نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ١

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ١

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٠

هنا إيقاظ فيه ارشاد (١) وهو ان حقيقة الجعل عبارة عن ارادة الجاعل كون اللفظ مبرزا وقالبا لمعناه وهو نحو من اختصاصه به ومرجع ذلك الى توجه الارادة الى ثبوت القالبية له ولبس لباس المبرزية له ولئن شئت فعبّر عنه بتعهد الواضع والجاعل على اتصاف اللفظ بصفة المبرزية والقالبية بحيث يكون ارادته وتعهده متوجها الى صيرورته قالبا ومبرزا وح فغرض القائل (٢) بارجاع امر الوضع و

______________________________________________________

قائم مشتملة على النسبة وتنقطع بانقطاع الاعتبار فانه اذا انتفت العلة وهو القيام ينتفى المعلول وهو النسبة ولكن التنزيلات العرفية المجعولة لغرض عقلائى يترتب على بقائها اللهم إلّا ان يقال ان ذلك هو معنى كونه لها واقعية محفوظة وسيطة بين الاعتبارات المحضة والمقولات.

(١) اشار فى هذا الايقاظ الى القول الثالث فى حقيقة الوضع وهو التعهد وقد ذهب اليه المحقق النهاوندى فى تشريح الاصول والمحقق الحائرى فى الدرر قدس‌سرهما وقال الاول فى تشريح الاصول ، ص ٢٥ ، حقيقة الوضع وهى ليست إلّا تعهد الواضع لغيره بانه لا يتكلم باللفظ الفلانى الا عند ارادة تفهيم المعنى الفلانى وقد مر ان التعهد هو الاعلام بالارادة المستقرة المطلقة الى آخر كلامه وقال الثانى فى درره ، ج ١ ، ص ٤ والذى يمكن تعقله ان يلتزم الواضع انه متى اراد معنى وتعقله واراد افهام الغير تكلم بلفظ كذا فاذا التفت المخاطب بهذا الالتزام ينتقل الى ذلك المعنى عند استماع ذلك اللفظ منه فالعلاقة بين اللفظ والمعنى تكون نتيجة لذلك الالتزام وكيف كان الدال على التعهد تارة الخ والى ذلك ذهب استادنا الخوئى قال فى تعليقة الاجود ، ج ١ ، ص ١٢ ، بيان ذلك ان حقيقة الوضع على ما يساعده الوجدان عبارة عن الالتزام النفسى بابراز المعنى الذى تعلق قصد المتكلم بتفهيمه بلفظ مخصوص فمتعلق الالتزام والتعهد امر اختيارى وهو التكلم بلفظ مخصوص عند تعلق القصد بتفهيم معنى خاص والارتباط بينهما انما ينتزع من هذا الالتزام وهذا المعنى هو الموافق لمعنى الوضع لغة فانه فيها بمعنى الجعل والاقرار ومنه وضع القانون بمعنى جعله واقراره ومن هنا يظهر ان اطلاق الواضع على الجاعل الاول انما هو لأسبقيته وإلّا فكل شخص من افراد اهل لغة واضع حقيقة الخ .. واجاب عن هذا القول المحقق الماتن قدس‌سره باجوبة ثلاث.

(٢) هذا هو الجواب الاول ويتضح بعد مقدمة وهى انه قد تقدم الفرق بين نحوى الاضافة وعدم كون العلاقة والربط بين اللفظ والمعنى من سنخ الاضافات الخارجية بين الامرين الخارجيين من نحو الفوقية والتحتية ونحوهما مما يتوقف تحققها على تغيير وضع فى طرفيها بل وانها من سنخ الاعتباريات التى تحققها كان بالجعل كالملكية والزوجية ولذا مثل

١٠١

حقيقته الى تعهد الواضع على ذلك اللفظ عند لحاظ المعنى او مع ارادة تفهيمه (١) ان كان (٢) تعهده على اتصاف اللفظ بصفة المبرزية والقالبية فنعم الوفاق اذ القائلين بجعلية الوضع ايضا لا يريدون ازيد من هذا بل ذكر اللفظ عند ارادة تفهيم المعنى ح (٣) مستدرك اذ اتصاف اللفظ بالمبرزية والقالبية لو كان قابلا للتحقق بمحض ارادة المريد (٤) فلا يحتاج تقييده بحين ذكر اللفظ ولحاظ المعنى وإلّا (٥) فلا معنى لتعلق الارادة بايجاد صفة المبرزية والقالبية له مطلقا (٦) باستحالة تعلق الارادة بالمحال (٧) وان كان (٨) غرضه التعهد على ذكر اللفظ وايجاده فارغا عن

______________________________________________________

هذا النحو من الاضافات فى غاية خفة المئونة حيث لا يحتاج الى كثير مئونة فيكفى فى تحققها ادنى ملابسة فتحصل بمجرد الجعل والارادة فلو اراد الجاعل كون اللفظ مبرزا وقالبا للمعنى يتحقق به الجعل وح اذا عرفت ذلك فمرجع التعهد المزبور الى ارادة ذكر اللفظ عند ارادة المعنى والغرض من تلك الارادة ايجاد العلقة بين اللفظ والمعنى بنفس تلك الارادة وصيرورته قالبا له بذلك التعهد والارادة وحيث انه لا بد فى متعلق الارادة ان يكون امرا ممكنا فلا محيص من كون جعل الربط بين اللفظ والمعنى امرا ممكنا للواضع وفعلا اختياريا له وعليه فلا وجه للالتزام بان ما يحصل من الواضع فى مقام الوضع هو التعهد والبناء بل نقول ان الواضع يجعل الربط بينهما ابتداء وان شئت فقل ان الواضع يتعهد بصيرورة اللفظ قالبا للمعنى فالقائل بالوضع لا يدعى ازيد من ذلك من ارادة كون اللفظ مبرزا للمعنى.

(١) كما صرح ذلك فى الدرر.

(٢) كما هو كذلك فى الوضع والجعل بارادة كون اللفظ قالبا للمعنى ومبرزا له.

(٣) اى لو اراد قابلية اللفظ للمعنى.

(٤) ووضع الواضع وجعله فانه بمجرد ارادة الواضع كون اللفظ قالبا للمعنى يتحقق الوضع كما يتحقق الاختصاص بقولنا الجل للفرس سواء ذكر اللفظ واراد تفهيم المعنى ام لم يذكر لما يتحقق واقع الملازمة بينهما بذلك.

(٥) اى وان لم يكن اتصاف اللفظ بالمبرزية والقابلية متحققا بمحض ارادة المريد فلا يتحقق معه الارادة مطلقا لعدم تعلق الارادة بالامر المحال.

(٦) اى سواء ذكر اللفظ واراد تفهيم المعنى ام لا.

(٧) لفرض كون الاتصاف بالقابلية كان محالا.

(٨) هذا هو الجواب الثانى عن القول بالتعهد وملخصه ان يكون التعهد راجعا الى

١٠٢

الاتصاف بالمبرزية والقالبية فلا محيص من كون اتصافه بهما من ناحية غير هذا التعهد (١) ولازمه ح ان ينتهى الامر بالأخرة الى تعهد آخر راجع الى حقيقة الجعل (٢) كما اسلفنا ـ نعم هنا تصور آخر (٣) لا يرجع الى الجعل ولا ينتهى اليه وهو ان يراد من التعهد ارادة ذكر اللفظ لا بعنوان كونه مبرزا لمعناه اتصافا (٤) او ايجاد (٥) بل كان لمصلحة اخرى حاصلة عند لحاظ المعنى فانه ح ربما ينتقل الى المعنى باللفظ لكونه من اللوازم الاتفاقية من جهة اناطة ارادته به ـ ولعمرى (٦) ان هذا التوهم مما يابى عنه الفطرة المستقيمة لأوله الى كون اللفظ مراد المصلحة نفسية اخرى غير ملحوظ فيه حيث آليته لتفهيم المعنى ـ مع (٧) ان لازمه صيرورة اللفظ

______________________________________________________

النطق باللفظ الخاص الذى هو مرآة للمعنى الخاص عند ارادة ذلك وبعبارة اخرى كون الارادة المتعلقة بذكر اللفظ ارادة غيرية توصلية لابراز المعنى المقصود باللفظ باعتبار ما للفظ من المبرزية عن المعنى ـ ففيه ان جهة مبرزية اللفظ عن المعنى بعد ان لم تكن مستندة الى اقتضاء ذات اللفظ فلا بد ان يكون منشؤها وضع الواضع وجعله فعليه يتوقف ذلك على كون اللفظ مرآة لذلك المعنى فى رتبة سابقة ومن الواضح توقف ذلك على الوضع وبعده لا مجال للتعهد المزبور لانه يكون لغوا.

