الوصائل إلى الرسائل - ج ٥

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-05-8
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

خصوصا مع كون مقتضى الاحتياط في شبهة التحريم الترك ، وهو غير موجب للعسر.

وحينئذ : فلا يثبت المدّعى من حجّية الظنّ وكونه دليلا بحيث يرجع في موارد عدمه إلى الأصل ، بل يثبت عدم وجوب الاحتياط في المظنونات.

والحاصل : انّ العمل بالظنّ من باب الاحتياط لا يخرج المشكوكات عن حكم الاحتياط الكليّ الثابت بمقتضى العلم الاجماليّ في الوقائع.

نعم ، لو ثبت بحكم العقل أنّ الظنّ عند انسداد باب العلم مرجّح

______________________________________________________

للاحتياط (خصوصا مع كون مقتضى الاحتياط في شبهة التحريم : الترك و) الترك (هو غير موجب للعسر) لانّ الترك ليس عملا حتى يوجب العسر.

(وحينئذ) أي : حين لزم العمل بالاحتياط في المشكوكات ، لقلتها ، ولما ذكرناه من قولنا : مع انّ الفرق الى آخره (فلا يثبت المدّعى من حجّية الظنّ) مطلقا وإنّما ثبت لزوم الاحتياط (وكونه دليلا) أي : لم يثبت كون الظنّ دليلا (بحيث يرجع في موارد عدمه) أي : عدم الظنّ (الى الأصل ، بل يثبت عدم وجوب الاحتياط في المظنونات) فقط ، وأما غير المظنونات فاللازم العمل فيها بالاحتياط.

(والحاصل انّ العمل بالظّن من باب الاحتياط ، لا يخرج المشكوكات عن حكم الاحتياط الكلي الثابت بمقتضى العلم الاجمالي في الوقائع) من أول الفقه الى آخر الفقه ، والاحتياط الكلي في مقابل الاحتياط الجزئي في المكلّف به في المسائل الفرعية خاصة.

(نعم) استثناء من قوله. «والحاصل» ، أي : ان اللازم العمل بالاحتياط في المشكوكات ، إلّا (لو ثبت بحكم العقل : إنّ الظّنّ عند انسداد باب العلم مرجّح

٣٠١

في الأحكام الشرعيّة نفيا وإثباتا ، كالعلم ، انقلب التكليف إلى الظنّ ، وحكمنا بأنّ الشارع لا يريد إلّا الامتثال الظنّي وحيث لا ظنّ كما في المشكوكات ، فالمرجع إلى الاصول الموجودة في خصوصيّات المقام ، فيكون كما لو انفتح باب العلم أو الظنّ الخاصّ ، فيصير لزوم العسر حكمة في عدم ملاحظة الشارع العلم الاجماليّ في الامتثال بعد تعذّر التفصيليّ ، لا علّة حتّى يدور الحكم مدارها.

ولكنّ الانصاف : أنّ المقدّمات المذكورة لا تنتج هذه النتيجة ،

______________________________________________________

في الاحكام الشّرعية نفيا وإثباتا ، كالعلم) كما قال بعض : بأنّ اللازم أوّلا : العلم ، ثمّ الظّنّ.

فاذا ثبت ذلك (انقلب التكليف) الفعلي عند تعذر العلم (الى الظنّ ، وحكمنا) عطف على قوله : «انقلب» (بأنّ الشّارع لا يريد إلّا الامتثال الظنّي ، وحيث لا ظنّ كما في المشكوكات ، فالمرجع الى الاصول الموجودة في خصوصيات المقام) من البراءة ، والاستصحاب ، والاحتياط ، والتخيير ، كل في مورده (فيكون) الظنّ الانسدادي (كما لو انفتح باب العلم ، أو الظنّ الخاص) حجّة للإثبات والنفي.

وعليه : (فيصير لزوم العسر ، حكمة في عدم ملاحظة الشارع العلم الاجماليّ في الامتثال بعد تعذّر التفصيلي) فلا يلزم الاحتياط في المشكوكات وان كانت طرف العلم الاجمالي (لا علّة حتى يدور الحكم مدارها) فانّ الشارع لا يريد العمل بالعلم الاجمالي ، وإنّما يريد العمل بالظنّ الانسدادي سواء كان في العمل بالعلم الاجمالي في المشكوكات عسر أم لا.

هذا (ولكن الانصاف : انّ المقدّمات المذكورة لا تنتج هذه النتيجة) من : انّ

٣٠٢

كما يظهر لمن راجعها ، وتأمّلها.

نعم ، لو ثبت أنّ الاحتياط في المشكوكات يوجب العسر ثبتت النتيجة المذكورة ، لكن عرفت فساد دعواه في الغاية ، كدعوى ان العلم الاجمالي المقتضي للاحتياط الكلّيّ إنّما هو في موارد الأمارات دون المشكوكات ، فلا مقتضي فيها للعدول عمّا يقتضيه الاصول الخاصّة في مواردها ، فانّ هذه الدعوى ، يكذّبها ثبوت العلم الاجماليّ بالتكليف الالزامي قبل استقصاء الأمارات ، بل قبل الاطّلاع عليها ،

______________________________________________________

الظنّ الانسدادي حجّة وإن لم يكن عسر في العمل بالمشكوكات (كما يظهر لمن راجعها وتأمّلها) بل يدور حجيّة الظنّ مدار العسر وجودا وعدما ، فحيث لا عسر في العمل بالمشكوكات لزم العمل بها ، وإذا لزم منه عسر سقط العسر.

