نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ١

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ١

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٠

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.

اما بعد فيقول العبد الفانى والراجى لرحمة ربه السيد عباس المدرّسى اليزدى مؤلف هذا الكتاب العزيز والسفر الجليل نجل سماحة آية الله العظمى السيد يحيى المدرّسى اليزدى قدس‌سره ، انّه لما كان ديدن الخلف المصلح النظر فى كلمات السلف الصالح وتفسيرها وشرحها فانهم المرشدون الى الهداية والواصلون الى السعادة فبهم قد انتقلت الينا الأمانة العظمى واحكام الشريعة الكبرى يدا بيد من المعصومين العظام سلام الله عليهم اجمعين عن الرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان ينقل استاذنا الآملى عن المحقق النّائينيّ انه كان يقول انى افتخر ان انظر فى بيع الشيخ الانصارى وكلماته وافهم مطالبه ويصرح الشيخ الاعظم الانصارى ان من افتخارى النظر الى كلمات السلف الصالح وفهم كلماتهم ولذا ترى كتابه المكاسب مملوء من كلمات المحققين كالشيخين والسيدين والشهيدين والمحققين والعلامة وغيرهم نور الله ضرائحهم ـ ونحن اداء لبعض حقوق اساتذتي العظام قدس الله ارواح الماضين منهم واطال الله عمر الباقين قد جمعت جملة من المسائل الفقهية من تقريراتى لهم وسميتها ب ـ نموذج فى الفقه الجعفرى ـ وقد طبعه الاخ فى الله الشيخ محمد الداورى حفظه الله واخيرا رأيت ان بعض اعاظم

٣

المعاصرين دامت بركاته (١) قد علق على درر الاصول لاستاذه المحقق الحائرى قدس الله سره فلله تعالى درّه وعليه اجره من احياء كلمات استاذه فرأيت انّ من الحرى ان اعلق واشرح كتاب مقالات الاصول للمحقق الكبير والاصولى العظيم ذا الفكر الصائب فقيه اهل البيت استاذ الفقهاء والمجتهدين ومنهم جملة من اساتذتي العظام وهو سماحة آية الله العظمى فى العالمين الشيخ ضياء الدين العراقى قدس الله تربته وذلك بامر استاذنا آية الله العظمى الميرزا هاشم الآملي دام ظله اداء لحق ذلك العالم الكبير الواجب على اهل العلم لفكره الباكر ويكون الشرح بحسب فهمي القاصر وفكرى الخاطئ واعترف أنه لا يصل فهمى وادراكى الا الى قطرة من بحر علمه. ولو انّى كتبت دورات من الاصول تقريرا لاساتذتى العظام والّفت كتابا كبيرا فى الاصول عند القائى بحث خارج الاصول على بعض الأحبّة وشرحا لكفاية الاصول إلّا انه اعرضت عن كل ذلك وقمت فى هذا لسفر الخطير اداء لحق هذا الاستاذ الوحيد الذى لم يصل الى فكره الصائب ومبتكراته البديعة شيء من المحققين والمجتهدين الا القليل فان من دقق النظر وخلى الذهن من الشبهات والتعصب والتقليد ـ يرى فيه البيانات العالية من السلف والخلف مع انضمام المطالب الغامضة والمبتكرات المعضلة بعبارات موجزة ـ والّفت ذلك مجردا لاحياء ذكره بمناسبة مضى نصف قرن على وفاته واداء لحق تلميذه المعظم الوحيد سماحة آية الله العظمى السيد الوالد قدس‌سره فاسئل الله تبارك وتعالى ان يوفقنى لاتمامه فانه غفور رحيم وليس لى فى هذا السفر الجليل الا التقرب الى الرب العزيز والوسيلة الى رضوانه وغفرانه ـ وهمّى فى هذا الشرح ان اذكر الثمرات الفقهية الفعلية للمسائل الاصولية بقدر الامكان واتعرض لبعض الامور المهمة التي لم يتعرض لها المحقق الماتن قدس‌سره ويكون تتميما لمسائل هذا العلم ـ ويقرب هذا الشرح من ستة اجزاء إن شاء الله تعالى وسمّيته ب ـ نماذج الاصول فى شرح مقالات أصول المحقق العراقى قدس‌سره ـ وراجعت فى شرحى هذا جملة من

__________________

(١) هو آية الله العظمى الحاج السيد محمد رضا الگلپايگانى.

٤

الكتب الاصولية وغيرها بل فى جملة من الشرح ذكرت عين عباراتها بتصريح ماخذه او بدون ذلك ـ ثم ان هذه هديّة الى مولاى الحجة بن الحسن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه واسأل الله العفو عن العثرات والمزلات وأرجو من الاخوان والأحبّة الناظرين فيه ان يعفو عنها فان الخطا والنسيان من لوازم الانسان ونتكل على الله تعالى فى جميع الامور فانه نعم المولى ونعم الوكيل ، ثم اكرر ان العفو عند كرام الناس مقبول وكان ذلك فى رجب سنة ١٤١١ ه‍ ق.

المؤلف

٥

(١) ...

______________________________________________________

(١) بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد ـ هذا كتاب نماذج الاصول فى شرح مقالات أصول المحقق العراقى قدس‌سره وقبل الورود فى البحث والشرح نتعرض لامور. لاجل البصيرة فى هذا العلم من دون دخالته فى الفقه.

الامر الأول ـ فى مرتبة علم الاصول من حيث الشرف والتعلم.

فان شرف كل علم يكون بشرافة موضوعه او غايته واشرف العلوم علم الكلام حيث ان موضوعه اشرف الموضوعات وهو البحث عن احوال المبدا والمعاد وغايته اشرف الغايات وهو الوصول الى الكمالات النفسانية والدرجات العالية وبعد ذلك علم الفقه وهو العلم بالاحكام الشرعية فان غايته هو الوصول الى الدرجات الرفيعة فانه الباعث للسعادة الابدية وعلم اصول الفقه مقدمة لعلم الفقه فانه من مبادئ علم الفقه فله الشرافة والمرتبة لتوقفه عليه ـ واما من حيث التعليم والتعلم يكون علم الاصول مقدما على علم الفقه لكونه مقدمة له ولا يمكن تحصيل الاستنباط بدونه ومما يتوقف عليه ـ وبالجملة مرتبة علم الاصول فوق مرتبة سائر العلوم عدا الفقه شرافة وقبل الفقه تعلما.

