نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٢

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الداوري
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-90950-4-7
الصفحات: ٦٧١

بل وهو قابل للتعلق بالمحال (١) وح لا مجال لرد الاشعري القائل بالمغايرة بين الطلب والارادة بمثل هذا الوجدان (٢) وح فللأشعري ان يلتزم بان مفاد الاوامر معنى آخر غير العلم والارادة وانه من سنخ البناء وعقد القلب المزبورين غاية الامر يدعى بان هذا السنخ من المعنى (٣) باختلاف انحاء متعلقاته يختلف عنوانا (٤) فمن حيث تعلقه بقيام شيء ثابت (٥) او بقيامه مقام آخر (٦) مع القطع بعدمه (٧) يعبّر عنه بالبناء التنزيلى (٨) ومن حيث تعلقه بثبوت شيء مع القطع بوجوده يعبر عنه بعقد القلب و (٩) من حيث تعلقه بايجاد شيء لا (١٠) بشيء فارغا عن وجوده يعبر عنه بالطلب كما (١١) ان الامر فى الاشتياق ايضا كذلك اذ هو من حيث تعلقه

______________________________________________________

(١) فالبناء بما انه اختيارى قابل للتعلق بالمحال وامكان تحققه باعتبار مصلحة قائمة فيه لا فى متعلقة وامكان انفكاكه عن المطلوب ولو كان منه تعالى.

(٢) اى الوجدان قائم على البناء وبه يتم المغايرة بين الطلب والارادة وانه غير العلم والارادة فلو ادعى القائل بالمغايرة بان ما هو المسمى بالطلب عبارة عن البناء الذى هو غير الارادة لا يمكننا المسارعة فى ردهم بعدم وجدان امر وراء العلم والارادة والحب والبغض شيء.

(٣) اى البناء باعتبار كونه ذا اضافه يحتاج الى المتعلق ويختلف متعلقاته كما اشرنا اليه.

(٤) وتسمية.

(٥) اى تعلقه بقيام شيء ثابت بنفس هذا البناء القلبى وان كان مشكوك الثبوت فى الواقع كالاستصحاب.

(٦) كما فى باب الامارات من قيام الخبر الثقة مقام العلم تنزيلا.

(٧) اى ليس بعلم حقيقة ففى هذه الموارد هو البناء التنزيلى.

(٨) فى الاعتقاديات كما مر.

(٩) وهو تعلقه بايجاد الشى او ايجاد الغير اياه وهو الطلب.

(١٠) اى لا يكون متعلقا بشيء فارغا عن وجوده.

(١١) الشوق ايضا من الامور ذات الاضافة فان تعلق بالامر الثابت والموجود

٤١

بالوجود الثابت يسمى عشقا وباثبات الوجود يسمى ارادة ولا ينافى اختلاف هذه العناوين (١) مع وحدة الحقيقة (٢) ومعلوم ان مثل هذا المعنى (٣) قابل للتعلق بالمحال ويغير المقدور ومع العلم بانتفاء شرط المأمور به كما انه بعد تسليم اساسهم الكاسد (٤) لا يبقى دعوى احد عليهم (٥) بان العقل لا يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفة مجرد هذا البناء القابل للتعلق بالمحال اذ (٦) ح اين يبقى للعقل حكم فى حق المجبورين الذين هم مقهورين فى حيطة سلطانه و (٧)

______________________________________________________

فيقال له العشق وباعتبار تعلقه بالشيء غير الثابت وايجاد الشيء يسمى ارادة.

(١) باعتبار متعلقاته.

(٢) وهو البناء.

(٣) من البناء قابل للتعلق بالمحال ونحوه من الامر غير المقدور وانتفاء شرطه.

(٤) اى الدون وذلك بهذا التوجيه.

(٥) اى لا مجال لدعوى الاشكال عليهم بعدم حكم العقل باستحقاق العقوبة ووجوب الطاعة وحرمة المعصية على مخالفة نفس البناء القابل للتعلق بالمحال ومعه كيف يمكن ان يكون مدلول الخطاب هو هذا البناء مع ان مخالفة الخطاب الايجابى موضوع حكم العقل باستحقاق العقاب عليها فى نظر العقلاء فيكشف عن ان مدلول الخطاب ليس البناء.

(٦) تعليل لعدم حكم العقل.

(٧) هذا جواب الاشكال بان العقاب انما جاء من توعيد الشارع والثواب بوعده والبناء المزبور بعد ما كان محكيا للامر يكون موضوعا للوعد والتوعيد ايضا ولا تلازمان للارادة فقط بل يترتبان على الوعد بيان ذلك ان الاشاعرة لا يقولون باستحقاق العقاب والثواب عقلا بالمخالفة والموافقة لانهم قائلون بكون المكلفين مجبورون فى الافعال ولا يرون ثبوت الحسن والقبح العقلين وما يتفرّع عليهما فلا حكم للعقل بذلك اصلا بل يرون ان استحقاق الثواب والعقاب تابع للوعد والوعيد من

٤٢

انّما ذلك (١) جاء من جهة توعيده على المخالفة كما ان الثواب على الاطاعة انما هو من قبل وعده على طاعتهم و (٢) لا بأس بتوعيد المذكور ولا الوعيد المزبور على مخالفه هذا البناء المحض المنفك عن الارادة او موافقته مع انعزال العقل عن الحكم فى هذا المقام رأسا وح لا ملزم عليهم (٣) ولا شاهد على وجود الارادة والكراهة فى مدلول الاوامر والنواهى (٤) الا تخريب اساسهم الفاسد وبيان فساد زعمهم الكاسد (٥) فنقول (٦) وهو المعين او لا يكفى فى دفع شبههم حكم بداهة

______________________________________________________

الشارع المشرع للاحكام فما حكم الشارع بثبوته يحكمون بثبوته وما نفاه يحكمون بعدمه وان كان العقل يحكم بقبح ما اثبته الشرع ويحسن ما نفاه ويترتب ذلك على البناء المزبور.

(١) اى العقوبة.

(٢) اى مثل ذلك نقول فيكون للبناء ايضا وعد وتوعيد والثواب والعقاب عليه.

(٣) بانه ليس وراء الارادة شيء فى النفس يسمى بالطلب.

(٤) ولا دليل على كون مدلول الاوامر والنواهى هى الارادة.

