروض

١٤٨

كلامه في هذا القسم الثالث هو ما إذا علم وحدة المطلوب.

(واما القسم الرابع) وهو ما إذا شك في الحكم مع القطع بارتفاع الزمان والزمان قيد لمتعلق الحكم مع احتمال كونه بنحو تعدد المطلوب (فقد حكم) فيه باستصحاب الحكم كما في القسم الثاني عينا بدعوى عدم تعدد الموضوع عرفاً وحكم أيضا بكونه من قبيل ما إذا شك في بقاء المرتبة الضعيفة بعد القطع بارتفاع المرتبة الشديدة فيما إذا رأي العرف الحادث المشكوك على تقدير حدوثه مع المتيقن السابق امرا واحدا مستمرا كما في السواد الضعيف والشديد لا مباينا كما في الاستحباب والوجوب على ما تقدم تفصيله في التنبيه السابق ففي المقام نشك في بقاء المرتبة الضعيفة من الطلب الوجوبيّ بعد القطع بارتفاع المرتبة الشديدة منه بسبب ارتفاع الزمان المأخوذ قيداً للفعل فيستصحب الطلب الوجوبيّ (وقد أشار) إلى هذا القسم الرابع بقوله في الآخر نعم لا يبعد ان يكون بحسبه أيضا متحدا فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه من جهة الشك في انه بنحو التعدد المطلوبي ... إلخ.

(أقول)

إن استصحاب الحكم في القسم الرابع مشكل جدا إذا المفروض كون الزمان قيدا للفعل ومعه يتعدد الموضوع عرفاً فلا يكون الشك بعد انقضاء الزمان شكا في بقاء ما كان بل في حدوث أمر جديد ومجرد احتمال كونه بنحو التعدد المطلوبي مما لا يوجب اتحاد الموضوع في نظر العرف كما لا يخفى.

(قوله فتارة يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده ... إلخ)

إشارة إلى القسم الأول من الأقسام الأربعة المتقدمة كما أشير آنفا.

(قوله كما إذا احتمل أن يكون التعبد به إنما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله ... إلخ)

بيان لتصوير الشك في حكم الفعل المقيد بالزمان مع القطع بانتفاء الزمان فأشار إلى

١٤٩

القسم الرابع من الأقسام الأربعة المتقدمة الّذي فيه احتمال كون الزمان بنحو التعدد المطلوبي (ومن هنا) يتضح لك ان الشك في حكم الفعل المقيد بالزمان بعد القطع بانتفاء الزمان وفرض كون الزمان قيدا للفعل بنحو وحدة المطلوب مما لا يكاد يتصور فلا يسلم لدى النتيجة من الأقسام الأربعة المتقدمة للمصنف الا الأول والرابع وأما الثاني فهو خارج موضوعا لما عرفت والثالث مما لا يتصور أصلا فتأمل جيداً ،

(قوله فتأمل ... إلخ)

ولعله إشارة إلى ضعف استصحاب كون الإمساك قبل هذا الآن في النهار والآن كما كان فإن الآن الّذي كان الإمساك فيه في النهار هو غير هذا الآن الّذي أريد استصحاب كون الإمساك فيه أيضاً في النهار فتبدل قيد الموضوع (ولو قيل) ان مجموع الآنات هو في نظر العرف أمر واحد مستمر وبه صححنا الاستصحاب في الأمر التدريجي (قلنا) نعم ان مجموع آنات النهار هو في نظر العرف أمر واحد مستمر وبه صح استصحاب النهار ولكن كونه هذا الآن الّذي نحن فيه فعلا هو من آنات النهار ليكون هو مع الآنات السابقة أمرا واحدا مستمرا عرفا غير معلوم وذلك لاحتمال كونه من آنات الليل فتأمل جيدا.

(قوله وان كان من جهة الأخرى فلا مجال الا لاستصحاب الحكم في خصوص ما لم يؤخذ الزمان فيه الا ظرفا لثبوته ... إلخ)

إشارة إلى القسم الثاني من الأقسام الأربعة المتقدمة كما أشير قبلا.

(قوله لا قيدا مقوما لموضوعه وإلّا فلا مجال إلا لاستصحاب عدمه فيما بعد ذاك الزمان ... إلخ)

إشارة إلى القسم الثالث من الأقسام الأربعة المتقدمة كما ذكر آنفا.