الامر الثانى ـ فى ان علم الاصول الجزء الاخير من العلة التامة لعلم الفقه.

قال المحقق النائينى فى الفوائد ، ج ١ ، ص ١٨ ، لا اشكال فى ان العلوم ليست فى عرض واحد بل بينها ترتب وطولية اذ رب علم يكون من المبادى لعلم آخر ولاجل ذلك دوّن علم المنطق مقدمة لعلم الحكمة وكذلك كان علم النحو من مبادى علم البيان ومن الواضح ان جل العلوم تكون من مبادى علم الفقه ومن مقدماته حيث يتوقف الاستنباط على العلوم الادبية من الصرف والنحو واللغة وكذا يتوقف على علم الرجال وعلم الاصول ولكن مع ذلك ليست هذه العلوم فى عرض واحد بالنسبة الى الفقه بل منها ما يكون من قبيل المقدمات

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاعدادية للاستنباط ومنها ما يكون من قبيل الجزء الاخير لعلة الاستنباط وعلم الاصول هو الجزء الاخير لعلة الاستنباط بخلاف سائر العلوم فانها من المقدمات حتى علم الرجال الذى هو اقرب العلوم للاستنباط ولكن مع هذا ليس فى مرتبة علم الاصول بل علم الاصول متأخر عنه وعلم الرجال مقدمه له ـ الى ان قال ـ مثلا استنباط الحكم الفرعى من خبر الواحد يتوقف على عدة امور فانه يتوقف على معرفة معانى الالفاظ التى تضمنها الخبر ويتوقف ايضا على معرفة ابنية الكلمات ومحلها من الاعراب ليتميز الفاعل عن المفعول والمبتدأ عن الخبر ويتوقف ايضا على معرفة سلسلة سند الخبر وتشخيص رواته وتمييز ثقتهم عن غيره ويتوقف ايضا على حجية الخبر ومن المعلوم ان هذه الامور مترتبة من حيث دخلها فى الاستنباط حسب ترتبها فى الذكر والمتكفل لاثبات الامر الاول هو علم اللغة ولاثبات الثانى هو علم النحو والصرف ولاثبات الثالث هو علم الرجال ولاثبات الرابع الذى به يتم الاستنباط هو علم الاصول فرتبة علم الاصول متأخرة عن جميع العلوم الخ. لان بضم كبرياته يستنتج الحكم الفقهى لا غير.

الامر الثالث فى الحاجة الى علم الاصول.

قد يتخيل ان علم الاصول حشو زائد وليس بنافع وهو منسوجات ومصنوعات وهذا تخيل باطل وتوهم فاسد فان بدونه لا يصير الانسان فقيها فالضرورى الذى لا يشك فيه ان الشريعة الاسلامية تشتمل على احكام إلزامية من وجوبات وتحريمات تتكفل بسعادة البشر ومصالحهم المادية والمعنوية ويجب الخروج عن عهدتها وتحصيل الامن من العقوبة من ناحيتها بحكم العقل وهذه الاحكام ليست بضرورية لكل احد بحيث يكون الكل عالمين بها من دون حاجة الى تكلف مئونة الاثبات واقامة البرهان عليها نعم عدة منها احكام ضروريه او قطعيّة فيعلمها كل مسلم من دون حاجة الى مئونة الاثبات والاستدلال ولكن جعلها نظريات تتوقف معرفتها وتمييز موارد ثبوتها عن موارد عدمها على البحث والاستدلال وان ذلك يتوقف على معرفة قواعد ومبادى تكون نتيجتها معرفة الوظيفة الفعلية وتشخيصها فى كل مورد وان هذه القواعد هى القواعد الأصولية فهى مبادى تصديقيه لعلم الفقه المتكفل لتشخيص الوظيفة الفعلية فى كل مورد بالنظر والدليل وان المباحث الأصولية قد مهدت واسست لمعرفة هذه القواعد وتنقيحها فقد ذكر استاذنا الشيخ الزنجانى ان كل مسألة فقهيه تحتاج الى مسائل اصوليه لا مسألة واحدة فلو قام الخبر الواحد على وجوب صلاة الجمعة فيحتاج الى ثبوت اصل الصدور وهو احدى مسائل اصوليه مهمة وهى حجية الخبر الموثوق

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الصدور او الثقة. وجهة الصدور بان لم يصدر تقية او للاختبار والامتحان باصل عقلائى ثابت فى الاصول ـ كما ان صغرى الظهور من كون المفرد المحلى باللام يفيد العموم وكذا سائر مسائل العام والخاص والمطلق والمقيد كل ذلك من المسائل الأصولية ثم كبرى الظهور حجة ايضا منها وتخصيص القرآن بالخبر الواحد ايضا من المسائل الأصولية وغير ذلك من الجهات الموجودة فى دليل واحد من المفاهيم الحرفية وثبوت اطلاقها وعدم ثبوته وثبوت المفهوم للوصف وعدم ثبوته وغير ذلك.

