رسائل الشريف المرتضى - ج ٢

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٢

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٢

الوقت رغبة في فضل الجماعة بعد فعلها في أوله ، وفيه أمارة فعل الظهر مرتين ، لان فعل الثانية لا بد أن يكون لوجه الوجوب أو الندب.

فان كان للوجوب فذلك باطل ، لأنه بريء الذمة من الظهر بفعل الاولى ، ولا وجه لوجوب الثانية ، وهو مقتض لكون الخمس صلوات عشرا ، وهذا عظيم أيضا.

وان كان للندب وهو مخالف لظاهر الفتيا الرواية عنهم عليهم‌السلام : صل لنفسك وصل معهم ، فان قبلت الاولى والا قبلت الثانية (١) وكيف ينوي بها الندب وهو امام لقوم يقتدون به ، وصلاة المأموم معلقة بصلاة الامام ، وهل عزمه على صلاة جماعتهم وفرضهم بأنها مندوبة إلا كفر به على إفسادها في نفسه.

مسألة :

وما الوجه فيما اتفقوا عليه من الفتيا بصلاة من عليه صلاة واحدة فائتة غير متعينة عدة صلوات غير مميزات ثلاثا وأربعا واثنتين. وأن الثلاث قضاء للمغرب ان كانت ، والأربع قضاء للظهر أو العصر أو عشاء الآخرة ، والركعتان للغداة.

أو ليس هذا يناقض الاتفاق على وجوب تعيين النية؟ ووجوب بقاء صلاة الظهر في ذمة من صلى أربعا ، لم ينو بها ظهرا ، بل ينوى بها مندوبة ، أو مباحة غير معينة ، أو معينة بالعصر ، أو العشاء ، أو القضاء ، أو النذر ، ولانه لا بد أن ينوي بالرباعية المفعولة على جهة القضاء الفائت صلاة معينة ، أو الثلاث المتغايرات ، أو لا ينوي بها شيئا.

فإن نوى صلاة معينة لم يجز عن غيرها. وان نوى بها الثلاث المتغايرات ، فتلك نية بلا فائدة ، لأن صلاة واحدة لا تكون ثلاث ، ولا قضاء الثلاث ، ونية

__________________

(١) راجع وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٥٥ فيه روايات تشبه ذلك.

٣٤١

واحدة في الشريعة لا يتبادر ثلاث عبادات متغايرات ، من حيث كان أحد شروطها تعلقها بما هي نية له على جهة تعيين ، وان لم ينو بها شيئا لم يكن قضاء لشيء ، وما الفرق بين الفائت المتعين والمبهم في وجوب تعيين النية لقضاء المتعين دون المبهم على تقدير هذه الفتيا الإبهام مختص بتعذر انحصار العدد دون تغايره. وإذا كان لو فاته ظهر متعين ، لوجب أن يقضي ظهرا باتفاق.

فكيف يجب إذا علم أن عليه صلوات منها ظهر ومنها عصر ومنها عشاء ومغرب وغداة ، أن تصلى ظهرا وعصرا ومغربا وعشاء وغداة ، ويكرر ذلك حتى يغلب في ظنه براءة ذمته ، كما يفعل في قضاء ما يعين بالعدد. وهذا خلاف الفتيا المقررة.

مسألة :

وما الوجه في الفتيا بمضي صلاة من فعلها قبل الوقت مع الجهل به أو السهو عنه ، مع دخول الوقت وهو في شيء منها. والأمة متفقة على أن من فعل من الركعات قبل الزوال والغروب وطلوع الفجر ، فليس بظهر ولا مغرب ولا غداة.

وإذا ثبت هذا بغير تنازع ، فكيف يكون ما فعل قبل تعلق وجوبه بالذمة مجزيا عما يتعلق بها في المستقبل؟ وكيف يكون صلاته ظهرا يجزيه ، وبعضها واجب لو سلم ، وبعضها غير واجب؟ وكيف يكون ما لو قصد اليه لكان قبيحا يستحق به العقاب من فعلها قبل الوقت مجزيا عما لو قصد اليه ، لكان واجبا يستحق به الثواب من فعلها بالوقت.

مسألة :

وما الوجه في الفتيا باجزاء صوم يوم الشك مع تقدم العزم على صومه من شعبان على جهة الندب عن يوم من شهر رمضان إذا اتفق كونه منه ، وهب نية التعيين

٣٤٢

لا يفتقر إليها في أيام شهر رمضان ، لكون يوم شهر رمضان لا يمكن أن يكون من غيره ، كيف يكون ما وقع من الفعل بنية التطوع نائبا مناب ما يجب اتباعه لوجه الوجوب.

وهل هذا الا مخالف للأصول الشرعية من افتقار صحة العبادة إلى إيقاعها على الوجه الذي له شرعت ، وأن إيقاعها لغيره مخرج لها من جهة التعبد ومخل باستحقاق الثواب ، وعلى هذا التقدير من الحكم يجب أن يكون إيقاع العبادة لوجه التطوع لا ينوب مناب إيقاعها لوجه الوجوب على حال.

