رسائل الشريف المرتضى - ج ٢

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٢

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٢

متمكنا من العلم بصحة الشرعية وصدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله. وكذلك لا بد من أن يكون عالما بما يبتني على صحة الرواية من التوحيد والعدل.

لكن هذه العلوم قد يكفيه منها المجمل دون التفصيل والشرح الطويل والتدقيق والتعميق.

وقد طعن قوم في صحة الاستفتاء ، فقالوا : العامي المستفتي لا يخلو من أن يكون عاميا في أصول الدين أيضا أو عالما بها. ولا يجوز أن يكون في الأصول مقلدا ، لان التقليد في الفروع انما جاز من حيث أمن هذا المقلد من كون ذلك قبيحا ، وانما يأمن منه لمعرفته بالأصول ، وأنها سوغت له الاستفتاء ، فقطع على صحة ذلك ، لتقدم علمه بالأصول الدالة عليه.

والأصول لا يمكن التقليد فيها على وجه يقطع على صحته ، ويؤمن من القبيح فيه ، لانه ليس ورائها ما يستدل الى ذلك (١) ، كما قلناه في الفروع. فلا بد من أن يكون عالما بصحة الأصول ، اما على جملة ، أو على تفصيل.

قالوا : ومن علم أصول الدين وميز الحق فيها من الباطل ، كيف لا يصح أن يعلم الفروع ، وهو أهون من الأصول.

وان كان هذا العامي ممن لا يتمكن من اصابة الحق في أصول ولا فروع ، فهو خارج من التكليف وجار مجرى البهائم ، ولا حاجة الى الفتيا ، فليس شيء بمحرم عليه ولا واجب.

وهذا الذي حكيناه غلط فاحش ، لان العامي في الفروع الذي يسوغ له الاستفتاء والعمل به ، لا بد أن يكون عالما على سبيل الجملة بالأصول ، حتى يكون ممن يقوم عليه الحجة بجواز الاستفتاء.

__________________

(١) خ ل : اليه و «ظ» : على.

٣٢١

وليس يجب أن يكون هذا العلم المجمل في موضع مبسوطا مشروحا مفرعا مشعبا ، حسب ما يفعله مدققو المتكلمين.

وليس يجب فيمن يحصل له علم الجملة في الأصول أن يتمكن من معرفة الفروع على التفصيل ، بل لا بد في معرفة حكم كل حادثة من فروع الشريعة من علوم ربما لم يقدر عليها صاحب الجملة في الأصول ، إلى الاستفتاء في فروع الشريعة ، لما ذكرناه.

وقد استقصينا هذا الكلام وبسطناه وفرعناه في جواب المسائل الحلبيات ، وانتهينا فيه الى أبعد غاياته.

وليس يجب إذا كان العامي الذي من فرضه الاستفتاء ، ولا يتمكن من العلم بأحكام الحوادث على التفصيل ، أن يكون غير عاقل ، أو غير كامل العقل. لان العقل اسم لعلوم مخصوصة يصح من المكلف بما كلفه والقيام به.

وهذا العامي ما كلف النظر في أحكام الحوادث على التفصيل والعلم بها ، فلا يكون ناقص العقل ، لان معه من العلوم التي يسمى عقلا ما يكفيه في معرفة ما كلفه والعمل به ، وما فاته من علوم زائدة على ذلك إذا لم تكن مخلة بشيء من تكليفه ، فإنها لا تسمى عقلا على هذا الذي قررناه.

ولان العقلاء وان اختلفوا في حصول العلم (١) الضرورية لهم وزادت في بعضهم ونقصت في بعض آخر ، لا يجب أن يكونوا مختلفين في كمال العقل ، ولا في العلوم المسماة بهذا الاسم. لأنا إذا جعلنا هذا الاسم واقعا على ما يحتاج العاقل إليه في معرفة ما كلفه دون غيره ، لم يكن ما فات بعضهم في هذه العلوم مسمى بكمال العقل ، لانه غير مخل بما كلفه.

__________________

(١) ظ : العلوم.

٣٢٢

فالقول بجواز التفاوت في العلوم صحيح. وليس بصحيح القول في كمال العقل لما بيناه.

المسألة الثالثة

معرفة وجه إعجاز القرآن

إذا كان صدق مدعي النبوة لا يثبت الا بالمعجز الخارق للعادة على وجه لا يتقدر معه إضافته إلى محدث بحسنه أو صفته المخصوصة ، ليعلم الناظر اختصاصه بالقديم تعالى الذي لا يجوز منه تصديق الكذب.

وكنتم تقولون ان وجه الاعجاز في القرآن هو الصرفة المفتقر به (١) الى العلم بالفصاحة ، ليعلم الناظر عدم (٢) الفرق الواجب حصوله بين المعجز والممكن. وذلك يقتضي تعذر حصول العلم بالنبوة على من ليس من أهل المعرفة ، ولم يفرق ما بين صحيح الكلام وركيكة. وفي هذا سقوط تكليف النبوة على أكثر الخلق والأعاجم وغيرهم ممن لا بصيرة له بالفصاحة.