(١) والمبرز.

(٢) وهو الوضع.

(٣) هذا هو الجواب الثالث وملخصه فى المراد من التعهد هو ان الغرض من توجيه الارادة الى ذكر اللفظ هو جهة مطلوبيته ذاتا فى ظرف ارادة تفهيم المعنى فيرد عليه بوجهين سيأتى الاشارة اليهما.

(٤) كما فى الجواب الاول المتقدم.

(٥) كما فى الجواب الثانى المتقدم.

(٦) هذا هو الوجه الاول وملخصه ان هذا مناف لما يقتضيه الوجدان والارتكاز فى مقام ارادة التلفظ باللفظ من كونها لاجل التوصل به الى تفهيم المعنى المقصود لا من جهة مطلوبية التلفظ به نفسا.

(٧) هذا هو الوجه الثانى وملخصه ان القول بالتعهد بهذا المعنى مناف لما يقتضيه الطبع والوجدان فى مقام الانتقال الى المعنى عند سماع اللفظ لان لازم البيان المزبور هو ان يكون الانتقال الى اللفظ فى عرض الانتقال الى المعنى بحيث يكون فى الذهن انتقالان انتقال

١٠٣

ح علامة لمعناه كعلامة البيرق للحرب مثلا لا انه قالب له بحيث يكون انتقاله للمعنى بعين انتقاله الى اللفظ كما لا يخفى على كل ذى مسكة ـ تشريح فيه تحقيق (١) وهو انه بعد ما عرفت حقيقة الجعل والمجعول (٢) فربما (٣) يستفاد

______________________________________________________

بدوا الى اللفظ عند سماعه وانتقال منه بمقتضى الملازمة والاناطة الى المعنى نظير الانتقال من اللازم الى ملزومه مع ان ذلك كما ترى مما يابى عنه الوجدان والارتكاز فانه يرى بالوجدان انتقال الذهن الى المعنى عند سماع اللفظ بدوا مع الغفلة عن جهة اللفظ بحيث كأنه كان المعنى هو الملقى اليه بلا توسيط لفظ فى البين اصلا ـ ثم ان من لوازم القول بالتعهد انحصار الدلالة فى الالفاظ بالدلالة التصديقية لانه لا ظهور للفظ ح حتى يكون وراء الدلالة التصديقية دلالة اخرى تصورية لان التعهد هو المعنى المراد بخلافه على مسلك الوضع فانه عليه يكون اللفظ وراء الدلالة التصديقية دلالة اخرى تصورية ناشئة من قبل الوضع والجعل وربما ينتج هذا المعنى فى بعض المباحث الآتية كالعام والخاص والجواب الرابع عن هذا القول بلزوم الدور لان وضع اللفظ بازاء المعنى متوقف على العهد ليوجد العلاقة بذاك والعهد متوقف على وجود العلاقة ليرتبط اللفظ بالمعنى ـ ولكن فيه ان التوقف لا يكون فى المقام لان ما يقصد ان يوجد فيه العلاقة هو طبيعى اللفظ لا هذا اللفظ بخصوصه والتعهد انما يكون فى هذا اللفظ بخصوصه فلا دور ـ وما ذكره الاستاد الخوئى يكون جوابه معه من كون الجميع واضعا والوجدان على خلافه فالعرف لا يرى فى اى طائفة انه الواضع وان كل فرد له التعهد بالنسبة الى نفسه بل كما مر ان الناس حسب احتياجاتهم فى الموارد المختلفة يستعملون ما يقضى به حاجاتهم ثم توجد العلاقة فى البين وهو امر واقعى محفوظ كما لا يخفى.

(١) اشارة الى القول الرابع فى الوضع وهو جعل الهوهوية والتنزيل الاعتبارى الحاصل بالجعل والانشاء ـ وهذا مختار استادنا البجنوردي.

(٢) تقدم ان حقيقة الجعل والوضع عبارة عن ارادة الواضع كون اللفظ مبرزا للمعنى وقالبا للمعنى بحيث يوجد به نحو اختصاص وربط بين اللفظ والمعنى ولهذه الملازمة والربط نحو واقعية بعد الجعل والوضع والمجعول هو المعنى والموضوع له.

(٣) وملخص هذا القول ان حقيقة الربط الوضعى حقيقة ادعائية تنزيلية فان العقلاء لما ارادوا تحصيل الدلالة على المعانى التى يريدون تفهيمها بدوال تدل عليها اضطروا الى تنزيل اللفظ منزلة المعنى فى عالم الاعتبار فيكون حقيقة الوضع عبارة عن اعتبار وجود اللفظ وجودا تنزيليا للمعنى وهو هو فى عالم الاعتبار والاتحاد الاعتبارى بين اللفظ والمعنى وان لم يكن حقيقة ولا مانع من ايجادها فى عالم الاعتبار بصرف الانشاء والجعل التشريعى كما

١٠٤

بعنوانه (١) بعض العناوين الخارجية (٢) فيدعى نحو عنوان وضع اللفظ على معناه لمثله (٣) تشبيها له بوضع شيء خارجى على غيره (٤)

______________________________________________________

يكون نظير قوله «ع» الطواف بالبيت صلاة وقوله «ع» الفقاع خمر استصغره الناس ونحوهما.

(١) اى لعنوان الوضع.

(٢) وهو وضع شيء على شيء.

(٣) اى لمثل تلك العناوين الخارجية.

(٤) فيدعى ان حقيقة الربط الوضعى حقيقة ادعائية تنزيله فيكون الوضع الحقيقى المصحح للتنزيل هو الوضع الخارجى مثل وضع العلم على رأس الفرسخ ليدل عليه فيكون وجودا تنزيليا ادعائيا للفرسخ فيكون تنزيلا منزلة غيره كتنزيل رجل الشجاع منزلة الاسد. وذهب الى ذلك استادنا البجنوردي فى المنتهى ، ج ١ ، ص ١٥ ، قال ان الوضع عبارة عن الهوهوية والاتحاد بين اللفظ والمعنى فى عالم الاعتبار ومثل هذه الهوهوية والاتحاد الاعتبارى يمكن ان يوجد فى عالم الاعتبار بالجعل والانشاء تارة وبكثرة الاستعمال اخرى وبهذا الاعتبار صح تقسيمه الى التعيينى والتعيّنى. ان قلت ان الاتحاد والهوهوية اذا لم يكن بين شيئين بحسب الواقع بل كان كل واحد منهما اجنبيا عن الآخر كما هو الحال بين اللفظ والمعنى قبل الوضع فكيف يمكن ايجاده بمحض الجعل والانشاء او بصرف كثرة الاستعمال بلا قرينة ـ قلت الاتحاد والهوهوية على قسمين تكوينية واعتبارية اما الاتحاد التكوينى والهوهوية الواقعية فلا يمكن ان توجد بصرف الانشاء والتشريع واما الاعتبارية فلا مانع من ايجادها فى عالم الاعتبار بصرف الانشاء والجعل التشريعى والى هذا ترجع توسعة الموضوع فى الحكومة الواقعية كقوله عليه‌السلام الطواف بالبيت صلاة وقد قال شيخ مشايخ اساتيدنا فى فرائده بمثل ذلك فى كيفية حجية الامارات بان المجعول فيها هو الهوهوية بمعنى ان المجعول فيها هو ان المؤدى هو الواقع وايضا. قال شيخنا الاستاد النائينى بمثل ذلك فى اصالة الحل والحاصل ان حال الهوهوية الاعتبارية حال سائر الاعتباريات فى ان ايجادها بانشائها بمكان من الامكان واما الدليل على الوضع بهذا المعنى لا بالمعانى الذى ذكروها ـ فاولا انه لا شك فى ان القاء اللفظ القاء المعنى عند القاء المراد الى الطرف ومعلوم ان القاء شيء ليس القاء شيء آخر الا فى ما اذا كانت بينهما هوهوية واتحاد وإلّا فبصرف تعهد الواضع ان لا يستعمل إلّا هذا اللفظ عند ارادة المعنى الفلانى او جعله علامة له او بصرف جعل علاقة وارتباط بينهما لا يكون القاء احدهما القاء للآخر. وثانيا قد تقرر عندهم ان لكل شيء اربعة انحاء من الوجودات وعدوّا من جملتها الوجود اللفظى فلو لم يكن ذلك الاتحاد كيف يمكن ان