(نعم ، لو ثبت إنّ الاحتياط في المشكوكات يوجب العسر ، ثبتت النتيجة المذكورة) أي : عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات ، لأن الاحتياط يوجب العسر ، والعسر مرفوع فلا احتياط فيها.

(لكن عرفت : فساد دعواه) أي دعوى هذا الثبوت (في الغاية) إذ ليس الاحتياط في كل مشكوك موجبا للعسر بالبديهة.

(كدعوى : إن العلم الاجمالي المقتضي للاحتياط الكلّي ، إنّما هو في موارد الأمارات دون المشكوكات) فان هذه الدعوى فاسدة أيضا.

وعليه : (فلا مقتضي فيها) أي في المشكوكات (للعدول عمّا يقتضيه الاصول الخاصة في مواردها) الى الظنّ الانسدادي (فانّ هذه الدّعوى يكذّبها ثبوت العلم الاجمالي بالتكليف الالزامي قبل استقصاء الأمارات) في المشكوكات أيضا (بل قبل الاطّلاع عليها) أي : على الأمارات ، فكيف يكون العلم الاجمالي خاصا

٣٠٣

وقد مرّ تضعيفه سابقا ، فتأمّل فيه ، فانّ إدّعاء ذلك ليس كلّ البعيد.

ثمّ إنّ نظير هذا الاشكال الوارد في المشكوكات من حيث الرّجوع فيها بعد العمل بالظنّ إلى الاصول العمليّة وارد فيها ، من حيث الرجوع فيها بعد العمل بالظنّ الى الاصول اللفظيّة الجارية في ظواهر الكتاب والسنّة المتواترة والأخبار المتيقن كونها ظنونا خاصة.

______________________________________________________

بموارد الأمارات ، مع انّ المكلّف لم يطّلع على تلك الأمارات ، والحال انّ العلم لا يعقل قبل الاطلاع؟.

هذا (وقد مرّ تضعيفه سابقا ، فتأمّل فيه ، فانّ إدّعاء ذلك) أي : ادعاء إن العلم الاجمالي المقتضي للاحتياط الكلي إنّما هو في مورد الأمارات (ليس كلّ البعيد) بل هو قريب.

(ثم إنّ نظير هذا الاشكال الوارد في المشكوكات ، من حيث الرّجوع فيها) أي : في تلك المشكوكات (بعد العمل بالظنّ) «بالظّنّ» ، متعلق بقوله : «العمل» (الى الاصول العمليّة) «الى» : متعلق بقوله : «الرجوع» (وارد فيها) أي : في المشكوكات (من حيث الرّجوع فيها بعد العمل بالظّن الى الأصول اللفظيّة الجارية في ظواهر الكتاب والسّنة المتواترة) كأصل العموم ، وأصل الاطلاق ، وأصل الحقيقة وما أشبه ذلك (والأخبار المتيقّن كونها) أي : كون تلك الأخبار (ظنونا خاصة) وهي حجّة بالأدلة الخاصة لا بدليل الانسداد.

وعليه : فالأصول اللفظية كالأصول العملية كلاهما يرد عليهما الاشكال ، فانّ معنى حجّية الظّنّ : هو جواز الرّجوع في موارد فقده الى الاصول اللّفظية إن وجدت ، وإلّا فإلى الاصول العمليّة.

مثلا : إذا لم يظنّ بأنّ الرّبا بين الزوجين الذين زواجهما بالمتعة حرام ، يرجع

٣٠٤

توضيحه : انّ من مقدّمات دليل الانسداد إثبات عدم جواز العمل بأكثر

______________________________________________________

فيه الى أصالة الحلّ ، وهو أصل لفظي حيث قال عليه‌السلام : «كل شيء لك حلال» (١) ، فإطلاقه يشمل المقام إن كانت أصالة الحلّ جارية في المقام ، وإن لم تكن المسألة مجرى أصل الحلّ ، رجعنا فيها الى أصل البراءة عن الحرمة ، وكما إنّ الاشكال المتقدّم وارد على الأصل العملي ، كذلك يرد نفس هذا الاشكال على أصل الحلّ الذي هو ظاهر الرواية المتقدّمة.

والاشكال هو : انّه لا يجوز التمسك بكثير من الظواهر ، لأنّها مخصصة ، أو مقيدة ، أو مجاز ، فالظواهر صارت مجملة ، ولا يمكن التمسك بالاحتياط في تلك الظواهر كلها ، لأن ذلك يوجب العسر والحرج.

إذن : فاللازم التبعيض في الاحتياط ، لا أن نعمل بالظنّ مطلقا بسبب مقدّمات الانسداد ، ذلك لما تقدّم في الاصول العملية : من انّ تبعيض الاحتياط لا يساوي العمل بالظنّ ، حتى يكون الظنّ حجّة بحيث يخصّص بالظنّ العموم ، أو يقيّد بالظّنّ الاطلاق ، أو يكون الظّنّ قرينة المجاز ، ولا يندفع هذا الاشكال إلّا بما ذكرناه سابقا : من انّ نتيجة دليل الانسداد حجّية الظّنّ كالعلم ، ليرتفع الاجمال في الظواهر ، فيكون الظنّ في حال الانسداد كالعلم في حال الانفتاح.

(توضيحه) اي : توضيح هذا الاشكال الوارد على الظواهر ، كما كان واردا على الاصول العمليّة (انّ من مقدمات دليل الانسداد إثبات عدم جواز العمل بأكثر

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٣١٣ ح ٤٠ ، تهذيب الاحكام : ج ٧ ص ٢٢٦ ب ٢١ ح ٩ ، وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٨٩ ب ٤ ح ٢٢٠٥٣ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٣ ب ٣٣ ح ١٢.

