رسائل الشريف المرتضى - ج ٢

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٢

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٢

فأما قوله في الفصل «هو خلاف ما أجمعت عليه الشيعة في الرد على أصحاب القياس في بطلان تحليل شيء لقوم وتحريمه على غيرهم من الناس».

فما أجمعت الشيعة على ما ظنه ، ولا يرد من الشيعة على أصحاب القياس بهذا الضرب من الرد محصل ولا متأمل. وقد بينا في كثير من كتبنا وكلامنا كلاما في هذا الموضع ، وأنه لا يمتنع في التكليف أن يحلل الله تعالى شيئا على قوم ويحرمه على آخرين ، وان هذا غير متناقض ولا متناف.

وانما يعول على هذا الضرب من الكلام من يبطل القياس من طريق العقول ، ويعتقد أن العبادة تستحيل أن ترد به ، وقد بينا جواز ورود العبادة بالقياس ، وانما نحرمه في الشريعة ولا نثبت به أحكامها ، لأن العبادة ما وردت به ولا دلت على صحته.

فأما قوله «وهو أيضا يضاد ما يروونه من صوم يوم الشك على سبيل الاستظهار» وقد كان ينبغي أن يبين ويوضح (١) موضع التضاد بين القولين في مذهبنا بالرؤية ، وبين ما تستحب من صوم يوم الشك على سبيل الاستظهار وما تعرض لذلك.

فأما قوله «فالواجب على العبد إذ رأى الهلال أن لا يبادر الى القطع والثبات ، وأن يتوقف مجوزا لورود أخبار البلاد بما يصح ، واعتقاد هذا بعيد عن الصواب وأولى بالفساد ، وهو مسقط عن كافة الأمة اعتقاد أول شهر رمضان الى أن يتصل بهم أخبار البلاد».

فقد بينا أن القسم الصحيح من أقسامه التي قسمتها هو غير هذا القسم وأوضحناه ، وأن الواجب على من رأى الهلال أن يعتقد أن هذه ليلة أول شهر رمضان في حقه وحق من يجري مجراه في رؤيته ، وان جوز أن يكون رؤى في بعض البلاد ، ويختلف فرض من رآه تلك الليلة ومن لم يره ويخبر عنه ، غير

__________________

(١) في الهامش : ويوضع.

٤١

أنه وان قطع بالرؤية على أنه أول يوم من شهر رمضان.

فلا بد أن يكون ذلك مشروطا بأن لا يرد الخبر الصحيح بأنه رئي قبل تلك الليلة وكان قد صام بالاتفاق وعلى سبيل الشك اليوم الذي رآه غيره في ليلة أخرى ، أجزأه ذلك عنه وسقط عنه فرض قضائه وكان مؤديا ، وان لم يتفق له صوم ذلك اليوم كان عليه قضاء صيامه ولا اثم عليه ولا حرج.

وأما قوله «كيف السبيل لمن لم ير الهلال الى العلم بأنه قد رئي في بعض الجهات ، فيثبت له النية في فرض الصيام ، بل كيف يصنع من رآه إذا اتصل به أنه ظهر قبل تلك الناس؟ ومتى يستدرك النية والاعتقاد في أمر قد فات؟».

فقد بينا كيف السبيل لمن لم يره الى العلم بأنه قد رئي في بعض تلك الجهات قبل تلك الليلة ، وهو أن يخبره عن ذلك من يثق بعدالته وأمانته ، فيثبت له النية ، وإذا كان ما فاته صيام ذلك اليوم ، فقد بينا ذلك.

فأما من رآه في بعض الليالي وصح عنده أنه ظهر قبل تلك الليلة ولم يكن صام ذلك اليوم بنية النفل ، فعليه القضاء على ما بيناه ، وليس عليه من الاستدراك أكثر من أن يصوم يوما ويعتقد أنه قضاء ذلك اليوم الفائت.

وأما قوله «واعلم ان إيجابهم لصوم يوم الشك لا يسقط ما لزمهم في هذا الكلام سألناهم عن النية والاعتقاد ، وليس يمكنهم القول بأن يوم الشك من شهر رمضان ، ولا يجب على من أفطره ما يجب على من أفطر يوما فرض عليه فيه الصيام ، والشك فيه يمنع من النية على كل حال».

فكلام غير صحيح ، لأنا لا نوجب صيام يوم الشك ولا أحد من المسلمين أوجبه وما نستحبه ونرى (١) فيه فضل واستظهار للفرض. وانما نستجيز صومه بنية النفل والتطوع ، فان اتفق أن يظهر من شهر رمضان ، فقد أجزأ ذلك الصيام ووقع

__________________

(١) في الهامش : ويروى.

٤٢

في موقعه ولا قضاء عليه ، وان لم يتفق ظهور أنه من شهر رمضان كان صائم ذلك اليوم مثابا عليه ثواب النفل والتطوع.

وقوله «وليس يمكنهم القول بأن يوم الشك من شهر رمضان ، ولا يجب على من أفطره ما يجب على من أفطر يوما من شهر رمضان».