(قوله لا يقال ان الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع وان أخذ ظرفا لثبوت الحكم في دليله ... إلخ)

إشكال على حكمه باستصحاب الحكم في القسم الثاني وهو ما إذا كان الزمان ظرفاً

١٥٠

للحكم (وحاصله) ان الزمان وإن أخذ في لسان الدليل ظرفاً للحكم ولكنه مما له دخل في أصل المناط قطعاً وإلّا فلا وجه لأخذه ظرفا له ومع دخله كذلك لا محالة يكون هو من قيود الموضوع فإذا تخلف فلا يبقى مجال للاستصحاب (وحاصل الجواب) ان الزمان وإن كان لا محالة من قيود الموضوع ولكنه ليس من القيود المقومة له بنظر العرف على وجه إذا تخلف لم يصدق عرفا بقاء الموضوع بل من الحالات المتبادلة له والمعتبر كما مر مرارا وسيأتي شرحه في تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى هو بقاء الموضوع في نظر العرف لا في نظر العقل.

(قوله لا يقال فاستصحاب كل واحد من الثبوت والعدم يجري لثبوت كلا النظرين ويقع التعارض بين الاستصحابين كما قيل ... إلخ)

هذا إشكال آخر على حكمه باستصحاب الحكم في القسم الثاني (وحاصله) ان بناء على اتباع نظر العرف في بقاء الموضوع يجري في المقام استصحاب كل واحد من الثبوت والعدم جميعاً (اما الثبوت) فلوحدة الموضوع في نظر العرف (واما العدم) فلتعدد الموضوع في نظر العقل فيتعارضان الاستصحابان كما تقدم من بعض معاصري الشيخ أعلى الله مقامه (وحاصل الجواب) انه ليس في دليل الاستصحاب ما بمفهومه يعم النظرين أي نظر العرف والعقل جميعا ويجري الاستصحابان ويتعارضان معاً بل لا بد ان يكون الدليل إما مسوقا بنظر العرف أو بنظر العقل وقد تقدم ويأتي في تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى ان المستفاد من أخبار الباب هو اتباع نظر العرف فقط وحيث ان الموضوع هنا في نظر العرف واحد فيجري استصحاب الثبوت قهرا دون استصحاب العدم.

(قوله نعم لا يبعد أن يكون بحسبه أيضا متحداً فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه من جهة الشك في انه بنحو التعدد المطلوبي ... إلخ)

إشارة إلى القسم الرابع من الأقسام الأربعة المتقدمة كما ذكرنا قبلا.

١٥١

إزاحة وهم

(قوله إزاحة وهم ... إلخ)

الوهم من النراقي رحمه‌الله (وحاصله) ان استصحابي الوجود والعدم كما يجريان في مثل ما إذا امر الشارع بالجلوس يوم الجمعة وعلم انه واجب إلى الزوال ولم يعلم وجوبه فيما بعده على التقريب المتقدم في كلامه فكذلك بجريان في مثل وجوب الصوم إذا عرض مرض يشك في بقاء وجوب الصوم معه وفي مثل الطهارة إذا حصل الشك فيها لأجل المذي وفي مثل طهارة الثوب النجس إذا غسل مرة فيتعارضان الاستصحابان جميعاً ويرجع إلى استصحاب آخر حاكم على استصحاب العدم وهو استصحاب عدم رافعية الموجود (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن نقل عبارة النراقي في مثال الأمر بالجلوس يوم الجمعة وقد اعتبر عنه ببعض المعاصرين كما تقدم (ما لفظه) ثم أجرى يعني النراقي ما ذكره من تعارض استصحابي الوجوب والعدم في مثل وجوب الصوم إذا عرض مرض يشك في بقاء وجوب الصوم معه وفي الطهارة إذا حصل الشك فيها لأجل المذي وفي طهارة الثوب النجس إذا غسل مرة فحكم.

(في الأول) بتعارض استصحاب وجوب الصوم قبل عروض الحمى واستصحاب عدمه الأصلي قبل وجوب الصوم.

(وفي الثاني) بتعارض استصحاب الطهارة قبل المذي واستصحاب عدم جعل الشارع للوضوء سبباً للطهارة بعد المذي.