٣٠٥

تلك الظواهر ، للعلم الاجماليّ بمخالفة ظواهرها في كثير من الموارد ، فتصير مجملة لا تصلح للاستدلال.

فاذا فرضنا رجوع الأمر إلى ترك الاحتياط في المظنونات أو في المشكوكات أيضا ، وجواز العمل بالظنّ المخالف للاحتياط وبالأصل المخالف للاحتياط ، فما الذي أخرج تلك الظواهر عن الاجمال حتّى يصحّ بها الاستدلال في المشكوكات ، إذ لم يثبت كون الظنّ مرجعا ، كالعلم ، بحيث يكفي في الرجوع إلى الظواهر عدم الظنّ بالمخالفة؟.

______________________________________________________

تلك الظواهر) الواردة في الكتاب والسنة ، وإنما لا يعمل بأكثر تلك الظواهر (للعلم الاجمالي بمخالفة ظواهرها) أي ظواهر الكتاب والسنة (في كثير من الموارد) بسبب التقييد ، أو التخصيص ، أو قرينة المجاز (فتصير) تلك الظواهر كلها (مجملة لا تصلح للاستدلال).

وعليه : فاللازم الرّجوع الى الاحتياط في جميعها.

(فإذا فرضنا رجوع الأمر الى ترك الاحتياط في المظنونات ، أو في المشكوكات أيضا) بناء على لزوم الحرج في الاحتياط فيهما (وجواز العمل بالظنّ المخالف للاحتياط) في المشكوكات (وبالأصل المخالف للاحتياط) أي : الأصل العملي ومعنى ذلك : أن نأخذ بالظّنّ المخالف للاحتياط في الظاهر من الكتاب والسنّة ، فإذا لم يكن ظنّ مخالف للاحتياط عملنا بالأصل المقتضي للبراءة مثلا.

وعليه : (فما الذي أخرج تلك الظّواهر عن الاجمال ، حتى يصحّ بها الاستدلال في المشكوكات إذ لم يثبت كون الظّنّ مرجعا كالعلم ، بحيث يكفي في الرجوع الى الظواهر عدم الظنّ بالمخالفة؟) يعني : إذا فرضنا انّا لا نتمكن من الاحتياط في ظواهر الكتاب والسنة لأنّه يوجب العسر والحرج ، فالظواهر تبقى مجملة ، فكيف

٣٠٦

مثلا إذا أردنا التمسّك ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،) لإثبات صحّة عقد انعقدت أمارة ، كالشهرة أو الاجماع المنقول ، على فسادها. قيل : لا يجوز التمسّك بعمومه ، للعلم الاجماليّ بخروج كثير من العقود عن هذا العموم لا نعلم تفصيلها.

ثمّ إذا ثبت وجوب العمل بالظنّ من جهة عدم إمكان الاحتياط في

______________________________________________________

نعمل بالظنّ في توضيح المجمل ، إذا لم يثبت حجّية الظنّ في حال الانسداد وانّه كالعلم حال الانفتاح؟.

وعليه : فتكون الظواهر اللّفظية التي عرض عليها الاجمال كالاصول العمليّة ، وكما لا يصح إجراء أصل البراءة في المشكوكات في الاصول العمليّة ، كذلك لا يجوز العمل بالظواهر المجملة بسبب الاصول اللّفظية.

(مثلا : إذا أردنا التّمسّك ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) لإثبات صحة عقد انعقدت أمارة كالشهرة ، أو الاجماع المنقول ، على فسادها) وقوله : «أمارة» ، فاعل لقوله : «انعقدت» ، ومثال ذلك : عقد الكالي بالكالي ، حيث انعقدت الشهرة ، أو الاجماع المنقول على فساده ، فاذا أردنا أن نتمسك ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لإثبات صحته (قيل) لنا : (لا يجوز التمسّك بعمومه) أي : عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

وإنّما لا يصح التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لصحة هذا العقد (للعلم الاجماليّ بخروج كثير من العقود عن هذا العموم لا نعلم تفصيلها) أي : تفصيل تلك العقود الخارجة ، وبذلك صار (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) مجملا.

(ثمّ إذا ثبت وجوب العمل بالظنّ من جهة عدم إمكان الاحتياط في

__________________

(١) ـ سورة المائدة : الآية ١.

٣٠٧

بعض الموارد وكون الاحتياط في جميع موارد إمكانه مستلزما للحرج ، فاذا شكّ في صحّة عقد لم يقم على حكمه أمارة ظنيّة ، قيل : إنّ الواجب الرجوع إلى عموم الآية ، ولا يخفى أنّ إجمالها لا يرتفع بمجرّد حكم العقل بعدم وجوب الاحتياط فيما ظنّ فيه بعدم التكليف.

ودفع هذا ـ كالاشكال السابق ـ

______________________________________________________

بعض الموارد) لأنّه يوجب اختلال النظام (وكون الاحتياط في جميع موارد إمكانه مستلزما للحرج) فالاحتياط التام في الظواهر غير ممكن ، والاحتياط الممكن غير واجب لوجود الحرج.

وعليه : (فإذا شك في صحّة عقد لم يقم على حكمه أمارة ظنيّة) لأنّه من المشكوكات ، (قيل) لنا : (إنّ الواجب الرّجوع الى عموم الآية) ، أي : آية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.)