فبعيد عن الصواب ، لأنا لا نوجب صيام يوم الشك على ما قدمنا ذكره ، ويوم الشك انما هو اليوم الذي يجوز المكلفون أن يروا الهلال في ليلته ، فيحكموا أنه من شهر رمضان ، ويخرج من أن يستحق اسم الشك بما لا يجوزون أن لا يروا الهلال في تلك الليلة ، ولا يخبرهم عن رؤيته مخبر يقع القطع على أنه من شعبان ويزول عنه اسم الشك أيضا.

ولسنا نقول بأن يوم الشك يوم من شهر رمضان على الإطلاق ، بل على القسمة الصحيحة التي ذكرناها. فأما من أفطر يوم الشك ولم بر الهلال ولا أخبر عنه ، فلا اثم عليه ولا قضاء. فأما إذا رآه في ليلة يوم الشك لو أخبر عن رؤيته ، فالذي يجب عليه أن يقضي ان كان ما صام ذلك اليوم. وان كان قد اتفق له صيامه بنية النفل ، فلا قضاء عليه.

[الكلام في صوم يوم الشك]

ثم قال صاحب الكتاب : وربما التبس الأمر عليهم في هذا الباب ، فظنوا أن صوم يوم الشك بغير اعتقاد أنه من شهر رمضان يغني عن الاعتقاد إذا كان منه ويجري مجرى بقية الأيام قياسا على المسجون إذا كان قد صام شهرا على الكمال فصادف ذلك شهر رمضان على الاتفاق من غير علم بذلك ، وأنه يخبر به عن الفرض عليه من صومه في شريعة الإسلام وان لم يقدم النية والاعتقاد ، والفرق واضح بين الصومين بلا ارتياب.

٤٣

وذلك أن أفعال الاضطرار يقاس عليها أمور المتمكن والاختيار ، ومعلوم تباين الممنوع والمطلق ، ومن يتمكن من السؤال وارتقاب الهلال ومن لا يقدر ، وما هما الا كالعاجز والقادر ، فالمماثلة فيما هذا سبيل باطلة والقياس فاسد.

يقال له : أول ما نقوله لك : حكيت عنا أنا نقيس من خفي عليه الهلال ليلة يوم الشك فلم يره ولم يخبره عن رؤيته ، فصام بنية النفل ثم ظهر بالخبر أنه رئي وأنه من شهر رمضان في أنه يجزي عنه صيامه وان لم يصح بنية الفرض ، ولا يجب عليه القضاء على المسجون.

ونحن لا نقيس هذا على ذلك ، ولا نرى القياس في الاحكام ، وانما سوينا بينهما في صحة الصيام واجزائه ، وأنه لا قضاء فيه عليه بدليل يوجب العلم. ولو لم يكن في ذلك إلا إجماع الفرقة المحقة من الشيعة عليه ، وإجماعهم حجة لدخول المعصوم عليه‌السلام فيه.

فأما قوله «ان حال الضرورة لا يقاس على الاختيار».

فقد بينا أنه لا نقيس حالا على أخرى ، على أنه ان رضي لنفسه بهذا القدر من الفرق ، فالحالان متساويان (١) في الضرورة ونفي الاختيار ، لان المسجون كما لا قدرة له ولا سبيل الى تعيين شهر رمضان ، لانه لا يتمكن من رؤية الهلال ولا من سؤال غيره.

فكذلك من غم عليه الهلال ليلة يوم الشك ، فلم يره ولا خبر برؤيته ولا سبيل له الى العلم بأنه ذلك اليوم من شهر رمضان ، فهو أيضا كالمضطر الذي لا قدرة له على العلم بأن ذلك اليوم من شهر رمضان ، فجرى مجرى المسجون في سقوط الفرض عنه.

__________________

(١) في الهامش : متساويتان.

٤٤

[ما استدل به الخصم على العدد والجواب عنه]

ثم قال صاحب الكتاب : فان تجاسر أحدهم على ادعاء المماثلة بينهما في الاضطرار، أتى بالفظيع من الكلام ، وأدخل سائر الأمة في حكم الاضطرار ، وفتح على نفسه بابا من الإلزام في تكليف ما لا يطاق.

لانه لا فرق بين أن يكلف الله العباد صوم شهر رمضان على الكمال ، ولا يجعل لهم على معرفة أوله دليلا الا دليل شك وارتياب ، يلتجئ معه المكلفون إلى أحكام الاضطرار وبين أن يفرض عليهم أمرا ويعدمهم ما يتوصلون به اليه على كل حال ، حتى يدخلهم في حيز الإجبار ، وهذا ما ينكره معتقد والعدول (١) من كافة الناس.

ثم قال : ويقال لهم : فإذا كان الله تعالى قد بعث رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليبين للناس ، فما وجه للبيان في دليل فرض يعترضه اللبس ، وأين موضع الإشكال إلا في عبادة افتتاحها الشك.

