رسائل الشريف المرتضى - ج ٢

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٢

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٢

الحشوية ومعظم رواة العامة ، ونقله أحمد بن حنبل (١) وغيره من الرواة.

وروي عن الأصبغ بن نباتة (٢) قال : لما رجع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام من صفين قام اليه شيخ فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا الى الشام أكان بقضاء وقدر؟ فقال عليه‌السلام [له (٣)] : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطأنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا علونا تلعة الا بقضاء وقدر. فقال [له (٤)] الشيخ : عند الله أحتسب عنائي ، والله ما أرى لي من الأجر شيئا. فقال عليه‌السلام [له (٥)] : بلى ايها الشيخ لقد عظم الله اجركم بمسيركم (٦) وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ، ولا إليها مضطرين ، فقال : وكيف لم نكن مضطرين والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا ومنصرفنا؟ فقال عليه‌السلام [له](٧) ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو كان ذلك كذلك لبطل (٨) الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والأمر من الله والنهي ، ولم تكن [تأتي (٩)] لأئمة لمذنب ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن اولى بالمدح من المسيء ولا المسيء اولى

__________________

(١) أبو عبد الله احمد بن محمد بن حنبل الشيباني الوائلى ، امام المذهب الحنبلي وصاحب المسند المشهور ، ولد ببغداد سنة ١٦٤ ه‍ وتوفى سنة ٢٤١ ه‍ (الاعلام للزركلى : ١ / ١٩٢).

(٢) كان الأصبغ من خاصة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعمر بعده ، وروى عهد مالك الأشتر الذي عهده إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام لما ولاه مصر ، وروى وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام الى ابنه محمد بن الحنفية (فهرست الطوسي : ٣٧).

(٣) الزيادات من أ.

(٤) الزيادات من أ.

(٥) الزيادات من أ.

(٦) في ا : بمصيركم.

(٧) الزيادة من أ.

(٨) في ا : بطل.

(٩) الزيادة من أ.

٢٤١

بالذم من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان ، وجند الشيطان ، وخصماء الرحمن ، وشهود الزور والبهتان ، وأهل العمى عن الصواب ، وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها ، ان الله أمر تخييرا ، ونهي تحذيرا ، وكلف يسيرا ، ولم يكلف عسيرا ، واعطى على القليل كثيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الرسل لعبا ، ولم ينزل الكتب للعباد عبثا ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)(١). فقال الشيخ : فما القضاء والقدر اللذان ما سرنا (٢) الا بهما؟ فقال عليه‌السلام : ذلك الأمر من الله والحكم ، ثم تلا هذه الآية (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)(٣) فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعة

يوم النشور من الرحمن رضوانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً

جزاك ربك بالإحسان إحسانا

وروي عن جابر (٤) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : يكون في آخر الزمان قوم يعملون بالمعاصي ثم يقولون : الله قدرها علينا ، الراد عليهم يومئذ كالشاهر سيفه في سبيل الله.

وروي عن جابر (٥) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : «يكون في آخر الزمان قوم يعملون بالمعاصي ثم يقولون : الله قدرها علينا ، الراد عليهم يومئذ كالشاهر سيفه في سبيل الله».

وروي أن رجلا جاء الى الحسن البصري (٦) فقال : يا أبا سعيد إني طلقت امرأتي ثلاثا فهل لي من مخرج؟ فقال : ويحك ما حملك على ذلك. قال : القضاء.

__________________

(١) سورة ص : ٢١.

(٢) في أ : ما صرنا.

(٣) سورة الإسراء : ٢٣.

(٤) جابر بن عبد الله بن عمر بن حزام الأنصاري ، شهد بدراً وثمانية عشر غزوة مع النبي (ص) ومات سنة ثمان وسبعين (رجال الطوسي : ١٢).

(٥) جابر بن عبد الله بن عمر بن حزام الأنصاري ، شهد بدرا وثمانية عشر غزوة مع النبي (ص) ومات سنة ثمان وسبعين (رجال الطوسي : ١٢).

(٦) ترجم له سابقا.

٢٤٢

فقال [له (١)] الحسن : كذبت على ربك وبانت منك امرأتك.

