نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٢

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الداوري
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-90950-4-7
الصفحات: ٦٧١

مبادى اختياره من حفظ قدرته واعلامه بالمصلحة بمثل خطابه واعلامه بارادته الذى هو موضوع حكم عقله بطاعته من دون كونه سالب اختياره ، والى ذلك يشير قوله تعالى (١) ليهلك من هلك عن بيّنه ويحيى من حى عن بيّنه وان شان الخطابات ليس إلّا اتمام الحجة وتتميم مبادى اختيار العبد كما هو ظاهر (٢) وح

______________________________________________________

وهو يتحقق بابراز ارادته واظهارها بامره وطلبه وبعثه بقوله افعل كذا ومن المعلوم بداهة انه على هذا ايضا لا تخلف لها عن المراد من جهة انه بابراز ارادته تحقق ما هو موضوع حكم العقل بوجوب الاطاعة وانسد المقدار الذى كان المولى بصدد حفظه من جهته وح فلا يكاد يضر مخالفه الكفار واهل العصيان فى الواجبات والمحرمات اذ لا يستلزم مخالفتهم تخلف ارادته سبحانه عن مراده ، فيصح تعلق الارادة التشريعية بالايمان من الكفار وبالعمل بالاركان من اهل الفسوق والعصيان من دون ان يكون ذلك من الامر بالمحال وبما لا يقدر عليه العباد من جهة ما عرفت من كون العبد بعد على ارادته واختياره فى ايجاد الفعل المأمور به وان عدم صدوره منه انما هو لاجل عدم تحقق علته التى هى ارادته للايجاد بسوء اختياره وترجيحه جانب المشتهيات النفسانية على المنافع الاخروية.

(١) سورة الانفال ، آية ٤٢ ، والآيات فى الاختيار كثيرة فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ـ ان يتبعون إلّا الظن ـ ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ـ ومن يعمل سوءا يجز به ـ وكل امرى بما كسب رهين جزاء بما كنتم تعملون ـ قل يا قوم اعملوا على مكانتكم انّى عامل فسوف تعلمون ـ قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله وامثالها من الآيات الدالة على الاختيار وما يوهم الجبر من الآيات وما تشاءون إلّا ان يشاء الله ونحوها مؤولات ومجازات من باب اطلاق السبب على المسبب ونحوه وكذا قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ونحوها فلو كان العبد مجبورا فله التكليف بما شاء لان عمل العبد بقدرته وهو قادر على ما يشاء.

(٢) واما صحة طلبه سبحانه منه ح مع علمه بعدم صدور الفعل منه من جهة عدم ارادته بعدم اختيارهم الايمان او العصيان فهو لاجل الاعلام بما فى الفعل من الصلاح الراجع الى انفسهم ولكى يهلك من هلك عن بينه ولئلا يكون لهم على الله

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

الحجة بل كان له سبحانه عليهم حجة بالغة من جهة اعلامهم بما فيه الصلاح والفساد ثم ان للمحقق الاصفهانى فى الارادة التشريعية مسلك آخر قال فى النهاية ، ج ١ ، ص ١١٧ ثم ان تقسيم الارادة التكوينية والتشريعية باعتبار تعلق الاولى بفعل المريد بنفسه وتعلق الثانية بفعل الغير اعنى المراد منه توضيحه ان فعل الغير اذا كان ذا فائدة عائدة الى الشخص فينبعث من الشوق الى تلك الفائدة شوق الى فعل الغير بملاحظة ترتب تلك الفائدة العائدة اليه وحيث ان فعل الغير بما هو فعل اختيارى له ليس بلا واسطة مقدورا للشخص بل يتبع البعث والتحريك اليه لحصول الداعى للغير فلا محاله ينبعث للشخص شوق الى ما يوجب حصول فعل الغير اختيارا وهو تحريكه الى الفعل فالارادة التشريعية ليست ما تعلق بالتحريك والبعث فانهما من افعاله فلا مقابلة بين التشريعية والتكوينية بل التشريعية هى الشوق المتعلق بفعل الغير اختيارا واما اذا لم يكن لفعل الغير فائدة عائدة الى الشخص فلا يعقل تعلق الشوق به بداهة ان الشوق النفسانى لا يكون بلا داع ـ الى ان قال ـ ومما ذكرنا تعرف انه لا مجال لانقداح الارادة التشريعية فى النفس النبوية ولا فى النفس الولوية خصهما الله بالف تحية وذلك لبداهة عدم فائدة عائدة من الفعل اليهما بل الى فاعله وعود فائدة من قبل ايصال النفع الى النبى او الولى لا يوجب كون الارادة المتعلقة بالبعث والزجر تشريعية لانهما من افعالهما الاختيارية المتوقفة على الارادة فهى تكوينية لا تشريعية فتحصل من هذا البيان القويم ان حقيقة التكليف الجدى البعث الى الفعل بداعى انبعاث المكلف او الزجر عنه بداعى الانزجار وهذا المعنى لا يتوقف على ارادة نفس الفعل مطلقا بل فيما اذا رجع فائدة الى المريد ومن البين ان حقيقة التكليف الجدى بهذا المعنى موجود فى حق المؤمن والكافر والمطيع والعاصى اذ ليس المراد من كون البعث بداعى الانبعاث جعل البعث علة تامة للفعل وإلّا كان المكلف مجبورا لا مختارا بل جعله بحيث يمكن ان يكون داعيا وباعثا للمكلف فلو خلا عن ما يقتضيه شهوته وهواه كان ذلك التكليف باعثا فعلا فيخرج من حد الامكان الى الوجوب الخ واجاب عنه استادنا البجنوردي فى المنتهى ، ج ١ ، ص ١١٩ بقوله فعجيب من جهة ان ايصال النفع ايضا ليس فيه فائدة عائدة اليه تعالى لانه لا نقص فيه حتى يستكمل بمثل هذه الفائدة فلو كانت ارادته تعالى لفعل من افعال نفسه او غيره منوطا بوجود فائدة عائدة اليه فى ذلك الفعل لم تتعلق ارادته يفعل

