رسائل الشريف المرتضى - ج ٢

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٢

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٢

اللطيف : الجزء المنفرد أو الأجزاء القليلة [في] الشيء لا يمكن ان يدرك بحاسة العين.

اللطيف : المنعم بالنعم من وجوه خفية لا يوقف على كنهها ، والذي يصل نعمه الى المواضع الخفية ، والعالم بالأمور الخفية التي بعد الوقوف عليها.

اللقب : كل كلام لا يفيد في المسمى صفة ولا مجموع صفات ، ويجري مجرى الإشارة إليه.

اللمس : مماسة محل الحيوان الجسم طلبا لإدراكه أو إدراك ما فيه ، أو طلبا للذة المخصوصة.

اللذة : إدراك المشتهي أو ما يتعلق به الشهوة من المدركات.

الليل : امتداد الظلام من أول ما يسقط قرص الشمس الى أن يسفر الصبح.

اللين : قيل معناه عدم ما نعمه العام (؟) ، فلا يكون وجوديا.

الميم

الملة : الشرع الذي يأتي به السمع ويعم الأمر به للجميع. وقيل هو الذي ينتحله الإنسان.

المنع : ما يتعذر لأجله الفعل مع بقاء القدرة عليه.

المتبدأ : المحدث الذي لم يتقدمه وجوده.

المعاد : الذي يتقدمه وجوده ، أي أعيد على الوجود الذي كان عليه.

المباشر : ما يبتدأ بالقدرة في محل ويقضيه.

المتولد : وهو الذي يحدث عن فعل آخر.

المباح : ما عرف فاعله حسنة ، أو دل عليه ولا يستحق عليه مدحا ولا ذما.

المتكلم : فاعل الكلام.

المجاورة : كون جوهرين مما ستين.

٢٨١

المثلان : اللذان يكون ذات أحدهما كذات الأخر.

المختلفان : اللذان لا يكون ذات أحدهما كذات الأخر.

المجزي : الذي يكفي في حصول الغرض به.

المجمل : الخطاب الذي لا يدل على المراد بنفسه من غير بيان ، أو الخطاب الذي قصد به شيء معين في نفسه واللفظ لا يعنيه ، وقد يراد به الخطاب العام للأشياء التي تناولها.

المبين : الخطاب الدال على المراد بنفسه عن غير بيان ، وما زال إجماله بورود بيانه ، وكذا المفسر.

المحال : كل متصور لا يصح وجوده ، وكذا المستحيل.

المحتمل : الخطاب الذي له تأويلان من جهة الاستعمال.

المحدث : الموجود بعد العدم.

المحظور والمحرم : الذي منع من فعله بالنهي والزجر.

الفعل المحكم : المرتب المسوي ، والمطابق للمنفعة.

محبة الله تعالى للعبد : ارادة الثواب ، ومحبة العبد لله إرادة الطاعة.

المحدث : المسبوق بالعدم أو ما لوجوده أول.

الملاسة : عبارة من استواء وضع الأجزاء.

المحاذاة : الجهة التي يصح ان يشغلها الجوهر.

المحل : الحجم الذي فيه عرض ، أو يصح أن يكون فيه.

المخصوص من جهة الخطاب : الذي أريد به بعض ما يقتضيه ظاهره.

المكلف : الذي دل عليه ما أريد منه العلم به.

المدلول عليه : ما يدل عليه الدليل.

المرسل : الحديث الذي لم يذكر الراوي بعد الرواية ، وقع في أصل الرواية.

٢٨٢

كذلك الخبر المتواتر : خبر قوم بلغوا في الكثرة إلى حد حصل العلم بقولهم.

المسند : الذي وقعت روايته متصلة إلى الرسول «ص».

المصاكة والاصطكاك : مماسة جسمين صلبين بشدة.

المذهب : اعتقاد يستمر عليه صاحبه على جهة التدين.

المطلق من الخطاب : ما لم يقيد بصفة ، أو شرط ، أو استثناء.

المقيد : ما ادخل فيه واحد من هذه الثلاثة.

المعجزة : الفعل الناقض للعادة يتحدى به الظاهر في زمان التكليف لتصديق مدع في دعواه. وقيل : أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة.