مسألة :

وما الوجه في الفتيا بأن عزم المكلف على صوم جميع شهر رمضان قبل فجر أول يوم منه ، يغني عن تكرار النية لكل يوم بعينه؟ مع علمنا بأن العبادة الواحدة تفتقر إلى نية التعيين في حال ابتدائها ، دون ما تقدمها أو تراخى عنها وأن الصوم الشرعي العزم على أن يفعل مكلفة أمورا مخصوصة في زمان مخصوص ، لوجوب ذلك على جهة القربة به ، والإخلاص كسائر العبادات المفتقرة صحتها الى الوجوه التي بها شرعت ، واتفاقنا على أن اختلال شرط من هذه يخرج المكلف عن كونه صائما في الشريعة.

فكيف يمنع مع هذا أن تكون النية المعقودة على هذا الوجه في أول يوم من الشهر ثابتة (١) عن نية كل يوم مستقبل منه ، وهل ذلك الا مقتضى لصحة صوم من تقدمت منه هذه النية ، مع كونه غير عازم في كل يوم مستقبل على أن يفعل ما يجب عليه اجتنابه في زمان الصوم ولا فعله للوجه الذي له شرع الصوم ولا

__________________

(١) ظ. نائبة.

٣٤٣

القربة. وهذا ما يجوز (١) المصير اليه ، واتفاقنا على وجوب هذه الأمور في كل يوم ، والا لم يكن المرضي مما يمنع من الفتيا التي حكيناها مع حصول الإجماع عليها ، أو يكون لها وجه ممن يذكره.

النيات غير مؤثرة في العبادات

الجواب :

اعلم النيات غير مؤثرة في العبادات الشرعيات صفات يحصل عنها ، كما نقوله في الإرادة أنها مؤثرة ، وكون الخبر خبرا ، أو كون المريد مريدا. وهو الصحيح على ما بيناه في كتبنا ، لان قولنا «خبر» يقتضي تعلقا بين الخطاب وبين ما هو خبر عنه ، وذلك المتعلق لا بد من كونه مستندا الى صفة يقتضيه اقتضاء العلل.

وقد دللنا على ما أغفل المتكلمون إيراده في كتبهم وتحقيقه من الدلالة ، على أن كون الخبر يقتضي تعلقا بالمخبر عنه ، وأن المرجع بذلك لا يجوز أن يكون الى مجرد وكون المريد مريدا لكونه خبرا ، بل لا بد من تعلق مخصوص في مسألة مفردة أمليناها تختص هذا الوجه.

ودللنا فيها على ذلك ، بأن الخبر لو لم يكن متعلقا على الحقيقة بالمخبر عنه ، وعلى صفة اقتضت هذا التعلق لم يكن في الاخبار صدق ولا كذب ، لان كونه صدقا يفيد تعلقا مخصوصا يقتضي ذلك التعلق ، فلو لم يكن هناك تعلق حقيقي لما انقسم الخبر الى الصدق والكذب ، وقد علمنا انقسامه إليها (٢).

وليس في العبادات الشرعية كلها ما يحصل بالنية أحكام هذه العبادات ، ويسقط بها عن الذمة ما كان غير ساقط ، ويجري ما كان لولاها لا يجرى. وهذه

__________________

(١) ظ : ما لا يجوز.

(٢) ظ : إليهما.

٣٤٤

اشارة منا إلى أحكام مخصوصة لا الى صفات العبادات ، فإنها تشير الى هذه الاحكام التي ذكرناها ، لأنك لو استفسرته على مراده لما فسر الا بذكر هذه الاحكام.

والذي يبين ما ذكرناه أن النية لو أثرت في العبادات صفة مقتضاها غيرها ، لوجب أن يؤثر ذلك قبل العبادة بهذه الشرعيات ، لأن المؤثر في نفسه لا يتغير تأثيره. وقد علمنا أن مصاحبة هذه النية للعبادة قبل الشرعيات لا حكم لها ، فلا تأثير ، فصح ما نبهنا عليه.

وإذا صحت هذه الجملة التي عقدناها ، زال التعجب من نقل النية عن أداء الصلاة الى غير وقتها الى قضاء الفائتة ، لأن ما صلاه بنية الأداء على صفة لا يجوز انقلابه عنها ..

وانما قيل له : إذا دخلت من صلاة (١) حضر وقتها ، فانو أداءها واستمر على ذلك الى آخرها ، ما لم تذكر أن عليك فائتة ، فان ذكرت فائتة فانقل نيتك الى قضاء الفائتة ، إذا كان في بقية من صلاته يمكنه الاستدراك ، لأن الصلاة انما يثبت حكمها بالفراغ من جميعها ، لان بعضها معقود ببعض ، فهو إذا نقل نيته الى قضاء الفائتة صارت الصلاة كلها قضاء للفائتة لا أداء الحاضرة ، لأن هذه أحكام شرعية يجب إثباتها بحسب أدلة الشرع.