(٥) وملخص كلامه انه يمكن توجيه كلماتهم الفاسدة بحمل الطلب على مثل هذا البناء والعمدة ابطال اصل تلك المبانى الفاسدة من شبهة الجبر وغيرها على ما تقدم لكن هذا الوجه ايضا لا يمكن المساعدة عليه فان البناء هو الالتزام كما قالوا بلزومه فى اصول الدين دون الاحكام قال فى الكفاية ، ج ٢ ، ص ٢٧ هل تنجز التكليف بالقطع كما يقتضى موافقته عملا يقتضى موافقته التزاما والتسليم له اعتقادا او انقيادا كما هو اللازم فى الاصول الدينية والامور الاعتقادية الخ والمراد من الموافقة الالتزامية هى عقد القلب عقلا على ذلك الحكم ، فيرد عليه كيف متعلق بالمحال ويلتزم بالامر المحال وغير المقدور وكيف يتعلق بفعل الغير ونحو ذلك فلا يصدر من العقلاء ذلك وان كان البناء شيء آخر فلا بد من بيانه ولا نرى فى النفس شيء ما عد الارادة والعلم ونحوهما شيء كما افاده فى الكفاية.

(٦) ثم قام فى بيان رد شبهة الجبر بوجهين.

٤٣

الوجدان بالفرق بين حركة المرتعش وحركة المختار (١) وهو الذى عليه عقيدتى و (٢) لكن مع ذلك فى مقام المناظرة معهم لنا ان ندعى شيئا آخر فنقول بان توضيح فساد مرامهم يقتضى رسم مقدمة (٣) وهى (٤) ان من المعلوم ان عوارض الشى (٥) قد لا يكون من لوازم وجوده ولا مهيته (٦) و (٧) قد يكون من لوازم ماهيّته كالزوجيّة بالنسبة الى الاربعة او (٨) وجوده كالحرارة للنار فما كان من قبيل الأول (٩) فلا شبهة فى ان جعل الشيء وايجاده لا يقتضى وجود وصفه

______________________________________________________

(١) هذا هو الوجه الاول وملخّصه انا نرى ونشاهد بالوجدان والعيان كوننا مختارين فيما يصدر عنا من الافعال وفى مقام الاطاعة والعصيان وان مجرد علمه سبحانه بالنظام الاكمل غير موجب لسلب قدرتنا واختيارنا فيما يصدر عنا من الافعال والاعمال كما يقول به الجبرية خذلهم الله سبحانه بل كنا بعد مختارين فيما يصدر عنا من الافعال وان عدم صدور العمل منا فى مقام الاطاعة انما هو باختيارنا وعدم ارادتنا الايجاد لترجيحنا ما نتخيل من بعض الفوائد العاجلة على ما فى الاطاعة من المنافع الحقة الأجلة الأخروية من غير ان نكون مجبورين فى ايجاد الفعل المأمور به او تركه بوجه اصلا كما لا يخفى وهذا هو الوجدان الذى تغنى عن البرهان.

(٢) اما البرهان الذى يدل على بطلان دعواهم فى الجبر يتوقف على مقدمة.

(٣) هذه هى المقدمة.

(٤) العوارض جمع العرض والعرض هو ثبوت شيء لشيء وجوده لا فى نفسه بل فى غيره فى قبال للجوهر.

(٥) ينقسم العوارض الى ثلاثة اقسام.

(٦) وهو القسم الاول كالبياض للجسم مثلا فانه ليس بلازم لوجوده ولا لماهيته.

(٧) القسم الثانى فالزوج لازم ماهية الاربع لا وجوده.

(٨) القسم الثالث فالحرارة لازم وجود النار الخارجى لا الماهية فكلما تصورت من ماهية النار فلا يوجب الحرارة كماهية الماء لا يرفع العطش.

(٩) ثم بين الفرق بين الاقسام الثلاثة فلا ريب فى ان جعل المعروض فى

٤٤

بل يحتاج وجود الوصف ايضا الى جعل آخر و (١) امّا ما كان من قبيل الثانى والثالث فما هو قابل لتعلق الجعل هو الموصوف واما لازمه فتحقق قهرا بنفس وجود ملزومه واقتضائه بلا احتياج الى جعل آخر وراء جعل ملزومه بل (٢) بعد جعل الملزوم بالارادة الازلية يتوجد اللازم بنفس اقتضاء الملزوم تبعا له بلا استناده الى ارادة ازليّة اخرى متعلق بذلك اللازم بل هذا الوجود من لوازم وجود آخر ماهيّة او وجودا بلا تعلل وجوده الا بوجود ملزومه المنهى (٣) الى ارادة ازليّة بلا انتهائه اليها زائدا عما عليه ملزومه. وحيث كان الامر كك (٤) فنقول (٥) ان مثل القدرة والعلم بالمصلحة وغيرها من الصفات القابلة للانفكاك عن الانسان ربما يحتاج فى تحققها الى اعمال ارادته تعالى ولو بايجاد اسبابها ولا يكفى فى

______________________________________________________

الاوّل وايجاده لا يستلزم جعل عارضه بل يحتاج العارض الى ايجاد مستقل لانه ليس من عوارض الماهية ولا الوجود.

(١) واما القسمان الآخران فما هو قابل لتعلق الجعل والايجاد به هو المعروض وهو المجعول بالذات ويتحقق لازمه يجعل نفس ملزومه ولا حاجة الى جعل مستقل.

(٢) ففى هذين القسمين اذا تحقق الارادة الازلية المتعلقة بالمعروض لا تحتاج الى ارادة ازلية اخرى بالعارض وتكفى تلك فى تحققه بخلاف القسم الاول فتحتاج الى ارادة اخرى تتعلق بالعارض لاجل تحققه.

(٣) ولعل الصحيح ـ المنتهى.

(٤) اذا عرفت هذه المقدمة فنقول.

(٥) ان اوصاف الانسان على قسمين القسم الاول انه يكون من عوارض وجوده وليس بلازم لوجوده او ماهيته كالعلم والضحك ونحوهما فهذا النحو كما تقدم من العوارض يحتاج الى جعل مستقل يتعلق به ولا يغنى جعل معروضه عن جعله مثلا علم الانسان بكون العمل الكذائى ذا مصلحة يحتاج الى تعلق ارادة ازلية توجده فى نفس الانسان ولا تكفى الارادة الازلية المتعلقة بوجود الانسان عن تعلق ارادة اخرى به.

٤٥

وجودها مجرد تعلق الجعل بايجاد الانسان و (١) اما صفة الاختيار من الممكن كونه من لوازم وجود الانسان بحيث لا يحتاج فى جعله الى ازيد من جعل ملزومه (٢) بل ولا اقل من دعوى كونه من لوازم بعض مراتبه (٣) لو لم نقل بكونه من لوازم وجوده على الاطلاق (٤) ولازمه (٥) كون الاختيار موجودا بمحض اقتضاء وجود ملزومه بلا كونه معللا بجعل آخر غير جعل ملزومه (٦) و (٧) ح ففى ظرف القدرة (٨) والعلم بالمصلحة بلا مزاحم (٩) اذا توجه اختياره الى وجود شيء او عدمه (١٠) ربما يترتب العمل عليه بتوسيط ارادته (١١) المنتهية الى اختياره وح

______________________________________________________

(١) القسم الثانى ان يكون الوصف من لوازم وجوده كصفة الاختيار للانسان ولو فى بعض مراتبه نظير القرشية وعدم القرشية من لوازم وجود الانسان.

