الوصائل إلى الرسائل - ج ٥

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-05-8
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وأمّا الامتثال للأمر بهما فلا يحصل إلّا مع العلم.

ثم إنّ هذين الأمرين مع التمكّن من امتثالهما يكون المكلّف مخيّرا في امتثال أيّهما ، بمعنى أنّ المكلّف مخير بين تحصيل العلم بالواقع فيتعيّن عليه وينتفي موضع الأمر الآخر ، إذ المفروض كونه ظاهريّا قد اخذ في موضوعه عدم العلم بالواقع ،

______________________________________________________

فاذا طهّر الانسان يده بالماء المطلق ـ وهو واقع حقيقي ـ طهرت يده وإن لم يقصد الامتثال ، وكذلك إذا كان الماء مستصحب الاطلاق وطهّر يده به ـ وهو واقع تنزيلي ـ طهرت يده في الظاهر وإن كان مضافا في الواقع ، فان الطهارة تحصل لليد واقعا أو ظاهرا وإن لم يقصد الاطاعة والامتثال.

(وأمّا الامتثال للأمر بهما) أي : بالواقع الحقيقي ، والواقع الجعلي (فلا يحصل إلّا مع العلم) إذ بدون العلم لا يقصد الامتثال حتى يحصل الامتثال.

(ثم إنّ هذين الأمرين) الأمر بالواقع الحقيقي ، والأمر بالواقع الجعلي (مع التمكن من امتثالهما) بامكان تحصيل العلم بمتعلقهما (يكون المكلّف مخيّرا في امتثال أيّهما) شاء.

(بمعنى : انّ المكلّف مخيّر بين تحصيل العلم بالواقع) كأن يسأل الامام الصادق عليه‌السلام بنفسه (فيتعيّن عليه ، وينتفي موضع الأمر الآخر).

مثلا : إذا سأل من الامام الصّادق عليه‌السلام عن الواجب يوم الجمعة؟ فقال له الامام انّ الواجب هو الجمعة فأدّى الجمعة ، لم يكن مجال للسؤال عن زرارة وهو الطريق الجعلي (إذ المفروض كونه) أي : الامر الآخر ، أمرا (ظاهريا ، قد أخذ في موضعه عدم العلم بالواقع) وقد حصل له العلم بالواقع بسبب سؤاله من الإمام الصّادق عليه‌السلام.

١٤١

وبين ترك تحصيل الواقع وامتثال الأمر الظاهريّ هذا مع التمكّن من امتثالهما.

وأمّا لو تعذّر عليه امتثال أحدهما تعيّن امتثال الآخر ، كما لو عجز عن تحصيل العلم بالواقع وتمكّن من سلوك الطريق المقرّر لكونه معلوما له ، أو انعكس الأمر بأن تمكّن من العلم وانسدّ عليه باب سلوك الطريق المقرّر لعدم العلم به ،

______________________________________________________

(وبين ترك تحصيل الواقع وامتثال الأمر الظاهري) بأن يسأل زرارة ويعمل على قول زرارة ، وإن كان قول زرارة في بعض الأحيان يخالف الواقع فيؤدي ـ مثلا ـ الى وجوب الظّهر دون الجمعة.

وإنّما يكون المكلّف مخيّرا بينهما ، لأنّ الواقع : هو المكلّف به أوّلا وبالذات ، والطريق الظاهري : هو الذي قرره الشارع وجعله له بمنزلة الواقع ، (هذا مع التمكن من امتثالهما) بأن تمكّن من السؤال عن الإمام الصّادق عليه‌السلام أو عن زرارة.

(وأما لو تعذّر عليه امتثال أحدهما ، تعيّن) عليه (امتثال الآخر ، كما) إذا لم يتمكن أن يسأل الامام ، فانّه يتعين عليه السؤال من زرارة ، أو إذا لم يتمكن من السؤال من زرارة ، تعيّن عليه ان يسأل من الإمام ، وذلك فيما (لو عجز عن تحصيل العلم بالواقع ، وتمكّن من سلوك الطّريق المقرّر ، لكونه) أي : الطريق المقرر (معلوما له) فيعمل بالطريق منحصرا.

(أو انعكس الأمر ، بأن تمكّن من العلم وانسدّ عليه باب ـ سلوك الطريق المقرّر) كما إذا تمكن من السؤال عن الامام ، ولم يتمكن من سؤال زرارة (لعدم العلم به) أي : لأنّه لا يعلم بالطريق المقرّر ، فاللّازم عليه أن يسأل الإمام الصّادق عليه‌السلام.

١٤٢

ولو عجز عنهما معا قام الظنّ بهما مقام العلم بهما بحكم العقل.

فترجيح الظنّ بسلوك الطريق على الظنّ بسلوك الواقع لم يعلم وجهه بل الظنّ بالواقع أولى في مقام الامتثال ، لما أشرنا إليه سابقا من حكم العقل والنقل بأولويّة إحراز الواقع.

هذا في الطريق المجعول في عرض العلم بأن أذن في سلوكه مع التمكّن من العلم.

______________________________________________________

(ولو عجز عنهما) أي : عن العلم بالواقع ، والعلم بالطريق المقرر (معا ، قام الظّن بهما ، مقام العلم بهما ، بحكم العقل) فهو مخيّر بين الظّنّ بقول الامام الصّادق ، أو الظّنّ بقول زرارة.

