دراسات في علم الأصول - ج ٤

آية الله السيّد علي الشاهرودي

دراسات في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد علي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٨

وثانيا : ان ذيل الرواية شاهد على ان المراد بالحكم الثاني الّذي يأمر به الإمام الحي هو الحكم الصادر تقية ، فيجب الأخذ به للتقية.

وثالثا : انها معارضة لجميع الأخبار الواردة في الترجيح والتخيير ، لأنه إذا وجب الأخذ بالخبر الثاني عند المعارضة فعلى أي مورد نحمل أخبار التخيير والترجيح ، فلا يبقى لهما مورد إلّا ما إذا لم يعلم تاريخ الخبرين. بل هذا الفرض أيضا خارج عنها ، لأنه حينئذ يكون من باب اشتباه الحجة باللاحجة ، حيث ان المتأخر حجة دون السابق واشتبها.

فلم يثبت دليل على الترجيح بالتأخر الزماني ، بل المرجح منحصر بموافقة الكتاب ثم مخالفة العامة ثم التخيير.

بقي الكلام في جهات :

الأولى : انّه إذا اختلف الراوي في تفسير معنى الرواية ، وكل من الراويين أسند تفسيره إلى الإمام عليه‌السلام كما يتفق ذلك كثيرا في موارد نقل الرواية بالمعنى. لا يكون ذلك من باب تعارض الخبرين أصلا ، بل هو من قبيل الاختلاف في فهم معنى العبارة ، كما هو ظاهر.

وأمّا إذا اختلفت الرواية في نقل حديث واحد عن الإمام عليه‌السلام ، كما إذا فرضنا ان الكافي روى بإسناده إلى زرارة عن الصادق مثلا الحديث بنحو ، وروى الشيخ بنفس السند عن الصادق عليه‌السلام بنحو آخر ، ونفرض ان في أحد النقلين أمر بالإعادة ، فقال : يعيد ، وفي الآخر نقل لا يعيد ، أو في أحد النقلين يجوز ، وفي الآخر لا يجوز ، فهل يكون ذلك من تعارض الخبرين ، أو لا؟ ذهب المحقق الهمداني وجمع آخر إلى انه من قبيل اختلاف النسخ.

ولكن الصحيح : ان اختلاف النسخ انما يكون فيما إذا كان الاختلاف في نسخة كتاب واحد ، كما إذا فرضنا ان الرواية في بعض نسخ الكافي مشتملة على

٤٠١

كلمة لا ، وفي بعضها غير مشتملة عليها ، فانه من اختلاف النسخة لا الرواية. وأما إذا كان الاختلاف في نقل الرواية ، فبابه باب تعارض الخبرين. ومجرد العلم بعدم صدور أحد الخبرين عن الإمام عليه‌السلام لا ينافي أن يكون من باب التعارض ، كما إذا فرضنا ان الإمام عليه‌السلام سئل في المجلس عن مسألة فأجاب ، وكان في المجلس جماعة فنقل بعضهم كلامه عليه‌السلام بوجه ، والبعض الآخر بوجه آخر يخالفه ، فانه من باب التعارض مع العلم بأن الصادر من الإمام ليس إلّا أحدهما.

وبالجملة كل من الراويين يروي عن زرارة مثلا أنه أخبر عن الصادق عليه‌السلام أنه قال كذا ، ويعلم بكذب إحداهما ، وهذا من تعارض الخبرين ، ولا ربط له باختلاف النسخ ، كما ذهب إليه جمع منهم المحقق الهمداني ، ويترتب عليه أثر عملي.

الجهة الثانية : في انه لو لم نقل بالتخيير الابتدائي ، فهل يكون بين المرجحات ترتيب ، على حسب تقسيم الشيخ لها إلى أقسام ثلاث أو أربع ، مرجحات لأصل الصدور ، ولجهة الصدور ، ولمطابقة المضمون للواقع أو بغير ذلك ، أو لا ترتيب فيها؟

ذكر صاحب الكفاية (١) ما حاصله : انه لو تنزلنا عن القول بالتخيير ، وقلنا بالترجيح ، لم يكن بين المرجحات المذكورة ترتيب أصلا ، وذلك لأن الترتيب المذكور في الروايات ليس إلّا ترتيبا في الكلام ، وليس شيء من الاخبار في مقام بيان الترتيب بين المرجحات واقعا ، فلا يستفاد منها أكثر من كون الأمور المذكورة فيها مرجحة في مقام التعارض. وبعبارة أخرى : الروايات في مقام بيان المرجحات ، لا الترتيب بينها ، فلا يستفاد منها ذلك.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٤١١.