(٢) تقدم انه لا يحتاج فى تحققه الى جعل مستقل غير جعل معروضه وملزومه.

(٣) ولعله ناظر فى بعض مراتب وجوده الى الفعل الصادر عن النائم والساهى والغافل فانه عن غير اختيار.

(٤) يمكن ان يكون اشارة الى ان الاختيار من لوازم وجوده مطلقا حتى النائم والساهى يصدر الفعل عن اختيار لكن لا عن شعور وادراك.

(٥) اى لازم كون الاختيار من لوازم وجود الانسان.

(٦) وملخصه انه لا يحتاج الى جعل آخر غير جعل معروضه فالانسان مقهور بالاتصاف بصفة الاختيار ويكفى فى تحقق صفة الاختيار للانسان تعلق الارادة الازلية بوجود نفس الانسان.

(٧) لا ريب فى ان كل فعل صادر من الانسان بارادته له مباد.

(٨) منها القدرة عليه.

(٩) منها العلم بالمصلحة والفائدة بلا مفسدة ومضرة ، ومنها الشوق اليه.

(١٠) ومنها اختياره فى ان يفعله او لا يفعله.

(١١) ومنها ارادته المحركة نحوه المنتهية الى اختياره فتكون الارادة بعد الاختيار.

٤٦

هذا العمل (١) له مبادى متعددة من كونه مقدورا وكونه مما علم بمصلحة بلا مزاحم وكونه مما اعمل فيه الاختيار الموجب لتوجه الاشتياق نحوه فبعضها مستند الى ارادته الازلية مثل قدرته وعلمه كوجود العامل (٢) وبعضها (٣) مستند الى اقتضاء ذات ملزومه من جهة ما عرفت من كونه من لوازم وجوده ولو فى ظرف تحقق القدرة والعلم المزبور وذلك مثل اختياره المستتبع لاشتياقه وارادته ، وح لهذا العمل الصادر (٤) جهتان بجهة مستند الى الارادة الازلية (٥) وبجهة اخرى (٦) مستندا الى ذاته بلا تعلله (٧) بشيء آخر وراء وجود ملزومه و

______________________________________________________

(١) كما عرفت.

(٢) فيحتاج الى جعل مستقل وارادة ازلية اخرى.

(٣) وهو الاختيار لا يحتاج الى جعل مستقل بل يكفى جعل اصل وجود الانسان لجعله ووجوده.

(٤) من الانسان ومن افعاله الصادر منه نسبتان.

(٥) النسبة الاولى مجعولة بجعل مستقل وهو نسبة الفعل الى الله تعالى باعتبار ايجاد العلم بفائدة ذلك الفعل فى نفس فاعله وايجاد قدرته عليه وشوقه اليه الى غير ذلك من المبادى التى ليست من لوازم وجود الانسان وليست مجعولة بجعله بل يجعل مستقل منه تعالى فحينئذ لا يكون الفعل الصادر من الانسان مفوضا اليه بقول مطلق.

(٦) النسبة الثانية هى نسبة الى وجود الانسان باعتبار تعلق اختياره به الذى هو من لوازم وجود الانسان المجعولة بجعله لا بجعل مستقل فلذا لا يكون الفعل الصادر من الانسان مستندا اليه تعالى بقول مطلق ليكون العبد مقهورا عليه.

(٧) ولعله اشارة الى وجه دقيق لكون الاختيار من لوازم وجود الانسان ان سائر الامور المجعولة مستقلا كالعلم والارادة ونحوهما يعلل بانه لم يكن له العلم فعلم لتحصيله او ارادة لاجل امر كذا اما الاختيار فلا يعلل فلا يقال لم يكن مختارا فصار مختارا لاجل كذا فهذا يكشف عن ان الاختيار من لوازم وجود الانسان.

٤٧

لازمه (١) عدم صحة استناد مبادى وجوده بقول مطلق اليه تعالى لفرض توسيط اختياره الذى من لوازم وجود ملزومه بلا تعلق جعل به زائدا على جعل ملزومه و (٢) عدم صحة استناد مباديه اليه ايضا على الاطلاق فلا يكون مثل هذا العمل مفوّضا الى العبد بقول مطلق ولا مستند اليه تعالى كك كى يكون فى ايجاده مقهورا فصح لنا ح ان نقول لا جبر فى البين (٣) من جهة الاختيار المنهى اقتضائه الى ذاته و (٤) لا تفويض بملاحظة انتهاء بقية مبادى وجوده الى ارادته الأزلية وجعله وهذا معنى قولهم لا جبر ولا تفويض بل امر بين الامرين.

______________________________________________________

(١) هذا هو لازم النسبة الثانية كما عرفت.

(٢) هذا هو لازم النسبة الاولى.

(٣) لاجل النسبة الثانية لا جبر لانه من لوازم وجود الانسان الاختيار.

(٤) لاجل النسبة الاولى لا تفويض لكون مبادى الاختيار بجعل مستقل مستند الى الارادة الازلية ، وهذا هو المقصود من قوله عليه‌السلام لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين ، ان قلت لا اشكال فى ان كل فعل صادر من الانسان بارادته يستند الى المبادى المزبورة من العلم والقدرة والشوق والارادة واما صفة الاختيار التى هى من لوازم وجود الانسان المجعولة بجعله فاى دخل لها فى وجود الفعل وصدوره من فاعله وما لم يكن لها دخل فى صدوره لا اثر لاتصاف الانسان بها فى كون فعله اختياريا كما لا يخفى ، قلت الاختيار الذى يتصف الانسان لا يزال قوة فيه قبل صدور الفعل الاختيارى منه فاذا صدر الفعل الاختيارى من الانسان صار ما بالقوة من الاختيار فعليا واتصف الفعل المقترن بكونه اختياريا فالفاعل للفعل هو الانسان واقتران فعل بالاختيار موجب الكون ذلك الفعل اختياريا واما بقية المبادى المزبورة من العلم والقدرة وغيرهما فهى بالنسبة الى الفعل الاختيارى بمنزلة الشروط مثلا تصديق الانسان بكون الفعل الكذائى ذا مصلحة يوجب ترجيح وجوده على عدمه فى نظره فيختاره وحدوث الشوق اليه يوجب سهولة صدوره من الانسان وحدوث الارادة فى نفسه يوجب حركة عضلاته فى سبيل ايجاده قتلك المبادى بعضها شروط وبعضها معدات والفاعل الحقيقى هو الانسان المختار.