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

من الافعال لما ذكرنا من عدم النقص فيه تعالى وعدم احتياجه الى فائدة تصل اليه تعالى ولو كان تعلق الارادة باى معنى كان من جهة صلاح ووجود مصلحة فى متعلقها فلا فرق بين فعل الغير وبين ايصال النفع الى الغير فى اشتمال كليهما على المصلحة فى بعض الاحيان ولا يمكن ان تكون دائرة متعلق الارادة اوسع مما له المصلحة او تكون اضيق منه بل كل ما له دخل فى المصلحة لا بد ان يكون تحت الارادة وكل ما ليس له دخل فيها لا بد ان يكون خارجا عن تحتها لما ذكرنا من التبعيّة الخ ومجرد علم الله بالصلاة ليس له تأثير فى الوقوع وانما يحصل الانكشاف فقط والوقوع الفعل مسند الى اختيار العبد بقى هنا امور الامر الاول فى رد شبهة الاوامر الامتحانية فنقول ان الاوامر الامتحانية على قسمين احدهما ان يكون مقصود الامر هو صدور العمل وتحققه خارجا لاستكشاف قدرة المأمور على ذلك العمل لا لمصلحة فيه يحاول الامر تحصيلها بنفس العمل الذى امر به وفى مثله لا محاله تتعلق ارادة الامر بنفس العمل لتوقف غرضه الباعث له على الامر على تحقق العمل فلا يكون الطلب فى هذا القسم من الاوامر منفكا عن الارادة كما لو امر العبد بصنع النارگيل والشاى لاختباره فى انه ماهر بذلك لكى ينتفع به عند ورود الضيف عليه والفرض عدم المصلحة بعنوانه الاولى والمصلحة بالعنوان الثانوى وصار متعلقا لغرضه ثانيهما ان يكون مقصود الامر هو استكشاف استعداد المأمور لطاعة الامر وعدمه وبما انه قد ينكشف له استعداده من حيث الطاعة بالشروع فى مقدمات العمل يكون العمل فى مثل هذا المورد غير مراد له وفى مثله لا محاله نلتزم بعدم كون مثل هذا الامر امرا حقيقة بل هو انشاء كلام بصورة الامر اذ هو كما انه خال عن الارادة كذلك هو خال عن الطلب ايضا لخلو المتعلق عن المصلحة بقول مطلق حتى بالعنوان الثانوى وانه لا يكاد يحكم العقل فيها بوجوب الاطاعة والامتثال ولذا ترى ان المولى فى كمال الجهد بان لا يطلع العبد بواقع قصده وكون امره لمحض امتحانه واما نفس الامتحان الذى هو الغرض من هذا البعث فهو ايضا غير متوقف على الامر الحقيقى بل هو يترتب بمحض تخيل العبد كونه امرا حقيقيا ناشئا عن ارادة جدية متعلقة بالعمل وان لم يكن كذلك بحسب الواقع ونفس الامر بل كان امرا صوريا وعلى هذا فما تخلف الطلب عن الارادة فى شيء من الاوامر الامتحانية كما عرفت.

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الامر الثانى ما ورد من الخبر المعروف المحكى عن توحيد الصدوق باب ٥٨ باب السعادة والشقاء ، الشقى شقى فى بطن أمه والسعيد من سعد فى بطن أمه ، على فرض صدوره عن الامام عليه‌السلام ولم يكن من الموضوعات يكون كالنصوص الواردة عن الائمة المعصومين عليهم‌السلام ما من مولود يولد الا على الفطرة فابواه الذى يهودانه وينصرانه ويمجسانه ، وسائل ، باب ٤٨ من ابواب الجهاد ، ح ٣ وقوله عليه‌السلام ما من عبد الا وفى قلبه نكتة بيضاء فاذا اذنب ذنبا خرج فى النكتة نكتة سوداء ونحو ذلك محمول وذلك لان افراد الانسان باجمعها لما لاحظ المنافع الاخروية والشهوات النفسانية فتارة يرجح المنافع الاخروية على اللذائذ الدنيوية الفانية فيسلك سبيل التوحيد فيبقى على فطرته التى فطر الله عليها وهو الاسلام فيكون منشأ لغلبة تلك النقطة البيضاء وتنعدم النقطة السوداء ، وان عكس الامر وسلك سبيل الشر ترجيحا للذائذ الدنيوية والشهوات النفسانية على المنافع الاخروية باختيار منه فيصير منشأ لغلبة تلك النقطة السوداء الى حد احاطت بتمام قلبه والاول من اهل التوحيد والايمان والثانى من اهل الكفر والعصيان من دون ان يكون مجبورا فى احدهما ، والله تبارك وتعالى تقدم علمه قبل ولادة افراد الانسان بما يصيرون اليه فى عاقبة امرهم بسبب سعيهم الاختيارى فى ترجيحات بعضهم المنافع الاخروية وبعضهم الآخر اللذائذ الدنيوية ومجرد علمه تعالى لا يوجب سلب الاختيار عن افراد الانسان ولذا فسر في صحيحة ابن ابى عمير فى البحار ، ج ٥ ، ص ١٥٣ الشقى من علم الله وهو فى بطن أمه انه سيعمل اعمال الاشقياء والسعيد من علم الله وهو فى بطن أمه انه سيعمل اعمال السعداء ويمكن ان يكون محمولا على الاستعداد لذلك على ان يصير شقيا او سعيدا بما تقدم.

الامر الثالث هل يمكن تحقق الارادة التشريعية كانت ام تكوينية لفائدة قائمة فى نفسها لا فى المراد او لا يكن تحققها إلّا بلحاظ الفائدة القائمة فى المراد وجهان بل قولان والتحقيق هو الثانى لشهادة الوجدان بان الارادة وجملة من مباديها لا يتحقق شيء منها إلّا بلحاظ الفائدة المترتبة على المراد او المحبوب او المشتاق اليه ونحو ذلك ويدل على امتناع تحقق الارادة وما يساوقها إلّا بلحاظ الفائدة المترتبة على المراد هو امتناع ترجيح احد المتساويين بلا مرجح ان تعلق الارادة بالمراد دون غيره مع

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

تساويهما فى امكان تعلق الارادة بكل منهما لا بد ان يكون لمرجح ويصح ان يسأل من القائل بالامكان لم صار متعلق الارادة محبوبا ولم يكن مبغوضا مع فرض انه لا يلائم النفس بشيء من آثاره وبالجملة امتناع تحقق الارادة بلا فائدة مترتبة على المراد مما لا يكاد يرتاب فيه احد يعطى التأمل حقه فتعلق حبه او بغضه بشيء لما يجد من الخصوصية فى ذلك الشى الموجبة لملاءمة النفس او منافرة بالارتكاز والوجدان وبدونها لا يكون للنفس ميل اصلا ويتبعهما الارادة والكراهة وقد يستدل على صحة الوجه الاول المحقق الحائرى فى الدرر ج ١ ، ص ٤٠ قال وقد يكون تحقق تلك الصفات فى النفس لا من جهة متعلقاتها بل توجد النفس تلك الصفات من جهة مصلحة فى نفسها كما نشاهد ذلك وجدانا فى الارادة التكوينية قد توجدها النفس لمنفعة فيها مع القطع بعدم منفعة فى متعلقها ويترتب عليها الاثر مثال ذلك ان اتمام الصلاة من المسافر يتوقف على قصد الاقامة عشرة ايام فى بلد من دون مدخلية لبقائه فى ذلك البلد بذلك المقدار وجودا وعدما ولذا لو بقى فى بلد بالمقدار المذكور من دون القصد لا يتم وكذا لو لم يبق بذلك المقدار ولكن قصد من اول الامر بقائه بذلك المقدار يتم و ـ لو صلى صلاة اربع ركعات ـ ومع ذلك يتمشى قصد البقاء من المكلف مع علمه بان ما هو المقصود ليس منشأ للاثر المهم وانما يترتب الاثر على نفس القصد ومنع تمشى القصد منه مع هذا الحال خلاف ما نشاهد من الوجدان كما هو واضح فتعين ان الارادة قد توجدها النفس لمنفعة فيها لا فى المراد فاذا صح ذلك فى الارادة التكوينية صح فى التشريعية ايضا لانها ليست بازيد مئونة منها وكذا الحال فى باقى الصفات من قبيل التمنى والترجى انتهى والجواب عنه ان الاثر الشرعى وان رتب على قصد اقامة العشرة وان لم يتمها لكن نمنع امكان تحقق هذا القصد من ناحية هذا الاثر بل هو ناش من جهة مصلحة المتعلق وان التفت الى ترتب ذلك الاثر على نفس هذا القصد وهذا واضح لمن راجح وجدانه والشاهد عليه اتيان صلاة واحدة اربع ركعات ولو اغمض عن ذلك نقول ان الاثر المزبور ايضا مرتب على المراد غايته لا بوجوده المطلق بل قد رتب على حصة من وجوده وهو المتحقق من ناحية احدى مقدماته وهو القصد فوجوب التمام مترتب على نفس الاقامة الخارجية لا على وجودها المطلق بل المنحفظ من ناحية القصد المزبور وقال الامام الخمينى فى رد ما ذكر