قلنا «أمر» لأن المعجزة قد تكون بالمعتاد ، وقد تكون منعا من المعتاد ، وقلنا «مقرون بالتحدي» لئلا يتحد الطالب معجزة غير حجة لنفيه ، وليتميز عن الإرهاص والكرامات. قلنا «مع عدم المعارضة» ليتميز عن السحر والشعبدة.

المعدوم : المنتفى العين.

الموجود : الثابت العين وهو أظهر مما يحد به.

المعروف : كل فعل واجب أو مندوب إذا عرف ذلك فاعله أو دل عليه.

المنكر : كل فعل أو إخلال فعل عرف فاعله قبحه ، أو دل عليه.

المعصية :

كل فعل أو إخلال بفعل كرهه الله تعالى.

المغفرة : ان لا يفعل العقاب بعد سيئة أصلا.

المفيد من الكلام : الذي ينبئ عن أمر ما ، وهو اما مفرد أو مركب.

المفرد : ما يفيد فائدة واحدة.

المركب : ما يفيد لإسناد معنى الى آخر.

المكان : الجسم الذي يعتمد عليه غيره ، والكعلى (؟) هي الجهة مكانا.

المماسة : المجاورة.

٢٨٣

الممتنع : الذي يستحيل كونه ، والممكن نقيضه ، وهو الذي لا يلزم من فرض وجوده ولا من فرض عدمه من حيث هو محال.

المستحيل : الذي يتعذر وجوده في نفسه.

المنة : ذكر الصنيعة على وجه من فعلت له.

الموت : ما يقتضي زوال حياة الجسم من الله تعالى أو الملك من غير جرح يظهر.

المستحق : الفعل الحسن بعد تقدم ما يقتضي حسنة أو وجود به لو لا تقدمه لما حسن.

المستطيع : هو المتمكن من إيجاد الفعل لحضور ما يحتاج اليه من إيجاده.

المحاباة : تخصيص أحد المستحقين [بأن] ينتفع دون الأخر مع تساويهما في الاستحقاق.

الموازَنَة : مقابلة الثواب والعقاب ، ويسقط استحقاق الأقل منهما بالأكثر ويسقط من الكثير أيضا ما يقابل الأول منها.

الموازنة : الموافاة توجب الوعد والوعيد الى من المعلوم منه انه يرد القيامة مستحقا للثواب والعقاب دون ما قبل القيامة.

المانوية : قوم يذهبون الى قدم النور والظلمة ، وان العالم مركب منهما ، وانهما مطبوعان على الخير والشر ، منسوبة إلى «مانى» اسم رجل.

المجوس : قريب منهم ، ويذهبون الى ان الله تعالى هو النور الأعلى وهو يزدان ، وان الشيطان من جنس الظلمة وهو أهرمن.

المشركون : الكافرون اثبتوا لله شريكا أو لا.

المنزلة بين المنزلتين : القول بأن للفاسق منزلة متوسطة بين منزلة الكافر والمؤمن المستحق للثواب في الاسم والحكم.

٢٨٤

المجبرة : الذين زعموا انه لا محدث للمحدثات المحسنات والمقبحات الا الله تعالى.

المرجئة : الواقفة في الفساق هل لهم عذاب أم لا.

المعتزلة من العدلية :القائلون بالوعيد والعقاب لفساق أهل الصلاة قطعا والمنزلة بين المنزلتين.

المشبهة : الذين يذهبون الى ان الله تعالى جسم طويل عريض.

المهمل : كل قول [لا] يتواضع عليه ليستعمل ، وهو نقيض المستعمل.

المعارضة : مقابلة الخصم بما يظهر عنده انه يقول بمثل ما يقول ، اما السائل [أ] والمجيب.

المناقضة : ذكر جملتين مخبرها واحد ووقته وجهته واحد يقتضي إحداهما نفى ما يقتضي الأخرى إثباته.

الملك : المضاف الى الفعل في الشرع القدرة على التصرف الحسن ، أما المضاف الى العين فلا بد فيه مع القدرة على التصرف من ان يكون له التصرف بجميع التصرفات الحسنة، لاختصاصه واختصاص سببه الذي يتبعه اختصاص التصرفات.