٤٠٢

ثم على فرض الترتيب ، ذكر الوحيد البهبهاني ان المرجح الأول هو مخالفة العامة ، ثم تصل النوبة إلى سائر المرجحات. وذكر في وجهه انه إذا ورد خبران متعارضان ، وكان أحدهما موافقا للعامة دون الآخر ، فيطمئن بعدم صدور الخبر الموافق لهم ، امّا رأسا ، واما لبيان الحكم الواقعي ، فلا يكون الخبر الموافق لهم حجة ليرجح على المخالف ، ولو كان مشتملا على بقية المرجحات.

وذهب الميرزا إلى ان الترتيب بينها بحسب الترتيب الطبيعي ، فان الخبر أولا لا بد وان يثبت أصل صدوره عن الإمام عليه‌السلام. ثم بعد ما ثبت صدوره عنه يبحث عن جهة صدوره ، وانه صدر لبيان الحكم الواقعي ، أو تقية. ثم بعد ما ثبت صدوره لبيان الواقع ، بما أن الخبرين متعارضان ولا يمكن أن يكون كلاهما مطابقا للواقع ، يكون الموافق منهما للكتاب هو المطابق للواقع ، وترتيب المرجحات لا بد وان يكون بهذا النحو.

ونقول : أما ما ذكره الوحيد ، فيرده :

أولا : انّه من أين يطمئن بعدم صدور الخبر الموافق للعامة ، مع انه ليس جميع أقوال العامة مخالفة للواقع ، فكما يحتمل ان يكون المخالف لهم صادرا ، يحتمل كون الموافق لهم صادرا دون المخالف.

وثانيا : إذا لم يكن الموافق للعامة من الخبرين صادرا فكيف أمر الإمام عليه‌السلام بالأخذ بالمشهور وبما وافق الكتاب أولا ، إذ يحتمل ان يكون هو الموافق للعامة.

وأمّا ما ذكره الميرزا من الترتيب الطبيعي ، فهو وان كان كذلك ، إلّا انه استحسان ، وليس برهانا عقليا ليطرح بسببه الروايات. وظاهر المقبولة وصريح الصحيحة خلاف ذلك ، وانه أولا لا بد من الأخذ بما وافق الكتاب ، ثم الأخذ بما خالف العامة.

٤٠٣

وأما ما ذكره الآخوند من عدم الترتيب ، ففيه : ان الترتيب يستفاد من إطلاق أمر الإمام عليه‌السلام بالأخذ بما وافق الكتاب أولا ، فانه يقتضي تعينه ، ولو كان هو موافقا للعامة ومعارضه مخالفا لهم ، فيثبت الترتيب.

فتحصل : انّه لو لم نقل بالتخيير ابتداء ، كما لا نقول به ، فلا بد من الترجيح أولا بموافقة الكتاب ، ثم بمخالفة العامة ، كما صرح به في الصحيحة.

الجهة الثالثة : في التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها. والكلام فيها يقع في مقامين :

تارة : من حيث مقتضى الأصل العملي.

وأخرى : فيما تقتضيه الأخبار.

أمّا المقام الأول : فالأصل العملي يقتضي التعدي ، أعني تعين ذي المزية في الحجية لما بيناه في ما سبق من ان الأصل في دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجية ، وفي باب التزاحم ، يقتضي التعيين ، وان اقتضى التخيير إذا شك في تخييرية الحكم الفرعي في غير الموردين. وذلك لأن المعين يكون حجة قطعا ، والآخر يشك في حجيته ، والأصل عدم حجيته.

وأمّا المقام الثاني : فقد استدل الشيخ للتعدي بوجهين :

الوجه الأول : عموم العلة في قوله عليه‌السلام في المقبولة «فان المجمع عليه مما لا ريب فيه» (١) بدعوى (٢) : انه لا يمكن ان يراد بما لا ريب فيه ما لا ريب فيه حقيقة ، لأن لازمه كون الخبر المعارض له بيّن الغي والإمام عليه‌السلام أدخله في الشبهات ، فإرادة نفي الريب حقيقة ينافي ما صنعه الإمام عليه‌السلام من جعل معارضه من قبيل الشبهات ، فلا بد وان يراد به ما لا ريب فيه بالقياس إلى معارضه ، بمعنى اشتماله على جهة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ ـ باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ١.

(٢) فرائد الأصول : ٢ ـ ٧٨١ (ط. جامعة المدرسين).

٤٠٤

أقربية إلى الواقع ليس معارضه مشتملا عليها ، وعموم العلة يقتضي التعدي إلى الموارد التي يكون من هذا القبيل.