(وفي الثالث) حكم بتعارض استصحاب النجاسة قبل الغسل واستصحاب عدم كون ملاقاة البول سببا للنجاسة بعد الغسل مرة فيتساقط الاستصحابان في هذه الصور إلّا أن يرجع إلى استصحاب آخر حاكم على استصحاب العدم وهو عدم

١٥٢

الرافع وعدم جعل الشارع مشكوك الرافعية رافعاً (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ثم رد عليه الشيخ) بأمرين.

(الأول) ما ملخصه ان الشك في الأمثلة المذكورة كلها شك في الرافع يعني بالمعنى الأعم الشامل للشك في رافعية الموجود وليس الشك فيها شكا في المقتضي وذلك لما نعلم من ان الشارع جعل الوضوء سببا تاما للطهارة وملاقاة البول سببا تاما للنجاسة لا قصور في سببيتهما أصلا وإنما يقع الشك في رافعية المذي للطهارة أو الغسل مرة لنجاسة البول فليس الشك في مقدار سببية السبب وتأثير المؤثر كي يستصحب عدم جعل الشارع الوضوء سببا للطهارة بعد المذي وعدم كون ملاقاة البول سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ويعارض استصحاب الطهارة من قبل المذي واستصحاب النجاسة من قبل الغسل مرة.

(الثاني) ما ملخصه أيضا انه لو سلم جريان استصحاب العدم من الأزل ومعارضته مع استصحاب الوجود فليس استصحاب عدم جعل الشارع مشكوك الرافعية رافعاً حاكما على استصحاب عدم جعل الشارع الوضوء سببا للطهارة بعد المذي بل مرجع الشك فيهما إلى شيء واحد وهو أن المجعول في حق المكلف بعد المذي هل هو الحدث أو الطهارة.

(نعم) إذا شك في الطهارة من جهة الشك في وجود الرافع لا في رافعية الموجود فاستصحاب عدم الرافع حاكم على استصحاب عدم الطهارة من الأزل لأن الشك في وجود الطهارة وعدمها فعلا مسبب عن الشك في وجود الرافع فإذا عبدنا الشارع بعدم الرافع فقد علمنا بوجود الطهارة فعلا وانقلاب العدم الأزلي إلى الوجود هذا كله حاصل جوابي الشيخ عن وهم النراقي.

(وأما ما أجاب به المصنف) فهو عين الجواب الأول للشيخ من كون الشك في الأمثلة المذكورة كلها شكا في الرافع لا في المقتضي أي لا في مقدار تأثير السبب (وعليه) فلا مجال لأصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي ولا

١٥٣

لأصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ولا يكون هاهنا أصل إلّا أصالة الطهارة أو النجاسة يعني بها استصحاب الطهارة من قبل المذي أو استصحاب النجاسة من قبل الغسل مرة.

(قوله ان الطهارة الحدثية أو الخبثية ... إلخ)

مقصوده من الطهارة الحدثية هو الإشارة إلى المثال الثاني للنراقي وهو الشك في الطهارة بعد المذي ومن الطهارة الخبثية هو الإشارة إلى المثال الثالث للنراقي وهو الشك في طهارة الثوب النجس إذا غسل مرة وليس في كلام المصنف من المثال الأول وهو الشك في وجوب الصوم بعد عروض الحمى عين ولا أثر.

(قوله كانت من الأمور الخارجية أو الأمور الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية ... إلخ)

إشارة إلى تفصيل فصله النراقي رحمه‌الله في المقام (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن نقل ما أفاده النراقي من تعارض استصحابي الوجود والعدم في مثال الشك في وجوب الصوم بعد عروض الحمى أو في الطهارة بعد خروج المذي أو في طهارة الثوب النجس بعد الغسل مرة (ما لفظه) ثم قال أي النراقي هذا في الأمور الشرعية وأما الأمور الخارجية كاليوم والليل والحياة والرطوبة والجفاف ونحوهما مما لا دخل لجعل الشارع في وجودها فاستصحاب الوجود فيها حجة بلا معارض لعدم تحقق استصحاب حال عقل معارض باستصحاب وجودها (انتهى).

(فيقول المصنف) إن الطهارة الحدثية أو الخبثية وهكذا ما يقابلها من الحدث أو الخبث تكون هي مما إذا وجدت بأسبابها لا يكاد يشك في بقائها الا من قبل الشك في الرافع لها لا من قبل الشك في مقدار تأثير أسبابها ليكون الشك فيها شكا في المقتضي وهذا من غير فرق بين كونها من الأمور الخارجية بمعنى كونها من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع أو كانت هي من الأمور الاعتبارية التي اعتبرها الشارع وكانت لها آثار تكليفية.