وإذا كان ما رتبناه هو المشروع الذي أجمعت الفرقة المحقة عليه ، وجب العمل واطراح ما سواه.

وغير مسلم ما مضى في أثناء الكلام من حصول الاتفاق على وجوب المضي في الصلاة بعد الدخول فيها بالنية ، لأنا نقسم ذلك على ما فصلناه ، ولا يوجب المضي في الصلاة على كل حال.

وغير مسلم أيضا أن الركعتين اللتين دخل فيهما ونوى الظهر ، ثم نقل نيته

__________________

(١) ظ : في صلاة.

٣٤٥

قبل الفراغ منهما الى القضاء الفائتة في صلاة الفجر ، لما ذكرناها أن الركعتين يكونان من الظهر ، بل انما يكونان من الظهر إذا لم يتغير النية واستمرت على الحالة الاولى.

ولا عجب من أن يقع هاتان الركعتان من قضاء الفجر ، لما نقل بنيته الى ذلك ، وان كانت النية لم تتقدم في افتتاح الصلاة ، لأنها وان تأخرت فهي مؤثرة في كون تلك الصلاة قضاء ، وإخراجها من أن يكون أداء. لأنا قد بينا أن ذلك إشارة إلى أحكام شرعية ، يجب إثباتها ونفيها بحسب الأدلة الشرعية.

وليس يجب أن يعجب مخالفونا من مذهبنا هذا ، وهم يروون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: من ترك صلاة ثم ذكرها فليصلها لها ، فذلك فيها (١). وان كان وقت الذكر منعنا لقضاء الفائتة ، فكيف يصلي فيه صلاة أخرى في غير وقتها.

والموقت المضروب لصلاة الظهر وان كان واسعا فإنه إذا ذكر في أوله قبل تضيقه فوت صلاة قبلها ، خرج ذلك الوقت عند الذكر من أن يكون وقتا للظهر وخلص بقضاء الفائتة.

ولهذا نقول : انه إذا تضيق وقت الصلاة الحاضرة ولم يتسع الا لأدائها لم يجز له أن يقضي فيه الفائتة ، وخلص لأداء الحاضرة لئلا يفوت الحاضرة ، يذهب (٢) إلى أنه متى ذكر في آخر وقت صلاة حاضرة أنه قد فاتته أخرى قبلها بدأ بقضاء الفائتة وان فاتته الحاضرة. وخالف باقي الفقهاء في ذلك ، فان كان يجب

__________________

(١) راجع جامع الأصول ٦ ـ ١٣٤ ، والرواية موجودة في الجواهر [١٣ ـ ٨٤] وهي مروية عن رسيات المرتضى كذا : من ترك صلاة ثم ذكرها فليصلها إذا ذكرها فذلك وقتها. وما أثبتناه في المتن كذا في النسخة.

(٢) ظ : ومالك يذهب.

٣٤٦

فلتكن من مالك ، لأنه بصيرة (١) للترتيب أوجب قضاء الفائتة وان فاتت الحاضرة.

أما المسألة الثانية :

ستحباب اعادة المنفرد صلاته جماعة

وهي استحباب اعادة من صلى منفردا بعض الصلوات ، بأن يصليها جماعة رغبة في فضل صلاة الجماعة.

فأول ما نقوله في ذلك : ان هذا المذهب ليس مما ينفرد به الإمامية ، بل بين فقهاء العامة فيه خلاف معروف ، لان مالكا و «عي» يستحبان لمن ذكرنا حاله أن يعيد في الجماعة كل الصلوات الا المغرب.

وقال الحسن : يعيدها كلها الا الصبح والعصر.

وقال «يه» : يعيدها كلها الا الصبح والعصر والمغرب.

وقال «فعي» : يعيد جميع الصلوات ولم يستثن شيئا منها (٢).

وهذا هو مذهب الإمامية بعينه.

فكان التعجب من جواز تكرير الصلاة رغبة في فضل الجماعة انما هو إنكار لما أجمع عليه جميع الفقهاء ، لأنهم لم يختلفوا في استحباب الإعادة ، فبعضهم عم جميع الصلوات ـ وهو الذي يوافقنا موافقة صحيحة ـ والباقون استثنوا بعض الصلوات ، واستحبوا الإعادة فيما عداها.

ودليلنا على صحة ما ذهبنا اليه هو إجماع الطائفة الذي بينا في غير موضع أنه حجة ..

__________________

(١) ظ : بمصيره.

(٢) راجع الأقوال المنقولة في بداية المجتهد ١ ـ ١٠٣.

٣٤٧

والموافقون لنا في هذه المسألة من العامة يعولون على خبر يروونه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يتضمن : إذا صلى أحدكم ثم أدرك قوما يصلون فيصلى معهم يكون الاولى صلاته والتي صلاها معهم تطوعا. ويقولون على عموم اللفظ لسائر الصلوات ، فلا معنى لاستثناء بعضها ، فإن الصلاة الثانية المفعولة جماعة بعد فعلها على سبيل الانفراد ، الصحيح أنها بدل والفرض هي الاولى ، وهو مذهب الشافعي أيضا وقال في «دعا» فرضه الثانية.