(ولا يخفى : إنّ إجمالها) أي : إجمال الآية حسب ما ذكرناه (لا يرتفع بمجرد حكم العقل بعدم وجوب الاحتياط فيما ظنّ فيه بعدم التّكليف).

هذا ، وقد تقدّم الفرق في العمل بالظّنّ ، بين كونه من باب الحجّية حتى يكون مخصصا ، ومقيدا ، وقرينة مجاز ، وبين كونه من باب الفرار من لزوم العسر والحرج ، فانّه إذا فرض كون العمل بالظّن لأجل الفرار من لزوم العسر الحاصل من العمل بالاحتياط الكلي ، لا لأجل حجّية الظنّ شرعا ، فالعمل بالظنون المخالفة للظواهر بالتخصيص ، أو التقييد ، أو قرينة المجاز ، لأجل دفع العسر ، لا يوجب ارتفاع العلم الاجمالي المذكور حتى يصح التمسك بالظواهر في موارد الشك.

(ودفع هذا) الاشكال في الظواهر اللفظية (كالاشكال السّابق) في الاصول

٣٠٨

منحصر في أن يكون نتيجة دليل الانسداد حجّية الظنّ كالعلم ، ليرتفع الاجمال في الظواهر ، لقيامه في كثير من مواردها من جهة ارتفاع العلم الاجماليّ ، كما لو علم تفصيلا بعض تلك الموارد بحيث لا يبقى علم إجمالا في الباقي ، أو يدّعى أنّ العلم الاجماليّ الحاصل في تلك الظواهر إنّما هو بملاحظة موارد الأمارات ، فلا يقدح في المشكوكات ، سواء ثبت حجّية الظنّ أم لا.

وأنت خبير بأنّ

______________________________________________________

العمليّة (منحصر في أن يكون نتيجة دليل الانسداد : حجّية الظنّ كالعلم) منتهى الفرق : إنّ العلم حجّة في حال الانفتاح ، والظنّ حجّة في حال الانسداد حيث لا علم.

وإنّما يكون الظّنّ حجّة (ليرتفع الاجمال في الظواهر ، لقيامه) أي : الظنّ (في كثير من مواردها) أي : موارد العلم الاجمالي (من جهة ارتفاع العلم الاجمالي) به ، وقوله : «من جهة» ، متعلق بقوله : «ليرتفع».

(كما لو علم تفصيلا بعض تلك الموارد بحيث لا يبقى علم إجمالا في الباقي) فيكون الظنّ في حال الانسداد كالعلم حجّة ، لا انّه من باب وجود العسر في الاحتياط.

(أو يدّعى : انّ العلم الاجمالي الحاصل في تلك الظواهر) من الكتاب والسنة قد حصل بسبب كثرة التخصيصات ، والتقييدات ، والمجازات ، كما قال : (إنّما هو بملاحظة موارد الأمارات) أي : انّ موارد الأمارات حصل فيها العلم الاجمالي (فلا يقدح) هذا العلم الاجمالي (في المشكوكات) التي ليست موارد للامارات (سواء ثبت حجّية الظنّ أم لا).

هذا (وأنت خبير بأنّ) كلا الجوابين : أي قوله : «ودفع هذا كالإشكال السابق

٣٠٩

دعوى النتيجة على الوجه المذكور يكذّبها مقدّمات دليل الانسداد.

ودعوى : «اختصاص المعلوم إجمالا من مخالفة الظواهر بموارد الأمارات» ، مضعّفة بأنّ هذا العلم حاصل من دون ملاحظة الأمارات ومواردها.

وقد تقدّم سابقا انّ المعيار في دخول طائفة من المحتملات في أطراف

______________________________________________________

منحصر ...» وقوله : «أو يدّعى إنّ العلم الاجمالي الحاصل ...» غير تامّين ، لأن (دعوى النتيجة على الوجه المذكور ، يكذّبها مقدّمات دليل الانسداد) فانّ دليل الانسداد ينتج عدم لزوم الاحتياط التام ، لا انّه ينتج كون الظنّ مطلقا حجّة.

هذا هو الاشكال على الجواب الأول من قول المصنّف : «ودفع هذا كالاشكال السابق ...».

ثم أشار المصنّف الى الاشكال على الجواب الثاني من قوله : أو يدّعي العلم الاجمالي بقوله : (ودعوى اختصاص المعلوم إجمالا من مخالفة الظواهر بموارد الأمارات) فقط دون المشكوكات ، فهذه الدعوى (مضعّفة : بأنّ هذا العلم حاصل من دون ملاحظة الأمارات ومواردها) فانّك إذا لم تعلم موارد الأمارات كيف يمكن أن تدعي انّ العلم الاجمالي حاصل في موارد الأمارات فقط؟ فهو مثل أن يقول إنسان : الكتاب في الدار وهو لا يعلم بوجود الدار أصلا.

وعليه : فالعلم الاجمالي بمخالفة الظواهر لو كان مختصا بموارد الأمارات ، لكان اللازم ارتفاع هذا العلم الاجمالي بالعمل بالامارات ، والحال انّه ليس كذلك ، لبقاء العلم الاجمالي مع ملاحظة الظواهر مع المشكوكات أيضا.

هذا (وقد تقدّم سابقا : انّ المعيار في دخول طائفة من المحتملات في أطراف

٣١٠

العلم الاجماليّ لنراعي فيها حكمه وعدم دخوله هو تبديل طائفة من محتملات المعلوم لها دخل في العلم الاجماليّ بهذه الطائفة المشكوك دخولها ، فان حصل العلم الاجمالي كانت من أطراف العلم ، وإلّا فلا.

