تفسير أبي السّعود - ج ٥

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي

تفسير أبي السّعود - ج ٥

المؤلف:

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المصحف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٨٧

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (١١١)

____________________________________

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) كما يزعم اليهود والنصارى وبنو مليح حيث قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله والملائكة بنات الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) أى الألوهية كما يقوله الثنوية القائلون بتعدد الآلهة (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ) ناصر ومانع منه لاعتزازه به أو لم يوال أحدا من أجل مذلة ليدفعها به وفى التعرض فى أثناء الحمد لهذه الصفات الجليلة إيذان بأن المستحق للحمد من هذه نعوته دون غيره إذ بذلك يتم الكمال والقدرة التامة على الإيجاد وما يتفرع عليه من إضافة أنواع النعم وما عداه ناقص مملوك نعمته أو منعم عليه ولذلك عطف عليه قوله تعالى (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) وفيه تنبيه على أن العبد وإن بالغ فى التنزيه والتمجيد واجتهد فى الطاعة والتحميد ينبغى أن يعترف بالقصور فى ذلك روى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أفصح الغلام من بنى عبد المطلب علمه هذه الآية الكريمة. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قرأ سورة بنى إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين كان له قنطار فى الجنة والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية والحمد لله سبحانه وله الكبرياء والعظمة والجبروت.

٢٠١

١٨ ـ سورة الكهف

(مكية وآياتها مائة وعشر)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) (٢)

____________________________________

(سورة الكهف مكية إلا الآيات ٢٨ ومن أية ٨٣ إلى آية ١٠١ فمدنية وآياتها ١١٠)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (الْكِتابَ) أى الكتاب الكامل الغنى عن الوصف بالكمال المعروف بذلك من بين الكتب الحقيق باختصاص اسم الكتاب به وهو عبارة عن جميع القرآن أو عن جميع المنزل حينئذ كما مر مرارا وفى وصفه تعالى بالموصول إشعار بعلية ما فى حين الصلة لاستحقاق الحمد وإيذان بعظم شأن التنزيل الجليل كيف لا وعليه يدور فلك سعادة الدارين وفى التعبير عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعبد مضافا إلى ضمير الجلالة تنبيه على بلوغه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أعلى معارج العبادة وتشريف له أى تشريف وإشعار بأن شأن الرسول أن يكون عبدا للمرسل لا كما زعمت النصارى فى حق عيسى عليه‌السلام وتأخير المفعول الصريح عن الجار والمجرور مع أن حقه التقديم عليه ليتصل به قوله تعالى (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) أى شيئا من العوج بنوع اختلال فى النظم وتناف فى المعنى أو انحرف عن الدعوة إلى الحق وهو فى المعانى كالعوج فى الأعيان وأما قوله تعالى (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) مع كون الجبال من الأعيان للدلالة على انتفاء مالا يدرك من العوج بحاسة البصر بل إنما يوقف عليه بالبصيرة بواسطة استعمال المقاييس الهندسية ولما كان ذلك مما لا يشعر به بالمشاعر الظاهرة عد من قبيل ما فى المعانى وقيل الفتح فى اعوجاج المنتصب كالعود والحائط والكسر فى اعوجاج غيره عينا كان أو معنى (قَيِّماً) بالمصالح الدينية والدنيوية للعباد على ما ينبىء عنه ما بعده من الإنذار والتبشير فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال أو على ما قبله من الكتب السماوية شاهدا بصحتها ومهيمنا عليها أو متناهيا فى الاستقامة فيكون تأكيدا لما دل عليه نفى العوج مع إفادة كون ذلك من صفاته الذاتية اللازمة له حسبما تنبىء عنه الصيغة لا أنه نفى عنه العوج مع كونه من شأنه وانتصابه على تقدير كون الجملة المتقدمة معطوفة على الصلة بمضمر ينبىء عنه نفى العوج تقديره جعله قيما وأما على تقدير كونها حالية فهو على الحالية من الكتاب إذ لا فصل حينئذ بين أبعاض المعطوف عليه بالمعطوف وقرىء قيما (لِيُنْذِرَ) متعلق بأنزل والفاعل ضمير الجلالة كما فى الفعلين المعطوفين عليه والإطلاق عن ذكر المفعول الأول للإيذان بأن ما سيق له الكلام هو

٢٠٢

(ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً) (٥)