١٠٥

ولكن (١) ذلك المقدار (٢) لا يخرج حقيقة الجعل والاختصاص عن الحقيقة الواقعية (٣) وانما الاعتبار والعناية فى عنوانه (٤) فلا مجال ح لتوهم (٥) الخلط بين العناية فى العنوان الجارى على الشى (٦) وبين جعل حقيقة الشيء امرا ادعائيا عنائيا (٧) وارجاع جعل الاختصاص من المسمى بالوضع بحقيقته الى اعتبار العناية والتنزيل التى هى (٨) من الاعتبارات المحضة المنقطعة بانقطاع الاعتبار. ولعمرى

______________________________________________________

يكون وجود شيء اجنبى عن شيء آخر وجودا له مع ان اللفظ من مقولة الكيف المسموع وان كان مقداره من مقولة الكم والمعنى من مقولة اخرى ولهذه الجهة ايضا يسرى قبح المعنى وحسنه الى اللفظ انتهى.

(١) اجاب المحقق الماتن قدس‌سره عن هذا القول بجوابين وهذا هو الجواب الأول عن القول بالتنزيل وان مجرد الشباهة بالوضع الحقيقى لا يوجب تغيير فى الجعل والوضع بل حقيقة الوضع هو ارادة قالبية اللفظ للمعنى وانما العناية فى عنوانه واسمه وهو لفظ لا فى حقيقته.

(٢) من الشباهة.

(٣) فى باب وضع اللفظ وجعل الارتباط.

(٤) اى عنوان الوضع واسمه.

(٥) اشارة الى نفس القول بالتنزيل وان المتوهم بتخيل ان الوضع عبارة عن التنزيل والادعاء والهوهوية أى يكون اللفظ هو المعنى اعتبارا وتنزيلا فالعناية فى اصل الجعل ـ وتقدم الجواب عنه بانه خلط بين العناية فى الجعل كما توهم والعناية فى العنوان ولفظ الوضع الجارى عليه وان العناية فى العنوان ولا ربط له بالجعل ووضع الالفاظ اصلا فاشتراك لفظ الوضع بين معنى الوضع الاصطلاحى ومعنى الوضع اللغوى وهو جعل شيء على شيء اوجب هذا التوهم لصاحبه.

(٦) وهو الوضع.

(٧) كما فى الرجل الشجاع.

(٨) هذا هو الجواب الثانى عن القول بالتنزيل وهو ان مجرد التنزيل امر اعتبارى محض ينقطع برفع اليد عنه معتبره كما مر مرارا ولقد عرفت ان حقيقة الوضع اللفظى هو ربط اللفظ بالمعنى لا جعله عليه ادعاء وهذا الربط امر حقيقى واقعى وان كان سببه هو جعل اللفظ على المعنى مما يحصل بسببه ارتباط اللفظ بالمعنى وبالجملة فالوضع اللفظى معناه هو ارتباط اللفظ بالمعنى وهذا المعنى امر واقعى له تقرر فى نفس الامر كسائر الامور الواقعية

١٠٦

ان الفهم المستقيم ايضا يابى عن ذلك ويرى ان حقيقة الجعل (١) هو ايجاد العلقة بين اللفظ والمعنى الراجع فى الحقيقة الى ايجاد صفة المبرزية للمعنى بارادته ومرجعه الى نحو تخصيص اللفظ بمعنى مخصوص الراجع الى نحو تلازم بينهما ـ واجرى على هذا المعنى (٢) عنوان ادعائى عنائى وعبر عنه بوضع اللفظ على معنى ففى هذا المورد لوحظ العناية فى جرى العنوان (٣) لا فى الحقيقة فلا معنى لجعل حقيقة الوضع الذى عبارة عن الجعل المعهود امرا اعتباريا محضا وعنائيا (٤) كما لا يخفى (٥) على من راجع الى ما اسلفنا فى وجه فساده ثم ان من التأمل مما ذكرنا (٦) ظهر حال ساير احكام الوضعية من الملكية والزوجية

______________________________________________________

التى يتعلق بها العلم والجهل.

(١) كما تقدم مفصلا انه بالجعل والوضع تتحقق الملازمة والعلاقة والاختصاص والارتباط بين اللفظ والمعنى ويكون اللفظ مبرزا للمعنى.

(٢) من الملازمة والاختصاص.

(٣) فالتشابه فى الاسم.

(٤) تنزيليا ادعائيا.

(٥) واما الجواب عما افاده الاستاد البجنوردي مضافا الى ما ذكر اما اولا فان جعل الهوهوية والاتحاد كذلك يحتاج الى دليل وان واضع اللغات بالقطع واليقين لا التفات الى ذلك اصلا فلا بد وان يكون مما يقرب اليه اذهان العرف والسواد فربما العرف لا يفهم مفهوما فكيف ينسب اليه كون الوضع كذلك وهذا بعيد عن اذهان الواضعين. وثانيا ان حمل اللفظ على المعنى وهو الذات وجعل الهوهوية له امر غير ممكن فان المعنى هو الصورة الذهنية للشيء الحاكية عن الخارج فليس هوهوية بين اللفظ والشيء الخارجى اصلا ولا بد فى صحة تنزيل وجود منزلة وجود آخر من وجود ما يكون التنزيل بلحاظه كما فى التنزيلات الشرعية او العرفية ومن الواضح انه لا يترتب شيء من احكام المعنى وآثاره على وجود اللفظ فما معنى كونه وجودا تنزيليا له كما قاله استاذنا الخوئى فى الاجود ، ج ١ ، ص ١٢. فهذا القول ساقط جزما ـ فالصحيح ما ذكره المحقق العراقى من كون حقيقة هو الامر الواقعى وهى العلقة والارتباط الحاصل بالوضع والجعل والاعتبار فان اراد الاستاد من الهوهوية ذلك ايضا فنعم الوفاق وإلّا فلا وجه له اصلا.

(٦) فى الملازمة الوضعية.

١٠٧

وان روحها (١) ايضا مثل الاختصاص الوضعى فى الالفاظ يرجع الى نحو اعتبار واقعى بنحو يكون الاعتبارات الذهنية طريقا اليها (٢) لا ان قوام حقيقتها بصرف الاعتبار الذهنى (٣) كما هو الشأن فى الاعتباريات المحضة كالوجودات التنزيلية (٤) او النسب التحليلية (٥) كما ان مثلها (٦) ايضا غير حاكية عما بازاء خارجى ولو مثل هيئة خارجية كما هو شأن الاضافات المقولية من الفوقية والتحتية ولقد اشرنا الى ذلك سابقا ايضا فتدبر (٧) تتميم للمرام بارشاد فى المقام وهو ان حقيقة الوضع (٨)

______________________________________________________

(١) اى روح سائر الاحكام الوضعية.

(٢) اى طريق الى الاعتبار الواقعى وملخصه ان هذه العناوين كالملكية والزوجية وامثالهما من الاعتباريات القصدية التى تكون حقيقتها بجعل من ينفذ جعله واعتباره بحيث بعد تمامية جعلها تكون لها نحو تقرر فى الواقع وكان الاعتبار الذهنى طريقا اليها على نحو يلتفت اليها تارة ويغفل عنها اخرى.

(٣) المتقومة بالاعتبار والمنقطعة بانقطاعه التى لا تكون لها واقعية حتى بعد انشاء النفس اياها كانياب الغول.

(٤) كالطواف بالبيت صلاة.

(٥) كالانسان حيوان ناطق.

(٦) اى مثل هذه الامور الاعتبارية الواقعية انما هو بمعنى ان الجعل منشأ لاحداثها ويكون من خارج المحمول بالضميمة ولو بالنسبة الى الطرفين فان الهيئة الحاصلة لزيد مع فرسه قبل ان تكون ملكا له هى هيئة معها بعد ما صارت ملكا له.

