إنّ المراد من خلافة الله في الأرض هو أن يرسم الإنسان بوجوده وجود الله سبحانه ، وبصفاته وكمالاته كمالات الله وصفاته سبحانه ، وبفعله وعمله يرسم ويصور أفعال الله سبحانه ، ويكون حينئذٍ مرآة للحقّ تعالى.
٣. الإنسان مسجود الملائكة
إنّ من الكرامات والمنح الإلهية التي أولاها الله سبحانه للإنسان هو أنّه تقدّست أسماؤه قد أمر ملائكته بالسجود لآدم تكريماً وتعظيماً له حيث قال عزّ من قائل :
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (١)
إنّ هذا الأمر الإلهي والتعظيم والتكريم لم يكن أمراً اعتباطياً ومن دون أيّ ملاك ، إذ لو لم يكن آدم هو زهرة الخلق وانّه المخلوق العزيز والمختار لما وقع مورداً لهذا التعظيم والتبجيل من قبل الملائكة ، بل انّ الشيء الذي أوصل آدم إلى هذا المقام السامي بحيث جعله مسجوداً للملائكة هو علمه ومعرفته بأسرار ورموز عالم الخلق ، الذي عجزت الملائكة عن تحمّله والقيام به ، وبسبب هذه المعرفة وهذا العلم نصّبه الله سبحانه وتعالى خليفة له في الأرض بحيث استطاع من خلال علمه ومعرفته أن يكون مظهر صفاته وعلمه وقدرته سبحانه.
فأيّ درّة خالصة وجوهرة ثمينة كان يمثّلها آدم عليهالسلام بحيث لم تتردد الملائكة لحظة واحدة في السجود له بأمر الله ووضع جباهها على الأرض تعظيماً وتكريماً لذلك المخلوق الذي هو خليفة الله في أرضه.
__________________
(١). البقرة : ٣٤.