وعليه : (فترجيح الظّنّ بسلوك الطريق) الذي قاله صاحب الحاشية (على الظّن بسلوك الواقع) بأن يلزم عليه الظّنّ بقول زرارة ، ولا يكفيه الظّنّ بقول الامام الصّادق عليه‌السلام (لم يعلم وجهه ، بل الظّنّ بالواقع أولى في مقام الامتثال).

فإنّه إذا دار الأمر بين ان يظنّ بقول الامام ، أو أن يظنّ بقول زرارة ، كان الأولى أن يظنّ بقول الإمام (لما أشرنا اليه سابقا : من حكم العقل والنقل بأولويّة إحراز الواقع) لأنّ الواقع هو الأصل ، امّا إحراز البدل ، فهو بدل عن الواقع ، فيكون إحراز الأصل أولى من إحراز البدل ، ولو كانا في عرض واحد ـ على ما عرفت ـ.

(هذا) الذي : ذكرناه : من كفاية الظّنّ بالواقع والظّنّ بالطريق ، وانّ أحدهما في عرض الآخر انّما هو (في الطريق المجعول في عرض العلم ، بأن أذن) الشارع (في سلوكه) أي : سلوك الطريق المجعول (مع التمكن من العلم) بأن قال له الامام الصادق عليه‌السلام : لك أن تراجعني بنفسي ، أو أن تراجع زرارة.

١٤٣

وأمّا إذا نصبه بشرط العجز عن تحصيل العلم فهو أيضا كذلك ، ضرورة أنّ القائم مقام تحصيل العلم الموجب للإطاعة الواقعيّة عند تعذّره هي الاطاعة الظاهريّة المتوقفة على العلم بسلوك الطريق المجعول ، لا على مجرّد سلوكه.

والحاصل : أنّ سلوك الطريق المجعول مطلقا أو عند تعذّر العلم

______________________________________________________

(وأمّا إذا نصبه بشرط العجز عن تحصيل العلم) بالواقع (فهو أيضا كذلك) أي : يعتبر في سقوط أمره : حصول الامتثال المتوقف على العلم ، الّا فيما لا يعتبر في سقوطه قصد الاطاعة والامتثال ـ على ما مرّ قبل سطور ـ وذلك (ضرورة انّ القائم مقام تحصيل العلم الموجب للاطاعة الواقعيّة عند تعذّره) أي : عند تعذر العلم (هي الاطاعة الظّاهريّة ، المتوقفة على العلم بسلوك الطريق المجعول ، لا على مجرّد سلوكه) إلّا فيما لا يعتبر في سقوطه قصد الاطاعة ـ على ما سبق ـ.

(والحاصل) من كل ما مضى أمران : ـ.

الاوّل : انّ سلوك الطريق المجعول في عرض الواقع ، فللمكلّف أن يعمل بالواقع ، أو بالطريق المجعول.

الثاني : انّ براءة الذمة لو احتاجت الى قصد الطاعة لم تتحقق إلّا بعد العلم ، فاذا لم يكن علم فالظّنّ يقوم مقام العلم ، وإذا لم تحتج البراءة الى قصد الطاعة ، كان مجرد الاتيان بالواقع الحقيقي أو الواقع التنزيلي موجبا للبراءة وإن لم يعلم به المكلّف ، كمن يغسل يده بالماء وهو لا يعلم انّه تكليفه ، فان يده تطهر بذلك.

وإن شئت قلت : انّ فراغ الذمّة تابع للاتيان وان لم يعلم ، امّا العلم بفراغ الذمة فهو تابع للعلم بالشيء ، إذ بدون العلم بالشيء كيف يعلم بالفراغ من ذلك الشيء؟ ف (إنّ سلوك الطّريق المجعول مطلقا ، او عند تعذّر العلم) إنّما هو

١٤٤

في مقابل العمل بالواقع ؛ فكما أنّ العمل بالواقع مع قطع النظر عن العلم لا يوجب امتثالا وإنّما يوجب فراغ الذمّة من المأمور به واقعا لو لم يؤخذ فيه تحقّقه على وجه الامتثال ، فكذلك سلوك الطريق المجعول.

فكلّ منهما موجب لبراءة الذمّة واقعا وإن لم يعلم بحصوله ، بل ولو اعتقد عدم حصوله.

وأمّا العلم بالفراغ المعتبر في الاطاعة ، فلا يتحقق في شيء منهما

______________________________________________________

(في مقابل العمل بالواقع) فانّه قد يكون العمل بالواقع ، وقد يكون العمل بالطريق ، سواء تعذّر العلم أو لا ، أو عند تعذر العلم فقط.

وعليه : فقد يقول المولى : اعمل بالواقع ، وقد يقول : اعمل بالطريق إذا تعذر العلم بالواقع ، وقد يقول : اعمل بالطريق ولو قدرت على العلم بالواقع.

إذن : (فكما انّ العمل بالواقع ـ مع قطع النّظر عن العلم ـ لا يوجب امتثالا ، وإنّما يوجب فراغ الذّمّة من المأمور به واقعا) كما ذكرنا في مثال تطهير اليد (لو لم يؤخذ فيه) أي : في المأمور به (تحقّقه على وجه الامتثال) لا ما إذا أخذ في المأمور به الامتثال ، فانّه لا يتحقق الّا مع العلم (فكذلك سلوك الطريق المجعول) يوجب فراغ الذّمة بدون العلم ، ولكنّه لا يوجب الامتثال فاذا اريد الامتثال ، فاللازم أن يعلم بذلك.