وأما جواز أن ينوي هذا المقتدي لهذه الصلاة النفل وان كان امامه ينوي أداء الفرض، فلا خلاف بين الفقهاء فيه ، لان اقتداء (١) المتنفل بالمفترض والمفترض (٢) بالمتنفل : فعند «فه» أنه لا يجوز أن يقتدي مفترض بمتنفل ، وكرهه ذلك «د» و «ي» ، وقال «فعي» انه جائز. وهو مذهبنا.

ودليلنا على صحته : هو إجماع الفرقة عليهم ، لأنهم لا يختلفون فيه.

ويجوز أيضا عند «فعي» أن يأتم المفترض بالمفترض وان اختلف فرضهما ، فكان أحدهما ظهرا والأخر عصرا ، وهو مذهبنا. و «فه» لم يجوز أن يأتم المفترض بالمفترض الا وفرضاهما غير مختلف.

فأما ما مضى في خلال الكلام من أنه ان كان الندب فهو مخالف لظاهر الفتيا والرواية. وليس الأمر على ذلك ، لأنا لا نفتي الا بأن الثانية ندب وطلب الفضل. ولو كان (٣) واجبة لكان يذم من لم يصل هذه الصلاة ، وقد علمنا أنه غير مذموم ان تركها ، وانما ترك فضلا وندبا.

ولم يخالف القائل بهذه الرواية أيضا ، لأن قوله «صل لنفسك» و «صل

__________________

(١) ظ : في اقتداء.

(٢) ظ : وأما المفترض.

(٣) ظ : كانت.

٣٤٨

معهم وبهم» فان قبلت الاولى والا قبلت الثانية ، لا يدل على أن الثانية واجبة ، لأن القبول الذي هو استحقاق الثواب بالصلاة قد يكون في الندب مقبولا.

فان قال : كيف يجوز أن يخالف نية المأموم [قلنا] لا خلاف بين المسلمين في جواز هذا الحكم ، لان عند جميعهم أنه يجوز أن يقتدي بالمفترض المتنفل.

أما المسألة الثالثة :

حكم من فاتته صلاة غير معينة

والتي يفتي فيها أصحابنا بأن من فاتته فريضة غير معينة ولا متميزة ، صلى ثلاثا وأربعا واثنتين ، ونوى بالثلاث قضاء المغرب ، وبالأربع قضاء الظهر أو العصر وعشاء الأخيرين.

فأول ما نقوله في هذه المسألة : ان الاولى عندنا من هذه حاله أن يصلي ظهرا وعصرا ومغربا وعشاء وغداة.

وانما رخص له في الرواية (١) الواردة بذلك أن يجعل مكان الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربع ركعات ، وينوي بها قضاء ما فاته من احدى هذه الصلوات ترفها وتخفيفا ، لانه يشق عليه أن مادح بهذه الصلوات الرباعية دفعات متكررة فخفف عنها ، بأن يأتي بأربع ينوي بها ما فاته من احدى هذه الصلوات الثلاث ،

__________________

(١) وهي مرسلة على بن أسباط عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من نسي من صلاة يومه واحدة ولم يدر أي صلاة هي ، صلى ركعتين وثلاثا وأربعا.

ومرسلة حسين بن سعيد قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي من الصلوات لا يدرى أيتها هي؟ قال يصلى ثلاثة وأربعة وركعتين ، فان كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلى أربعا ـ الحديث. وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٦٥ ح ١ و ٢.

٣٤٩

فهي وان كانت له غير معينة ، فالله تعالى يعلمها على سبيل التفصيل ، فكأنه يتعين ما فاته وعلم الله تعالى.

وليس ينبغي أن يقع تعجب من حكم شرعي إذا دلت الأدلة الصحيحة عليه ، فان الأحكام الشرعية مبتنية على المصالح المعلومة لله تعالى ، ووجوه هذه المصالح مغيبة عنا ، وانما نعلمها على الجملة دون التفصيل.

وأما المسألة الرابعة :

حكم الواقع بعض صلاته قبل الوقت

بأن الصلاة الواقعة بعضها قبل الوقت جهلا أو سهوا ، وبعضها في الوقت مجزية ماضية.

فأول ما نقوله : ان عندي أن هذه الصلاة غير مجزية ولا ماضية ، ولا بد من أن يكون جميع الصلاة في الوقت المضروب لها ، فان صادف شيء من أجزائها ما هو خارج الوقت لم تكن مجزية.

وبهذا يفتي محصلو أصحابنا ومحققوهم ، وقد وردت روايات (١) به ، وان كان في بعض كتب أصحابنا ما يخالف ذلك من الرواية. وإذا كنا لا نذهب الى ما تعجب منه فلا سؤال له علينا.