(٧) فعليه هذه الامور وسط بين الوجودات الاعتبارية وبين الاضافات المقولية فمن حيث عدم احداثها لتغيير هيئة خارجية لطرفيها من المالك والمملوك والزوج والزوجة تشبه الاعتباريات الصرفة ومن حيث ان لها واقعية بنحو كان اللحاظ طريقا اليها بعد جعلها تشبه الاضافات المقولية ولكن ليس من الاعتبارات المحضة كما عرفت وإلّا لزم كونها تابعة لاعتبار معتبرها حدوثا وبقاء ويلزم انقطاعها بانقطاع الاعتبار بل وبانعدام شخص المعتبر لها لقيام اعتباره بشخصه إلّا بفرض اعتبار معتبر أخر لها كالمعتبر الاول مع ان الوجدان قاض بخلافه كل ذلك كالربط الوضعى نعلا بنعل.

(٨) الامر السادس فى بيان ان الربط والعلاقة المجعولة بين طبيعى اللفظ وطبيعى

١٠٨

كما انه قد يتحقق بجعل قبل الاستعمال (١) فقد يتحقق بنفس استعمال لفظ فى معناه بقصد حصوله (٢) وتوهم أوله الى اجتماع اللحاظين (٣)

______________________________________________________

المعنى ينقسم الى قسمين. قال فى الكفاية ، ج ١ ، ص ٣٢ ، هو ان الوضع التعيينى كما يحصل بالتصريح بانشائه كذلك يحصل باستعمال اللفظ فى غير ما وضع له كما اذا وضع له بان يقصد الحكاية عنه والدلالة عليه بنفسه لا بالقرينة وان كان لا بد ح من نصب قرينة إلّا انه للدلالة على ذلك ـ اى الوضع ـ لا على ارادة المعنى كما فى المجاز فافهم وكون استعمال اللفظ فيه كذلك فى غير ما وضع له بلا مراعات ما اعتبر فى المجاز فلا يكون بحقيقة ولا مجاز غير ضائر بعد ما كان مما يقبله الطبع ولا يستنكره وقد عرفت سابقا انه فى الاستعمالات الشائعة فى المحاورات ما ليس بحقيقة ولا مجاز انتهى ولعل المراد منه استعمال اللفظ فى نوعه او مثله او شخصه على ما سيأتى اما انه لا يكون من الاستعمال الحقيقى من جهة انه لا وضع قبل الاستعمال ليكون الاستعمال استعمالا فيه واما انه لا يكون الاستعمال المجازى فلاجل ان الاستعمال المجازى استعمال اللفظ فى المعنى المناسب للمعنى الموضوع له والمفروض انه لا وضع قبل هذا الاستعمال ومعه لا يعقل المجاز فلا يكون الاستعمال حقيقيا ولا مجازيا كما هو واضح.

(١) هذا هو القسم الاول بان يتحقق الربط بالانشاء القولى من قول الواضع كقوله جعلت هذا اللفظ لمعنى كذا.

(٢) وهذا هو القسم الثانى وهو الانشاء الفعلى بان يتحقق باستعمال اللفظ المقصود وضعه فى المعنى قاصدا به تحقق العلقة والربط بينهما كما لو قال مريد الوضع بهذا النحو جئنى بالماء مشيرا الى المائع المعروف فبهذا الاستعمال مع القرينة يحصل الربط بين اللفظ والمعنى ويفهم المعنى الذى استعمل فيه اللفظ وكقولك عند تسمية ولدك جئنى بولدى محمّد قاصدا به حصول العلقة الوضعية بهذا الاستعمال ونظيره فى المعاطاة التى هى انشاء فعلى لحصول الملكية لزيد.

(٣) اشار الى ما اورده المحقق النائينى قدس‌سره على هذا القسم من الوضع قال فى الاجود ، ج ١ ، ص ٣٣ ، بان حقيقة الاستعمال كما بيناه القاء المعنى فى الخارج بحيث يكون الالفاظ مغفولا عنها فالاستعمال يستدعى كون الالفاظ مغفولا عنها وتوجه النظر اليه بتبع المعنى بخلاف الوضع فانه يستدعى كون اللفظ منظور اليه باستقلاله ومن الواضح انه لا يمكن الجمع بينهما فى ان واحد انتهى وربما قيل ان استعمال اللفظ كذلك لا يمكن ولو قلنا بان استعمال اللفظ فى الاكثر من معنى واحد جائز لان الاستعمال فى الاكثر من معنى يكون فى

١٠٩

غلط (١) اذا النظر المرآتى متوجه الى شخص اللفظ والمعنى حال الاستعمال وهما

______________________________________________________

صورة ان يكون المعنيان فى ظرف واحد ولحاظ واحد فى نظر اللافظ بنظره الاستقلالى اليهما ولكن فى المقام يجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالى ضرورة ان من يريد وضع اللفظ يتوجه اليه بالنظر الاستقلالى ويكون فى الاصطلاح ما فيه بنظر واما اذا اراد استعماله فى المعنى فاللازم ان يكون مما به ينظر ويكون آلة للحاظ المعنى فكيف يمكن ذلك.

(١) وتوضيح الجواب عنه بان النظر الى شخص هذا اللفظ لا يكون إلّا عبوريا الى طبيعة اللفظ التى قصد تحقق العلاقة والربط بينها وبين المعنى فبوجهته الشخصية يستعمل فى المعنى فمتعلق اللحاظ الاستقلالى انما كان هو طبيعة اللفظ الذى قصد تحقق العلقة بينها وبين المعنى ومتعلق اللحاظ الآلي كان هو شخص هذا اللفظ ومعه لم يجتمع اللحاظان فى موضوع واحد كى يتوجه عليه محذور الاستحالة المزبورة كما هو واضح ومعه لا مانع من ان يكون نفس الاستعمال ككثرة الاستعمال موجبا لثبوت العلاقة والربط بين اللفظ والمعنى هذا اوّلا وثانيا يمكن ان يقال انه بالوجدان ان للنفس لمالها خلاقية لها القدرة على لحاظ امور مختلفه متباينة فى ان واحد منها الآلية والاستقلالية ثم بواسطة الاستعمال يفهم الوضع والاستعمال بتعدد الدال بمعنى قيام القرينة على ان هذا الاستعمال وضع ألا ترى ان الموضوع فى القضية شيء والمحمول شيء آخر والنسبة الحكمية ايضا ثالث والنفس فى آن واحد يحكم بان المحمول منسوب للموضوع فهل يمكن ان يقال ان النفس عند الحكم نسى الموضوع او المحمول فانها فى ظرف واحد يرى الجميع من دون تناف بينها فى اللحاظ اصلا. ولكن يرد على الوجه الاول كما عن الاستاد البجنوردي ، ج ١ ، منتهى ، ص ٤٧ ، من انه لا شك فى امكان كون شخص اللفظ حاكيا عن نوعه كما فى قولك ضرب فعل ماض حيث جعل شخص ضرب فى هذا المثال حاكيا عن نوعه ومعلوم انه ايضا لا يلزم من ذلك اجتماع اللحاظين الاستقلالى والآلي لكن هذا الكلام اجنبى عن محل بحثنا لان كلامنا الآن فى استعمال اللفظ فى معنى والقائه وارادة ذلك المعنى كقوله اعطنى ولدى محمدا مثلا فى ما اذا اراد التسمية بهذا الاسم بنفس هذا الاستعمال بل يأخذ المولود ويقول محمد فلحاظ مغفولية اللفظ والتفاته اليه متضادان والمعلوم ان فى هذا الاستعمال لا نظر له استقلاليا الى اللفظ اصلا لا الى شخصه ولا الى نوعه ولا الى طبيعته كما هو المفروض نعم لو استعمل اللفظ فى ذلك المعنى وتصور طبيعة اللفظ وذلك المعنى ايضا وجعل علاقة بينهما فهذا امر ممكن معقول لكنه خلاف الفرض وهو تحقق الوضع بنفس الاستعمال ففى الحقيقة فرض الاستاذ يرجع الى ان هاهنا استعمالا ووضعا وكل واحد منهما غير مربوط بالآخر وهذا ممكن لكنه خروج عن الفرض ـ

١١٠

غير ملحوظين استقلالا حين الوضع وما هو ملحوظ كذلك فهو طبيعة اللفظ وطبيعة المعنى حين وضعه واحدهما غير الآخر فى مقام اللحاظ كما لا يخفى والعجب من صدور هذا الاشكال من بعض اعاظم المعاصرين على ما فى تقرير بعض تلامذته (١)

