نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ١

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ١

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٠

والمشهور (١) ان المعنى والملحوظ مفاهيم غير مستقلة بذاتها فى عالم الذهن نظير النسب الخارجية القائمة بالوجودات الخارجية المتقوّمة بغيرها فى الخارج مع (٢)

______________________________________________________

واحدا لا تعدد اصلا ، وانما الفرق بينهما من جهة كيفية اللحاظ من حيث الاستقلالية والآلية لمعنى آخر والحاصل انه على هذا القول يكون المعنى الحرفى من قبيل قيام المرآة بالمرئى وكونه ملحوظا باللحاظ الآلي ومنظور بالنظر المرآتى.

(١) هذا هو القول الثانى وهو المختار عند الماتن قدس‌سره بان يكون المعانى الحرفية عبارة عن نفس الروابط الخاصة الذهنية وعين النسب والربط والاضافات المتحققة بين المفهومين التى من سنخ الاضافات المتقومة بالطرفين خارجا وموجبا لذلك لكن لا لمفهوم الربط وهو معنى اسمى بل واقع الربط الذهنى ومصداقه بالحمل الشائع ، وان شئت توضيح اكثر فتصور الامور المتكثرة تارة بنحو لا يكون بينها ربط اصلا كما يقول ثوب وتمر وجبل وزيد فان مفاهيم الالفاظ المذكورة تحضر فى الذهن بلا ربط لبعضها ببعض ، واخرى بنحو يكون بينهما ربط خاص فقوله زيد قائم يكون مفهوم كل من زيد وقائم يحضر فى الذهن على ربط خاص يعبر عنه بالنسبة الحملية وكذا قام زيد فان مفهوم كل من قام وزيد يحضر فى الذهن على ربط خاص يعبر عنه بالنسبة الصدورية وهكذا فى جميع الجمل فان لمفرداتها ارتباطا خاصا يعبر عنه بعبارة تخصّه وكذا لفظ فى قولك الماء فى الكوز ولفظ من فى سرت من البصرة موضوع للربط الخاص الذى كان بين مفهوم الماء ومفهوم الكوز فاذا لاحظت امثال هذه الجمل تجد امورا ثلاثة مفهوم السير ومفهوم البصرة والتعلق الخاص بينهما فكما يحتاج مفهوم السير ومفهوم البصرة وكذا سائر الأمثلة الى لفظ خاص يحكى عنه فى مقام تفهيم المقصود واظهار ما فى الضمير كذلك ذلك الربط والتعقل الخاص بينهما يكون لفظ فى ومن ونحوهما موضوعا لذلك الربط والتعلق الخاص بينهما ، فتحصل انه على القول الثانى تكون الحروف موضوعة للاضافات الخاصة الملحوظة على النحو الخاص سواء كان طرفاها جزئيين ام كليين ام مختلفين وعلى القول الاول تكون موضوعة للجامع بينها ومستعملة فيه كالاسماء وان اللحاظ كالاستقلالى لم يؤخذ فى المعنى الموضوع له ولا المستعمل فيه وانما اذا لوحظ المعنى فى مقام الاستعمال باللحاظ الآلي يصير معنى حرفيا واذا لوحظ باللحاظ الاستقلالى كان معنا اسميا فالحرف موضوع لمعنى كلى وهو مفهوم الابتداء بنحو يلاحظ مرآة لملاحظة المصاديق الخاصة من النسب الابتدائية الذهنية الحاصلة بين السير والبصرة.

(٢) اشارة الى الفرق بين هذا القول والقول المتقدم بوجوه.

١٤١

كون اللحاظ المتوجه اليها استقلاليا (١) بمعنى عدم كونها مرآة لغيرها الموجب (٢) لعدم الالتفات اليها بل يكون مثل هذه النسب القائمة بالغير المعبر عنه بتقيدات معان اخرى مما يلتفت اليها بحيث (٣) يوجّه طلبه نحو الذات المتقيدة بقيد كذا على وجه يكون التقييد جزءا للمطلوب والقيد خارجا وبديهى (٤) انه لو لا الالتفات الى

______________________________________________________

(١) منها انه على القول الاول كان اللحاظ آليا وحالة لغيره لا مستقلا وعلى هذا القول يكون اللحاظ مستقلا وهو لحاظ الروابط والنسب المتحققة بين المفهومين والسر فى ذلك ان الاستقلالية والتبعية على القول الاول من صفات اللحاظ من حيث توجه اللحاظ الى المعنى تارة بنحو الاستقلال واخرى بنحو الآلية والمرآتية الى الغير كما فى نظرك الى المرآة تارة مرآة لملاحظة وجهك واخرى استقلالا لملاحظة نفسها للحكم عليها بان هذه المرآة احسن من تلك بخلافه على القول الثانى فان الاستقلالية والتبعية انما كانت من صفات نفس المعنى والملحوظ من حيث تحققه تارة فى الذهن محدودا بحد مستقل وغير متقوم بالغير واخرى لا كذلك بل حالة لمعنى آخر وقائما به كقيام العرض بمعروضه مع كونه فى مقام اللحاظ فى الصورتين ملحوظا استقلالا لا مرآة ففى الاول لا قيام للمعنى بالغير بخلاف الثانى فانه قيام حقيقى كما لا يخفى.

(٢) ومنها انه على القول الاول لا يلتفت اليها لعدم اللحاظ المستقل فيها بل يكون الالتفات اليها فى ضمن الالتفات الى اطرافها فالابتداء الحرفى ملحوظا ضمن لحاظ السير فى سر من البصرة بخلاف هذا القول فانه عبارة عن التقيدات فيكون ملتفتا اليها.

(٣) ومنها انه بعد ما كان مما يلتفت اليها يتعلق بها الطلب وهو الذات المقيد بكذا ويكون التقيد جزء للمطلوب بخلاف القول الاول فانه بعد كونه مرآتا وحالة لغيره وغير ملتفت اليه لم يتعلق بها الطلب.

(٤) فى بيان الكشف عن انها ملتفت اليها لان الطلب انما يتعلق بشيء ملتفت اليه ويكشف عن ذلك جعل التقييدات فى ضمن الخطاب فانه لو لم يكن ملتفتا اليها كيف جعلها فى حيّز الخطاب ، والثمرة الفقهية قال الله تعالى (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ومعناه حجوا ان استطعتم فان كان المعنى الحرفى غير مغفول عنه فيمكن ان يقال بان القيد قيد الهيئة فلا وجوب قبل حصول الشرط وهو الاستطاعة. واما اذا قلنا بانه مغفولا عنه فكل الواجبات التى يظن انها مشروطة واجبات معلقة اى القيد يكون قيد المادة ولا دخل له فى الملاك فان الوجوب فعلى والواجب استقبالى.

١٤٢

تقييدات المعانى فى حيّز الخطاب فما معنى لتوجيه الطلب نحوها. نعم (١) لا يكون مثل هذه التقييدات ما يلتفت اليها بالاصالة بل يكون اللحاظ والالتفات المتوجه اليها تبعيا ولذلك (٢) لا يقع مبتداء ولا خبر لا فاعلا ولا مفعولا بل هذه شان الاسماء الملتفت اليها تفصيلا اصالة ولكن ذلك المقدار (٣) لا يقتضى مرآتيّتها لغيرها بحيث لا يلتفت اليها اصلا بل تمام الالتفات كان متوجّها الى غيرها ـ وحينئذ (٤) هذا المسلك فى تمام المعاكسة مع المسلك السابق بل على المسلك السابق لا يعقل اخذ الاستقلالية وعدمها فى مفاهيم الاسماء والحروف بل لا محيص من تجريد المعنى منهما (٥) وحينئذ وان قيل (٦) لازمه اتحاد معنى

______________________________________________________

(١) وملخصه ان هذا الربط تحت لحاظ الذهن يختلف لحاظه مع لحاظ كل من طرفيه فان كلا من زيد وقائم مثلا فى زيد قائم ملحوظ فى نفسه فى قبال صاحبه وليس كذلك حال الربط فانه ملحوظ تبعا لا استقلالا ونظيره فى المحسوسات علاوه عما مر ان تنظر الى نقطة فى الكتاب فتقول هى احسن من غيرها فانك فى حال النظر الى النقطة ترى ما حولها من الكلمات والسطور ولكن النظرين يختلفان فان نظر النقطة اصلى ونظر ما حولها تبعى وكذلك حال الربط المعبر عنه بالاضافة والنسبة فان لحاظه ليس كلحاظ طرفيه بل لحاظه تبعى ولحاظهما اصلى وهذا هو المراد من كونه غير مستقل بالمفهومية.