وروي ان الحسن البصري مر على فضيل بن برجان وهو مصلوب فقال : ما حملك على السرقة؟ قال : قضاء الله وقدره. قال : كذبت يا لكع أيقضي عليك ان تسرق ثم يقضي عليك أن تصلب؟

وروي أن ابن سيرين (٢) سمع رجلا وهو يسأل عن رجل آخر فقال : ما فعل فلان؟ فقال : هو كما يعلم الله ، ولو كان كما شاء الله ولكن قل [هو (٣)] كما يعلم الله ، ولو كان كما شاء الله كان رجلا صالحا.

وما أشبه هذا أكثر من أن يحصى ، ولو لم يكن ورد عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من الآثار ما نعلم به بطلان مذهب القدرية والجبرية (٤) إلا الخبر المشهور الذي تلقته الأمة بالقبول ، وهو ما رواه شداد بن أوس (٥) قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من قال حين يصبح أو حين يمسي : «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وانا عبدك وانا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأقر لك بالنعمة وأقر على نفسي بالذنب ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».

__________________

(١) الزيادة من أ.

(٢) أبو بكر محمد بن سيرين البصري ، كان له يد طولى في تأويل الرؤيا ، وكان أبوه عبدا لأنس بن مالك ، وكان بينه وبين الحسن البصري من المنافرة ما هو مشهور ، توفي سنة ١١٠ ه‍ (الكنى والألقاب : ١ / ٣٠٨).

(٣) الزيادة من أ.

(٤) في أ : والمجبرة.

(٥) أبو يعلى شداد بن أوس بن ثابت الأنصاري الخزرجي ابن أخي حسان بن ثابت الشاعر المشهور ، روى عنه أهل الشام وكان كثير العبادة والورع ، توفي سنة ٤١ وقيل سنة ٥٨ وقيل سنة ٦٤ (أسد الغابة : ٢ / ٣٨٧).

٢٤٣

وقال ابن سيرين لرجل له مملوك : لا تكلفه مالا يستطيع ، فان كرهته فبعه. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم».

وروي انه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة عليها‌السلام حين أخدمها غلاما : «لا تكلفيه ما لا يطيق».

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : «استغفروا (١) عن الشرك ما استطعتم» ، وهذه الاخبار مما يستدل بها على بطلان قولهم (٢) في الاستطاعة وتصحيح قولنا ان الإنسان مستطيع ، وان الله لا يكلف عباده مالا يطيقون ، وانما أوردناها لتكون رسالتنا هذه غير محتاجة إلى غيرها في هذا المعنى.

ومن ذلك أيضا ما روي عن بنت رقيقة (٣) قالت : بايعت رسول الله «ص» في نسوة فأخذ علينا ما في آية السرقة والزنا ان لا يسرقن ولا يزنين إلخ ، ثم قال : فيما استطعتن وأطقتن. قالت : قلنا الله ورسوله ارحم بنا من أنفسنا.

وذكر قتادة (٤) قال : بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه على السمع والطاعة فيما استطاعوا.

وهذا يدل كل منصف على أن رسول الله واتباعه لم يلزموا العباد الطاعة إلا فيما استطاعوا ، وكيف يجوز على ارحم الراحمين واحكم الحاكمين أن يكلف عباده ما لا يطيقون، وأن يلزمهم (٥) ما لا يجدون.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : «أول ما تبين من ابن آدم

__________________

(١) في ا : فاستغفروا.

(٢) في مط : مذهبهم [قولهم].

(٣) كذا في أ ، وفي مط «بنت رفيعة» وهو وهم ، وهي أميمة بنت رقيقة واسم أبيها عبد بن بجار بن عمير ، كانت من المبايعات (أسد الغابة : ٥ / ٤٠٣).

(٤) ترجم له سابقا.

(٥) في مط : وانه يلزمهم.

٢٤٤

بطنه ، فمن استطاع ان لا يدخل بطنه الا طيبا فلفعل».

[وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل» فلم يوجب عليه‌السلام على أحد شيئا إلا بعد الاستطاعة (١)].