______________________________________________________

هذا مضافا الى ان انشاء تلك العلاقة وذلك الارتباط بين طبيعة اللفظ والمعنى حيث انها من الامور الاعتبارية لا بد ان تكون بآلة كسائر العناوين الاعتبارية فى ابواب المعاملات كالنكاح والبيع وامثالهما ولا بد ان تكون تلك الآلة سببا عند العرف وقد امضاها الشارع او احدث سببا بنفسه وان لم يكن عندهم بسبب وما نحن فيه سببية الاستعمال غير معلومه الخ وفيه اما عن الاخير فلا مانع من ان يكون الاستعمال سببا بعد يساعده العرف والارتكاز واما عن الاول فلا غرو انه يتحقق بالاستعمال امرين مندمجين ينحل بالتحليل وان كان الواضع يقصد ذلك اجمالا ولا محذور فيه ـ مضافا الى انه يمكن ان يقال بانه ترجع الى جعل اللفظ حاكيا عن المعنى بنفسه من دون قرينة على ارادته منه وهو بهذا الاستعمال يوجد مصداقا لمفهوم كون اللفظ حاكيا عن المعنى بنفسه لان المفروض انه لم ينصب قرينة على حكاية اللفظ عن هذا المعنى المستعمل فيه بل جعل اللفظ حاكيا عن المستعمل فيه بنفسه فيكون هذا الاستعمال بهذه الكيفية اى كونه حاكيا عن المعنى المستعمل فيه بنفسه من لوازم تلك العلاقة التى نسميها بالوضع وانشاء الملزوم بانشاء اللازم امر مغفول.

(١) والمراد هو المحقق النائينى قدس‌سره وقد عرفت كلامه والجواب عنه واما افادة صاحب الكفاية من عدم كون مثل هذا الاستعمال من الاستعمال فى المعنى الحقيقى او المجازى ـ غير ضائر فى ما نحن بصدده من تحقق العلقة والربط بمثل هذا الاستعمال. وذكر استادنا الخوئى فى الاجود ، ص ٣٣ ، ج ١ ، قد عرفت فى ما تقدم ان حقيقة الوضع ليست إلّا عبارة عن الالتزام والتعهد بانه متى ما تعلق ارادة المتكلم بافادة معنى خاص ان يبرز ذلك بلفظ مخصوص كما هو المختار او انه اعتبار نفسانى قائم بها نظير بقية الاعتبارات القائمة بمعتبرها وعلى كل حال فالوضع سابق على الاستعمال لا محاله وعليه فلا يكون الوضع بنفس الاستعمال حتى يرد عليه استحالة الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالى فى آن واحد بل يكون الاستعمال كاشفا عن الوضع فى ما اذا كان هناك قرينة على ذلك ومن هنا يظهران ما افاده المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره من عدم كون هذا الاستعمال بحقيقة ولا مجاز لا وجه له والظاهر ان دعوى القطع بثبوت الوضع التعيينى بهذا النحو قرينة جدا انتهى. وقال فى المحاضرات ، ج ١ ، ص ١٢ ، بل لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا الجمع بين الوضع والاستعمال فى

١١١

مقالة (١) قد يقسم (٢) الوضع الى شخصى كوضع الجوامد او قانونى كما فى

______________________________________________________

آن واحد لم نسلم استلزامه الجمع بين اللحاظين الآلي والاستقلالى فان هذا اللازم مبتن على مذهب المشهور فى مسألة الاستعمال حيث انهم يرون الفاظ فى مرحلة الاستعمال آليات واما على مذهب الصحيح من ان حال الالفاظ حال المعانى فى مقام الاستعمال فكما ان المعانى ملحوظة استقلالا فكذلك الالفاظ ومن هنا يلتفت المتكلم الى خصوصيات الالفاظ الصادرة منه من كونها لغة عربية او فارسية او غير ذلك فلا يلزم من الجمع بين الوضع والاستعمال الجمع بين اللحاظين الآلي والاستقلالى انتهى وفيه قد عرفت فساده وان الالفاظ يلاحظ فانيا فى المعنى كما لا يخفى وان ما به ينظر لا فيه ينظر كما هو واضح. وقال استادنا البجنوردي فى المنتهى ، ج ١ ، ص ٤٦ ، انه على تقدير صحة مثل هذا القسم من الوضع التعيينى يكون هذا الاستعمال حقيقة لا انه لا حقيقة ولا مجاز تأخر الوضع عن الاستعمال رتبى وإلّا فهما فى زمان واحد كما هو الشأن فى باب العلة والمعلول فالاستعمال يقع فى زمان وجود الارتباط والعلاقة بين اللفظ والمعنى وبمثل هذا البيان صححنا احدى المقدمات المهمة فى باب الترتب الخ ونعم ما قال الاستاد واما ذكره صاحب الكفاية من نصب القرينة للدلالة على ذلك لا على ارادة المعنى ففيه ان القرينة فى المجاز ايضا لا تكون حاكية عن المعنى ولا دالة عليه بل الحاكى عنه والدال عليه هو نفس اللفظ غايته ان القرينة تدل على ان اللفظ قد اريد منه ذلك المعنى المجازى لا الآخر الحقيقى وليست هى بنفسها مما تدل على المعنى وتحكى عنه ـ فالاولى فى مقام الفرق بين القرينتين ان يقال ان القرينة فى سائر المقامات تدل على ان اللفظ قد استعمل فى غير ما وضع له تجوزا وفى المقام تدل على استعماله فيه بقصد حصول الوضع به لا تجوزا.

(١) نموذج ٢ وهو الامر السابع فى اقسام الوضع باعتبار الموضوع.

(٢) ينقسم الوضع باعتبار الموضوع الى الشخصى والقانونى ـ اما الشخصى وهو وضع اللفظ بمادته وهيئته معا لمعنى ما كوضع الجوامد سواء كان اعلاما كوضع لفظ زيد لشخص مخصوص ام كان اسماء الاجناس كرجل موضوع لجنس الرجل قال عليه‌السلام الزكاة على تسعة اشياء على الحنطة والشعير والتمر والزبيب والابل والبقر والغنم والذهب والفضة ـ وسائل ، باب ٨ ، من ابواب ما تجب فيه الزكاة فالحنطة ونحوها من اسماء الاجناس موضوعا ملفوفا وعليه فلو ورد قيد انما يرجع الى الموضوع ولا هيئة له مستقلا حتى نتكلم فى رجوعه اليها ويكون الوجوب مقيدا ـ فالوضع الشخصى هو وضع واحد حقيقة وذاتا غير قابل للانحلال اصلا متعلق بالمادة الملفوفة. ـ واما الوضع القانونى والنوعى هو وضع احد

١١٢

المشتقات لما سيجيء إن شاء الله تعالى فانه بعد البناء فى وضعها (١) على انحلاله الى وضعين كان وضع كل واحد من المادة والهيئة قانونيا (٢) نظرا الى سريان المادة فى ضمن اى هيئة موضوعة وسريان الهيئة ايضا فى ضمن كل مادة موضوعة فلكل منهما جهة تكثر (٣) وانحلال قابل للقانونية بخلاف وضع الجوامد (٤) كما لا يخفى (٥)

______________________________________________________

جزئى اللفظ من الهيئة والمادة بوضع مستقل لمعنى ما مثل ضرب ويضرب وضارب ومضروب فان ضرب بمادته يدل على الحدث المعروف باىّ هيئة من الهيئات الموضوعة وبهيئته وهى فعل تدل على وقوع الفعل فى الزمن الماضى وهيئة يضرب تدل على المستقبل وهيئة ضارب تدل على صدور الفعل منه وهيئة مضروب تدل على وقوع الفعل عليه وهيئة اضرب فعل الامر تدل على طلب الفعل منه قال عليه‌السلام اذا زالت الشمس فصلّ سبحتك واذا طلع الفجر فصلّ الفريضة ، وسائل ، باب ٨ ، من المواقيت فيمكن رجوع القيد الى المادة وهى الصلاة الموضوعة للمعنى المخصوص وتكون الهيئة وهو الوجوب مطلقا او يرجع الى الهيئة ولازمه تقيد المادة ايضا.

(١) اى المشتقات.

(٢) فوجه كونه قانونيا ونوعيا ان هذه الهيئة كهيئة الفعل فى ضمن اىّ مادة من المواد المشتقة القابل للتصريف تدل على وقوع الفعل فى الزمن الماضى وكذا وضع المادة تكون قانونيا وهو ـ ض ـ ر ـ ب ـ مثلا موضوعا للحدث الكذائى فى ضمن اى هيئة تحقق.