الامر الرابع : فى تقسيم علم الاصول

قال صاحب الكفاية ، ج ١ ، ص ٣ : وبعد فقد رتبته على مقدمة ومقاصد وخاتمه. اما المقدمة ففى بيان امور ـ وهى ثلاثة عشر والامر الاخير المشتق. والمقاصد ثمانية : المقصد الاول فى الاوامر ـ المقصد الثانى فى النواهى ـ المقصد الثالث فى المفاهيم ـ المقصد الرابع فى العام والخاص ـ المقصد الخامس فى المطلق والمقيد والمجمل والمبين ـ المقصد السادس فى بيان الامارات المعتبرة شرعا او عقلا ـ المقصد السابع فى الاصول العملية ـ المقصد الثامن فى تعارض الادلة والامارات ـ الخاتمه فى الاجتهاد والتقليد ـ انتهى. هكذا مشى عليه هو والمتأخرين عنه ـ وذكر المحقق الاصفهانى فى الاصول على النهج الحديث ص ٦ ، قال : فقد جعلنا الكتاب مرتبا على مقدمة وابواب أربعة وخاتمه ـ فالمقدمة فى المبادئ التصورية والتصديقية بقسميها من اللغوية والاحكامية ـ اما مبادئ التصورية راجعة الى حدودات تلك القضايا باطرافها من الموضوع والمحمول والنسبة ـ ومبادئه التصديقية هى ما يتوقف عليه التصديق بثبوت محمولات تلك القضايا لموضوعاتها ـ فالمبادى بكلا قسميه تارة لغوية واخرى أحكامية ـ فالبحث عن المعانى الحرفية والخبر والانشاء والحقيقة والمجاز واشباهها من المبادئ التصورية اللغوية يعرف بها مفاد الهيئات النسبية الإنشائية ومعنى حقيقيتها ومجازيتها ـ والبحث عن ثبوت الحقيقة الشرعية والصحيح والاعم وجواز استعمال اللفظ فى اكثر من معنى من المبادئ التصديقية اللغوية بها يصح حمل الصلاة مثلا على معناها المتداول شرعا وبها يحكم باجمال اللفظ على الصحيح فلا موقع للاطلاق او بالبيان الذى معه مجال له على الاعم وبها يحكم على استعمال اللفظ فى الجامع بناء على الامتناع وفى الايجاب والاستحباب مثلا بناء على الامكان ـ كما ان البحث عن حقيقة الحكم بما هو لا بما هو مدلول اللفظ ـ اى هل الارادة او الامر الانشائى الاعتبارى ـ والبحث عن التكليفى والوضعى والمطلق والمشروط والنفسى والغيرى الى آخر تقسيمات الحكم من

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المبادئ التصورية الاحكامية ـ والبحث عن امكان اجتماع الحكمين وامتناعه من المبادئ التصديقية الاحكامية فيحكم بناء على الامكان بعدم التعارض بين الدليلين المتكلفين للحكمين وعلى الامتناع بالتعارض ـ والابواب الأربعة ـ. الباب الاول فى المسائل العقلية النظرية والعملية وانما قدمناها على اللفظية لشرافتها وقلة مواردها ـ ومراده مباحث القطع والاستلزامات العقلية كبحث مقدمة الواجب ومبحث الضد ومبحث اجتماع الامر والنهى ومبحث النهى فى العبادات. الباب الثانى فى المسائل اللفظية وفيه مقاصد الاول فى المجعولات التشريعية من حيث نفسها من الاوامر والنواهى. الثانى فى المجعولات المزبورة من حيث تعليقها على شرط او وصف ونحوهما الثالث فى موضوعات المجعولات التشريعية ومتعلقاتها من حيث العموم والخصوص والاطلاق والتقييد والاجمال والبيان. الباب الثالث فى ما يتعلق بالحجج الشرعية من حجية الظاهر مطلقا وخصوص ظاهر الكتاب وحجية حكاية السنة وحجية نقل الاجماع وحجية الاستصحاب يذكر كل منها فى ضمن مطلب ـ. الباب الرابع فى تعارض الحجتين دلالة او سندا ـ والخاتمة فى البراءة والاشتغال والاجتهاد والتقليد فان مسائلها اما بنفسها حكم شرعى مستنبط او لا ينتهى اليه اصلا فلذا جعلناها خارجة عن مقاصد الفن ومندرجة فى خاتمتها حيث لم يبحث عنها فى علم آخر مع حاجة الفقيه اليه انتهى ولكن فيه مضافا الى انه لم يف عمره الشريف لتطبيق المسائل الأصولية على تبويبه ـ يرد عليه ان البراءة والاشتغال واجدتان لخصوصية بها امتازتا عن القواعد الفقهية وهى كونهما مما ينتهى اليه امر المجتهد فى مقام الافتاء بعد الياس عن الظفر بالدليل الاجتهادى كاطلاق او عموم وهذا بخلاف تلك القواعد فانها ليست واجدة لها بل هى فى الحقيقة احكام كلية الهية استنبطت من ادلتها لمتعلقاتها وموضوعاتها وتنطبق على مواردها بلا اخذ خصوصية فيها وبهذه تكونان من المسائل الاصولية بل سيأتى نفس تعريف علم الاصول الذي يشملهما وسيأتى ايضا بيان التمييز بين المسائل الاصولية والفقهية.

الامر الخامس فى ماهية العلم وحقيقته ـ وجعل فى الطبع الحديث من المقالات عنوان (المقالة الاولى فى ما يتعلق بالعلم موضوعا وغاية وتعريفا) ولا يوجد فى الطبع الاول المعتمد عليه ذلك.

٩

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقالات الاصول

اعلم ان ديدن الاصحاب من الصدر الاول (١) على تدوين شتات من القواعد الوافية بغرض ومقصد مخصوص وجعلها فنّا خاصا (٢) يتعلق بها العلم تارة (٣) والجهل اخرى (٤) وتكون ذواتها (٥) محفوظة فى نفس الامر والواقع (٦) وان لم يكن لها (٧)

______________________________________________________

(١) لا يخفى انه قد جرى ديدن ارباب الفنون على تدوين شتات من القواعد والمسائل الخاصة مما كانت وافية بغرض مخصوص ومقصد خاص وجعلهم فنّا خاصا وموسومة باسم مخصوص كالنحو والصرف ونحوهما كما هو كذلك فى طريقة العقلاء لكل من اراد ان يؤسّس فنّا من الفنون او قانونا من القوانين فلانه يلاحظ فى نظره اوّلا فى مقام تأسيس ذلك الفن غرضا خاصا ثم يجمع شتات من القواعد والمسائل الخاصة مما كانت وافية بذلك الغرض والمقصد المخصوص ويسموه باسم خاص.

(٢) ومن الواضح ايضا ان ما كانت من القواعد والمسائل دخيلة فى ذلك الغرض الخاص ومرتبطة به يحسب من ذلك الفن الخاص دون ما لا يكون لها دخل فى ذلك الغرض الخاص فما كان الغرض منه هو صيانة الخطا اللفظى فى الكلام فهو النحو ويجمعه القواعد الدخيلة فى هذا الغرض وما كان الغرض منه صيانة الخطا فى الفكر فيجمعه المنطق وهكذا.

(٣) قال فى شرح منظومه السبزوارى ص ٨ العلم الحصولى هو الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل الخ والجهل عدمه فى الموضوع القابل فالظاهر انهما من باب العدم والملكة.

(٤) كما فى قولك فلان عالم بالنحو وفلان جاهل به.

