دراسات في علم الأصول - ج ٤

آية الله السيّد علي الشاهرودي

دراسات في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد علي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٨

المنذر حين حدوث التحذر من الإنذار هو البقاء عليه. وكذا الروايات الواردة.

وأما الوجه الأخير فعدم جريانه في البقاء أوضح ، حيث ان جواز الاستمرار لا يستلزم اجتماع الناس على رجل واحد ، لأن البالغ في كل عصر يجب ان يقلد الأعلم في عصره لا في العصر السابق.

فالصحيح : هو التفصيل بين تقليد الميت ابتداء واستمرارا.

هذا كله في المقام الأول ، أعني فرض عدم العلم بمخالفة فتوى الميت مع فتوى الحي.

وأما المقام الأول : أي ما إذا علم المخالفة ، فتقليد الميت فيه ابتداء غير جائز بالطريق الأولى ، لما تقدم. وأما استمرارا ففيه تفصيل ، فان كان الحي أعلم فلا ريب في تعين الرجوع إليه ، لأن المفضول لو كان حيا وجب العدول عنه ، فضلا عما إذا كان ميتا. وأما إذا انعكس الأمر فالميت بمنزلة الحي فيجب البقاء على تقليده.

وما ذكر من الإجماع على عدم وجوب البقاء على تقليد الميت ، فالأمر دائر بين الجواز والمنع ، فغير تام ، لعدم تحقق الاتفاق ، وعلى فرض تحققه لا يحصل منه الظن برأي المعصوم فضلا عن الاطمئنان.

وأما في فرض التساوي فتسقط فتوى الميت والحي عن الحجية ، للمعارضة ، فلا بد من الاحتياط ، ومع قيام الإجماع على عدم تعين الاحتياط على العامي فالتخيير.

فتحصل : انه لا بد من التفصيل في تقليد الميت أولا بين الابتدائي والاستمراري ، وفي الاستمراري تارة يتعين العدول إلى الحي ، وأخرى يجب البقاء على تقليد الميت ، وثالثة يتخير في ذلك. وعلى كل من حيث الاستمرار حال المجتهد الميت حال الحي.

٤٤١

بقي في المقام فرعان :

الأول : أنهم فصلوا في جواز البقاء على تقليد الميت بين ما إذا عمل المقلد بفتوى المجتهد الميت قبل ذلك فيجوز له البقاء ، وما إذا لم يعمل به فلا يجوز وان التزم بتقليده ، أو تعلم فتاواه بقصد العمل به.

والوجه فيه هو الخلاف في معنى التقليد ، فانه لو كان عبارة عن العمل ، فلا بد منه في جواز البقاء على تقليد الميت ، لتحقق هذا العنوان والدخول تحت هذه الكبرى. وان كان عبارة عن الالتزام أو التعلم فلا يعتبر فيه البقاء ، لصدق عنوان البقاء على التقليد بدونه أيضا.

لكنه توهم فاسد ، لأن عنوان التقليد لم يرد في دليل لفظي ليدور الحكم مدار تحقق هذا العنوان ، بل لا بد من الرجوع إلى مدرك جواز البقاء على تقليد الميت ليرى انه مختص بصورة العمل ، أو يعم غيرها أيضا.

فنقول : مدرك جواز البقاء على تقليد الميت أحد أمور ثلاثة :

أحدها : الاستصحاب ، وهو على تقدير جريانه غير مختص بصورة العمل ، لأن فتوى المجتهد السابق كان حجة عليه ولو لم يعمل به ، اما لعدم كونه محل ابتلائه ، وإما لغير ذلك من عصيان أو نسيان أو غيره ، فيشك في زوال حجيته بالموت ، والأصل بقائها.

ثانيها : سيرة العقلاء ، فانها قائمة على الرجوع إلى الميت ، وقد ردع عنها في الرجوع الابتدائي ، للإجماع والاخبار والعلم الخارجي ، واما في الاستمراري فلم يردع ، إذ لا إجماع على المنع ، ولا يعم الأخبار والآيات الردع عن البقاء ، ولم يعلم من الخارج خلافه ، من غير فرق بين العمل سابقا وعدمه.

ثالثها : الاخبار الواردة في إرجاع الناس إلى الرّواة والعلماء ، التي بإطلاقها تعم ما بعد الموت وعدم العمل بالفتوى سابقا.

٤٤٢

فالتفصيل لا وجه له ، بل قد يجب البقاء على تقليد الميت كذلك ، كما إذا كان أعلم من الحي. وقد يجب الرجوع ، كما إذا انعكس الأمر ، فانه لا بد من الرجوع إلى الحي الأعلم ولو عمل بفتوى الميت. وقد يتخير ، كما في فرض التساوي أيضا ، من غير فرق بين الصورتين.

الفرع الثاني : اعتبر بعض في عدم جواز العدول من الحي إلى الحي ان يكون المقلد قد عمل بفتوى المجتهد المعدول عنه ، وإلّا فلا بأس. وهو أيضا مبني على ما تقدم من الخلاف في معنى التقليد ، وهو أيضا غير تام كما عرفت ، بل لا بد من الرجوع والنّظر إلى دليل المنع عن العدول ليرى اختصاصه بصورة العمل ، أو انه يعم صورة عدم العمل أيضا.