(٢) اى ولكونه ملحوظا تبعا لا يقع محكوم عليه ولا به بخلاف الاسماء فانه يكون ملحوظا بنحو يصحّ الحكم عليه وبه كما هو واضح.

(٣) من كون لحاظها تبعيّا.

(٤) ومنها فى الفرق بين القولين من عدم لحاظ الآلية فى الحروف كالاستقلالية فى الاسماء للمحاذير الآتية بخلاف القول الثانى فان الاستقلالية والتبعية من صفات المعنى ولا يحتاج الى التجريد اصلا على ما مر مفصلا فراجع.

(٥) قال فى الكفاية ، ج ١ ، ص ١٥ ، وبالجملة ليس المعنى فى كلمة من ولفظ الابتداء مثلا الا الابتداء فكما لا يعتبر فى معناه لحاظه فى نفسه ومستقلا كذلك لا يعتبر فى معناها لحاظه فى غيرها وآلة وكما لا يكون لحاظه فيه موجبا لجزئيته فليكن كذلك فيها.

(٦) كما نقل ذلك فى الكفاية ، ج ١ ، ص ١٥ ، ان قلت على هذا لم يبق فرق بين الاسم والحرف فى المعنى ولزم كون مثل كلمة من ولفظ الابتداء مترادفين صح استعمال كل منهما فى موضع الآخر وهكذا سائر الحروف مع الاسماء الموضوعة لمعانيها وهو باطل

١٤٣

الاسماء والحروف وانما الاختلاف فى كيفية استعمالها ، وإلّا (١) يلزم الاشكالات الثلاثة المعروفة (٢) فى اخذ هذه القيود فى الموضوع له.

______________________________________________________

بالضرورة كما هو واضح قلت الفرق بينهما انما هو فى اختصاص كل منهما بوضع حيث انه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفى نفسه والحرف ليراد منه معناه لا كذلك بل بما هو حالة لغيره كما مرت الاشارة اليه غير مرة فالاختلاف بين الاسم والحرف فى الوضع يكون موجبا لعدم جواز استعمال احدهما فى موضع الآخر وان اتفقا فى ما له الوضع انتهى فالعلقة الوضعية فى الحروف مختصة بحالة ما اذا اريد المعنى حالة للغير وفى الاسماء مختصة بحالة اخرى وهى ما اذا اريد المعنى استقلالا ولذا لا يصح استعمال احدهما فى مقام الآخر.

(١) اى وان لم يكن الاختلاف فى كيفية استعمالهما كما مر من انه وضع الاسم لان يراد معناه بما هو وفى نفسه والحرف وضع لان يراد معناه لا كذلك بل آلة لملاحظة خصوصية حال المتعلق ومنشأ عدم صحة الاستعمال المزبور قصور الوضع وعدم اطلاقه لما اذا لم يستعمل كذلك لا من جهة تقيد المعنى والموضوع له فيهما باللحاظ الاستقلالى والآلي للزوم المحاذير الآتية.

(٢) قال فى الكفاية ، ج ١ ، ص ١٣ ، وذلك لان الخصوصية المتوهمة ان كانت هى الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا فمن الواضح ان كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه كذلك بل كليا الخ قوله قدس‌سره كثيرا ما الخ اشارة الى صحة دعوى الجزئية فى الاخبارات الماضية مثل قوله سرت من البصرة او السير الواقع لا بد من كونه متشخصا حسب القاعدة المسلمة الشى ما لم يتشخص لم يوجد فلا محاله يكون الابتداء المراد من لقطة من جزئيا حقيقيا وكذا فى النادر مما وقع فى تلوا الطلب نحو كن فى مكانك وفى تلو الاخبارات الغير الماضية مثل اسير من البصرة اذا كان المراد الابتداء من النقطة الخاصة ، ولكن يمكن ان يقال ان كلمة من لم تستعمل الا فى كلى الابتداء والتشخص انما جاء من قبل دال آخر نظير اسماء الاجناس الواقعة فى تلك الاخبارات فيكون ارادة التشخص من دال آخر لا من لفظه من او استعمل فى الكلى وحمل فى قلبه على هذا الفرد وحكم عليه ، ومن ذلك يظهر ان التقييد بالكثرة فى كلامه وقدس‌سره لا وجه كما سيأتى المناقشة فى اصل كلامه إن شاء الله تعالى له وقوله المستعمل فيه الخ اذا ثبت عموم المستعمل فيه ثبت عموم الموضوع له ايضا اذ لا قائل بالفصل وان قيل بالعكس بان الموضوع له عام والمستعمل فيه خاص ، وعلى اى حال ان الذى ذكره قدس‌سره. هو الاشكال الاول وملخصه بعد ما كان الوضع والاستعمال يتعلقان بالصور الذهنية لا الخارجية ان الصور الذهنية التى تستعمل فيها الحروف ان كان المراد من

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

كونها جزئية انها حاكية عن الجزئيات الخارجية فيرد عليه ان كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه فى الحروف جزئيا خارجيا بل يكون كليا سواء كان واقعا بعد الاوامر كقوله سر من البصرة الى الكوفة فلا شك فى حصول الامتثال بالسير من اى نقطة من نقاط البصرة ابتداء وفى اى نقطة من نقاط الكوفة انتهاء فلو كانت الخصوصية مأخوذة فى الموضوع له او المستعمل فيه يلزم عدم حصول الامتثال بالسير من البصرة الا من نقطة خاصه وانتهاء خاص او كان عقيب الاخبار الحالى او الاستقبالى كالسير من البصرة الى الكوفة فيحصل الامتثال بالسير منها من اى نقطة ابتداء وباى نقطة انتهاء فلو كانت الخصوصية مأخوذة فى الموضوع له او المستعمل فيه يلزم ان لا يجعل الامتثال الا من نقطة خاصة لا يقال انا نفرض الخصوصية فى المعنى الموضوع له ولكن المستعمل فيه عام وعليه شيء مما ذكر ـ لانه يقال هذا غير صحيح لاستلزام ذلك كون استعمالات الحروف فى جميع الموارد مجازا لفرض ان الموضوع له فيها خاصا والمفروض انها لم تستعمل فيه بل استعمل فى غير ما وضع له فلا محاله يكون مجازا مع ان الوجدان قاض بعدم تجويز العرف استعمال اللفظ الموضوع للخاص فى المعنى العام لعدم العلاقة بينهما ـ ان قلت ان المراد من الجزئى هو الجزئى الاضافى فلا يلزم المحذور قال فى الكفاية ، ج ١ ، ص ١٣ ، ولذا التجأ بعض الفحول الى جعله جزئيا اضافيا وهو كما ترى انتهى ـ اى بالاضافة الى المفهوم الاسمى جزئية اما بالاضافة الى موارد استعمالاتها كلية قال فى الفصول ، ص ١٣ ، واعلم ان الحروف حيث كانت موضوعه بازاء المفاهيم الملحوظ بها حال ما تعلقت به لا جرم كان معانيها الحقيقة معان خاصة مقيدة بمتعلقاتها الخاصة وتلك المعانى وان كانت فى حد نفسها كلية إلّا ان اعتبار تقييدها باللحاظ على الوجه الذى سبق يصيرها شخصية ـ الى ان قال ـ الاسماء المستقلة فى مداليلها موضوعه بازاء معانيها من غير اعتبار لوجودها فى الذهن فضلا عن اعتبار وجودها فيه على الاستقلال ـ الى ان قال ـ فان التحقيق ان الواضع لاحظ فى وضعها معانيها الكلية ووضعها بازائها باعتبار كونها آلة ومرآتا لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة فلاحظ فى وضع من مثلا مفهوم الابتداء المطلق ووضعها بازائه باعتبار كونه آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة من السير والبصرة مثلا فيكون مداليلها خاصة لا محاله انتهى وفيه ان الموضوع له لا يمكن ان يكون جزئيا اضافيا لفرض انه كلى يصدق على كثيرين فان مناط الكلية وهو قابلية الانطباق على الكثيرين موجود فى الجزئى الاضافى فيرجع الى الوضع والموضوع له والمستعمل فيه عاما ـ ثم قال فى الكفاية ، ج ١ ، ص ١٣ ، وان كانت هى الموجبة لكونه جزئيا ذهنيا حيث انه لا يكاد يكون المعنى حرفيا