____________________________________

المفعول الثانى وأن الأول ظاهر لا حاجة إلى ذكره أى أنزل الكتاب لينذر بما فيه الذين كفروا به (بَأْساً) * أى عذابا (شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) أى صادرا من عنده نازلا من قبله بمقابلة كفرهم وتكذيبهم وقرىء من لدنه* بسكون الدال مع إشمام الضمة وكسر النون لالتقاء الساكنين وكسر الهاء للإتباع (وَيُبَشِّرَ) بالتشديد وقرىء* بالتخفيف (الْمُؤْمِنِينَ) أى المصدقين به (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ) الأعمال الصالحة التى بينت فى تضاعيفه* وإيثار صيغة الاستقبال فى الصلة للإشعار بتجدد الأعمال الصالحة واستمرارها وإجراء الموصول على موصوفه المذكور لما أن مدار قبول الأعمال هو الإيمان (أَنَّ لَهُمْ) أى بأن لهم بمقابلة إيمانهم وأعمالهم* المذكورة (أَجْراً حَسَناً) هو الجنة وما فيها من المثوبات الحسنى (ماكِثِينَ) حال من الضمير المجرور فى لهم (فِيهِ) أى فى ذلك الأجر (أَبَداً) من غير انتهاء أى خالدين فيه وهو نصب على الظرفية لماكثين وتقديم* الإنذار على التبشير لإظهار كمال العناية بزجر الكفار عما هم عليه مع مراعاة تقديم التخلية على التحلية وتكرير الإنذار بقوله تعالى (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) متعلقا بفرقة خاصة ممن عمه الإنذار السابق من مستحقى البأس الشديد للإيذان بكمال فظاعة حالهم لغاية شناعة كفرهم وضلالهم أى وينذر من بين سائر الكفرة هؤلاء المتفوهين بمثل هاتيك العظيمة خاصة وهم كفار العرب الذين يقولون الملائكة بنات الله تعالى واليهود القائلون عزبر ابن الله والنصارى القائلون المسيح ابن الله وترك إجراء الموصول على الموصوف كما فعل فى قوله تعالى (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ) للإيذان بكفاية ما فى حين الصلة فى الكفر على أقبح الوجوه وإيثار صيغة الماضى فى الصلة للدلالة على تحقق صدور تلك الكلمة القبيحة عنهم فيما سبق وجعل المفعول المحذوف فيما سلف عبارة عن هذه الطائفة يؤدى إلى خروج سائر أصناف الكفرة عن الإنذار والوعيد وتعميم الإنذار هناك للمؤمنين أيضا بحمله على معنى مجرد الإخبار بالخبر الضار من غير اعتبار حلول المنذر به على المنذر كما فى قوله تعالى (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) يفضى إلى خلو النظم الكريم عن الدلالة على حلول البأس الشديد على من عدا هذه الفرقة ويجوز أن يكون الفاعل فى الأفعال الثلاثة ضمير الكتاب أو ضمير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ما لَهُمْ بِهِ) أى باتخاذه سبحانه وتعالى ولدا (مِنْ عِلْمٍ) مرفوع على الابتداء أو* الفاعلية لاعتماد الظرف ومن مزيدة لتأكيد النفى والجملة حالية أو مستأنفة لبيان حالهم فى مقالهم أى مالهم بذلك شىء من علم أصلا لا لإخلالهم بطريقه مع تحقق المعلوم أو إمكانه بل لاستحالته فى نفسه (وَلا لِآبائِهِمْ) الذين قلدوهم فتاهوا جميعا فى تيه الجهالة والضلالة أو ما لهم علم بما قالوه أهو صواب أم خطأ بل إنما قالوه رميا عن عمى وجهالة من غير فكر وروية كما فى قوله تعالى (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أو بحقيقة ما قالوه وبعظم رتبته فى الشناعة كما فى قوله تعالى (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ

٢٠٣

(فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (٧)

____________________________________

* يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) الآيات وهو الأنسب بقوله تعالى (كَبُرَتْ كَلِمَةً) أى عظمت مقالتهم هذه فى الكفر والافتراء لما فيها من نسبته سبحانه إلى مالا يكاد يليق بجناب كبريائه والفاعل فى كبرت إما ضمير المقالة المدلول عليها بقالوا وكلمة نصب على التمييز أو ضمير مبهم مفسر بما بعده من النكرة المنصوبة تمييزا كبئس رجلا والمخصوص بالذم محذوف تقديره كبرت هى كلمة خارجة من أفواههم وقرىء كبرت بإسكان الباء مع* إشمام الضم وقرىء كلمة بالرفع (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) صفة للكلمة مفيدة لاستعظام اجترائهم على التفوه* بها وإسناد الخروج إليها مع أن الخارج هو الهواء المتكيف بكيفية الصوت لملابسته بها (إِنْ يَقُولُونَ) * ما يقولون فى ذلك الشأن (إِلَّا كَذِباً) أى إلا قولا كذبا لا يكاد يدخل تحت إمكان الصدق أصلا والضميران لهم ولآبائهم مثل حاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى شدة الوجد على إعراض القوم وتوليهم عن الإيمان بالقرآن وكمال التحسر عليهم بحال من يتوقع منه إهلاك نفسه إثر فوت ما يحبه عند مفارقة أحبته تأسفا على مفارقتهم ٦ وتلهفا على مهاجرتهم فقيل على طريقة التمثيل حملا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الحذر والإشفاق من ذلك (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ) * أى مهلك (نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) غما ووجدا على فراقهم وقرىء بالإضافة (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ) أى القرآن الذى عبر عنه فى صدر السورة بالكتاب وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما سبق عليه وقرىء بأن المفتوحة أى لأن لم يؤمنوا فإعمال باخع بحمله على حكاية حال ماضية لاستحضار الصورة كما* فى قوله عزوجل (باسِطٌ ذِراعَيْهِ (أَسَفاً) مفعول له لباخع أى لفرط الحزن والغضب أو حال مما فيه من الضمير أى متأسفا عليهم ويجوز حمل النظم الكريم على الاستعارة التبعية بجعل التشبيه بين أجزاء الطرفين لا بين الهيئتين المنتزعتين منهما كما فى التمثيل وقد مر تحقيقه فى تفسير قوله تعالى (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ) استئناف وتعليل لما فى لعل من معنى الإشفاق أى إنا جعلنا ما عليها ممن عدا من وجه إليه التكليف من الزخارف حيوانا كان أو نباتا أو معدنا كقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (زِينَةً) مفعول ثان للجعل إن حمل على معنى التصيير أو حال إن حمل على معنى الإبداع واللام فى (لَها) إما متعلقة بزينة أو بمحذوف هو صفة لها أى كائنة لها أى ليتمتع بها الناظرون من المكلفين وينتفعوا بها نظرا واستدلالا فإن الحيات والعقارب من حيث تذكيرهما لعذاب الآخرة من قبيل المنافع بل كل حادث داخل تحت الزينة من حيث دلالته على وجود الصانع ووحدته فإن الأزواج والأولاد أيضا من زينة الحياة الدنيا بل أعظمها ولا يمنع ذلك كونهم من جملة المكلفين فإنهم من جهة انتسابهم إلى أصحابهم داخلون تحت الزينة ومن جهة كونهم مكلفين داخلون تحت الابتلاء (لِنَبْلُوَهُمْ) متعلق بجعلنا أى جعلنا ما جعلنا لنعاملهم معاملة من يختبرهم (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فنجازيهم بالثواب والعقاب حسبما تبين المحسن من المسىء وامتازت طبقات أفراد كل من الفريقين حسب امتياز مراتب علومهم المرتبة

٢٠٤

(وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) (٩)

