رسائل الشريف المرتضى - ج ٢

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٢

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٢

ولو وقفت أيها المتكلم لدفعت الاحتجاج عليك بهذا الخبر بأنه لا يوجب العلم ولكفيت بذلك.

وأما قوله «انه من أخبار التقية» فدعوى بلا برهان ، وظاهر هذه الاخبار تقتضي على أنها السلامة وعدم الخوف ، فمن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل.

وأما السؤال الذي سألت نفسك عنه ، ثم أجبت عنه ، فما يسأل عن مثله محصل من مخالفيك ، لانه لا يجوز أن يريد الامام عليه‌السلام بقوله «شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان» إذا كان شيعيا خائفا على ما ادعيت أن هذا يلحقه على مذهب هذه الطائفة التي لا ترى العدد.

كما قال الله تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)(١) أي عند قومك وأصحابك ، فلا يحتاج في ذلك الى ما تأولته من زيادة الساعة ونقصانها.

[كيفية الحج على القول بالرؤية وهو لا يقدر عليها]

ثم قال صاحب الكتاب : مسألة لهم أيضا : وسألوا عن حج الناس في وقتنا هذا على الرؤية ، فقالوا : ما يصنع أحدكم في حجه وأنتم على العدد ، وهو لا يقدر أن ينسك مناسكه على الرؤية؟.

ثم أجاب فقال : هذا سؤال عما نفعله وليس فيه دلالة على صحة الرؤية وبطلان ما نعتقده ، لانه قد كان من الجائز الممكن أن يلحق الحرمين سلطان عددي ، فيأخذ الناس برأيه ويحج بهم على مذهبه ، فتكون الحال بخلاف ما هي عليه الان.

ومعلوم أن ذلك لا يكون دلالته على ما نذهب اليه من العدد ، وكذلك حج الناس اليوم على الرؤية ولا يصح به الدلالة. والذي نعمله انا نقف مع الناس

__________________

(١) سورة الدخان : ٤٢.

٦١

الموقفين ونفعل المناسك التي هي أصل الحج ، ولا يجب أن يكون ما نفعله من الحج على الافراد بعد فوت المتعة كله صحيحا واقعا موقعه من المناسك ..

وليس كذلك ما يقوله أصحاب العدد ، لانه من يقف على مذهبهم في يوم عرفات في غير يوم الموقف ، فكأنه ما وقف ، ويأتي منى في غير اليوم الذي يجب إتيانها فيه ، فكذلك ما أتاها ، وإذا وقعت المناسك في غير أوقاتها لمخالفتها العدد الذي هو المعتبر ، فكأنه ما صنع شيئا فلا حج له.

فأما قوله «انا نقف مع الناس ونتابعهم للضرورة» فليس بشيء يعتمد ، لأن السؤال عليه أن يقال : ولم تكلف الخروج الى الحج وأنت تعلم ، وأنت لا تتمكن منه ولا تقدر أن تؤدي أفعال الحج في أوقاتها وأنك تصد عنها وتمنع ، وهل ذلك الا عبث؟

فان قلت : قد كان من الجائز أن يلي الحرمين سلطان عددي ، فيتمكن به من أداء الحج على واجبه وحقه.

قيل لك : فينبغي إذا لم يقع هذا الجائز الذي يتمكن به من شرائط الحج أن يتوقف على تكليفه والخروج إليه ، لأن ذلك منك عبثا.

فان قلت : انما أتكلفه قبل علمي بوقوع هذا الجائز ، لتجويزي في طول الطريق الى الحج أن يلي الحرمين من مذهبه العدد ، فيتمكن أن يكون حينئذ على موجب العدد.

قيل لك : وأي شيء ينفعك من تغير مذهب من يلي الحرم وتابعهم عند الضرورة ، ولا يخالف جار في ذلك مجرى الممنوع وعن بعض شرائط الحج مصدود ، وعند الاضطرار تبسط الاعذار ، وهو نظير ما أجمعت عليه الشيعة وخالفت فيه العوام من وجوب التمتع بالعمرة إلى الحج على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، حتى أكد أكثرهم ذلك.

٦٢

فقالوا : هو الفرض الذي لا يتقبل في الحج غيره ممن نأت عن مكة داره.

ومعلوم جواز فوته لمن يسلك طريق الشام ، لجواز دخوله مكة بعد الوقف من يوم التروية ، وهو وقت لا يمكن فيه التمتع بالعمرة ، وان ذلك لفوت من حج على طريق العراق لوروده يوم عرفة.