١٤٥

ولكن (١)

______________________________________________________

إلّا اذا لوحظ حالة لمعنى آخر ومن خصوصياته القائمة به ويكون حاله كحال العرض فكما لا يكون فى الخارج الا فى الموضوع كذلك هو لا يكون فى الذهن الا فى مفهوم آخر ولذا قيل فى تعريفه بانه ما دل على معنى فى غيره فالمعنى وان كان لا محاله يصير جزئيا بهذا اللحاظ بحيث يباينه اذا لوحظ ثانيا كما لوحظ اوّلا ولو كان اللاحظ واحدا إلّا ان هذا اللحاظ لا يكاد يكون مأخوذا فى المستعمل فيه وإلّا فلا بد من لحاظ آخر متعلق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ بداهة ان تصور المستعمل فيه مما لا بد منه فى استعمال الالفاظ وهو كما ترى هذا هو الاشكال الثانى من انه لو كان المراد انها حاكية عن الجزئيات الذهنية بان المعنى لا يكاد يكون حرفيا إلّا اذا لوحظ حالة وآلة للغير كما انه لا يكاد يكون اسميا إلّا اذا لوحظ استقلالا فيلزم ان يكون جزئيا ذهنيا بواسطة اخذ قيد اللحاظ فيه لان اللحاظات وجودات ذهنية متباينة كتباين الوجودات الخارجية ولكن فيه انه يلزم منه اجتماع اللحاظين فى مقام الاستعمال احدهما ما هو المأخوذ فى ناحية نفس المعنى والمستعمل فيه وثانيهما ما به قوام الاستعمال فان الاستعمال من الامور الاختيارية لا بد وان يكون مسبوقا بلحاظ المستعمل فيه واطرافه حتى يتحقق الاستعمال فاذن يلزم تعدد اللحاظ بالاضافة الى معنى واحد وهو خلاف الوجدان وتعلق اللحاظ بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ لغو بل محال لاستحالة تقيد المعنى باللحاظ المتأخر عنه ـ ذكر فى الكفاية ، ج ١ ، ص ١٤ ، مع انه يلزم ان لا يصدق على الخارجيات لامتناع صدق الكلى العقلى عليها حيث لا موطن له الا الذهن فامتنع امتثال مثل سر من البصرة إلّا بالتجريد والقاء الخصوصية الخ ـ هذا هو الاشكال الثالث وملخصه عدم صدقه على الخارجيات لان الامر المقيد باللحاظ الذهنى كلى عقلى لا موطن له الا الذهن فيلزمه امتناع امتثال مثل قوله سر من البصرة الى الكوفة الا مع التجريد والحاصل لا يصح الحمل ولا يمكن الامتثال بدون تجريد الموضوع والمحمول عن التقييد بالوجود الذهنى لعدم انطباق ما فى الذهن على ما فى العين كما لا يخفى.

(١) ثم ان المحقق الماتن قدس الله تربته الزكية قام فى بيان التوجيه للقول الأول من اتحاد معنى الاسم والحرف ومع ذلك ليس الاختلاف فى كيفية الاستعمال وملخصه ان الغرض من وضع الحروف مثلا تفهيم معناها حالكونه ملحوظا باللحاظ الآلي لملاحظة خصوصية حال المتعلق بنحو القضية الحينية وفى الاسماء تفهيم معناها حالكونه ملحوظا باللحاظ الاستقلالى فلا جرم يتضيق من اجله دائرة موضوع وضعه ايضا بنحو يخرج عماله من سعة الاطلاق ويختص بذات المعنى لكن فى حال كونه ملازما مع اللحاظ الآلي فى الحروف

١٤٦

امكن الالتزام به (١) ايضا باختلاف المفهومين (٢) مع عدم اخذ اللحاظ فى الموضوع (٣) بدعوى وضع الحرف لما تعلق به اللحاظ الآلي بنحو المشيريّة الى ما تعلق به لا بنحو التقييد اذ ح معنى الاسماء مرتبة من المعنى التوأم مع الاستقلال والحروف كذلك (٤) فى المرآتية من دون اخذ اللحاظ فيه أبدا كي يرد الاشكالات ، والى مثل هذا المعنى امكن بيان مراد الفصول بلا لزوم تهافت فى كلماته فراجع (٥)

______________________________________________________

والاستقلالى فى الاسماء بنحو القضية الحينية لا بنحو التقييد لان ذلك محال كما مر ومن المعلوم ان قضية ذلك قهرا هو عدم صحة الاستعمال المزبور على النحو المزبور لقصور الوضع وعدم اطلاقه كما لا يخفى والحاصل ان الواضع يضيق العلقة الوضعية ويوسعها تبعا لسعة غرضه الداعى الى الوضع وضيقه فبما ان غرضه فى وضع الحروف منحصر باستعمالها فى حال لحاظ معاينها آلة وتبعا للمعانى الاسمية استدعى ذلك الغرض الخاص وضع لفظ من مثلا لمعنى الابتداء حيث يراد آلة لملاحظة المعنى الاسمى لا على نحو التقييد ليكون الموضوع امرا خاصا بل يتحصص طبيعى الابتداء تبعا لتحصص العلقة الوضعية المجعولة بينه وبين لفظ من مثلا وبينه وبين لفظ الابتداء.

(١) اى باتحاد معنى الاسماء والحروف.

(٢) لا الاختلاف فى كيفية الاستعمال.

(٣) حتى يلزم المحاذير الثلاثة.

(٤) مرتبة من المعنى التوأم مع الآلية والمرآتية.

(٥) ذكر فى الفصول ، ص ١٢ ، فى كلام طويل له واعلم ان الحروف حيث كانت موضوعة بازاء المفاهيم الملحوظ بها حال ما تعلقت به لا جرم كان معانيها الحقيقة معان خاصه مقيدة بمتعلقاتها الخاصة وتلك المعانى وان كانت فى حد انفسها كلية إلّا ان اعتبار تقييدها باللحاظ على الوجه الذى سبق يصيرها شخصية ممتنعة الصدق على الافراد المتكثرة فان الماهية متى اعتبرت بشرط التقييد بالوجود الذهنى وهو المراد باللحاظ او بالوجود الخارجى خرجت عن كونها كلية لا محاله فانها من صفات الماهية الموجودة فى الذهن عند تجريد النظر عن وجودها فيه ولا يلزم مما قررنا ان يكون الحروف باعتبار كل واحد من معانيها من متكثرى المعنى ذاتا نظرا الى تعدد ما يعتريها من اللحاظ لان المسمى نفس المفهوم وهو لا يختلف فى موارده وان تعدد القيد المعتبر فى لحوق الوضع له فانه شرط خارج عن المسمى وليس بشرط داخل فيه فهى عند التحقيق موضوعه بازاء المفاهيم المقيدة باحد افراد الوجود الذهنى الآلي من غير ان يكون القيد او التقييد داخلا فيكون مداليلها

١٤٧

هذا كله على شرح التبعية فى حال اللحاظ (١) كما هو لازم المسلك الاول (٢) وهذا بخلاف المسلك الاخير (٣) حيث انه فى مقام اللحاظ الاستقلالى الملازم للالتفات الى الشيء هما (٤) سيّان وانما الاختلاف بين المفهومين (٥) فى اصل ذات المعنى (٦)