(٥) اى ذوات الشتات ـ.

(٦) ولها وجودات واقعية حقيقيه ام ذهنيه ام اعتبارية او وهمية فى اى موطن يكون.

(٧) اى للشتات من المسائل محصل فى العالم وما بازاء فى الخارج بل كان من الامور الاعتباريّة المحضة لكن يحسب فنا خاصا ـ او المراد ذواتها المحفوظة وان لم يذهب

١٠

محصل فى العالم (١) وبهذا الاعتبار (٢) ايضا (٣) يقال بان المسألة الكذائية من اجزاء فن دون آخر (٤) فاسامى هذه الفنون مثلا كالنحو والصرف والفقه والاصول حاكيات عن نفس تلك الشتات باجمعها مع قطع نظر عن ادراكها (٥) ولذلك صحت اضافة العلم اليها تارة والجهل اخرى فيقال فلان عالم بالنحو مثلا او جاهل به (٦) نعم قد يطلق العلم على نفس هذه العناوين (٧) ويضاف موضوع الخاص

______________________________________________________

احد الى تحصيله.

(١) ثم انه يقع الكلام فى ان هذه القواعد الخاصة الوافية بغرض مخصوص هل ذواتها المحفوظة فى نفس الامر هو الفن الخاص وموسومة باسم خاص او العلم بتلك القواعد هو الفن الخاص ـ ذهب المحقق الماتن الى الأوّل وهو الصحيح وملخصه ان كل فن وعلم عبارة عن نفس تلك القواعد الواقعية المحفوظة فى مرتبة ذواتها دون انكشاف الواقع للنفس المنقسم الى التصورية والتصديقية فعلم النحو والصرف والهندسة وغيره مما له واقع محفوظ فى نفس الامر وهى القواعد والمسائل الخاصة دون الكتابة والانكشاف بل يكونان حاكيان عن الواقع المحفوظ.

(٢) اى كون هذه الفنون عبارة عن نفس تلك الكبريات فى النفس الامرية.

(٣) اى كما يضاف اليه العلم تارة والجهل اخرى.

(٤) فالفن والعلم هو عبارة عن نفس القواعد الواقعية اسامى هذه الفنون كالنحو والصرف والفقه والاصول ونحوه حاكيات عن تلك القواعد الواقعية باجمعها.

(٥) فان لتلك القواعد واقع محفوظ مع قطع نظر عن ادراكها كالكنز تحت الارض له واقع محفوظ مع قطع النظر عن العلم به وعدمه.

(٦) فبما ان ذوات تلك القواعد هو الفن كرفع الفاعل ونصب المفعول وجر المجرور فقد يتعلق بها الادراك فيقال عالم بها واخرى لا يدركها فيكون جاهلا بها. فلو كان العلم والفن عبارة عن العلم بتلك القواعد لما كان مجال لاضافة العلم اليها تارة والجهل اخرى ـ فحقيقة العلم عبارة عن نفس الذوات الواقعية ولا مانع من ان يكون وجوده الادراكى من احدى مراتب وجود الشيء لمن عبّر عن هذه الفنون بالعلم بها كما لا يخفى كما انه بهذا الاعتبار يقال الامر الفلانى موضوع علم كذا والمسألة الفلانية من مسائل علم كذا.

(٧) والمراد من العناوين هو الفنون كالنحو والصرف والفقه ونحوها ويطلق عليه العلم فيقال علم النحو وتوضيح ذلك ان العلم قد يطلق ويراد به التصور او التصديق او الملكة والظاهر ان هذه الثلاثة بمعنى الانكشاف وانما كان الاختلاف بين الاولين فى متعلق

١١

اليه (١) فلا بد وان يراد من العلم ح نفس القواعد الواقعية (٢) اذ لا معنى (٣) لاضافة الموضوع المزبور الى التصديق (٤) بها (٥) لان معروض التصديق هو النفس ومتعلقه نفس القواعد فلا مجال لاضافة الموضوع المزبور اليه (٦) كما ان اضافة الغاية اليه (٧) لا بد وان يراد من العلم هذا المعنى

______________________________________________________

الانكشاف من حيث كونه مفرد تارة فيسمى التصور ومركبا اخرى فيسمى التصديق.

واما الملكة فهو الانكشاف الراسخ الثابت ولو على نحو البساطة ـ وقد يطلق ويراد به المعلوم وهو المسائل واطلاقه عليه كاطلاق المصدر على المبنى للمفعول كالخلق بمعنى المخلوق وهو قد يكون حقيقيا اذا كان معنى المفعول متحد الوجود مع معنى المصدر وناشئا عنه كالمثال وقد يكون مجازيا اذا كان مختلفى الوجود وكان المصدر واردا على متعلق غير متوقف عليه كاطلاق العلم على المسائل وح اذا كان بين المسائل جهة وحدة منتزعة عنها تسمى تلك باعتبار جهة وحدة بالفن ويطلق عليها بهذه الجهة فى اصطلاح العلوم من باب الحقيقة المنقولة فيكون العلم بهذا المعنى اسم للفن والصناعة لا بالمعنى الأوّل.

(١) اى يضاف اليه الموضوع فيقال موضوع علم النحو كذا وموضوع علم الصرف كذا وهكذا.

(٢) فالعلم فى مفروض الكلام ليس هو الادراك بل ذوات القواعد الواقعية كما مر.

(٣) هذا هو الوجه الأوّل لعدم كون المراد من العلم هو الادراك وذلك لانه لو كان المراد هو الادراك والتصديق فلا محاله معروضة النفس والذهن وبما انه لا بد وان يتعلق بشيء لعدم امكان ان يكون ادراك بلا مدرك فيكون متعلقه نفس القواعد الواقعية فعلى هذا لا مجال لاضافة الموضوع الخاص اليه كالكلمة والكلام فى النحو لكونه ليس موضوعا للادراك بل موضوع لنفس القواعد النفس الامرية كرفع الفاعل ونصب المفعول كما هو واضح والحاصل ان الكلمة والكلام ليس موضوع التصديق بالنحو فيكون معروض التصديق بالنحو هو الكلمة والكلام فان معروض التصديق هو النفس كما عرفت بل الموضوع نفس القواعد الواقعية.

(٤) اى العلم التصديقى.

(٥) اى بالقواعد.