فالتجأ الضرورة لمن يقول هذا الرأي إلى المقام على الإحرام الذي عقده بنية التمتع بالعمرة ، ويصير الى الافراد الذي لو ابتدأ الا حرام به لكان مخطئا عند الشيعة في كل حال ، فجوزت له الضرورة هذا الفعال ، ولذلك عدة نظائر من الواجبات ، وستر الناس على خلافها غير متمكنين من إقامتها على شرائطها.

يقال له : وهذه المسألة أيضا مما لا نسأل عنه ولا نحاج عليه ، لانه لا حجة فيه.

والفرق بين فوت التمتع بالعمرة إلى الحج لمن حج مع كافة الناس ، وهو ما يقوله أصحاب العدد واضح ، لان فوت التمتع لا يبطل العدد ، وهو إذا كان وقف بعرفات قبل وقوف أصحاب الرؤية ، فقد فات على كل حال من يحج مع جملة الحاج الخارجين من العراق الوقوف بعرفات على مذهب أصحاب العدد.

وليس بنافع له أن يتغير مذهب والى الحرم ، فيقف بعرفات على موجب العدد قبل فوته ، لان ذلك لا يمنع من فوات الحج لهذا الذي خرج في جملة الحجيج العاملين على الرؤية في يوم الوقوف ، وتعذر استدراك فرضه عليه.

وهذا كله واضح لمن تأمل بعين الانصاف.

٦٣
٦٤

(١١)

مسألة في حكم الباء في قوله تعالى آية (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)

٦٥
٦٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(مسألة في حكم الباء في قوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)

ليس يمتنع القول من دخول الباء وان لم يقتض التبعيض في أصل اللغة ، وانما إذا دخلت لغير أن يعدى الفعل بها وعريت من فائدة من لم يحمل على افادة التبعيض أن تحمل عليه.

فيقال في قوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)(١) معلوم أن الباء ما دخلت هاهنا لتعدية الفعل الى المفعول ، لانه متعد بنفسه ، ومحال أن يكون وجودها كعدمها ، فيجب حملها على افادة التبعيض ، والا لكان دخولها عبثا.

فان قيل : ألا دخلت للتأكيد إذا أريد به أنه يفيد ما أفاده المؤكد من غير زيادة عليه كان عبثا ، ويكلمنا على ما يغن (٢) ضربه من قولهم «جاء زيد نفسه»

__________________

(١) سورة المائدة : ٦.

(٢) ظ : يغني.

٦٧

و «ضربت زيدا نفسه» وما شاكل ذلك من الألفاظ التي يدعى أنها على سبيل التأكيد ، وبينا أن في ذلك أجمع فوائد زائدة على ما في المؤكد.

فإن قيل : ألا كان دخول الباء هاهنا كدخولها من (١) «تزوجت بامرأة» عدولا عن «تزوجت المرأة» و «ما زيد بقائم» و «ليس عمرو بخارج». وليس يمكن ادعاء فائدة زائدة في دخول الباء هاهنا من تبعيض ولا غيره.

وكما زادوا الباء تأكيدا ، فقد زادوا حروفا أخر على سبيل التأكيد ، فقالوا «ان في الدار لزيدا» وما دخول هذه اللام الا كخروجها في إفادة معنى زائد ، وما هي إلا للتأكيد. وغير ذلك مما [لا] يحصى من الأمثلة.

الجواب :

قلنا : أما لفظ «تزوجت» فلا يتعدى الى المفعول الا بالباء ، وانما حذفوها في قولهم «تزوجت امرأة» تخفيفا ، كما حذفوها في قولهم «مررته» والأصل مررت به. ومثل «تزوجت» في أنه لا يتعدى بنفسه ، ولا بد من الباء إلا إذا أردت التخفيف فحذفت.

فأما قولهم «ما زيد بقائم» و «ليس عمرو بخارج» فدخول الباء هاهنا يقتضي التيقن والتحقيق لما خبر به أو قوة الظن. وليس كذلك إذا أسقط الباء ، فكأنه مع إسقاط الباء يخبر غير اعتقاده ، أو غرض غير قوي ، وإذا أدخلها أخبر عن علم أو قوة ظن.

وكأنني بمن يسمع هذا الكلام ينفر عنه ويستبعده يقول من قال هذا ومن سطره ، ومن أشار من أهل اللغة الذين هم القدوة في هذا الباب اليه ، وليس يجب إنكار شيء والا إثباته إلا بحجة.

__________________

(١) ظ : في.

٦٨

وقد علمنا أن أهل اللغة كلهم يقولون قولنا «ليس زيد بقائم» و «ما عمرو بخارج» أقوى من قولنا «ليس زيد قائما» و «ما عمرو خارجا» وأن دخول الباء يقتضي التأكيد والقوة ، ولا يزيدون على هذه الجملة في التفسير.