______________________________________________________

جزئيات حقيقية متحدة فى مواردها ذاتا ومتعددة تقييدا وقيدا نعم لو قلنا بان التقييد داخل فى ما يعتبر مقيدا كما يلوح من بعضهم لزم ان يكون الحروف باعتبار كل واحد من معاينها من متكثر المعنى ذاتا ومتعدد الحقيقة لكنه بمعزل عن التحقيق الى ان قال ـ فى ص ١٦ ، فان التحقيق ان الواضع لاحظ فى وضعها معاينها الكلية ووضعها بازائها باعتبار كونها آلة ومرآتا لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة فلاحظ فى وضع من مثلا مفهوم الابتداء المطلق ووضعها بازائه باعتبار كونه آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة من السير والبصرة مثلا فيكون مداليلها خاصة لا محالة وكذلك لاحظ فى وضع اسماء الاشارة مفهوم المشار اليه ووضعها بازاء ذاته بضميمة الاشارة الخارجة المأخوذة آله ومرآة لتعرف حال الذات فيكون معاينها جزئيات لا محالة لوضوح ان الماهية اذا اخذت مع تشخص لاحق لها كانت جزئية مع احتمال ان يكون قد لاحظ فى وضع الحروف معاينها الكلية ووضعها بازاء كل جزئى جزئى من جزئياتها المأخوذة آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها ولاحظ فى وضع اسماء الاشارة مفهوم الذات المشار اليها ووضعها بازاء كلى جزئى جزئى من خصوصيات الذات مع الاشارة المأخوذة آلة ومرآة لتعرف حال تلك الذات وعلى هذا القياس والفرق بين الاعتبارين ان الخصوصية مأخوذة فى احدهما باعتبارين وفى الآخر باعتبار واحد وهو اقرب لسلامته عن الاعتبار الزائد هذا على ما هو المختار الى آخر كلامه.

(١) كما مر مفصلا من انه على القول الاول يكون الاستقلالية والتبعية فى عالم اللحاظ بخلاف القول الثانى فان الاستقلالية والتبعية من صفات المعنى واللحاظ الاستقلالى فى كليهما.

(٢) من كون معانى الحروف آلة وحالة لغيره.

(٣) من كونها مفاهيم غير مستقلة.

(٤) اى الاسم والحرف فكل منهما يلاحظ باللحاظ الاستقلالى وملتفت اليه.

(٥) اى الاسم والحروف.

(٦) وهذا هو فرق آخر بين القولين فانه على القول الاول لا يكون اختلاف بين المعنى الاسمى والمعنى الحرفى ذاتا وحقيقة وانما الاختلاف بينهما كان من جهة كيفية

١٤٨

وسنخه حيث ان مفاهيم الاسماء غير قائمة بغيرها (١) بل هى (٢) فى عالم الذهن مستقلات فى الوجود بخلاف المعانى الحرفية حيث انها (٣) قائمة بغيرها (٤) ومتقومة بالغير كتقوم العرض بجوهره بل (٥) وليس سنخ المعانى الحرفية لدى المشهور من سنخ المحمولات بالضميمة (٦) كالكيف والكم وامثالهما (٧) بل (٨)

______________________________________________________

اللحاظ من حيث الآلية والاستقلالية مع كون الملحوظ فيهما واحدا ذاتا وحقيقة ومن ذلك عند هؤلاء لو انقلب النظر ولوحظ المعنى استقلالا وبما هو شيء فى نفسه ينقلب المعنى عن كونه معنى حرفيا الى المعنى الاسمى وبالعكس بخلاف هذا القول فانه يكون المعنى الحرفى بذاته وحقيقته مباينا مع المعنى الاسمى فان مفاهيم الاسماء غير قائمة بغيرها بخلاف المعانى الحرفية قائمة بغيرها.

(١) اى بغير الاسماء.

(٢) اى مفاهيم الاسماء.

(٣) اى معانى الحروف.

(٤) من الطرفين.

(٥) انما يكون بل للترقى وابطال ان المعانى الحرفية فى الذهن من قبيل تقوم العرض بجوهره فى الخارج اى ليس كذلك.

(٦) ومن قبيل الاعراض الخارجية التى وجودها فى نفسها عين وجودها لغيرها كما سيأتى.

(٧) مما يكون محمولا بالضميمة والعرض له ما بازاء فى الخارج كالسواد والبياض بخلاف خارج المحمول كالوجوب ونحوه ليس له ما بازاء فى الخارج.

(٨) ثم بين قدس‌سره سنخ معان الحرفية من انها عبارة عن الروابط الخاصة والاضافات المتحققة بين المفهومين التى هى من سنخ الاضافات المتقومة بالطرفين فكما ان مفهوم لفظ الدار هى صورة هذا الامر الواقعى وكذلك مفهوم زيد هى صورة هذه الذات الخاصة الخارجية كذلك مفهوم لفظ فى هى صورة ذلك التحيز الخاص الواقع بين زيد والدار فاذا قلنا زيد فى الدار فقد صورنا صورة الواقع فى الخارج فى ذهن السامع بهذه الالفاظ غاية الامر ان مفهوم لفظ فى لا يكاد يحضر فى الذهن الا مع حضور متعلقيه اعنى مفهوم زيد ومفهوم الدار لكونه صورة الربط الخاص اعنى التحيز الواقع بين زيد والدار فى الخارج ولا يعقل تصور هذه الصورة الخاصة الا مع تصور اركانها التى تقوم بها وهذا بخلاف مفهوم الاسم مثل لفظ زيد والدار فان استحضار صورة هذا الامر الواقعى لا يتوقف على تصور غيره

١٤٩

هى من سنخ النسب والاضافات القائمة بالطرفين فهى (١) فى الاذهان (٢) من سنخ الوجودات الرابطية الخارجية لا الوجود الرابط على ما اصطلح به (٣) صدر

______________________________________________________

لعدم تقومه به ولهذا كان المعنى الاسمى مفهوما مستقلا فى التصور والحضور والمعنى الحرفى تابعا لغيره فى اللحاظ والحضور.

(١) اى المعانى الحرفية.

(٢) بيان ذلك ان الفلاسفة قسموا الوجود تارة الى وجوده فى نفسه اى مستقلا ، ولنفسه اى لا فى موضوع بل قائم بذاته وبنفسه اى ليس بمعلول لغيره وينحصر ذلك بالواجب تعالى ، واخرى وجوده فى نفسه اى مستقلا ولنفسه اى قائم بذاته لكن لا بنفسه بل معلول لغيره كوجود الجوهر كالانسان وهو الذى نفس وجوده مقوم لماهيته ومذوت لذاته ومعلول لغيره وثالثه وجوده فى نفسه اى مستقلا لكن لا لنفسه بل لموضوع محقق فى الخارج وصفة له ووجوده فى نفسه عين وجوده لموضوعه وكذا لا بنفسه اى معلول لغيره وهو وجود العرض ووجود الرابطى كالسواد والبياض فانه مع قطع النظر عن عروضه على الجسم مستقل بالمفهومية من غير احتياج لحاظه الى شيء آخر وبالنسبة الى عروضه يحتاج الى موضوع فيكون ذا جهة ارتباطية فوجوده قائم بغيره ، ورابعة وجوده لا فى نفسه اى لا مستقلا بل تبعا ولا لنفسه بل فى موضوع آخر ولا بنفسه بل معلول لغيره كوجود الرابط فانه لا نفسية له اصلا بل حقيقته الارتباط بين الشيئين هذا فى الوجود الخارجى ، والوجود الذهنى ايضا اما مستقل فى مقام اللحاظ والتصور وهو المعنى الاسمى واما لا يكون مستقلا بل يحتاج الى تصور الطرفين وهو معنى حرفى ، فالمعانى الحرفية عند الماتن ليست من قبيل وجود الرابط كما فى الاعراض الخارجية بل وجود الرابطى وهو النسب والاضافات المحتاج الى الطرفين بحكم الوجدان هذا غير ما عليه الفلاسفة كما نشير اليه لكن المحقق الماتن يقول حسب الاستقراء والفحص وجدنا الاسماء تدل على الجوهر وجملة من الاعراض ووجدنا الحروف تدل على جملة الاعراض الاضافة النسبية فان الاعراض كما مر من حيث افتقاره الى الموضوع ينقسم الى قسمين احدهما ما يستغنى بموضوع واحد مثل مقولة الكيف والكم واخرى ما يحتاج فى تحققه الى موضوعين يتقوم وجوده بهما مثل مقولة الاين والاضافة وباقى الاعراض الاضافية ووجدنا الهيئات تدل على ربط العرض بموضوعه وهو وجود الرابط وسابقه وجود الرابطى مثلا لفظ فى يدل على العرض الاينى العارض على زيد فى مثل قولنا زيد فى الدار وهيئة هذه الجملة التركيبية تدل على ربط هذا العرض الاينى بموضوعه اعنى زيدا وهكذا.

