الوصائل إلى الرسائل - ج ٥

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-05-8
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

في تلك المسألة.

الثالث : أنّ يتعدّد الظنون في مسألة تعيين المتّبع بعد الانسداد بحيث يقوم كلّ واحد منها على اعتبار طائفة من الأمارات كافية في الفقه.

لكن يكون هذه الظنون القائمة كلّها في مرتبة لا يكون اعتبار بعضها مظنونا.

______________________________________________________

في تلك المسألة) وأن كان من أضعف الظّنون.

فانّه لمّا انسدّ باب العلم بترجيح الخبر ، أو الأولوية ، أو الاجماع المنقول بعضها على بعض ، كان اللازم أن نأخذ بالترجيح الظني ، والمفروض : انّ الظّن الذي يستند الى الشهرة قام على ترجيح الخبر ، فيكون الخبر مظنون الاعتبار.

وأما القسمان الآخران ، وهو : ما إذا كانت أمارات على جملة من الظنون ، أو كانت أمارة واحدة على جملة من الظنون ، فسيأتي الكلام فيهما في ثالث المصنّف إنشاء الله تعالى.

(الثالث : أن يتعدّد الظّنون في مسألة تعيين المتّبع) ـ بالفتح ـ (بعد الانسداد) أي : الظّن الذي يجب اتباعه بعد أن انسد باب العلم (بحيث يقوم كل واحد منها) أي : من تلك الظّنون (على اعتبار طائفة من الأمارات) وتكون تلك الأمارات (كافية في الفقه) أي : كافية بمعظم الفقه ، وذلك مثلناه في الثاني بأن قامت الشهرة على الخبر ، والاجماع المنقول على الأولويّة ، وهكذا.

(لكن يكون هذه الظنون القائمة كلها في مرتبة) واحدة بحيث (لا يكون اعتبار بعضها مظنونا) دون البعض الآخر ، بل يكون كلّها مشكوك الاعتبار ، أو موهوم الاعتبار ، أو مظنون الاعتبار ، فانّه ان كان بينها فرق بأن كان بعضها مظنون الاعتبار ، وبعضها مشكوك الاعتبار ، وبعضها موهوم الاعتبار ، قدّم البعض

٢٤١

فحينئذ : إذا وجب بحكم مقدّمات الانسداد في مسألة تعيين المتّبع الرجوع فيها إلى الظنّ في الجملة ، والمفروض تساوي الظنون الموجودة في تلك المسألة وعدم المرجّح لبعضها ، وجب الأخذ بالكلّ بعد بطلان التخيير بالاجماع وتعسّر ضبط البعض الذي لا يلزم العسر من الاحتياط فيه.

______________________________________________________

المظنون على المشكوك والمشكوك على الموهوم.

وعليه : (فحينئذ) أي : حين تعدد الظّنون في مسألة تعيين المتبع مع تساوي مرتبة تلك الظّنون (إذا وجب بحكم مقدّمات الانسداد في مسألة تعيين المتّبع : الرّجوع فيها) أي : في مسألة تعيين المتّبع (الى الظّن في الجملة) بأن نقول : كما تجري مقدّمات الانسداد في تعيين الحكم ، كذلك تجري في تعيين الطريق الى الحكم ، فهل الطريق : الشهرة التي هي طريق الى الخبر ، أو الطريق : الاجماع المنقول الذي هو طريق الى الأولويّة؟.

وحيث لا يمكن الاحتياط في الجميع من المظنون والمشكوك والموهوم ولا البراءة ، ولا التقليد ، ولا القرعة ، ولا ما أشبه ذلك ، فاللازم ترجيح المظنون سواء من طريق الشهرة أو الاجماع للتساوي فيؤخذ بالكل ، كما قال : (والمفروض : تساوي الظنون الموجودة في تلك المسألة) أي : مسألة تعيين المتّبع (وعدم المرجّح لبعضها) على بعض (وجب الأخذ بالكل بعد بطلان التخيير) بين هذه الظنون وذلك أولا : (بالاجماع) فانّه باطل إجماعا.

(و) ثانيا : (تعسّر ضبط البعض ، الذي لا يلزم العسر من الاحتياط فيه) فانّا لو أردنا الاحتياط في هذه المعيّنات ـ بالكسر ـ كالشهرة والاجماع المنقول في مثالنا ، احتياطا لا يلزم منه عسر على المكلّف ، صح ذلك الاحتياط ، لكن حيث يكون

٢٤٢

فالذي ينبغي أن يقال : على تقدير صحّة تقرير دليل الانسداد على وجه الكشف ، إنّ اللازم على هذا ، أوّلا ، هو الاقتصار على المتيقن من الظنون ، وهل يلحق به كلّما قام المتقين على اعتباره؟ وجهان ، أقواهما العدم ، كما تقدّم ، إذ بناء على هذا التقرير لا نسلّم كشف العقل بواسطة مقدّمات الانسداد

______________________________________________________

ضبط المعين ـ بالكسر ـ الذي لا يستلزم العسر ، هو بنفسه عسر ، فيلزم ترك الضبط ، وترك الضبط إنّما يكون بإتباع المعينات ـ بالكسر.

إذا عرفت ذلك نقول : الى هنا كان الكلام في إن مطلق المعيّن ـ الكسر ـ حجّة ، ومن قوله : فالذي ينبغي ، يكون الكلام في تعيين بعض الظنون ، وهو الذي ذكر الثالث لأجله.