يقال له : ما (٢) الفظيع من الكلام والشنيع من المذهب الا ما عول (٣) عليه في هذا الفصل ، لأنك ظننت أن خصومك يقولون : ان الله تعالى فرض صوم الشك على من لم يدله عليه ولم يرشده الى طريق العلم به ، وألزمت على ذلك تكليفه ما لا يطاق.

وهذا ما لا يقوله من الخصوم ولا من غيرهم محصل ، وصوم أول يوم من شهر رمضان لا يجب الا على من دله الله عليه ، اما برؤيته نفسه الهلال أو بأن

__________________

(١) الظاهر : العدل.

(٢) الظاهر : ليس.

(٣) الظاهر : ما عولت.

٤٥

يخبره عليه من يجب عليه الرجوع الى قوله ، فأما من عدم رؤيته فصوم ذلك اليوم ليس من فرضه ولا عبادته.

وهذا الذي لا يطيق معرفة كون هذا اليوم من شهر رمضان ما توجه اليه قط تكليف صومه.

ويلزم على هذا كل المسائل التي ذكرناها فيما تقدم في القبلة والصلاة والاحداث ، حتى يقال له : كيف يكلف الله تعالى مكلفا التوجه إلى الكعبة بعينها ، ولا ينصب له دليلا عليها يعلم به أنه متوجه الى جهتها ، لأنه إذا كان بعيدا عنها فإنما يتوجه الى حيث يظن أنه جهة الكعبة من غير تحقيق ولا قطع ، وهل هذا الا تكليف ما لا يطاق. وكذلك القول في سائر المسائل التي أشرنا إلى بعضها ، وهي كثيرة.

وأما الرسول عليه‌السلام فقد بين لنا هذه المواضع بما لا يعترضه لبس ولا يدخله شك ، ومن تأمل ما فصلناه وقسمناه علم أنه لا لبس ولا إشكال في هذه العبادة.

[الاستدلال بخبر «يوم صومكم يوم نحركم» والجواب عنه]

قال صاحب الكتاب : مسألة أخرى عليهم يقال لهم : قد رويتم ان «يوم صومكم يوم نحركم».

فما الحاجة الى ذلك وعلى الرؤية معولكم؟ بل كيف يصح ما ذكرتموه على أصل معتقدكم؟ لما تجيزونه من تتابع ثلاثة شهور ناقصة وتوالي ثلاثة أخرى تامة؟ وكيف يوافق مع ذلك أول يوم من شهر رمضان ليوم العاشر من ذي الحجة أبدا من غير اختلاف؟.

فهل يصح هذا الا من طريق أصحاب العدد ، لقولهم بتمام شهر رمضان

٤٦

ونقصان شوال ، وأن شهر ذي القعدة تام كشهر رمضان ، فيكون يوم الصوم أبدا موافقا ليوم النحر على اتساق ونظام.

فما تصنعون في هذا الخبر مع اشتهاره؟ أتقبلونه وان خالف ما أنتم عليه في أصل الاعتقاد؟ أو تلتجئون الى الدفع والإنكار.

يقال له : أما هذا الخبر فغير وارد مورد الحجة ، لأنه خبر غير مقطوع عليه ولا معلوم، وقد بينا أن أخبار الآحاد لا يجب العمل بها في الشريعة ، ومن اعتمد عليها ـ وهي على هذه الصفة ـ فقد عول على سراب بقيعة. ولا يجب علينا أن نتأول خبرا لا نقطع به ولا نعلم صحته.

وقد يجوز على سبيل التسهيل ما عول عليه بعض أصحابنا في تأويل هذا الخبر وان لم يكن ذلك واجبا ، أن المراد به سنة بعينها اتفق فيها أن أول الصوم كان موافقا للنحر ، فحمل على الخصوص دون العموم ، لانه لا يصح فيه العموم ، ولشهادة الاستقراء بخلافه.

ويمكن أيضا في تأويل الخبر وجه آخر وهو : أن يكون المراد به أن يوم الصوم يجري في وجوب الاحكام المشروعة ولزومها مجرى يوم النحر المتعلقة به ، والمراد بذلك تحقيق المماثلة والمساواة ، كما يقول القائل : صلاتكم مثل صومكم. أو يقول : صلاة العصر هي صلاة الغداة ، وما يريد الأعم ويريد المماثلة والمساواة في الاحكام ، وهذا بين.

[مناقشة الخصم في آية الأهلة والجواب عنها]

ثم قال صاحب الكتاب : مسألة أخرى لهم وجوابها ثم قال : وسئلوا عن قول الله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)(١).

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٩.

٤٧

وأجمع الكافة على أنها شهور قمرية ، قالوا : فما الذي أجاز لكم الاعتبار بغير القمر، وهل انصرافكم الى العدد الا خلاف الإجماع.

ثم قال : الجواب يقال لهم : ما ورد به النص وتقرر عليه الإجماع ، فهو مسلم على كل حال ، لكن وجود الاتفاق على أن الهلال ميقات لا يحيل الاختلاف فيما يعرف به الميقات ، وحصول الموافقة على أنها شهور قمرية لا تضاد الممانعة في الاستدلال عليها بالرؤية.