٤٨

ولقد اجاد بعض اعاظم المعاصرين (١) فى بيان هذا المعنى بان الاختيار من

______________________________________________________

(١) قال المحقق النائينى فى الفوائد ، ج ١ ، ص ١٣٢ ، بل لا يمكن دفع الشبهة الجبر إلّا بذلك بداهة انه لو كانت الافعال الخارجية معلولة للارادة لكان اللازم وقوع الفعل من فاعله بلا اختيار بل يقع الفعل قهرا عليه اذ الارادة كما عرفت كيفية نفسانية تحدث فى النفس قهرا بعد تحقق مباديها وعللها ، كما ان مبادى الارادة ايضا تحصل للنفس قهرا لان التصور امر قهرى للنفس وهو يستتبع التصديق استتباع العلة لمعلولها وهو يستتبع العزم والارادة كذلك استتباع العلة لمعلولها والمفروض انها تستتبع الفعل الخارجى كذلك فجميع سلسلة العلل والمعلولات انما تحصل فى النفس عن غير اختيار ومجرد سبق الارادة لا يكفى فى اختيارية الفعل ـ والحاصل انه لو كانت الافعال معلولة للارادة وكانت الارادة معلولة لمباديها السابقة ولم يكن بعد الارادة فعل من النفس وقصد نفسانى لكانت شبهة الجبر مما لا دافع لها وليس ذلك إلّا لانكار التغاير بين الطلب والارادة وحسبان انه ليس وراء الارادة شيء يكون هو المناط فى اختيارية الفعل ، واما بناء على ما اخترناه من ان وراء الارادة والشوق المؤكد امرا آخر وهو عبارة عن تصدى النفس نحو المطلوب وحملتها اليه فيكون ذلك التصدى النفسانى هو مناط الاختيار وليس نسبة الطلب والتصدى الى الارادة نسبة المعلول الى علته حتى يعود المحذور بل النفس هى بنفسها تتصدى نحو المطلوب من دون ان يكون لتصدّيها علة تحملها عليه نعم الارادة بمالها من المبادى تكون من المرجحات لطلب النفس وتصديها فللنفس بعد تحقق الارادة بمالها من المبادى التصدى نحو الفعل كما ان لها عدم التصدى والكف عن الشيء وليس لحصول الشوق المؤكد فى النفس علة تامة لتصدى النفس بحيث ليس لها بعد حصول ذلك الكيف النفسانى الامتناع عن الفعل كما هو مقالة الجبرية بل غايته ان الشوق المؤكد يكون من المرجحات لتصدى النفس ولا يخفى الفرق بين المرجح والعلة انتهى وقال فى الاجود ، ص ٩١ ، فان قالت ان الامر الرابع الذى بنيت عليه ثبوت الامر بين الامرين ونفى الجبر وجعلته متوسطا بين الارادة وحركة العضلات هل هو ممكن او واجب لا سبيل الى الثانى وعلى الاول فهل علته التامة اختيارية او غير اختيارية وعلى الاول يلزم التسلسل وعلى الثانى يتم مذهب الجبر ، قلنا لا اشكال فى كونه حادثا وممكنا إلّا انه نفس الاختيار الذى هو فعل النفس وهى بذاتها تؤثر فى وجوده فلا يحتاج الى علة موجبة لا ينفك عنها اثرها اذا

٤٩

الصفات الذاتية الغير المحتاجة الى جعل غير جعل الملزوم ، ولكن التزم بان الاختيار يتحقق فى ظرف تحقق الارادة منه بحيث يكون الاختيار واسطة بين العمل والارادة بلا كون العمل مستندا الى الارادة بلا واسطة بل العمل مستند الى نفس الاخبار (١) بلا واسطة ، وفيه (٢) ان انعزال الارادة عن التأثير وكون تمام

______________________________________________________

العلية بنحو الايجاب انما هى فى غير الافعال الاختيارية نعم لا بد فى وجوده من فاعل وهو النفس ومرجح وهى الصفات النفسانية والاحتياج الى المرجح انما هو من جهة خروج الفعل عن العبثية وإلّا فيمكن للانسان ايجاد ما هو منافر لطبعه فضلا عن ايجاد ما لا يشتاقه لعدم فائدة فيه إلّا انه لا يفعل ذلك للزوم العبث وهو لا يصدر من الحكيم الملتفت ثم ان المرجح المخرج للفعل عن العبثية هى الفائدة الموجودة فى نوعه دون شخصه بداهة ان الهارب والجائع يختار احد الطريقين واحد القرصين مع عدم وجود مرجح فى واحد بالخصوص وانكار ذلك مكابرة واضحة انتهى وقال فى الفوائد ، ص ١٣٣ واما نفى التفويض فالامر فيه اوضح لان اساس التفويض هو تخيل عدم حاجة الممكن فى بقائه الى العلة وانه يكفى فيه علة الحدوث مع ان هذا تخيل فاسد لا ينبغى ان يصغى اليه بداهة ان الممكن بحسب ذاته يتساوى فيه الوجود والعدم ويحتاج فى كل آن الى ان يصله الفيض من المبدا الفياض بحيث لو انقطع عنه الفيض آناً ما لا نعدم وفنى فوجوده فى كل آن يستند الى الفياض الخ.

(١) الصحيح ـ الاختيار ـ.

(٢) وملخص جواب الماتن ان العبادات تكون عن ارادة قربية وعلى هذا الوجه لا يكون العمل عن ارادة وهو خلاف الوجدان اللهم إلّا ان يقال انه يكون عن ارادة لكن مع الواسطة لوجود الارادة قبل ذلك مضافا الى ذلك يرد عليه اوّلا ان القائل باتحاد الطلب والارادة انما يعنى بالارادة الشوق المؤكد المحرك للعضلات لا مطلق الشوق المؤكد ولو لم يستلزم حركة العضلات لان الشوق المؤكد الذى يقترن بالصارف ولا يستلزم حركة العضلات كما يتعلق بالممكن يتعلق بالممتنع ولا يقال لمن اشتاق شوقا مؤكدا غاية الشوق الى ممتنع عادة انه اراده فحيث يمتنع تحريك العضلات مع الشوق المؤكد فكما لا يكون ثمة طلب من المشتاق كذلك لا ارادة وحيث يتحقق تحريك العضلات مع الشوق المؤكد فكما يصدق الطلب ثمة كذلك تصدق الارادة و