وعليه : (فالذي ينبغي أن يقال على تقدير صحة تقرير دليل الانسداد على وجه الكشف) لا الحكومة (ان اللازم على هذا) أي : على تقرير الكشف ما يلي :

(أولا : هو الاقتصار على المتيقن من الظّنون) وهو الظّن المتعلق بالفروع ، لا بالاصول (وهل يحلق به) أي : بالمتيقن (كلما قام المتيقن على اعتباره؟) أي : كما إن المتيقن من ظنون الفروع حجّة ، هل المتيقن إذا قام على اعتبار ظنّ يكون ذلك المتيقن أيضا حجّة؟ مثلا : المتيقن من الظنون : وجوب الجمعة ، لا وجوب الدّعاء عند رؤية الهلال ، وهذا هو المتيقن في الفروع وهو حجّة بلا إشكال لكن الخبر ، أو الاجماع المنقول ، أو الشهرة ، أو الأولويّة ، التي كلها مظنونات إذا كان بينها متيقن الاعتبار ، فهل هذا المتيقن حجّة أيضا.

(وجهان : أقواهما العدم) فليس متيقن الاعتبار بحجّة (كما تقدّم ، إذ بناء على هذا التقرير) وهو الكشف (لا نسلم كشف العقل بواسطة مقدّمات الانسداد

٢٤٣

إلّا عن اعتبار الظنّ في الجملة في الفروع دون الاصول ، والظنّ بحجّية الأمارة الفلانيّة ظنّ بالمسألة الاصوليّة.

نعم ، مقتضى تقرير الدّليل على وجه حكومة العقل أنّه لا فرق بين تعلّق الظنّ بالحكم الفرعيّ أو بحجّية طريق.

ثمّ إن كان القدر المتيقن كافيا في الفقه ، بمعنى أنّه لا يلزم من العمل بالأصول في مجاريها المحذور اللازم على تقدير الاقتصار على المعلومات ، فهو ،

______________________________________________________

الّا عن اعتبار الظّن في الجملة) أي : ليس كلّ الظنون بل المتيقن منها (في الفروع دون الاصول) حجّة فقط.

(و) من الواضح : ان (الظّن بحجّية الأمارة الفلانية ، ظنّ بالمسألة الاصولية) وليس ظنّا بالمسألة الفرعية ، حتى يكون حجّة ، وعليه : فالمتيقن من الظنون المتعلّقة بالفروع حجّة ، لا المتيقن من الظنون المتعلّقة بالمسائل الاصولية.

(نعم ، مقتضى تقرير الدليل) أي : دليل الانسداد (على وجه حكومة العقل) بأنّ الظّن حجّة هو : (انّه لا فرق بين تعلّق الظّن بالحكم الفرعيّ ، أو بحجّية طريق) لأن العقل يرى ان الظّن حجّة ، ولا يهم بعد حصول الظّن بين أن يكون الظّن متعلقا بالأصل أو بالفرع.

(ثمّ) على تقدير الحكومة (ان كان القدر المتيقن كافيا في الفقه ، بمعنى : انّه لا يلزم من العمل بالاصول في مجاريها) أي : مجاري الاصول (المحذور اللازم على تقدير الاقتصار على المعلومات) فقط ، من الخروج عن الدّين إذا أجرينا البراءة ، أو العسر والحرج ، وإذا أجرينا الاحتياط ـ مثلا ـ (فهو) أي : حينئذ نعمل بالمتيقن فقط.

٢٤٤

وإلّا فالواجب الأخذ بما هو المتيقن من الأمارات الباقية الثابتة بالنسبة إلى غيرها.

فان كفى في الفقه بالمعنى الذي ذكرنا فهو ، وإلّا فيؤخذ بما هو المتيقن بالنسبة ، وهكذا.

ثمّ لو فرضنا عدم القدر المتيقن بين الأمارات او عدم كفاية ما هو القدر المتيقن مطلقا أو بالنسبة :

______________________________________________________

(والّا) أي : بأن كان إجراء الاصول مستلزما لأحد المحذورين المذكورين (فالواجب الأخذ بما هو المتيقن من الأمارات الباقية الثابتة بالنسبة الى غيرها) أي : بالنسبة الى الأمارات التي هي في الدرجة الثالثة.

مثلا : لنفرض ان الظنّ قام على حجية الخبر ، فهو القدر المتيقن تيقنا إطلاقيا من الظنون في الاصول ، فان

كفى الخبر بمعظم الفقه فهو ، وان لم يكف أخذنا بالاجماع في تعيين بقية الأحكام ، لأن الاجماع متيقن نسبي وان لم يكن متيقنا مطلقا كالخبر ، وإنّما كان الاجماع متيقنا نسبيا ، لانّه بالنسبة الى الأولويّة متيقن فالأولوية في الدرجة الثالثة.

(فان كفى) المتيقن النسبي (في الفقه بالمعنى الذي ذكرنا) من انّه لا يلزم من العمل بالاصول في مجاريها المحذور اللازم على تقدير الاقتصار على المعلومات (فهو ، وإلّا فيؤخذ بما هو المتيقن بالنسبة) كالأولوية التي هي في درجة ثالثة في مثالنا ، ونترك الدرجة الرابعة كالشهرة ـ مثلا ـ (وهكذا) حتى ننتهي الى ما يكفي بمعظم الفقه.