أو القول بوجوب تقديم معرفة العربية ، وذلك مما يتعذر في أكثر المكلفين ويتعذر في آخرين ، مع ما فيه من إيجاب معرفة العربية ووقوف تكليف النبوة طول زمان مهلة المعرفة بها.

ولا يمكن أن يقال : خرق العادة وتعذر المعارضة كان هؤلاء المعلم بالنبوة.

لأنا قد بينا ما لا خلاف فيه ، من أن خرق العادة غير كاف في الاعجاز ، حتى يكون واقعا على وجه لا يصح دخوله تحت مقدور محدث ، وهذا الحكم

__________________

(١) ظ : المفتقر بها.

(٢) الظاهر زيادة «عدم».

٣٢٣

لا يحصل مع القول بالصرفة إلا بعد المعرفة بالعربية ، وذلك يقتضي فساد ما بنينا القول به.

وكذلك ان قيل لنا أيضا : إذا كان العلم بمراد الله تعالى ومراد رسوله والقائمين في الأمة مقامه (صلوات الله عليه وعليهم) لا يعلم الا بعد العلم بالعربية التي خوطبنا بها ، فيجب على كل مكلف العلم بها أن (١) يكون عالما بالعربية ، وذلك يقتضي وجوبها مستدامة لكل مكلف للشريعة على النظر فيها.

الجواب ، وبالله التوفيق :

اعلم أن هذه الشبهة لم يخطر الا ببال من تصفح كتبي ، وقرأ كلامي في نصرة القول بالصرفة ، واعتمادي في نصرتها على أن أحدا لا يفرق بالضرورة ، من غير استدلال بين مواضع من القرآن ، وبين أفصح كلام للعرب في الفصاحة.

فإن كان يفرق ما بين أفصح كلامهم وأدونه بفرقة ظاهرة ، ومحال أن يفرق بين المتقاربين من لا يفرق بين المتباعدين ، فتركيب هذه الشبهة من مفهوم هذا الكلام.

وليس يمكن أن يقول في هذا الموضع ما لا يزال أن يقال : من أن الناظر إذا علم أن القرآن قد تحدى به ، ولم يقع المعارضة له ، لتعذرها عليهم الذي لا يجوز أن يكون معتادا.

فليس بعد ذلك الا أن يكون القرآن خرق العادة بفصاحته ، أو صرف القوم عن معارضته ، وأي الأمرين كان فقد صحت النبوة ، فلا فقر بنا إلى معرفة الوجه على سبيل التفصيل.

وذلك أن هذه الطريقة غير مستمرة ، على ما بينا في كتابنا في نصرة الصرفة

__________________

(١) ظ : وأن.

٣٢٤

عليه ، لان تعذر المعارضة يمكن أن يكون لفرط فصاحة القرآن وخرق عادتنا بفصاحته ، الا أن للناظر يجوز (١) أن يكون هذا القرآن من فعل جن ألقاه الى من ظهر عليه يخرق به عادتنا ، لأنا لا نحيط علما بمبلغ من دين (٢) الجن في الفصاحة.

وإذا جوزنا ذلك لم يثبت كونه معجزا بهذا الضرب من الاستدلال ، دون أن يعلم أن الذي خرق به عادتنا حكم لا يجوز أن يصدق الكذب.

ولهذا قلنا ان سؤال الجن عنه ، الا على مذهب القائلين بالصرفة ، لان من يذهب يعلم أن جهة تعذر المقدمة على العرب انما هي للصرف عنها ، لفرط الفصاحة. والصرف عن العلوم التي يساق معها الكلام الفصيح لا يصح الا من الله تعالى دون كل قادر محدث.

والجواب عن هذه الشبهة : انه ان كان هذا القول قادحا في مذهب الصرفة ، فهو قادح في مذهب خصومهم القائلين بأن جهة إعجاز القرآن فرط فصاحته.

لانه يقال لهم : وإذا كان الطريق الى العلم بأن فصاحة القرآن خارقة للعادة ، وهو عدم معارضته ، فلو عورض القرآن بما لا يشبه فصاحته كمعارضة مسيلمة ، من أين كان يعلم العجم والعوام وكل من لا يعرف العربية ومراتب الفصاحة ، أن هذه المعارضة غير واقعة موقعها. وهو لا يعلم أنه علم معجز الا بعد أن يعلم أنه لم يعارض معارضة مؤثرة ، فأي شيء قالوه في ذلك قلنا لهم في مثله في نصرة القول بالصرفة.

والجواب عن الشبهة بعد المعارضة : ان من ليس من أهل العلم بالفصاحة ومراتبها من أعجمي أو عامي ، متمكن من العلم بفصل فصيح من الكلام على

__________________

(١) ظ : تجويز.