____________________________________

على أنظارهم وتفاوت درجات أعمالهم المتفرعة على ذلك كما قررناه فى مطلع سورة هود وأى إما استفهامية مرفوعة بالابتداء وأحسن خبرها والجملة فى محل النصب معلقة لفعل البلوى لما فيه من معنى العلم باعتبار عاقبته كالسؤال والنظر ولذلك أجرى مجراه بطريق التمثيل أو الاستعارة التبعية وإما موضولة بمعنى الذى وأحسن خبر مبتدأ مضمر والجملة صلة لها وهى فى حين النصب بدل من مفعول لنبلوهم والتقدير لنبلو الذى هو أحسن عملا فحينئذ يحتمل أن تكون الضمة فى أيهم للبناء كما فى قوله عزوجل (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) على أحد الأقوال لتحقق شرط البناء الذى هو الإضافة لفظا وحذف صدر الصلة وأن تكون للإعراب لأن ما ذكر شرط لجواز البناء لا لوجوبه وحسن العمل الزهد فيها وعدم الاغترار بها والقناعة باليسير منها وصرفها على ما ينبغى والتأمل فى شأنها وجعلها ذريعة إلى معرفة خالقها والتمتع بها حسبما أذن له الشرع وأداء حقوقها والشكر لها لا اتخاذها وسيلة إلى الشهوات والأغراض الفاسدة كما يفعله الكفرة وأصحاب الأهواء وإيراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل للفريقين باعتبار أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبح أيضا لا إلى الحسن والأحسن فقط للإشعار بأن الغاية الأصلية للجعل المذكور إنما هو ظهور كمال إحسان المحسنين على ما حقق فى تفسير قوله تعالى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ) فيما سيأتى عند تناهى عمر الدنيا (ما عَلَيْها) من المخلوقات قاطبة بإفنائها بالكلية وإنما أظهر فى مقام الإضمار لزيادة* التقرير أو لإدراج المكلفين فيه (صَعِيداً) مفعول ثان للجعل والصعيد التراب أو وجه الأرض قال* أبو عبيدة هو المستوى من الأرض وقال الزجاج هو الطريق الذى لا نبات فيه (جُرُزاً) ترابا لا نبات* فيه بعد ما كان يتعجب من بهجته النظار وتتشرف بمشاهدته الأبصار يقال أرض جرز لا نبات فيها وسنة جرز لا مطر فيها قال الفراء جرزت الأرض فهى مجروزة أى ذهب نباتها بقحط أو جراد ويقال جرزها الجراد والشاة والإبل إذا أكلت ما عليها وهذه الجملة لتكميل ما فى السابقة من التعليل والمعنى لا تحزن بما عاينت من القوم من تكذيب ما أنزلنا عليك من الكتاب فإنا قد جعلنا ما على الأرض من فنون الأشياء زينة لها لنختبر أعمالهم فنجازيهم بحسبها وإنا لمفنون جميع ذلك عن قريب ومجازون لهم بحسب أعمالهم (أَمْ حَسِبْتَ) الخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد إنكار حسبان أمته وأم منقطعة مقدرة ببل التى هى للانتقال من حديث إلى حديث لا للإبطال وبهمزة الاستفهام عند الجمهور وببل وحدها عند غيرهم أى بل أحسبت (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا) فى بقائهم على الحياة مدة طويلة من الدهر (مِنْ آياتِنا) من بين آياتنا* التى من جملتها ما ذكرناه من جعل ما على الأرض زينة لها للحكمة المشار إليها ثم جعل ذلك كله صعيدا جرزا كأن لم تغن بالأمس (عَجَباً) أى آية ذات عجب وضعا له موضع المضاف أو وصفا لذلك بالمصدر مبالغة* وهو خبر لكانوا ومن آياتنا حال منه والمعنى أن قصتهم وإن كانت خارقة للعادات ليست بعجيبة بالنسبة

٢٠٥

(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) (١١)

____________________________________

إلى سائر الآيات التى من جملتها ما ذكر من تعاجيب خلق الله تعالى بل هى عندها كالنزر الحقير والكهف الغار الواسع فى الجبل والرقيم كلبهم قال أمية بن أبى الصلت[وليس بها إلا الرقيم مجاورا * وصيدهم والقوم فى الكهف همد] وقيل هو لوح رصاصى أو حجرى رقمت فيه أسماؤهم وجعل على باب الكهف وقيل هو الوادى الذى فيه الكهف فهو من رقمة الوادى أى جانبه وقيل الجبل وقيل قريتهم وقيل مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين وقيل أصحاب الرقيم آخرون وكانوا ثلاثة انطبق عليهم الغار فنجوا بذكر كل منهم أحسن عمله على ما فصل فى الصحيحين (إِذْ أَوَى) ظرف لعجبا لا لحسبت أو مفعول لا ذكر أى حين* التجأ (الْفِتْيَةُ) أى أصحاب الكهف أوثر الإظهار على الإضمار لتحقيق ما كانوا عليه فى أنفسهم من حال الفتوة فإنهم كانوا فتية من أشراف الروم أرادهم دقيانوس على الشرك فهربوا منه بدينهم ولأن صاحبية* الكهف من فروع التجائهم إلى الكهف فلا يناسب اعتبارها معهم قبل بيانه (إِلَى الْكَهْفِ) بجبلهم* للجلوس واتخذوه مأوى (فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ) من خزائن رحمتك الخاصة المكنونة عن عيون أهل العادات فمن ابتدائية متعلقة بآتنا أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله الثانى قدمت عليه لكونه نكرة* ولو تأخرت لكانت صفة له أى آتنا كائنة من لدنك (رَحْمَةً) خاصة تستوجب المغفرة والرزق والأمن من الأعداء (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا) الذى نحن عليه من مهاجرة الكفار والمثابرة على طاعتك وأصل التهيئة إحداث هيئة الشىء أى أصلح ورتب وأتمم لنا من أمرنا (رَشَداً) إصابة للطريق الموصل إلى المطلوب واهتداء إليه وكلا الجارين متعلق بهيىء لاختلافهما فى المعنى وتقديم المجرورين على المفعول الصريح لإظهار الاعتناء بهما وإبراز الرغبة فى المؤخر بتقديم أحواله فإن تأخير ما حقه التقديم عما هو من أحواله المرغبة فيه كما يورث شوق السامع إلى وروده ينبىء عن كمال رغبة المتكلم فيه واعتنائه بحصوله لا محالة وكذا الكلام فى تقديم قوله تعالى (مِنْ لَدُنْكَ) على تقدير تعلقه بآتنا وتقديم لنا على من أمرنا للإيذان من أول الأمر بكون المسئول مرغوبا فيه لديهم أو اجعل أمرنا رشدا كله على أن من تجريدية مثلها فى قولك رأيت منك أسدا (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) اى أنمناهم على طريقة التمثيل المبنى على تشبيه الإنامة الثقيلة المانعة عن وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها وتخصيص الآذان بالذكر مع اشتراك سائر المشاعر لها فى الحجب عن الشعور عند النوم لما أنها المحتاج إلى الحجب عادة إذ هى الطريقة للتيقظ غالبا لا سيما عند انفراد النائم واعتزاله عن الخلق وقيل الضرب على الآذان كناية عن الإنامة الثقيلة وحمله على تعطيلها كما فى قولهم ضرب الأمير على يد الرعية أى منعهم من التصرف مع عدم ملاءمته لما سيأتى من البعث لا يدل على النوم مع أنه المراد قطعا والفاء فى فضربنا كما فى قوله عزوجل (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) بعد قوله تعالى (إِذْ نادى) فإن الضرب المذكور وما ترتب عليه من التقليب ذات اليمين وذات الشمال والبعث وغير ذلك