(ثم لو فرضنا عدم القدر المتيقّن بين الأمارات) بأن كانت الجميع متساوية (أو عدم كفاية ما هو القدر المتيقن مطلقا) وهو المتيقن الأول (أو بالنسبة) أي :

٢٤٥

فان لم يكن على شيء منها أمارة ، فاللازم الأخذ بالكلّ ، لبطلان التخيير بالاجماع وبطلان طرح الكلّ بالفرض وفقد المرجّح ، فتعيّن الجميع.

وإن قام على بعضها أمارة : فان كانت أمارة واحدة ، كما إذا قامت الشهرة على حجّية جملة من الأمارات ، كان اللازم الأخذ بها ، لتعيّن الرجوع إلى الشهرة في تعيين المتّبع من بين الظنون ،

______________________________________________________

المتيقن ، فالمتيقن (فان لم يكن على شيء منها أمارة) معينة (فاللازم الأخذ بالكل) أي : بكل تلك الأمارات القائمة على الأحكام (لبطلان التخيير) بين الأمارات (بالاجماع) فان المكلّف ليس مخيرا بين أن يأخذ بهذه الأمارة أو بتلك الأمارة.

(وبطلان طرح الكل بالفرض) لانّ المفروض : إنّا لو طرحنا كل الأمارات لزم امّا الخروج عن الدّين ، أو العسر والحرج الناشئ من الاحتياط أو ما أشبه ذلك من الامور الباطلة.

(وفقد المرجّح) لها ، لانّه لا مرجح لبعض الأمارات على بعض.

إذن : (فتعيّن) الأخذ ب (الجميع) كما وقد ظهر : انّه ربّما يعيّن بعض الأمارات ، فيكون بعض الأمارات مظنون الاعتبار دون البعض الآخر.

(وإن قام على بعضها) أي بعض تلك الأمارات (أمارة :) بأن حصل الظّن المظنون الاعتبار (فان كانت أمارة واحدة ، كما إذا قامت الشهرة على حجّية جملة من الأمارات) كالخبر الواحد ، والأولويّة ، والاجماع المنقول ، وما أشبه (كان اللازم الأخذ بها) أي : بتلك الجملة (لتعيّن الرّجوع الى الشهرة في تعيين المتّبع من بين الظّنون).

وانّما يتعين الرجوع اليها ، لان الظنّ المظنون الاعتبار مقدّم على غيره

٢٤٦

وإن كانت أمارات متعدّدة قامت كلّ واحدة منها على حجّية ظنّ مع الحاجة إلى جميع تلك الظنون في الفقه وعدم كفاية بعضها عمل بها.

ولا فرق حينئذ بين تساوي تلك الأمارات القائمة من حيث الظنّ بالاعتبار والعدم وبين تفاوتها في ذلك.

وأمّا لو قامت كلّ واحدة منها على مقدار

______________________________________________________

ـ على ما سبق ـ.

(وان كانت أمارات متعدّدة ، قامت كلّ واحدة منها على حجّية ظنّ ، مع الحاجة الى جميع تلك الظنون في الفقه ، وعدم كفاية بعضها) أي : بعض تلك الظنون (عمل بها) أي : بتلك الأمارات المتعددة جميعا ، كما إذا قامت الشهرة على الخبر ، والاجماع المحصل على السيرة ، وهكذا.

(ولا فرق حينئذ) أي : حين كانت أمارات متعددة ، قامت لكل واحدة منها على حجّية ظنّ خاص (بين تساوي تلك الأمارات القائمة) على حجيّة الظنون (من حيث الظن بالاعتبار والعدم) أي : عدم الظّن بالاعتبار ، بان الظّن باعتبار الأمارات القائمة أو لا نظنّ باعتبارها (وبين تفاوتها) أي : تفاوت تلك الأمارات القائمة ، بأن نظنّ باعتبار البعض ، ولا نظن باعتبار البعض الآخر (في ذلك) اسم الاشارة راجع الى الظّن.

وانّما لا فرق ، لان المفروض : الاحتياج الى الجميع في الوفاء بمعظم الفقه حيث قلنا : مع الحاجة الى جميع تلك الظنون ، وعليه : فلا فرق بين أن تكون كلها متساوية في الاعتبار ، أو كلها متساوية في عدم الظّن بالاعتبار ، أو مختلفة : بأن يظن باعتبار بعضها دون اعتبار بعض.

(وأمّا لو قامت كل واحدة منها) أي : من تلك الأمارات (على مقدار

٢٤٧

من الأمارات كاف في الفقه : فان لم تتفاوت الأمارات القائمة في الظنّ بالاعتبار وجب الأخذ بالكلّ ، كالأمارة الواحدة لفقد المرجّح ، وإن تفاوتت : فما قام متيقّن الاعتبار او مظنون الاعتبار على اعتباره يصير معيّنا ، كما إذا قام الاجماع المنقول بناء على كونه مظنون الاعتبار على حجّية أمارة غير مظنونة الاعتبار وقامت تلك الأمارة ،

______________________________________________________

من الأمارات ، كاف) ذلك المقدار (في الفقه) كما إذا قامت الشهرة على حجّية الخبر العادل فقط ، وقام الاجماع المنقول على حجّية الأولويّة القطعيّة فقط ، وهكذا.

(فان لم تتفاوت الأمارات القائمة في الظّن بالاعتبار) وذلك بأن كان الجميع مظنون الاعتبار ، أو كان الجميع غير مظنون الاعتبار (وجب الأخذ بالكل ، كالأمارة الواحدة ، لفقد المرجّح) فكما انّه إذا كانت أمارة واحدة قائمة على جملة من الأمارات نأخذ بتلك الجملة ، كذلك إذا كانت أمارات متعددة قامت كلّ واحدة على مقدار من الأمارات.