(٢) ظ : ديدن.

٣٢٥

غيره ، ومرتبة في الفصاحة بالرجوع الى أهل الصناعة والسؤال لهم ، فيعلم من ذلك ما تدعوه الحاجة الى علمه ، وان لم يحتج الى أن يكون هو في نفسه من أهل هذه الصناعة.

ألا ترى أن العجمي والعامي اللذين لا يعرفان شيئا من الفصاحة ، يصح أن يعلما أن امرأ القيس أفصح ممن عداه من الشعراء ، وأن بعض الكلام الفصيح أفضل من بعض ، حتى لا يدخل عليه في ذلك شبهة بالخبر ممن يعرف ذلك. وكذلك من لا يعرف منا النساجة أو الصياغة ، يصح أن يعلم في ثوب أنه أفضل من غيره أو في علق مصوغ.

وإذا كانت جهة العلم ثابتة للأعجمي كما أنها ثابتة للعربي ، جاز أن يعلم بالرجوع الى أهل الصناعة ، أن الفرق بين أفصح كلام العرب وبين بعض قصار المفضل (١) في الفصاحة ، غير ظاهر ظهور الفرق بين فصاحة شعر الجاهلية والمحدثين.

فحينئذ يعلم أن جهة اعجازه هي الصرفة لا فرط فصاحته ، لانه قد علم تعذر المعارضة لائحة ، وإذا لم يكن (٢) معارضته لفرط الفصاحة فليس الا الصرف.

والقول في أحكام خطاب العربية يجري مجرى ما ذكرناه ، في أن للأعجمي أن يعلمه من أهله وان لم يكن هو في نفسه عالما بالعربية. ومن هذا الذي يشك في أن من كلف معرفة مراد الله تعالى بخطابه ، ومراد الرسول عليه‌السلام بكلامه ، لا بد من أن يكون له طريق إلى معرفة ذلك؟

فان كان من أهل العربية والعلم بموضوعات أهله ، فهو يرجع الى علمه

__________________

(١) ظ : المفصل.

(٢) ظ : لم يمكن.

٣٢٦

ونفسه ، فالعلم (١) بالمراد من الخطاب. وان كان ليس من أهل العربية ، فلا بد من الرجوع الى أهلها فيما يحتاج الى علمه حتى يتم له العلم بالمراد من الخطاب.

وعلى هذا الوجه الذي أشرنا إليه يعلم الأعاجم مراد الله تعالى بخطاب القرآن ومراد العرب بخطابهم لهم وجوازهم (٢). ويعلم أيضا العربي مراد العجمي في خطابه له. وهذه جملة كافية.

المسألة الرابعة

حكم الكافرين العارفين وغيرهم

ما حكم المكلفين الذين دعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه عنه (٣) ، فأبوا الإجابة. إذا كانوا عارفين بالله تعالى وصفاته وعدله أم لم يكونوا كذلك ، فان كانوا عارفين وجب أن يستحقوا بمعرفتهم الثواب ، وذلك ينافي كونهم كفارا بترك إجابته صلى‌الله‌عليه‌وآله على أصولكم في القول بفساد الحابط.

وان كانوا غير عارفين ، فالواجب تقديم دعواهم وترتيب الأدلة عليهم ، من أعماق النظر فيها قبل الدعوة الى الشرائع التي هي فرع لها وألطاف فيها. وإيجاب اللطف مع الجهل بما هو لطف فيه لا يصح.

ولان صحتها موقوفة على تقدم المعرفة بمن يتوجه بها اليه.

__________________

(١) ظ : في العلم.

(٢) ظ : وجوابهم.

(٣) الظاهر زيادة «عنه».

٣٢٧

ولو دعي الى ذلك ورتبه برسيكم (١) يوجب حصول العلم به ، على وجه لا يصح دخول الشبهة فيه ، كسائر ما دعي اليه من الفرائض ، وكحصول العلم بما رتبه كل منهم معشر المتكلمين ، ودعي اليه من العبادات عن الأدلة ، وفي عدم ذلك دليل على سقوط ما يوجبونه من النظر في طريق المعارف ، أو القول بأحد ما قدمناه مما هو ظاهر الفساد عندكم.

الجواب ، وبالله التوفيق :

اعلم أن من علمنا أنه كافر مستحق للعقاب الدائم ، فإنه لا يجوز مع المذهب الصحيح الذي نذهب إليه في فقد الحابط بين الثواب والعقاب ، أن يكون معه ايمان أو طاعة يستحق بها الثواب ، لأن الطاعة يستحق بها الثواب الدائم ، ولا يجتمع استحقاق الدائمين من ثواب وعقاب.

ومن جهل نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كافر بلا شبهة ، فهو مستحق العقاب الدائم. فلو كان عارفا بالله تعالى وصفاته وعدله ، لكان قد اجتمع له استحقاق الدائمين من الثواب والعقاب مع فساد الحابط. وأجمعت الأمة على بطلان ذلك.