والوجه في صحة القول بأن من صلى بعض صلاته ، أو جميعها قبل دخول وقتها يلزمها الإعادة ، وأن صلاته غير ماضية ، أن معنى ضرب الوقت للعبادة هو التنبيه على أنها لا تجزي الا فيه ، وإذا كان من صلى قبل الوقت مخالفا للمشروع له ومخالفة المشروع له يقتضي فساد العبادة ، فيجب القضاء بترك الاعتداد بما وقع من الصلاة في غير الوقت ، ولأن الصلاة بدخول الوقت تلزم لا محالة.

__________________

(١) راجع وسائل الشيعة ٣ ـ ١٢٢ ب ١٣.

٣٥٠

وقد علمنا أن ما يفعله منها في الوقت يسقط عن ذمته وجوبها بالإجماع ، ولم نعلم أن ما فعله قبل دخول الوقت مسقطا عن ذمته ما تنقلها (١) ، فيجب عليه أن يفعل الصلاة في وقتها ما يعلم به براءة ذمته من وجوبها.

وما يرويه أصحابنا فيما يخالف ما ذكرناه من أخبار الآحاد لا يتعبد به ، لانه ليس بحجة ولا موجب علما.

ولو قامت دلالة على أن من صلى بعض الصلاة ، أو كلها قبل دخول الوقت أجزأه، ولم يجب عليه الإعادة لجاز ذلك عندنا ، ولم يكن مخالفا لقانون الشرع.

فلا خلاف بين أصحابنا في أن من اجتهد في جهة القبلة وصلى ، ثم تبين له بعد خروج الوقت أنه أخطأها وصلى الى غيرها ، فإنه لا اعادة عليه ، وأن صلاته الماضية مجزية عنه ، إذا كان ما استدبر القبلة.

وقال أبو حنيفة ومالك وهو أحد قولي الشافعي : انه لا اعادة عليه على كل حال. ولم يفرقوا بين الخطأ بالاستدبار أو اليمين أو اليسار.

فما هذا التعجب من الرواية الواردة باجزاء هذه الصلاة؟ ونحن كنا وفقهاء العامة نقول في جهة القبلة مثل ذلك بعينه ، ونحن نعلم ان القبلة شرط في الصلاة كالوقت.

فإذا جاز أن يقوم الخطأ مع الاجتهاد في القبلة مقام الصواب ، ويقال : ان فرضه أداه اجتهاده الى سمت بعينه هو ذلك السمت دون غيره.

فلم لا أجاز أن يقال أيضا : ان فرضه إذا اجتهد فأداه اجتهاده الى دخول الوقت هو إيقاع الصلاة فيه ، فما فعل الا ما هو فرضه في الحال ، وان ظهر له في المستقبل خلافه ، كما لو ظهر له في جهة القبلة خلاف اجتهاده.

__________________

(١) ظ : ما تعلق بها.

٣٥١

ولم نقل ذلك نصرة لهذا المذهب ، فقد بينا أن ذلك عندنا باطل ، وأن الصحيح خلافه ، وانما قابلنا بذلك الاستبعاد له والشناعة به.

فأما ما مضى في أثناء السؤال من أنه يكون ما فعله قبل تعلق وجوبه بالذمة مجزيا عما يتعلق بها في المستقبل ، فكيف تكون صلاته مجزية ، وبعضها واجب وبعضها غير واجب ، وكيف يكون ما لو قصد إليها لكان قبيحا يستحق به العقاب من فعلها قبل الوقت مجزيا عما لو قصد إليها لكان واجبا يستحق به الثواب في فعلها في الوقت؟.

فمما لا يقدح في المذهب الذي قصد الى القدح فيه لان لمن ذهب اليه أن يقول : انني لا أسلم أن وجوب الصلاة تعلق (١) بالذمة ، مع غلبة ظنه بدخول الوقت ، ولا أن أول صلاته غير واجب. وليس يمتنع أن يكون ما لو قصد اليه أن يكون قبيحا يستحق به العقاب مجزية ، بل هو فرضه فيه ، مع غلبة الظن المؤدي اليه اجتهاده.

ألا ترى أنه لو قصد أن يصلي الى غير جهة القبلة لكان ذلك منه قبيحا يستحق به العقاب ، ومع ذلك فإذا أداه اجتهاده الى تلك الجهة أجزأه صلاته ، ولم يكن له الإعادة وان تبين الخطأ ، فلا وجه لاستبعاد هذا المذهب الا من حيث ما ذكرناه.

وأما المسألة الخامسة :

حكم صيام يوم الشك

في أجزاء صوم الشك إذا صامه بنية التطوع عن فرضه إذا ظهر له أنه من شهر رمضان. فهذا مذهب لا خلاف بين الإمامية فيه ، ولا روى بعضهم ما يخالفه

__________________

(١) ظ : ما تعلق.

٣٥٢

على وجه ولا سبب. والتعجب بما يقوم الحجة عليه لا معنى له.