ولو قيل لهم : أي قوة أردتم ، أو ليس من نفي قيام زيد بغير باء مخبرا أو منبئا كما هو كذلك مع إدخال الباء ، لما قدروا أن يفسروا القوة إلا بما ذكرناه ان اهتدوا اليه ، والا كانوا مختلفين على صواب ، ويعذروا عليهم أن يسيروا إلى قوة لم يتعد مع إسقاطه الباء.

ونحن نعلم أن العلم أقوى من الظن والظن أقوى من الاعتقاد ، والظن بعضه أقوى من بعض ، فلا يمتنع أن يكون معنى القوة ما ذكرناه.

وبمثل هذا نجيب عن قولهم «ان في الدار لزيد» أو «أنك لقائم» لأنهم يقولون : هذا أقوى ، وما المراد بالقوة إلا ما ذكرناه ، والا فما معنى لها.

وربما زادت العرب حروفا طلبا لفصاحة الكلمة وجزالتها ، وان لم يفد معنى زائدا على ذلك ، كزيادة «ما» في قول البر ما والله ما ذلك لعدم مراس ولا قلة أواس ، ولكنها سمه ما أناس ، وانما أرادت شمه أناس. وقولها : لأمر ما جدع قصير أنفه. وقولهم لأمر ما كان كذا ، وقول الشاعر : لا يسودنكما (١). حذفوا للفصاحة في مواضع كثيرة ، فإن اسأل القرية. وكذلك قد زادوا للفصاحة وتجاوزوا هذا بأن زادوا حروفا يعتبر بظاهرها وقبل الاطلاع على المراد بها المعنى.

ألا ترى أن قولهم «ليس كمثل فلان أحد» وقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٢) الكاف فيه زائدة ، وهي في الظاهر المغيرة للمعنى ، لأنها تقتضي أنه لا مثل لمثله ،

__________________

(١) ظ : فكما ، ولعل في الكلام سقطا.

(٢) سورة الشورى : ١١.

٦٩

وانما المراد به لا مثل له. وكذلك قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)(١) وانما معناه : ما منعك أن تسجد. وقول الشاعر :

ولا الزم البيض الا تسخرا (٢)

والمعنى : أن تسخرا ، ف «الا» زائدة ، ودخولها مغير للمعنى قبل التأمل.

وأما حملهم طلب التدني على الفصاحة على أن يزيدوا حروفا تغير ظاهرها المعنى. فالأولى أن يفعلوا ذلك فيما لا يغير ظاهر زيادته معنى.

وأظن أني قد أمليت في بعض كلامي وجها غريبا ينافي زيادة «لا» في قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ).

وهو أن يكون المعنى : ما حملك على أن لا تسجد ، ودعاك الى أن لا تسجد ، لأن إبليس ما امتنع من السجود الا بداع اليه وحامل عليه ، والداعي والحامل الى أن لا يسجد مانع من السجود ، فأورد لفظة «المنع» ويبنى الكلام على معناها ، فأدخل لفظة «لا» بناء على المعنى لا اللفظ. وهذا لطيف من التعلل.

ويمكن في قوله «الا تسخرا» ما يقارب ذلك من الحمل على المعنى ، لان الغرض بالكلام انى لا الزمن (٣) أن تسخرن مع مشاهدة الشعر الأبيض ، فأدخل لفظة «لا».

ويجوز أن يكون سبب إدخالها أن معنى كلامه : انى لا ألوم البيض طالبا أن لا تسخرا. وأريد ألا يكون ذلك منهم ، لان من يبرأ من لوم البيض على أن يسخرن ، فقد يبرأ من أن يلومهن طالبا ألا يسخرن ، فلفظة «لا» ها هنا مفيدة غير زائدة.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٢.

(٢) وفي فقه اللغة ص ٣٤٣ وقال أبو النجم : فما ألوم اليوم أن لا تسخرا.

(٣) ظ : ألومن.

٧٠

ولو تعاطينا ذكر ما نقل من كلام العرب المحمول على المعنى ، وما ورد به القرآن من ذلك لا لأطلنا.

ومن ذلك قوله تعالى (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)(١) ولا يقال : بوأت لفلان منزلا ، وانما يقال : بوأته ، لكنه أراد بمعنى بوأت وهو جعلت ، لان من بوأ فقد جعل ، وقول الشاعر :

جئني بمثل بني بدر لقومهم

أو مثل اخوة منظور بن سيار

فنصب لفظة «مثل» ولم يعطفها بالجر على ما عملت فيه الباء ، لان معنى : جئني هات واحضرني ، فلحظ معنى الكلام دون لفظه ، وبنى الكلام عليه ، وهذا الجنس أكثر من أن يحصى.