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من استطاع منكم أن يقي وجهه حر النار ولو بشق تمرة فليفعل. فلم يرغبهم الا فيما يستطيعون.

وروي عن ابن عباس (٢) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أنبئكم بأعز الناس؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : الذي يعفو إذا قدر.

فبين أنه انما يكون العفو إذا قدر العبد وإذا لم يقدر فلا يكون العفو وقد قال الله تعالى (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا)(٣) وقال (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ)(٤) وقال (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)(٥) فعلمنا أنه كان يقدر على أن يعاقب ، فأمره الله لذلك بالعفو ، ولا يجوز أن يعفو عما لا يقدر له على مضرة ولا على منفعة.

وروي عنه انه قال : «من كظم غيظا وهو قادر على إمضائه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضي».

وروي [عن (٦)] ابن عباس في قوله (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ

__________________

(١) الزيادة من أ.

(٢) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه‌السلام أشهر من أن يخفى ، دعا له النبي (ص) بالفقه والتأويل ، وكان حبر هذه الأمة وترجمان القرآن ، وكان عمر يقربه ويشاوره مع جملة الصحابة ، ولد بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين وتوفى بالطائف سنة ٦٨ هج (الكنى والألقاب : ١ / ٣٣٥).

(٣) سورة البقرة : ١٠٩.

(٤) سورة المائدة : ١٣.

(٥) سورة الأعراف : ١٩٩.

(٦) الزيادة من أ.

٢٤٥

سالِمُونَ)(١) قال : وهم مستطيعون في دار الدنيا.

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : «يسروا ولا تعسروا واسكنوا ولا تنفروا ، خير دينكم اليسر، وبذلك آتاكم كتاب الله ، قال الله (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(٢) و (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ)(٣) واعلموا رحمكم الله انه لو كان كلف خلقه (٤) مالا يستطيعون (٥) كان غير مريد بهم اليسر ، وغير مريد للتخفيف عنهم ، لانه لا يكون اليسر والتخفيف في تكليف مالا يطاق».

وروي عن سعيد بن عامر بن حذيم (٦) لما استعمله عمر بن الخطاب على بعض كور الشام خرج معه يوصيه ، فلما انتهى الى المكان قال له سعيد : وأنت فاتق الله وخف الله في الناس ، ولا تخف الناس في الله ، وأحب لقريب المسلمين وبعيدهم ما تحبه (٧) لنفسك وأهل بيتك ، وأقم وجهك تعبدا لله ، ولا تقض بقضاءين (٨) مختلف عليك أمرك (٩) ، وتنزع الى غير الحق ، وخض الغمرات إلى الحق ، ولا تخف في الله لومة لائم. فأخذ عمر بيده فأقعده ثم قال : ويحك من يطيق هذا؟

__________________

(١) سورة القلم : ٤٣.

(٢) سورة البقرة : ١٨٥.

(٣) سورة النساء : ٢٨.

(٤) في مط : خلقه [عبادة خ].

(٥) في أ : ما لا يطيقون.

(٦) كذا في مط ، وفي ا «بن حذلم» ، يقال ان سعيد هذا أسلم قبل فتح خيبر وشهد المشاهد بعدها ، وكان خيرا فاضلا ، وولاه عمر بعض أجناد الشام ، واختلف في سنة وفاته : فقيل سنة ١٩ ، وقيل سنة ٢٠ ، وقيل سنة ٢١ (الإصابة ٢ / ٦٢٤).

(٧) في مط : ما تحب.

(٨) في مط : بقضاء بين.

(٩) في مط : امره.

٢٤٦

فانظر كيف وصاه وأمره بأن يفعل الخير ويجتهد في تحصيله ، وما أشبه هذا من الحديث أكثر من أن يحصى ، والحمد لله والصلاة على آل الله (١).

__________________

(١) في ا : تمت الرسالة والحمد لله رب العالمين.

٢٤٧
٢٤٨

(٢٣)

الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة

٢٤٩
٢٥٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال رضي الله عنه :

مما يدل أيضا على تقديمهم عليهم‌السلام وتعظيمهم على البشر أن الله تعالى دلنا على أن المعرفة بهم كالمعرفة به تعالى في أنها ايمان وإسلام ، وأن الجهل والشك فيهم كالجهل به والشك فيه في أنه كفر وخروج من الايمان ، وهذه منزلة ليس لأحد من البشر الا لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده لأمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمة من ولده على جماعتهم السلام.