وعليه : (فكلّ منهما) أي : من الواقع ومن الطريق المجعول (موجب لبراءة الذّمة واقعا) إذا أتى بهما (وإن لم يعلم بحصوله) أي : بحصول الامتثال (بل ولو اعتقد عدم حصوله) فانّ الانسان الذي يغسل يده بالماء ، تطهر يده وإن تصور أنه لم تطهر ، معتقدا بعدم الطهارة من باب الجهل المركب.

(وأمّا العلم بالفراغ المعتبر في الاطاعة ، فلا يتحقّق في شيء منهما) أي :

١٤٥

إلّا بعد العلم أو الظنّ القائم مقامه.

فالحكم ـ بأنّ الظنّ بسلوك الطريق المجعول يوجب الظنّ بفراغ الذمّة ، بخلاف الظنّ بأداء الواقع ، فانّه لا يوجب الظنّ بفراغ الذمة ، إلّا إذا ثبت حجّية ذلك الظنّ ، وإلّا فربما يظنّ بأداء الواقع من طريق يعلم بعدم حجّيّته ـ تحكّم صرف.

______________________________________________________

من العلم بالواقع ، أو سلوك الطريق المجعول (إلّا بعد العلم ، أو الظّنّ القائم مقامه) أي : مقام العلم.

إذن : (فالحكم) الذي ذكره المحشّي (بأنّ الظن بسلوك الطريق المجعول يوجب الظنّ بفراغ الذّمة ، بخلاف الظّن بأداء الواقع فانّه لا يوجب الظّنّ بفراغ الذّمة) مثلا : إذا ظنّ المكلّف بأنّ خبر الواحد طريق ، وقام الخبر الواحد على وجوب الجمعة فصلاها ، فانّه يظنّ بفراغ الذّمة ، أمّا إذا ظنّ المكلّف بأن صلاة الجمعة واجبة فصلاها ، فانّه لم يظنّ بفراغ الذّمة (إلّا إذا ثبت حجّية ذلك الظّنّ) بالواقع ، وإذا ثبت حجّية هذا الظنّ كان الظّنّ طريقا ، فيكون قد عمل على الطريق لا على الواقع المجرد عن الطّريق.

(وإلّا فربّما يظنّ بأداء الواقع من طريق يعلم بعدم حجّيته) كما إذا ظنّ بأداء الواقع من طريق القياس ، بان قام القياس ـ مثلا ـ على وجوب الجمعة فأدّى الجمعة ، فانّه أداء للواقع من طريق القياس الّذي يعلم عدم حجّيته.

وعليه : فالحكم الذي ذكره المحشي (تحكم صرف) هذا خبر قوله : فالحكم بأنّ الظّنّ بسلوك الطريق المجعول يوجب الظنّ الى آخره.

وإنّما كان تحكما لما عرفت : من تساوي سلوك الطريق ، والعمل بالواقع ، فانّ كل واحد منهما موجب لبراءة الذّمة.

١٤٦

ومنشأ ما ذكره قدس‌سره

______________________________________________________

والمتحصّل : انّ كلام المحشي في الموردين ، كلاهما لا يخلوان من نظر :

الأوّل قوله : اللّازم الظنّ بالفراغ ، بينما اللّازم الظّنّ بإتيان الواقع.

الثاني : الظّنّ بالطّريق ظنّ بالفراغ ، دون الظنّ بالواقع فانّه ليس ظنّا بالفراغ ، بينما الظنّ بالواقع أيضا ظنّ بالفراغ.

وإن شئت قلت : انّ كلام المحشي ـ ثانيا ـ : بالفرق بين الظّنّ بالواقع ، والظّنّ بالطريق ، بأنّ الأول : لا يستلزم الظّنّ بالفراغ ، بخلاف الثاني : فانّه يستلزم الظّنّ بالفراغ ، غير ظاهر الوجه ، لما عرفت : من كون مؤدّى الطّريق بمنزلة الواقع ، والعلم به بمنزلة العلم بالواقع ، فلو كان الظّنّ بالطريق مستلزما للظنّ بالفراغ ، فالظّنّ بالواقع أولى بذلك ، فانّه لا فرق بينهما من جهة الامتثال في مقام الامتثال ، ومن جهة الظّنّ بالفراغ مقام الظنّ بالفراغ.

(ومنشأ ما ذكره) صاحب الحاشية (قدس‌سره) من لزوم الظنّ بالطريق بعد الانسداد ، وعدم كفاية الظّنّ بالواقع ، وهو إنّ هناك ثلاثة أمور :

١ ـ العلم بوجوب صلاة الجمعة ، والعلم طريق عقلي.

٢ ـ قيام الخبر على وجوب صلاة الجمعة ، والخبر طريق شرعي.

٣ ـ كون الخبر في عرض العلم.

وبعد الانسداد يمكن ثلاثة ظنون :

الأوّل : الظّنّ بالعلم ، ولا معنى له.

الثاني : الظّنّ بالواقع ، ولا يوجب الظنّ بالفراغ ، إذ سلوك الواقع ليس علّة تامة للفراغ.

الثّالث : الظّنّ بالطّريق المجعول ، فيلزم اتباعه لفرض كونه ظنّا بالعلّة التامة

١٤٧

تخيّل أنّ نفس سلوك الطريق الشرعيّ المجعول ، في مقابل سلوك الطريق العقليّ الغير المجعول ، وهو العلم بالواقع الذي هو سبب تامّ لبراءة الذمّة ، فيكون هو أيضا كذلك ، فيكون الظّنّ بالسلوك ظنّا بالبراءة ، بخلاف الظنّ بالواقع ، لأنّ نفس أداء الواقع ليس سببا تامّا للبراءة ، حتّى يحصل من الظنّ به الظنّ بالبراءة ، فقد قاس الطريق الشرعيّ بالطريق العقليّ.