وفيه : أولا : أن المقبولة ضعيفة السند ، لأن عمر بن حنظلة لم يمدح ولم يوثق في كتب أهل الرّجال ، وقد اعتمدنا في الترجيح على صحيحة الراوندي.

وثانيا : ان الشيخ بنفسه لم يلتزم بذلك ، لا فتوى ولا عملا. كما لا يستفاد من نفس المقبولة أيضا ثبوت الترجيح بمجرد كون راوي أحد الخبرين المتعارضين اثنين وراوي الآخر ثلاثة مثلا. ولو كان المراد ذلك لم يناسب ان يأمر بالأخذ بالمشهور المجمع عليه ، بل كان المناسب ان يذكر الكبرى الكلية ، ويقول : خذ بما كان رواته أكثر مثلا. وبالجملة يأبى الفهم العرفي استظهار الترجيح بمثل ذلك من هذا التعبير.

وثالثا : يمكن أن يكون المراد ما لا ريب فيه حقيقة ، ولا ينافي ذلك كون معارضه من الشبهات ، إذ القطع بصدور أحدهما لا يستلزم القطع بعدم صدور الآخر ، بل يمكن القطع بصدور خبرين متعارضين ، فيحتمل كون الأول صادرا تقية ، أو أريد به خلاف الظاهر ، فمن الممكن ان يكون أحد المتعارضين مما لا ريب في صدوره حقيقة ، ومع ذلك يحتمل صدور معارضه لبيان الحكم الواقعي.

ورابعا : الحصر الّذي ذكره الشيخ ليس بحاصر ، إذ يمكن أن لا يراد من نفي الريب نفيه حقيقة ليلزم المحذور ، ولا نفيه بالإضافة إلى معارضه ليلزم التعدي ، بل يراد به ما لا ريب فيه عرفا ، أي ما يرونه العقلاء كذلك ، ويعاملون معه معاملة ما لا ريب فيه وإن لم يكن حقيقة. ويحتمل ان يكون معارضه هو الصحيح ، بل لا يبعد أن تكون المقبولة أظهر في هذا الاحتمال. فهذا الوجه غير تام.

٤٠٥

الوجه الثاني : استشهاده (١) بقوله عليه‌السلام «فان الرشد في خلافهم» بنحو التقريب المتقدم بدعوى : ان المراد بالرشد ليس هو الرشد الحقيقي ، وإلّا كان الخبر الموافق لهم ساقطا عن الاعتبار قطعا ، لا أنه عدله عند عدم المرجح ويرجح عليه المخالف لوجود المرجح فيه ، فالمراد ان الخبر المخالف للعامة فيه الرشد بالإضافة إلى الموافق ، أي فيه جهة أقربية إلى الواقع ليست موجودة في معارضه ، فيتعدى عنها إلى غيرها.

وفيه : أولا : انّ هذه الجملة لم نعثر عليها في الأخبار ، وإنّما هي مذكورة في الكافي وعبارة الكليني. نعم في المرفوعة علل الأخذ بما خالف العامة بأن الحق في خلافهم ، وهو وان كان موافقا لها في المضمون ، إذ الحق والرشد متقاربان من حيث المعنى ، إلّا أن المرفوعة كما عرفت ضعيفة السند.

وأما المقبولة فالمذكور فيها هكذا «ما خالف العامة ففيه الرشاد» (٢) وليس مشتملا على التعليل ليتعدى بعمومه. وقد يفرض اشتمالها على التعليل ، إلّا أنه يمكن ان يكون المراد بالرشاد الرشاد الحقيقي ، فان أكثر فتاوى العامة مبنية على قياسات واستحسانات غير مطابقة للواقع ، فالخبران المتعارضان إذا كان أحدهما مخالفا للعامة دون الآخر بحسب الأغلب يكون الرشاد في المخالف منهما للعامة ، فنوعا يكون الرشد في مورد التعارض في الخبر المخالف لهم من المتعارضين ، دون الموافق. ولا ينافي ذلك أي كون المخالف بيّن الرشد غالبا احتمال مطابقة الموافق المعارض له موافقا للواقع ، ولو من باب كونه من الأفراد النادرة ، فان العامة ليس جميع فتاواهم مخالفة للواقع. فهذا الوجه أيضا ساقط.

فالصحيح : عدم إمكان التعدي عن المرجحين المنصوصين إلى غيرهما.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٧٨١ (ط. جامعة المدرسين).

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ١.

٤٠٦

ثم انك قد عرفت ان مقتضى القاعدة في تعارض الحجتين هو التساقط ، بمعنى عدم إمكان شمول دليل الحجية لشيء منهما.