المالك : من قدر على التصرف فيه ولم يكن لأحد منعه منه.

من الألفاظ.

المترادفة : هي الألفاظ المفردة الدالة على مسمى واحد كالخمر والراح والعقال.

اللفظ المشترك : الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعا أو لا من حيث هما كذلك كالعين احترازا من المتواطى.

المتواطئة : التي تدل على أعيان متعددة بمعنى واحد مشترك بينها كاسم

٢٨٥

الإنسان على زيد وعمرو ، والحيوان على الإنسان والفرس والطير.

المتزايلة : هي المتباينة التي ليس بينها شيء من هذه النسب كالفرس والذهب والثوب ونحو ذلك.

المشكك : ما يقع على مسميات بمعنى واحد لكن بينها اختلاف بالتقدم والتأخر والشدة والضعف ، كالموجود الواقع على الخالق والمخلوقات وهو في الخالق اولى ، وكالبياض الواقع على الثلج والعاج وفي الثلج أشد.

المشابهة : ما يكون المراد باللفظ واحدا في المسميات لكن بين المعنيين مشابهة بوجه ما كلفظ الفرس على مسماه وعلى المصور صورة الفرس.

المحكم : اما المتقن الصنعة في الفصاحة ، واما الذي لا يحتمل تأويلين مشتبهين ولا يمنع العقل من ظاهره.

المتشابه : اما المتساوي في الأحكام في الفصاحة وحسن المعنى ، واما الذي يحتمل تأويلين مشتبهين احتمالا شديدا وظاهره يوضع لما يمنع منه العقل وأحد تأويليه يحظره العقل.

المتكبر : في صفات الله تعالى التي له العظمة والكبرياء التي لا عظمة فوقها وهو في حق العبد الذي يتكلف أفعال الكبراء وليس منهم مع اعتقاد ذلك لنفسه.

المصلحة : كل ما عنده يختار المكلف الطاعة أو يكون عنده أقرب الى اختيارها ما تمكنه في الحالين.

المفسدة : ما يختار [عنده] المكلف المعصية أو يكون أقرب الى اختيارها مع تمكنه في الحالين ، وليس فيه تعريض لثواب زائد.

المجاز : كل كلام أريد به غير ما وضع له في الأصل على جهة التبع للأصل.

٢٨٦

النون

النبي : رفيع المنزلة عند الله تعالى المحتمل رسالته بلا واسطة آدمي بالهمزة ولا يهمز غيرها.

الندب : كلما رغب فيه بما يستحق المدح ولا يستحق شيئا بإخلاله الذم.

وكذا النفل.

الندم : الغم والأسف على ما فعل ولم يفعل.

النطق : تقطيع الأصوات حروفا باللهوات. واللهوات والشفتين أو ما يجري مجرى ذلك كأصوات الطيور.

نظر العين : تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرائي التماسا لرؤيته ، ونظر القلب ترتيب اعتقادات أو ظنون ليتوصل بها الى الوقوف على الشيء بعلم أو ظن.

النفي : إعدام الموجود ، أو الخبر عن عدم الشيء.

النور : الجسم الرقيق المضيء.

النهي : قول القائل لغيره «لا تفعل» على جهة الاستعلاء إذا كره ذلك الفعل.

النص : كل كلام يظهر افادته لمعناه ولا يتناول أكثر منه.

النهار : امتداد ضياء الشمس وحركتها على وجه الأرض الى أن تغرب.

النوم : سهو يلحق الإنسان مع فتور الأعضاء من غير علة.

النسيان : نقل الضرورية (؟) بعد حصولها على مجرى العادة.

النفار : مزاج لقلب الإنسان يتأذى لأجله بإدراك ما يتعلق به ، فان حصل ذلك المدرك في بدنه كان ألما ، وان أدركه خارج بدنه كالطعوم والروائح والأصوات والمرئيات والحرارة والبرودة تأذى به وكرهه.

النامي : كل جسم يزداد في اقطاره بما يخالطه من الأجسام التي تستحيل الى حقيقته زيادة مناسبة ـ اعني شيئا فشيئا.

٢٨٧

النفاق : إظهار الإيمان مع ابطان الكفر.

النعمة : المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير.