______________________________________________________

للفراغ.

وإنّما لا يوجب الظنّ بالواقع : الفراغ ، لأنّ العلم هو الطريق الى الواقع ، لا الظّنّ ، ف (تخيّل انّ نفس سلوك الطّريق الشّرعي المجعول ، في مقابل سلوك الطريق العقلي الغير المجعول ، وهو) أي : الطّريق العقلي (: العلم بالواقع الذي هو) أي : العلم (سبب تام لبراءة الذّمة ، فيكون هو) أي : الخبر المجعول الذي هو في عرض العلم (أيضا كذلك) أي : سبب تام للبراءة.

وعليه : (فيكون الظّنّ بالسّلوك ظنّا بالبراءة ، بخلاف الظّنّ بالواقع) فانّه ليس ظنّا بالبراءة (لأنّ نفس أداء الواقع ليس سببا تاما للبراءة) لما عرفت : من إنّ العلم بالواقع سبب تام للبراءة ، لا نفس أداء الواقع (حتى يحصل من الظن به) أي :

بالواقع (الظّنّ بالبراءة).

وعلى هذا : (فقد قاس) صاحب الحاشية (الطريق الشرعي بالطريق العقلي) في كونه سببا تاما لبراءة الذمة.

قال : الأوثق في تقريب زعم صاحب الحاشية : «وكأن المستدلّ قد زعم انّ نفس سلوك الطريق المجعول ، في عرض سلوك الطريق العقلي غير المجعول ، وهو العلم بالواقع الذي هو سبب تام للعلم بالفراغ ، فيكون نفس سلوك الطريق الشرعي أيضا كذلك.

١٤٨

وأنت خبير بأنّ الطريق الشرعيّ لا يتّصف بالطريقيّة فعلا ، إلّا بعد العلم تفصيلا ، وإلّا فسلوكه ، أعني مجرّد تطبيق الأعمال عليه مع قطع النظر عن حكم الشارع لغو صرف ، ولذلك أطلنا الكلام في أنّ سلوك الطريق المجعول في مقابل العمل بالواقع ،

______________________________________________________

وبعد انسداد باب العلم بالواقع والطريق ، لا معنى لتعلق الظّنّ بالعلم ، وأمّا تعلقه ، بالواقع فهو لا يستلزم الظّن بالفراغ ، لفرض عدم كون محض سلوك الواقع علّة تامة للفراغ ، حتى يستلزم الظّنّ به للظّن به ، بخلاف الظّنّ بالطّريق المجعول ، لفرض كونه ظنّا بالعلة التامة للفراغ» (١).

هذا ، (وأنت خبير بأنّ) الطريق الشرعي ، وهو الخبر ليس في عرض العلم بالواقع ، وانّما الخبر في عرض نفس الواقع ، لأنّ الخبر واقع تنزيلي.

وعليه : فكما انّ العلم بالواقع موجب للفراغ ، كذلك العلم بالخبر ، فاذا سقط العلم قام الظّنّ مقامه ، سواء الظّنّ بالواقع أو الظّنّ بالخبر ، ف (الطريق الشرعي لا يتّصف بالطريقيّة فعلا ، إلّا بعد العلم تفصيلا) بأن يعلم المكلّف الخبر.

(وإلّا فسلوكه) أي : سلوك الطريق الشرعي (أعني مجرد تطبيق الأعمال عليه) أي : على الخبر الذي هو طريق شرعي (مع قطع النظر عن حكم الشّارع) بتنزيله منزلة العلم (لغو صرف) إذ لا يكون واقع تنزيلي الّا بعد حكم الشارع بأنّ الخبر طريق.

(ولذلك اطلنا الكلام في أنّ سلوك الطريق المجعول ، في مقابل العمل بالواقع) يعني : هناك واقع وخبر وهما متقابلان ، والواقع واقع ، والخبر واقع

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٢١٧ نقد كلام بعض المحققين في لزوم تحصيل العلم بتفريغ الذمة.

١٤٩

لا في مقابلة العلم بالعمل بالواقع ، ويلزم من ذلك كون كلّ من العلم والظنّ المتعلّق بأحدهما في مقابل المتعلّق بالآخر.

فدعوى : «انّ الظّن بسلوك الطريق يستلزم الظنّ بالفراغ ، بخلاف الظنّ باتيان الواقع» ، فاسدة.

هذا كلّه ، مع

______________________________________________________

تنزيلي (لا في مقابلة العلم بالعمل بالواقع) فانّه ليس الخبر في مقابل العلم وعرضه ، بل في مقابل الواقع وعرضه.

(ويلزم من ذلك ، كون كلّ من العلم والظنّ المتعلّق بأحدهما) أي : بالواقع أو بالخبر (في مقابل المتعلّق بالآخر) فالعلم بالخبر كالعلم بالواقع ، والظنّ بالخبر كالظنّ بالواقع.

وعليه : (فدعوى انّ الظّن بسلوك الطريق يستلزم الظنّ بالفراغ ، بخلاف الظنّ باتيان الواقع ، فاسدة) لما عرفت : من انّه كما يكون الظنّ بالخبر كافيا ، كذلك الظنّ بالواقع.

وتوضيح جواب المصنّف بلفظ الأوثق : انّه لا ريب أنّ نفس سلوك الطريق المجعول من دون علم به ، لا يترتب عليه تحقق الامتثال أصلا ، حتى يكون في عرض العلم بالواقع.