١٥٤

في الاستصحاب التعليقي

(قوله الخامس انه كما لا إشكال فيما إذا كان المتيقن حكما فعليا مطلقا لا ينبغي الإشكال فيما إذا كان مشروطا معلقا ... إلخ)

اما الأول فواضح واما الثاني فقد اشتهر التمثيل له باستصحاب حرمة ماء العنب المعلقة على الغليان من حال العنبية إلى حال الجفاف والزبيبية.

(قوله وتوهم انه لا وجود للمعلق قبل وجود ما علق عليه فاختل أحد ركنيه فاسد ... إلخ)

إشارة إلى ما أورده صاحب المناهل على الاستصحاب التعليقي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) ظاهر سيد مشايخنا في المناهل وفاقا لما حكاه عن والده قدس‌سره في الدرس عدم اعتبار الاستصحاب الأول يعني به استصحاب حرمة ماء العنب المعلقة على الغليان (قال) والرجوع إلى الاستصحاب الثاني يعني به استصحاب الإباحة السابقة لماء الزبيب قبل الغليان (قال) قال في المناهل في رد تمسك السيد العلامة الطباطبائي على حرمة العصير من الزبيب إذا غلا بالاستصحاب ودعوى تقديمه على استصحاب الإباحة انه يشترط في حجية الاستصحاب ثبوت أمر أو حكم وضعي أو تكليفي في زمان من الأزمنة قطعا ثم يحصل الشك في ارتفاعه بسبب من الأسباب ولا يكفي مجرد قابلية الثبوت باعتبار من الاعتبارات فالاستصحاب التقديري باطل وقد صرح بذلك الواحد العلامة في الدرس فلا وجه للتمسك باستصحاب التحريم في المسألة (قال الشيخ) انتهى كلامه رفع مقامه (ثم أجاب) عنه الشيخ أعلى الله مقامه (بقوله) أقول لا إشكال في انه يعتبر في الاستصحاب تحقق المستصحب سابقاً والشك في ارتفاع ذلك المحقق ولا إشكال أيضاً في عدم اعتبار أزيد من ذلك ومن المعلوم ان تحقق كل شيء بحسبه فإذا قلنا العنب يحرم

١٥٥

ماؤه إذا غلا أو بسبب الغليان فهناك لازم وملزوم وملازمة (اما الملازمة) وبعبارة أخرى سببية الغليان بتحريم ماء العصير فهي متحققة بالفعل من دون تعليق واما اللازم وهي الحرمة فله وجود مقيد بكونه على تقدير الملزوم وهذا الوجود التقديري أمر متحقق في نفسه في مقابل عدمه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) انه لا مانع عن استصحاب الملازمة بين الغليان والحرمة فإنها أمر متحقق فعلا فتستصحب هي إذا شك في بقائها (وهكذا) لا مانع عن استصحاب اللازم أي الحرمة على تقدير الغليان فان الحكم التقديري سواء كان حرمة أو وجوباً كما في قولك إن جاءك زيد فأكرمه هو مما له نحو وجود متحقق في نفسه في قبال العدم المحض فيستصحب أيضا إذا شك في بقائه (هذا كله من أمر الشيخ) أعلى الله مقامه (واما المصنف) فقد أخذ الجواب الأخير للشيخ وأجاب به عن الإيراد المذكور ولم يزد عليه شيئا.

(قوله فيما أهل أو أجمل ... إلخ)

الإجمال كما أشرنا في المطلق والمقيد في طي مقدمات الحكمة هو فوق الإهمال فالإهمال مجرد ترك التعرض للشرح والبيان والإجمال هو تعمد الإبهام وتعمية المراد على المخاطب لحكمة مقتضية لذلك.