(٦) وان شئت قلت ان الموضوع فى الرتبة السابقة عن العلم به فكيف يجعل موضوعا لنفس الادراك وهذا خلف محال.

(٧) هذا الوجه الثانى لعدم كونه هو الادراك فيقال غاية علم النحو كذا وهو الصون

١٢

ايضا (١) لو اريد من الغاية (٢) ما يترتب على نفس هذه الشتات (٣) لا الاغراض المترتبة على تحصيل العلم بها (٤) اذ مثلها ربما تختلف باختلاف اغراض المحصلين فقد لا يكون غرض المحصل لعلم النحو مثلا حفظ كلامه عن الغلط بل يحصله لمقاصد أخر لا تكون تحت الضبط ـ ولعل ما ذكرناه (٥) هو مقصود (٦) من جعل احد معانى العلم المحمولات المنتسبة (٧) وان كان الأولى جعله عبارة عن

______________________________________________________

عن الخطأ اللفظى فى كلام العرب وغاية علم المنطق هو الصون عن الخطا فى الفكر وهكذا غاية علم الصرف ونحوه.

(١) وهو نفس القواعد الواقعية والنفس الامرية لا الادراك على ما عرفت لانه ليس غاية للادراك بل غاية لنفس تلك القواعد كما هو واضح لتصح الاضافة.

(٢) الغرض والغاية تتصور على نحوين تارة يراد من الغرض ما يترتب على نفس القواعد الأوّلية من الحفظ عن الخطا فى الفكر فى المنطق والحفظ عن الخطأ والغلط فى الكلام فى النحو وهكذا ـ واخرى يراد من الغرض هو الاغراض المترتبة على تحصيل العلم بها.

(٣) فلو اراد النحو الأوّل من الغرض فاضافة العلم اليه لا يصح الّا ان يراد نفس القواعد الأوّلية.

(٤) ولو اراد النحو الثانى من الغرض فهذا لا مانع من ان يراد من العلم الادراك لانه اغراض شخصية مترتبة على تحصيل العلم بها ولا يكون تحت ضبط بل يختلف باختلاف الاغراض الداعية الى تحصيلها فقد لا يكون غرض المحصل تلك الغاية المترتبة على تلك القواعد بل كان غرضه شيئا آخر كان يقال انه عالم بفنون متعددة وعلوم كثيرة ونحو ذلك.

(٥) من كون المراد من علم النحو مثلا وهكذا سائر العلوم هو نفس القواعد الواقعية لا الادراك.

(٦) اشار الى ذلك فى بدائع المحقق الرشتى ص ٦ بقوله والانصاف عدم معلوميّة استعماله ـ ملكه ـ فى نفس المسائل المراد بها المحمولات المنتسبة او مجموع القضية انتهى.

قال السبزوارى فى شرح المنظومة ص ١٠ اجزاء العلوم المدونة ثلاثة موضوعات ومبادى ومسائل اى محمولات منتسبه الى موضوعات انتهى.

وصاحب الفصول ص ٢ فذكر المسائل وهى القضايا او المحمولات المنتسبة ولم يختر احدهما هنا.

(٧) ولعله سيأتى البحث فى ان الفنون الخاصة عبارة عن الموضوعات والمحمولات

١٣

نفس القواعد بموضوعاتها ومحمولاتها لا خصوص المحمولات المنتسبة كما لا يخفى.

تذكار فيه ارشاد (١) وهو (٢) ان المراد من الغرض فى كل شيء هو المقصد الاصلى (٣) وما تعلق به (٤) قصده الأولى على وجه يكون داعيا الى تحصيل مقدماته (٥) وموجبا للتوصل بها (٦) اليه (٧) فلذا لا بد من ترتّبه (٨)

______________________________________________________

والنسبة بينهما كما عليه المحقق الماتن قدس‌سره وهى القواعد النفس الامرية الموسومة بالنحو والصرف ونحوهما لوضوح ان الموضوعات مقدمة للقضايا كالمحمولات والقضايا بجميع اجزائها من قوام الفن او المحمولات المنتسبة الى الموضوعات بحيث تكون الموضوعات خارجة عن الفن فعلى اى حال يقول المحقق الماتن قدس‌سره ان مراد من جعل العلم بمعنى المحمولات المنتسبة هى القواعد الواقعية لا العلم بمعنى الادراك كما هو واضح.

قال السبزوارى فى شرح المنظومة ص ٨ او هو تصديق هو الحكم فقط اى مجرد الاذعان وادراك ان النسبة واقعة وهذا مذهب الحكماء ومن يركبه اى ينسب التصديق الى التركيب هو الامام الفخر الرازى فيجعله مجموع تصور المحكوم عليه وتصور المحكوم به وتصور النسبة الحكمية والحكم بخلاف الحكيم فان التصورات الثلاثة شروط عنده فيركب الشطط اى يتعدى عن حد الاقتصار على الحكم فيه انتهى.

(١) الامر السادس فى بيان الغرض والغاية وفيه جهات من الكلام.

(٢) الجهة الأولى فى المراد من الغرض.

(٣) تقدم ان كل فن عبارة عن جملة من القواعد المتشتتة الّتى يجمعها غرض واحد والمراد من الغرض والغاية عند العقلاء هو المقصد الاصلى الذى دعى الى تحصيل مقدماته للتوصل بها اليه ويلزم ان يكون ذلك الغرض مترتّبا على وجوده فى الخارج بحسب العادة ولهذا كما انه لا بد فى كل فن من غرض وغاية فى نظر الجاعل له كذلك لا بد وان يكون ذلك الغرض والغاية مترتبا على قواعد ذلك العلم والفن لما سيأتى فى محلّه من ان مقدمة الواجب ليست بواجبة الا ما كانت موصلة وتترتب عليها ذيها لا مطلقا فترتب الغرض شرط فيه وهذا مما لا اشكال فيه.

(٤) اى بالغرض.

(٥) اى الغرض.

(٦) اى بالمقدمات.

(٧) اى الغرض.

(٨) اى الغرض.