٥٠

المؤثر هو الاختيار خلاف الوجدان كيف ويعتبر فى العبادات ان تكون ارادية قربيّة ولو انعزلت الارادة عن التأثير فلا معنى لارادية العبادة ولا لنشوها عن قصد القربة وهو كما ترى (١) واصعب من البيان الصادر عن المعاصر المزبور خيال بعض آخر (٢) فانه لا يكون المراد من الفعل الاختيارى الا مجرد نشوه عن

______________________________________________________

عليه لا يكون ما ذكره دليلا على المغايرة مفهوما ومصداقا دليلا عليها عند القائل بالاتحاد ، وثانيا فلانا لا نتعقل شيئا يحدث فى النفس بعد حدوث الارادة بمباديها فيها سواء كان ذلك الشى من افعال النفس ام من صفاتها اذ لو كان من افعال النفس لكان احد قسمى افعالها اما الافعال الجوانحية وهى عبارة عن التصور والتصديق ونحوهما وهى جميعا من مبادى حدوث الارادة فى النفس وعليه لا يعقل ان يكون متأخرا عنها واما الافعال الجوانحية وهى نفس الافعال الخارجية التى تتعلق الارادة بها وعلى كل لا ينتهى بنا محض ما يحدث فى النفس خارجا او فيها متأخرا عن الارادة الى شيء غير ما ذكرناه ليكون هو المعبر عنه بالطلب.

(١) وبالجملة قد اجاد صاحب هذا القول بالتزامه فى ان الاختيار من افعال النفس بلا حاجة الى علة اخرى ولكن اخطأ فى جعله الاختيار متأخرا عن الارادة ومتوسطا بينها وبين الفعل فانك قد عرفت ان التحقيق هو تقدم الاختيار على الارادة لان تصور فائدة الفعل والتصديق بها والشوق اليها يتحقق غالبا بلا اختيار ولكن مع هذا للنفس ترجيح الفعل على الترك وهو معنى الاختيار المستند اليها وح تتحقق الارادة فى النفس ويتبعها الفعل ، وهناك اجوبة اخرى سيأتى إن شاء الله تعالى.

(٢) ولعله المحقق الاصفهانى قدس‌سره فى النهاية ، ج ١ ، ص ١١٠ ، ان المظنون قويا ان الطلب عنوان لمظهر الارادة قولا او فعلا فلا يقال لمن اراد قلبا طلبا إلّا اذا اظهر الارادة بقول او فعل كما يظهر من قولهم طلبت زيدا فما وجدته فانه هنا عنوان لفعله الخارجى وليس المراد منه انه ارادة قلبا الخ وقال فى ص ١١٩ ان الفعل الاختيارى ما كان نفس الفعل بالارادة لا ما كان ارادته بالارادة فان القادر المختار من اذا شاء فعل لا من اذا شاء شاء وإلّا لم يكن فعل اختيارى فى العالم حتى فعله تعالى عما يقول الظالمون الخ وسيأتى بعض كلماته ايضا.

٥١

الارادة بلا وجود صفة اخرى فى البين (١) وذلك (٢) مضافا (٣) الى ان دائرة الاختيار ربما يكون اوسع من الارادة اذ ربما يكون الفعل اختياريا ولو بتوسيط اختيارية لازمه ولا يكون اراديّا ولو بالواسطة لعدم الملازمة بين ارادة شيء وارادة لازمه و (٤) لذا لا يكون الامر مقتضيا للنهى عن ضده على (٥) منع المقدمية ، ان (٦) الارادة بعد ما لم يكن من لوازم وجوده فلا محيص من كونه مستندا الى الارادة وجعل مستقل ازلىّ فقهرا يصير مجبورا فى هذه الارادة فاين يكون له اختيار فى تركه وتسمية العمل بمجرد توسط الارادة المجبورة بالاختيارية لا يصح حقيقة الاختيار وروحه ، وهذا بخلاف (٧) ما لو بيننا بان فى البين معه (٨) اخرى وهو معنى له ان يفعل وله ان لا يفعل من قبل نفسه بلا اعمال جعل ازلى

______________________________________________________

(١) وملخصه ان الاختيار فى الفاعل المختار انما هو تعلق ارادته بفعله وان كانت الارادة وجميع مباديها مجعولة بجعل مستقل بالارادة الازلية.

(٢) اشارة الى فساد هذا التوهم بوجهين.

(٣) الوجه الاول هو انفكاك الاختيار عن الارادة فربما يكون الفعل اختياريا ولا ارادة كما فى لوازم الشى التى توجد بوجود ملزومه بلا ارادة مستقلة عليها كما تقدم فى لوازم الوجود والماهية.

(٤) يشهد للتفكيك بين ارادة اللازم والملزوم فالارادة متعلقة بالملزوم وهو الفعل دون اللازم فالارادة لم تتعلق على ترك ضده.

(٥) اى على القول بمنع مقدمية ترك احد الضدين لوجود ضد الآخر.

(٦) الوجه الثانى انه على ذلك يستند الفعل للارادة وهى بمباديها اليه تعالى ومعه كيف يصح وصف فاعله بالاختيار.

(٧) اى بخلاف ما لو كان بعض مبادى الفعل مستندا الى فاعله وهو الاختيار كما تقدم.

(٨) ولعل الصحيح ـ صفة ـ وان كان يمكن التأويل بما هو الموجود ايضا.

٥٢

فى هذه الصفة (١) ولا يعلل مثله بارادة ازلية متعلقة بنفسه (٢) فلا شبهة ح ان

______________________________________________________

(١) ولا ريب ان فى النفس شيئا بعد تصورها والتصديق وبفائدته له ان تظهره وتختاره او تمنع من اظهاره ولا تختاره وهذا هو الاختيار وان شئت عبر عنه بالطلب.