(قوله ان قلت نعم ولكنه لا مجال لاستصحاب المعلق لمعارضته باستصحاب ضده المطلق فيعارض استصحاب الحرمة المعلقة للعصير باستصحاب حليته المطلقة ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) انه كما تستصحب الحرمة المعلقة من حال العنبية إلى حال الزبيبية فكذلك يستصحب ضدها المطلق وهي الحلية المطلقة من حال العنبية إلى حال الزبيبية فيتعارضان الاستصحابان بعضهما مع بعض (وحاصل الجواب) انه لا يضر استصحاب الحلية المطلقة على نحو كانت ثابتة في حال العنبية فانها في تلك الحالة وإن كانت مطلقة غير معلقة ولكنها كانت مغياة بعدم الغليان (ومن

١٥٦

المعلوم) ان الحلية المغياة بعدم الغليان مما لا تنافي الحرمة المعلقة على الغليان ولو كانت الحلية الكذائية ثابتة في حال الزبيبية بالقطع فضلا عما إذا كان ثبوتها فيه بالاستصحاب فكما انهما كانتا ثابتين في حال العنبية بالقطع فكذلك تكونان ثابتتين في حال الزبيبية بالاستصحاب من دون تناف بينهما أصلا.

(أقول)

ليس أصل الإشكال بهذا النحو الّذي قرره المصنف كي يجاب عنه بنحو ما ذكره قدس‌سره من عدم التنافي بين الحرمة المعلقة والحلية المغياة (بل مقصود المستشكل) على ما يظهر من عبارة الشيخ أعلى الله مقامه هو معارضة استصحاب الحرمة المعلقة من حال العنبية إلى حال الزبيبية باستصحاب الحلية المطلقة الثابتة للزبيب من قبل غليانه إلى بعد غليانه (ومن المعلوم) ان بينهما كمال المنافاة والمضادة فإن مقتضي استصحاب الحرمة المعلقة من حال العنبية إلى الزبيبية هو حرمة الزبيب فعلا بعد غليانه ومقتضي استصحاب الحلية المطلقة الثابتة للزبيب من قبل غليانه إلى بعد غليانه هو حليته فعلا بعد غليانه.

(وقد أجاب عنه الشيخ) أعلى الله مقامه بحكومة استصحاب الحرمة المعلقة على الغليان من حال العنبية على استصحاب الحلية المطلقة الثابتة للزبيب من قبل الغليان إلى بعد غليانه وهي حق لا يكاد ينكر فإن منشأ الشك في حلية الزبيب فعلا بعد غليانه هو الشك في بقاء تلك الحرمة المعلقة على الغليان من حال العنبية إلى حال الزبيبية فلو كانت هي باقية على حالها كان الزبيب فعلا بعد غليانه حراماً قطعاً (قال الشيخ) أعلى الله مقامه نعم ربما يناقض في الاستصحاب المذكور.

(تارة) بانتفاء الموضوع وهو العنب.

(وأخرى) بمعارضته باستصحاب الإباحة قبل الغليان بل ترجيحه عليه بمثل الشهرة والعمومات ولكن الأول لا دخل له في الفرق بين الآثار الثابتة للعنب بالفعل والثابتة له على تقدير دون آخر يعني انه لا دخل لذلك في المناقشة في

١٥٧

الاستصحاب التعليقي من ناحية تقديرية المستصحب ولو تم ذلك لأخل حتى باستصحاب الأحكام المطلقة الفعلية الثابتة للعنب نظرا إلى عدم بقاء موضوعه. هذا مضافا إلى ان الجفاف وعنوان الزبيبية ليس هو إلّا من الحالات المتبادلة للعنب عند العرف من قبيل الصغر والكبر لا من القيود المقومة للموضوع بحيث إذا انتفى انتفى الموضوع (وعلى كل حال) قال الشيخ أعلى الله مقامه والثاني فاسد لحكومة استصحاب الحرمة على تقدير الغليان على استصحاب الإباحة قبل الغليان (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله فيكون الشك في حليته أو حرمته فعلا بعد عروضها متحداً خارجا مع الشك في بقائه على ما كان عليه من الحلية والحرمة بنحو كانتا إلى آخره)

بمعنى ان الشك في حليته أو حرمته فعلا بعد عروض الحالة الزبيبية يكون متحداً خارجاً مع الشك في بقائه على ما كان عليه من الحلية والحرمة في حال العنبية وهي الحلية المغياة والحرمة المعلقة.

(قوله فإنه قضية نحو ثبوتهما كان بدليلهما أو بدليل الاستصحاب إلى آخره)

أي فإن حرمته فعلا بعد غليانه وانتفاء حليته هي مقتضي نحو ثبوت الحرمة المعلقة والحلية المغياة سواء كان ثبوتهما بدليلهما كما في حال العنبية أو كان بدليل الاستصحاب كما في حال الزبيبية.