(٣) فالمادة فى ضمن الهيئات المتكثرة والهيئة فى ضمن المواد المتكثرة.

(٤) فان المادة الملفوفة بهذه الهيئة موضوعة لمعنى خاص.

(٥) ثم ان كون المادة والهيئة كلاهما وضعه قانونيا لعله اشارة الى امر نشير اليه ذكر المحقق الاصفهانى ، ج ١ ، من النهاية ، ص ٢٦ ثم انه ربما امكن الاشكال على جعل وضع المواد شخصيا ووضع الهيئات نوعيا كما هو المعروف بما محصله ان شخصية الوضع فى المواد ان كانت بلحاظ وحدتها الطبيعية وشخصيتها الذاتية. اى امتيازها عن مادة اخرى بذاتها ـ فالهيئات ايضا كذلك فان هيئة فاعل مثلا ممتازة بنفسها عن سائر الهيئات فلها وحدة طبيعية ـ ونوعية الوضع فى الهيئات ان كانت بلحاظ عدم اختصاص زنة فاعل بمادة من المواد فالمواد كك لعدم اختصاص المادة بهيئته من الهيئات فلا امتياز مادة عن مادة ملاك الشخصية لامتياز كل زنة عن زنة اخرى ولا عدم اختصاص زنة بمادة ملاك النوعية لعدم اختصاص مادة بهيئة و ـ اى الجواب الاول عنه ـ التحقيق ان جوهر الكلمة ومادتها اعنى الحروف الاصلية المترتبة الممتازة عن غيرها ذاتا او ترتيبا امر قابل للحاظ الواضع بنفسه فيلاحظ بوحدته

١١٣

و (١) قد يقسم الوضع (٢)

______________________________________________________

الطبيعية وتوضع لمعنى بخلاف هيئة الكلمة فان الزنة لمكان اندماجها فى المادة لا يعقل ان تلاحظ بنفسها لاندماجها غاية الاندماج فى المادة فلا استقلال لها فى الوجود اللحاظى كما فى الوجود الخارجى كالمعنى الحرفى فلا يمكن تجريدها ولو فى الذهن عن المواد فلذا لا جامع ذاتى لها كحقائق النسب فلا محاله يجب الوضع لاشخاصها بجامع عنوانى كقولهم كلما كان على زنة فاعل وهو معنى نوعية الوضع اى الوضع لها بجامع عنوانى لا بشخصيتها الذاتية ـ او ـ اى الجواب الثانى عنه. المراد ان المادة حيث يمكن لحاظها فقط فالوضع شخص والهيئة حيث لا يمكن لحاظها فقط بل فى ضمن مادة فالوضع لها يوجب اقتصاره عليها فيجب ان يقال هيئة فاعل وما يشبهها وهذا معنى نوعية الوضع اى لا لهيئة شخصية واحدة لوحدة طبيعية بل لها ولما يشبهها انتهى. ووافقه الاستاد الخوئى وقال فى المحاضرات ، ج ١ ، ص ١١٢ ، وما افاده من الجواب فى غاية المتانة وحاصله ان كل مادة يمكن للواضع ان يلاحظها بشخصها وبوحدتها الطبيعة مثلا لفظ الانسان او مادة (ض ر ب) يمكن ان يلاحظ بشخصه وبوحدته ويوضع لمعنى فالوضع لمعنى فالوضع لا محاله يوجب الاقتصار على تلك المادة او ذلك اللفظ فلا ينحل الى اوضاع عديدة فيكون نظير الوضع الخاص والموضوع له الخاص وهذا بخلاف الهيئة فانها حيث لا يمكن ان تلاحظ بشخصها ووحدتها الذاتية بدون مادة ما يجب ان توضع بجامع عنوانى ومن هنا ينحل الى اوضاع متعددة فيثبت لكل هيئة وضع خاص مستقل نظير وضع العام والموضوع له الخاص وهذا معنى كون الوضع فيها نوعيا اى ان الملحوظ حال الوضع جامع عنوانى ولكن الموضوع معنون هذا العنوان لا نفسه الخ وفيه ان لحاظها بوحدته الشخصية لا يوجب الشخصية بعد ما كانت هذه المادة غير معتبرة فى ضمن هيئة خاصه بل فى ضمن اى هيئة كانت وفى هذه ايضا تكون الاندماج لعدم امكان ان تكون المادة بلا هيئة حتى ض ر ب له هيئة وهو تقديم الضاد على الراء والراء على الباء فالاندماج من الطرفين وكلاهما قانونيا كما لا يخفى.

(١) الامر الثامن فى انقسام الوضع باعتبار الوضع والموضوع له معا اى اللفظ والمعنى وينقسم الى اربعة انحاء.

(٢) لا يخفى ان المعنى الموضوع له سواء كان عاما او خاصا انما يكون من المفاهيم القابلة فى نفسها للحضور فى ذهن السامع فى مرحلة التخاطب فالالفاظ كما لم توضع للموجودات الخارجية لانها غير قابلة للحضور فى الاذهان كذلك لم توضع للموجودات الذهنية فان الموجود الذهنى غير قابل لوجود ذهنى آخر بل هى موضوعه لذوات المعانى الذى كان

١١٤

بلحاظ تعلقه بالصور الذهنية (١) الى عموم الوضع والموضوع له او خصوصهما او عموم الوضع وخصوص الموضوع له او بالعكس (٢) فمن الاوّل (٣) اسماء الاجناس ومن الثانى (٤) الاعلام الشخصية وقيل من الثالث (٥) الحروف وما يلحق بها (٦) واستشكلوا فى الرابع (٧) ووجه اتصاف الوضع بالعمومية و

______________________________________________________

التصور طريقا للوصول اليه والمعنى هو الموضوع له وغير الآبية عن قبول نحوين من الوجود فى نفسها وتلك المعانى تتصف بالسعة والضيق لا بنفسها بل باعتبار الانطباق والصدق الخارجى وبهذا اللحاظ كان تقسيم الموضوع له الى العام تارة والى الخاص اخرى اى بلحاظ الانطباق على ما فى الخارج لا فى نفسه.

(١) فبما ان الوضع فعل الواضع فالمراد من الوضع باعتبار المفهوم المتصور حين الوضع ولحاظ الواضع وتصوره فى الذهن من اللفظ والمعنى وبما ان المعنى متعلقا لوضع اللفظ قد وصف الوضع بصفة متعلقة وإلّا لا يكون الوضع متصفا بالعام والخاص.

(٢) وهو القسم الرابع الآتي من الوضع خاص والموضوع له عام بان يلحظ معنى خاصا ويوضع اللفظ بازاء المعنى العام اى هذا الفرد وسائر الافراد.

(٣) وهو القسم الاول من الوضع عام والموضوع له عام بان يلحظ معنى عاما ويوضع اللفظ لذلك المعنى العام كما فى اسامى الاجناس مثل الرجل والمرأة والانسان والحيوان قال عليه‌السلام ليس فى شيء من الحيوان زكاة غير هذه الاصناف الثلاثة الابل والبقر والغنم ، وسائل ، باب ١٧ ، ما تجب فيه الزكاة ويكون الحيوان الوضع فيه عاما كالموضوع له فانه عام وقد اخرج منه الثلاثة ، ولا فرق عند تصور المعنى الكلى حين الوضع كان تصوره بالكنه والحقيقة لتصور الانسان بحده التام ام كان ذلك بالوجه والعنوان كما اذا تصوره بحده الناقص او بالعنوان المعرف والمشير من دون دخل لذلك العنوان فيه نظير بعض العناوين المأخوذ فى موضوع القضية لاجل الاشارة الى ما هو الموضوع فيها حقيقة بدون دخل فيه اصلا.

(٤) وهو القسم الثانى من الوضع خاص والموضوع له خاص بان يلحظ ويتصور معنى خاصا كالولد المتولد له ويوضع اللفظ له خاصه كوضع الاعلام الشخصية كما عرفت.

(٥) وهو القسم الثالث من الوضع عام والموضوع له خاص بان يلحظ معنى عاما ويوضع اللفظ بازاء افراده ومصاديقه كوضع الحروف على ما قيل.

(٦) اى بالحروف من اسماء الإشارة والموصولات.