١٤

عليها (١) نظرا الى ان الارادة التوصلية (٢) لا تكاد تتعلق الّا بما يترتّب عليه ذيها (٣) كما سيأتى شرحه فى باب المقدمة إن شاء الله تعالى ـ ومن هذه الجهة (٤) نلتزم بان دائرة الغرض دائما تكون بمقدار دائرة المراد ويستحيل ان يكون أوسع او أضيق و (٥) ح (٦) فالغرض من كل مقدمة عند تعدّدها (٧)

______________________________________________________

(١) اى المقدمات. هكذا فى الطبعة القديمة ترتبه عليها وهو الصحيح دون ما فى الطبعة الحديثة ترتبها عليه.

(٢) اى وجوب المقدمية.

(٣) اى ذى المقدمة وهى المقدمة الموصلة.

(٤) اى جهة كون الغرض هو المقصد الرئيسى عند العقلاء يلزم ان يكون الغرض مطابقا للمراد والمطلوب سعة وضيقا فلا يمكن ان يكون المراد اوسع من الغرض ولا اضيق فان المراد والملاك تابع المصلحة والغرض لا ازيد ولا انقص وبدونه يكون محالا لانه يلزم اما طلب بدون الغرض والمصلحة لا يصدر ذلك من الحكيم الذى احكامه تابع المصالح والمفاسد واما وجود الغرض بدون الطلب ايضا يلزم المحال لعدم وجود المانع فيلزم تحقق الارادة على وفقه وإلّا فقد فوّت الغرض وهو قبيح لا يصدر من الحكيم فعليه لا بد من التطابق.

وبالجملة انه من قبيل العلة والمعلول فكما ان دائرة العلة لا تكون اوسع من المعلول وكذا العكس لان العلية فيها خصوصية واثر خاص تؤثر فى المعلول فلا يمكن تخلفه عنه سعة وضيقا فان كان المعلول اوسع لم تكن العلة علة له لتوسعة المعلول عن العلة وليس ذلك علة له ولا يمكن ان يكون اضيق لان الخصوصية كانت على وجه اوسع فلا بد من التطابق ـ ثم ان فى العلة هذه الخصوصية تؤثر النار فى الحرارة والّا لأثر كل شيء فى كل شىء كذلك القواعد بالنسبة الى الغرض لا يمكن ان يكون اوسع ولا اضيق كالحفظ من الخطأ اللفظى فى علم النحو.

(٥) الجهة الثانية فى انحلالية الغرض بالنسبة الى المسائل وتبعيضه.

(٦) وملخصه ان الغرض والفائدة لو كانت معلولة لجملة من المقدمات تشترك فى تحصيل الفائدة فكل منها له نصيب فى التأثير فيه فكل واحدة من المقدمات المزبورة تنفى بوجودها عدم الفائدة الذى يستند الى عدمها لو انتفت وتحفظ حصة من وجود الفائدة فى حين اقترانها بباقى المقدمات.

(٧) اى تعدد المقدمة.

١٥

ليس وجود الشيء (١) بقول مطلق لاستحالة ترتبه (٢) عليها (٣) وحدها اذ هو (٤) خلف بل لا بد ان يكون الغرض منها (٥) حفظ وجود المقصد الأصلى من قبلها (٦) وسدّ باب عدمه من ناحيتها (٧) ـ وبعد ذلك (٨) نقول ان اغراض العلوم المعروفة فى كلماتهم من مثل حفظ الكلام هيئة فى النحو ومادة فى الصرف وحفظ فعل المكلف فى الفقه بل وحفظ استنباط حقائق الاشياء ومعرفتها من مثل قواعد العلوم الفلسفية والرياضية كحفظ استنباط الاحكام من القواعد الاصولية وهكذا ليس حفظ الوجود بقول مطلق (٩) كيف

______________________________________________________

(١) اى الغرض.

(٢) اى الغرض.

(٣) اى المقدمة.

(٤) اذ هو خلف فرض كون الغرض مترتبا على جملة من المقدمات فكل مقدمة تترتب عليها سدّ عدمها من تلك الناحية.

(٥) اى من كل مقدمة.

(٦) اى من تلك المقدمة.

(٧) اى من ناحية تلك القاعدة لا مطلقا وإلّا لم تكن سائر المقدمات دخيلة فى الغرض.

(٨) الجهة الثالثة فى بيان ان الغرض يترتب على تلك القواعد الخاصة او مع غيرها وان شئت قلت ان المسائل المدونة فى العلوم لا تنتج بنفسها الاغراض المذكورة لها مثل حفظ اللسان عن الخطأ فى المقال فى علم النحو مثلا بل لا بد لهذه المسائل من ضم مقدّمات اخرى اليها كتعلم تلك المسائل وارادة تطبيقها لتنتج الغرض المزبور لها فلا وجه لما يقال ان غرض علم النحو كذا مع عدم حصوله له بمجردها.

(٩) ذكر المحقق الماتن فى هذه الجهة احتمالين ـ الاحتمال الأوّل ان يكون الغرض مترتبا على نفس وجود الشيء وهى القواعد الواقعيّة بلا دخل لشيء آخر وعلى هذا الاحتمال كما سيأتى يترتب عليه تصحيح ذوات الاعمال القابلة للصدور من فاعلها بالصحة قولا او فعلا او استنباطا فالقواعد المزبورة من مبادى اتصاف هذه الامور بالصحة فتكون من قبيل المقدمة المنحصرة لتصحيح الامور المزبورة من دون مدخلية لشيء آخر فيه من جهة انّه بمجرد جعل القواعد يترتب عليها الاتصاف بالصحة الذى هو الغرض من العلم والفن وان لم يتحقق بعد

١٦

وهذا المعنى (١) يستحيل ان يترتب على صرف القواعد الواقعية (٢) ولا مجرد العلم بها (٣) بل (٤) لارادة العامل دخل فيه فلا محيص ان يجعل المقصد المزبور ما

______________________________________________________

فى الخارج اصلا فان مبادئ الوجود غير مرتبطة بمبادئ اتصاف الشيء بالصحة كاتصاف الكلام هيئة بالصحة فى النحو ومادة فى الصرف وافعال المكلفين فى الفقه وهكذا وبالجملة فالغرض مترتب بقول مطلق على نفس القواعد الواقعية بلا مدخلية لشيء آخر فيه اصلا ويكو نظير ما يقال ان عمل العامى بلا تقليد او اجتهاد يصح ان طابق الواقع او الحجة الفعلية فحفظ اللسان عن الخطا يترتب على نفس المسائل لانسداد ما يخصها من ابواب عدم الحفظ.