١٥٨

في استصحاب الحكم من الشريعة السابقة

(قوله السادس لا فرق أيضا بين أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة ... إلخ)

فيستصحبان جميعاً على حد سواء (وقد استدل له المصنف) بقوله لعموم أدلة الاستصحاب (واستدل له الشيخ) أعلى الله مقامه بوجود المقتضي وفقد المانع وكلاهما حق (قال الشيخ) الأمر الخامس انه لا فرق في المستصحب بين ان يكون حكماً ثابتاً في هذه الشريعة أو حكما من أحكام الشريعة السابقة إذ المقتضي موجود وهو جريان دليل الاستصحاب وعدم ما يصلح مانعا.

(قوله وفساد توهم اختلال أركانه فيما كان المتيقن من أحكام الشريعة السابقة لا محالة ... إلخ)

قد توهم اختلال أركان الاستصحاب في المقام من جهات.

(الأولى) ما أشار إليه المصنف بقوله إما لعدم اليقين بثبوتها في حقهم وإن علم بثبوتها سابقا في حق آخرين فلا شك في بقائها أيضا بل في ثبوت مثلها كما لا يخفى ... إلخ.

(الثانية) ما أشار إليه المصنف بقوله وإما لليقين بارتفاعها بنسخ الشريعة السابقة بهذه الشريعة فلا شك في بقائها حينئذ ... إلخ.

(الثالثة) ما ذكره المحقق القمي من ان جريان الاستصحاب مبني على القول بكون حسن الأشياء ذاتيا وهو ممنوع.

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد عبارته المتقدمة أعني قوله الأمر الخامس إلى قوله وعدم ما يصلح مانعا (ما لفظه) عدا أمور.

(منها) ما ذكره بعض المعاصرين والظاهر انه يعني به الفصول من أن الحكم

١٥٩

الثابت في حق جماعة لا يمكن إثباته في حق آخرين لتغاير الموضوع فإن ما ثبت في حقهم مثله لا نفسه ولذا يتمسك في تسرية الأحكام الثابتة للحاضرين أو الموجودين إلى الغائبين أو المعدومين بالإجماع والاخبار الدالة على الشركة لا بالاستصحاب.

(إلى ان قال ومنها) ما اشتهر من أن هذه الشريعة ناسخة لغيرها من الشرائع فلا يجوز الحكم بالبقاء.

(إلى ان قال ومنها) ما ذكره في القوانين من ان جريان الاستصحاب مبني على القول بكون حسن الأشياء ذاتياً وهو ممنوع بل التحقيق انه بالوجوه والاعتبار (انتهى).

(قوله وذلك لأن الحكم الثابت في الشريعة السابقة حيث كان ثابتاً لأفراد المكلف كانت محققة وجوداً أو مقدرة ... إلخ)

هذا جواب عن الجهة الأولى من جهات اختلال أركان الاستصحاب في المقام (وحاصله) ان الحكم الثابت في الشريعة السابقة لم يكن ثابتاً لخصوص الأفراد الموجودين في الخارج بنحو القضية الخارجية كما في قولك البصريون قد جاءوا أو الكوفيون قد ذهبوا ونحو ذلك كي يقال ان الحكم الثابت في حق جماعة مما لا يمكن إثباته في حق آخرين لتغاير الموضوع (بل الحكم) كان ثابتا لعامة الافراد كانوا محققين موجودين أو كانوا مقدرين مفروضين بنحو القضية الحقيقية كما في قوله تعالى أن الإنسان لفي خسر أو إن الإنسان ليطغى ونحو ذلك مما كان الحكم فيه شاملا لجميع الافراد أي المحققة والمقدرة بتمامها فإن كان الفرد موجودا كان الحكم الثابت له فعليا وان كان مقدرا مفروضا كان الحكم الثابت له تقديريا أي كلما لو وجد في الخارج وكان إنسانا مثلا فهو على تقدير وجوده في خسر أو يطغى وهكذا بخلاف الحكم في القضية الخارجية فانه مختص بالأفراد الخارجية المحققة دون غيرها (وعلى هذا) فلا إشكال في المقام في استصحاب الحكم من الشريعة السابقة من ناحية تغاير الموضوع إذا كان ثبوته بنحو القضية الحقيقية فان الحكم من الأول كان ثابتاً

١٦٠