(٧) ذكر فى الكفاية ، ج ١ ، ص ١٠ ، ثم ان الملحوظ حال الوضع اما يكون معنى عاما فيوضع اللفظ له تارة ولافراده ومصاديقه اخرى واما يكون معنى خاصا لا يكاد يصح

١١٥

الخصوصية بملاحظة تبعية لما تعلق به فى الذهن من صور المفاهيم اجمالية او تفصيلية (١) ولا اهمية فى ذلك وانما المهم فى المقام امور أخر (٢) احدها ان تصور عموم الوضع والموضوع له (٣) تارة بنحو هو المشهور (٤) من تصور معنى مستقل

______________________________________________________

الا وضع اللفظ له دون العام فتكون الاقسام ثلاثة وذلك لان العام يصلح لان يكون آلة للحاظ افراده ومصاديقه بما هو كذلك فانه من وجوهها ومعرفة وجه الشيء معرفته بوجه بخلاف الخاص فانه بما هو خاص لا يكون وجها ـ ولا مرآة ـ للعام ولا لسائر الافراد فلا يكون معرفته وتصوره معرفة له ولا لها اصلا ولو بوجه الخ فان هذا الخاص والفرد غير سائر الافراد ولا يحمل عليها ولا يتحد معها بخلاف المعنى العام لا يابى عن الحمل على اى فرد من افراد ذلك العام ـ وسيأتى مفصلا ان شاء الله.

(١) ومنشأ عموم الوضع والموضوع له وخصوصهما كما عرفت هو ما يلحظه الواضع ويتصوره فى الذهن من المفاهيم الاجمالية وهو المعنى الكلى والعام وان شئت قلت الجهة المشتركة بين الافراد او التفصيلية ما هو الافراد والمصاديق التفصيلية المندرجة تحت الكلى فان الوضع كما مر مرارا يحتاج الى لحاظ الموضوع له فقد تكون بصورة مفصلة منطبقة على ذى الصورة تمام الانطباق بحيث لا تشذ الصورة عن ذى الصورة شيئا كتصور الجزئيات الحقيقة والافراد الخارجية وقد تكون بعنوان عام متحد معه فعمومه وخصوصه باعتبار الانطباق الخارجى وإلّا موضوعه لذوات المعانى غير ابيه عن نحو من الوجود.

(٢) من امكان جميع الصور ووقوعه واقسامه.

(٣) فى بيان ان الوضع عام والموضوع له عام على نحوين والمختار هو صحة الثانى منهما.

(٤) النحو الاول ما هو المشهور من تصور الواضع معنى وحدانيا كليا عاما منتزعا من امور مختلفة ذاتا او عرضا تشترك فيه كمفهوم الحيوان او مفهوم الانسان ثم وضعه طبيعى اللفظ الخاص لذلك المعنى المتصور. وعلى هذا يكون عمومية الوضع وكليته من قبيل الكلية الاحكام التكليفية باعتبار كلية متعلقة فكلية الارادة والحكم باعتبار كلية متعلقة لانحلالها حسب تعدد افراد المتعلق الى ارادات واحكام جزئية كلا تغتب ولا تكذب وامثالهما واما نفس هذا الحكم والارادة المتعلقة بهذا العنوان لا يكون إلّا شخصية وممتنعة الصدق على كثيرين كذلك عمومية الوضع باعتبار كلية متعلقة فانه يتصور مفهوم كلى كمفهوم الانسان وكذا يتصور طبيعة اللفظ فى الذهن فلا يحتاج فى مقام الوضع الى توسيط آلة لا للمعنى ولا للفظ فكون عمومية الوضع من جهة عمومية آلة الملاحظة وخصوصيتها من جهة خصوصية آلة

١١٦

فى الوجود عاريا عن صور الخصوصيات المفردة كمفهوم الحيوان او غيره مثلا ووضع اللفظ له ـ واخرى بنحو آخر (١) من تصور معنى ملاصق مع صور

______________________________________________________

الملاحظة وكذا طبيعة اللفظ يحتاج الى آلة الملاحظة كما قيل كل ذلك باطل فلا يحتاج اليه اصلا بل يتصف الوضع والموضوع له بالكلية والعمومية من دون آلة اصلا كما عرفت هذا كله على ما عليه المشهور من القدماء من وضع اسماء الاجناس للطبيعة المطلقة فيصح تصور المعنى مستقلا بلا توسيط آلة ملاحظة فى البين لكن هذا القول مرمى بالضعف والمختار عند المحققين ان الموضوع له فيها هى الماهية المهملة المقسم للماهيات كما ذكرنا مفصلا فى باب المطلق والمقيد ويفهم الاطلاق والتقييد من باب تعدد الدال والمدلول كما لا يخفى ـ وعليه يحتاج الى توسيط آلة الملاحظة لما انه لا يمكن لحاظ الماهية المهملة مستقلا فى الذهن معراة عن خصوصية الاطلاق والتقييد لان كل ما يتصوره الانسان لا يخلو من كونه اما طبيعة مقيدة واما طبيعة مطلقة وعارية عن القيد والخصوصية ولا صورة ثالثة فى الذهن بين الواجد للقيد وفاقده بحيث كان له وجود مستقل فى الذهن قبالا للواجد والفاقد نسميها بالماهية المهملة فحينئذ فى مقام الوضع لهذا الجامع بين الطبيعة الواجدة للقيد والفاقدة لا بد من توسيط آلة الملاحظة فى البين مشيرا الى ذلك الجامع بين الواجد للقيد والفاقد الذى لا يكون له وجود فى الذهن الا فى ضمن الواحد او الفاقد كما هو واضح ولكن جهة عمومية آلة الملاحظة لا ترتبط بعمومية الوضع وخصوصيته فانه باعتبار عمومية الحكم باعتبار متعلق كما مر.

(١) النحو الثانى من الوضع عام والموضوع له عام واصلة من هداية المسترشدين ، ص ٢٨ ، ثانيها ان يتصور مفهوما عاما قابل الصدق على كثيرين ويضع اللفظ بازائه فيكون كل من الوضع والموضوع له عاما ـ الى ان قال ـ ص ٣٠ بان المعانى الكلية المأخوذة فى وضع الالفاظ المفروضة انما اخذت على وجه لا يمكن ارادتها من اللفظ الا حال وجودها فى ضمن الجزئيات من غير ان يكون شيء من تلك الجزئيات مما وضع اللفظ له انتهى فراجع عبارته المفصلة والمحقق الماتن قدس‌سره قام فى بيان هذا القسم من الوضع العام والموضوع له عام بان يتصور معنا عاما وهو الجامع بين الامور المختلفة ويشار به الى الجهة المشتركة والجامع المتحد مع الافراد المتصورة فى الذهن التى بها تمتاز افراد كل نوع عن افراد نوع آخر بنحو لا يكاد تحققه فى الذهن الا مع الخصوصية وبالوجود الضمنى لا المستقل فيجعل اللفظ بازاء تلك الجهة المشتركة بما هى مشتركة وموجودة فى الذهن بعين وجود الفرد والخصوصية فالموضوع له هو منشأ انتزاع هذا المفهوم العام المنتزع عن الافراد المتصورة فى

١١٧

الخصوصيات الفردية بحيث كان لازمه عدم مجيئة فى الذهن الا فى ضمن صور اشخاص الفرد فيضع اللفظ لتلك الجهة الضمنية المحفوظة فى ضمن صور الافراد بلا دخول خصوصياتها تحت اللفظ ولئن شئت توضيح المرام بازيد من ذلك فاسمع (١) بان الافراد الخارجية من كل ماهية وان لم يكن فى الخارج الا مشتملة على حصة من الطبيعى غير الحصة المشتملة عليها غيره (٢) بداهة تكثر وجود الطبيعى خارجا ولا معنى له إلّا بتخلل العدم بين مراتب وجوده فى الخارج (٣) وإلّا (٤) يلزم وحدة وجود الافراد الخارجية بوحدة عدديه ولم يلتزم به ذو مسكة. ولذا قيل بان الطبيعى مع الافراد كنسبة الآباء (٥)

______________________________________________________

الذهن لا المفهوم المنتزع عن ذلك وقد عبر عنه قدس‌سره بالحيثية السنخية بين الافراد وسيأتى توضيح ذلك إن شاء الله تعالى.