(٣) اى خلافا لما اصطلح عليه صدر المتألهين من كونها من وجود الرابط لا الترابطى

١٥٠

المتألهين فى اسفاره (١)

______________________________________________________

النسبى.

(١) قال فى الاسفار ، ج ١ ، ص ١٧ ، فصل فى الوجود الرابطى اطلاق الوجود الرابطى فى صناعاتهم يكون على معنيين احدهما ما يقابل الوجود المحمولى وهو وجود الشيء فى نفسه المستعمل فى مباحث المواد الثلاث وهو ما يقع رابطة فى الحمليات الايجابية وراء النسبة الحكمية الاتحادية التى تكون فى جملة العقود ـ الى ان قال ـ والثانى ما هو احد اعتبارى وجود الشيء الذى هو من المعانى الناعتية وليس معناه إلّا تحقق الشى فى نفسه ولكن على ان يكون فى شيء آخر اوله او عنده لا بان يكون لذاته كما فى وجود القيوم بذاته فقط فى فلسفتنا ـ الى ان قال ـ فاذن هذا الوجود الرابطى ليس طباعه ان تباين تحقق الشيء فى نفسه بالذات بل انه احد اعتباراته التى عليها ان كانت ، واما الوجود الرابطى الذى هو احد الرابطين فى الهلية المركبة فنفس مفهومه تباين وجود الشيء فى نفسه وفى قولنا البياض موجود فى الجسم اعتبار ان اعتبار تحقق البياض فى نفسه وان كان فى الجسم وهو بذلك الاعتبار محمولى بهلية البسيطة والآخر انه هو بعينه فى الجسم وهذا مفهوم آخر غير تحقق البياض فى نفسه وان كان هو بعينه تحقق البياض فى نفسه ملحوظا بهذه الحيثية وانما يصح ان يكون محمولا فى الهلية المركبة ومفاده انه حقيقة ناعتية ليس وجودها فى نفسها لنفسها بل للجسم ثم وجود الشيء الناعتى بعد ما ان يؤخذ على هذه الجهة يلحظ على نحوين تارة ينسب الى ذلك الشيء فيكون من احواله وتارة الى المنعوت فيقال الجسم موجود له البياض فيكون بهذا الاعتبار من حالات المنعوت وعلى قياس ما تلونا عليك يقع لفظ الوجود فى نفسه ايضا بالاشتراك العرفى على معنيين احدهما بازاء الوجود الرابطى بالمعنى الاول ويعم ما لذاته وهو الوجود فى نفسه ولنفسه وما لغيره لوجود الاعراض والصور وهو الوجود فى نفسه لا لنفسه والآخر بازاء الرابطى بالمعنى الاخير وهو ما يختص بوجود الشيء لنفسه ولا يكون للنواعت والاوصاف والحاصل ان الوجود الرابطى بالمعنى الاول مفهوم تعلقى لا يمكن تعقلها على سبيل الاستقلال وهو من المعانى الحرفية ويستحيل ان يسلخ عنه ذلك الشأن ويؤخذ معنى اسميا بتوجيه الالتفات اليه فيصير الوجود المحمول نعم ربما يصح ان يؤخذ نسبيا غير رابطى وبالمعنى الثانى مفهوم مستقل بالتعقل وهو وجود الشيء فى نفسه ـ الى ان قال ـ فلو اصطلح على الوجود الرابط الاول الرابطى والرابطى للاخير وبازائها الوجود المحمول لاول المعنيين والوجود فى نفسه للاخير تقع الصيانة عن الغلط.

١٥١

ولقد اشتبه الامر على بعض ، (١) وجعلها من سنخ مطلق الاعراض القائمة بالجوهر

______________________________________________________

(١) اشارة الى القول الثالث فى المعنى الحرفى بان لا يكون موضوعا لمفهوم المعنى آلة لغيره ولا لواقع النسبة بل من قبيل الاعراض وهذا التعبير موجود فى جملة من الكلمات حتى صاحب الكفاية قال فى ج ١ ، ص ١٤ ، حيث انه لا يكاد يكون المعنى حرفيا إلّا اذا لوحظ حالة لمعنى آخر ومن خصوصياته القائمة به ويكون حاله كحال العرض فكما لا يكون فى الخارج الا فى الموضوع كذلك هو لا يكون فى الذهن الا فى مفهوم آخر الخ ، وذكر المحقق الحائرى فى درر ، ج ١ ، ص ٨ ، قال والحق ان معانى الحروف كلها كليات وضعت الفاظها لها وتستعمل فيها ولا تحتاج هذه الدعوى بعد تعقل المدعى الى دليل آخر اذ من المعلوم انه ما دعى القائل بجزئيه المعنى الحرفى الا عدم تعقل كونه كليا فنقول لا اشكال فى ان بعض المفاهيم نحو وجودها فى الخارج هو الوجود التبعى فهى موجود بالغير لا بنفسها وهذا واضح لا يحتاج الى البيان وايضا لا اشكال فى ان تلك المفاهيم قد يتصور فى الذهن مستقلة اى من دون قيامها بالغير كما ان الانسان يلاحظ مفهوم لفظ الضرب فى الذهن مستقلا وهذا المفهوم بهذا النحو من الوجود ليس فى الخارج اذ لا يوجد فى الخارج الا تبعا للغير وقد يتصور تلك المفاهيم على نحو ما تتحقق فى الخارج فكما انها باللحاظ الاول كليات كذلك باللحاظ الثانى اذ حقيقتها لم تتغير باختلاف اللحاظين وكما ان قيد الوجود الذهنى ملغى فى الاول وينتزع الكلية منها كذلك فى الثانى نعم تصورها على النحو الثانى فى الذهن يتوقف على وجود مفهوم آخر فى الذهن يرتبط به كما ان وجودها فى الخارج يتوقف على محل يقوم به ولا يوجب مجرد احتياج الوجود الذهنى لتلك المفاهيم الى شيء آخر يرتبط به كون ذلك جزء منها كما ان مجرد احتياج الوجود الخارجى منها الى محل خاص لا يوجب كونه جزء منها مثلا حقيقة الابتداء يتحقق لها ثلاثة انحاء من الوجود احدها الوجود النفس الامرى الواقعى القائم بالغير والثانى الوجود الذهنى المستقل بالتصور والثالث الوجود الذهنى على نحو الوجود النفس الامرى وهو الوجود الآلي والارتباطى وكما ان تصور مفهوم الابتداء على الاول من الاخيرين لا يوجب صيرورته جزئيا بل ينتزع منه الكلية بعد تعريته عن الوجود الذهنى كذلك تصوره على الثانى منهما اذ لا يعقل الاختلاف فى المتصور باختلاف انحاء التصور فهذا المفهوم باللحاظ الاول هو معنى لفظ الابتداء وباللحاظ الثانى معنى لفظة من الخ ، ونسب ذلك الى المحقق النائينى قدس‌سره ذكر فى الاجود ، ج ١ ، ص ٢٨ ، ان المفاهيم الحرفية كما عرفت قائمة بالمفاهيم الاسمية نظير قيام الاعراض بموضوعاتها فكما ان الخارجيات لها جواهر واعراض فكذلك المفاهيم فالمفاهيم الاسمية بانواعها معان استقلالية

١٥٢

فى عالم الذهن كخارجه (١) ولعل منشأ اشتباهه تعبيرهم ان من للابتداء والى للانتهاء ولعل للترجى وليت للتمنى ولام الامر للطلب (٢) اذ (٣) هذه كلها (٤) من غير مقولة الاضافة (٥) وجعل (٦) الفرق بين الاسم والحرف بحسب قيام هذه المعانى بغيرها فى الحرف واستقلال وجودها فى الذهن فى الاسماء ، ولكن فيه غفلة وذهول كيف (٧) ولازمه عدم احتياج المعانى الحرفية الى الطرفين بل يكفيه

______________________________________________________

جوهرية والمعان الحرفية معان عرضية قائمة بها فكما ان الاعراض فى مقام تحصيلها وقوامها لا تحتاج الى موضوع وان ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز لبساطتها فهى فى كل مرتبة بسيطة فكذلك المفاهيم الحرفية ايضا بسائط فى مقام مفهوميتها ويحتاج فى مقام وجودها فى عالم الاستعمال الى مفاهيم اسمية حتى تتحقق بها الخ.