______________________________________________________

العلم الاجمالي لنراعي فيها) أي : في تلك الطائفة (حكمه) اي : حكم العلم الاجمالي (وعدم دخوله) أي : عدم دخول تلك الطائفة في العلم الاجمالي ، المعيار (هو : تبديل طائفة من محتملات المعلوم ، لها) أي : لتلك الطائفة (دخل في العلم الاجمالي بهذه الطائفة المشكوك دخولها) وقوله : «بهذه» متعلق بقوله : «تبديل» ، أي : تبدل طائفة بطائفة.

(فان حصل العلم الاجمالي ، كانت) الطائفة الثانية (من أطراف العلم) الاجمالي (وإلّا ، فلا) تكون من أطراف العلم الاجمالي.

وفيما نحن فيه لو أبدل جملة من موارد الأمارات بحيث ارتفع العلم الاجمالي عنها بموارد المشكوكات ، لبقي العلم الاجمالي أيضا.

مثلا : إذا علمنا بأن عشرة شياة موطوءة ضاعت في قطيع فيه مائة شاة ، بعضها أبيض ، وبعضها أصفر ، وبعضها أسود ، وعلمنا بأنّ الشياة العشرة ليست في الأسود ، فاذا أخذنا من الأبيض والأحمر عشرة ، وجعلنا مكانها عشرة من الأسود ، لم يبق العلم الاجمالي ، لاحتمال انّ المحرّمات كانت في الأبيض والأصفر فقط ، وقد أخذناها بحسب الاحتمال ، فهذا دليل على انّ الأسود ليس من أطراف العلم الاجمالي.

أمّا لو لم نعلم بأنّ العشرة في أي من الشياة المائة ، فاذا أخذنا عشرة من الأبيض والأصفر وجعلنا مكانها الأسود ، بقي العلم الاجمالي على حاله فيتبين من ذلك إنّ الأسود أيضا من أطراف العلم الاجمالي.

٣١١

وقد يدفع الاشكالان بدعوى قيام الاجماع بل الضرورة على أنّ المرجع في المشكوكات إلى العمل بالاصول اللفظيّة إن كانت ، وإلّا فإلى الاصول العمليّة.

وفيه : أنّ هذا الاجماع مع ملاحظة الاصول في أنفسها ، وأمّا مع طروّ العلم الاجماليّ بمخالفتها في كثير من الموارد غاية الكثرة ، فالإجماع ، على سقوط العمل بالاصول مطلقا ، لا على ثبوته.

______________________________________________________

(وقد يدفع الاشكالان) وهما : إشكال الرّجوع في المشكوكات الى الاصول العمليّة ، وإشكال الرّجوع في المشكوكات الى الظواهر (بدعوى قيام الاجماع ، بل الضّرورة) من الدّين (على انّ المرجع في المشكوكات الى العمل بالاصول اللّفظية إن كانت) أصول لفظية هي المقام كالعموم ، والاطلاق ، وما أشبه ، (وإلّا ، فإلى الاصول العمليّة) من البراءة ، والاستصحاب ، والتخيير ، والاحتياط ان لم يكن هناك أصل لفظي.

(وفيه : إنّ هذا الاجماع مع ملاحظة الاصول في أنفسها) أي : إنّه إذا كان هناك أصل ولم يكن معارضا بالعلم الاجمالي ، فما ذكرتم : من المراجعة الى الاصول اللّفظية أولا ، ثم الى الاصول العمليّة ثانيا هو الصحيح.

(وأمّا مع طروّ العلم الاجمالي بمخالفتها) أي : بمخالفة الاصول اللّفظية والاصول العمليّة (في كثير من الموارد غاية الكثرة) فانّا نعلم علما إجماليا بأنّ الاصول اللّفظيّة والاصول العمليّة قد خولفت في كثير من الموارد ، تلك الموارد في غاية الكثرة (فالإجماع على سقوط العمل بالاصول مطلقا) أصلا عمليا كان أو أصلا لفظيا (لا على ثبوته) الضمير عائد الى العمل بالاصول.

٣١٢

ثمّ إنّ هذا العلم الاجماليّ وإن كان حاصلا لكلّ أحد قبل تمييز الأدلّة عن غيرها ، إلّا أنّ من تعيّنت له الأدلّة و

قام الدّليل القطعيّ عنده على بعض الظنون عمل بمؤدّاها وصار المعلوم بالاجمال عنده معلوما بالتفصيل.

كما إذا نصب أمارة طريقا لتعيين المحرّمات في القطيع الذي علم بحرمة كثير من شياتها ، فانّه يعلم بمقتضى الأمارة ، ثمّ يرجع في مورد فقدها إلى أصالة الحلّ ، لأنّ المعلوم إجمالا صار معلوما بالتفصيل ،

______________________________________________________

(ثمّ إنّ هذا العلم الاجمالي) بمخالفة الاصول في كثير من الموارد (وان كان حاصلا لكل أحد قبل تمييز الأدلة عن غيرها) فان العلم الاجمالي حاصل قبل أن يميز المكلّف الأدلة ، فاذا تميزت الأدلة وكانت بالقدر الكافي لمعظم الفقه ، سقط العلم الاجمالي.

(إلّا انّ من تعيّنت له الأدلّة) على موارد الحكم الذي كلّف بذلك الحكم (وقام الدّليل القطعيّ عنده على بعض الظّنون) بأن كانت الظنون حجّة عنده بالقدر الكافي بالأحكام (عمل بمؤداها) أي : بمؤدّى تلك الظنون (وصار المعلوم بالاجمال عنده معلوما بالتفصيل) إذا كان البعض المعين بسبب الأدلة بقدر المعلوم بالاجمال ، فان الزائد على ذلك يكون مجرى لأصل البراءة.