فحجية أحدهما تعيينا أو تخييرا تحتاج إلى دليل. ففي تعارض الخبرين ان كان أحدهما موافقا للكتاب دون الآخر ، أو كانا معا موافقين ، أو مخالفين للكتاب ، ولكن كان أحدهما مخالفا للعامة دون الآخر ، كان هو الحجة ، لما دل على ذلك من صحيحة الراوندي. وإلّا فأدلة الأصول العملية العقلية والنقليّة من البراءة والاشتغال والاستصحاب بحسب اختلاف الموارد هي المحكمة ، لا يمكن رفع اليد عنها إلّا بدليل. مثلا إذا دل دليل على وجوب القصر في ظهر يوم الجمعة ، ودليل على وجوب الإخفات فيها ، أو على وجوب القصر في مورد الإتمام في نفس ذلك المورد ، ولم يكن أحد المرجحين موجودا في أحدهما ، كان مقتضى العلم الإجمالي هو الاشتغال والاحتياط بالجمع بين الأمرين. كما أنه إذا كانت الشبهة من قبيل الشك في الحكم كانت البراءة العقلية والنقليّة محكمة. وهكذا الحال في تعارض الأمارات في الموضوعات ، فان الاستصحاب فيها محكم.

وبالجملة مقتضى عمومات أدلة الأصول العملية عند تعارض الأمارتين ، وعدم شمول دليل اعتبار الأمارة لهما ، هو الرجوع إليها. وأما الأخذ بإحدى الأمارتين ، فهو محتاج إلى دليل مخصص لأدلة الأصول العملية.

فما ذكره المحدث الكليني من أن الأحوط عند تعارض الخبرين وفقد المرجح هو الأخذ بأحدهما ليس على ما ينبغي ، فانه لو دل دليل على التخيير فهو المتعين ، لا الأحوط ، وإلّا فلا وجه لرفع اليد عن عموم أدلة الأصول العملية.

فلا بد من البحث عن دليل التخيير. وما عثرنا عليه من الروايات ليست إلّا ثمانية.

٤٠٧

منها : مرفوعة زرارة (١). وهي كما عرفت ضعيفة السند. وعلى فرض الإغماض عن السند أيضا هي واردة في مقطوعي الصدور ، كالمقبولة ، فان الراوي فرض فيهما كون الحديثين كليهما مشهورين مأثورين ، وقد عرفت معنى الشهرة لغة ، فأرجعه الإمام عليه‌السلام إلى موافقة الكتاب أولا ، ثم إلى مخالفة العامة ، ثم إلى التخيير. وثبوت التخيير فيهما غير مستلزم لثبوته في ظني الصدور ، إذ ليس لجواب الإمام عليه‌السلام فيها إطلاق يؤخذ به.

ومنها : رواية الفقه الرضوي (٢). وهي وان كانت تامة من حيث الدلالة ، إلّا انها ضعيفة السند. ولم يثبت كونه من الإمام عليه‌السلام خصوصا ما نقل فيه بعنوان روى.

ومنها : رواية الحسن ابن جهم عن الرضا عليه‌السلام «قال : فقلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ، ولا نعلم أيهما الحق؟ قال عليه‌السلام : إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت» (٣) وهي وإن كانت تامة دلالة ، إلّا أنها ضعيفة السند.

ومنها : موثقة سماعة المروية في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر ، كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه ، والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع؟ قال : يرجه حتى يلقي من يخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه» (٤).

وهذه الرواية وان كانت موثقة سندا ، إلّا انها أجنبية عما نحن فيه ، وذلك لأن مفادها التخيير عملا في دوران الأمر بين المحذورين ، حيث فرض السائل أن

__________________

(١) عوالي اللئالي : ٤ ـ ص ١٣٣ ، ح ٢٩٩.

(٢) مستدرك الوسائل : ٢ ـ باب ١ من أبواب النفاس ، ح ١.

(٣ ، ٤) وسائل الشيعة : ١٨ ـ باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ٤٠ و ٥.

٤٠٨

أحد الخبرين يأمره والآخر ينهاه ، فلم يأمر فيها الإمام عليه‌السلام بالأخذ بأحد الخبرين ، بل أمر بالتوقف عن ذلك بقوله «يرجه» أي يتوقف عن الفتوى ، وأما من حيث العمل فيتخير ، لكون المورد من دوران الأمر بين المحذورين. ولو كان التخيير في الأخذ بأحد الخبرين لم يكن لأمره بالإرجاء والتوقف وجه أصلا.