فعلمنا أن الذي يظهره ما في (٢) النبوة في المعرفة بالله تعالى سهو ونفاق ، أو هو معتقد لها تقليدا ، أو بغير ذلك. وليس يمكن أن يدعى أنا نعلم ضرورة كون أحدنا من غيره، وانما يصح أن يعلمه معتقدا.

وقد بينا في مواضع من كلامنا أنه لا يجوز أن يستدل على أن مخالفينا في النبوة عارفون بالله تعالى ، من حيث نظروا في أدلتنا ورسوها برسينا ، وانه لا

__________________

(١) الرسي : الثبوت والرسوخ ، ومنه قوله تعالى (أَيَّانَ مُرْساها).

(٢) ظ : نافى.

٣٢٨

يجوز أن يحصل لهم من العلم ما حصل لنا ، لان ذلك غير معلوم لنا من جهتهم ، فانا لا نقطع على أنهم ناظرون في الأدلة التي نظرنا فيها.

ولو نظروا فيها لما علمنا أنهم على الصفة التي يولد معها النظر لهم العلم بالمنظور فيه ، غير (١) ممتنع أن يكون على صفة واعتقادات لا يجوز معها ثواب النظر المعلم.

والذي يجب أن نعلمه على سبيل الجملة : أنهم لو نظروا وأحوالهم كأحوال من ولد نظره العلم فإذا علمنا أنهم غير عالمين ، فلا بد من أن يكون بعض الشرائط اختلت فيهم.

وقد مثل المتكلمون في كتبهم ذلك بالرماة على سمت واحد أصاب أحدهم الغرض ، وادعى الرامي الأخر الذي لم يصب سهمه الغرض أنه رمى في سمت المصيب وعلى حد رميه وعلى أحواله كلها ، فانا نعلم أن مدعي ذلك كاذب ، لانه لو كان صادقا لأصاب ، كما أصاب صاحبه.

وقد كنا ذكرنا وجها غريبا خطر لنا في جواب المسائل البرمكيات ما ذكرناه الا فيها ، وهو أن سلمنا حصول المعارف لبعض الكفار ، غير انا قلنا ان المعرفة انما يستحق عليها الثواب إذا فعلت للوجه الذي وجبت ، فأما إذا فعلت لوجه آخر لم يجب منه ، فان الثواب لا يستحق عليها.

ألا ترى من رد الوديعة لا لوجوبها عليه ، بل للرياء والسمعة وليودع أمثالها ، فإنه لا يستحق على الرد مدحا ولا ثوابا.

وعلى هذا التقدير لا يمنع ان يكون من جوزنا أن يكون معه معرفة الله تعالى من الكفار ما فعلها لوجه وجوبها بل لوجه آخر ، فلا يستحق عليها ثوابا. وانما نمنع من اجتماع الثواب والعقاب الدائمين.

__________________

(١) ظ. وغير.

٣٢٩

وإذا جاز أن يكون في المعارف ما لا يستحق عليه الثواب ، أجزنا أن يجامع الكفر.

فأما ما مضى في السؤال من أنهم إذا كانوا غير عارفين بالله تعالى ، فالواجب أن يتقدم دعاؤهم إلى المعرفة بالله تعالى على الدعاء إلى الشرائع ، فعلى هذا جرى الأمر ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر الدعاة الذين ينفذون منه الى أطراف البلاد ، بأن يدعوا الناس الى معرفة الله تعالى ووحدانيته ، ثم الى نبوته وشريعته.

والاخبار في السيرة مملوة من هذه الألفاظ ، ولو لم يرد في ذلك خبر لكنا نعلم أن الأمر جرى عليه لقيام الأدلة على صحته.

وانما ظهور الدعاء إلى النبوة والشريعة أكثر من ظهور الدعاء الى التوحيد والعدل ، لأن المعرفة بالتوحيد والعدل اليه (١) دعاة ، وعليها (٢) حداة من الناس والخواطر ، ومشاهدة آثار الصنعة في العالم ، فلو لم يدع إليها (٣) داع بعينه لكان في تلك الدواعي التي أشرنا إليه كفاية (٤).

وليس كذلك النبوة والشريعة ، لأنه لا طريق الى الدعاء إليهما إلا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتنبيهه ، أو قول من يكون رسوله ومؤديا عنه ، ولا أحد من المكلفين الا وهو مدعو بعقله ، ربما (٥) يسمعه أيضا من غيره ، الى النظر في معرفة الله تعالى ، ولا داعي له إلى معرفة نبوته وشريعته الا قول ذلك النبي وتنبيهه ، أو قول من يؤدي عنه ، وهذا واضح.

__________________

(١) ظ : إليهما.

(٢) ظ : عليهما.

(٣) ظ : إليهما.

(٤) ظ : إليها.

(٥) ظ : وبما.