(١) من الغرض.

(٢) ثم بيّن الاشكال فى الاحتمال الأوّل بانه بعد ان كان تحقق الكلام الصحيح والاستنباط الصحيح منوطا بارادة المتكلم والمستنبط المحصل للقواعد فيستحيل ان يكون الغرض والمقصد الاصلى من العلم يترتب على نفس القواعد الواقعية بل استحالة ترتبه عليه حتى مع العلم بها ايضا لمكان مدخلية ارادة العالم والمحصل لها فى ذلك لا الوجود بقول مطلق كما وهو واضح وردّه بان معنى ترتب الحفظ على المسائل بمجردها هو انسداد ما يخصها من ابواب عدم الحفظ.

(٣) لما عرفت مرارا من ان الارادة التوصلية انما تتعلق بالمقدمة الموصلة وهى ما تترتب عليها ذيها فمجرد العلم بها من دون ارادة العامل لاعمالها لا يترتب عليه الغرض.

(٤) الاحتمال الثانى ان يكون الغرض عبارة عن وجود الاعمال الصحيحة فى الخارج كحفظ الكلام عن الغلط هيئة فى النحو ومادة فى الصرف وهكذا فلا جرم ما يترتب على نفس القواعد ح لما لا يكون إلّا الحفظ من جهة لا الحفظ على الاطلاق لمكان مدخلية ارادة العامل العالم فى ذلك فلا بد وان يكون الغرض الذى هو مورد ارادته النفسية عبارة عما يترتب على هذه القواعد وليس هو إلّا الحفظ من جهة الراجع الى سدّ باب عدمه من قبلها لا الحفظ بقول مطلق كما فى الاحتمال الاول ـ وان شئت توضيح ذلك فانظر الى كل امر كان لارادة الغير مدخل فى تحققه فيكون مثل هذا المعنى كما فى الملكية فى البيع مثلا ونحوها فانها من جهة اناطتها فى التحقق على ايجاب البائع وقبول المشترى لا يكاد تتمشى الارادة والقصد الجدّى من البائع فى ايجابه الى حصول الملكية فى الخارج بقول مطلق بل ما هو المتمشّى من قبله لا يكون إلّا التوصل الى وجود الملكية من ناحية ايجابه فقط الراجع الى سدّ باب عدمها من قبله لا السد بقول مطلق كما فى كلية الاحكام الشرعية المتعلقة بافعال المكلفين حيث لا يكون الغرض من الخطاب والايجاب الا حفظ وجود المرام من ناحية ايجابه لا الحفظ المطلق فانه لا

١٧

يترتب على هذه القواعد من حفظ وجود هذا المقصد من ناحيتها (١) ومرجعه فى الحقيقة الى ما ذكرنا من سدّ باب عدمه من قبلها نعم لك (٢) ان تجعل الغرض من

______________________________________________________

يترتب على ايجابه لمدخلية اختيار المكلف وارادته فيه والمقام ايضا كذلك بعد كون الكلام الصحيح منوطا بارادة المتكلم فالغرض عبارة عما يترتب على القواعد الخاصة وهو لا يكون إلّا الحفظ من جهة الراجع الى سد باب عدمه من ناحية تلك القواعد لا الحفظ المطلق حتى من ناحية غيرها كما لا يخفى وبالجملة ان وجود تلك الفائدة لا تترتب على كل واحدة من المقدمات مطلقا ولو فى حال الانفراد ولا تتقسط على المقدمات بل ان كل واحدة من المقدمات والمسائل تنفى بوجودها عدم الفائدة الذى يستند الى عدمها لو انتفت وتحفظ حصة من وجود الفائدة فى حين اقترانها بباقى اخواتها من المقدمات فكل مقدمة لها نصيب من التأثير والاثر فى وجود الفائدة وعليه تكون قواعد كل علم فى حين اقترانها بباقى المقدمات مستلزمة للفائدة التى نسبت اليها لكن لا مطلقا بل عند ارادة المتكلم.

(١) فالنتيجة ان الغرض والمقصد الأصلى انما يترتب على القواعد الخاصة والمسائل المتشتتة خارجا عند ارادة المتكلم العالم بها لوجودها وسد عدمها من قبله لا مطلقا يترتب عليها سواء اراد المتكلم اعمالها ام لا كما هو واضح.

فالقواعد المزبورة بمجردها انما يسد باب عدمها من ناحيتها فقط ولا يترتب الغرض خارجا إلّا بضم العلم بها وارادة تطبيق قواعده من العامل كما لا يخفى وهما غير دخيلان فى الغرض.

(٢) ثم استدرك قدس‌سره عن هذين الاحتمالين وذكر ما ملخصه كما اشير اليه انه يمكن ان يجعل الغرض والمقصد الاصلى الاحتمال الاول وذلك لان لنا مبادى تصحيح الاعمال القابلة للصدور من العامل ومقياسا يستكشف به حال الجزئيات التى يرجع فى مثلها اليه من حيث الصحة وعدمها بمطابقتها اياه وعدم المطابقة ـ ولنا مبادى ايجاد الامور الصحيحة فى الخارج فارغا عن اتصافها بها فمبادئ التصحيح مترتب على وجود نفس القواعد الخاصة من دون مدخلية شيء آخر فكل عمل قابل للصدور من الفاعل يتصف بالصحة ان طابقت لها وان لم يتحقق فى الخارج اصلا فيمكن جعل الغرض ذلك وبهذا الشأن امر ذاتى له لا يكاد ينفك عنه ـ واما مبادئ ايجاد هذه الامور الصحيحة وحفظ الكلام المسطور فى كلماتهم ينافى كون الغرض وجود المطلق بل منوط بارادة المتكلم واعماله كما عرفت فيكون الغرض من نفس القواعد هو الحفظ من جهة بحيث لو تعلق عليه ارادة المتكلم لتحقق الحفظ لا محاله ومن ذلك كله قد اندفع ما ربما يشكل فى بيان انه ليس تمايز العلوم بتمايز الاغراض