(وان تفاوتت) أي : الأمارات القائمة تفاوتت في الظّن بالاعتبار (فما قام متيقن الاعتبار او مظنون الاعتبار على اعتباره ، يصير معيّنا) لاستناده الى اليقين ، أو الى الظّن الذي هو الملجأ عند الانسداد.

(كما إذا قام الاجماع المنقول بناء على كونه مظنون الاعتبار على حجّية أمارة غير مظنونة الاعتبار) مثلا : خبر غير الامامي غير مظنون الاعتبار ، لكن قام الاجماع المنقول على اعتباره (وقامت تلك الأمارة) على الحكم.

والمراد بتلك الأمارة : هي الأمارة غير مظنون الاعتبار ، كما إذا قام خبر غير الإمامي على وجوب صلاة الجمعة ـ مثلا ـ وقام الاجماع المنقول على حجّية خبر

٢٤٨

فانها تتعيّن بذلك.

هذا كلّه على تقدير كون دليل الانسداد كاشفا.

وأمّا ، على ما هو المختار من كونه حاكما ، فسيجيء الكلام فيه بعد الفراغ عن المعمّمات التي ذكروها لتعميم النتيجة ، إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك ، فاللازم على المجتهد أن يتأمّل في الأمارات ، حتّى يعرف المتيقن منها حقيقة أو بالاضافة الى غيرها ،

______________________________________________________

غير الامامي (فانّها) أي : الأمارة غير مظنونة الاعتبار ، كخبر غير الامامي في مثالنا (تتعيّن بذلك) أي : بالاجماع المنقول الذي كان في كلامنا.

(هذا كلّه على تقدير كون دليل الانسداد كاشفا) حيث انّ الكشف في الجملة ، لا أنّه كاشف على الاطلاق ، كما ألمعنا الى ذلك سابقا.

(وأمّا على ما هو المختار من كونه) أي : دليل الانسداد (حاكما) أي : انّه بعد تمامية المقدّمات ، يكون العقل حاكما بحجّية الظنّ (فسيجيء الكلام فيه بعد الفراغ عن المعمّمات التي ذكروها لتعميم النتيجة إنشاء الله تعالى) فانّ النتيجة إذا كانت مهملة احتجنا الى تعميم حجّية الظّن بسبب معمّم خارجي ، إذ دليل الانسداد بنفسه لا يدل على التعميم.

(إذا عرفت ذلك) الذي ذكرناه : من وجود المتيقن وعدم وجوده ، ووجود المتيقن ، فالمتيقن وعدم وجوده ، الى غير ذلك (فاللازم على المجتهد أن يتأمّل في الأمارات حتى يعرف المتيقن منها حقيقة) أي : تيقنا حقيقيا على كل حال (أو بالإضافة الى غيرها) أي : المتيقن فالمتيقن ، ففيما إذا كان المتيقن كافيا بمعظم الفقه فهو ، وإلّا احتاج الى المتيقن.

٢٤٩

ويحصّل ما يمكن تحصيله من الأمارات القائمة على حجّية تلك الأمارات ، ويميّز بين تلك الأمارات القائمة من حيث التساوي والتفاوت من حيث الظنّ بحجّية بعضها من أمارة أخرى ، ويعرف كفاية ما أحرز اعتباره من تلك الأمارات وعدم كفايته في الفقه.

وهذا يحتاج الى سير مسائل الفقه إجمالا حتى يعرف أنّ القدر المتيقن من الأخبار ، لا يكفي مثلا في الفقه بحيث يرجع ، في موارد خلت عن هذا الخبر ، إلى الاصول التي يقتضيها الجهل بالحكم في ذلك المورد.

______________________________________________________

(و) على المجتهد أن (يحصّل ما يمكن تحصيله من الأمارات القائمة على حجّية تلك الأمارات) فالخبر ـ مثلا ـ الذي يدلّ على الحكم أمارة ، والاجماع الذي قام على حجّية الخبر : أمارة قامت على حجّية أمارة أخرى.

(و) عليه بعد ذلك ان (يميز بين تلك الأمارات القائمة ، من حيث التساوي والتفاوت) تساويا ، أو تفاوتا (من حيث الظّن بحجّية بعضها من أمارة أخرى) وعدم ذلك.

(و) انّما يلزم على المجتهد ما ذكرناه ، كي (يعرف كفاية ما احرز اعتباره من تلك الأمارات ، وعدم كفايته في الفقه) لأنّ المقصود المهم للمجتهد : معرفة قدر كاف من الفقه ، يسبب انحلال العلم الاجمالي بالتكاليف الواجبة على الناس.

(وهذا) اللازم على المجتهد ممّا ذكرناه (يحتاج الى سير) الفقيه في (مسائل الفقه إجمالا) من أول الطهارة الى آخر الدّيات (حتى يعرف انّ القدر المتيقن من الأخبار لا يكفي ـ مثلا ـ في الفقه ، بحيث يرجع في موارد خلت عن هذا الخبر) والمراد بالخبر : الجنس (الى الاصول التي يقتضيها الجهل بالحكم في ذلك المورد).