٣٣٠

المسألة الخامسة

الرجوع الى الكافي وغيره من الكتب المعتبرة

هل يجوز لعالم أو متمكن من العلم أو عامي الرجوع في تعرف أحكام ما يجب عليه العمل به من التكليف الشرعي الى كتاب مصنف ، ك «رسالة المقنعة» و «رسالة ابن بابويه» أو كتاب رواية ك «الكافي للكليني» أو كتاب أصل ك «كتاب الحلبي» أم لا يجوز ذلك؟

فان كان جائزا فما الوجه فيه؟ مع أنه غير مثمر لعلم ، ولا موجب ليقين ، بل الفقهاء العاملون بأخبار الآحاد لا يجيزون ذلك. وان كان غير جائز فما الغرض في وضع هذه الكتب؟ وهي لا تجدي نفعا.

وما الوجه فيما علمناه من رجوع عامة طائفتنا على قديم الدهر وحديثه الى العمل بهذه الكتب ، وارتفاع النكير من العلماء منا على العامل بها ، بل نجدهم يدرسونها مطلقة من جهة خلية من تقية على ترك العمل بمتضمنها ، بل يكاد يعلم من قصدهم إيجاب التدين بها.

الجواب :

اعلم أنه لا يجوز لعالم ولا عامي الرجوع في حكم من أحكام الشريعة الى كتاب مصنف ، لان العمل لا بد من أن يكون تابعا للعلم على بعض الوجوه ، والنظر في الكتاب لا يفيد علماء ، فالعامل بما (١) وجده فيه لا يأمن من أن يكون مقدما على قبيح.

__________________

(١) ظ : وبما.

٣٣١

ولا يلزم على هذه الجملة جواز العمل بالفتيا وتقليد المفتي ، لأن هذا العمل مستند الى العلم ، وهو قيام الحجة على المستفتي ، بأن له أن يعمل بقول المفتي ، فيأمن لهذا الوجه من أن يكون فاعلا لقبيح. وليس كل هذا موجودا في تناول الاحكام من الكتب.

فان قيل : فعلى هذا يجب أن يجوزوا التعبد لنا بأن نرجع في الاحكام الى الكتب ، كما نرجع الى العلماء ونأمن من القبيح ، لأجل دليل التعبد ، كما قلتم في المفتي.

قلنا : لما تعبد العامي بالرجوع الى من له صفة مخصوصة يتمكن من معرفتها وتمييزها ويثق ، لأجل دليل التعبد ، بأن ما يفتيه به يجب علمه (١) عليه.

وإذا قيل له أرجع في الاحكام الى الكتب من غير تعيين ولا صفة مخصوصة ، لم يكن للحق جهة معينة متميزة مثمرة. ولكن لو قيل له ارجع الى الكتاب الفلاني وسمى الكتاب وعين أو وصف بوصف لا يوجد الا فيه يجري مجرى الفتيا في جواز العبادة به ، وحصول الأمن من الاقدام على القبيح ..

وأما الإلزام لنا أن لا تكون في تصنيف هذه الكتب فائدة إذا كان العمل بها غير جائز. فليس بصحيح ، لان مصنف هذه الكتب قد أفادنا بتصنيفها وحصرها وترصيفها وجمعها مذاهبه التي يذهب إليها في هذه الاحكام ، وأحالنا في معرفة صحتها وفسادها على النظر في الأدلة ووجوه صحة ما سطره في كتابه.

ولو لم يكن في هذه الكتب المصنفة الا أنها تذكرة لنا يجب أن ننظر فيها من أحكام الشرعيات ، لان من لم تجمع له هذه المسائل حتى ينظر في كل واحدة منها ودليل صحته تعب وطال زمانه في جمع ذلك ، فقد كفى بما تكلف له من جمعها مئونة الجمع وبقي عليه مئونة النظر في الصحة أو الفساد.

__________________

(١) ظ : عمله.

٣٣٢

ونرى كثيرا من الفقهاء يجمعون ويربون للمتعلمين ولنفوسهم على سبيل التذكرة رءوس مسائل الخلاف مجردة من المسائل والعلل ، ويتدارسون ذلك ويتلقونه ، ونحن نعلم أن اعتقاد ذلك بغير حجة ، وليس إذا لم يجز ذلك لم يكن في جمع ذلك وتسطيره فائدة ، بل الفائدة ما أشرنا اليه.

فأما ما مضى في أثناء الكلام من أن قوما من طائفتنا يرجعون الى العمل بهذه الكتب مجردة عن حجة ، ولا ينكر بعضهم على بعض فعله.

فقد بينا في جواب مسائل التبانيات الجواب عن هذا الفصل ، وبسطناه وشرحناه وانتهينا فيه الى الغاية القصوى وقلنا :

انا ما نجد محصلا من أصحابنا يرجع الى العمل بما في هذه الكتب من غير حجة تعضده ودلالة تسنده بقصده ودلالته. ومن فعل ذلك منهم فهو عامي مقلد في الأصول ، وكما يرجع في الاحكام الى هذه الكتب ، فهو أيضا يرجع في التوحيد والعدل والنبوة والإمامة إلى هذه الكتب ، وقد علمنا أن الرجوع في الأصول الى هذه الكتب خطأ وجهل ، فكذلك الرجوع إليها في الفروع بلا حجة.