إذ ليس من شرط المواقيت اختصاص العلم من جهة [من](١) مشاهدتها ولا لان الشهور العربية قمرية ، وجب الاستدلال أوائلها (٢) برؤية أهلتها. ولو كان ذلك واجبا لدلت العقول عليه وشهدت بقبح الاختلاف فيه.

وبعد فلا يخلو الطريق إلى معرفة هذا الميقات من أن تكون المشاهدة له والعيان ، أو العدد الدال عليه ، والحساب.

ومحال أن تكون الرؤية (٣) ، وهي أولى بالاستدلال لما يقع فيها من الاختلاف والشك، وذلك أن رؤية الهلال لو كانت تفيد معرفة له من الليالي والأيام ، لم يختلف فيه عند رؤيته اثنان.

وفي إمكان وجود الاختلاف في حال ظهوره ، دلالة على أن الرؤية لا يصح بها الاستدلال ، وأن العدد هو الدال على الميقات ، لسلامته مما يلحق الرؤية من الاختلاف.

يقال له : هذه الآية التي ذكرتها دليل واضح على صحة القول بالرؤية وبطلان العدد ، وقد بينا في صدر كتابنا هذا كيفية الاستدلال بها ، وأن تعليق المواقيت

__________________

(١) كذا في النسخة ، والظاهر زيادتها.

(٢) ظ : لاوائلها.

(٣) الظاهر زيادة الواو.

٤٨

بالأهلة دليل على أنها لا تتعلق بالعدد ولا بغير الأهلة.

و [ليس](١) قوله «ان وجود الاتفاق على أن الأهلة ميقات لا يحيل الاختلاف مما يعرف به الميقات».

ليس بالصحيح ، لان المواقيت إذا قفت (٢) على الأهلة فمعلوم أن الهلال لا طريق الى معرفته وطلوعه أو عدم طلوعه إلا الرؤية في النفي والإثبات ، فيعلم من رأى طلوعه بالمشاهدة ، أو بالخبر المبني على المشاهدة ، ويعلم أنه ما طلع بفقد المشاهدة وفقده الخبر عنها.

ولا يخفى على محصل أن إثبات الأهلة في طلوع أو أفول ، مبني على المشاهدات ووصف ، لا ضيف الى العدد الى القمر (٣) ، وكيف يكون قمرية؟ ولا اعتبار بالقمر فيها ولا له حظ في تميزها وتعيينها.

فأما قوله «ومحال أن يكون الرؤية هي أولى بالاستدلال لما يقع فيها من الشك والاختلاف».

فقد بينا أنه لا شك في ذلك ولا اشكال ، وأن التكليف صحيح مع القول بالرؤية غير مشتبه ولا متناقض ، وأن من ظن خلاف ذلك فهو قليل التأمل ، وفيما ذكرناه كفاية.

[الاستدلال بخبر صوموا لرؤيته على العدد والجواب عنه]

وقال صاحب الكتاب : مسألة أخرى : وسئلوا أيضا عن الخبر المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا

__________________

(١) كذا في النسخة والظاهر زيادتها.

(٢) ظ : توقفت.

(٣) ظ : ولو كانت عددية لا ضيفت الى العدد لا القمر.

٤٩

ثلاثين» (١). قالوا : فما تصنعون في هذا الخبر؟ وقد استفاض بين الأمة واشتهر.

ثم قال قيل لهم : لعمري انه خبر ذائع لا يختلف في صحته اثنان ، ومذهبنا فيه ما قال الصادق عليه‌السلام : ان الناس كانوا يصومون بصيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويفطرون بإفطاره ، فلما أراد مفارقتهم في بعض الغزوات قالوا : يا رسول الله كنا نصوم بصيامك ونفطر بإفطارك وها أنت ذاهب لوجهك فما نصنع؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما. فخص بهذا القول لهم تلك السنة جوابا عن سؤالهم ، فاستعمله الناس على سبيل الغلط في سائر الأعوام. ولذلك أظهر الله تعالى لهم الهلال في يوم السرار بخلاف ما جرت به العادات ، ولو لم يدل على تخصيص هذا الخبر الا ما قدمناه في دلائل الآثار والقرآن ، وإذا كان خاصا فاستعماله على العموم غير صواب.

يقال له : إذا كان قوله عليه‌السلام «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» عاما فالظاهر (٢) فلا يقبل قول من خصصه وعدل به الى أنه في سنة واحدة إلا بدليل ، ولا دليل على تخصيص هذا الخبر ولا حجة.

وبعد فكيف يعلق الصيام في سنة واحدة إذا سلمنا التخصيص بالرؤية ، فنقول : صوموا لأجل رؤيته ، وأن الرؤية علمه (٣) في الصوم موجبة له.

وعلى (٤) هذا مذهب أصحاب العدد لاحظ لها في الصوم ولا تؤثر في وجوبه ، وأن العدد هو الموجب للصوم. فان اتفق ما قاله صاحب الكتاب أن يظهر الله

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ / ١٩١ ج ١١.

(٢) ظ : في الظاهر.

(٣) ظ : علامة.