والحمد لله رب العالمين ، وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.

__________________

(١) سورة الحج : ٢٦.

٧١
٧٢

(١٢)

مسألة في وجه التكرار في الآيتين

قوله تعالى (وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ)

وقوله (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)

٧٣
٧٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مسألة :

قال (رضي الله عنه) : لا معنى لقوله تعالى (وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ) ما قاله النحويون انه للتوكيد ، لما ثبت أن التوكيد إذا لم يفد غير ما يفيده المؤكد لم يصح ، وقد علمنا بقوله تعالى (مِنَ الْقُرْآنِ) انه من جملة القرآن ، فأي معنى لقوله «منه» وتكراره.

قال (رضي الله عنه) : والصحيح أن معنى «منه» من أجل الشأن والقصد من قرآن متتحمل على الشأن والقصد ، ليفيد معنى آخر.

وقال أيضا في قوله تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)(١) على ما هو من فضل الله ورحمته ، ولا معنى له على ما يقوله النحويون أنه للتأكيد ،

__________________

(١). سورة يونس : ٦١.

٧٥

كما لا معنى لقول قائل لزيد وعمرو لهما يريد به زيدا وعمرا.

فالصحيح أن يقولوا في هذا أن معناه : قل بفضل الله ومعونة الله ورحمته ، لأن معرفة الله بفضل الله ورحمته ، وبقول (بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ) يفرح ، فيرد قوله (بِفَضْلِ اللهِ) الى القول ، أي قول بفضله ومعاونته ، وهذا القول (١) فإن بهذا القول ومعاونته ورحمته يفرحون ، فيكون قوله «بذلك» راجعا الى الفرح بالفضل والرحمة حتى يكون قد أفاد كل واحد من اللفظين فائدة.

تمت والحمد لله.

__________________

(١) كذا في النسخة.

٧٦

(١٣)

مسألة في الاستثناء

٧٧
٧٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مسألة في الاستثناء

قال أدام الله علوه :

إذا اعترض معترض على ما نقوله من أن الاستثناء انما يخرج من الجمل ما صلح دخوله فيها ، وليس بواجب أن يخرج منها ما وجب دخوله ، بأن يقول : هذا يقتضي حسن أن يقول القائل : جاءني رجل الا زيدا الا عمرا ، لفظ «رجل» أن يقع على زيد وعمرو.

يقال له :

من حق الاستثناء في اللغة العربية أن يدخل على الجمل ، فيخرج منها ما يصلح دخوله فيها ، أو ما يجب دخوله على مذهب مخالفينا.

٧٩

ولا يصح دخول الاستثناء على الألفاظ الموحدة ، ورجل لفظ واحد ، وان وقع في المعنى على الطويل والقصير وزيد وعمرو.

والاستثناء انما يخرج من الجمل ما تناول لفظها دون معناها ، ولهذا لم يستحسنوا جاءني رجل الا زيدا ، وقد يستحسنون في هذا الموضع ما يجري [مجرى] الاستثناء بغير لفظة «الا» فيقولون : جاءني رجل ليس زيدا.

ويخرجون من الكلام ما صلح تناوله ، وان لم يسموه استثناء ولا استحسنوا لفظة «إلا» الخاصة بالاستثناء.

ولو لا صحة الأصل الذي ذكرناه ما استحسنوا أن يقولوا : جاءني رجال الا زيدا ، لأنهم أخرجوا بالاستثناء ما يصلح لفظ «رجال» له دون ما يتناوله وجوبا.

فان قيل : ألا كان قوله «جاءني رجال» للجنس دون ما يدعى من تناوله للثلاثة فصاعدا ، فلهذا حسن الاستثناء منه ، وألا كان لفظة «رجلا» في قولهم «جاءني رجل» للجنس.

قلنا : لو كان لفظة «رجال» أريد به جنس الرجال على العموم ، لحسن استثناء النكرة منه غير وصف لها ولا تقريب من المعرفة ، حتى يقول : جاءني رجال الا رجلا ، لأنه ان أريد الجنس حسن ذلك لا محالة ، كحسنة لو قال : جاءني الرجال بالألف واللام الا رجلا. وأجمعوا على أن ذلك لا يجوز ، لانه غير مفيد. ولو أريد بلفظة «رجال» هاهنا الجنس ، لكان استثناء الرجل الواحد من غير وصف له مفيدا.

فأما لفظة «رجل» في الإثبات ، كقولهم «جاءني رجل» فإنه لا يكون عبارة عن الجنس في شيء من كلامهم. ولو أرادوا به الجنس لحسن لا استثناء ، كما يحسن من ألفاظ الجنس.

٨٠