٢٥٠

وأنّه إذا انضمّ اليه قسم آخر من الخبر ، لكونه متيقنا إضافيّا ، أو لكونه مظنون الاعتبار بظنّ متبع ، هل يكفي أم لا؟ فليس له الفتوى على وجه يوجب طرح سائر الظنون حتى يعرف كفاية ما أحرزه من جهة اليقين أو الظنّ المتّبع. وفّقنا الله للاجتهاد الّذي هو أشدّ من طول الجهاد ، بحقّ محمّد وآله الأمجاد.

______________________________________________________

وذلك لأن الاصول انّما تجري في موارد لم يكن فيها خبر ممّا يجهل الفقيه حكم ذلك المورد ، فيرجع فيه الى الاصول الأربعة كل في موضعه.

(و) حتى يعرف (انّه إذا انضمّ اليه قسم آخر من الخبر ، لكونه متيقنا إضافيّا أو لكونه مظنون الاعتبار بظنّ متّبع ، هل يكفي أم لا) فخبر العادل ـ مثلا ـ متيقن الاعتبار ، فاذا كفى بمعظم الفقه فهو ، وإلّا ضمّ إليه خبر الثقة ، وخبر الثقة مظنون الاعتبار ، فان كان الخبران معا يكفيان بمعظم الفقه فهو ، وإلّا ضمّ اليهما خبر الممدوح بدون تعديل أو وثاقة ، وهكذا.

(فليس له) أي : للفقيه (الفتوى على وجه يوجب طرح سائر الظنون) بمجرد عدم وجود المتقين ـ مثلا ـ (حتى يعرف كفاية ما أحرزه من جهة اليقين ، أو الظّن المتّبع) فاذا ظهرت له الكفاية جاز له طرح سائر الظنون ، وإلّا لم يجز له ذلك.

(وفّقنا الله) سبحانه وتعالى (للاجتهاد الّذي هو أشد من طول الجهاد بحق محمّد وآله الأمجاد) وقد ورد في الحديث : «مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء» (١) وذلك لأنّ الاجتهاد أصعب من الجهاد ، ولأنّ الاجتهاد يبقى ثمره اذا كان مكتوبا أو نحوه ، بينما المجاهدون يذهبون بدون ذكر إذا لم يسجّل

__________________

(١) ـ منية المريد : ص ٣٤١ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٣٩٨ ب ٢ ح ٥٨٥٣. ففيه (يرجّح).

٢٥١

الثاني : من طرق التعميم ما سلكه غير واحد من المعاصرين من عدم الكفاية ، حيث اعترفوا ـ بعد تقسيم الظنون الى مظنون الاعتبار ومشكوكه وموهومه ـ بأنّ مقتضى القاعدة بعد إهمال النتيجة الاقتصار على مظنون الاعتبار ، ثمّ على المشكوك ، ثمّ يتسرّى إلى الموهوم.

لكنّ الظنون المظنونة الاعتبار غير كافية ، إمّا بأنفسها ، بناء على انحصارها في الأخبار الصحيحة بتزكية عدلين ،

______________________________________________________

المجتهدون جهادهم وآثار جهادهم ، والله الموفق المستعان.

هذا هو أوّل الوجوه ممّا ذكره قبل صفحات بما عبارته : «المقام الثاني : في انّه على أحد التقريرين السابقين هل يحكم بتعميم الظنّ من حيث الاسباب والمرتبة ام لا» ، الى ان قال : «ويذكر للتعميم من جهتهما وجوه : الأوّل : عدم المرجّح» الى آخر عبارته ، ثم انتقل الى الثاني فقال :

(الثاني : من طرق التعميم) لنتيجة دليل الانسداد تعميما للمظنون الاعتبار ، والمشكوك الاعتبار ، والموهوم الاعتبار (ما سلكه غير واحد من المعاصرين من) جهة (عدم الكفاية) لمظنون الاعتبار ، فاللازم التعميم (حيث اعترفوا بعد تقسيم الظنون الى : مظنون الاعتبار ، ومشكوكه ، وموهومه ، بأنّ مقتضى القاعدة بعد إهمال النتيجة) لدليل الانسداد (الاقتصار على مظنون الاعتبار) فقط.

(ثمّ) ان لم يكف ف (على المشكوك) الاعتبار (ثمّ) إن لم يكف (يتسرّى الى الموهوم) الاعتبار.

هذا (لكن الظنون المظنونة الاعتبار غير كافية) بمعظم الأحكام (اما بأنفسها بناء على انحصارها في الأخبار الصحيحة بتزكية عدلين) فانّ من المعلوم : ان الأخبار الصحيحة بتزكية العدلين في كلّ الرواة ، قليلة جدا.

٢٥٢

وإمّا لأجل العلم الاجماليّ بمخالفة كثير من ظواهرها للمعاني الظاهرة منها ووجود ما يظنّ منه ذلك في الظّنون المشكوكة الاعتبار.

فلا يجوز التمسّك بتلك الظواهر ، للعلم الاجماليّ المذكور ، فيكون حالها حال ظاهر الكتاب والسنّة المتواترة في عدم الوفاء بمعظم الأحكام.

فلا بدّ من التسرّي ، بمقتضى قاعدة الانسداد ولزوم المحذور من الرجوع إلى الاصول ، الى الظنون المشكوكة الاعتبار

______________________________________________________

(وأما لاجل العلم الاجمالي بمخالفة كثير من ظواهرها للمعاني الظاهرة منها) أي : إن الأحكام الظاهرة منها مخالفة لما أريد منها ، لأن هذه الأخبار مخصصة ، أو مقيّدة ، أو مجاز ، فظواهرها شيء والمراد منها شيء آخر.