٢٠٦

(ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) (١٢)

____________________________________

إيتاء رحمة لدنية خافية عن أبصار المتمسكين بالأسباب العادية استجابة لدعوتهم (فِي الْكَهْفِ) ظرف* مكان لضربنا (سِنِينَ) ظرف زمان له باعتبار بقائه لا ابتدائه (عَدَداً) أى ذوات عدد أو تعد عددا على* أنه مصدر أو معدودة على أنه بمعنى المفعول ووصف السنين بذلك إما للتكثير وهو الأنسب بإظهار كمال القدرة أو للتقليل وهو الأليق بمقام إنكار كون القصة عجبا من بين سائر الآيات العجيبة فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده عزوجل(ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أى أيقظناهم من تلك النومة الثقيلة الشبيهة بالموت (لِنَعْلَمَ) بنون العظمة وقرىء بالياء مبنيا للفاعل بطريق الالتفات وأيا ما كان فهو غاية للبعث لكن لا بجعل العلم مجازا من الإظهار والتمييز أو بحمله على ما يصح وقوعه غاية للبعث الحادث من العلم الحالى الذى يتعلق به الجزاء كما فى قوله تعالى (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) وقوله تعالى (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ونظائرهما التى يتحقق فيها العلم بتحقق متعلقه قطعا فإن تحويل القبلة قد ترتب عليه تحزب الناس إلى متبع ومنقلب وكذا مداولة الأيام بين الناس ترتب عليه تحزبهم إلى الثابت على الإيمان والمتزلزل فيه وتعلق بكل من الفريقين العلم الحالى والإظهار والتمييز وأما بعث هؤلاء فلم يترتب عليه تفرقهم إلى المحصى وغيره حتى يتعلق بهما العلم أو الإظهار والتمييز ويتسنى نظم شىء من ذلك فى سلك الغاية وإنما الذى ترتب عليه تفرقهم إلى مقدر تقديرا غير مصيب ومفوض إلى العلم الربانى وليس شىء منهما من الإحصاء فى شىء بل يحمل النظم الكريم على التمثيل المبنى على جعل العلم عبارة عن الاختبار مجازا بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب وليس من ضرورة الاختبار صدور الفعل المختبر به عن المختبر قطعا بل قد يكون لإظهار عجزه عنه على سنن التكاليف التعجيزية كقوله تعالى (فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) وهو المراد ههنا فالمعنى بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبرهم (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) أى الفريقين المختلفين فى مدة لبثهم بالتقدير والتفويض كما* سيأتى (أَحْصى) أى أضبط (لِما لَبِثُوا) أى للبثهم (أَمَداً) أى غاية فيظهر لهم عجزهم ويفوضوا ذلك إلى* العليم الخبير ويتعرفوا حالهم وما صنع الله تعالى بهم من حفظ أبدانهم وأديانهم فيزدادوا يقينا بكمال قدرته وعلمه ويستبصروا به أمر البعث ويكون ذلك لطفا لمؤمنى زمانهم وآية بينة لكفارهم وقد اقتصر ههنا من تلك الغايات الجليلة على ذكر مبدئها الصادر عنه عزوجل وفيما سيأتى على ما صدر عنهم من التساؤل المؤدى إليها وهذا أولى من تصوير التمثيل بأن يقال بعثناهم بعث من يريد أن يعلم الخ حسبما وقع فى تفسير قوله تعالى (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) على أحد الوجوه حيث حمل على معنى فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت على الإيمان من غير الثابت إذ ربما يتوهم منه استلزام الإرادة لتحقق المراد فيعود المحذور فيصار إلى جعل إرادة العلم عبارة عن الاختبار فاختبر واختر. هذا وقد قرىء ليعلم مبنيا للمفعول ومبنيا للفاعل من الإعلام على أن المفعول الأول محذوف والجملة المصدرة بأى فى موقع المفعول الثانى فقط إن جعل العلم عرفانيا او فى موقع المفعولين إن جعل يقينيا أى ليعلم الله الناس أى الحزبين أحصى الخ وروى عطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما أن أحد الحزبين الفتية والآخر الملوك الذين تداولوا المدينة ملكا