لأن المعرفة بنبوة الأنبياء المتقدمين من آدم عليه‌السلام الى عيسى عليه‌السلام ، أجمعين غير واجبة علينا ولا تعلق لها بشيء من تكاليفنا ، ولو لا أن القرآن ورد بنبوة من سمى فيه من الأنبياء المتقدمين فعرفناهم تصديقا للقرآن والا فلا وجه لوجوب معرفتهم علينا ولا تعلق لها بشيء من أحوال تكليفنا (١) ، وبقي علينا أن ندل على أن الأمر على ما ادعيناه.

__________________

(١) في المصدر : تكاليفنا.

٢٥١

والذي يدل على أن المعرفة بامامة من ذكرناه عليهم‌السلام من جملة الايمان وأن الإخلال بها كفر ورجوع عن الايمان ، إجماع الشيعة الإمامية على ذلك ، فإنهم لا يختلفون فيه ، وإجماعهم حجة بدلالة أن قول الحجة المعصوم الذي قد دلت العقول على وجوده في كل زمان في جملتهم وفي زمرتهم ، وقد دللنا على هذه الطريقة في مواضع كثيرة من كتبنا واستوفيناها في جواب التبانيات خاصة ، وفي كتاب نصرة ما انفردت به الشيعة الإمامية من المسائل الفقهية ، فإن هذا الكتاب مبني على صحة هذا الأصل.

ويمكن أن يستدل على وجوب المعرفة بهم عليهم‌السلام بإجماع الأمة ، مضافا الى ما بيناه من إجماع الإمامية وذلك أن جميع أصحاب الشافعي يذهبون الى أن الصلاة على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهد الأخير فرض واجب وركن من أركان الصلاة من أخل به فلا صلاة له (١) ، وأكثرهم يقول : ان الصلاة في هذا التشهد على آل النبي عليهم الصلوات في الوجوب واللزوم ووقوف أجزاء الصلاة عليها كالصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والباقون منهم يذهبون الى أن الصلاة على الآل مستحبة وليست بواجبة.

فعلى القول الأول لا بد لكل من وجبت عليه الصلاة من معرفتهم من حيث كان واجبا عليه الصلاة عليهم ، فإن الصلاة عليهم فرع على المعرفة بهم ، ومن ذهب الى أن ذلك مستحب فهو من جملة العبادة وان كان مسنونا مستحبا والتعبد به يقتضي التعبد بما لا يتم الا به من المعرفة. ومن عدا أصحاب الشافعي لا ينكرون أن الصلاة على النبي وآله في التشهد مستحبة وأي شبهة تبقى مع هذا في أنهم عليهم‌السلام أفضل الناس وأجلهم وذكرهم واجب في الصلاة. وعند أكثر

__________________

(١) في المصدر : متى أخل بها الإنسان فلا صلاة له.

٢٥٢

الأمة من الشيعة الإمامية وجمهور أصحاب الشافعي أن الصلاة تبطل بتركه وهل مثل هذه الفضيلة لمخلوق سواهم أو تتعداهم؟.

ومما يمكن الاستدلال به على ذلك أن الله تعالى قد ألهم جميع القلوب وغرس في كل النفوس تعظيم شأنهم وإجلال قدرهم على تباين مذاهبهم واختلاف دياناتهم ونحلهم ، وما اجتمع هؤلاء المختلفون المتباينون مع تشتت الأهواء وتشعب الآراء على شيء كإجماعهم على تعظيم من ذكرناه واكبارهم انهم (١) يزورون قبورهم ويقصدون من شاحط البلاد وشاطئها (٢) مشاهدهم ومدافنهم والمواضع التي وسمت (٣) بصلاتهم فيها وحلولهم بها وينفقون في ذلك الأموال ويستنفدون الأحوال ، فقد أخبرني من لا أحصيه كثرة أن أهل نيسابور ومن والاها من تلك البلدان يخرجون في كل سنة الى طوس لزيارة الامام أبي الحسن علي ابن موسى الرضا صلوات الله عليهما بالجمال الكثيرة والأهبة (٤) التي لا توجد مثلها الا للحج الى بيت الله (٥).