وقد بينا في صدر كلامنا أن دخول النية في العبادة وتعينها وإجمالها ومقارنتها وانفعالها ، انما هو أحكام شرعية يجب الرجوع فيها إلى أدلة الشرع ، فمهما دلت عليه اشتباه(١) واعتمدناه.

ولو كانت نية الصوم الواجب يعتبر فيها تعيين النية على كل حال ، لما أجمعت الإمامية على أجزاء صوم يوم الشك بنية التطوع ، إذا ظهر أنه من شهر رمضان.

وكذلك أجمعوا على أنه ان صام شهرا بنية التطوع على أنه شعبان وكان مأسورا أو محبوسا يجب أن لا يعلم أحوال الشهر ، لكان ذلك الصوم يجزيه عن شهر رمضان.

وانما تفتقر العبادة إلى نية إيقاعها على الوجه المعين في الموضع الذي يتمكن المكلف للعلم بالتعيين ، وفي يوم الشك لا يمكنه أن يعلم أنه من شهر رمضان في الحال ، فلا يجوز أن يصومه إلا بنية التطوع ، لان التعيين لا سبيل له إليه في هذا اليوم. وغير ممتنع أن يقوم الدليل على أنه ان صامه بهذه النية وظهر أنه من شهر رمضان أجزأ عن فرضه.

وأبو حنيفة يوافقنا في هذه المسألة ، يذهب إلى أنه ان صام يوما بنية التطوع وظهر أنه من شهر رمضان أجزأه ذلك عن فرضه ، ولم يجب عليه الإعادة. ويعول في الاستدلال على صحة قوله على أشياء :

منها : قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(٢) فأمر بصوم شرعي ، ولا خلاف في أن الصوم بنية التطوع صوم شرعي ، فإنه لو صام في غير شهر

__________________

(١) ظ : أثبتناه.

(٢) سورة البقرة : ١٨٥.

٣٥٣

رمضان يوما بنية التطوع يوصف في الشرع بأنه صوم مطلق ، فعموم الآية يقتضي فعل ما هو صوم في الشريعة.

ومنها : أن صوم شهر رمضان مستحق العين على المقيم ، فعلى أي وجه فعله وقع على المستحق ، كطواف الزيارة ورد العارية والوديعة والغصب.

ومنها : أن نية التعيين يحتاج إليها للتمييز بين الفرض وغيره ، والتمييز انما يحتاج إليه في الوقت الذي يصح (١) في وقوع الشيء وخلافه فيه. فأما إذا لم يصح منه في الحال الى (٢) الفرض لم يحتج إلى نية التعيين ، ولما لم تكن الوديعة والعارية بهذه الصفة لم يفتقر إلى نية التعيين.

فإذا قيل : لعل ما لا جزت صومه هذا الزمان المعين بغير نية أصلا ، كما جاز رد الوديعة بغير نية ، كما لقوله فروقا بين الأمرين ، بأن يقول : كونه مستحق العين انما يكون علة في سقوط نية التعيين ، لانه لو طاف بنية التطوع أجزأه عن فرضه ، ولا يسقط فيه النية على الجملة.

وأجود مما ذكره أبو حنيفة أن يقول : ان الصوم في الشريعة لا بد من كونه قربة وعبادة بلا خلاف بين المسلمين ، فإذا تعين في زمان بعينه سقط وجوب نية التعيين ، ونية القربة والعبادة لا بد منها ، والا فلا يكون صوما شرعيا ، وليس كذلك رد الوديعة والعارية.

وربما طعن الشافعي على أبي حنيفة في هذا الكلام الذي حكيناه من أن ما تعين من زمانه من العبادات لا يحتاج إلى نية ، بأن يقول له : ان الصلاة في آخر الوقت وعند تضيقه يفتقر إلى نية التعيين بلا خلاف ، ومع هذا فان الزمان قد تعين في أدائها لا يمكن أن يقع فيه سواها.

__________________

(١) الظاهر زيادة «في».

(٢) ظ : الا.

٣٥٤

ويمكن منه أن يجيب عن ذلك بأن يقول : هذا الزمان يمكن الا يعين فيه أداء هذه بأن يكون قدمها عليه وما أخرها إليه ، فقد صارت هذه العبادة فيه غير متعينة ، وليس كذلك صوم شهر رمضان ، لانه لا يمكن أن يقع فيه من جنس هذا الصوم سواه ، فقد تعين له خاصة ، وفارق بذلك الصلاة في آخر الوقت.

واما المسألة السادسة :

حكم نية صوم الشهر كله في أوله

وهي أن النية الواقعة في ابتداء رمضان لصوم الشهر كله مغنية عن تجديدها في كل ليلة.

فهو المذهب الصحيح الذي عليه إجماع الإمامية ، ولا خلاف بينهم فيه ، ولا رووا خلافه.

وقد يذهب الى ذلك مالك ويقول : ان تكرار النية لم يكن واجبا ، فإنه إن جددها لكل يوم الى آخر الشهر كان أفضل وأوفر ثوابا. ولا تعجب من الأحكام الشرعية إذا قامت عليها الأدلة الصحيحة.