٢٠٧

بعد ملك وقيل كلاهما من غيرهم والأول هو الأظهر فإن اللام للعهد ولا عهد لغيرهم والأمد بمعنى المدى كالغاية فى قولهم ابتداء الغاية وانتهاء الغاية وهو مفعول لأحصى والجار والمجرور حال منه قدمت عليه لكونه نكرة وليس معنى إحصاء تلك المدة ضبطها من حيث كميتها المتصلة الذاتية فإنه لا يسمى إحصاء بل ضبطها من حيث كميتها المفصلة العارضة لها باعتبار قسمتها إلى السنين وبلوغها من تلك الحيثية إلى مراتب الأعداد على ما يرشدك إليه كون تلك المدة عبارة عما سبق من السنين ويجوز أن يراد بالأمد معناه الوضعى بتقدير المضاف أى لزمان لبثهم وبدونه أيضا فإن اللبث عبارة عن الكون المستمر المنطبق على الزمان المذكور فباعتبار الامتداد العارض له بسببه يكون له أمد لا محالة لكن ليس المراد به ما يقع غاية ومنتهى لذلك الكون المستمر باعتبار كميته المتصلة العارضة له بسبب انطباقه على الزمان الممتد بالذات وهو آن انبعائهم من نومهم فإن معرفته من تلك الحيثية لا تخفى على أحد ولا تسمى إحصاء كما مر بل باعتبار كميته المفصلة معارضة له بسبب عروضها لزمانه المنطبق هو عليه باعتبار انقسامه إلى السنين ووصوله إلى مرتبة معينة من مراتب العدد كما حقق فى الصورة الأولى والفرق بين الاعتبارين أن ما تعلق به الإحصاء فى الصورة السابقة نفس المدة المنقسمة إلى السنين فهو مجموع ثلثمائة وتسع سنين وفى الصورة الأخيرة منتهى تلك المدة المنقسمة إليها أعنى السنة التاسعة بعد الثلثمائة وتعلق الإحصاء بالأمد بالمعنى الأول ظاهر وأما تعلقه به بالمعنى الثانى فباعتبار انتظامه لما تحته من مراتب العدد واشتماله عليها هذا على تقدير كون ما فى قوله تعالى (لِما لَبِثُوا) مصدرية ويجوز أن تكون موصولة حذف عائدها من الصلة أى للذى لبثوا فيه من الزمان الذى عبر عنه فيما قبل بسنين عددا فالأمد بمعناه الوضعى على ما تحققته وقيل اللام مزيدة والموصول مفعول وأمدا نصب على التمييز وأما ما قيل من أن أحصى اسم تفضيل لأنه الموافق لما وقع فى سائر الآيات الكريمة نحو أيهم أحسن عملا أيهم أقرب لكم نفعا إلى غير ذلك مما لا يحصى ولأن كونه فعلا ماضيا يشعر بأن غاية البعث هو العلم بالإحصاء المتقدم على البعث لا بالإحصاء المتأخر عنه وليس كذلك وادعاء أن مجىء أفعل التفضيل من المزيدة عليه غير قياسى مدفوع بأنه عند سيبويه قياس مطلقا وعند ابن عصفور فيما ليست همزته للنقل ولا ريب فى أن ما نحن فيه من ذلك القبيل وامتناع عمله إنما هو فى غير التمييز من المعمولات وأما أن التمييز يجب كونه فاعلا فى المعنى فلمانع أن يمنعه بصحة أن يقال أيهم أحفظ لهذا الشعر وزنا أو تقطيعا أو يقال أن العامل فى أمدا فعل محذوف يدل عليه المذكور أى يحصى لما لبثوا أمدا كما فى قوله [وأضرب منا بالسيوف القوانسا] وحديث الوقوع فى المحذور بلا فائدة مدفوع بما أشير إليه من فائدة الموافقة للنظائر فمع ما فيه من الاعتساف والخلل بمعزل من السداد لأن مؤداه أن يكون المقصود بالإخبار إظهار أفضل الحزبين وتمييزه عن الأدنى مع تحقق أصل الإحصاء فيهما ومن البين أن لا تحقق له أصلا وأن المقصود بالاختبار إظهار عجز الكل عنه رأسا فهو فعل ماض قطعا وتوهم إيذانه بأن غاية البعث هو العلم بالإحصاء المتقدم عليه مردود بأن صيغة الماضى باعتبار حال الحكاية والله تعالى أعلم.

٢٠٨

(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) (١٣)

____________________________________

(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) شروع فى تفصيل ما أجمل فيما سلف من قوله تعالى (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ) الخ أى نحن نخبرك بتفاصيل أخبارهم وقد مر بيان اشتقاقه فى مطلع سورة يوسف عليه‌السلام (نَبَأَهُمْ) النبأ الخبر الذى له* شأن وخطر (بِالْحَقِّ) إما صفة لمصدر محذوف أو حال من ضمير نقص أو من نبأهم أو صفة له على رأى* من يرى حذف الموصول مع بعض صلته أى نقص قصصا ملتبسا بالحق أو نقصه ملتبسين به أو نقص نبأهم ملتبسا به أو نبأهم الملتبس به ونبأهم حسبما ذكره محمد بن إسحق بن يسار أنه قد مرج أهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا وطغت ملوكهم فعبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت وكان ممن بالغ فى ذلك وعتا عتوا كبيرا دقيانوس فإنه غلا فيه غلوا شديدا فجاس خلال الديار والبلاد بالعيث والفساد وقتل من خالفه من المتمسكين بدين المسيح عليه‌السلام وكان يتبع الناس فيخيرهم بين القتل وعبادة الأوثان فمن رغب فى الحياة الدنيا الدنية يصنع ما يصنع ومن آثر عليها الحياة الأبدية قتله وقطع آرابه وعلقها فى سور المدينة وأبوابها فلما رأى الفتية ذلك وكانوا عظماء أهل مدينتهم وقيل كانوا من خواص الملك قاموا فتضرعوا إلى الله عزوجل واشتغلوا بالصلاة والدعاء فبينما هم كذلك إذ دخل عليهم أعوان الجبار فأحضروهم بين يديه فقال لهم ما قال وخيرهم بين القتل وبين عبادة الأوثان فقالوا إن لنا إلها ملأ السموات والأرض عظمته وجبروته لن ندعو من دونه أحدا ولن نقر لما تدعونا إليه أبدا فاقض ما أنت قاض فأمر بنزع ما عليهم من الثياب الفاخرة وأخرجهم من عنده وخرج هو إلى مدينة نينوى لبعض شأنه وأمهلهم إلى رجوعه ليتأملوا فى أمرهم فإن تبعوه وإلا فعل بهم ما فعل بسائر المسلمين فأزمعت الفتية على الفرار بالدين والالتجاء إلى الكهف الحصين فأخذ كل منهم من بيت أبيه شيئا فتصدقوا ببعضه وتزودوا بالباقى فأووا إلى الكهف فجعلوا يصلون فيه آناء الليل وأطراف النهار ويبتهلون إلى الله سبحانه بالأنين والجؤار وفوضوا أمر نفقتهم إلى يمليخا فكان إذا أصبح يضع عنه ثيابه الحسان ويلبس لباس المساكين ويدخل المدينة ويشترى ما يهمهم ويتحسس ما فيها من الأخبار ويعود إلى أصحابه فلبثوا على ذلك إلى أن قدم الجبار المدينة فطلبهم وأحضر آباءهم فاعتذروا بأنهم عصوهم ونهبوا أموالهم وبذروها فى الأسواق وفروا إلى الجبل فلما راى يمليخا ما رأى من الشر رجع إلى أصحابه وهو يبكى ومعه قليل من الزاد فأخبرهم بما شهده من الهول ففزعوا إلى الله عزوجل وخروا له سجدا ثم رفعوا رءوسهم وجلسوا يتحدثون فى أمرهم فبينما هم كذلك إذ ضرب الله تعالى على آذانهم فناموا ونفقتهم عند رءوسهم فخرج دقيانوس فى طلبهم بخيله ورجله فوجدوهم قد دخلوا الكهف فأمر بإخراجهم فلم يطق أحد أن يدخله فلما ضاق بهم ذرعا قال قائل منهم أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتوا جوعا وعطشا وليكن كهفهم قبرا لهم ففعل ثم كان من شأنهم ما قص الله عزوجل عنهم (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) استئناف تحقيقى* مبنى على تقدير السؤال من قبل المخاطب والفتية جمع قلة للفتى كالصبية للصبى (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) أوثر*