(٤) الظاهر زيادة «هذا».

٥٠

تعالى لهم الهلال فعلى هذا التخريج والتعليل لم يجب الصوم لأجل الرؤية ، بل وجب لأجل العدد.

ألا ترى أنه لو فقدت الرؤية هاهنا لوجب الصوم بالعدد ، ولم يؤثر فقد الرؤية في انتفاء وجوب الصيام. ولو فقد العدد وثبتت الرؤية لما وجب ، فعلم أن العدد هو المؤثر دون الرؤية.

وظاهر الخبر يقتضي أن الرؤية مؤثرة في الصوم ، فقد بان أنه لا منفعة لهم في تخصيص الخبر أيضا.

وأما قوله عليه‌السلام «وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين» فهو يدل على أن العدد لا يصار اليه الا بعد اعتبار الرؤية وفقدها ، فمن جعله أصلا يرجع اليه من غير اعتبار بفقد الرؤية فقد خالف ظاهر الخبر «وأفطروا لرؤيته».

ويدل أيضا على أنه يجب الإفطار إذا رأيناه وان كنا قد صمنا تسعة وعشرين ولم يبلغ الثلاثين ، لانه لو كان ورد وأفطروا لرؤيته إذا بلغ ثلاثين ، لما كان لقوله «فان غم عليكم فعدوا ثلاثين» معنى ، وانما يصح الكلام إذا كان معناه : وأفطروا لرؤيته على النقصان ، فان غم عليكم فعدوا ثلاثين للتمام.

[حول خبر صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته]

قال صاحب الكتاب : على أن من أصحابنا من استدل بهذا الخبر بعينه على صحة العدد.

فقال : انه لما أمرهم بالصوم والإفطار لرؤية الهلال في تلك السنة ، أبان لهم بجواز الإغماء عليه ودخول اللبس فيه ، ما يستدل به على أن الرؤية ليست بأصل يطرد استعماله في سائر السنين.

وانما خصهم بها في تلك السنة للعجز من ظهور الهلال يوم السرار لهم ،

٥١

ولما يعلم الله تعالى في ذلك الوقت من مصلحتهم ، فقال لهم : فان غم عليكم فعدوا ثلاثين. فلما شهد بالإغماء أمر بالرجوع عند ذلك الى العدد ، علمنا أن العدد هو الأصل الذي لا يعترضه الإغماء ولا اللبس ، وأنه لو لم يكن أصلا لجاز الإغماء والاشكال عليه ، ولكان اللبس والاختلاف يجوز ان فيه. وهذا وجه صحيح يقنع العارف المنصف والحمد لله.

يقال له : هذا الذي ذكرته طعن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهادة بأنه عول يأمنه (١) في عبادة الصوم على ما لا تأثير له ولا طائل فيه. لأن الرؤية إذا كان لا اعتبار بها في الصوم ولاحظ لها في الدلالة على دخول شهر رمضان وخروجه ، فلا معنى لقوله «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» وقد كان يجب أن يقول : صوموا بالعدد وأفطروا بالعدد.

ولا يجعل العدد مصارا عليه عند الغمة وامتناع الرؤية ، وكيف يصح أن يقول قائل : علمنا أن العدد هو الأصل؟ وقد جعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الخبر فرعا ، وأحال عليه عند تعذر الرؤية ، وهو على الحقيقة فرع والأصل غيره. وهذا واضح.

قال صاحب الكتاب : وقد ظن قوم من أهل الخلاف أن ما تضمنه هذا الخبر من الرجوع الى العدد عند وجود الالتباس يجري مجرى التيمم بالتراب عند عدم الماء بالاضطرار.

قالوا : فكما أنه ليس التيمم أصلا للوضوء ، فكذلك ليس العدد أصلا للرؤية.

ثم قال : وهذا قياس بعيد ، وجمع بين أشياء هي أولى بالتفريق ، وذلك أن نية الوضوء والتيمم الذي هو بدل منه عند الضرورة عبادة يستباح بفعلهما أداء

__________________

(١) كذا في النسخة والظاهر : لأمته.

٥٢

فرض آخر لا يعرف بهما وقت وجوبه ، ولا يدلان على أوله وآخره.

والرؤية والعدد قد وردا في هذا الخبر مورد العلامة ، وقاما مقام الدلالة التي يجب بهما التدين ويلزم الاعتقاد ، ولذلك جاز موافقة العدد للرؤية في بعض السنين ، ولم يجز الجمع بين الوضوء والتيمم على قول سائر المسلمين.

يقال له : لا شبهة على محصل في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تعلق الصوم بالرؤية تعليقا يوجب ظاهره أنها سبب فيه وعلامة على دخول وقته ، فقال : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته.

فعلق الإفطار أيضا بالرؤية ، كما علق الصوم بها ، وهذا يقتضي أن الصوم والإفطار متعلقان بالرؤية ولا سبب فيهما غيرها ، لانه لو كان لهما سبب غير الرؤية من عدد أو غيره تعلقهما به.