(ووجود ما يظنّ منه) الضمير راجع الى «ما» في : «ما يظن» (ذلك) أي : ذلك الخلاف (في الظنون المشكوكة الاعتبار) «وفي» متعلق «بوجود» أي : يوجد فيما يشك اعتباره مخصصا ومقيّدا وقرينة مجاز ، للأخبار التي يجب العمل بها ، حيث علمنا علما إجماليا بمخالفة كثير من ظواهرها للمراد منها.

وعليه : (فلا يجوز التمسّك بتلك الظواهر) أي : بظواهر الأخبار بدون الفحص عن الظنون المشكوكة المخصّصة والمقيّدة وقرائن المجاز.

وإنّما لا يجوز التمسك بتلك الظواهر (للعلم الاجمالي المذكور فيكون حالها) أي : حال هذه الأخبار المظنونة الاعتبار (حال ظاهر الكتاب والسنّة المتواترة في عدم الوفاء بمعظم الأحكام) وذلك إما من جهة قلّتها بانفسها ، واما من جهة العلم الاجمالي بمخالفة ظواهر كثير منها للمراد منها.

(فلا بدّ من التسري ـ بمقتضى قاعدة الانسداد ، ولزوم المحذور من الرّجوع الى الاصول ـ الى الظنون المشكوكة الاعتبار) «الى الظنون» متعلق ب «التسري» ،

٢٥٣

التي دلّت على إرادة خلاف الظاهر في ظواهر مظنون الاعتبار ، فيعمل بما هو من مشكوك الاعتبار مخصّص لعمومات مظنون الاعتبار ومقيّد لاطلاقاته وقرائن لمجازاته.

فاذا وجب العمل بهذه الطائفة من مشكوك الاعتبار ، ثبت وجوب العمل لغيرها ممّا ليس فيها معارضة لظواهر الأمارات المظنونة الاعتبار ، بالاجماع على عدم الفرق بين أفراد مشكوك الاعتبار ،

______________________________________________________

لأنه قد انسدّ باب العلم ولا يمكن الرجوع الى الاصول ، فلا بدّ من الذهاب الى الظنون المشكوكة الاعتبار (التي دلّت) تلك الظنون المشكوكة الاعتبار (على ارادة خلاف الظاهر في ظواهر مظنون الاعتبار).

وعليه : (فيعمل بما هو من مشكوك الاعتبار) فان مشكوك الاعتبار (مخصّص لعمومات مظنون الاعتبار ، ومقيّد لاطلاقاته ، وقرائن لمجازاته) فانّ في مظنون الاعتبار : عمومات ، ومطلقات ، ومجازات ، وفي الظنون المشكوكة الاعتبار :

مقيدة ومخصصة لها ، وقرينة لمجازاتها فنعمّم. الظن الذي هو حجّة من مظنون الاعتبار الى مشكوك الاعتبار.

هذا تعميم ، وهناك تعميم آخر أشار إليه بقوله : (فاذا وجب العمل بهذه الطائفة من مشكوك الاعتبار) التي هي مخصصة ومقيدة أو قرائن مجاز (ثبت وجوب العمل لغيرها) أي : لغير هذه الطائفة من مشكوك الاعتبار (ممّا ليس فيها معارضة لظواهر الأمارات المظنونة الاعتبار).

وإنّما ثبت وجوب العمل (بالاجماع على عدم الفرق بين أفراد مشكوك الاعتبار) سواء كان معارضا لمظنون الاعتبار ، أم لم يكن معارضا لمظنون الاعتبار ، وهذا هو التعميم الثاني.

٢٥٤

فانّ أحدا لم يفرّق بين الخبر الحسن المعارض لاطلاق الصحيح وبين خبر حسن آخر غير معارض لخبر صحيح ، بل بالأولويّة القطعيّة ، لأنّه إذا وجب العمل بمشكوك الاعتبار الذي له معارضة لظاهر مظنون الاعتبار ، فالعمل بما ليس له معارض أولى.

ثمّ نقول : إنّ في ظواهر مشكوك الاعتبار موارد كثيرة يعلم إجمالا بعدم إرادة المعاني الظاهرة ، والكاشف عن ذلك ظنّا هي الأمارات الموهومة الاعتبار.

فنعمل بتلك الأمارات ،

______________________________________________________

وعليه : (فانّ أحدا لم يفرّق بين الخبر الحسن المعارض لاطلاق الصّحيح ، وبين خبر حسن آخر غير معارض لخبر صحيح) والمفروض : إنّ الخبر الحسن من مشكوك الاعتبار ، والخبر الصحيح من مظنون الاعتبار.

(بل بالأولوية القطعيّة) في خبر حسن آخر ، فانّه إذا عمل بخبر حسن معارض ، فالاولى ان يعمل بخبر حسن غير معارض (لأنه إذا وجب العمل بمشكوك الاعتبار الذي له معارضة لظاهر مظنون الاعتبار ، فالعمل بما ليس له معارض أولى) إذ الحسن المعارض إذا كان حجّة ، فالحسن غير المعارض حجّة بطريق أولى.