(كما إذا نصب أمارة طريقا لتعيين المحرّمات في القطيع ، الّذي علم بحرمة كثير من شياتها) بأن قال الخبر وهو أمارة : إنّ طريق تعيين الشياه المحرمة :

القرعة ، فان الأمارة لمّا عينت القرعة (فانّه يعمل بمقتضى الأمارة) أي : الأمارة المعيّنة ـ بالكسر ـ.

(ثم يرجع في مورد فقدها) أي : فقد تلك الأمارة (الى أصالة الحلّ ، لأنّ المعلوم إجمالا صار معلوما بالتفصيل) علما وجدانيا ، أو علما تنزيليا

٣١٣

والحرام الزائد عليه غير معلوم التحقّق في أوّل الأمر.

وأمّا من لم يقم عنده الدليل على أمارة ، إلّا أنّه ثبت له عدم وجوب الاحتياط والعمل بالأمارات ، لا من حيث أنّها أدلّة ، بل من حيث أنّها مخالفة للاحتياط وترك الاحتياط فيها موجب لاندفاع العسر ، فلا دافع لذلك العلم الاجماليّ لهذا الشخص بالنسبة الى المشكوكات.

______________________________________________________

(والحرام الزائد عليه) أي : على ذلك المعلوم بالتفصيل (غير معلوم التّحقق في أوّل الأمر) فالشك بدوي بالنسبة الى الزائد.

مثلا : إذا كان له علم إجمالي بحرمة مائة شاة من مجموع قطيع فيه مائة وخمسون شاة ، والقرعة عيّنت المائة ، فانّ الزائد على تلك المائة يكون مجرى لأصالة الحلّ ، لأنّه لم يعلم من أوّل الأمر حرمة أكثر من مائة.

(وأمّا من لم يقم عنده الدّليل على) حجّية (أمارة) كمن لم يقم عنده الخبر الواحد على حجّية القرعة لتعيين الشياة المحرمة (إلّا انّه ثبت له عدم وجوب الاحتياط) لأنّه متعذّر ، أو متعسّر (و) ثبت له (العمل بالأمارات لا من حيث إنّها أدلّة ، بل من حيث انّها مخالفة للاحتياط) فترك الاحتياط ليدفع العسر.

(و) إنّما يعمل بالأمارة المخالفة للاحتياط ، لأن (ترك الاحتياط فيها) أي : في مورد تلك الأمارات (موجب لاندفاع العسر) فانّه إذا عمل بكل موارد العلم الاجمالي لزم العسر ، أمّا إذا عمل بالعلم الاجمالي في غير مورد الأمارة الدالّة على عدم العمل بالاحتياط ، اندفع العسر.

وعليه : (فلا دافع لذلك العلم الاجمالي) المقتضي للاحتياط (لهذا الشخص بالنسبة الى المشكوكات) فانّه يلزم عليه أن يعمل في المشكوكات بالاحتياط ، وهذا ما أشرنا اليه سابقا : من انّ الاقسام خمسة ، وإنّ المشكوكات يكون موردا للاحتياط.

٣١٤

فعلم ممّا ذكرنا أنّ مقدّمات دليل الانسداد على تقرير الحكومة وإن كانت تامة في الانتاج إلّا انّ نتيجتها لا تفي بالمقصود من حجّية الظنّ وجعله كالعلم أو كالظنّ الخاصّ.

وأمّا على تقرير الكشف فالمستنتج منها وإن كان عين المقصود إلّا أنّ الاشكال والنظر بل المنع في استنتاج تلك النتيجة.

______________________________________________________

(فعلم ممّا ذكرنا : انّ مقدّمات دليل الانسداد على تقرير الحكومة وإن كانت تامة) من جهة كونها تفيد كليّة النتيجة من جهة الأسباب ، فانّ الظّنّ عند الانسداد من أيّ سبب حصل كان حجّة ، كما إنّ العلم حال الانفتاح من أيّ سبب حصل كان حجّة.

إذن : فمقدمات الانسداد على تقرير الحكومة تامة (في الانتاج ، إلّا انّ نتيجتها لا تفي بالمقصود من حجّية الظّنّ وجعله كالعلم ، أو كالظّنّ الخاص) في كونه مخصصا ، أو مقيدا ، أو مفسّرا للمجمل ، وذلك لأنّ العقل ـ بعد إبطال الاحتياط الكلي بسبب لزوم العسر ـ يحكم بالعمل بالظنّ الاطمئناني ، أو بالظنّ مطلقا في نفي التكليف.

لكن حكمه هذا إنّما هو لرفع العسر ، لا لأنه حجّة يرجع اليه في تعيين المعلوم بالاجمال ، كما يرجع الى العلم في تعيين المعلوم بالاجمال ، أو يرجع الى الظنّ الخاص كالخبر ـ الذي هو حجّة ـ في تعيين المعلوم بالاجمال ، فيكون مخصصا ، ومقيدا ، ومفسرا للمجمل.