وما زال علماء الطائفة ومتكلموهم ينكرون على عوامهم العمل بما يجدونه في الكتب من غير حجة مشافهة ومما (١) يصيفونه في كتبهم ، وردهم على أصحاب التقليد ، فكيف يقال : ان النكير غير واقع ، وهو أظهر من الشمس الطالعة.

اللهم الا أن يراد أن النكير من بعض أهل التقليد على بعض ارتفع ، فذلك غير نافع ، لان المنكر لا ينكر ما يستعمل قبله ، وانما ينكر من الافعال ما هو له بجانب ولا اعتبار بعوام الطائفة وطغامهم ، وانما الاعتبار بالعلماء المحصلين

__________________

(١) ظ : وفيما.

٣٣٣

المسألة السادسة

من يجب عليه الحج من قابل

في من يجامع قبل عرفة أو فاته مشعر الحرام ، أو تعمد ترك ركن من أركان الحج ، بأن عليه الحج من قابل واجبا كان أو تطوعا ، أو هو مختص لحج الفرض.

فان كان مختصا بالفرض فما الدليل المخصص له به ، مع كون الفتيا من الطائفة والرواية الثابتة بذلك مطلقة. وان كان المراد الجميع ، فالتطوع في الأصل غير واجب ، فكيف يجب قضاؤه.

الجواب :

اعلم أنه لا خلاف بين الإمامية في أن المجامع قبل الوقوف بعرفة أو بالمشعر الحرام ، يجب عليه مع الكفارة قضاء هذه الحجة ، نفلا كانت أو فرضا. وما فرق أحد منهم في هذا الحكم بين الفرض والنفل.

وما أظن أحدا من قضاة العامة يخالف أيضا في ذلك ، وأصحاب أبي حنيفة إذا ناظروا أصحاب الشافعي في أن الداخل في صلاة تطوع أو صيام نافلة يجب عليه هذه العبادة بالدخول فيها وقضاؤها إن أفسدها ، وجعلوا (١) حج النافلة أصلا لهم وقاسوا عليه غيره من العبادات.

وأصحاب الشافعي أبدا ما يفرقون بين الموضعين ، فان الحج آكد من باقي العبادات، لانه لا خلاف في وجوب المضي في فاسدة ، وليس كذلك الصلاة والصيام ، فليس يمتنع لهذه المزية أن يختص الحج ، بأن يجب منه ما كان نفلا

__________________

(١) الظاهر زيادة الواو.

٣٣٤

بالدخول فيه.

وإذا كنا لا نراعي في الشريعة القياس ، ونثبت الاحكام بعلل قياسه ، فلا حاجة بنا الى هذه التفرقة. وما علينا أكثر من أن ندل على أن إفساد (١) الحج ما ذكرناه ، وأنه يخالف حكم إفساد الصلاة أو الصوم إذا كان تطوعا ، وإجماع الطائفة الذي هو حجة على ما بيناه في عدة مواضع ، هو الفارق بين حكم الموضعين ..

فان قيل : إذا كانت الحجة تجب بالدخول فيها ، فأي معنى لقول الفقهاء ، أن في الحج نفلا كما أن فيه فرضا ، وعلى هذا التقدير لا حج الا وهو واجب ، لان النفل يجب بالدخول ، فيلحق بالواجب.

قلنا : معنى قولنا ان في الحج نفلا ، أن فيه ما لا يجب علينا أن ندخل فيه ، ولا أن ننشئ الإحرام به ، والحج الواجب هو الذي يجب الدخول فيه ، ويستحق من لا يفعله الذم. وعلى هذا التقدير لا يجوز أن يكون الشيء من أفعال الحج سوى الإحرام فقط نفلا غير واجب ، كالوقوف والطواف وما أشبه ذلك.

وعلى مذهب أبي حنيفة في وجوب الصلاة بالدخول فيها يجب أن لا يكون في أفعال الصلاة شيء نفلا سوى تكبيرة الافتتاح ، وباقي الافعال من ركوع وسجود وقراءة يجب أن يكون واجبا ، لانه يوجب النفل بالدخول فيه.

فان قيل : إذا كان الصحيح من مذهبكم أن الشرعيات انما تجب لأنها ألطاف في العقليات ، ولا وجه لوجوبها الا ذلك ، فالواجب من هذه العبادات لطف في أمثاله من واجبات العقول والنفل منها لطف في أمثاله من نوافل العقل ، فالحجة إذا وجبت بالدخول فيها فتجب أن تكون لطفا وأمثالها (٢) من الواجبات ، ولا يكون الا كذلك ، ففي أي موضع يكون الحج لطفا في مثله من النوافل.