فإن قيل : كيف تؤثر النية في جميع الشهر وهي متقدمة في أول ليلة منه.

قلنا : انها تؤثر في الشهر كله كما تؤثر عندنا كلنا هذه النية في صوم اليوم بأسره وان كانت واقعة في ابتداء ليلته. ولو كانت مقارنة النية للصوم لازمة لما جاز هذا الذي ذكرناه ، ولا خلاف في صحته.

ولو اعتبر في التروك (١) الافعال في زمان الصوم مقارنة النية لها لوجب تجديد النية في كل حال من زمان كل يوم من شهر رمضان ، لأنه في هذه الأحوال

__________________

(١) ظ : تروك.

٣٥٥

كلها تارك لما يوجب كونه مفطرا.

وقد علمنا أن استمرار النية طول النهار غير واجب ، وأن النية قبل طلوع الفجر كافية مؤثرة في كون تروكه المستمرة طول النهار صوما ، كذلك القول في النية الواحدة إذا فرضنا أنها لجميع شهر رمضان أنها تؤثر شرعا في صيام جميع أيامه وان تقدمت ، كما أثرت النية الواقعة بالليل في صيام اليوم كله.

وما مضى في خلال الكلام من أن ذلك يقتضي صحة صوم من تقدمت منه هذه النية ، مع كونه غير عازم في كل يوم مستقبل على أن لا يفعل ما وجب عليه اجتنابه في زمان الصوم ـ الى آخر الفصل.

فكذلك تقول : ان تجديد العزم على جميع ما ذكر غير واجب في كل يوم إذا كانت قد تقدمت النية في أول الشهر على ذلك كله ، فان تقدمها يقتضي وقوع تروكه في زمان الصوم كله على وجه القربة والعبادة والصحة ، كما اتفقنا في أن تقدم النية بالليل يقتضي وقوع كفه في طول النهار ، كما يفعله الصائم عبادة وقربة وعلى الوجوه المشروعة.

فإن أريد بكونه غير عازم أنه غير مجدد بالنية ، فقد مضى القول فيه. وان أريد بذلك أنه يكون عازما على الأكل أو الشرب أو الجماع ، فقد انتقض النية المتقدمة. ألا ترى أن من أوجب النية لكل يوم يقول لو نوى بالليل وقبل طلوع الفجر صيام يوم بعينه ، لم يجب عليه تجديد النية والعزم ، لكنه متى عزم على الأكل أو الشرب أو الجماع أفسد صومه. وهذا بين لمن تأمله.

فصل

يتضمن مسألتين تتعلق بأحكام النية في العبادة

المسألة الأولى :

إذا كانت الشروط المذكورة في صفة نية العبادة معتبرة في صحتها ، فما

٣٥٦

حكم من جهلها من المكلفين؟ أوقع عبادته خالية عنها أو من بعضها ، هل يجب عليه اعادة ما مضى من العبادات عارية من ذلك إذا عرف كون هذه الشروط واجبة؟ أم يجزيه ما مضى بغير نية؟ أو نية التعيين والقربة خاصة؟ من غير أن يخطر له الوجه الذي وجب ، وانما اعتقد وجوبها على الجملة.

المسألة الثانية :

وما حكم العبادة ذات الاحكام المتغايرة ، كالطهارة والصلاة والحج؟ هل يجب على مكلف فعلها معرفة أعيان أحكامها وفرق ما بين واجبها ومندوبها ، أم يجزيه اعتقاد وجوبها على الجملة من غير معرفة بتفصيل أحكامها؟.

فإن كان العلم بتفصيلها حين البلوى بها يجب ، فهل يلزم مكلفها أن يفرد لكل حكم مفصل (١) بينه يخصه في حال فعله؟ كغسل الوجه ومسح الرأس والركوع والسجود والطواف والسعي وأمثال ذلك ، أم يجزيه تعيين ذلك حين القصد الى فعل العبادة التي هذه (٢) الاحكام من تفصيل؟ ولا يحتاج الى تكرير النية لكل واجب وندب في حال فعله ، أم لا يلزم شيء من ذلك ، بل يكفيه أن يعزم على صلاة الظهر لوجوبها في حال تكبيرة الإحرام ، من غير أن يخطر له شيء من تفصيل.

وان كان العلم بتفصيل أحكام العبادة وشروطها وأفعالها وتروكها واجبا ، فما حكم ما مضى مع الجهل بذلك من العبادات يجب قضاؤه أم لا.

__________________

(١) ظ : ابنية.

(٢) ظ : ذات هذه.

٣٥٧

حكم المخل بالنية في العبادة

الجواب :

اعلم أن العبادة إذا وجبت بنية مخصوصة وكانت النية شرطا في صحتها ، فكل مخاطب بهذه العبادة لا بد أن يكون مخاطبا بالنية التي هي شرط في صحتها. وإذا أوقعها بغير نية فالإعادة واجبة عليه ، لانه قد أخل بشرط صحتها.