وأما ما أرسله في الكافي ، وفي رواية «بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك» فلو لم يكن ناظرا إلى أحد الروايات فهي مرسلة لا يعتمد عليها.

ومنها : ما في الاحتجاج عن الصادق عليه‌السلام «قال : إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترد إليه» (١).

وفيه : مضافا إلى ضعف السند ، أنه أجنبي عن معارضة الأخبار. بل ظاهرها الأمر بالأخذ بقول الثقة حتى يتمكن من لقاء الإمام عليه‌السلام فإذا لقاه لا بد عليه من عرض ما سمعه من الثقات عليه عليه‌السلام.

ومنها : صحيحة علي بن مهزيار ، قال : قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام «اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في ركعتي الفجر في السفر ، فروى بعضهم صلّها في المحمل ، وروى بعضهم لا تصلّها إلّا على الأرض ، فوقع عليه‌السلام موسع عليك بأية عملت» (٢).

وهي وإن كانت معتبرة من حيث السند ، إلّا انها واردة في ركعتي السفر ، والمراد بهما نافلتي الفجر ، كما أطلق هذا العنوان عليهما في كثير من الروايات. ولعل النكتة في السؤال عنهما دون بقية النوافل من جهة ان وقت السفر غالبا يكون مقارنا للفجر ، دون أوقات سائر النوافل.

وعلى كلّ بما ان مورد السؤال هي النافلة ، ويمكن الإتيان بها في المحمل ، بل

__________________

(١ ، ٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ٤١ و ٤٤.

٤٠٩

ماشيا ، بل في جميع الأحوال من غير عذر ، أمر عليه‌السلام بالتخيير والتوسعة ، وهذا لا ربط له بالإلزاميات.

ومنها : ما رواه في الاحتجاج عن مكاتبة الحميري إلى الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف يسأله عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة ، فهل يجب عليه أن يكبر؟ إلى ان قال في الجواب في ذلك حديثين. أمّا أحدهما فانه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير. وأمّا الآخر فانه روى أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير. وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى ، وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا. ولعل الكليني كان ناظرا إليها فيما حكاه مرسلا عن العالم عليه‌السلام. وهذه الرواية معتبرة ان كان الاحتجاج نقلها عن مكاتبة الحميري بدون واسطة ، فنفرضها معتبرة.

إلّا انها أجنبية عما نحن فيه. وذلك لعدم المعارضة في الحديثين المفروضين في المكاتبة ، لأن بينهما عموم مطلق ، حيث ان الحديث الأول الوارد في التكبيرة عند الانتقال من كل حالة إلى غيرها عام. والحديث الثاني النافي لها إذا قام من جلسة الاستراحة ومن التشهد خاص ، ومقتضى الجمع العرفي هو تخصيص الأول بالثاني ، لا التخيير ، وانّما حكم الإمام بالتخيير من باب أن المورد هو المستحب ، فان التكبير مستحب في جميع الحالات ، والتعدي إلى غير المستحبات بلا وجه.

وبعبارة أخرى : المورد وان لم يكن مخصصا ، إلّا انه انما هو فيما إذا كان جواب الإمام عليه‌السلام عاما أو مطلقا. وأما إذا كان الجواب أيضا خاصا مختصا بالمورد ، كما ذكرنا ذلك في المرفوعة ، حيث ان الجواب فيها كان مختصا بموردها ، وهو مقطوعي الصدور ، فالتعدي إلى غيره ، لا وجه له ، والمقام من هذا القبيل.

فتحصل : انه لا دليل على التخيير في الخبرين المتعارضين أصلا ، بل لا بد

٤١٠

من الرجوع إلى عمومات أدلة الأصول.

ومما يؤكد ذلك انّا لم نعثر في الفقه على مورد من موارد التعارض ذهب فيه الفقهاء إلى التخيير بعد عدم المرجح ، بل يرجعون في ذلك إلى الأصول العمليّة.

نعم إذا كان أحدهما موافقا للكتاب دون الآخر ، يؤخذ به ، وإلّا فان كان أحدهما مخالفا للعامة دون الآخر ، يؤخذ به ، لصحيحة الراوندي.

ولا يخفى انه وان أشكل في صحة اسناد كتاب الراوندي إليه ، إلّا أنه يمكن أن تكون الرواية المروية عنه صحيحة ، لأنّ الرّواة انما يروونها عنه بواسطة المشايخ ، لا الكتاب.

ثم على تقدير القول بالتخيير هل هو استمراري أو بدوي؟ ذهب صاحب الكفاية (١) إلى الأول لوجهين :

أحدهما : استصحاب بقاء التخيير.