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

استاده الحائرى فى ص ١٠١ من رسالته الطلب والإرادة فانه بذلك لا ينجسم مادة الاشكال فانه ننقل الكلام الى ارادة الارادة هل هى ارادية او لا فيتسلسل او عاد المحذور مضافا الى امتناع تعلق الارادة بالبقاء من غير مصلحة فيه وفى المثال لا محيص إلّا من تعلق رجحان ولو بالعرض والواسطة بالبقاء وإلّا فتعلق الارادة به بلا ترجيح واصطفاء مما لا يعقل انتهى. وربما يترتب عليه ثمرات مهمة منها فى مسألة الملازمة المعروفة بين حكم العقل والشرع حيث انه بناء على امكان ان يكون الارادة لمصلحة فى نفسها يسقط النزاع المزبور اذ ح بمجرد درك العقل حسن شيء او قبحه لا يمكننا كشف حكم الشارع فيه بالوجوب او الحرمة كما انه كذلك ايضا فى طرف العكس فاذا حكم الشارع بوجوب شيء او حرمته لا يمكن الكشف به عن حسن ذلك الشى الذى امر به الشارع او قبحه من جهة احتمال ان يكون حكم الشارع فيه بالوجوب او الحرمة لمصلحة فى نفس حكمه وطلبه ، وهذا بخلافه على الثانى من كونه لمصلحة فى متعلقة فانه ح يكون كمال المجال لدعوى الملازمة خصوصا من طرف حكم الشرع فيتم ما بنوا عليه من ان الواجبات الشرعية الطاف فى الواجبات العقلية اذ ح بمجرد حكم الشارع فى شيء بالوجوب او الحرمة يستكشف منه لا محاله كشفا قطعيا عن حسن ذلك الشيء او قبحه ، نعم فى تمامية تلك الملازمة من طرف حكم العقل فيما لو ادرك حسن شيء او قبحه اشكال كما سيأتى ينشا من عدم كون مجرد الصلاح فى شيء علة لحكم الشارع فيه بالوجوب بل وانما غايته كونه مقتضيا لذلك فيمكن ح ان يمنع عن تأثيره مانع او مزاحم ، بيان ذلك ان العقل يستكشف من حكم الشرع بوجوب شيء مثلا وجود المصلحة الداعية الى ذلك الحكم فى ذلك الشى لإذعانه بكمال الشارع واطلاعه على المصالح والمفاسد التى تستدعى جعل الاحكام على طبقها ، واما حكم العقل بوجوب شيء مثلا لمصلحة ادركها فلا يستكشف منه حكم الشارع به وفاقا له لان الشارع يتهم العقل بالقصور عن ادراك هذه الامور ويجوز عليه الخطا فى نظره الى المصالح المقتضية للحكم على وفقها والى الموانع التى تمنع من الحكم الفعلى على وقفها فقد يدرك المصلحة المقتضية للحكم ويخفى عليه المانع من فعليته وان كان ربما يدرك العقل وجود المصلحة او المفسدة المقتضية للحكم على طبقها وعدم المانع من الفعلية فيرافقه الشرع ويوافقه فى هذا التشريع إلّا انها قضية مهملة لا يعلم اين

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

تكون ومتى تصدق نعم العقلاء لا يزالون يعملون على طبق ادراك العقل للمصالح والمفاسد المقتضية للجرى وجعل الاحكام على وفقها مع تجويزهم قصور العقل عن ادراك الموانع عن متابعة تلك المصالح والمفاسد ولكن العقلاء لقصورهم عن العلم بالامور الواقعية كما هى من حيث مقدار تأثيرها وما يمنع منه لا مناص لهم من اتباع العقل فى ادراكه الفعلى وان جوزوا عليه الخطا فى ذلك الادراك لهذا بنو عملا على عدم هذه المحتملات تقديما للمصلحة الأغلبية فى هذا السير والنظام كما هو كذلك بالوجدان ثم لا يخفى ان المانع عن الحكم قد يكون مانعا عن تأثير المصلحة فى فعلية الارادة لا فرق فى ذلك بين كون المانع من ناحية المكلف كعجزه عن الجرى على وفق التكليف كما فى موارد تزاحم الواجبات حيث يكون بعضها اهم من بعض وكما فى مورد اجتماع الامر والنهى بناء على الامتناع وتقديم جانب النهى حيث ان المانع من فعلية الارادة فى هذه الموارد هو عجز المكلف عن الجرى على طبق الارادة لو كانت فعلية وبين كونه من ناحية المولى كما لو لاحظ ان فعلية حكمه بهذا العمل مشقة على المكلف فادراكه المشقّة بفعلية حكمه يكون مانعا عن فعلية ارادته التشريعية لذلك العمل ، ومن لوازم هذا النحو من الموانع بكلا شقيه عدم حكم العقل من باب وجوب الطاعة بلزوم العمل الذى احرز فيه المصلحة مع شكه فى المانع عن فعلية ارادة المولى على طبق المصلحة التى ادركها ، وقد يكون المانع مانعا عن اظهار الارادة التشريعية المتعلقة بالعمل المعين مع فعليتها فى نفس المولى كما فى موارد التقية من اظهار بعض الاحكام الشرعية ومن لوازم هذا النحو من الموانع هو وجوب العمل عقلا على طبق ارادة المولى الذى اتفق له مانع من اظهارها للمكلف لو اطلع عليها ، ومنها تصحيح العبادة الماتى بها بداعى المصلحة الداعية الى الامر بها فى مقام مزاحمتها للاهم منها اذ بناء على امكان تحقق الارادة بلحاظ مصلحة فى نفسها لا يمكن حصول العلم باشتمال متعلقها على مصلحة فعند سقوط الارادة المتعلقة بالعبادة للمزاحمة بالاهم لا يمكن التقرب بها بلحاظ ما فيها من المصلحة لان ذلك انما يتاتى من المكلف بعد العلم باشتمال فعله على المصلحة المقربة ومع تجويزه قيام المصلحة بنفس الارادة الساقطة للمزاحمة لا يمكن حصول العلم له باشتمال متعلقها على المصلحة المقربة.