٢٠٩

(وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) (١٥)

____________________________________

الالتفات للإشعار بعلية وصف الربوبية لإيمانهم ولمراعاة ما صدر عنهم من المقالة حسبما سيحكى عنهم* (وَزِدْناهُمْ هُدىً) بأن ثبتناهم على ما كانوا عليه من الدين وأظهرنا لهم مكنونات محاسنه وفيه التفات من الغيبة إلى ما عليه سبك النظم سباقا وسياقا من التكلم (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) أى قويناها حتى اقتحموا مضايق الصبر على هجر الأهل والأوطان والنعيم والإخوان واجترؤا على الصدع بالحق من غير خوف* وحذار والرد على دقيانوس الجبار (إِذْ قامُوا) منصوب بربطنا والمراد بقيامهم انتصابهم لإظهار شعار الدين قال مجاهد خرجوا من المدينة فاجتمعوا على غير ميعاد فقال أكبرهم إنى لأجد فى نفسى شيئا إن ربى رب* السموات والأرض فقالوا نحن أيضا كذلك فقاموا جميعا (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ضمنوا دعواهم ما يحقق فحواها ويقضى بمقتضاها فإن ربوبيته عزوجل لهما تقتضى ربوبيته لما فيهما أى اقتضاء وقيل المراد قيامهم بين يدى الجبار من غير مبالاة به حين عاتهم على ترك عبادة الأصنام فحينئذ يكون ما سيأتى من قوله* تعالى (هؤُلاءِ) الخ منقطعا عما قبله صادرا عنهم بعد خروجهم من عنده (لَنْ نَدْعُوَا) لن نعبد أبدا (مِنْ دُونِهِ إِلهاً) معبودا آخر لا استقلالا ولا اشتراكا والعدول عن أن يقال ربا للتنصيص على رد المخالفين حيث كانوا يسمون أصنامهم آلهة وللإشعار بأن مدار العبادة وصف الألوهية وللإيذان بأن ربوبيته تعالى بطريق* الألوهية لا بطريق المالكية المجازية (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) أى قولا ذا شطط أى تجاوز عن الحد أو قولا هو عين الشطط على أنه وصف بالمصدر مبالغة ثم اقتصر على الوصف مبالغة على مبالغة وحيث كانت العبادة مستلزمة للقول لما أنها لا تعرى عن الاعتراف بألوهية المعبود والتضرع إليه قيل لقد قلنا وإذا جواب وجزاء أى لودعونا من دونه إلها والله لقد قلنا قولا خارجا عن حد العقول مفرطا فى الظلم (هؤُلاءِ) هو مبتدأ وفى اسم الإشارة تحقير لهم (قَوْمُنَا) عطف بيان له (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) * خبره وفيه معنى الإنكار (لَوْ لا يَأْتُونَ) تحضيض فيه معنى الإنكار والتعجيز أى هلا يأتون (عَلَيْهِمْ) على* ألوهيتهم أو على صحة اتخاذهم لها آلهة (بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) بحجة ظاهرة الدلالة على مدعاهم وهو تبكيت لهم* وإلقام حجر (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة الشريك إليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا والمعنى أنه أظلم من كل ظالم وإن كان سبك النظم على إنكار الأظلمية من غير تعرض لإنكار المساواة كما مر تحقيقه فى سورة هود.

٢١٠

(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٦) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (١٧)