(ثمّ) بعد تعميم الظنون من مظنون الاعتبار الى مشكوك الاعتبار ، يصل النوبة الى تعميم آخر ، وهو : التعميم الى موهوم الاعتبار ، وقد أشار إليه بقوله :

(نقول : انّ في ظواهر مشكوك الاعتبار موارد كثيرة يعلم إجمالا بعدم إرادة المعاني الظاهرة) منها (والكاشف عن ذلك) أي : عن عدم ارادة الظاهر منها كشفا (ظنّا ، هي : الامارات الموهومة الاعتبار ، فنعمل بتلك الأمارات) الموهومة

٢٥٥

ثمّ نعمل بباقي أفراد الموهوم الاعتبار بالاجماع المركّب ، حيث أنّ أحدا لم يفرق بين الشهرة المعارضة للخبر الحسن بالعموم والخصوص وبين غير المعارض له ، بل بالأولويّة ، كما عرفت.

أقول : الانصاف : أنّ التعميم بهذا الطريق أضعف من التخصيص بمظنون الاعتبار ،

______________________________________________________

الاعتبار ، وبعد العمل بموهوم الاعتبار الكاشف ، ننقل الكلام الى تعميم رابع ، وهو ما أشار اليه بقوله : (ثمّ نعمل بباقي أفراد الموهوم الاعتبار) الذي ليس بكاشف.

وإنّما نعمل بهذا الباقي (بالاجماع المركّب حيث أن احدا لم يفرّق بين الشهرة المعارضة للخبر الحسن) معارضة (بالعموم والخصوص) أي : لا بالتّباين (وبين غير المعارض له) أي : للخبر الحسن ، والمفروض : إن الشهرة موهومة الاعتبار ومع ذلك لا يفرق أحد بينهما.

(بل بالأولويّة) القطعيّة (كما عرفت) حين قلنا : بانّه إذا وجب العمل المشكوك الاعتبار الذي له معارضة لظاهر مظنون الاعتبار ، فالعمل بما ليس له معارض أولى ، فان نفس هذه الأولوية تأتي في موهوم الاعتبار ، فيقال : إذا وجب العمل بموهوم الاعتبار الذي له معارضة بظاهر مشكوك الاعتبار بما ليس له معارضة أولى.

(أقول : الانصاف ان التعميم بهذا الطريق) أي : الطريق الثاني الذي سلكه غير واحد من المعاصرين وذكرنا تفصيله الى هنا (أضعف من التخصيص بمظنون الاعتبار) أي : بمخصص القضية المهملة ، وتعيين تلك القضية بالظنون التي ظنّ اعتبارها ، بأن يكون مظنون الاعتبار ، مخصصا للنتيجة المهملة ، فاذا لم تخصص

٢٥٦

لأنّ هذا المعمّم قد جمع ضعف القولين ، حيث اعترف بأنّ مقتضى القاعدة ، لو لا عدم الكفاية ، الاقتصار على مظنون الاعتبار.

وقد عرفت أنّه لا دليل على اعتبار مطلق الظنّ بالاعتبار إلّا إذا ثبت جواز العمل بمطلق الظنّ عند انسداد باب العلم.

______________________________________________________

النتيجة بمظنون الاعتبار ، كان اللازم عدم التعميم بهذا الطريق أيضا.

وإنّما كان أضعف (لأن هذا المعمّم قد جمع ضعف القولين) الّذين احدهما : ان الاصل في القضية المهملة الاقتصار على القدر المتيقن ، وقد عرفت سابقا إنّه ضعيف.

وثانيهما : إنّ المتيقن من هذه الجملة هو مظنون الاعتبار ، وقد عرفت ايضا أنّه ضعيف (حيث اعترف) هذا المعمم في كلامه السابق عند ما قال : لكن الظنون المظنونة الاعتبار غير كافية ، فقد اعترف (بانّ مقتضى القاعدة لو لا) جهة (عدم الكفاية : الاقتصار على مظنون الاعتبار) أي : كان اللازم الاقتصار على مظنون الاعتبار ، لكن لم يكن كافيا ، فتمسكنا بمشكوك الاعتبار وموهومه.

(وقد عرفت : انّه لا دليل على اعتبار مطلق الظّن بالاعتبار ، إلّا اذا ثبت جواز العمل بمطلق الظنّ) أي عرفت ذلك في ردّ لزوم الاقتصار على مظنون الاعتبار الذي كان يخصّص الظنون بما ظنّ اعتباره.

ومن المعلوم : إنّه إذا ثبت العمل بمطلق الظنّ ، لم يكن وجه للتخصيص بمظنون الاعتبار (عند انسداد باب العلم).

وبذلك ظهر : إنّه لا وجه لهذا التعميم الذي ذكره بقوله : الثاني من طرق التعميم ما سلكه غير واحد من المعاصرين ... الخ.

هذا تمام الكلام في الاشكال الأوّل على المعمم ذكره المصنّف بقوله :

٢٥٧

وأما ما ذكره من التعميم لعدم الكفاية.

ففيه ، أوّلا : أنّه مبنيّ على زعم كون مظنون الاعتبار منحصرا في الخبر الصحيح بتزكية عدلين.

وليس كذلك ، بل الأمارات الظنّيّة من الشهرة وما دلّ على اعتبار قول الثقة ، مضاما إلى ما استفيد من سيرة القدماء في العمل بما يوجب سكون النفس من الرّوايات وفي تشخيص أحوال الرواة ،

______________________________________________________

«أقول الانصاف».

ثم أشكل المصنّف عليه إشكالا ثانيا بقوله :

(وأمّا ما ذكره من التعميم لعدم الكفاية) حيث قال : لكن الظنون المظنونة الاعتبار غير كافية (ففيه أولا : إنّه مبنيّ على زعم كون مظنون الاعتبار منحصرا في الخبر الصحيح بتزكية عدلين) كما ذكره هو بنفسه.