الامر الرابع من الاشكالات فى المقام انه من المقرر فى الفلسفة ان الشيء ما لم

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يجب لم يوجد ووجوب الشيء ضرورة تحققه وامتناع لا تحققه فحينئذ يكون صدور الفعل عن الفاعل واجب التحقق وما كان كذلك يكون الفاعل مضطرا فى ايجاده ملجأ فى فعله ولذا يقولون ان كل ممكن محفوف بوجوبين وجوب سابق وهو الوجوب فى مرتبة وجود علته ووجوب لا حق وهو الوجوب بشرط وجوده خارجا ، واجاب عن ذلك كل على مسلكه منها استادنا الخوئى فى المحاضرات ، ج ٢ ، ص ٥٧ وقال ولنبحث هنا عن امرين الاول الفرق الاساسى بين المعاليل الطبيعية والافعال الاختيارية الثانى عدم جريان القاعدة المذكورة فى الافعال الاختيارية اما الامر الاول فقد سبق بشكل اجمالى ان الافعال الارادية تمتاز عن المعاليل الطبيعية بنقطة واحدة وهى انها تحتاج فى وجودها الى فاعل وبدونه محال والفاعل لهذه الافعال هو الانسان فانها تصدر منها بالاختيار واعمال القدرة والسلطنة وليس فى اطارها الحتم والوجوب فلها ان تشاء وتعمل ولها ان لا تشاء ولا تعمل فهذه المشيئة والسلطنة لا تتوقف على شيء آخر كالارادة ونحوها بل هى كامنة فى صميم ذات النفس حيث ان الله تعالى خلق النفس كذلك وهذا بخلاف المعاليل الطبيعية فانها تحتاج فى وجودها الى علل طبيعية تعاصرها وتؤثر فيها على ضوء مبدإ السنخية فى اطار الحتم والوجوب ولا يعقل فيها الاختيار وان شئت فقل ان الفعل الاختيارى حيث كان يخضع لاختيار الانسان ومشيئة فلا يعقل وجود نظام له كامن فى صميم ذاته ليكون سيره ووجوده تحت اطار هذا النظام الخاص من دون تخلفه عنه والوجه فى هذا واضح وهو ان مشيئة الانسان يختلف باختلاف افراده كما تختلف باختلاف حالاته النفسية ودواعيه الداخلية والخارجية فلهذا السبب جعل لها نظم وقوانين خاصة ليكون سيرها الوجودى تحت اطار هذه النظم وهذا بخلاف سلسلة المعاليل الطبيعية فانها تخضع فى سيرها الوجودى نظاما خاصا واطارا معينا الذى اودعه الله تعالى فى كمون ذاتها ويستحيل ان تتخلف عنه ولذا لا يعقل جعل نظام لها من الخارج لعدم خضوعها له واستحالة تخلفها عن نظمه الطبيعية وهذا برهان قطعى على ان السلسلة الاولى سلسلة اختيارية فامرها وجودا وعدما بيد فاعلها دون السلسلة الثانية فانها مقهورة ومجبورة فى سيرها على طبق نظمها الطبيعية الموضوعة فى صميم ذاتها وكمون واقعها ـ واما الامر الثانى فالقاعدة المذكورة وان كانت تامة فى الجملة إلّا انه لا صلة لها بالافعال الاختيارية والسبب فى ذلك ان هذه

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

القاعدة ترتكز على مسألة التناسب والسنخية التى هى النقطة الاساسية لمبدا العلية فان وجود المعلول مرتبة نازلة من وجود العلة وليس شيئا اجنبيا عنه وعلى هذا فبطبيعة الحال ان وجود المعلول قد اصبح ضروريا فى مرتبة وجود العلة لفرض انه متولد منها ومستخرج من صميم ذاتها وهذا معنى احتفاف وجوده بضرورة سابقه ومن الطبيعى انه لا يمكن تفسير الضرورة فى القاعدة المذكورة على ضوء مبدإ العلية الا فى المعاليل الطبيعية ولا يمكن تفسيرها فى الافعال الاختيارية اصلا وذلك لان الافعال الاختيارية لا يستند صدورها الى مبدإ السنخية بداهة انها لا تتولد من كمون ذات علتها وفاعلها ولا تخرج من واقع وجوده وصميم ذاته لتكون من شئونه ومراتبه بل هى مباينة له ذاتا ووجودا وعلى هذا فلا يمكن التفسير الصحيح لاحتفافها بالضرورة السابقة ، ثم ان الفعل الاختيارى ما اوجده الانسان باختياره واعمال قدرته فالعلة التامة للفعل هو الاختيار وان الله عزوجل قد خلق النفس للانسان واجدة لهذه السلطنة والقدرة وهى ذاتية لها وتخضع العضلات لها وتنقاد فى حركاتها فلا تحتاج النفس فى اعمالها الى اعمال قدرة اخرى فما يقال ان الاختيار ممكن والممكن يفتقر الى علة فاذن ما هو علة الاختيار فظهر فساده مما عرفت من ان الفعل الاختيارى يحتاج الى فاعل لا الى علة والفاعل لصفة الاختيار هو النفس انها تصدر منها بنفسها بلا توسط مقدمة اخرى وسائر الافعال تصدر منها بواسطتها انتهى وقد تقدم ما ذكره المحقق العراقى وهو الصحيح والحق الذى لا مفر منه من ان الاختيار من لوازم ذات الانسان المجعول بجعل الانسان وانه قبل الارادة بخلاف المحقق النائينى فانه كان يقول بعد الارادة فراجع والى ما ذكره المحقق العراقى ذهب الامام الخمينى واجاب عن هذا الاشكال فاسمع ـ ومنها ما افاده الامام الخمينى فى الطلب والارادة ، ص ١١٥ ان كل ما يتعقل اما ضرورى التحقق او ضرورى اللاتحقق او لا ضرورى التحقق واللاتحقق الاول هو الواجب والثانى هو الممتنع والثالث الممكن والتقسيم بينهما حاصر دائر بين النفى والاثبات ولا يعقل قسم آخر للزوم اجتماع النقيضين او ارتفاعهما ، وهذا التقسيم بحسب مقايسة ذات الشى ومفهومه اما بحسب نفس الامر فكل شيء ممكن اما واجب التحقق او ممتنعة لان علته التامة اما محققه فيجب تحققه وان لم تكن تامة او غير محققه فيمنع وإلّا ما فرض علة ليس بعلة وسيأتى بيانه ولا ثالث اما بحسب نفس الامر فحينئذ كل ما

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

خرج عن احد القسمين دخل فى القسم الآخر ـ الى ان قال ـ ان القاعدة تامة ـ الى ان قال ـ واما عدم منافاتها لمختارية الفاعل المختار فهو ايضا بمكان من الوضوح بعد فهم مفادها فان مقتضى القاعدة ان الممكن ما لم يصر واجبا لم يصر موجودا والعلة التامة باقتضائها اوجب المعلول فاوجده فأية منافات بين هذا وبين كون الفاعل مختارا لان الفاعل المختار بارادته واختيار وفعاليته اوجب الفعل فاوجده وهذا يؤكد اختيارية الفاعل وبعبارة اخرى ان العلة موجبة بالكسر فاذا كان الموجد مختارا يكون موجبا بالكسر باختياره الايجاب بالاختيار لا يعقل ان يصير علة ومنشأ للاضطرار والوجوب الجائى من قبل العلة يستحيل ان يؤثر فيها ـ الفاعل يجوز ان يختار احد طرفى الفعل من غير ان يكون فيه ترجيح بل يختار احد المتساويين من جميع الجهات فاذا اختار احدهما اراده واوجده فالفاعل بعد اختيار احد المتساويين من جميع الجهات بلا مرجح موجب بالكسر لوجوده فموجد فيكون اختيار الفعل بلا ترجيح او مع ترجيح مقدما على الارادة وبعد الاختيار تكون النفس فاعلا موجبا بالكسر للارادة وبها تكون فاعلا موجبا بالكسر لتحريك العضلات وبتوسطها لتحريك الاعيان الخارجية فامتناع الترجيح بلا مرجح لا يجعل الفاعل مضطرا وموجبا بالفتح كما ان جوازه لا يجعله مختارا فالفاعل المختار علة باختياره وارادته للفعل بعد حصول المقدمات الأخر وموجب بالكسر للفعل مع كونه مختارا انتهى. واجاب عن هذه الشبهة استادنا البجنوردي فى المنتهى ، ج ١ ، ص ١٢١ بان وجوب الفعل وكونه ضروريا من ناحية ارادته لا ينافى الاختيار وذلك لان الفاعل المختار القادر الحكيم اذا علم بوجود المصلحة الملزمة فى فعل لا محالة تتعلق ارادته بذلك الفعل ويصير الفعل واجبا بالقياس الى علته التى عبارة عن الارادة لان الشى ما لم يجب لم يوجد والوجوب بالغير لا ينافى الامكان الذاتى وكذلك الوجوب بالقياس الى الغير لا ينافيه ولذلك قالوا ان كل ممكن محفوف بالضرورتين ومع ذلك لا يخرج الفعل عن كونه اختياريا لان مناط اختيارية الفعل هو انه ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل واما وجوب الفعل بالغير وعدم كونه كذلك فخارجان واجنبيان عن الاختيار وإلّا لو كان وجوب الفعل موجبا لخروج الفعل عن الاختيار يلزم ان لا يكون الواجب تعالى والعياذ بالله فاعلا مختارا لان الصادر الاول منه تعالى لا بد ان تكون ذاته تعالى علة تامة لوجوده لان المفروض انه ليس هناك شيء