النية : قبل الإرادة من فعل المريد لأعلى وجه الإلجاء المتعلقة بمراد من فعله.

النص : كل خطاب يمكن أن يعلم المراد به.

الناسخ : الدليل الشرعي الذي يدل على زوال [حكم]. قيل الحكم الذي يثبت بدليل آخر شرعي مع تراخيه عنه ، وتستعمل ذلك في الحكم دون الدليل.

ويقال في الناصب للدلالة ، وفي المعتقد أيضا مع تراخيه عنه على وجه لولاه لكان ثابتا.

الواو

الواحد : الفرد الذي لا يتجزى ، والذي لا مثل له ولا نظير ، والذي يختص باستحقاق العبادة دون غيره ، ويقال على الله تعالى بالمعاني الثلاثة.

الوحي في العرف : الكلام الخفي من جهة ملك في حق نبي في حال اليقظة.

الوسوسة : الكلام الخفي إذا تضمن الدعاء إلى القبائح في حال اليقظة.

الوعد : اخبار الغير بإيصال نفع محض أو دفع ضرر عنه من جهة المخبر.

الوعيد : اخبار الغير بإيصال ضرر محق اليه أو تقوية نفع عنه من جهة المخبر.

الواجب أقسام : معين ، ومخير فيه ، ومضيق ، وموسع ، وواجب على الأعيان ، وواجب على الكفاية. فالمعين : ما للإخلال به مدخل في استحقاق الذم كالصلاة ، والمخير فيه : ما للإخلال به وبما يقوم مقامه مدخل في استحقاق الذم كإحدى الكفارات الثلاث.

٢٨٨

والواجب على الأعيان : الذي لا يقف استحقاق الذم على الإخلال به على ظن إخلال الغير به كالصلاة. واما الواجب على الكفاية فهو الذي يقف استحقاق الذم على الإخلال الغير به كالجهاد. والمضيق الذي لا يجوز تأخيره عن وقت الى وقت آخر كمعرفة الله تعالى ، والموسع الذي يجوز تأخيره من وقت الى وقت كالصلاة في أول الوقت الى وسطه أو آخره.

والواجب عند المتكلمين : الذي لا بد من كونه ويتعذر أن لا يكون ويدخل في ذلك النفي والإثبات.

الوقت : ما يقدر ظرفا لحدوث حادث أو حوادث ممتد بامتدادها.

الهاء

الهلاك : خروج الشيء عن الوجه الذي لو كان يصح الانتفاع به.

الياء

اليقين : العلم الظاهر الجلي بعد حصول اللبس في معلومه [الاولى : الذي لا يفتقر في تقديم تصور أو تصديق آخر].

٢٨٩
٢٩٠

(٢٥)

رسالة في غيبة الحجة

٢٩١
٢٩٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله حمد مرتبط للنعم ، مستدفع للنقم ، وصلى الله على خير العرب والعجم ، المبعوث إلى سائر الأمم ، محمد وعلى آله الطاهري النسم ، الظاهري الفضل والكرم.

وبعد :

فان المخالفين لنا في الاعتقاد ، يتوهمون صعوبة الكلام علينا في الغيبة وسهولته عليهم، وليس بأول اعتقاد جهل اعتقدوه ، وعند التأمل يبين عكس ما توهموه.

بيان ذلك :

ان الغيبة فرع لأصول إن صحت ، فالكلام في الغيبة أسهل شيء وأوضحه إذ هي متوقفة عليها. وان كانت غير صحيحة ، فالكلام في الغيبة صعب غير ممكن.

٢٩٣

بيان هذه الجملة : ان العقل يقتضي بوجوب الرئاسة في كل زمان ، وأن الرئيس لا بد من كونه معصوما مأمونا منه كل فعل قبيح.

وإذا ثبت هذان الأصلان لم يبق إلا إمامة من نشير إلى إمامته ، لأن الصفة التي اقتضاها ودل على وجوبها لا توجد الا فيه ، وتساق الغيبة بهذا سوقا ضروريا لا يقرب منه شبهة ، فيحتاج أن ندل على صحة الأصلين المذكورين.