(٢) لانه من لوازم الوجود والوجود مجعول بجعل مستقل وذكر استادنا الخوئى فى المحاضرات ، ج ٢ ، ص ٥٣ ، فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين ـ اى سيجيء منا ـ هى انه لا مناص من الالتزام بالجبر وعدم السلطنة والاختيار للانسان على الافعال الصادرة منه فى الخارج الخ ونسب ذلك الى صاحب الكفاية والمحقق الاصفهانى قال فى الكفاية ، ج ١ ، ص ٩٩ فهو ان استحالة التخلف انما تكون فى الارادة التكوينية وهو العلم بالنظام على نحو الكامل التام دون الارادة التشريعية وهو العلم بالمصلحة فى فعل المكلف وما لا محيص عنه فى التكليف انما هو هذه الارادة التشريعية لا التكوينية فاذا توافقتا فلا بد من الاطاعة والايمان واذا تخالفتا فلا محيص عن ان يختار الفكر والعصيان ـ الى ان قال ـ انما يخرج بذلك عن الاختيار لو لم يكن تعلق الارادة بها مسبوقة بمقدماتها الاختيارية وإلّا فلا بد من صدورها بالاختيار وإلّا لزم تخلف ارادته عن مرادته تعالى عن ذلك علوا كبيرا الخ وذكر المحقق الاصفهانى فى النهاية ، ج ١ ، ص ١١٩ ، الارادة ما لم تبلغ حدا يستحيل تخلف المراد عنها لا يمكن وجود الفعل لان معناه صدور المعلول بلا علّة تامة واذا بلغت ذلك الحد امتنع تخلفها عنه وإلّا لزم تخلف المعلول عن علته التامة الخ وقال ايضا ان كان المراد من انتهاء الفعل الى ارادة البارى تعالى بملاحظة انتهاء ارادة العبد الى ارادته تعالى لفرض امكانها المقتضى للانتهاء الى الواجب فهذا غير ضائر بالفاعلية التى هى شأن الممكنات فان العبد بذاته وبصفاته وافعاله لا وجود لها الا بافاضة الوجود من البارى تعالى ويستحيل ان يكون الممكن مفيضا للوجود الخ وفيه كما ان صاحب الكفاية صرح بعدم الجب ان المحقق الاصفهانى صرح فى كلامه بعدم الجبر وصرح بانه (ربما لا يسعه بعض الافهام) قال فى النهاية المحقق الاصفهانى ، ج ١ ، ص ١١٥ ، ان حقيقة ارادته تعالى مطلقا هو العلم بالصلاح فان كان المعلوم ما هو صلاح بحسب نظام الكلى فنفس هذا العلم من دون حالة منتظره علة للتكوين ـ فلا محاله يستحيل تخلف المراد عن هذه الارادة وان كان المعلوم ما هو صلاح بحسب بعض الاشخاص لا بحسب النظام التام ـ

٥٣

العقل ببال من مثله روح الاختيار بحيث ينسب ارادته اليه ولو ببعض مباديه اذ تعلق الجعل بهذه الارادة ح ليس على الاطلاق كى يصير مجبورا فى ارادته بل انما يتعلق به فى ظرف اعمال اختياره بطرف الوجود او العدم ومعلوم ان اعمال اختياره هذا ليس إلّا بعين اختياره لا يجعل آخر ازلى ولئن شئت قلت ان صفته له ان يفعل وله ان لا يفعل بعد ما كان من لوازم وجود الانسان بحيث لا يعلل بامر خارجى هذه الصفة بمنزلة الهيولى لفعلية اعماله وتوجهه الى طرف من الوجود او العدم ويحتاج هذه الفعلية الى قابلية المحل المعبر عنه بشرط تحققه ومهما تحقق شرطه يصير هذه الهيولى فعلية باقتضاء ذاته لا بمؤثر خارجى وح فلك ان تجعل مثل هذه الشرائط خصوصا مثل العلم بالمصلحة بلا مزاحم مرجّحا

______________________________________________________

فهذا العلم يقتضى تحريكهم الى ما فيه الصلاح ـ فهذه الارادة متعلقة بالبعث والتشريع دون الخلق والتكوين ـ فلم يلزم استحالة التخلف ـ الى ان قال ـ ان حقيقة التكليف الجدى البعث الى الفعل بداعى انبعاث المكلف ـ وهذا المعنى لا يتوقف على ارادة نفس الفعل مطلقا بل فيما اذا رجع فائدته الى المريد ـ اذ ليس المراد من كون البعث بداعى الانبعاث جعل البعث علة تامة للفعل وإلّا كان المكلف مجبورا لا مختار بل جعله بحيث يمكن ان يكون داعيا وباعثا للمكلف ـ واما ان كانت متعلقة بفعله بماله من المبادى المصححة لاختياريته فى حد ذاته من القدرة والارادة والشعور فلا طريق للجبرى الى عدم تأثير قدرة العبد وارادته اذ المفروض ان نفى الاختيار بمجرد وجوب الصدور لمكان تعلق الارادة الازلية به وبعد ما علم ان الارادة لم يتعلق بالفعل بما هو بل بمادية الاختيارية ايضا فلا مجال لان يقال بعدم الاختيارية لوجوب الصدور ـ وقال فى ص ١١٦ ، انا لمكان امكاننا ناقصون غير تأمين فى الفاعلية وفاعليتنا لكل شيء بالقوة فلذا نحتاج فى الخروج من القوة الى الفعل الى امور زائدة ذواتنا من تصور الفعل والتصديق بفائدته والشوق الاكيد المملية جميعا للقوة الفاعلة المحركة للعضلات بخلاف الواجب فانه ـ فاعل وجاعل بنفس ذاته انتهى وكلامه ينادى باعلى صوته فى عدم الجبر وثبوت الاختيار.

٥٤

لاعمال الاختيار بطرفه بلا كونه مؤثرا فيه وح لا يكون هذا الاعمال فى طرف وجود المرجّح الاعين اختياره الذى هو من صفات ذاته بلا تعلل وهذا غاية ما لنا من البيان فى دفع الشبهة المعروفة وبه التكلان من وسوسة الشيطان فى مثل هذا الميدان. وح (١) نرجع الى المقصد فنقول (٢) انه بعد ما تصح (٣) فساد شبهة الجبرية فى اختيارية اعمال العباد يرتفع ايضا شبهة انعزال العقل عن الحكم باستحقاق العاصى للعقوبة والمطيع للثواب اذ لا اظن انكارهم التحسين والتقبيح فى موضوع الاختيار وان شبهتهم (٤) فى هذا المصداق (٥) دعاهم على الانكار كما نحن ايضا معترفون بانعزال العقل عن حكمه على فرض تسليم جبرية العباد العياذ بالله وانا همّنا رفع هذه الشبهة (٦) وبعد حكم العقل بالاستحقاقين (٧) لا يبقى مجال للالتزام بجعلية الثواب والعقاب (٨) نعم (٩) ربما لا يلتفت المكلف فى

______________________________________________________

(١) ثم قام قدس‌سره فى بيان دفع سائر الشبهات المتقدمة.

(٢) منها دعوى الأشاعرة انتفاء الحسن والقبح العقليين ، فقد تبين فساده اذ لم يكن مانع من ثبوتهما عندهم إلّا كون انسان مجبورا فى افعاله فاذا ثبت اختياره فالوجدان اصدق شاهد على ثبوت الحسن والقبح فى نظر العقل او العقلاء.

(٣) لعل الصحيح ـ اتضح ـ.

(٤) اى الأشاعرة.

(٥) اى التحسين والتقبيح العقليين.

(٦) اى الجبر.