وهذا مع المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة وازورارهم (٦) عن هذا الشعب ، وما تسخير هذه القلوب القاسية وعطف هذه الأمم البائنة (٧)

__________________

(١) في المصدر : فإنهم.

(٢) شحط البلاد : بعد. وشاطئ البلاد : أطرافها وفي نسخة : [شاطنها] من شطن الدار : بعد.

(٣) في نسخة : رسمت.

(٤) في نسخة من الكتاب وفي المصدر : الاهب.

(٥) في المصدر : الى بيت الله الحرام وهذا مع ان.

(٦) اى انحرافهم.

(٧) في المصدر : الأمم النائية.

٢٥٣

الا كالخارق للعادات والخارج عن الأمور المألوفات ، والا فما الحامل للمخالفين لهذه النحلة المنحازين عن هذه الجملة (١) على أن يراوحوا هذه المشاهد ويغادوها ويستنزلوا عندها من الله تعالى الأرزاق ويستفتحوا الأغلال (٢) ويطلبوا ببركاتها (٣) الحاجات ويستدعيه والا فعلوا ذلك فيمن يعتقدونهم ، وأكثرهم يعتقدون إمامته وفرض طاعته ، وأنه في الديانة موافق لهم غير مخالف ومساعد غير معاند.

ومن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا ، فان الدنيا عند غير هذه الطائفة موجودة وعندها هي مفقودة ولا لتقية واستصلاح فإن التقية هي فيهم لا منهم ولا خوف من جهتهم ولا سلطان لهم وكل خوف انما هو عليهم فلم يبق إلا داعي الدين ، وذلك هو الأمر الغريب العجيب الذي لا ينفذ في مثله الا مشية الله (٤) ، وقدرة القهار التي تذلل الصعاب وتقود بأزمتها الرقاب.

وليس لمن جهل هذه المزية أو تجاهلها وتعامى عنها وهو يبصرها أن يقول : ان العلة في تعظيم غير فرق الشيعة لهؤلاء القوم ليست ما عظمتموه وفخمتموه وادعيتم خرقه للعادة وخروجه من الطبيعة ، بل هي لأن هؤلاء القوم من عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكل من عظم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا بد من أن يكون لعترته (٥) وأهل بيته معظما مكرما ، وإذا انضاف إلى القرابة الزهد وهجر الدنيا والعفة والعلم زاد الإجلال والإكرام لزيادة أسبابهما.

__________________

(١) في نسخة : عن هذه الجهة.

(٢) في المصدر : ويستفتحوا بها الأغلال.

(٣) في نسخة : ببركاتها.

(٤) في نسخة : خشية الله.

(٥) في نسخة : لأهل بيته وعترته.

٢٥٤

والجواب عن هذه الشبهة الضعيفة أن شارك (١) أئمتنا عليهم‌السلام في حسبهم ونسبهم وقراباتهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيرهم ، وكانت لكثير منهم عبادات ظاهرة وزهادة في الدنيا بادية وسمات جميلة وصفات حسنة من ولد أبيهم عليه وآله والسلام ومن ولد العباس (٢) رضوان الله عليه ، فما رأينا من الإجماع على تعظيمهم وزيارة مدافنهم والاستشفاع بهم في الأغراض والاستدفاع بمكانهم للاعراض والأمراض ، وما وجدنا مشاهدا معاينا في هذا الشراك (٣).

ألا فمن ذا الذي أجمع على فرط إعظامه وإجلاله من سائر صنوف العترة في هذه الحالة يجري مجرى الباقر والصادق والكاظم والرضا صلوات الله عليهم أجمعين ، لان من عدا من ذكرناه من صلحاء العترة وزهادها ممن يعظمه فريق من الأمة ويعرض عنه فريق ، ومن عظمه منهم وقدمه لا ينتهي في الإجلال والإعظام إلى الغاية التي ينتهي إلهيا من ذكرناه.