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

غير ذاته تعالى موجودا بادلة التوحيد فصدور الصادر الاول يكون واجبا ضروريا وإلّا يلزم تخلف المعلول عن علته التامة وفرض عدم تمامية العلة فى تلك المرحلة خلف لان المفروض ان المعلول هو الصادر الاول وليس هناك شيء آخر غير الواجب حتى يكون لذلك الشى دخل فى وجود الصادر الاول اذ كل ما فرضته غير ذات الواجب فى تلك المرحلة لا بد وان يكون ممكنا صادرا وكلامنا فى الصادر الاول فكل ما يجيب به الاشعري عن هذا الاشكال بالنسبة الى الواجب نجيب به فى المقام ـ لا فرق بينهما فى ضرورية الوجود بل الضرورة فى ارادة العبد بالغير لانها آتية من قبل علتها والضرورة التى فى ارادة الواجب ذاتية لانها عين ذات الواجب ـ ثم ان شيخنا الاستاد اجاب عن هذا الاشكال تبعا لصاحب الحاشية بان الطلب الذى هو عبارة عن حملة النفس وتصديها لتحصيل مطلوبه وهو غير الارادة ـ وانت خبير بان تلك الحملة حادثه وليست قديمة كما هو واضح فيرجع السؤال بان تلك الحملة الحادثة عند وجود علتها التامة ضرورية الوجود كما انها عند عدمها ضرورية العدم ولا بد من انتهاء علتها ايضا الى علة تامة قديمة لبطلان التسلسل فلا فرق من ناحية هذا الاشكال بين ان تكون حملة النفس هو الجزء الاخير من العلة التامة للفعل او تكون هى الارادة والجواب عن هذا الاشكال بان الاختيار ذاتى للنفس لا يسمن ولا يغنى من جوع لانه ان كان مراد هذا القائل من الاختيار فعلية هذه الحملة وانها ذاتية فهذا كذب واضح لان هذه الحملات امور تتجدد على النفس وتنعدم فكيف يمكن ان يكون ذاتية لها وان كان المراد ان قوة هذه الحملات واقتدار النفس عليها ذاتية لها فهذا شيء معلوم ولكن يبقى السؤال ان فعلية هذه الحملة تحتاج الى علة تامة بحيث يجب وجودها بوجود تلك العلة وهكذا ـ ومما ذكرنا ظهر ايضا عدم تمامية ما افاده استادنا المحقق فى هذا المقام وهو ان الاختيار من لوازم وجود الانسان وليس مجعولا بجعل مستقل بل هو مجعول بنفس مجعولية الانسان ثم يلتفت الى ما ذكرنا من ان فعلية الاختيار لا يمكن ان تكون من لوازم وجود الانسان وهذا كذب واضح فيقول ان الاختيار قبل صدور الفعل قوة فى الانسان فاذا صدر الفعل يصير ما بالقوة بالفعل فنقول كل شيء يكون بالقوة فصيرورته فعليا يحتاج الى علة تامة الى ان ينتهى الى علة تامة قديمة لما ذكرنا من بطلان التسلسل وعدم امكان وجود الشى بدون وجود علته التامة وكون النفس علة لتلك

٧١

فلنا ان نقول ان مفاد الخطابات ليس إلّا الارادة المزبورة لعدم حكم العقل بلزوم الاطاعة الا فى ظرف تحققها من المولى لا من جهة عدم تصور معنى آخر فى الوجدان غير الارادة والعلم كيف وقد عرفت ما فيه بما لا مزيد عليه وح فلك ان تقول ان الطلب الذى هو مفاد الخطابات وكان موضوع حكم العقل باستحقاق

______________________________________________________

الفعلية لا يرفع هذه الشبهة فاذا فى رفع هذه الشبهة لا بد وان يقال اما بانها شبهة فى مقابلة الوجدان كما قال جمع كثير من الاعاظم من اصحابنا الامامية لاننا بالوجدان نرى الفرق بين حركة اليد المرتعشة وحركتها الارادية وان الاولى جبرية والثانية اختيارية واما ان نقول بما قاله الحكماء من ان وجوب الفعل بايجاب نفس الفاعل لا يخرج عن كونه اختياريا اذا كان مسبوقا بالارادة ومباديها واما ان نقول بان لزوم وجود الشى عند علته التامة فى الفاعل الطبيعى لا الإرادي الخ. الى هنا بينا ان ارادة الله تعالى هو العلم بالنظام الكامل كما عليه صاحب الكفاية والعلم بالمصلحة فى الارادة التشريعية لا القدرة والسلطنة ومن صفات الذات لا الفعل وان فى جعل الانسان الاختيار بالقوة بلا جعل مستقل فله ان يفعل وله ان لا يفعل وغير مسبوق بالاختيار حتى يتسلسل وان الارادة الله تعلقه بفعل العبد لا يوجب سلب الاختيار لانه مبين لوجود المصلحة فى الفعل عائدة الى العبد وان علمه تعالى بعدم اتيان العبد او اتيانه ليس علة لتركة او فعله كما ان علمنا بعدم اتيان زيد الامر الفلانى او اتيانه لا يكون سببا لذلك وان الشى ما لم يجب لم يوجد قد عرفت فيه وان لا جبر كما عرفت ولا تفويض كما فى الجبر لان خلق الانسان وجعل القدرة له من الله تعالى فلم يفوض الامور كلها للانسان حتى يكون الله عاطل ولا جبر ايضا وان الممكن لإمكانه يحتاج الى العلة حدوثا وبقاء ولذا قلنا ان افعال العباد له نسبتين على ما مر ويستحق العبد للعقاب والثواب وان الاوامر الامتحانية لا امر اصلا والحمد لله رب العالمين فعن الصادق عليه‌السلام عند ما اتاه عالم القدرية المفوضة قال «ع» اقرأ الحمد الى ان وصل اياك نعبد واياك نستعين قال «ع» قف من تستعين وما حاجتك الى المعونة فالامر اليك فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين ونقل عن امير المؤمنين على بن أبي طالب عليه‌السلام لو كان الزور فى الاصل محتوما كان المزور فى القصاص مطلوبا والسلام هذا تمام الكلام فى الطلب والارادة بحسب ما يسع المجال وتيمنا بهاتين الروايتين ايضا.

٧٢

الثواب والعقاب على الموافقة والخالفة ليس إلّا عين الارادة المسطورة المسمى بالتشريعية وان امكن دعوى او سعية دائرة الارادة عن الطلب لصحة سلب الطلب عن موارد التكوين فتدبر واستقم وافهم. مقالة (١) فى وضع صيغة الامر (٢)

______________________________________________________

فى وضع صيغة الامر

(١) النموذج الثانى فى ما يتعلق بصيغة الامر وفيه جهات من الكلام.