__________________

(١) ظ : حكم إفساده.

(٢) ظ : في أمثالها.

٣٣٥

قلنا : الإحرام إذا كان فاعله مستقلا به متطوعا ، فهو لطف في أمثاله من نوافل العقل. فأما باقي أفعال الحج فلا تكون إلا واجبة في نفوسها ، ووجه وجوبها ألطاف في أمثالها من واجبات العقل. فليتأمل ذلك وليقس عليه نظائره.

المسألة السابعة

حول الخبر المتواتر

وإذا كنتم تقولون : ان من شرط الخبر المعلوم مخبره باكتساب أن يبلغ ناقلوه حدا يمتنع معه الكذب باتفاق ولا تواطؤ وما يقوم مقامه ، ولا يكون كذلك الا ببلوغهم حدا من الكثرة ، ويكون هؤلاء الكثرة متباعدي الديار مختلفي الآراء.

فان كانوا ينقلون بواسطة وجب أن يكون حكمهم في الطريق الذي يعلم الناظر بلوغ الطبقة التي تليه هذا الحد ، بلقاء كل ناقل بعينه أم بالخبر عنه ، ولا واسطة بين الأمرين يليه من ناقلي النص وغيره من أهل زمانه في جميع البلاد ، أو من يقوم بمثلهم الحجة وذلك كالمتعذر ، وفيه إذا صح اتفاق استدلال مستدل منا على النص ومعجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تبقي من ذكرناه.

وان كان بالخبر عنهم فلا يخلو حصول ذلك من وجوه : اما بخبر كذا واحدا وواحدا عن جميعهم ، أو خبر جماعة لا يصح معها الكذب عن جماعة مثلها ، أو عن آحاد. والقسمان الأولان والرابع ليس بطريق للعلم ، فلا اعتداد به.

والقسم الثالث يوجب اختصاص الاستدلال بالتواتر عن بقي (١) من الناقلين عن غيرهم ممن له صفة التواتر ، دون من لم يكن كذلك. وهذا لاحق بالقسم

__________________

(١) ظ : عمن بقي.

٣٣٦

المتقدم ، وقد بينا ما فيه. وإذا أنصف كل مستدل بتواتر من نفسه علم تعذر هذا عليه وارتفاعه عن صفة من سمع منهم ما يقول بتواتره ، وان صح حصوله فالأعيان يكاد لا يعرفون.

الجواب :

اعلم أن القائلين بالتواتر على ضربين :

منهم من يذهب الى أن الخبر المتواتر فعل الله تعالى عنده للسامعين العلم الضروري بمخبره.

والضرب الأخر يذهبون الى أن العلم بمخبره مكتسب.

فمن ذهب الى الأول يقول على وقوع العلم الضروري له ، فإذا وجد نفسه عليه علم أن صفة المخبرين له صفة المتواترين ، فعندهم أن حصول العلم بصفة المخبرين.

ومن قال بالمذهب الثاني يقول : الطريق الى العلم بصفة المخبرين هو العادة ، لأن العادة قد فرقت بين الجماعة التي يجوز عليها ان يتفق منها الكذب من غير تواطؤ وما يقوم مقامه ، وبين من لا يجوز ذلك عليه. وفرقت أيضا [بين من لا يجوز عليه ، و](١) بين من إذا وقع منه التواطي جاز أن ينكتم ، وبين من لا يجوز انكتام تواطؤ.

فان كل عاقل خالط أهل العادات ، يعلم ضرورة أن أهل مدينة السلام ، أنه يتفق (٢) منهم الكذب الواحد من غير (٣) تواطؤ عليه ولا أن يتواطؤا ويقوم

__________________

(١) كذا في النسخة ، والظاهر زيادتها.

(٢) الظاهر زيادة «أنه».

(٣) خ ل : أن يتفقوا.

٣٣٧

لهم جامع على الخبر مقام التواطي ، فينكتم ذلك فيستزيل ، لا يجوز على من حضر بعض.

فإذا علم أن وجود كون الخبر كذبا لا يصح على هذه الجماعات ، فليس بعد ارتفاع كونه كذبا الا أنه صدق ، وأي عجب واستبعاد لان يكون أحدنا يلقى بنفسه ويسمع الخبر ممن هو على صفة المتواترين.

أو ليس كل واحد منا يسمع الاخبار ممن يخبره عن عمان وسجستان والبلدان التي ما شاهدها ، فيعلم صدقهم إذا علم أن العادة لم تجئ في مثل من خبره عن ذلك بالكذب ، لعدم جواز اتفاق الكذب والتواطي ، وهل العلم بالوقائع والحوادث الكبار في عصرنا مستفاد الا ممن يخبرنا مشافهة عن هذه الأمور.