(١) والفرق بين هذا القول وسابقه واضح فان المعنى الحرفى على هذا القول كان من قبيل المحمولات بالضميمة المرتبط وجودها بالغير نظير الاعراض الخارجية كالسواد والبياض وهو الشيء المرتبط وجوده بالغير بخلاف القول المتقدم فان المعنى الحرفى على ذلك كان من سنخ الروابط والاضافات المتقومة بالطرفين والربط بالطرفين.

(٢) فالتعبير بذلك اوجبهم الوقوع فى الاشتباه وتخيلوا انها من قبيل الاعراض الخارجية فمفاهيم الحروف لا توجد فى الذهن الا حالة لمدخولاتها فمفهوم من مثلا ليس هو فى الذهن من طبيعة الابتداء التى يمكن ان يخبر عنها وتلاحظ مستقلة بل الابتداء الذى هو حالة للبصرة او غيرها من مدخولات هذه الكلمة.

(٣) تعليل لمنشا الاشتباه.

(٤) اى بحسب التعبير.

(٥) وهو القائم بالطرفين.

(٦) كما صرح فى الكلام المنقول اولا فراجع.

(٧) ثم قام المحقق الماتن قدس‌سره فى مقام الاشكال على هذا القول وهو القول الثالث ، وهذا هو الاشكال الاول فانه لو كان من سنخ الاعراض لما كان محتاجا الا الى طرف واحد لا الى طرفين والوجدان يحكم باحتياجهما الى الطرفين فان قولك الماء فى الكوز او سرت من البصرة ونحو ذلك لا يرى من لفظ فى ومن الا الروابط الخاصة الذهنية بين مفهومى الماء والكوز ومفهومى السير والبصرة لا انه يرى من لفظ فى الشيء المرتبط بالغير نظير السواد والبياض ولذلك لا يصح الاكتفاء ايضا بذكر متعلق واحد بقولك سرت او من البصرة بل لا بد من ذكر المتعلقين فان ذلك شاهد صدق على كون مدلول الحروف من سنخ

١٥٣

طرف واحد هى قائمة به وهو كما ترى ينادى الوجدان بفساده فلا محيص من جعل سنخ معانيها على هذا المسلك (١) من سنخ النسب والارتباطات المعبر عنه بتقييدات المعانى الاسمية (٢) واما تعبيراتهم المزبورة (٣) فانما هى فى مقام شرح اللفظ وصرف الاشارة الى سنخ النسب (٤) الملازمة لهذه المعانى (٥) وان دلالة الحروف عليها (٦) لمحض الملازمة (٧) لا انها (٨) بنفسها مأخوذة فى مفاهيم الحروف (٩)

______________________________________________________

النسب والارتباطات المتقومة بالطرفين.

(١) اى مسلك المشهور.

(٢) بالربط بينهما ، وثانيا وهو لم يشير اليه قدس‌سره انه لو كان كالعرض الخارجى لصح جعلها موضوعا وحمل الوجود المحمولى عليه كما هو الشأن فى العرض الخارجى ويقال النسبة الكذائية موجودة او غير موجودة ومن المعلوم ان الموضوع فى هذه القضية معنى اسمى مستقل فى اللحاظ ومن ثم دخل عليه لام التعريف لا معنى حرفى وخرج عن المعنى الحرفى فيكشف عن فساد هذا القول.

(٣) من كون لعل للترجى وليت للتمنى ونحوهما وتقدم قوله ولعل منشأ اشتباهه الخ.

(٤) من النسبة الابتدائية والنسبة الانتهائية والصدورية والتوصيفية والظرفية والمكانية وغير ذلك ويكون كالاضافات الخارجية كالابوة والبنوة والفوق والتحت وامثال ذلك مما يتقوم بالطرفين.

(٥) من الابتدائية والانتهائية والترجى والتمنى وامثال ذلك.

(٦) على هذه المعانى.

(٧) اى الملازمة بين هذه النسب وهذه المعانى.

(٨) اى هذه المعانى من الابتدائية والانتهائية ونحوهما.

(٩) وإلّا لا انقلب المعنى الحرفى اسميا لان هذه المفاهيم غير متقومة بالطرفين اقول الظاهر ان المحقق النائينى يعترف بذلك وانما يشبه بذلك قال فى الاجود ، ج ١ ، ص ٢٠ ، الفرق بين المفهوم من لفظ النسب والربط وغيرهما من المفاهيم الاسمية والمفهوم من الحروف هو الفرق بين المفهوم والحقيقة. وفى ما نحن فيه ايضا قد تحتاج الى حقيقة الربط بين كلمتين فلا يفيد قولنا زيد الربط الدار وكذلك قد نحتاج الى مفهوم الربط كقولنا الربط

١٥٤

واوهن من ذلك توهم (١) انكار المعنى للحروف رأسا وجعل الحروف من قبيل الرفع الذى هو علامة الفاعلية فالحروف ايضا علامة خصوصيات معان طرفية من كونه بنحو مخصوص باحد انحاء التقيدات (٢) ومثل بان فى علامة لكون الدار موجود فى الذهن بنحو الأينيّة (٣) بلا كونه بنحو العينية (٤) وتوضيح فساده (٥) بان

______________________________________________________

متقوم بطرفين فلا يفيد قولنا من متقومة بطرفين ولاجل غاية البينونة بينهما لا يصح استعمال احدهما فى موضع الآخر ـ الى ان قال ـ ص ٢٧ ، بخلاف المفهوم الحرفى فانه متقوم بطرفى الكلام ويستحيل صدقه على موطن آخر غير موطنه الكلامى الخ ، الى غير ذلك من عبارته فالمناقشة لفظية.

(١) هذا هو القول الرابع للحروف وقد اشرنا اليه فى ما تقدم ونسب الى الرضى فى شرح الكافية من ان الحرف لا معنى له اصلا بل جعل علامة على خصوصية المعنى فى مدخوله مثلا الدار لها اعتباران احدهما اعتبارها فى حدّ نفسها وانها من الموجودات العينية المادية من مقولة الجوهر وحينئذ يكون مدلولها ذلك البناء الخارجى وبهذا الاعتبار فى نفسها تدل على معناها من دون حاجة الى امر آخر ، ثانيهما اعتبار خصوصية طارئة على هذا المعنى كظرفيتها لزيد مثلا وفى هذا الاعتبار يحتاج الى جعل علامة تدل على استفادة هذه الخصوصية منها وذلك كالرفع فى جعله علامة على استفادة الفاعلية من لفظ زيد فكما ان الرفع ليس له معنى بل صرف علامة لفاعلية المرفوع كذلك الحروف ليس لها معان سوى كونها علامة لخصوصيات مدخولها ، قال الشيخ الرضى فى شرح الكافية ، ج ١ ، ص ٩ ، والحرف كلمة دلت على معنى ثابت فى لفظ غيرها فغير صفة للفظ وقد يكون اللفظ الذى فيه معنى الحرف مفردا كالمعرف باللام والمفكر بتنوين التنكير وقد يكون جملة ـ الى ان قال ـ فالحرف موجد لمعناه فى لفظ غيره ـ الى ان قال ـ فيكون متضمنا للمعنى الذى احدث فيه الحرف مع دلالته على معناه الاصلى الى آخر كلامه.