ثم قال عليه‌السلام : فان غم عليكم فعدوا ثلاثين. فأمر بالرجوع الى العدد عند عدم الرؤية، وأنه لا حكم للعدد الا بعد انتفاء الرؤية ، ولا يجب المصير اليه الا عند امتناعها.

وأصحاب العدد عكسوا ذلك فقالوا : ان الصوم بالعدد والإفطار بالعدد ، لاحظ للرؤية في شيء منهما ، ولا نمنع أن يقال : ان المصير الى العدد عند فقد الرؤية يجري مجرى استعمال التراب عند فقد الماء.

فأما تعاطيه الفرق بين الرؤية والعدد وبين الماء والتراب ، بأن الوضوء والتيمم عبادتان يستباح بفعلهما أداء فرض آخر ، لا يعرف بهما وقت وجوبه ولا يدلان أوله وآخره ، وأن الرؤية والعدد في هذا الخبر قد وردا مورد العلامة ، وقاما مقام الدلالة ، فهما (١) لا يغني شيئا ، لأنه فرق لا من حيث الجمع بين الموضعين ، لان التراب لا حكم له مع وجود الماء ، وانما يجب استعماله عند

__________________

(١) ظ : فهو.

٥٣

فقد الماء ، فجرى (١) العدد الذي لا حكم له في الرؤية وإمكانها ، وانما استعمل العدد مع فقد الرؤية .. (٢).

فأي وجوب الموضوع (٣) فيما التبس ظاهره من الآيات المتشابهات إلى أدلة العقول ، فان جاز أن نقول : ان العدد ليس بأصل للرؤية ، وانما هو بدل منها النجأت إليه الحاجة ، كالتيمم الذي ليس بأصل للطهارة ، وانما هو بدل منها في حال الضرورة.

جاز للآخر أن يقول مثل ذلك في الرجوع الى القرآن عند التباس الاخبار ، والاعتماد على أدلة العقول في متشابه القرآن ، فلما كان هذا لا يجوز بإجماع ، كان العدد والرؤية مثله.

يقال له : ان كان هذا الذي ظننته صحيحا في الرؤية والعدد ، وانما يشبهان ما ذكرته من أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرجوع الى الكتاب فيما التبس من الاخبار وعرضها عليه ، وفيما التبس من الآيات والرجوع فيها إلى أدلة العقول ، فيجب أن نقول مثله في الوضوء بالماء والتيمم بالتراب.

وأن أمره لنا بالرجوع الى التراب عند عدم الماء دلالة على أن التيمم هو الأصل ، كما قلت في الكتاب والاخبار ، لان الصوم في قوله «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين» كالصورة في قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)(٤).

فكل شيء تعتمده في أنه لا شبهة بين الوضوء والتيمم ، [و] بين الرجوع

__________________

(١) خ ل مجرى.

(٢) قال في الهامش : لا يخلو عن سقط.

(٣) ظ : الرجوع.

(٤) سورة النساء : ٤٣.

٥٤

الى الكتاب وعرض الاخبار عليه ، فهو بعينه يفرق بين الرؤية والعدد ، وعرض الاخبار على الكتاب.

وبعد فان ما أمرنا به من الصوم للرؤية فالإفطار (١) لها من المصير إلى فائدة ، في أن نفرق بين الأمرين ، بأن نقول : ان الصوم (٢) والتيمم يستباح بفعلهما أداء فرض آخر لا يعرف بهما وقت وجوبه ، وهل هذا الا كمن فرق بينهما؟ ان هذا وضوء وتلك رؤية ، وهذا تيمم وذاك عدد.

ومن الذي يقول : ان الموضعين يتشابهان في كل الاحكام حتى يفرق بينهما بأن صفة الوضوء والتيمم ليست للعدد والرؤية.

فأما قوله «ان الرؤية والعدد يتفقان ولا يتفق وجود الوضوء والتيمم في موضع من المواضع».

فغلط ، لان الرؤية والعدد لا يتفق حكمهما وتأثيرهما على الاجتماع عند أحد ، لأن مذهبنا أنه إذا رأى الهلال ليلة الثلاثين وجب عليه الإفطار ولا حكم للعدد ، وإذا لم ير تكمل العدة ثلاثين والحكم هاهنا للعدد ولا تأثير للرؤية ، فكيف يجتمعان على ما ظنه؟

وأما على مذهب أصحاب العدد ، فان اتفق على ما ادعاه أن يوافق العدد للرؤية ، البتة فلا حكم هاهنا عندهم للرؤية ، وانما الحكم للعدد ، فما اتفق قط على مذهب اجتماع الرؤية والعدد مؤثرين ومعتبرين.

[مخالفة أخبار الرؤية للكتاب والجواب عنه]

ثم قال صاحب الكتاب : فصل ، واعلم أنه لا شيء أشبه بالعدد والرؤية

__________________

(١) ظ : والإفطار.

(٢) ظ : الوضوء.

٥٥

المذكورين في هذا الخبر من الاستدلال في أحكام الشرع بالقرآن والأثر ، وذلك أن الرسول أمرنا بالرجوع الى الكتاب عند التباس الاخبار وقال : ستكثر علي الكذابة من بعدي فما ورد من خبر فأعرض على الكتاب (١).