(٢) الجهة الاولى فى وضع صيغة الامر كافعل ونحوه قال فى الكفاية ، ج ١ ، ص ١٠١ ، انه ربما يذكر للصيغة معان قد استعملت فيها وقد عد منها الترجى والتمنى ـ كقول الشاعر ألا ايها الليل الطويل ألا انجلى ـ والتهديد ـ كقوله تعالى (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) ـ والانذار ـ كقوله تعالى (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ) ـ والإهانة ـ كقوله تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) ـ والاحتقار ـ كقوله تعالى بل (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) ـ والتعجيز ـ كقوله تعالى (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) ـ والتسخير ـ كقوله تعالى (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) ـ الى غير ذلك ـ مما عد اكثر من عشرين معنى كالارشاد نحو قوله تعالى (فَاسْتَشْهِدُوا) ارشد الى الاستشهاد عند المداينة والامتنان نحو قوله تعالى (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) واكرام المأمور له نحو قوله تعالى (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) فان ضم السلامة والامن الى الامر بالدخول قرينة على اكرام المأمور له والتسوية نحو قوله تعالى (اصْبِرُوا) ولا تبصروا والتكوين نحو قوله تعالى (كُنْ فَيَكُونُ) والدعاء نحو قوله تعالى (اللهم اغفر لى) الى غير ذلك مما هو محرر فى المطولات فراجع ـ وهذا كما ترى ضرورة ان الصيغة ما استعملت فى واحد منها بل لم تستعمل الا فى انشاء الطلب إلّا ان الداعى الى ذلك كما يكون تارة هو البعث والتحريك نحو المطلوب الواقعى يكون اخرى احد هذه الامور كما لا يخفى وقصارى ما يمكن ان يدعى ان تكون الصيغة موضوعة لانشاء الطلب فيما اذا كان بداعى البعث والتحريك لابداع آخر منها فيكون انشاء الطلب بها بعثا حقيقة وانشائه بها تهديدا مجازا وهذا غير كونها مستعملة فى التهديد وغيره فلا تغفل انتهى فالتحقيق انه لا يكون دلالة للصيغة بنفسها على شيء من المعانى المزبورة ما عدا الطلب بل ولا كانت الصيغة مستعملة فى شيء منها بوجه اصلا وانما يكون مدلول الصيغة معنى وحدانيا وان استفادة تلك المعانى فى الموارد المزبورة انما هى من جهة القرائن الخارجية

٧٣

ولو بملاحظة كونها (١) مظهرا للطلب الذى به قوام مدلولها ومناط صدق مفهومها ، و (٢) لا اشكال (٣) فى ان الصيغ المزبورة بهيئتها (٤) حاكية عن نحو نسبة

______________________________________________________

المقتضية لها لا من جهة ان الصيغة قد استعملت فيها ولو مجازا بل يكون ذلك من الدواعى حيث يكون الداعى على الاستعمال تارة هو التهديد واخرى الانذار وثالثه التمني وهكذا وذلك غير الاستعمال فيها.

(١) اى كون الصيغة مظهرا للطلب.

(٢) الجهة الثانية بعد ما كانت الصيغة موضوعة للطلب فيقع الكلام فى انها موضوعة للطلب الانشائى الايقاعى منه كما عرفت من صاحب الكفاية او انها موضوعة للنسبة الارسالية الايقاعية وانما دلالتها على الطلب من جهة الملازمة وذهب محقق الماتن العراقى قدس‌سره الى الثانى وملخص بيان كلام صاحب الكفاية هو ان لفظ الامر موضوع للطلب الانشائى اعنى به ايجاد مفهوم الطلب فى الخارج بما يدل عليه من قول كافعل وليفعل واطلب منك كذا الى غير ذلك او فعل كاشارة الآمر الى انه يريد من المأمور الفعل الكذائى او كتابته له بذلك الى غير ذلك من انحاء الوجود الاعتبارى للمعانى فى مقام الانشاء فوجود الطلب بهذا النحو من الوجود هو الطلب الانشائى الذى هو احد افراد الطلب المطلق كما ان الطلب الحقيقى هو الفرد الآخر على ما يظهر من كلام صاحب هذا القول وح يكون لفظ الامر او صيغته دالا على هذا الفرد من افراد الطلب المطلق وعلى هذا القول تكون الاوامر الامتحانية اوامر حقيقة لا صورية لتحقق الطلب الانشائى فى الخارج وان لم يقترن بالطلب الحقيقى فى نفس الآمر ولكن على المختار كما عليه نظر العرف ايضا ان الاوامر الامتحانية ليست باوامر حقيقية وان كانت صيغ انشاء الامر مستعملة فى معناه لان استعمال اللفظ فى معناه لا تستدعى صحته وجود مطابقه فى الخارج.

(٣) اما المختار عند المحقق الماتن العراقى قدس‌سره فى وضع صيغة افعل قد تقدم فى مبحث المشتق من انحلال الوضع فى المشتقات باسرها من المصادر والافعال واسماء الفاعلين والمفعولين ونحوها الى وضعين وضع المادة ، ووضع الهيئة اذ عليه نقول بان صيغة اضرب مثلا لما كانت مشتملة على مادة وهيئة خاصه فمادتها تدل حسب الوضع النوعى على نفس الحدث.

(٤) اما هيئتها الخاصة فهى ايضا لا تدل الا على النسبة الارسالية والمحركية

٧٤

بين الفاعل والمبدا بنسبته ارسالية (١) هو شأن من يبعث الى شيء ويحرك نحوه و (٢) هذه النسبة قائمة بالمفهومين كما هو شأن المفاهيم الحرفية الحاكية (٣) عما بازائها من التحريك والبعث الخارجى فى عالم التصور وان انفك عنه فى عالم التصديق كما هو الشأن فى كل مفهوم (٤) غاية الامر (٥) مع فرض ظهور الكلام و

______________________________________________________

بين المبدا والفاعل.

(١) بمعنى انه لا تدل على مفهوم هذه النسبة لانه معنى اسمى بل مصداقه وصورة ذاك الربط الخاص الحاصل من تحريك المأمور نحو العمل على طبق الارسال الخارجى وح فلا يكون المستعمل فيه فى الصيغة الا النسبة الارسالية لا مفهوم الطلب كما عليه الكفاية.

(٢) وهذه النسبة قائمة بين مفهوم المادة ومفهوم ذات ما كما هو شأن جميع المفاهيم الحرفية.

(٣) صفة للنسبة اى تحكى هذه النسبة عن بعث خارجى فى مقام التصور بيان ذلك انه ينتقل الذهن من تلك النسبة الارسالية الى مفهوم الطلب بانتقال تصورى لكون دلالتها على الطلب من جهة الملازمة خاصة الناشى هذا التلازم من جهة كون المتكلم فى مقام الحد بالارسال ففى الحقيقة منشأ هذا التلازم انما هو التلازم الخارجى بين منشأيهما وهما البعث والارسال الخارجى والارادة الخارجية وعدم انفكاك احد الامرين عن الآخر وح فحيث ان اللفظ كان وجها للمفهوم وكان المفهوم وجها لمنشا وكان بين المنشأين وهما البعث والارسال الخارجى والارادة الحقيقية ملازمه فى مرحلة الخارج فينتقل الذهن عند تصور احد المفهومين من جهة كونه وجها لمنشأيه الى مفهوم الآخر كذلك يعنى من حيث كونه ايضا وجها لمنشئه بانتقال تصورى ولو لم يكن للمنشإ وجود فى الخارج اصلا بل كان المنشأ مما يقطع بعدم وجوده خارجا.