____________________________________

(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) أى فارقتموهم فى الاعتقاد أو أردتم الاعتزال الجسمانى (وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) عطف على الضمير المنصوب وما موصولة أو مصدرية أى إذ اعتزلتموهم ومعبوديهم إلا الله أو وعبادتهم إلا عبادة الله وعلى التقديرين فالاستثناء متصل على تقدير كونهم مشركين كأهل مكة ومنقطع على تقدير تمحضهم فى عبادة الأوثان ويجوز كون ما نافية على أنه إخبار من الله تعالى عن الفتية بالتوحيد معترض بين إذ وجوابه (فَأْوُوا) أى التجئوا (إِلَى الْكَهْفِ) قال الفراء هو جواب إذ كما تقول إذ فعلت فافعل* كذا وقيل هو دليل على جوابه أى إذ اعتزلتموهم اعتزالا اعتقاديا فاعتزلوهم اعتزالا جسمانيا أو إذا أردتم اعتزالهم فافعلوا ذلك بالالتجاء إلى الكهف (يَنْشُرْ لَكُمْ) يبسط لكم ويوسع عليكم (رَبُّكُمْ) مالك أمركم* (مِنْ رَحْمَتِهِ) فى الدارين (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ) يسهل لكم (مِنْ أَمْرِكُمْ) الذى أنتم بصدده من الفرار بالدين (مِرْفَقاً) * ما ترتفقون وتنتفعون به وقرىء بفتح الميم وكسر الفاء مصدرا كالمرجع وتقديم لكم فى الموضعين لما مر مرارا من الإيذان من أول الأمر بكون المؤخر من منافعهم والتشويق إلى وروده (وَتَرَى الشَّمْسَ) بيان لحالهم بعد ما أووا إلى الكهف ولم يصرح به إيذانا بعدم الحاجة إليه لظهور جريانهم على موجب الأمر به لكونه صادرا عن رأى صائب وتعويلا على ما سلف من قوله سبحانه (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) وما لحق من إضافة الكهف إليهم وكونهم فى فجوة منه والخطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب وليس المراد به الإخبار بوقوع الرؤية تحقيقا بل الإنباء بكون الكهف بحيث لو رأيته ترى الشمس (إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ) أى تتزاور وتتنحى بحذف إحدى التاءين وقرىء بإدغام التاء فى الزاى وتزور كتخمر* وتزوار كتحمار وتزوئر وكلها من الزور وهو الميل (عَنْ كَهْفِهِمْ) الذى أووا إليه فالإضافة لأدنى ملابسة (ذاتَ الْيَمِينِ) أى جهة ذات يمين الكهف عند توجه الداخل إلى قعره أى جانبه الذى يلى المغرب فلا يقع عليهم شعاعها فيؤذيهم (وَإِذا غَرَبَتْ) أى تراها عند غروبها (تَقْرِضُهُمْ) أى تقطعهم من القطيعة والصرم ولا تقربهم* (ذاتَ الشِّمالِ) أى جهة ذات شمال الكهف أى جانبه الذى يلى المشرق وكان ذلك بتصريف الله سبحانه* على منهاج خرق العادة كرامة لهم وقوله تعالى (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) جملة حالية مبينة لكون ذلك أمرا بديعا* أى تراها تميل عنهم يمينا وشمالا ولا تحوم حولهم مع أنهم فى متسع من الكهف معرض لإصابتها لو لا أن صرفتها عنهم يد التقدير (ذلِكَ) أى ما صنع الله بهم من تزاور الشمس وقرضها حالتى الطلوع والغروب*

٢١١

(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) (١٨)

____________________________________

* مع كونهم فى موقع شعاعها (مِنْ آياتِ اللهِ) العجيبة الدالة على كمال علمه وقدرته وحقية التوحيد وكرامة أهله عنده سبحانه وتعالى وهذا قبل أن سد دقيانوس باب الكهف وقيل كان باب الكهف شماليا مستقبل بنات نعش وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته رأس مشرق السرطان ومغربه والشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأيمن وهو الذى يلى المغرب وتغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جنبيه وتحلل عفونته وتعدل هواءه ولا يقع عليهم فيؤذى أجسادهم ويبلى ثيابهم ولعل ميل الباب إلى جانب الغرب كان أكثر ولذلك أوقع التزاور على كهفهم والقرض على أنفسهم فذلك حينئذ إشارة إلى إيوائهم إلى كهف هذا شأنه وأما جعله إشارة إلى حفظ الله سبحانه إياهم فى ذلك الكهف تلك المدة الطويلة* أو إلى إطلاعه سبحانه لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أخبارهم فلا يساعده إيراده فى تضاعيف القصة (مَنْ يَهْدِ اللهُ) * إلى الحق بالتوفيق له (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) الذى أصاب الفلاح والمراد إما الثناء عليهم والشهادة لهم بإصابة المطلوب والإخيار بتحقيق ما أملوه من نشر الرحمة وتهيئة المرافق أو التنبيه على أن أمثال هذه الآية كثيرة ولكن* المتفع بها من وفقه الله تعالى للاستبصار بها (وَمَنْ يُضْلِلْ) أى يخلق فيه الضلال لصرف اختياره إليه (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ) أبدا وإن بالغت فى التتبع والاستقصاء (وَلِيًّا) ناصرا (مُرْشِداً) يهديه إلى ما ذكر من الفلاح لاستحالة وجوده فى نفسه لا أنك لا تجده مع وجوده أو إمكانه (وَتَحْسَبُهُمْ) بفتح السين وقرىء بكسرها* أيضا والخطاب فيه كما سبق (أَيْقاظاً) جمع يقظ بكسر القاف وفتحها وهو اليقظان ومدار الحسبان انفتاح* عيونهم على هيئة الناظر وقيل كثرة تقلبهم ولا يلائمه قوله تعالى (وَنُقَلِّبُهُمْ (وَهُمْ رُقُودٌ) أى نيام وهو تقرير* لما لم يذكر فيما سلف اعتمادا على ذكره السابق من الضرب على آذانهم (وَنُقَلِّبُهُمْ) فى رقدتهم (ذاتَ الْيَمِينِ) نصب على الظرفية أى جهة تلى أيمانهم (وَذاتَ الشِّمالِ) أى جهة تلى شمائلهم كيلا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم. قال ابن عباس رضى الله عنهما لو لم يقلبوا لأكلتهم الأرض قيل لهم تقليبتان فى السنة وقيل تقليبة واحدة يوم عاشوراء وقيل فى كل تسع سنين وقرىء يقلبهم على الإسناد إلى ضمير الجلالة* وتقلبهم على المصدر منصوبا بمضمر ينبىء عنه وتحسبهم أى وترى تقلبهم (وَكَلْبُهُمْ) قيل هو كلب مروا به فتبعهم فطروده مرار فلم يرجع فأنطقه الله تعالى فقال لا تخشوا جانبى فإنى أحب أحباء الله تعالى فناموا حتى أحرسكم وقيل هو كلب راع قد تبعهم على دينهم ويؤيده قراءة كالبهم إذ الظاهر لحوقه بهم وقيل هو كلب صيد أحدهم أو زرعه أو غنمه واختلف فى لونه فقيل كان أنمر وقيل أصفر وقيل أصهب وقيل غير ذلك وقيل كان اسمه قطمير وقيل ريان وقبل تتوه وقيل قطمور وقيل ثور قال خالد بن معدان ليس فى الجنة* من الدواب إلا كلب أصحاب الكهف وحمار بلعم وقيل لم يكن ذلك من جنس الكلاب بل كان أسدا (باسِطٌ ذِراعَيْهِ) حكاية حال ماضية ولذلك أعمل اسم الفاعل وعند الكسائى وهشام وأبى جعفر من البصريين يجوز