ثانيهما : إطلاق الأدلة كقوله عليه‌السلام «إذا فتخير» فانه يعم ما بعد العمل بأحدهما.

ولا يتم شيء من الوجهين.

أما الاستصحاب ، فأولا : لا يجري في الأحكام الكلية ، كما في المقام.

وثانيا : على فرض جريانه فيها مقتضى الاستصحاب نفي الاستمرار ، لأن الأصل بعد الأخذ بأحد المتعارضين ، وصيرورته حجة بالفعل ، عدم حجية معارضه بالعدول إليه ، ولا يعارضه استصحاب بقاء التخيير ، لأنه لا يثبت حجية ما عدل إليه إلّا بنحو الأصل المثبت ، فانها من لوازم بقاء التخيير عقلا.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٣٩٧.

٤١١

وأما الإطلاق ، ففيه : انّ الخطاب بالأخذ بأي الخبرين انما هو متوجه إلى من يأتيه خبران متعارضان وهو متحير في مقام الأخذ. وليس للأدلة إطلاق يعم من أخذ بأحد الخبرين وخرج عن التحير ، فالتخيير فيما نحن فيه ليس من التخيير في الحكم الفرعي ، كالتخيير بين القصر والإتمام ، ليثبت استمراره بالاستصحاب ، أو بإطلاق الدليل. فهو على فرض ثبوته بدوي لا استمراري.

هذا تمام الكلام في تعارض الخبرين بالتباين.

المقام الثاني : فيما إذا كانت المعارضة بينهما بالعموم من وجه ، وقد بينا ان المعارضة بين الخبرين قد تكون بالتباين ، وقد تقدم الكلام فيها. وقد تكون بالعموم من وجه. ولم نر من العلماء من تعرض للمعارضة بالعموم من وجه ، سوى ان شيخنا الأنصاري ذكر واحتمل فيها احتمالين :

أحدهما : ان تكون المعارضة بينهما في الدلالة ، فيسقطان ، ويرجع إلى الأصول العملية.

ثانيهما : ان تكون المعارضة بينهما في السند ، فيرجع إلى الترجيح ، وبعده إلى التخيير.

ثم ذكر مبعدا للثاني ، بأن المعارضة لو كانت في السند ، ورجعنا إلى المرجح السندي ، فان طرحنا الخبر المرجوح رأسا لزم طرحه في مقدار من مدلوله من غير سبب ومعارضة ، إذ المعارضة ليست في تمام مدلولهما ، بل هي في مورد الاجتماع دون مورد الافتراق. وان طرحناه في المجمع فقط ، فلازمه الالتزام بصدور الخبر الواحد من جهة دون جهة ، أي في بعض مدلوله دون بعض ، وهو بعيد جدا.

والميرزا أيضا تعرض لذلك ، وزاد على ما أفاده الشيخ ، انه وان لم يمكن الرجوع إلى مرجحات أصل الصدور ، إلّا أنه لا مانع من الرجوع إلى المرجحات

٤١٢

الجهتية ، إذ لا مانع من كون رواية واحدة صادرة لبيان الواقع من جهة ، وتقية من جهة أخرى.

ونقول : تحقيق الكلام ان المعارضة بالعموم من وجه تتصور على أنحاء ثلاثة : فانه قد يكون عموم كل منهما بالوضع. وقد يكون عمومهما معا بالإطلاق ومقدمات الحكمة. وثالثة يكون العموم في أحدهما بالوضع وفي الآخر بمقدمات الإطلاق.

أما القسم الأخير ففي الحقيقة خارج عن التعارض ، لأن العام الوضعي ينفي موضوع الإطلاق رأسا ، فانه متوقف على عدم البيان ويصلح العام لأن يكون بيانا.

وانما الكلام في الفرضين الآخرين ، وان التعارض بينهما هل يكون في السند ليرجع إلى المرجحات ، ثم إلى التخيير ، أو في الدلالة ليتساقطان ، فيرجع إلى الأصول العملية ، أو يفصل بينهما؟ لا بد في بيان ذلك من تقديم مقدمة : وهي ان الأحكام والعناوين المحمولة على الألفاظ على قسمين. فان منها ما يكون صفة للدلالة ، فلا ينحل ولا يتعدد بانحلال المدلول وتعدده. ومنها ما هو من لوازم المدلول ، فلا محالة يتعدد بانحلاله. مثلا الكذب من عناوين الدلالة. ولذا لا يتكثر بتكثر المدلول ، فلا يفرق بينما إذا أخبر الكاذب بأن عندي درهم ، أو قال عندي عشرة دراهم ، فالكذب الصادر منه في الصورتين ليس إلّا كذبا واحدا. بخلاف الغيبة ، فانه من عنوانين المدلول ، ولذا يتعدد بتعدده ، فإذا قال أحد هذين الأخوين فاسق ، فقد اغتابهما ، ووجب عليه الاسترضاء منهما ، وان كان الاخبار واحدا ، لأن المدلول متعدد.