(٤) اى ان مفاد الصيغة هو البعث الملحوظ نسبة يكون هذا المفهوم فانيا في مطابقة الخارجى كما هو شأن كل مفهوم وبعبارة اخرى كما ان الارادة الحقيقية يحرك المكلف نحو العمل ويلازم السعى اليه والبعث كذلك حاكية فى الذهن يلازم الطلب والسعى.

(٥) نعم فى مقام التصديق لا بد من احراز كون المتكلم فى مقام الجد بالارسال

٧٥

احتمال مطابقة هذا الظهور مع الخارج يستفاد منه البعث الملازم للطلب من الامر خارجا وح (١) فدلالة هيئة الامر على الطلب ليس إلّا بالالتزام لا بالمطابقة لان الطلب القائم بالنفس اجنبى عن مدلول الهيئة والمادة (٢) كما اسلفنا الكلام فيه مستقصى (٣) ومن هذا البيان (٤)

______________________________________________________

ولو بالاصل ليحرز به وجود الارادة وتحققها فيصدق عليه الطلب والامر حقيقة قال المحقق الاصفهانى فى النهاية ، ج ١ ، ص ١٢٥ ، فاستعمالها فى الطلب بسائر الدواعى خلاف الوضع لا الموضوع له وما يمكن اثبات هذه الدعوى به امور منها انصرافها الى ما كان بداعى الجد فان غلبه الاستعمال بداعى الحد ربما يصير من القرائن الحافة باللفظ فيكون اللفظ بما احتف به ظاهرا فيما اذا كان الانشاء بداعى الجد إلّا ان الشأن فى بلوغ الغلبة الى ذلك الحد لكثرة الاستعمال بسائر الدواعى ولو بلحاظ المجموع فتأمل منها اقتضاء مقدمات الحكمة ـ منها الاصل العقلائى اذ كما ان الطريقة العقلائية ـ كك سيرتهم وبنائهم على مطابقة الارادة الاستعمالية للارادة الجدية الخ.

(١) فان دلالة الصيغة على الطلب انما هى باعتبار كونه من لوازم ما هو المدلول لا انها من جهة كونه بنفسه هو المدلول للصيغة.

(٢) فتحصل انه بعد ما كان فانيا فى مطابقة وبما ان مطابقة اعنى به البعث الحقيقى يستلزم وجوده خارجا وجود الطلب الحقيقى اعنى به الارادة التشريعية تكون الملازمة بين وجوديهما سببا لانتقال الذهن من تصور البعث الحقيقى بمرآة مفهومه الى تصور الطلب الحقيقى بمرآة مفهومه فانيا فيه اذ لا يمكن تصور حقيقة الشى الخارجى إلّا بتصور مفهومه فانيا فيه وعلى هذا فيكون تصور مفهوم صيغة افعل موجبا لتصور مفهوم الطلب ودالا عليه بالالتزام كما عرفت وكما ان تصور مفهوم الصيغة يوجب تصور مفهوم الطلب كذلك التصديق بوجوده حقيقة مفهومها خارجا بظهورها فى ذلك او بسبب بعض القرائن يوجب التصديق بوجود الطلب خارجا بالدلالة الالتزامية.

(٣) فى البحث عن لفظ الامر فراجع وبالجملة ان الهيئة لها معنى حرفى وغير قابل لان يكون مفهوم الطلب لانه معنى اسمى فتكون موضوعة للنسبة القائمة بين الطرفين واقع النسبة لا بذهنيتها ولا بخارجيتها الموجود فى الذهن كما فى الخارج.

(٤) من كون صيغة الامر دالا على الطلب بالالتزام كما عرفت مفصلا.

٧٦

ايضا ظهر ان استعمال صيغة الامر فى معناه (١) بنحو الحقيقة لا يقتضى وجود الطلب او البعث خارجا (٢) لما عرفت من ان ميزان استعمال اللفظ فى معناه حقيقة ارادة مفهومه منه وهذا المقدار لا يقتضى وجود ما بازاء هذا المفهوم فى الخارج بل ذلك يحتاج الى مبادى اخرى (٣) وح فاستعمال صيغة الامر فى مقام التحديد (٤) او التعجيز او السخرية لا ينافى استعمال الامر فى هذه المقامات فى مفهومه بنحو الحقيقة مع كون الداعى (٥) على اجراء الصيغة المزبورة شيء آخر غير الحكاية عن وجود ما بازاء مفهومه تصديقا (٦) فلا يتوهم (٧) ح استعمال الصيغة فى هذه المقامات فى هذه المعانى (٨) اذ ارادة حقائقها الخارجية من اللفظ غلط (٩)

______________________________________________________

(١) وهى النسبة الارسالية.

(٢) لكونه خارجا عن مفهومها.

(٣) وذلك لان البعث الخارجى لو اتفق حصوله وتحققه ملازم لارادة منشإ هذا البعث وهو ان ينشئه المتكلم بداعى الطلب الحقيقى فيكون بعثا حقيقيا.

(٤) لعل الصحيح ـ التهديد ـ.

(٥) فانه قد استعمل الصيغة فى المعنى الواحد وهو مفهومها فقد ينشئه بداعى الطلب الحقيقى كما عرفت وقد ينشئه بداعى التهديد مثلا فيكون تهديدا وقد ينشئه بداعى الترجى فيكون ترجيا الى غير ذلك وهذه الامور غير مفهوم صيغة الامر ويكون استعمال الصيغة فيه لا فى هذه الامور.

(٦) وهو الطلب والارادة الحقيقية فوضعت للدلالة على ربط خاص بعثى ولا يكون هذا متوقفا على وجود الارادة الواقعية فى نفس المنشئ بوجود هذه الصفة فيها.

(٧) تقدم فى اول بحث الصيغة انه ذكر لصيغة الامر معان حتى بلغ الى اكثر من عشرين معنى.

(٨) كما تقدم مفصلا هذا التوهم.

(٩) واجاب عنه المحقق الماتن بان الصيغة هل تكون موضوعة للطلب الحقيقى والتمنى الحقيقى الموجود فى النفس والترجى الحقيقى وهكذا ، فهذا غلط

٧٧

وارادة مفاهيمها (١) اغلط لعدم مناسبة مفاهيمها (٢) مع المعانى الحرفية فيكون مفاهيمها (٣) اجنبية عن مدلول الهيئة والمادة بل انما يستفاد هذه المعانى من سياق الكلام (٤) فامثال هذه الدلالات داخلة فى الظهورات السياقية لا اللفظية (٥)

______________________________________________________

لانه ربما بل كثيرا ما يتخلف فيلقى الصيغة وليس هناك طلب حقيقى ولا تمنى كذلك ولا ترج حقيقى ، وان كانت موضوعة لمفهوم الطلب او التمنى او الترجى فهو اغلط فان الهيئة من الحروف موضوعة للنسبة فكيف يمكن ان تكون موضوعة لمعنى اسمى وهو مفهوم الطلب او التمنى او نحوهما.

(١) اى مفاهيم هذه المعانى.