(١) وتوضيحه ان اتصاف الطبيعى بالوجود ليس بنحو الوحدة العددية بل بالسنخية اذ ذلك ينافى كون الطبيعى كليا صادقا على كثيرين لان الواحد العددى لا يثنّى ولا يتكرر والواحد الحقيقى البسيط ايضا هو الواجب تعالى بل الطبيعى جامع ماهوى منتزع عن حصص موجودة فى الخارج فى ضمن الافراد حاصلة من تخصص تلك الافراد بالخصوصيات منفصلة كل واحدة عن الاخرى بفصول عدمية وقيود تشخصه ماهوية فالحصة الجامعة من تلك الحصص اى المفهوم المنتزع عنها الذى هو موطنه الذهن لا بما هو فى الذهن بل بتخليته عن التشخص الذهنى كالخارجى فى عين تخليته بذلك هو الكلى الطبيعى من غير ان يكون لوصف الكلية ومفهومها دخل فيه وإلّا فهو كلى منطقى عارض على الطبيعى فيتعقل ان ينتزع هذا النحو من الوجود عن الوجودات الخارجية بتعريتها عن التشخصات الخارجية والذهنية.

(٢) فحصة الكلى من الانسان الموجود فى ضمن زيد غير الحصة من الكلى الموجود فى ضمن عمرو وهكذا والضمير فى غيره يرجع الى الفرد.

(٣) وملخصه ان الكلى غير موجود فى الخارج الا بوجود افراده وكل فرد حصة من الكلى غير الفرد الآخر الذى حصة منه ويتخلل العدم بينهما فيكون كل منها وجوده الطبيعى غير الآخر بعدد الافراد فوجود ثم وجود وهكذا لا انه وجود واحد عددى متحقق فى ضمن الافراد المتغايرة.

(٤) اى وان لم يتخلل انعدم بينها.

(٥) فبما ان الطبيعى معقول ثانوى متصف بالوجود ثانيا وبالعرض بعد اتصاف الافراد

١١٨

ولكن مع ذلك (١)

______________________________________________________

به اوّلا وبالذات وهذا معنى وجوده بوجود افراده فيكون الطبيعى بالنسبة الى افراده كنسبة الآباء الى الابناء لا اب واحد الى ابناء متعددة بيان ذلك ان حصة من الكلى تكون نسبتها الى الفرد الذى تنزع منه نسبة الاب الواحد الى الولد الواحد فالوجود الشخصى انما يكون فرد للطبيعى باعتبار احتوائه على حصة من الطبيعى فيكون صدق الطبيعى على احد افراده فى عرض صدقه على سائرها لان المصحح للصدق فى جميعها واحد وهو كون الوجود محتويا على مطابق ذلك الطبيعى المنتزع منه وهذا هو المراد من ان نسبة الطبيعى الى كل فرد نسبة الاب الواحد الى الولد الواحد كما يصدق العالم على زيد وعمرو وبكر وكل من تلبس بالعلم فى عرض واحد باعتبار مصحح واحد وهو التلبس بمبدإ ذلك العنوان المشتق فالطبيعى واحد فى حد ذاته وله حصص متعددة باعتبار اضافته الى الخصوصيات المفرقة الممتزجة معه فى الوجودات الشخصية وكل واحد من الافراد يغاير الفرد الآخر كما هو واضح.

(١) هذا كله كان فى بيان وجود الكلى الطبيعى ثم قام فى بيان وجود آخر يسمى بالوجود السعى ووجود الحصص للطبيعة واليك تفصيلها بعد مقدمة وهو ان للعقل تعرية نفس الوجودات الخارجية عن تشخصاتها فى عالم الخارج لا فى الذهن كى يصير طبيعيا فاذا نظر اليها ولاحظها بما هى فى الخارج لكن مجردة عن لحاظ تلك التشخصات وان شئت قلت لاحظ الوجود فيها معرى عن القيود العدمية والجهات الماهوية وجدها وجودا واحدا ممتدا وسيعا بحيث كلما قلت القيود العدمية فى تلك الوجودات بتعريتها عنها زاد ذلك الوجود سعة وامتدادا بمعنى ان هذه القيود المكتنفة بذاك الوجود السعى الممتد بمنزلة ستر وحجاب على وجهه فكلما ازداد كشف الستر عن وجهه بتعرية القيود وعدم لحاظها كثر انكشافه لا نقول بان الوجود السعى يتحقق بسبب عدم اللحاظ والتعرية كى يقال ان ذلك عين الطبيعى الذى عرفت ان موطنه الذهن لا بما هو فى الذهن وليس فى الخارج غيره شيء يسمى بالوجود السعى بل نقول ينكشف بذلك تحققه وتبين ثبوته فعدم اللحاظ والتعرية دليل كاشف عن ذلك فتعرية القيود والتشخصات عن افراد الانسان ينكشف بها الوجود السعى الممتد بذلك المقدار وعن افراد الحيوان ينكشف بها ما هو اوسع واكثر امتدادا وهكذا عن النامى ثم الجسم ثم الجوهر وبهذا الاعتبار صح ان يقال بان تحقق الوجود السعى يحصل بتحقق كل من الافراد ـ ومما يشهد على تحقق الوجود السعى فى الخارج صحة ترتيب آثار نفس الوجود بما هو وجود لا بما هو معروض لقيد ومكتنف بتشخص على الوجودات الخارجية مثلا القطرة والبحار المتصلة الوسيعة كلاهما ماء يترتب عليه آثار المائية والذرة والمعادن الوسيعة كلاهما

١١٩

لا شبهة فى ان جهة وجود الطبيعى بما هو وجود السعى (١) محفوظة فى هذه الحصص (٢) والمراتب (٣) وهى (٤) الواحدة بالوحدة الذاتية المنتزع عنه (٥) جنسه وفصله (٦) ويترتب عليه الآثار المشتركة بل هو المنشا (٧) لانتزاع مفهوم واحد عن الافراد (٨) كيف ويستحيل (٩) انتزاعه من المتكثرات بما هى متكثرات

______________________________________________________

ملح وهكذا فصدق الوجود على جميع مراتبه سعة وضيقا على نحو سواء وترتب آثار نفس الوجود عليه كذلك مع ما لها من الاختلاف فى القيود والمكتنفات اقوى شاهد على ما ذكرنا فالوجود السعى متقدم فى الرتبة على الافراد والتشخصات لانه معروض للتشخصات ومكتنف بها نحو عروض الستر على المستور والحجاب على المحجوب واكتنافهما بهما واما الطبيعى فهو متاخر عنها كذلك لانه منتزع عنها وان شئت قلت ان تعرية الوجود عن التشخصات والمكتنفات تكون تارة فى الذهن فيسمى بالطبيعى ويكون متأخرا عن الوجودات العينية واخرى فى الخارج فيسمى بالوجود السعى ويكون حقيقة متأصلة متحققة فى العين متقدمة على التشخصات بالنظر العقلى متحدة معها بالنظر البدوى فبعد ما عرفت ذلك كله سيأتى الكلام فى بيان القسمين فانتظر.

(١) وهى الجهة المتحدة السارية فى جميع الافراد والمنتشر بين الافراد والملاصقة مع الخصوصيات.

(٢) اى الحصص المتكثرة الوجود فى الخارج.

(٣) اى المشككة.

(٤) وهى الجهة المتحدة والوجود السعى المتصفة بالوحدة الذاتية لا الوحدة العددية فمفهوم الانسان يوجد فى الخارج بنعت الكثرة وتنطبق على آلاف من المصاديق كل واحد منها جائز حقيقة تلك الماهية بتمام ذاتها نعم العقل بعد التجريد وحذف المميزات ينتزع عن مرتبة خاصة من الوجود المتحقق فى ضمن الوجودات الشخصية هذا العنوان وهو واحد بالوحدة الذاتية النوعية فلا تنافى الكثرة العددية فى وعاء الخارج.

(٥) اى الوجود السعى.

(٦) من الحيوانية والناطقية والصامتية ونحوها.

(٧) فيقال انسان او حيوان.

(٨) بانتزاع مفهوم واحد من المصاديق المتعددة يكشف عن تلك الجهة المتحدة اوّلا.

(٩) ثانيا يقول قدس‌سره يستحيل انتزاع مفهوم واحد عن المتكثرات لامتناع تأثير علتين مستقلتين فى معلول واحد إلّا ان يكون بينهما سنخية فيؤثر كل واحد فى ذلك المعلول

١٢٠