(٢) من الابتدائية والانتهائية ونحوهما.

(٣) اى من حيث كونها مكان زيد مثلا فياتى لفظ فى مثلا فى الدار لتعرف حال الدار وخصوصية معناها وهكذا لفظ من وعلى وامثال ذلك من الحروف.

(٤) وهو البناء الخارجى وكونه من الاعيان الخارجية فزيد فى الدار يكون ظرفا لزيد بنحو الأينية لا بنحو العينية وهى ارادة الدار بما هى.

(٥) وملخص الكلام فى الجواب عن القول الرابع انه لا شك فى ان الالفاظ موضوعة لذوات المعانى وتلك الخصوصيات التى اشير اليها خارجة عما وضعت الالفاظ لها

١٥٥

الخصوصيات الزائدة عن ذات الطرف من انحاء وجوده (١) خارجة عن مدلول لفظ الطرف ومحفوظة (٢) فى الذهن قائما بغيرها (٣) وحيث ان لفظ الطرف غير حاك عنها (٤) فيحتاج الى مبرز آخر (٥) وح فتارة يكون لفظ من قرينة على ارادة الخصوصية المزبورة من لفظ طرفه (٦) فيلزم كونه مجازا فيه (٧) والّا (٨) فما هو فى قباله هو هذه الكلمة (٩) ولا نعنى من معناها (١٠) الا هذا ، واعجب من اصل

______________________________________________________

وح ان كانت قرينة على ارادة تلك الخصوصيات من نفس الالفاظ لزمت المجازية وفى مثل تلك الاستعمالات ولا اظن احدا يلتزم به حتى القائل بهذا القول ، وان كانت الخصوصية مدلولة لنفس هذه الحروف بهذا اعتراف بان لها معانى ورجوع عما قال واما الفاعلية التى هى عبارة عن النسبة الصدورية فهى مستفادة من هيئة الكلام والجملة فالقياس فى غير محله والحاصل ان الحروف لها معنى لا ان معناه تحت لفظ الغير والحرف علامة فان المحققين طرا على خلافه.

(١) فان مثل الدار فى المثال وكذا السير والبصرة من اسامى الاجناس موضوعة للهيئة المهملة وذات المعنى عارية عن الاطلاق والتقييد ولذا كون مراد المتكلم من اللفظ هو المعنى الاطلاقى يحتاج الى مقدمات الحكمة وكذا سائر الخصوصيات تحتاج الى القرينة.

(٢) اى تلك الخصوصيات من المعنى الملازم للانتهاء او الابتداء وهكذا.

(٣) اى تكون تلك الخصوصية قائمة بالغير وهو الطرفين ومرادة جزما.

(٤) اى عن تلك الخصوصيات.

(٥) يدل على تلك الخصوصيات.

(٦) بان تكون الخصوصية تحت لفظ الغير ومرادة منه يلزم استعمال لفظ الدار والسير والبصرة فى مثل زيد فى الدار وسرت من البصرة فى معنى الخاص فيلزم المجاز.

(٧) والمجازية لاجل كونه من باب استعمال اللفظ الموضوع للكلى فى الفرد والخصوصية.

(٨) اى وان لم يكن كذلك بل استعمل الظرف كالدار فى الطبيعة المهملة وكونه من باب اطلاق الكلى على الفرد وارادة الخصوصية بدال آخر والدال الآخر لا يكون فى الكلام الا لفظ فى زيد فى الدار ومن فى سر من البصرة وهكذا فهو الموضوع كذلك.

(٩) اى لفظة من وفى ونحوهما من الحروف.

(١٠) اى الحروف.

١٥٦

المختار (١) تمثيله بالرفع للفاعلية (٢) اذ (٣) جهة الفاعلية وهو كونه طرف اضافة المادة صدورا ام قياما (٤) ايضا جهة زائدة عن اصل المعنى (٥) ومن المعلوم ان الدال عليه ولو بالملازمة (٦) لا بد وان يكون هيئة الكلام (٧) فهى ايضا من حيث المعنى من سنخ الاضافات والارتباطات القائمة بالطرفين كما سيجيء توضيح ذلك فى شرح مداليل الهيئة إن شاء الله تعالى وبالجملة نقول (٨) ان ما هو طرف الترديد

______________________________________________________

(١) اى من اصل مختاره من عدم كون الحرف له معنى اصلا.

(٢) من ان الرفع والنصب والجر مما لا معنى لها بل مجرد علامات لخصوصية وقوع زيد فى جاءنى زيد فاعلا فى التركيب.

(٣) هذا هو الجواب عن المشبه به المذكور فى كلامه.

(٤) اى النسبة الصدورية او الحلولية فى الفاعل وكذا سائر انحاء النسب من حيث المفعولية والزمانية والمكانية ونحوها من غير ان تكون تلك الخصوصيات تحت لفظ الغير ومستفادة من لفظ الاسم وهو زيد او المجىء لما ان لفظ زيد دالة على الذات المهملة العارية عن خصوصية وقوعه فاعلا او مفعولا او زمانا او مكانا فيحتاج فى افادة خصوصية وقوعه كذلك الى دال آخر والدال الآخر هو الهيئة والرفع فى الفاعلية والنصب فى المفعولية ونحو ذلك.

(٥) كما عرفت مفصلا ويدل عليه الهيئات.

(٦) اى الهيئة موضوعة للنسب والاضافات الملازمة للنسبة الصدورية والوقوعية ونحوهما.

(٧) وهو الرفع والنصب والجر.

(٨) ما افيد من التسلم على عدم المعنى للاعراب وانها علامة محضة لتعرف حال الاسم من حيث وقوعه فاعلا ومفعولا او حالا فى التركيب الكلامى مشبها للحروف بها ايضا فى ذلك واضح البطلان فى كل من المشبه والمشبه به كما عرفت مفصلا مضافا الى ذلك كله لو سلم ان الرفع والنصب والجر علامات للدلالة على الفاعلية والمفعولية ونحوهما لكن نمنع هذا المعنى فى الحروف لان العلامة هى التى لم تحدث فى ذى العلامة معنى يكون فاقدا له لو لا تلك العلامة بل يكون ذو العلامة باق على ما كان عليه قبل دخول العلامة وانما اتى بالعلامة لمجرد التعريف والاشارة الى ما فى ذى العلامة وشأن الحروف ليس كذلك فانها تحدث معنى قائما فى غيره كان ذلك الغير فاقدا له قبل دخول الحرف فببركة دخوله يحدث فيه معنى مثلا زيد فى قولك يا زيد لم يكن منادى قبل دخول حرف النداء عليه لكن صار منادى

١٥٧

فى المعانى الحرفية لدى المحققين الصورتان السابقتان (١) وبعد ذلك نقول (٢) ان لازم المسلك الاول ان المعانى الحرفية آلة لملاحظة حال الغير ولازم المسلك الثانى كون المعانى الحرفية بنفسها حالة للغير (٣) فالجمع بين كونها آلة (٤) وحالة (٥) لا يخلو عن خلط بين المسلكين (٦) وكيف كان الذى يقتضيه التحقيق اختيار المسلك الثانى وذلك لا (٧) لما توهم (٨) من ان لازم المسلك الاول صحة استعمال

______________________________________________________

بسبب دخول كلمة يا عليه فزيد كان فاقدا لهذا المعنى قبل دخول كلمة يا عليه وبعد دخولها عليه حدث فيه هذا المعنى الجديد الذى كان غير موجود فيه وعليه فلا يمكن القول بكون الحروف علامة مثل الاعراب كما لا يخفى.

(١) وهو القول الاول كما عليه صاحب الكفاية والفصول والقول الثانى انها النسب والاضافات.

(٢) ثم قام قدس‌سره فى بيان لوازم القولين وابطال القول الاول.

(٣) نقدم مفصلا ان لازم القول الاول هو عدم استقلال المعنى الحرفى باعتبار كيفية اللحاظ وانه يلحظ آلة لمعنى آخر ومرآة لملاحظة المصاديق الخاصة من النسب المذكورة ، ولازم القول الثانى وانه من قبيل الارتباطات القائمة بالطرفين كان عدم استقلال المعنى الحرفى باعتبار نفس ذاته لا باعتبار اللحاظ.