(وأمّا على تقرير الكشف ، فالمستنتج منها) أي : من مقدمات الانسداد (وإن كان عين المقصود) وهو حجّية الظّنّ (إلّا انّ الاشكال والنّظر ، بل المنع في استنتاج تلك النتيجة) فانّ الكشف لا يسبب النتيجة المطلقة ، بل تكون النتيجة

٣١٥

فإن كنت تقدر على إثبات حجّية قسم من الخبر لا يلزم من الاقتصار عليه محذور ، كان أحسن وإلّا فلا تتعدّ على تقرير الكشف ما ذكرنا من المسلك في آخره ، وعلى تقرير الحكومة ما بينّا هنا أيضا من الاقتصار في مقابل الاحتياط على الظنّ الاطمئنانيّ بالحكم أو بطريقيّة أمارة دلّت على الحكم وإن لم تفد اطمئنانا ، بل ولا ظنّا ، بناء على ما عرفت من مسلكنا المتقدّم من عدم الفرق بين الظنّ بالحكم والظنّ بالطريق.

وأمّا في ما لا يمكن الاحتياط

______________________________________________________

على الكشف مهملة ، وعلى الحكومة ليست مهملة ، لأنّها لا تجعل الظنّ حجّة ، بل تبعض في الاحتياط.

وعلى أي حال : (فان كنت تقدر على إثبات حجّية قسم من الخبر ، لا يلزم من الاقتصار عليه محذور) كمحذور عدم الوفاء بمعظم الفقه (كان أحسن ، وإلّا فلا تتعدّ على تقرير الكشف ما ذكرنا : من المسلك في آخره) أي : آخر بحث الكشف ، وهو : الأخذ بالمتيقن ، فالمتيقن.

(وعلى تقرير الحكومة ما بيّنا هنا أيضا : من الاقتصار في مقابل الاحتياط على الظّنّ الاطمئناني بالحكم ، أو بطريقية أمارة دلّت على الحكم) أي : لا فرق في حجّية الظّنّ حينئذ بين الظّن بالحكم ، أو الظن بالطريق (وان لم تفد) أي : طريقية أمارة دلّت على الحكم (اطمئنانا ، بل ولا ظنّا) بالحكم ، وذلك (بناء على ما عرفت : من مسلكنا المتقدّم : من عدم الفرق بين الظّنّ بالحكم ، والظّنّ بالطريق).

وقوله : «بناء» ، بيان لما ذكره بقوله : «الظّنّ الاطمئناني بالحكم ، أو بطريقية أمارة دلّت على الحكم».

(وأمّا فيما لا يمكن الاحتياط) في أطراف العلم الاجمالي من جهة العسر

٣١٦

فالمتّبع فيه ـ بناء على ما تقدّم في المقدّمات من سقوط الاصول عن الاعتبار ، للعلم الاجمالي بمخالفة الواقع فيها ـ هو مطلق الظنّ وإلّا فالتخيير.

وحاصل الأمر عدم رفع اليد عن الاحتياط في الدّين مهما أمكن إلّا مع الاطمئنان بخلافه.

وعليك بمراجعة ما قدّمنا من الأمارات على حجّية الاخبار ، عساك تظفر فيها بأمارات توجب الاطمئنان بوجوب العمل بخبر الثقة عرفا إذا أفاد الظنّ وإن لم

______________________________________________________

(فالمتّبع فيه) أي : فيما لا يمكن الاحتياط (بناء على ما تقدّم في المقدمات : من سقوط الاصول عن الاعتبار) وذلك السقوط إنّما هو (للعلم الاجمالي بمخالفة الواقع فيها) أي : في تلك الاصول ، فيكون المرجع فيه (هو مطلق الظنّ) وقوله : «هو» خبر قوله : «فالمتّبع».

(وإلّا) بأن لم يكن ظنّ ، بل شك في المسألة (فالتخيير) بين الأطراف.

(وحاصل الأمر : عدم رفع اليد عن الاحتياط في الدّين مهما أمكن ، إلّا مع الاطمئنان بخلافه) أي : بالاطمئنان بأنّه لا يلزم الاحتياط.

(وعليك بمراجعة ما قدّمنا من الأمارات على حجّية الأخبار) في باب حجّية خبر الواحد من الكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والعقل ، وغيرها (عساك) ولعلك (تظفر فيها) أي : في تلك الأمارات (بأمارات توجب الاطمئنان بوجوب العمل بخبر الثقة عرفا).

وقوله : «عرفا» ، متعلق بقول : «الاطمئنان» ، أي : أمارات توجب الاطمئنان العرفي بوجوب العمل بخبر الثقة ، وذلك فيما (إذا أفاد) خبر الثقة (الظن وإن لم

٣١٧

يفد الاطمئنان ، بل لعلّك تظفر فيها بخبر مصحّح بعدلين مطابق لعمل المشهور مفيد للاطمئنان ، يدلّ على حجّية المصحّح بواحد عدل ، نظرا إلى حجّية قول الثقة المعدّل في تعديله ، فيصير بمنزلة المعدّل بعدلين حتّى يكون المصحّح بعدل واحد متّبعا ، بناء على دليل الانسداد بكلا تقريريه ، لأنّ المفروض حصول الاطمئنان من الخبر القائم على حجيّة قول الثقة

______________________________________________________

يفد الاطمئنان) والمراد من الظن : النوعي ، لا الشخصي ـ كما ذكرناه هناك ـ.