(٧) اى الثواب والعقاب ولعل استحقاق الثواب من باب ان الله لا يخلف الميعاد وإلّا مجرد اتيان العبد ما هو وظيفته لا يوجب استحقاق شيء لانه اتى بمقتضى العبودية عقلا.

(٨) كما يقول به الأشاعرة واشرنا اليه.

(٩) نعم فى تعيين المقدار ربما يعين ويبيّن ذلك.

٥٥

المعاصى مقدار العقوبة والمثوبة ولو من جهة جهله (١) باهتمام الحكيم فى مثله فيرشد الحكيم اليه تنبيها على مقدار اهتمامه به فليس ذلك من باب الجعل بلا استحقاق ح ، والعجب ممن قال (٢) باختيارية العباد وعدم انعزال العقل عن الحكم رأسا ومع ذلك التزم بجعلية الثواب والعقاب فى باب الاطاعة والعصيان وما اوهمه فى ذلك الا ما ورد من الآيات (٣) والاخبار (٤) فى ثواب الاعمال وعقابها وغفل عن كون ذلك كله ارشادا الى حكم العقل فى أصله والى بيان مقدار

______________________________________________________

(١) اى المكلف.

(٢) قال فى بدائع استادنا الآملي ومن هنا ظهر ما فى التزام بعض الاعلام من كون الثواب والعقاب مجعولين للشارع مع تصديقه بكون العباد مختارين فى افعالهم ويكون العقل حاكما بالحسن والقبح ولعل الذى دعاه الى ذلك هى ملاحظة بعض الآيات والروايات المصرحة بالوعد والوعيد ووقوع الثواب والعقاب ، مع انك قد عرفت انه لا دلالة لتلك الآيات والروايات على كون الثواب والعقاب مجعولين للشارع بل هى ظاهرة فى الارشاد الى حكم العقل بذلك نعم لا بأس فى القول بدلالتها على تقديرهما كمّا وكيفا اذ هو من مقررات المولى انتهى.

(٣) كقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) سورة ماعون ، آية ٥ ، وقوله تعالى (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ،) سورة مدثر ، آية ٤٣ وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) الآية سورة براءة آية ٣٦ وقال الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) الى قوله تعالى (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) سورة البقرة آية ١٩٦ وقال تعالى و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) سورة البقرة ، آية ٢٧٥ ، الى غير ذلك من الآيات.

(٤) كما ورد جملة من الروايات فى ابواب جهاد النفس من الوسائل باب ٣ وغيره.

٥٦

الاهتمام فى تحديده كما هو الشأن (١) فى امره باطاعة امره والانتهاء عن نهيه فان ذلك كلّه ليس إلّا الارشاد الى ما يحكم به العقل بفطرته (٢) كما لا يخفى ، ومن البيان المزبور (٣) ظهر ايضا بطلان الالتزام بكون مفاد الخطابات ايضا صرف البناء (٤)

______________________________________________________

(١) فراجع باب ١٩ من ابواب جهاد النفس عن ابى الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام انه قال لبعض ولده يا بنى ايّاك ان يراك الله فى معصية نهاك عنها وايّاك ان يفقدك الله عند طاعة امرك الله بها الحديث وفى خبر آخر احذر ان يراك الله عند معصيته او يفقدك عند طاعته.

(٢) قال المحقق الاصفهانى فى النهاية ، ج ١ ، ص ١٢٤ ان المخالفة والعصيان تقتضى استحقاق العقاب عقلا فالفعل هو المخوف على المخالف واختيار العقاب فيما لا مانع منه من توبه او شفاعة مثلا مما تقتضيه الحكمة الالهية والسنة الربانية لعين ما ذكرناه فى جعل العقاب غاية الامر ان للشارع الاكتفاء فى التخويف بتخويف العقل من دون حاجة الى جعل العقاب فما ورد من التصريح بالعقاب على المخالفة ليس تعهدا للعقاب بل تصريح بمقتضى الامر عقلا فحينئذ اذا اقدم العبد على المخالفة مع حكم العقل بما ذكرنا فلا يلومن إلّا نفسه واما وجه حكم العقل باستحقاق العقاب فلما ذكرنا فى محله من ان مخالفة المولى عن علم وعمد هتك لحرمة المولى وخروج معه عن رسوم العبودية ومقتضيات الرقية وهو ظلم خصوصا على مولى الموالى ومن يتوهم ان الظلم على المولى لا يسوغ عقاب الظالم ومؤاخذته فقد كابر مقتضى عقله ووجدانه انتهى.

(٣) من كون استحقاق الثواب والعقاب عقليين لاجل كون التحسين والتقبيح عقليين لا كون الحسن ما حسنه الشارع والقبيح ما قبحه وليست الاحكام تدور مدار المصالح والمفاسد بل الشارع يكون مقترحا فى احكامه من دون ان يكون هناك مرجح وانه لا مانع من الترجيح بلا مرجح كما نقل عنهم فى الفوائد ، ج ٣ ، ص ٥٧ فراجع.

(٤) كما افاده المحقق الماتن العراقى قدس‌سره هو بنفسه وكونه هو الطلب تأويلا لكلام الأشاعرة بمغايرة الطلب مع الارادة فمن فساد دعوى الأشاعرة تعرف صحة دعوى من يدعى الوجدان انه ليس فى النفس عند الامر بشيء غير الارادة و

٥٧

القابل للتعلق بالمحال او العقل (١) ح يابى من حكمه باستحقاق العبد على صرف البناء المزبور بلا ارادة اصلا للعقوبة او المثوبة كما ان توهم (٢) ان الارادة يقتضى عدم تحقق العصيان لعدم صلاحية انفكاكه عن المراد ايضا فى غاية السخافة (٣) وذلك لان متعلق الارادة اذا كان الفعل (٤) بتوسط اختيار عبده من قبل نفسه فيستحيل قلب هذه الارادة (٥) العمل عن الاختيارية الى المجبورية فى عالم الايجاد لعدم صلاحية الارادة لقلب موضوعه ، كيف وهو خلف محض (٦) وح اذا بقى العقل (٧) بعد الارادة المزبورة على اختياريته (٨)

______________________________________________________

مباديها بنحو يكون ذلك الغير هو مدلول الامر وموضوعا لحكم العقل بوجوب الاطاعة وموافقته ومخالفته موضوعا لاستحقاق الثواب والعقاب ، وان كان قد يوجد فى النفس عند الامر بشيء شيء آخر غير الارادة ومباديها ولكن لا يكون موضوعا لحكم العقل بوجوب الاطاعة ولا موافقته ومخالفته موضوعا لاستحقاق الثواب والعقاب وذلك هو البناء النفسى الذى تقدم.

(١) كما تقدم الاشارة الى هذه المناقشة على القول بالبناء والمغايرة بينهما به والجواب عنها.