نعم ، يترتّب عليه سقوط الأمر في التوصليّات ، كما يترتّب ذلك على سلوك نفس الواقع من دون علم به حين سلوكه ، فمؤدّى الطريق في عرض الواقع ، والعلم به في عرض العلم بالواقع ، والامتثال إنّما يترتب على العلمين ، والظنّ ايضا إنّما يقوم مقامهما عند تعذرهما دون المعلومين.

(هذا كلّه ، مع) فرض أنّ الشارع جعل الخبر ، فيكون الخبر في عرض الواقع ،

١٥٠

ما علمت سابقا في ردّ الوجه الأوّل من إمكان منع جعل الشارع طريقا الى الأحكام ، وانّما اقتصر على الطرق المنجعلة عند العقلاء وهو العلم ثمّ على الظنّ الاطمئناني.

ثمّ إنّك حيث عرفت أنّ مآل هذا القول الى أخذ نتيجة دليل الانسداد بالنسبة الى المسائل الاصولية وهي حجّية الأمارات المحتملة للحجّية ، لا بالنسبة الى نفس الفروع.

فاعلم أنّ في مقابله قول آخر لغير واحد من مشايخنا المعاصرين قدس‌سرهم ، وهو عدم جريان دليل الانسداد على وجه يشمل مثل هذه المسألة الاصولية ، اعني حجّية الأمارات المحتملة ،

______________________________________________________

مع (ما علمت سابقا في ردّ الوجه الأوّل : من إمكان منع جعل الشارع طريقا الى الأحكام) إطلاقا (وإنّما اقتصر) الشارع (على الطرق المنجعلة عند العقلاء ، وهو : العلم ، ثم على الظنّ الاطمئناني) فيكون العلم بالواقع ، وكذلك الظنّ بالواقع ، عند فقد العلم موجبا للبراءة.

(ثمّ إنّك حيث عرفت : انّ مآل هذا القول) اي : قول صاحب الحاشية : بانّ الظنّ بالطريق حجة ، لا الظنّ بالواقع (الى أخذ نتيجة دليل الانسداد بالنسبة الى المسائل الاصولية ، وهي : حجّية الأمارات المحتملة للحجّية) من باب الظنّ ، أو الوهم ، أو الشكّ (لا بالنسبة الى نفس الفروع) فاذا ظنّ بأن خبر الواحد حجّة عمل به ، أما اذا ظنّ بأنّ صلاة الجمعة واجبة لا يصليها.

هذا (فاعلم : انّ في مقابله قول آخر لغير واحد من مشايخنا المعاصرين قدس‌سرهم ، وهو : عدم جريان دليل الانسداد على وجه يشمل مثل هذه المسألة الاصولية ، اعني : حجّية الأمارات المحتملة) فالظنّ إنّما هو حجّة فيما اذا تعلّق بالفروع ،

١٥١

وهذا هو القول الذي ذكرنا في أوّل التنبيه : انّه ذهب اليه فريق ، وسيأتي الكلام فيه عند التكلّم في حجيّة الظنّ المتعلّق بالمسائل الاصولية إن شاء الله تعالى.

ثمّ اعلم : انّ بعض من لا خبرة له ، لمّا لم يفهم من دليل الانسداد الّا ما تلقن من لسان بعض مشايخه وظاهر عبارة كتاب القوانين ، ردّ القول الذي ذكرناه أوّلا عن بعض المعاصرين ، من حجّية الظنّ في الطريق ، لا في نفس الأحكام بمخالفته لإجماع العلماء

______________________________________________________

لا ما اذا تعلّق بالاصول (وهذا هو القول الذي ذكرنا في أوّل التّنبيه : انّه ذهب اليه فريق ، وسيأتي الكلام فيه عند التكلّم في حجّية الظنّ المتعلّق بالمسائل الاصولية إنشاء الله تعالى).

فتحقق من ذلك انّ هناك قولين متقابلين :

الأوّل : أنّ نتيجة الانسداد : حجّية الظنّ المتعلّق بالفروع.

الثانيّ : أن نتيجة دليل الانسداد : حجّية الظنّ الذي تعلّق بالاصول.

هذا ، ولكن قول المصنّف هو : حجّية الظنّ ، سواء كان بالنسبة الى المسائل الاصولية ، أو المسائل الفرعيّة.

(ثمّ اعلم أنّ بعض من لا خبرة له) بدقائق الاصول (لمّا لم يفهم من دليل الانسداد الّا ما تلقّن من لسان بعض مشايخه ، وظاهر عبارة كتاب القوانين) تصوّر : إنّ في المسألة قولين فقط ، لا ثلاثة أقوال ، ولذلك (ردّ القول الذي ذكرناه أولا عن بعض المعاصرين : من حجّية الظنّ في الطريق ، لا في نفس الأحكام) وهو ما ذكره التستري ، وصاحب الفصول ، وصاحب الحاشية.

قال هذا الذي هو قليل الخبرة : إنّ هذا القول مردود (بمخالفته لاجماع العلماء

١٥٢

حيث زعم أنّهم بين من يعمم دليل الانسداد لجميع المسائل العلميّة اصولية أو فقهية كصاحب القوانين ، وبين من يخصصه بالمسائل الفرعيّة ، فالقول بعكس هذا خرق للاجماع المركّب.