ولو لا أن تفصيل هذه الجملة ملحوظ معلوم لفصلناها على طول ذلك ولا سمينا من كنينا عنه ونظرنا بين كل معظم مقدم من العترة ليعلم أن الذي ذكرناه هو الحق الواضح ، وما عداه هو الباطل الماضح (٤).

وبعد فمعلوم ضرورة أن الباقر والصادق ومن وليهما من الأئمة (٥) صلوات الله عليهم أجمعين كانوا في الديانة والاعتقاد (٦) وما يفتون من حلال وحرام على

__________________

(١) في المصدر : [ان قد شارك] وفيه : وقرابتهم.

(٢) ومن ولد عمهم العباس.

(٣) في نسخة [الاشتراك] وفي المصدر : في هذا الاشتراك والا.

(٤) مضح عرضه : شانه وعابه. مضح عنه : ذب.

(٥) في المصدر : من أئمة أبنائهما.

(٦) في نسخة : والاجتهاد.

٢٥٥

خلاف ما يذهب اليه مخالفو الإمامية ، وان ظهر شك في ذلك كله فلا شك ولا شبهة على منصف في أنهم لم يكونوا على مذهب الفرقة المختلفة المجتمعة (١) على تعظيمهم والتقرب الى الله تعالى بهم.

وكيف يعترض ريب فيما ذكرناه؟ ومعلوم ضرورة أن شيوخ الإمامية وسلفهم في تلك الأزمان كانوا بطانة للصادق (٢) والكاظم والباقر عليهم‌السلام وملازمين لهم ومتمسكين بهم ، ومظهرين أن كل شيء يعتقدونه وينتحلونه ويصححونه أو يبطلونه فعنهم تلقوه ومنهم أخذوه ، فلو لم يكونوا عنهم بذلك (٣) راضين وعليه مقرين لأبوا عليهم نسبة تلك المذاهب إليهم وهم منها بريئون خليون ، ولنفوا ما بينهم من مواصلة ومجالسة وملازمة وموالاة ومصافاة ومدح وإطراء وثناء ، ولا بدلوه بالذم واللوم والبراءة والعداوة ، فلو لم يكونوا عليهم‌السلام لهذه المذاهب معتقدين وبها راضين (٤) لبان لنا واتضح ، ولو لم يكن الا هذه الدلالة لكفت وأغنت.

وكيف يطيب قلب عاقل أو يسوغ في الدين لأحد أن يعظم في الدين من هو على خلاف ما يعتقد أنه الحق وما سواه باطل ، ثم ينتهي في التعظيمات والكرامات إلى أبعد الغايات وأقصى النهايات ، وهل جرت بمثل هذا (٥) عادة أو مضت عليه سنة؟.

أو لا يرون أن الإمامية لا تلتفت الى من خالفها من العترة وحاد عن جادتها

__________________

(١) في نسخة : [المجمعة] وهو الموجود في المصدر.

(٢) [بطانة للباقر والصادق ومن وليهما] وهو الموجود في المصدر.

(٣) في المصدر : فلو لم يكونوا بذلك.

(٤) في المصدر : فلو لم يكن انهم عليهم‌السلام لهذه المذاهب معتقدون وبها راضون.

(٥) في المصدر : بمثل ذلك.

٢٥٦

في الديانة ومحجتها في الولاية ، ولا تسمح له بشيء من المدح والتعظيم فضلا عن غايته وأقصى نهايته ، بل تتبرأ منه وتعاديه وتجريه في جميع الاحكام مجرى من لا نسب له ولا حسب له ولا قرابة ولا علقة.

وهذا يوقظ على أن الله خرق في هذه العصابة العادات وقلب الجبلات ليبين من عظيم منزلتهم وشريف مرتبتهم. وهذه فضيلة تزيد على الفضائل وتربى (١) على جميع الخصائص والمناقب ، وكفى بها برهانا لائحا وميزانا راجحا ، والحمد لله رب العالمين (٢).

__________________

(١) أى تزيد. وفي المصدر : توفى.

(٢) احتجاج الطبرسي : ٢٨٢ ـ ٢٨٤.

٢٥٧
٢٥٨

(٢٤)

الحدود والحقائق

٢٥٩
٢٦٠