١٨

كل علم تصحيح الاعمال القابلة للصدور من فاعلها قولا او فعلا او استنباطا كتصحيح الكلام هيئة فى النحو (١) ومادة فى الصرف وافعال المكلفين فى الفقه (٢) وهكذا اذا التصحيح المزبور مترتب على نفس القواعد نظرا الى ان القواعد المزبورة من مبادى اتصاف هذه الامور المسطورة بالصحة قبال (٣) مبادى ايجاد هذه الامور الصحيحة فى الخارج فارغا عن اتصافها بها ومن البديهى ان مبادئ الايجاد غير مرتبط بمبادئ التصحيح وخارجة عنها فينحصر على هذا مبادى التصحيح بنفس القواعد بلا دخل شيء آخر فيها ففى مثل هذا العنوان صح لنا دعوى ترتبها بقول مطلق على القواعد المزبورة بلا دخل شيء آخر فيها ويمتاز هذا العنوان عن الحفظ المسطور فى كلماتهم بذلك (٤) كما لا يخفى ـ تذييل فيه تحقيق (٥) وهو ان دخل

______________________________________________________

من تخلفه كثيرا فانه كثيرا ما يكون الشخص متعلّما لقواعد النحو مثلا ولكن لا يتحقق معه عنوان الحفظ من جهة تكلّمه غلطا على غير القواعد ولو متعمّدا مع ان الغرض ، لا بدّ من ترتبه عليه ـ وجه الدفع اما اوّلا بان غاية ذلك نفى كون عنوان الحفظ عن الخطأ فى المقال مثلا غرضا لعلم النحو لا نفى اصل الغرض والغاية للعلم كلية وقد عرفت لزوم الداعى والغرض لكل فن ويكون هو الباعث لتمهيد قواعده الخاصة ـ وثانيا بعدم اضرار ذلك ايضا فى كون الحفظ المزبور وهو من جهة هو الغرض الداعى على جعل قواعد العلم لما مر من ان الغرض فى امثال هذه النتائج التى فيها مدخلية لارادة الغير ليس إلّا الحفظ من جهة الراجع الى سد باب عدمه من ناحية تلك القواعد لا الحفظ المطلق ومثل ذلك لا يكاد تخلفه حيث انه بمجرد تمهيد القواعد يترتب عليها الحفظ من جهة ولو لم يكن لها محصل فى العالم اصلا او كان لها محصل ولكنه لم يتحقق فى الخارج من جهة تعمد المحصل لها من التكلم غلطا على خلاف قواعد النحو والصرف مثلا ـ وثالثا مع الاغماض عن الجميع ذكرنا اخيرا انه يمكن ان يجعل الغرض من كل علم عبارة عن تصحيح الاعمال القابلة للصدور من فاعلها الذى هو مترتب لا محاله بقول مطلق على نفس القواعد بلا دخل لشيء آخر فيه.

(١) هذا هو المثال لقوله قولا.

(٢) هذا هو المثال لقوله فعلا واما استنباطا كما فى الاصول.

(٣) وهو الاحتمال الثانى المتقدم.

(٤) اى بعدم ترتبها بقول مطلق على القواعد وهو سد باب عدمه.

(٥) الجهة الرابعة فى كيفية دخل المسائل فى حصول الغرض.

١٩

المسائل فى الغرض المزبور ليس من باب دخل المؤثر فى المتأثر (١) بل انما هو من باب دخل ما يقوم به الاضافة لنفسها (٢) لان عنوان الحفظ المزبور والصحة المسطورة انما ينتزع من تطبيق القواعد المعهودة على ما ينسب اليه الحفظ والصحة (٣) فالقواعد الواقعية فى الحقيقة منطبقة على مواردها فمن هذا الانطباق

______________________________________________________

(١) نسبة شيء بشيء بعد الربط بينهما اما بالتأثير والتأثر والعلية والتلازم كالنار والحرارة او بالتطبيق والانطباق والاتحاد كالانسان وزيد. ذكر قدس‌سره انه ليس دخل المسائل الخاصة فى الغرض من باب دخل المؤثر فى المتأثر بنحو كان بينهما المؤثرية والمتأثرية فيدخل تحت القاعدة المعروفة الواحد لا يصدر منه الا الواحد فلذا لا بد من الوحدة النوعية بين موضوعات المسائل المعبر عنها بالموضوع وبعبارة اخرى دخل العلية اذ ليس نفس المسائل مما له مقدمية لحصول الغرض كما مر وانما العلم بها له دخل فى حصول العلم بحصول الغرض والدخيل التام فى حصول الغرض ارادة تطبيق العمل على المسائل المعلومة مثلا علمنا بان الفاعل مرفوع له نحو دخل فى علمنا بمطابقة كلامنا لكلام العرب. اما نفس المطابقة فانما تكون ناشئة عن ارادة المتكلم لها فاثبات الدخل لها بهذا الاعتبار وبعبارة ثالثة ان معنى ترتب الاغراض على القواعد وهى محمولات المسائل ليس على نحو العلية بل على نحو ترتب الاضافة على ذيها هو ان بعد تطبيق القواعد على مصاديقها ينتزع من اضافة تلك الصغريات الى الكبريات عنوان الغرض فانتزاع حفظ اللسان من الخطأ عن اضافة القاعدة الى مصاديقها كتطبيق كل فاعل مرفوع على زيد فى ضرب زيد مثلا وعلى هذا فلا حاجة الى جهة جامعة لترتب الاغراض على القواعد كى يستكشف منه وحدة الغرض المستند الى وحدة الموضوع وتكون الجهة الجامعة المتخذة من موضوعات المسائل عبارة عن موضوع العلم. فالنتيجة ان نسبة الغرض الى المسائل نسبة الاضافة الى ما تقوم به الاضافة اذ المسائل مقياس للاتصاف بالصحة وليس الغرض امرا توليديا.

(٢) وتوضيحه ان دخل المسائل من باب دخل طرف الاضافة وما يقوم بها لنفس الاضافة الذى هو عبارة عن العلم بالمسائل فطرف الاضافة هى المسائل الخاصة والعلم هو المضاف بوصف كونه مضافا وبالجملة ان الغرض هو نسبة تلك القواعد الى الصغريات وتطبيقها عليها فهى الاضافة ونفس القواعد هو المضاف اليه.

(٣) وبعبارة اخرى ان عنوان الحفظ عن الخطأ فى الكلام مثلا انما منتزع من تطبيق من يطبق القواعد الخاصة من علم النحو مثلا او كل علم على ما ينسب اليه الحفظ المزبور وهو المصاديق.

٢٠