وكذلك وجوب الرجوع الذي تقدم ، وكذلك إذا تعذرت الرؤية ، وأمرنا بالوضوء بالماء وإذا فقدنا الماء فالتيمم بالتراب ، من عرض الاخبار على الكتاب والأخذ بما يوافقه دون ما يخالفه.

والجواب أن يقال له : ليس في هذا الموضع الذي هو الأمر بعرض الاخبار تنزيل أمرنا به ، فتصير الى حالة بعد حالة واعتبار أمر من الأمور ، بشرط إمكانه إذا تعذر بالرجوع الى غيره ، وانا أمرنا بعرض الاخبار على الكتاب ، لان الكتاب أصل ودليل على كل حال وحجة في كل موضع ، والاخبار ليست كذلك ، فعرضنا ما لم نعلم صحته منها على الكتاب الذي هو الدليل والحجة على كل حال وفي كل وقت.

وكذلك العقول دلالة على جميع الأحوال غير محتملة ، فرددنا كل مشتبه من آيات وغيرها إلى أدلة العقول لأنها أصل ، فما هاهنا انتقال من منزله إلى أخرى ، ولا أحوال مرتبة بعضها على بعض ، كالوضوء والتيمم والرؤية والعدد ، لان العدد مرتب على الرؤية ، وحكم الصيام تعلق بالرؤية.

وانما أمرنا بالمصير الى العدد عند فوت الرؤية ، وهذه أحكام كما ترى مرتبة بعضها على بعض. وكذلك القول في الوضوء والتيمم.

وليس من هذا شيء في عرض الاخبار على الكتاب والأخذ بما يوافق منها ، ولا الرجوع الى العقول في المتشابه ، فمن خلط بين الأمرين فهو قليل التأمل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ / ٧٨ ـ ٧٩ ما يدل على مضمون الخبر.

٥٦

[التهافت في استدلال القائلين بالرؤية والجواب عنه]

قال صاحب الكتاب : فان قال قائل : انا نراكم قد أقررتم بأن رؤية الأهلة دلالة على أوائل الشهور ، وان كان العدد عندكم هو الأصل ، وقد نفيتم قبل ذلك الاستدلال بها وعدلتم عن العدد ، وهل هذه إلا مناقضة منكم لا يخفى ظهورها؟

ثم قال : قيل له : ليس يلزمنا مناقضة على ما ظننت ، وعلى العدد نعول في أوائل الشهور ونستدل ، وقد ذكرنا بعض أدلتنا فيما يسألنا عن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين».

أخبرنا بمذهبنا فيه وأعلمنا السائل أنه خاص لسنة واحدة أمر الناس فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالاستدلال على أن أول الشهر بالرؤية.

وأوجب عليهم الرجوع ان عرض لهم الإغماء الى العدد ، ليعلمهم أنه الأصل الذي لا يعترضه اللبس ، فالرؤية قد كانت دليلا لتلك السنة ، وكان في الاستدلال فيها على هذا الوجه.

وليس يلزمنا أن يكون دليلا في كل شهر لما روي عن الصادق عليه‌السلام في تخصيص الخبر.

يقال له : قد بينا الكلام في تأويل ما روي عنه عليه‌السلام «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» وأن الذي خرجته فيه من الخصوص لسنة واحدة تخريج باطل لاحظ له من الصواب ، فلا معنى لإعادته.

وإذا كانت الرؤية ليست بدليل على أوائل الشهور أو أواخرها على ما خرجته في الأوقات على الاستمرار ، فلا يجوز أن يكون دليلا في بعض السنين حسب ما ادعيته وأخرجته. لأن الدليل لا يكون في بعض المواضع دليلا وفي بعض غير دال ، ولأن الرؤية في تلك السنة التي ادعيت فيها موافقتها للعدد ، لم تكن

٥٧

دليلا في نفسها مؤثرة لما يرجع إليها ، وانما المؤثر عندكم العدد ، وانما طابق العدد للرؤية على سبيل الاتفاق.

فأما قولك في أثناء كلامك : «ان عرض لهم الإغماء» فمصدر غمي (١) على المريض إغماء ، وليس بمصدر لقولهم «غم الهلال» إذا خفي واستتر ، وانما مصدره غم غما ، وهذا وان كان خارجا عما نحن فيه ، فلا بد من بيان القول فيه من الخطأ.

[مناقشة القائلين بالعدد في استدلال الرؤية والجواب عنها]

ثم قال صاحب الكتاب : وجه آخر : وهو ان من أصحابنا من يستدل برؤية الهلال في كل شهر ، فيقول : ان اليوم الذي يظهر في آخره هو أول المستهل بموافقته للعدد ، فمتى رئي الاختلاف عاد الى العدد الذي هو الأصل.