فنقول قد يجب العدول ، كما إذا كان المعدول إليه أعلم من المعدول عنه. وفي هذا الفرض لا يفرق بين العمل المعدول عنه وعدمه ، سواء كان التقليد بمعنى العمل ، أو الالتزام ، أو التعلم ، أو غير ذلك.

وقد يحرم العدول ، كما إذا كان المعدول عنه أعلم. وهذا أيضا لا يفرق فيه بين العمل وعدمه ، ولا بين الأقوال في حقيقة التقليد.

وثالثة : يكونان متساويين. وفي هذا الفرض ان نسي المقلد فتوى المجتهد السابق ، الّذي تعلمه وعمل به ، فلا يعلم بمخالفته لفتوى المعدول إليه ، فلا مانع له من الرجوع إلى الثاني ، إذ يعمه حينئذ أدلة التقليد ، كالآيات والاخبار والسيرة. وأما إذا كان عالما بفتوى السابق ، وعلم بمخالفته لفتوى المجتهد الّذي يريد العدول إليه ، فقد عرفت أن أدلة حجية الفتوى لا يعم موارد التعارض ، ومقتضى القاعدة في المتعارضين هو سقوط كل منهما. إلّا انّا ذكرنا ان السيرة قائمة على الرجوع إلى الأعلم في فرض المعارضة.

وأما إذا لم يكن أحدهما أعلم ، كما هو المفروض ، فليس هناك سيرة من

٤٤٣

العقلاء. وعليه فلا بد للمقلد من الاحتياط ، ولا يجوز له الرجوع إلى المعدول عنه ، ولا إلى المعدول إليه. فان تم ما ادعاه الشيخ من الإجماع على عدم تعين الاحتياط على العامي ، فيكون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، فان فتوى المعدول عنه حجة عليه تعيينا سواء عمل به أو لم يعمل ، بخلاف فتوى المعدول إليه فعلى كل التفصيل بين العمل بفتوى المجتهد السابق وعدمه لا وجه له على جميع التقادير.

والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا ، وصلى الله على سيد النبيين محمد وآله الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين.

قد وقع الفراغ من هذه الدورة ـ وهي الثالثة ـ في ليلة الاثنين

لخمس عشرة خلون من شهر جمادى الثانية

سنة ألف وثلاثمائة وخمسا وسبعين.

٤٤٤

المحتويات

مباحث الاستصحاب

تعريف الاستصحال وفرقه عن قاعدة اليقين والمقتضي والمانه......................... ٧

أدلة حجيّة الاستصحاب........................................................ ١٣

الاستدلال بالسيرة......................................................... ١٣٢

الاستصحاب يورث الظن بالبقاء............................................... ١٥

الاستدلال بالاجماع.......................................................... ١٥

الاستدلال بالاخبار.......................................................... ١٦

رواية زرارة الاولى............................................................. ١٦

رواية زرارة الثانية............................................................. ٢٣

رواية زرارة الثالثة............................................................. ٣٠

موثقة اسحاق بن عمار...................................................... ٣٥

رواية الخصال عن اميرالمؤمنين عليه‌السلام............................................. ٣٦

رواية القاساني............................................................... ٣٨

الاستدلال بروايات قاعدتي الطهارة والحل....................................... ٣٩

الاستدلال برواية عبد الله بن سنان............................................. ٤٦

الأقوال في حجيّة الاستصحاب................................................... ٤٧

التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع................................ ٤٧

التفصيل بين المستصحب الثابت بدليل شرعي أو بحكم العقل..................... ٥٦

التفصيل بين الشبهات الحكمية والموضوعية..................................... ٦٢

التفصيل بين الشك في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود............................. ٧٣

التفصيل بين الأحكام الوضعيّة والتكليفيّة....................................... ٧٤

٤٤٥

تنبيهات الاستصحاب........................................................... ٨٨

التنبيه الأول : الاستصحاب الاستقبالي......................................... ٨٨

التنبيه الثاني : الاستصحاب في الشك التقديري................................. ٨٩

التنبيه الثالث : استحصاب الحالة السابقة الثابتة بغير اليقين....................... ٩٢

التنبيه الرابع : استحصاب الكلي.............................................. ٩٩

التنبيه الخامس : استصحاب الزمان والامور التدريجية............................ ١٢٢

التنبيه السادس : الاستصحاب التعليقي...................................... ١٣٣

التنبيه السابع : استصحاب بحكم الشرايع السابقة............................. ١٤٦

التنبيه الثامن : الأصل المثبت................................................ ١٥١

التبيه التاسع : الأثر المترتب على نفس الاستصحاب........................... ١٧٤

التنبيه العاشر : كفاية ترتب الاثر على المستصحب بقاء في جريانه................ ١٧٥

التنبيه الحادي عشر : موارد الشك في المتأخر والمتقدم من الحالتين................ ١٧٦