إذا عرفتها نقول : ان الحجية التي هي عبارة عن كاشفية شيء عن شيء في حكم الشارع تعبدا بعد ما لم يكن كذلك حقيقة من قبيل الثاني ، فبتعدد الحجية

٤١٣

يتعدد الواقع المنكشف بالحجة ، ولذا إذا أخبرت البينة مثلا بان الدار بتمامه لزيد ، وأقر زيد بأن نصفه ليس له ، لم يسقط البينة عن الحجية إلّا في النصف ، الّذي اعترف به المقر ، وكانت حجة في النصف الباقي. وكذا إذا قامت على ان كل ما في الصندوق لعمر ، وكان فيه عباء وقباء ، وعلمنا من الخارج ان القباء ليس له ، تسقط البينة عن الحجية فيه ، وتبقى على الحجية في العباء.

وعليه ففي الخبرين المتعارضين بالعموم من وجه فيما إذا كان عموم كل منهما بالوضع ، فكل من الخبرين بمنزلة إخبارات عديدة ، فالمخبر عن وجوب إكرام كل عالم كأنه صرح بوجوب إكرام العالم العادل ، ووجوب إكرام العالم الفاسق. وكذا المخبر عن حرمة إكرام الفاسق ، كأنه صرح بحرمة إكرام الفاسق الجاهل ، وحرمة إكرام الفاسق العادل ، غاية الأمر جمع بينهما في مقام اللفظ. ففي مورد الافتراق من الطرفين يكون كل منهما حجة ، لعدم المعارضة. وأما مورد الاجتماع ، أعني العالم الفاسق ، فتقع المعارضة بينهما بالتباين ، لأن كلا منهما ينفي ما يثبته الآخر ، فلا يعم دليل الحجية لشيء منهما. وسقوطهما عن الحجية غير مستلزم سقوط الاخبار في موردي الافتراق عن الحجية ، كما لو فرضنا كون الاخبار متعددا.

ثم إن كان أحدهما من المجمع عليه دون الآخر قدم ، وسقط معارضه عن الحجية في مورد المعارضة ، وإلّا فان كان أحدهما موافقا للكتاب دون الآخر فكذلك ، وإلّا فان كان أحدهما مخالفا للعامة دون الآخر فكذلك ، وإلّا فيرجع إلى التخيير ، أو إلى الأصول العملية ، كما هو الصحيح.

ولا يتوهم في المقام ما ذكرناه من تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الحجية ، وذلك لأنه انما كان في الدلالة الالتزامية لكونها تابعة للدلالة المطابقية تبعية المعلول عن علته ، فإذا فرضنا انتفاء العلة انتفى المعلول أيضا. وهذا بخلاف الدلالة التضمنية ، فانها ليست تابعة للدلالة المطابقية ، فان دلالة العام على ثبوت

٤١٤

الحكم في بعض مدلوله في عرض دلالته على ثبوت الحكم في بعض مدلوله الآخر ، فسقوطه عن الحجية في بعض لا يستلزم سقوطه عنها في البعض الآخر.

ومرادنا من الرجوع إلى المرجحات ليس إلّا هذا المعنى ، أعني سقوط المرجوح عن الحجية في بعض مدلوله ، وبقائه على الحجية في بعض مدلوله ، لا صدوره في بعض وعدم صدور في البعض. ومن الظاهر ان عدم حجيته غير مستلزم لعدم الصدور ، بل يمكن ان يكون صادرا ولم يكن حجة في العموم ، لاحتمالات أخر ، مثل احتمال ذكر الإمام عليه‌السلام للقيد وغفلة الراوي عن سماعه أو نقله أو لغير ذلك. فلا يستلزم ترجيح أحد الخبرين على الآخر في المقام صدور الرواية المعارضة له من جهة وعدم صدورها من جهة أخرى.

فالصحيح : من الاحتمالين هو الاحتمال الثاني ، الّذي ضعفه الشيخ ، أي القول بأن المعارضة بينهما تكون في السند ، فيرجع إلى المرجحات كما فصلناه.

هذا إذا كان عموم كل منهما بالوضع.