(بل لعلّك تظفر فيها) أي : في الأمارات (بخبر مصحّح بعدلين ، مطابق لعمل المشهور ، مفيد للاطمئنان) بأن يكون ذلك الخبر جامعا لشرائط الحجّية بهذه الأسباب الثلاثة (يدل على حجّية المصحّح بواحد عدل) أي : انّه إذا صحّح الخبر عادل واحد ، كان ذلك الخبر حجّة ، فهناك خبر مصحّح بعدلين يدلّ على حجّية خبر مصحّح بواحد. وإنّما يكون المعدل بعدلين ، دالا على حجّية المعدل بواحد (نظرا الى حجّية قول الثقة المعدّل في تعديله) وقوله : «في تعديله» ، متعلق بقوله : «حجّية» (فيصير) المعدّل بواحد (بمنزلة المعدّل بعدلين) لأنّ المعدّل بعدلين لما قال : إنّ المعدّل بواحد حجّة ، يكون هذا المعدّل بواحد كالمعدّل بعدلين (حتى يكون المصحّح بعدل واحد متّبعا).

وقوله : «حتى» ، متعلق بقوله : «فيصير» ، فانّه إذا قال زرارة أو محمد بن مسلم ـ مثلا ـ خبر فضيل حجّة ، أصبح خبر فضيل كأنّه معدّل بعدلين ، فان خبر فضيل وإن لم ينقله عدلان ، لكن قال عدلان : خبر فضيل حجّة ، فصار خبر فضيل كأنه معدّل بعدلين ، وذلك (بناء على دليل الانسداد بكلا تقريريه) : الكشف ، والحكومة.

قوله : «بناء» ، متعلق بقوله : «حتى يكون المصحّح بعدل واحد متبعا» (لأنّ المفروض حصول الاطمئنان من الخبر القائم على حجّية قول الثقة

٣١٨

المعدّل المستلزم لحجّية المصحّح بعدل واحد ، بناء على شمول دليل اعتبار خبر الثقة للتعديلات ، فيقضي به تقرير الحكومة ، وكون مثله متيقن الاعتبار من بين الأمارات فيقضي به تقرير الكشف.

______________________________________________________

المعدّل ، المستلزم لحجّية المصحّح بعدل واحد).

والحاصل : إنّ دلالة الخبر المصحّح بعدلين على حجّية المصحّح بعدل واحد ، مبني على دلالة المصحّح بعدلين على حجّية قول العدل في روايته وفي تعديله ، حتى يكون المصحّح بعدل واحد متبعا.

وإنّما قال المصنّف : نظرا ، لأنّ المتيقّن منه : دلالته على حجّية العدل الواقعي ، فيحتاج في تصحيح السند حيث لا يعلم عدالة رجال السند واقعا ، الى تعديل عدلين.

هذا (بناء) وهو قيد لقوله : «المستلزم» ، فان الاستلزام مبني (على شمول دليل اعتبار خبر الثقة للتعديلات) أيضا ، لا خصوص الأحكام ، فانّه ربّما يقال :

انّ خبر الثقة حجّة في الأحكام ، وربّما يقال : انّ خبر الثقة حجّة ، سواء أخبر بتعديل الرواة أو أخبر بالأحكام ، فانّ الاستلزام المذكور في عبارة المصنّف حيث قال : المستلزم لحجّية المصحّح بعدل واحد ، إنّما هو بناء على شمول دليل اعتبار خبر الثقة للتعديلات ايضا.

(فيقضي به تقرير الحكومة) و «تقرير» : فاعل «يقضي» ، أي : يقضي تقرير الحكومة على انّ خبر المعدل بعدل واحد حجّة ، سواء دلّ على الحكم ، أو على حجّية خبر الثقة ، وإنّما يقضي الحكومة بذلك ، لأن الحكومة أفادت حجّية الخبر الاطمئناني ، والخبر المعدل بواحد يوجب الاطمئنان.

(وكون مثله متيقن الاعتبار من بين الأمارات ، فيقضي به تقرير الكشف)

٣١٩

المقام الثالث

في أنّه إذا بني على تعميم الظنّ ، فان كان التعميم على تقرير الكشف ، بأن يكون مقدّمات الانسداد كاشفة عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظنّ في الجملة ثمّ تعميمه بإحدى المعمّمات المتقدّمة ، فلا إشكال من جهة العلم بخروج القياس عن هذا العموم ،

______________________________________________________

«وكون مثله» عطف على مدخول الجار في قوله : «لأن المفروض» ، أي : ولكون مثله متيقّن الاعتبار ... فانّ قول المصنّف : «بكلا تقريريه» ، علّله بعد ذلك بقوله : «لأن المفروض» ، تقريبا للحكومة ، وبقوله : «وكون مثله» ، تقريبا للكشف ، فإنّ الحكومة تحتاج الى الاطمئنان ، وخبر الثقة يوجب الاطمئنان ، والكشف يحتاج الى متيقن الاعتبار ، وخبر الثقة متيقن الاعتبار.

وعليه : فالمصحّح بعدل واحد متّبع ، بناء على دليل الانسداد بكلا تقريريه ، لكن أحد التقريرين من باب الاطمئنان والآخر من باب التيقن ، و «تقرير الكشف» في قول المصنّف فيقضي به تقرير الكشف ، فاعل «يقضي».

(المقام الثالث) في بيان وجه خروج القياس على القول بحجّية الظنّ مطلقا مع انّ القياس يوجب الظنّ ، فاللازم ان يكون في حال الانسداد حجّة.

والكلام (في انّه إذا بني على تعميم الظّنّ) لكل ظنّ (فانّ كان التعميم على تقرير الكشف ، بأن يكون مقدّمات الانسداد كاشفة عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظّن في الجملة) ابتداء ، بأن تكون النتيجة مهملة (ثم تعميمه) أي : الظّنّ (باحدى المعمّمات المتقدّمة) التي ذكرناها (فلا اشكال ، من جهة العلم بخروج القياس عن هذا العموم) أي : عموم الظّنّ.

٣٢٠