ويدفعه : انّ المسألة ليست من التوقيفيّات التي يدخلها الاجماع المركّب ، مع أنّ دعواه في مثل هذه المسائل المستحدثة بشعة جدا ، بل المسألة عقليّة ، فاذا فرض استقلال العقل بلزوم العمل بالظنّ في مسألة تعيين الطرق ، فلا معنى لردّه بالاجماع المركب.

______________________________________________________

حيث زعم أنهم) أي : العلماء (بين من يعمّم دليل الانسداد لجميع المسائل العلمية اصولية أو فقهية كصاحب القوانين) حيث يرى : أنّ دليل الانسداد يفيد حجّية الظنّ ، سواء تعلّق بالمسائل الاصولية ، أو بالمسائل الفقهية (وبين من يخصّصه بالمسائل الفرعيّة) فقط ، فليس الظنّ حجّة في المسائل الاصولية.

وعليه : (فالقول بعكس هذا) وهو حجّية الظنّ في المسائل الاصولية فقط (خرق للاجماع المركّب) وهو ممّا لا يجوز.

(ويدفعه) أي : يدفع قول هذا الذي لا خبرة له (: انّ المسألة ليست من التّوقيفيات التي يدخلها الاجماع المركّب) فانّ الاجماع المركّب إنّما هو حجّة في المسائل الفرعيّة ، لا في مثل هذه المسائل الاصولية المرتبطة بالعقل والعقلاء.

(مع انّ دعواه في مثل هذه المسائل المستحدثة بشعة جدا) اذ المسائل المستحدثة اتّفاق العلماء فيها لا يكشف عن قول المعصوم ، أو عن دليل معتبر لم يصل الينا.

(بل المسألة عقليّة ، فاذا فرض استقلال العقل بلزوم العمل بالظنّ في مسألة تعيين الطرق ، فلا معنى لردّه بالاجماع المركّب) كما إنّه لا معنى لردّه بالاجماع

١٥٣

فلا سبيل الى ردّه الّا بمنع جريان حكم العقل وجريان مقدمات الانسداد في خصوصها ، كما عرفته منّا ، أو فيها أو في ضمن مطلق الأحكام الشرعيّة ، كما فعله غير واحد من مشايخنا.

الأمر الثاني :

وهو أهمّ الامور في هذا الباب ، أنّ نتيجة دليل الانسداد :

______________________________________________________

البسيط أو بالشهرة المحققة ، أو بالسيرة ، أو ما أشبه ذلك.

(فلا سبيل الى ردّه) أي : رد هذا القول الذي يخصص حجّية الظنّ بما اذا كان متعلقا بالاصول (الّا بمنع جريان حكم العقل ، وجريان مقدّمات الانسداد في خصوصها) أي : في خصوص المسائل الاصولية. (كما عرفته منّا) حيث ذكرنا : أنّ مقدّمات الانسداد إنّما يدل على حجية الظنّ في مطلق المسائل اصولية كانت أو فرعية (أو) منع جريان مقدمات الانسداد (فيها) أي : في الاصول ، لأنّ المقدّمات خاصّة بالفروع.

(أو) منع جريان المقدّمات إطلاقا (في ضمن مطلق الأحكام الشّرعيّة ، كما فعله غير واحد من مشايخنا) حيث قال : بانّ مقدّمات الانسداد لا تجري أصلا للقول بالانفتاح ، فقد منع جريانها في الاصول من جهة منع أصل دليل الانسداد.

والحاصل : انّ منع كلام التستري ، وصاحبي الحاشية الفصول ، انّما يكون بأحد هذه الوجوه الثلاثة ، لا بما ذكره بعض من لا خبرة له من المنع بسبب الاجماع المركّب.

(الأمر الثاني) من الامور التي ينبغي التنبيه عليها بعد بحث اصل الانسداد : (وهو أهمّ الامور في هذا الباب) اي : باب الانسداد (إنّ نتيجة دليل الانسداد ،

١٥٤

هل هي قضية مهملة من حيث أسباب الظنّ ، فلا يعمّ الحكم لجميع الأمارات الموجبة للظنّ إلّا بعد ثبوت معمّم من لزوم ترجيح بلا مرجّح ، أو إجماع مركّب ، أو غير ذلك ، أو قضيّة كلّية لا تحتاج في التعميم الى شيء؟ وعلى التقدير الأوّل ، فهل ثبت المرجّح لبعض الأسباب على بعض ، أو لم يثبت وعلى التقدير الثاني؟ أعني كون القضيّة كليّة ،

______________________________________________________

هل هي قضيّة مهملة من حيث أسباب الظنّ؟) أم لا؟.

ثم بيّن أسباب الظنّ بقوله (فلا يعمّ الحكم) الذي هو حجّية الظنّ بعد الانسداد (لجميع الأمارات الموجبة للظنّ ، الّا بعد ثبوت معمّم) فانّ الانسداد انّما يدلّ على حجّية الظنّ في الجملة ، فيلزم لتعميم الظنّ الى كلّ اسبابه ، أن يكون هناك معمم : (من لزوم ترجيح بلا مرجّح ،) فانا اذا قلنا : بانّ بعض الظنّ حجّة دون بعض ، لزم الترجيح بلا مرجّح ، اذ الظنون مطلقا حجّة بعد الانسداد.

(أو إجماع مركّب ، أو غير ذلك) ولا يخفى : انّ الاجماع المركّب إنّما يكون على تقدير صحة المقدمات فهو اجماع تقديري ، لا اجماع فعلي ، كما ذكرنا مثل ذلك في بحث الاجماع ، كما لا يخفى.