وأمّا إن كان عمومهما بالإطلاق ، فتفصيل الكلام في ذلك : انّا بينا في بحث المطلق والمقيد ان الإطلاق والسريان في مقابل التقييد ليس مدلولا للفظ المطلق ، فانه موضوع للطبيعة المهملة أو اللابشرط المقسمي على الخلاف ، فالسريان إلى جميع الأصناف أو بعضها خارج عن مدلوله ، وانما يستفاد من حكم العقل بعد ترتيب مقدمات الحكمة ، من كون المتكلم في مقام البيان ولم ينصب قرينة على التقييد ولم يكن قدر متيقن في مقام التخاطب.

وعليه فما يخبر به المخبر في مورد الإطلاق ليس إلّا أمران ، كلام الإمام عليه‌السلام أي حكمه المعلق باللفظ الموضوع للطبيعة المهملة ، وهذا أمر وجودي ، وعدم ذكره عليه‌السلام للقيد ، وهو أمر عدمي. وأما السريان فليس هو المخبر به أصلا ، فإذا لم يكن المخبر به في الخبرين أكثر مما ذكرناه ، فليس بينهما تناف وتعارض بما هما

٤١٥

خبران أصلا ، إذ لا تعاند بين وجوب إكرام العادل مهملا وحرمة إكرام الفاسق كذلك. وإنما التنافي بين إطلاقهما بما انه كاشف عن سريان المراد الجدي ، فبين نفس الخبرين لا تعارض في العرض.

وأما الإطلاق فالظاهر سقوطه في كليهما ، ولو كان أحدهما سابقا على الآخر زمانا ، لما عرفت عن قريب من أن الإطلاق متوقف على عدم القيد بقاء ، كتوقفه على عدمه حدوثا.

وعليه فتحقق الإطلاق في كليهما ممنوع للتعارض. وفي أحدهما دون الآخر بلا مرجح ، فيسقط في كليهما ، فيكونان مجملين ، فيرجع في الزائد على المتيقن إلى ما يقتضيه الأصل العملي أو العام الفوق.

ثم ليعلم ان مخالفة الرواية مع الكتاب تتصور على صور. فتارة : يكون الخبر مخالفا مع عموم الكتاب أو إطلاقه ، بأن يكون أخص مطلق منه ، فيكون مخالفته معه بدويا. ومن الظاهر انه يخصص الكتاب ان لم يكن له معارض ، ولا يعمه الروايات الواردة في ان ما خالف الكتاب باطل أو زخرف ، للقطع بصدور أخبار أخص مطلق من الكتاب من الأئمة عليهم‌السلام وهذا ظاهر.

نعم إذا كان الخبر المخالف لعموم الكتاب مبتلى بالمعارض لا يخصص به الكتاب ، لعدم حجيته للمعارضة. بل مقتضى صحيحة الراوندي (١) تقديم الخبر الموافق لعموم الكتاب عليه.

وأخرى : يكون التنافي بين الخبر والكتاب بالتباين. وهذا هو المتيقن من الاخبار الواردة في بطلان ما خالف الكتاب وكونه زخرفا ، فيطرح بلا إشكال.

وثالثة : يكون المعارضة بينهما بالعموم من وجه. وفي هذا الفرض ان كان

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ ـ باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ٢٩.

٤١٦

عموم الكتاب وضعيا فهو بمنزلة التعبد ، فلا محالة تكون المعارضة بينه وبين الخبر في مورد الاجتماع بالتباين فيطرح الخبر في مورد الاجتماع ، لكونه مخالفا للكتاب. وإذا انعكس الأمر بأن كان عموم الكتاب بالإطلاق ، وعموم الخبر بالوضع ، يتقدم الخبر على الكتاب ، بمعنى أنه يمنع تحقق الإطلاق للآية. وان كان السريان في كليهما بالإطلاق ، فبما ان السريان ليس مدلولا للآية ولا للخبر ، وانما هو مستفاد من حكم العقل بعد ترتيب المقدمات ، فلا تعارض بين الآية والخبر أصلا ، بل تكون المعارضة بين الإطلاق ، فيسقطان ، ولا بد من الرجوع إلى أصل آخر.

هذا تمام الكلام في التعادل والتراجيح.

والحمد لله أولا وآخرا ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

قد وقع الفراغ في الليلة السابعة والعشرين

من جمادى الأولى سنة ١٣٧٥ ه‍.

٤١٧
٤١٨

الاجتهاد والتقليد

تعريف الاجتهاد

مبادئ الاجتهاد

التقليد

مسائل مرتبطة ببحث التقليد

٤١٩
٤٢٠