فنقول :

أما الذي يدل على وجوب الإمامة في كل زمان ، فهو أنا نعلم لا طريق للشك علينا أن وجود الرئيس المطاع المهيب المنبسط اليد أدعى الى فعل الحسن وأردع عن فعل القبيح ، وأن المظالم بين الناس : اما أن يرتفع عند وجود من وصفناه ، أو يقل.

وأن الناس عند الإهمال وفقد الرؤساء يبالغون في القبيح ، وتفسد أحوالهم ويختل نظامهم ، والأمر في ذلك أظهر من يحتاج الى دليل ، والإشارة إليه كافية ، فاستقصاؤه في مظانه.

وأما الذي يدل على وجوب عصمة الرئيس المذكور ، فهو أن علة الحاجة إليه موجودة(١) ، وجب أن يحتاج إلى رئيس وامام كما احتيج اليه. والكلام في الإمامة كالكلام فيه ، وهذا يقتضي القول بأئمة لا نهاية لها ، وهو محال ، أو القول بوجود امام فارقت عنه علة الحاجة.

وإذا ثبت ذلك لم يبق الا القول بإمام معصوم لا يجوز عليه القبيح ، وهو ما قصدناه ، وشرح ذلك وبسطه مذكور في أماكنه.

وإذا ثبت هذان الأصلان ، فلا بد من القول بأنه صاحب الزمان بعينه ، ثم

__________________

(١) ظ : لو كانت موجودة فيه.

٢٩٤

لا بد من فقد تصرفه وظهوره من القول بغيبته ، لأنه إذا بطلت امامة من أثبتت له الإمامة بالاختيار ، لفقد الصفة التي دل العقل عليها.

وبطل قول من خالف من شذاذ الشيعة من أصحابنا بما صاحبنا ، كالكيسانية والناووسية والواقفية ، لانقراضهم وشذوذهم ، ولعود الضرورة إلى فساد قولهم فلا مندوحة عن مذهبنا ، فلا بد من صحته ، والا خرج الحق عن الإمامة.

وإذا علمنا بالسياقة التي ساق الأصلان إليها أن الامام هو ابن الحسن عليه‌السلام دون غيره، ورأيناه غائبا عن الابصار ، علمنا أنه لم يغب مع عصمته وتعين فرض الإمامة فيه وعليه ، الا بسبب اقتضى ذلك ، ومصلحة استدعته ، وحال أوجبته.

ولم يعلم وجه ذلك مفصلا ، لان ذلك مما لا يلزم علمه ، وان تكلفنا وتبرعنا بذكره كان تفضلا ، كما إذا تبرعنا بذكر وجوه المتشابه من الآي بعد العلم بحكمة الله تعالى سبحانه ، كان ذلك تفضلا.

فنقول :

السبب في الغيبة هو اخافة الظالمين له ، ومنعهم يده من التصرف فيه فيما جعل اليه التصرف فيه ، لأن الإمام إنما ينتفع به النفع الكلي إذا كان متمكنا مطاعا ، مخلى بينه وبين أغراضه ، ليقود الجنود ، ويحارب البغاة ، ويقيم الحدود ، ويسد الثغور ، وينصف المظلوم ، وكل ذلك لا يتم الا مع التمكن. فإذا حيل بينه وبين أغراضه من ذلك سقط عنه فرض القيام بالإمامة.

وإذا خاف على نفسه ، وجبت غيبته ، والتحرز من المضار واجب عقلا وسمعا ، وقد استتر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الشعب ، وأخرى في الغار ، ولا وجه لذلك الا الخوف والتحرز من المضار.

٢٩٥

فان قيل :

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما استتر عن قومه الا بعد أداء ما وجب عليه أداؤه ، وقولكم في الإمام يخالف ذلك. ولان استتاره عليه‌السلام لم يتطاول ولم يتماد ، واستتار امامكم قد مضت عليه الشهور وانقضت دونه الدهور.

قلنا :

ليس الأمر على ما ذكرتم ، لان استتار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قبل الهجرة ، ولم يكن عليه‌السلام أرى جميع الشريعة ، فإن معظم الاحكام وأكثرها نزل بالمدينة ، فكيف ادعيتم ذلك؟.