(أو قضيّة كليّة) بمعنى : أن مقدّمات الانسداد تفيد حجّية الظنّ من أيّ سبب حصل ، ف (لا تحتاج في التعميم الى شيء) آخر.

(وعلى التقدير الأول) وهو إهمال النتيجة (فهل ثبت المرجّح لبعض الأسباب على بعض ، أم لم يثبت؟) مثل إنّه هل ثبت ترجيح الظنّ الحاصل من الخبر على الظنّ الحاصل من الشهرة أم لم يثبت مثل هذا الترجيح؟.

(وعلى التقدير الثاني) وهو اطلاق النتيجة (أعني : كون القضية كلّية) تشمل

١٥٥

فكيف توجيه خروج القياس ، مع أنّ الدليل العقليّ لا يقبل التخصيص.

فهنا مقامات :

الأوّل :

في كون نتيجة دليل الانسداد مهملة أو معيّنة.

______________________________________________________

كل الظّنون (فكيف) يتم (توجيه خروج القياس ، مع أنّ الدليل العقلي لا يقبل التخصيص؟) فالعقل يرى حجيّة الظنّ عند الانسداد ، والظنّ يشمل الظنّ القياسي وغير القياسي ـ معا ـ فكيف يخرج الانسداديون الظنّ القياسي ويقولون : بانّه لا يعمل به في حال الانسداد؟.

وإنّما نقول بان الدليل العقلي لا يقبل التخصيص ، لأنّ العقل يعيّن موضوع حكمه ، ثم يحكم على ذلك الموضوع ، ومن الواضح : إنّ بعد تعيين الموضوع لا معنى لتخصيصه.

مثلا : العقل يرى إنّ كل عدد هو نصف مجموع حاشيته ، فهل هذا الحكم العقلي قابل للتخصيص ، بانّ يقال إنّ العدد عشرة ـ مثلا ـ ليس كذلك؟.

وكذا إذا حكم العقل : بانّ مساحة المربع تحصل من ضرب أحد اضلاعه في الضلع المجاور له ، سواء في المربع التام التربيع ، أو في المربع المستطيل ، فهل يمكن أن يقال : إنّ هذا الحكم العقلي لا يجري في المربع الكذائي؟.

وهكذا اذا حكم العقل : بانّ الظّلم قبيح ، فهل يمكن أن يقال : انّ الظلم الفلاني ليس بقبيح؟ والى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة.

(فهنا) في هذا الأمر الثاني من تنبيهات الانسداد (مقامات) على النحو التالي :

(الأوّل : في كون نتيجة الانسداد مهملة أو معيّنة).

١٥٦

والتحقيق : أنّه لا إشكال في أنّ المقدّمات السابقة التي حاصلها بقاء التكليف ، وعدم التمكّن من العلم ، وعدم وجوب الاحتياط ، وعدم جواز الرّجوع الى القاعدة التي يقتضيها المقام اذا جرت في مسألة تعيّن وجوب العمل بأيّ ظنّ حصل في تلك المسألة من أيّ سبب.

وهذا الظنّ كالعلم في عدم الفرق في اعتبار بين الأسباب والموارد والأشخاص ،

______________________________________________________

(والتحقيق : انّه لا إشكال في أنّ المقدّمات السّابقة) المذكورة في أول بحث الانسداد (التي حاصلها : بقاء التكليف ، وعدم التمكن من العلم ، وعدم وجوب الاحتياط وعدم جواز الرجوع الى القاعدة التي يقتضيها المقام) في كلّ مسألة ، فانّه لا تجري فيها الاصول بحسب ما تقتضيها المسألة من : البراءة ، أو الاستصحاب ، أو التخيير ، أو الاحتياط.

وكذا لا يجوز الرجوع فيها الى التقليد ، أو القرعة ، أو ما أشبه ذلك.

فانّه (اذا جرت في مسألة) هذه المقدّمات (تعيّن وجوب العمل بأي ظنّ حصل في تلك المسألة من أيّ سبب) كان ذلك الظنّ ، كما اذا حصل الظن بخبر الواحد من ظاهر الكتاب ، أو من الشهرة ، أو الاجماع المنقول ، أو الأولويّة القطعيّة.

(وهذا الظنّ كالعلم) عام من جميع الحيثيات (في عدم الفرق في اعتبار بين الأسباب) كما ذكرنا امثلة لها.

(و) عام بين (الموارد) من العبادات ، أو المعاملات ، أو الدّيات ، أو القضاء ، أو الارث ، أو غير ذلك.

(و) عام بين (الاشخاص) من مرتب الظنّ ، بأن يكون الظنّ قويا ، أو ضعيفا ،

١٥٧

وهذا ثابت بالإجماع وبالعقل.

وقد سلك هذا المسلك صاحب القوانين ، حيث أنّه أبطل البراءة في كلّ مسألة من غير ملاحظة

______________________________________________________

فانّ حاله حال العلم في حال الانفتاح حيث لا فرق فيه بين الأسباب والموارد والأشخاص.

(وهذا) أي : اطلاق النتيجة وكليتها بعد ثبوت المقدّمات المذكورة (ثابت بالاجماع) والمراد : الاجماع التقديري ، لا الاجماع الفعلي ، لأنّ الانفتاحين لا يقولون بالانسداد اصلا حتى يختلفون في اطلاق النتيجة أو إهمالها.