(٢) لكونها معنى اسميا قال المحقق الاصفهانى فى النهاية ، ج ١ ، ص ١٢٥ ، بل ربما لا يعقل اذ مفاد الهيئة كما هو بمعنى البعث او الطلب الملحوظ نسبة بين المادة والمتكلم والمخاطب فتكون المادة مبعوثا اليها او مطلوبة والمخاطب مبعوثا او مطلوبا منه كذلك لا بد ان تلاحظ السخرية والتعجيز والتهديد متعلقة بالمادة مع انه لا معنى لجعل المخاطب مسخرة بالحدث ولا لجعله عاجزا به ولا لجعله مهددا به وانما يسخره ويعجزه ويهدده بتحريكه نحو المادة انتهى.

(٣) اى مفاهيم هذه المعانى خارجة عن الموضوع له وتكون من الدواعى.

(٤) والدواعى تستفاد من سياق الكلام والقرائن الحالية او المقالية.

(٥) وليست من الموضوع له بشيء اما ثمرته الفقهية فى الآيات والروايات كثيرة جدا اى صيغة الامر قال الله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) سورة البقرة ، آية ١٨٧ (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) مائدة ، آية ٤ ، (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) الحج آية ٧٧ (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ،) نساء آية ٤٢ (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ،) مائدة آية ١ ، (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ،) مائدة آية ٦ ، وفى الرواية اغسل يدك من البول مرة ومن الغائط مرتين باب ٢٧ من ابواب الوضوء وفى الامر الغائب قال الله تعالى وليكتب كاتب بالعدل لتدخلن المسجد الحرام آمنين محلقين رءوسكم الى غير ذلك وسيأتى ايضا بعضها.

٧٨

فتدبر (١).

______________________________________________________

(١) بقى شيء ـ وهو انه قد ظهر مما بينا به حقيقة صيغة الامر حال باقى صيغ الانشاء من الترجى والتمنى والتشبيه ونحوها من ان لها مفهوما فانيا فى مطابقة وحاكيا عنه ولو لم يكن ذلك المطابق ثابتا فى الخارج كسائر المفاهيم الاسمية مثلا لعل تدل على الترجى المرتبط بالذات والمعنى المترجى وكان تدل على المشابهة بين المشبه والمشبه به فهذه الالفاظ تدل على هذه المعانى ولو لم يكن لها مطابق فى الخارج على حد دلالة الالفاظ الاخرى مثل قولنا ضرب زيد فانها تدل على هذه المعانى التى تسبق الى الذهن عند سماعها مثلا فانية فى مطابقها ولو لم يكن ثابتا فى الخارج لا ان هذه الصيغ ينشأ بها معانيها فتكون هذه المعانى بعد انشائها بهذه الصيغ هى المفهوم وهى المطابق كما توهم ولا ان يكون معانى هذه الصيغ هو الترجى الانشائى والتمنى الانشائى والتشبيه الانشائى كما قيل بمثل ذلك فى صيغة الامر من ان مدلولها هو الطلب الانشائى قال فى الكفاية ، ج ١ ، ص ١٠٢ ، لا يخفى ان ما ذكرناه فى صيغة الامر جار فى سائر الصيغ الانشائية فكما يكون الداعى الى انشاء التمنى او الترجى او الاستفهام بصيغها تارة هو ثبوت هذه الصفات حقيقة يكون الداعى غيرها اخرى فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها واستعمالها فى غيرها اذا وقعت فى كلامه تعالى لاستحالة مثل هذه المعانى فى حقه تبارك وتعالى مما لازمه العجز او الجهل وانه لا وجه له فان المستحيل انما هو الحقيقى منها لا الانشائى الايقاعى الذى يكون بمجرد قصد حصول بالصيغة كما عرفت ففى كلامه تعالى قد استعملت فى معانيها الايقاعية الانشائية ايضا لا لاظهار ثبوتها حقيقة بل لامر آخر حسب ما يقتضيه الحال من اظهار المحبة او الانكار او التقرير الى غير ذلك ومنه ظهر ان ما ذكر من المعانى الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغى انتهى لكن قد عرفت ان صيغة افعل موضوعة للنسبة القائمة بين المادة التى طرات عليها الصيغة وبين المخاطب بها ومستعملة فيها واستفادة الطلب منها من جهة ملازمة ذلك لتحقق ارادته فكذلك فى هذه الصيغ موضوعة للنسبة واستفادة الخصوصيات من جهة الملازمة والسياق وذلك فى مقام التصور وان لم يكن لها مطابق فى الخارج فى مقام التصديق كما فى حقه تبارك وتعالى فالملحوظ هى النسبة المعهودة كما لا يخفى ، وعلى هذا من ان للصيغ والادوات المزبورة معانى تدل عليها دلالة الاسماء على معانيها يكون استعمالها فى معانيها باى

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

داع كان استعمالا حقيقيا وان لم يكن لها مطابق فى الخارج نظير استعمال الجملة الخبرية فى معناها حيث لا يكون لها مطابق فى الخارج فلا يكون كذبها بعدم وجود مطابقها فى الخارج موجبا لكونها مجازا كذلك الصيغ والادوات المذكورة لا يكون استعمالها فى معانيها مجازا حيث لا يكون الداعى اليه هو قصد شيء من مطابقاتها كالطلب الحقيقى فى صيغة افعل او الترجى فى جملة الترجى او التمنى فى جملة التمنى او افادة المشابهة فى عبارات التشبيه فاتضح مما تقدم ان دلالة تلك الصيغ والجمل من الترجى والتمنى ونحوهما على الصفات القائمة فى النفس من الرجاء والتمنى ونحوهما حيث تتحقق دلالتها عليها انما هى بالدلالة الالتزامية وذلك لما تقدم نظيره فى دلالة صيغة افعل على الطلب الحقيقى القائم فى النفس من ان ظهور هذه الصيغ والجمل فى تحقق مطابقها فى الخارج باى سبب حصل لها هذا الظهور يستلزم ظهورها ايضا فى كون الداعى الى استعمالها فى معانيها هو وجود تلك الصفات القائمة فى النفس من الطلب الحقيقى والرجاء او التمنى لان وجود مطابق مفاهيمها فى الخارج الذى فرض كونها ظاهرة فيه يستلزم وجود تلك الصفات فى النفس. ومما ذكرنا كله عرفت ان الصيغة لا تكون موضوعة للطلب الانشائى وتستعمل فيه دائما ويختلف الداعى الى انشائه ، لما عرفت من ان الهيئة معنى حرفى ومفهوم الطلب معنى اسمى ـ سواء قلنا ان الانشاء ايجاد المعنى باللفظ ام اعتبار الامر النفسانى وابرازه فى الخارج بمبرز من قول او فعل كما عليه استادنا الخوئى فى المحاضرات ، ج ٢ ، ص ١٢٣ ، ان الصيغة على هذا موضوعة للدلالة على ابراز الامر الاعتبارى النفسانى فى الخارج ومن الطبيعى ان ذلك يختلف باختلاف الموارد ويتعدد بتعدد المعانى فان المتكلم تارة يقصد بها ابراز ما فى نفسه من اعتبار المادة على ذمة المخاطب واخرى ابراز ما فى نفسه من التهديد ـ فالصيغة على الاول مصداق للطلب والبعث الاعتباريين ـ الى ان قال ـ المتبادر من الصيغة عند اطلاقها هو ابراز اعتبار الفعل على ذمة المكلف فى الخارج ـ وفى غيره مجازا انتهى وفيه ان الصيغة مادة موضوعة للحدث الكذائى وهيئة للنسبة فما هو الدال على الابراز مع ان الابراز معنى اسمى كيف يدل عليه الهيئة إلّا ان يكون هناك وضع آخر وهو ايضا لم يثبت للمادة المحفوفة بالهيئة فالصحيح ما ذكرنا.

٨٠