على أنه لو كان الأمر على ما ادعيتم من الأداء [و] التكامل قبل الاستتار ، لما كان ذلك رافعا للحاجة إلى تدبيره وسياسته وأمره ونهيه.

ومن الذي يقول : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله غير محتاج اليه بعد أداء الشرع. وإذا جاز استتار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع تعلق الحاجة به لخوف الضرر ، وكانت البعثة لازمة لمن أخافه وأحوجه الى الاستتار وساقط (١) عنه ، فكذلك القول في استتار امام الزمان.

فأما التفرقة بطول الغيبة وقصرها ، ففاسدة ، لانه لا فرق بين القصير والممتد وذلك موقوف على علته وسببه ، فتطول بطول السبب ، وتقصر بقصيره ، وتزول بزواله.

والفرق بينه وبين آبائه عليهم‌السلام أنه ظاهر بالسيف ، ويدعو الى نفسه ، ويجاهد من خالفه ، ويزيل الدول. فأي نسبة بين خوفه من الاعداء وخوف

__________________

(١) ظ : سقط عنه.

٢٩٦

آبائه عليهم‌السلام لو لا قلة التأمل.

فإن قيل :

فأي فرق بين وجوه غائبا لا يصل إليه أحد ولا ينتفع به بشر ، وبين عدمه؟ وإلا جاز إعدامه إلى حين علم الله سبحانه بتمكين الرعية له كما جاز أن يبيحه الاستتار حتى يعلم منه التمكين له فيظهر؟.

قيل له :

أولا نحن نجوز أن يصل اليه كثير من أوليائه والقائلين بإمامته فينتفعون به ومن لا يصل اليه منهم ولا يلقاه من شيعته ومعتقدي إمامته ، فهم ينتفعون به في حال الغيبة النفع الذي نقول انه لا بد في التكليف منه ، لأنهم مع علمهم بوجوده بينهم ، وقطعهم على وجوب طاعته عليهم ولزومها لهم ، لا بد من أن يخافوه ويهابوه في في ارتكاب القبائح ، ويخشوا تأديبه ومؤاخذته ، فيقل منهم فعل القبيح ويكثر فعل الحسن ، أو يكون ذلك أقرب.

وهذه جهة الحاجة العقلية الى الامام ، فهو وان لم يظهر لأعدائه لخوفه منهم ، وسدهم على أنفسهم طرق الانتفاع به ، فقد بينا في هذا الكلام الانتفاع به لأوليائه على الوجهين المذكورين.

على أنا نقول : الفرق بين وجود الامام من أجل الخوف من أعدائه ، وهو يتوقع في هذه الحالة إن يمكنوه فيظهر ويقوم بما فوض الله اليه ، وبين عدمه جلي واضح. لأنه إذا كان معدوما ، كان [ما] يفوت العباد من مصالحهم ويعدمونه من مراشدهم ويحرمونه من لطفهم منسوبا الى الله سبحانه ، لا حجة فيه على العباد ولا لوم.

٢٩٧

وإذا كان موجودا مستترا بإخافتهم إياه ، كان ما يفوتهم من المصالح ويرتفع عنهم من المنافع منسوبا إليهم ، وهم الملومون عليه المؤاخذون به.

على أن هذا ينعكس عليهم في استتار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأي شيء قالوه فيه أجبناهم بمثله هنا.

والقول بالحدود في حال الغيبة ظاهر ، وهو أنها في حياة فاعلها وحياتها (١) فان ظهر الامام والمستحق للحدود باق ، وهي ثابتة عليه بالبينة والإقرار ، استوفاها منه.

وان فات ذلك بموته ، كان الإثم على من أخاف الامام وألجأه إلى الغيبة وليس بنسخ الشريعة في إقامة الحدود ، لأنه انما يكون نسخا لو سقط فرض إقامتها مع التمكين وزوال الأسباب المانعة من إقامتها. وأما مع عدمه والحال ما ذكرنا فلا.

وهذه جملة مقنعة في هذه المسألة ، والله المستعين وبه التوفيق.

__________________

(١) كذا في النسخة والظاهر زيادتها ، أو أن يكون : في حياة فاعل جانيها.

٢٩٨

(٢٦)

مسألة في الرد على المنجمين

٢٩٩
٣٠٠