قال في الأوثق : «لا يخفى : إنّ دعوى الاجماع في المسائل العقليّة ، سيما غير المعنونة منها في كلمات القدماء ممّا لا وجه له ، اللهم ، الّا أن يريد منه مجرّد الاتفاق بدعوى الاستكشاف بحكم عقولنا عن حكم جميع ذوي الأسباب» (١).

هذا ، وكأنّ الأوثق أراد بهذا الكلام جواب بعض المحشين الذين استشكلوا على المصنّف : بانّ التمسك بالاجماع هنا ينافي رده على صاحب الضوابط فيما سبق ، حيث نقل هذا المحشي : انّ مراد المصنّف بقوله : اعلم انّ بعض من لا خبرة له ، هو صاحب الضوابط.

(و) ثابت أيضا (بالعقل) حيث إنّ العقل بعد تماميّة المقدّمات المذكورة ، لا يرى فرقا بين الأسباب والموارد والاشخاص.

(وقد سلك هذا المسلك) أي : التمسك بالاجماع والعقل لكون النتيجة كليّة لا مهملة (صاحب القوانين ، حيث انّه أبطل البراءة في كلّ مسألة من غير ملاحظة

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٢١٩ نتيجة دليل الانسداد هل هي مهملة أو معيّنة.

١٥٨

لزوم الخروج عن الدّين ، وأبطل لزوم الاحتياط كذلك مع قطع النظر عن لزوم الحرج.

ويظهر أيضا من صاحبيّ المعالم والزبدة ، بناء على اقتضاء ما ذكراه لإثبات حجّية خبر الواحد للعمل بمطلق الظنّ ، فلاحظ.

______________________________________________________

لزوم الخروج عن الدّين) بمعنى : أنّ البراءة لا تجري في مسائل ، وإن لم تلزم البراءة الخروج عن الدّين.

(وأبطل لزوم الاحتياط كذلك) أي : في كلّ مسألة (مع قطع النّظر عن لزوم الحرج) بمعنى : انّه وإن لم يلزم الحرج فلا يحتاط في المسائل في اطراف العلم الاجمالي.

(ويظهر ايضا من صاحبيّ المعالم والزّبدة بناء على اقتضاء ما ذكراه لاثبات حجّية خبر الواحد للعمل بمطلق الظنّ) فانّهما يزعمان ان مطلق الظنّ حجّة ويقولان : بانّ خبر الواحد إنّما هو حجّة ، لأنّه من صغريات مطلق الظنّ ممّا يدل على أنّ مطلق الظنّ حجّة ، فالنتيجة مطلقة لا مهملة (فلاحظ) كلامهم.

وتوضيح ذلك : انّ صاحب القوانين يقول : إنّ حجّية أصالة البراءة انّما هي من جهة إفادة هذا الاصل الظنّ ، فاذا كان ظن على خلاف البراءة ، لم تكن أصالة البراءة حجّة ، ويقول أيضا : انّه لا يجب الاحتياط في موارد العلم الاجمالي ، اذ العلم الاجمالي إنّما يمنع المخالفة القطعيّة ولا يوجب الموافقة القطعيّة ، وعليه :

فالعمل بالبراءة لا يجوز من جهة عدم حجّية البراءة مع وجود الظنّ على خلاف البراءة ، والعمل بالاحتياط لا يلزم في اطراف العلم الاجمالي لما سبق.

هذا هو رأي القوانين ، أمّا نظر غيره فهو : انّ البراءة لا تجري في حال الانسداد ، لأنّه يوجب الخروج عن الدّين ، والاحتياط لا يلزم ، لانّه عسر وحرج.

١٥٩

لكنّك قد عرفت ممّا سبق أنّه لا دليل على منع جريان أصالة البراءة وأصالة الاحتياط والاستصحاب المطابق لأحدهما في كلّ مورد مورد من مواردها بالخصوص.

إنّما الممنوع جريانها في جميع المسائل ، للزوم

______________________________________________________

إذا عرفت انّ في المسألة رأيين قلنا : انّ صاحب القوانين يقول بعموم نتيجة الانسداد لكل ظنّ ، وذلك من جهة : الاجماع على حجيّة الظنّ مطلقا حال الانسداد ومن جهة : أنّ العقل في حال الانسداد لا يرى فرقا بين الظّنون.

أمّا الرأي الآخر في قبال القوانين : فيرى عموم النتيجة ، من جهة : عدم جريان البراءة ، وعدم لزوم الاحتياط في حال الانسداد ، فاذا لم يكن براءة ولا احتياط ، لم يكن بدّ من الظنّ ، فالظّن حجّة مطلقا.

وأمّا صاحبا ، الزبدة والمعالم : فانهما يقولان بحجيّة مطلق الظنّ ، ويزعمان أنّ الخبر الواحد حجّة من باب انّه من صغريات مطلق الظنّ ، وعلى هذا فهما يقولان : باطلاق حجّية الظنّ في حال الانسداد مطلقة لا مهملة.

إذن : فنتيجة دليل الانسداد مطلقة لا مهملة.

(لكنّك قد عرفت ممّا سبق : انّه لا دليل على منع جريان أصالة البراءة ، وأصالة الاحتياط ، والاستصحاب المطابق لأحدهما) أي : للبراءة أو للاحتياط (في كلّ مورد مورد من مواردها بالخصوص) أي : موارد البراءة ، والاحتياط ، والاستصحاب المطابق لهما ، فقول القوانين : انّه لا تجري البراءة ، ولا الاحتياط ، وإلّا الاستصحاب الموافق لهما غير تام.

(إنّما الممنوع) من جريان البراءة هو : (جريانها في جميع المسائل ، للزوم

١٦٠