وكذلك العلم بالنص الذي ينفرد به الإمامية ، لا يزال أحدنا يسمع كل امامي عاصره ولقاه يرويه له ، مع كثرتهم وامتناع الكذب في العادات على مثلهم ، وليس يجب أن لا يعلم هذا النص الا بعد أن يلقى كل امامي يرويه في كل بلد ، لأنه إذا لقي من جملتهم من خبره بالنص ، وقد بلغوا من الكثرة إلى حد يقضي العادات بأن الكذب لا يجوز معه عليهم صدقهم ، وان لم يخبره كل إمام في الأرض.

وليس من شرط الخبر المتواتر أن يكون رواته متباعدي الديار مختلفي الآراء والأوطان ولا يحصيهم عددا ، على ما مضى في المسألة ، على ما يظنه من لا خبرة له ، لان التواطي قد يحصل بأهل بلد واحد ، بل بأهل محلة واحدة ، ومع اتفاق الآراء والأوطان واختلافها ، فلا معنى لاعتباره ولا تأثير في الحكم المطلوب له.

ولم يبق الا أن نبين أن الناقلين إذا كانوا لم ينقلوا عما شاهدوه بنفوسهم ، بل

٣٣٨

عن طبقات كثيرة الى أن يتصل بالمنقول عنه ، كيف السبيل الى العلم بأن الطبقات كلها في الكثرة وامتناع الكذب عليها كالطبقة الأولى التي شاهدناها.

وقد كان أصحابنا يستدلون على ذلك بطريقة قد بينا في كتاب الشافي وغيره أنها غير مرضية وطعنا فيها ، وهي أن يقولوا إذا أخبرنا من يلينا من الطبقات بأنهم نقلوا الخبر عمن هو على مثل صفتهم في الكثرة ، علمنا أن الصفات متفقة.

وهذا ليس بصحيح ، لانه يجوز أن يخبرنا من يلينا بذلك ان لم يكونوا صادقين ، لان الكذب في مثل ذلك يجوز على الجماعات ، لانه قد يجوز أن يدعوهم اليه داع واحد من غير أن يتواطؤا ، وانما يقبل خبر الجماعة إذا كان عما لا يجوز أن يجتمعوا على الاخبار به الا بالتواطي ، وقد علمنا فساده ، أو لكونه صادقا.

ولهذا نقول : ان الجماعات الكثيرة لو نقلت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تخلف أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أو نص عليه بالإمامة من غير تعيين على خبر بعينه وألفاظ لها صورة مخصوصة.

وقد بينا في الشافي برد وغيره أن الطريق الى العلم باتفاق الطبقات في هذه الصفة أن الأمر لو لم يكن على ذلك ، أو كان هذا الخبر مما حدث وانتشر بعد فقد ، أو قوي بعد ضعف ، وكثير رواية بعد قلة يوجب (١) أن يعلم المخالطون لرواية ذلك من حالهم ويخبرون ويتعين لهم زمان حدوثه بعينه ، ويفرقوا بينه وبين ما تقدمه من الأزمنة ، لأن العادات تقضي بوجوب العلم بما ذكرناه.

ألا ترى أن كل مذهب حدث بعد فقد يعلم ضرورة من حاله ، ويفرق بين زمان حدوثه وبين ما تقدمه. فإذا فقدنا في أهل التواتر العلم بما ذكرناه ، علمنا

__________________

(١) ظ : لوجب.

٣٣٩

أن صفة الطبقات في نقل هذا الخبر واحدة ، وفرعنا هذه الجملة تفريعا يزيل الشبهة بها.

وفي هذا القدر الذي ذكرناه هاهنا كفاية.

فصل

فيه ست مسائل تتعلق بالنيات في العبادات

مسألة :

إذا كان صحة العبادة تفتقر إلى نية التعيين والى إيقاعها للوجه الذي شرعت له من وجوب أو ندب على جهة القربة بها الى الله تعالى والإخلاص له في حال ابتدائها.

واتفق العلماء بالشرع على وجوب المضي فيما له هذه الصفة من العبادات بعد الدخول فيها ، وقبح إعادتها إذا وقعت مجزية ، لكون ذلك ابتداء عبادة لا دليل عليها.

فما الوجه فيما اتفقت الطائفة الإمامية على الفتوى به من نقل نية من ابتدأ بصلاة حاضرة في أول وقتها إلى الفائتة حين الذكر لها وان كان قد صلى بعض الحاضرة وفيه نقض ما حصل الاتفاق عليه من وجوب المضي في الصلاة بعد الدخول فيها بالنية لها وعقدها بتكبيرة الإحرام ، وخلاف لوجوب تعيين جملة العبادة بالنية ، ومقتضى لكون صلاة ركعتين من فريضة الظهر الحاضرة المعينة بالنية لها ، مجزية عن صلاة الغداة الفائتة من غير تقدم نية لها ، وهذا عظيم جدا.

مسألة :

وما الوجه فيما اتفقوا عليه من جواز تكرير الصلاة الواحدة في آخر

٣٤٠