فان فرضنا أنه جهل وجوب هذه النية عليه ، فأوقعها عارية منها ، ثم علم بعد ذلك وجوبها ، فالصحيح أنه ان كان جهل وجوب هذه النية عليه في حال يصح فيها من العلم بوجوبها ، وانما جهلها تفريطا وإهمالا ، فالقضاء واجب عليه لا محالة.

وان كان لما جهل وجوبها غير متمكن من العلم بوجوب هذه النية ، فمن المحال أن يكون مكلفا للعبادة وهو غير متمكن للعلم بوجوبها ووجوب ما يفتقر في صحتها اليه ، ومن لم يتمكن من العلم بوجوب الفعل وشرائطه فهو غير مكلف له ، فهذا لا يجب عليه الإعادة، لأن هذه العبادة في الوقت الذي فعلها عارية من النية لم تكن واجبة.

فأما الوجه الذي له وجب العبادة ، فإن أريد مثلا كونها ظهرا أو عصرا ، فلعمري انه لا بد من أن ينوي بأدائها كونها ظهرا أو عصرا. وان أريد بوجه الوجوب الذي منه كانت مصلحة وداعية الى فعل الواجب العقلي وصارفة عن القبيح العقلي ، فذلك مما لا يجب علمه على سبيل التفصيل ، والعلم به على وجه الجملة كاف.

٣٥٨

وأما المسألة الثانية :

حكم نية العبادة المشتملة على أفعال كثيرة

فإن كل عبادة اشتملت على أفعال كثيرة ، وان كان لها اسم يتعرف به جملتها كالطهارة والصلاة والحج ، فلا بد في كل مكلف لها من أن يكون له طريق إلى معرفة وجوب ما هو واجب منها بالتمييز بينه وبين ما هو ندب ونفل.

فإذا نوى في ابتداء الدخول في هذه العبادة التي لها أبعاض كثيرة أن يفعلها ونوع (١) إيقاع ما هو واجب ، منها على جهة الوجوب وإيقاع الواجب منها واجبا والندب ندبا ، لم يحتج الى تجديد النية عند كل فعل من أفعالها ، كالركوع والسجود وغيرهما ، وهذه الجملة مقنعة.

المسألة السادسة عشر :

نية النيابة في العبادات وثوابها

من صفة نية النائب عن غيره في حج أو جهاد ، هل يعزم على أداء ذلك لوجوبه عليه أم لا على مشتبه ، فان كان يفعل ذلك لوجوبه عليه ، فلوجه غير صحيح ، لانه لم يجب عليه شيء ، وانما هو ثابت في فعل واجب على غيره دونه.

ثم كيف يكون نائبا عن غيره بفعل واجب عليه في نفسه؟ فان فعله لوجوبه على غيره، فكيف يصح أن يعبد الله زيد عبادة واجبة جهة وجوبها مختص بعمرو؟ وكيف يبرأ ذمة عمرو مما وجب عليه بفعل زيد؟ مع تقرر الحكم العقلي خلافه

__________________

(١) ظ : نوى.

٣٥٩

ورود السمع بما يطابقه من قوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)(١) ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ)(٢) وأمثال ذلك.

الجواب :

اعلم أن النائب من غيره في الحج يجب أن يكون نيته من جهة إلى الوجه الذي قصده بالحجة ، فان حجتها (٣) عمن وجب عليه الحج ، فيجب أن يكون بنية منصرفة الى هذا الوجه ، وكذلك ان كان تطوعا عن غيره ، نوى بها التطوع عن ذلك الغير. ولذلك يجب أن يسمي من أحرم عنه في بيته.

وليست هذه الحجة بواجبة على المسببات ، حتى يقال : كيف (٤) نائبا عن غيره بفعل واجب عليه في نفسه. اللهم الا أن يفرض أنه ولي الميت وجب عليه الحج فلم يحج ، فإن الولي يجب عليه عندنا أن يحج عنه ، وينوي بهذه الحجة ما كان واجبا على الميت ، فهذا الموضع الذي يتعين فيه النيابة يكون الحج واجبا على النائب ، وينوي بالحجة إيقاعها عن الميت وإسقاط حق النيابة عن ذمته ، فالواجب على زيد وان (٥) لم يكن جهة وجوبه لها تعلق بعمرو.

فكأنه قيل لهذا الولي : يجب عليك إذا مات مولاك وله حجة أن تحج أنت عنه ، فجهة الوجوب مختصة بالنائب ، ولها تعلق بالميت من حيث كان تفريطه في الحج شيئا بوجوب الثابتة (٦) على وليه.

__________________

(١) سورة النجم : ٣٩.

(٢) سورة الزلزلة : ٧.

(٣) ظ : حجته.

(٤) ظ : كيف يكون نائبا.

(٥) ظ : وان كان جهة ـ إلخ.

(٦) ظ : سببا لوجوب الحجة الثابتة.

٣٦٠