(٤) وهو لازم القول الاول.

(٥) وهو لازم القول الثانى.

(٦) كما هو كثيرا وقع فى عبارة صاحب الكفاية والمحقق الاصفهانى قدس‌سرهما قال فى الكفاية ، ج ١ ، ص ١٤ ، ليس لحاظ المعنى حالة لغيره ـ الى ان قال ـ لحاظه فى غيرها وآلة الخ وقال فى النهاية ، ج ١ ، ص ٢٠ واما جعله آلة وحالة لغيره الخ.

(٧) اى ليس اختيارنا القول الثانى لاجل ما يرد عليه من التوهم فان دفعه ظاهر كما ستعرف بل لاجل امر آخر سيأتى.

(٨) المتوهم هو المحقق النائينى قدس‌سره المستشكل على صاحب الكفاية قدس‌سره قال فى الاجود ، ج ١ ، ص ١٥ ، اما القول الاول فيرد عليه ان لازمه جواز استعمال الحروف فى موضع الاسماء وبالعكس مع انه من افحش الاغلاط ، واما حديث اشتراط الوضع فمما لا محصل له فان الاشتراط المذكور هل هو اشتراط فى ضمن الوضع او فى خارجه وما الدليل عليه او على لزوم اتباعه فى اشتراطه ما لم يرجع الى الجهات الراجعة الى الموضوع او الموضوع له ثم على تقدير لزوم الاتباع فليكن كاحد الاحكام الشرعية التى

١٥٨

من فى مفهوم الابتداء وعكسه بعد الجزم بعدم نفوذ شرط الواضع لكيفية الاستعمال بعد الفراغ من وضعهما لمعنى واحد للجزم بخروج انحاء اللحاظات الاستعمالية عن الموضوع له ، لانه يقال (١) ان كيفية الاستعمال وان لم يكن شرطا من الواضع مع (٢) عدم وجه لنفوذ هذا الشرط ولكن نقول (٣) ان غرض الواضع بعد تعلقه فى

______________________________________________________

توجب مخالفته استحقاق العقاب فلم لا يصح الاستعمال بحيث يعد من الاغلاط. ـ الى ان قال ـ ان المعنى يستحيل ان يكون فى حد ذاته لا مستقلا ولا غير مستقل وليس هذا إلّا ارتفاع النقيضين ـ ثم ان استقلال وعدمه هل هما من الفصول المنوعة او من قبيل الاعراض وعلى الاول يلزم تركب المعانى وقد بينا تجردها وبساطتها مع انه لا معنى لاخذ الجنس فى مقام الوضع والفصل فى مقام الاستعمال وعلى الثانى فما السبب فى وجود هذا العرض انتهى وتوضيحه بناء على ما سلكه قدس‌سره ان المعانى باسرها بسيطة غاية البساطة وهى فى وعاء العقل وظرفه مثل الاعراض فى وعاء الخارج فى كونها بسائط لا تركب لها وذلك فان ما به الامتياز فى المعانى عين ما به الاشتراك كالاعراض فان السواد امتيازه عن ضده كالبياض بهوية ذاته لا بالفصول المنوعة له وكذا السواد الشديد مع السواد الضعيف امتيازه عن غيره بنفس السواد دون شيء آخر وإلّا فلا يكون ما به الامتياز فيها عين ما به الاشتراك والمعانى كذلك فانها عبارة عن المدركات العقلية التى لا موطن لها إلّا العقل فهى ابسط البسائط اذ امتياز بعضها عن بعض انما هو بنفس الهوية لا بالفصول المنوعة له لعدم الجنس والفصل لها فاذا كان المفاهيم ومنها مفاهيم الحروف بساطه غاية البساطة ولا تركب لها اصلا فان المعنى لا يمكن ان يخلو فى الواقع ونفس الامر عن الاستقلالية وعدمها ولا جامع بين النقيضين حتى يكون هو الموضوع له للاسماء والحروف فيكونا موضوعين بازاء الجنس والالية والاستقلالية من فصوله المنوعة كالناطقية والصاهلية لانها فى غاية البساطة فلا يمكن ان يكون مركبا اصلا.

(١) والجواب عن هذا الايراد اوّلا ليس شرط من الواضع اصلا فى انه يستعمل الحروف فى ما كان آلة لغيره والاسم فى ما يلحظ مستقلا كما مر مفصلا بل موضوعه لحصة خاصة الملازم للآلية وحصة خاصة الملازمة للاستقلال.

(٢) وثانيا لو سلم شرط كذلك لا دليل على نفوذ الشرط ولزوم الوفاء به بعد ما لم يكن دخيلا فى الموضوع له.

(٣) وهو العمدة فى الجواب ولقد اشرنا اليه فى ما تقدم ايضا وملخصه ان عدم صحة استعمال كل من الاسم والحرف ح مكان الآخر انما هو من جهة قصور الوضع وتضيق

١٥٩

وضع الاسماء والحروف لسنخ واحد من المعنى بتفهيم المخاطب كيفية لحاظ المعنى حين استعماله بنحو الاستقلالية والمرآتية فلا جرم يصير نحو استعماله بنحو مخصوص من اغراض الوضع على وجه لا يمكنه الاخذ فى الموضوع له (١) فلازمه قهرا ضيق دائرة الوضع والترخيص بمقدار ضيق غرضه فيصير حينئذ الموضوع له فى حال كونه مرآة (٢) لا بشرط المرآتية ولا لابشرط كما افاده المحقق القمى بالنسبة الى حال الانفراد (٣) فكان ما نحن فيه من تلك الجهة حال اوامر العبادى (٤) بالاضافة الى نحو امتثالها القربى فكما ان خصوصية هذا النحو من الامتثال مأخوذ فى الغرض الداعى على الامر بالذات من دون كونه قيدا للمأمور به لاستحالته (٥) و

______________________________________________________

دائرته وعدم اطلاقه الناشى ذلك الضيق من جهة تضيق الغرض الداعى على الوضع واخصيته باعتبار ان الغرض من وضع الحروف انما هو لان يراد معناه لا بما هو شيء فى حباله بل بما هو مرآة لملاحظة خصوصية حال المتعلق وفى وضع الاسماء لان يراد معناها لا كذلك بل بما هو وفى نفسه فان قضية اخصية دائرة الغرض توجب قهرا تضيقا فى دائرة وضعه ايضا بنحو يخرجه عما له من سعة الاطلاق الشامل لحال عدم لحاظ الآلية فى الحروف والاستقلالية فى الاسماء ولذلك لا يصح استعماله فى مقام آخر لعدم الحقيقة لعدم الوضع ولا المجاز لعدم العلاقة المصححة له ولو كانا متحدين معنا.

(١) للزوم المحاذير الثلاثة وتقيد المعنى باللحاظ المتأخر عنه وهو محال.

(٢) على نحو القضية الحينية فيكون وضع الحروف لهذه الحصة من المعانى التى يلحظ آلة كما ان وضع الاسماء للحصة الاخرى وهى المعان المستقبلة.

(٣) قال فى القوانين ، ج ١ ، ص ٦٣ ، بل اقول انما صدر الوضع من الواضع مع الانفراد فى حال الانفراد لا بشرط الانفراد حتى يكون الوحدة جزء الموضوع له كما ذكره بعضهم فيكون المعنى الحقيقى للمفرد هو المعنى فى حال الوحدة لا المعنى والوحدة.

(٤) فالواجبات العبادية الموقوفة صحتها على قصد القربة واتيانها بدعوة الامر المتعلق بها فكما ان اخصية دائرة الغرض هناك اوجبت تضيق دائرة الامر والارادة عن الشمول لغير ما هو المحصل لغرضه وهو العمل الماتى عن داع قربى فلا يكون للمتعلق اطلاق يعم حال عدم الدعوة ولا كان مأخوذا فيه قيد دعوة الامر بل المأمور به هى الحصة الخاصة وهى التوأمة مع قصد القربة ، كذلك فى المقام ايضا على ما عرفت.

(٥) على ما ذكر فى محله من تقدم الشيء على نفسه.

١٦٠