لكن (وليس كذلك) إذ مظنون الاعتبار ليس منحصرا في الخبر الصحيح بتزكية عدلين (بل الأمارات الظنّية من الشهرة) مثل قوله عليه‌السلام : «خذ بما اشتهر بين أصحابك» (١). (وما دلّ على اعتبار قول الثقة) مثل قوله عليه‌السلام : «لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا» (٢).

(مضافا الى ما استفيد من سيرة القدماء في العمل بما يوجب سكون النفس من الرّوايات ، وفي تشخيص أحوال الرّواة) لانه طريق عقلائي لم يثبت ردعه

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ١٣٣ ح ٢٢٩ ، جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٢٥٥ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٥ ب ٢٩ ح ٥٧.

(٢) ـ وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٨ ب ٢ ح ٦١ وج ٢٧ ص ١٥٠ ب ١١ ح ٣٣٤٥٥ ، بحار الانوار : ج ٥٠ ص ٣١٨ ب ٤ ح ١٥ ، رجال الكشّي : ص ٥٣٦.

٢٥٨

يوجب الظنّ القويّ بحجّية الخبر الصحيح بتزكية عدل واحد ، والخبر الموثّق ، والضعيف المنجبر بالشهرة من حيث الرواية.

ومن المعلوم كفاية ذلك وعدم لزوم محذور من الرجوع في موارد فقد تلك الأمارات إلى الأصول.

وثانيا : أنّ العلم الاجماليّ الذي إدّعاه يرجع حاصله إلى العلم بمطابقة بعض مشكوكات الاعتبار للواقع من جهة

______________________________________________________

من الشارع وإذا لم يثبت الردع ، ثبت إمضاء الشارع له ، لانّ الردع لو كان لبان.

وعليه : فانّ ذلك كلّه (يوجب الظّن القويّ بحجّية الخبر الصحيح بتزكية عدل واحد ، والخبر الموثّق ، و) الخبر (الضعيف المنجبر بالشهرة من حيث الرواية) أي : مقابل الشهرة الفتوائية ، فانّ الشهرة الروائية قال غير واحد من الفقهاء بحجّيتها بخلاف شهرة الفتوى ، فانّها ليست حجّة عند المعظم.

(ومن المعلوم : كفاية ذلك) الذي ذكرناه من الأمارات الظّنية الكثيرة بمعظم الأحكام (وعدم لزوم محذور من الرّجوع في موارد فقد تلك الأمارات الى الاصول) سواء رجعنا الى أصل البراءة فانّه لا يلزم الخروج عن الدّين ، أو رجعنا الى أصل الاحتياط ، فانّه لا يوجب اختلالا للنظام أو عسرا وحرجا.

(وثانيا) إنّ قوله : «فاذا وجب العمل بهذه الطائفة من مشكوك الاعتبار ثبت وجوب العمل بغيرها ممّا ليس فيه معارضة لظواهر الأمارات» ، الى آخر كلامه ، غير تام ، وذلك (انّ العلم الاجمالي الذي ادعاه) حيث قال : لاجل العلم الاجمالي بمخالفة كثير من ظواهرها للمعاني الظاهرة منها.

(يرجع حاصله الى العلم بمطابقة بعض مشكوكات الاعتبار للواقع من جهة

٢٥٩

كشفها عن المرادات في مظنونات الاعتبار.

ومن المعلوم أن العمل بها لأجل ذلك لا يوجب التعدّي إلى ما ليس فيه هذه العلّة ، أعني مشكوكات الاعتبار الغير الكاشفة عن مرادات مظنونات الاعتبار.

فان العلم الاجماليّ بوجود شهرات متعددة مقيّدة لاطلاق الأخبار أو مخصصة لعموماتها لا يوجب التعدّي إلى الشهرات الغير المزاحمة للأخبار بتقييد أو تخصيص ، فضلا عن التسرّي إلى الاستقراء والأولويّة.

______________________________________________________

كشفها عن المرادات في مظنونات الاعتبار) فانّ مشكوكات الاعتبار مطابقة للواقع ، ومخصصة أو مقيدة ، أو قرائن مجاز لمظنونات الاعتبار.

هذا (ومن المعلوم : ان العمل بها) أي : بمشكوكات الاعتبار (لأجل ذلك) أي : لأجل كشفها عن المراد في مظنون الاعتبار (لا يوجب التعدّي) من هذه المشكوكات الاعتبار المخصصة والمقيدة والقرائن (الى ما ليس فيه هذه العلّة) من الكشف عن المراد (أعني : مشكوكات الاعتبار غير الكاشفة عن مرادات مظنونات الاعتبار) إذ كيف يقاس غير الكاشف على الكاشف؟.

(فان العلم الاجمالي بوجود شهرات متعددة مقيّدة لاطلاق الأخبار ، أو مخصصة لعموماتها) أو قرائن لمجازاتها (لا يوجب التعدّي الى الشهرات غير المزاحمة للأخبار) فان «الأخبار» متعلق ب «مزاحمة» (بتقييد ، أو تخصيص) أو قرينة ، وقوله : «بتقييد» متعلق ب «التعدي».

وعليه : لا يتعدى من المقيّد والمخصص الى غيرهما (فضلا عن التّسري الى الاستقراء والأولوية) إذ الشهرة ليست كلّها حجّة ، فضلا عن أن تكون الاستقراءات والأولويات أيضا حجّة وهما أضعف من الشهرة.

٢٦٠