ومنهم من يستدل بالرؤية من وجه آخر ، وهو أن يرقب ظهور الهلال له في المشرق وقبل طلوع الشمس ، يفعل ذلك يوما بعد يوم من آخر الشهر الى أن يخفى عنه آخره من الشمس ، فلا يظهر حينئذ أنه آخر يوم في الشهر الماضي وهو يوم السرار ، واليوم الذي يليه أول المستهل ، فليستدل بذلك ، ما لم يخالف العدد ، فإذا خالفه أو أعرض له (٢) لبس عاد مستمسكا بالأصل ، وهذه فصول مستمرة والحمد لله.

يقال له : أما ما قدمته في هذا الفصل فهو غلط فاحش ، لأنك ادعيت أن اليوم الذي يظهر في آخره الهلال هو أول يوم المستهل ، ثم قلت بشرط موافقته للعدد ، فان وقع اختلاف وجب الرجوع الى العدد.

__________________

(١) ظ : أغمي.

(٢) ظ : عرضه.

٥٨

فأي فائدة في أن يعلم المكلف إذا رأى الهلال في آخر يوم أن ذلك اليوم مستهل الشهر وقد فات وانقضى ، ولا يتمكن من صيامه ولا أداء العبادة فيه ، وانما امارة الشهر ودخوله يجب أن تكون متقدمة ليعلم بها الشهر فيؤدى الفرض فيه ، فأما أن يكون متأخرة وفات الصوم فيه ، فغير صحيح.

وقوله بشرط موافقته للعدد ليسقط (١) أن يكون برؤية الأهلة اعتبارا ويكون دليلا في نفسها ، لأنه إذا شرط ان توافق الرؤية العدد ، فلاحظ هاهنا ولا حكم تؤثر فيه ، وانما التأثير للعدد دونها ، فلا معنى لقوله «انا نستدل بالرؤية على بعض الوجوه».

وقوله «ومن أصحابنا من يستدل بالرؤية من وجه آخر» الى آخر الفصل غير صحيح ، لأنه إذا رقب ظهور الهلال في المشرق الى آخر الشهر ، فخفي عنه لقربه من الشمس على أنه آخر يوم من الشهر الماضي ، فيعلم أنه اليوم الذي أول المستهل.

فهذا الترتيب الذي رتبته من اين له صحته؟ وأي دليل قام عليه؟ فما رأينا أحدا من المسلمين راعى في رؤية الهلال هذا الذي ادعاه من مراعاة عند طلوع الشمس ، ولا رأيناهم يراعون الأهلة الافراد آخر الأيام غياب الشمس ، ولا يبرزون إلى الأماكن المصحرة في أواخر النهار عند مغيب الشمس ، وما رأيناهم قط اجتمعوا قبل طلوع الشمس ، ولا راعوا طلوعه في هذا الوقت أو خفاءه.

على أنه قد نقض الكلام كله بقوله «نستدل بذلك ما لم يخالف العدد ، فإذا خالفه كان متمسكا بالأصل» ، لأنه إذا كان الأمر على ما ذكره ، فالعدد هو الدليل وهو المؤثر ، وقد تقدم هذا.

لان ظهور الهلال أو خفاءه في الوقت الذي ذكره إذا كان يصدق ويكذب ،

__________________

(١) ظ : يسقط.

٥٩

وانما يعول عليه إذا وافق العدد ، وإذا خالفه أطرح ، فالعدد اذن هو المؤثر وبه الاعتبار دون غيره ، ولا تأثير لرؤية الهلال.

فمن ادعى أن الرؤية مؤثرة ، فقد استعاد هربا في الشناعة والخلاف ، وإشفاقا لما روي من قوله «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ما لا يصح له ولا يستقيم على مذهبه.

[حول خبر : شهر رمضان يصيبه ما يصيب سائر الشهور]

قال صاحب الكتاب : مسألة أخرى ثم قال : وسألوا عن الخبر المروي عن الصادق عليه‌السلام انه قال : شهر رمضان يصيبه ما يصيب سائر الشهور من الزيادة والنقصان (١).

ثم قال ويقال لهم : هذا الخبر ان كان منقولا على الحقيقة ، فيحتمل أن يكون من أخبار التقية دفع به الصادق عليه‌السلام عن نفسه وشيعته ما خشيه من العوام وسلطان الزمان من الأذية.

فإن قالوا : كيف يجوز التقية بقول يضاد أصل المذهب وليس له معنى يخرج به عن حد الكذب؟

قيل لهم : بل يحتمل معنى يضمن الامام يوافق الصوام (٢) ، وهو أن يقصد زيادة النهار ونقصانه في الساعات ، فيكون شهر رمضان مرة في الصيف خمس عشرة ساعة ، ويصير مرة أخرى في الشتاء تسع ساعات ، فقد لحقه ما لحق سائر الشهور من الزيادة والنقصان باختلاف الساعات لا في عدد الأيام.

يقال له : هذا الخبر من أخبار الآحاد وأخبار الآحاد عندنا لا توجب علما ولا عملا ، ولا يصح الاستدلال بها على حكم من الاحكام ، وقد بينا فيما تقدّم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ / ١٨٩ ح ١.

(٢) ظ : الصواب.

٦٠