التنبيه الثاني عشر : الاستصحاب فيما يرجع الى الامور الاعتقادية............... ٢٠٧

التنبيه الثالث عشر : عموم العام أو استصحاب حكم المخصص................ ٢١٠

التنبيه الرابع عشر : عموم الاستصحاب لموارد الظن بالانتقاض................... ٢١٩

التنبيه الخامس عشر : اشتراط وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة................... ٢٢٢

قاعدة المقتضي والمانع....................................................... ٢٣٥

قاعدة اليقين.............................................................. ٢٣٦

تعارض الاستصحاب مع الأدلة

تعارض الاستصحاب مع الامارة................................................ ٢٤٤

تعارض الاستصحاب مع البراءة والاحتياط والتخيير............................. ٢٥١

تعارض الاستصحابين...................................................... ٢٥١

تعارض الاستصحاب مع قاعدة الفراغ واصالة الصحة........................... ٢٦٠

تعارض الاستصحاب مع قاعدة اليد.......................................... ٢٦٣

تعارض الاستصحاب مع القرعة............................................. ٢٦٤

٤٤٦

قاعدة الفراغ والتجاوز

الجهة الاولى : كونها قاعدة فرعية............................................. ٢٦٩

الجهة الثانية : عمومها لغير الصلاة والطهور................................... ٢٧٠

الجهة الثالثة : كونها قاعدة واحدة أو قاعدتين.................................. ٢٧٢

اشتراط الدخول في الغير في قاعدة التجاوز.................................... ٢٨٤

عدم اشتراط ذلك في قاعدة الفراغ........................................... ٢٨٥

الجهة الرابعة : فروق اخرى بين التجاوز والفراغ................................. ٢٩٣

الجهة الخامسة : شمول أدلة القاعدة لموارد الغفلة المتيقنة.......................... ٣٠٣

الجهة السادسة : في جريان القاعدة عند الشك في أثنا العمل.................... ٣٠٨

الجهة السابعة : اختصاصها باحتمال الاخلال السهوي دون العمدي............. ٣١٦

اصالة الصحة

الفرق بينها وبين قاعدة الفراغ................................................... ٣١٩

مدرك أصالة الصحة....................................................... ٣١٩

هل المراد بالصحة الصحة عند الفاعل أو الصحة الواقعية........................ ٣٢١

جريانها في موارد الشك في الصحة التأهلية والقابلية............................. ٣٢٣

عدم حجية مثبتات أصالة الصحة............................................ ٣٣١

تقدم أصالة الصحة على الاستصحاب....................................... ٣٣٥

التعادل والتراجيح

المقام الأول ـ في معنى التعارض وأقسامه وفرقه عن التزاحم........................ ٣٣٩

المقام الثاني ـ في حكم التعارض على القاعدة................................... ٣٤٨

في التعرض لبعض مرجحات باب التزاحم........................................ ٣٥٨

رجوع الى باب التعارض..................................................... ٣٦٤

الجمع العرفي وتقدم القرينة على ذي القرينة....................................... ٣٦٥

موارد ادعي فيها الجمع العرفي بضابطة كلية.................................... ٣٦٦

٤٤٧

تقديم العام على المطلق..................................................... ٣٦٦

تقديم المطلق الشمولي على البدلي............................................ ٣٦٧

تقديم التخصيص على النسخ عند الدوران بينهما.............................. ٣٧٠

انقلاب النسبة عند تعارض أكثر من دليلين................................... ٣٧٤

صور التعارض فيما اذا لم يمكن الجمع العرفي................................... ٣٨٧

التعارض بين دليلين قطعيين سنداً............................................ ٣٨٧

التعارض بين دليل قطعي السند ودليل ظني.................................... ٣٨٧

التعارض بين دليلين ظنيين (الخبرين).......................................... ٣٨٧

الترجيح أو التخيير في الخبرين المتعارضين.......................................... ٣٨٨

المقام الأول ـ في الخبرين المتعارضين بنحو التباين................................. ٣٨٨

المقام الثاني ـ في الخبرين المتعارضين بنحو العموم من وجه......................... ٤١٢

الاجتهاد والتقليد

الجهة الاولى ـ تعريف الاجتهاد............................................... ٤٢١

الجهة الثانية ـ اشتراك أنّ يكون الاستنباط من الأدلة الأقيسة أو العلوم الغريبة....... ٤٢٣

الجهة الثالثة ـ في المتجزي.................................................... ٤٢٤

في مبادئ الاجتهاد............................................................ ٤٢٦

الكلام في التقليد

تعريف التقليد................................................................ ٤٢٨

مسائل ترتبط بالتقليد....................................................... ٤٢٩

مسألة في جواز التقليد ومشروعيته........................................... ٤٢٩

مسألة في تقليد الأعلم..................................................... ٤٣٢

مسألة في معنى الأعلم...................................................... ٤٣٦

مسألة في تقليد الميت...................................................... ٤٣٦

فرعان مترتبان على الخلاف في معنى التقليد....................................... ٤٤٢

٤٤٨