(٢) هذا التوهم هى الشبهة المتقدمة الرابعة من عدم تحقق العصيان والعقاب وإلّا لزم تخلف مراده عن ارادته تعالى وهو محال فليزم تحقق الطلب دون الارادة فى موارد تكليف العصاة فيكون دليلا على المغايرة بينهما.

(٣) فى بيان الجواب عن هذه الشبهة وملخصه الفرق بين تعلق الارادة على فعل نفسه فلا ينفك عن المراد وتعلق الارادة بفعل الغير صدوره اختيارا فيكون من قبيل الداعى له ان يفعل ويطيع وله الترك ويكون عاصيا.

(٤) اى الفعل العبد المختار.

(٥) اى ارادة المولى بفعل العبد.

(٦) لان المفروض تعلق ارادة المولى بفعل العبد المختار فى عمله.

(٧) ولعل الصحيح ـ الفعل ـ.

(٨) اى اختيارية العبد.

٥٨

فيبقى له ح بعده (١) ايضا هذا الشأن (٢) من انه له ان يفعل وله ان لا يفعل ومعلوم ان هذا الشأن ملازم لان يكون له تركه وإلّا فيلزم اخذ الارادة الازلية مثل هذا الشأن منه فيخرج اختياره ح عن التوسط وهو خلف محض ، وبذلك البيان (٣) ظهرت النكتة الفارقة (٤) بين الارادة التكوينية والتشريعية حيث ان الارادة التكوينية انما يتعلق بشيء بنحو يكون سالب الاختيار ولو من جهة سلبه مبادى اختياره من القدرة او العلم بالمصلحة وغيرها (٥) بخلاف الارادة التشريعية فانه انما يتعلق بالفعل الاختيارى بوصف اختياريته ومثل ذلك يستحيل ان يكون

______________________________________________________

(١) اى بعد الارادة المزبورة.

(٢) اى الاختيارية.

(٣) اى بعد كون الارادة المولى لا يخرج الفعل عن الاختيارية الى المجبورية.

(٤) فى بيان الفارق بين الارادة التشريعية والتكوينية فالارادة التشريعية عبارة عن ارادة الانسان صدور بعض الافعال عن غيره باختياره فيتسبب الى ذلك بجعل الداعى له اليه اعنى به امره اياه بذلك الفعل فالارادة التى نلتزم بوجودها فى موارد الامر بشيء هو هذا السنخ من الارادة ومثلها لا يعقل ان يستتبع وجوده وجود المراد قهرا وإلّا لزم من فرض تحققه كذلك عدم تحققه بما هو مراد بتلك الارادة لان متعلقها هو صدور الفعل من الغير باختياره فصدوره قهرا لسبب الارادة يلزم منه عدم كون الصادر متعلقا للارادة التشريعية هذا خلف نعم الذى لا ينفك عن المراد هى الارادة التكوينية ونحن لا ندعى وجودها فى موارد التكليف مطلقا عاصيا كان المكلف ام مطيعا وما فى الكتاب العزيز انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون انما هى الارادة التكوينية دون التشريعية هذا اوّلا قال فى الكفاية ، ج ١ ، ص ٩٩ واما الدفع فهو ان استحالة التخلف انما تكون فى الارادة التكوينية وهو العلم بالنظام على النحو الكامل التام دون الارادة التشريعية وهو العلم بالمصلحة فى فعل المكلف وما لا محيص عنه فى التكليف انما هو هذه الارادة التشريعية لا التكوينية فاذا توافقتا فلا بد من الاطاعة والايمان واذا تخالفتا فلا محيص عن ان يختار الكفر والعصيان.

(٥) فيترتب المراد عليها قهرا.

٥٩

سالب مبادى اختياره ومع عدم سلبها يبقى اختياره بعد الارادة بحالها وح له ان يطيع مولاه وله ان يعصى غاية الامر عقله يستقل بحسن اطاعته وقبح معصيته وباستحقاق العقوبة على الثانى والمثوبة على الاول ، ولك (١) ان تقول ايضا بان الارادة التكوينية (٢) ما هو الحافظ لوجود الشيء على الاطلاق ولو بسلبه مبادى اختياره على خلافها والارادة التشريعية (٣) ما كان حافظا لوجوده من قبل

______________________________________________________

(١) وثانيا المنع عن تخلف الارادة منه سبحانه عن المراد حتى فى الارادة التشريعية وبيانه يحتاج الى مقدمة بها ايضا يتضح الجهة الفارقة بين الارادة التكوينية والتشريعية وهى ان كل امر ومريد لفعل من الغير تارة يتعلق ارادته بحفظ وجود العمل على الاطلاق بنحو تقتضى سد جميع ابواب عدمه حتى من ناحية شهوة العبد والمأمور ولو بايجاد الارادة له تكوينا واخرى تتعلق بحفظ وجوده لا على نحو الاطلاق بل فى الجملة ومن ناحية مبادى حكم عقله بوجوب الاطاعة والامتثال وهو طلبه وامره وح فاذا كانت الارادة المتعلقة بفعل العبد من قبيل الاول فلا جرم لا بد له من سد جميع ابواب عدمه المتصورة حتى من جهة شهوة العبد ، واما اذا كانت من قبيل الثانى فالمقدار اللازم انما هو حفظ وجوده بمقدار تقتضيه الارادة فاذا فرض ان المقدار الذى تعلق الارادة والغرض بالحفظ انما هو حفظ المرام من ناحية مبادى حكم عقل المأمور بالاطاعة والامتثال وما يرجع الى نفس المولى من ابراز ارادته والبعث فالمقدار اللازم فى الحفظ ح انما هو ايجاد ما هو من مبادى حكم العقل بالامتثال لا ايجاد مطلق ما كان له الداخل فى الحفظ حتى مثل شهوة العبد والمأمور كما هو واضح ويكون نظير ما يامر المولى بالماء فيأتى به ويخلى قدامه فالمولى باختياره يشرب فيكون داعيا يشربه اختيارا.

(٢) وح فالارادة التكوينية من قبيل الاول ولذا يستحيل تخلفها عن المراد اذ هى بعد تعلقها بحفظ الوجود بقول مطلق حتى من ناحية الاضداد والمزاحمات فلا جرم يكون ترتب وجود المراد عليها قهريا فيستحيل تخلفها عنه وإلّا لزم الخلف.

(٣) واما الارادة التشريعية يكون من قبيل الثانى ايضا غير متخلفة عن المراد فان المفروض ان المقدار الذى تعلق الارادة بحفظه انما هو حفظ المرام فى الجملة بسد باب عدمه من ناحية مبادى حكم عقل المأمور بالاطاعة والامتثال لا حفظه بقول مطلق

٦٠