٢١٢

(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) (١٩)

____________________________________

إعماله مطلقا والذراع من المرفق إلى رأس الأصبع الوسطى (بِالْوَصِيدِ) أى بموضع الباب من الكهف* (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) أى لو عاينتهم وشاهدتهم وأصل الاطلاع الإشراف على الشىء بالمعاينة والمشاهدة* وقرىء بضم الواو (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً) هربا مما شاهدت منهم وهو إما نصب على المصدرية من معنى ما قبله* إذ التولية والفرار من واد واحد وإما على الحالية بجعل المصدر بمعنى الفاعل أى فارا أو بجعل الفاعل مصدرا مبالغة كما فى قولها فإنما هى إقبال وإدبار وإما على أنه مفعول له (وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) وقرىء بضم العين أى* خوفا يملأ الصدر ويرعبه وهو إما مفعول ثان أو تمييز ذلك لما ألبسهم الله عزوجل من الهيبة والهيئة كانت أعينهم مفتحة كالمستيقظ الذى يريد أن يتكلم وقيل لطول أظفارهم وشعورهم ولا يساعده قولهم لبثنا يوما أو بعض يوم وقوله (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) فإن الظاهر من ذلك عدم اختلاف أحوالهم فى أنفسهم وقيل لعظم أجرامهم ولعل تأخير هذا عن ذكر التولية للإيذان باستقلال كل منهما فى الترتب على الإطلاع إذ لوروعى ترتيب الوجود لتبادر إلى الفهم ترتب المجموع من حيث هو هو عليه وللإشعار بعدم زوال الرعب بالفرار كما هو المعتاد وعن معاوية لما غزا الروم فمر بالكهف قال لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عباس رضى الله عنهما ليس لك ذلك قد منع الله تعالى من هو خير منك حيث قال (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) الآية قال معاوية لا أنتهى حتى أعلم علمهم فبعث ناسا وقال لهم اذهبوا فانظروا ففعلوا فلما دخلوا الكهف بعث الله تعالى ريحا فأحرقتهم وقرىء بتشديد اللام على التكثير وبإبدال الهمزة ياء مع التخفيف والتشديد (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) أى كما أنمناهم وحفظنا أجسادهم من البلى والتحلل آية دالة على كمال قدرتنا بعثناهم من النوم (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) أى ليسأل بعضهم بعضا فيترتب عليه ما فصل من الحكم* البالغة وجعله غاية للبعث المعلل فيما سبق بالاختبار من حيث إنه من أحكامه المترتبة عليه والاقتصار على ذكره لاستتباعه لسائر آثاره (قالَ) استئناف لبيان تساؤلهم (قائِلٌ مِنْهُمْ) هو رئيسهم واسمه مكسلمينا (كَمْ لَبِثْتُمْ) فى منامكم لعله قاله لما رأى من مخالفة حالهم لما هو المعتاد فى الجملة (قالُوا) أى بعضهم (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) قبل إنما قالوه لما أنهم دخلوا الكهف غدوة وكان انتباههم آخر النهار فقالوا لبثنا يوما فلما رأوا أن الشمس لم تغرب بعد قالوا أو بعض يوم وكان ذلك بناء على الظن الغالب فلم يعزوا إلى الكذب (قالُوا) * أى بعض آخر منهم بما سنح لهم من الأدلة أو بإلهام من الله سبحانه (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) أى أنتم لا تعلمون* مدة لبثكم وإنما يعلمها الله سبحانه وهذا رد منهم على الأولين بأجمل ما يكون من مراعاة حسن الأدب وبه يتحقق التحزب إلى الحزبين المعهودين فيما سبق وقد قبل القائلون جميعهم ولكن فى حالتين ولا يساعده النظم الكريم فإن الاستئناف فى الحكاية والخطاب فى المحكى يقضى بأن الكلام جار على منهاج المحاورة

٢١٣

(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠) وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) (٢١)

____________________________________

* والمجاوبة وإلا لقيل ثم قالوا ربنا أعلم بما لبثنا (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) قالوه إعراضا عن التعمق فى البحث وإقبالا على ما يهمهم بحسب الحال كما ينبىء عنه الفاء والورق الفضة مضروبة أو غير مضروبة ووصفها باسم الإشارة يشعر بأن القائل ناولها بعض أصحابه ليشترى بها قوت يومهم ذلك وقرىء بسكون الراء وإدغام القاف فى الكاف وبكسر الواو وبسكون الراء مع الإدغام وحملهم لها دليل على أن* التزود لا ينافى التوكل على الله تعالى (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها) أى أهلها (أَزْكى) أحل وأطيب أو أكثر وأرخص* (طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) أى من ذلك الأزكى طعاما (وَلْيَتَلَطَّفْ) وليتكلف اللطف فى المعاملة كيلا يغبن أو* فى الاستخفاء لئلا يعرف (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) من أهل المدينة فإنه يستدعى شيوع أخباركم أى لا يفعلن ما يؤدى إلى ذلك فالنهى على الأول تأسيس وعلى الثانى تأكيد للأمر بالتلطف (إِنَّهُمْ) تعليل لما سبق من الأمر والنهى أى ليبالغ فى التلطف وعدم الإشعار لأنهم (إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) أى يطلعوا عليكم أو يظفروا* بكم والضمير للأهل المقدر فى أيها (يَرْجُمُوكُمْ) إن ثبتم على ما أنتم عليه (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) أى يصيروكم إليها ويدخلوكم فيها كرها من العود بمعنى الصيرورة كقوله تعالى (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) وقيل كانوا أولا على دينهم وإيثار كلمة فى على كلمة إلى للدلالة على الاستقرار الذى هو أشد شىء عندهم كراهة وتقديم احتمال الرجم على احتمال الإعادة لأن الظاهر من حالهم هو الثبات على الدين المؤدى إليه وضمير الخطاب فى المواضع الأربعة للمبالغة فى حمل المبعوث على الاستخفاء وحث الباقين على الاهتمام بالتوصية فإن امحاض النصح أدخل فى* القبول واهتمام الإنسان بشأن نفسه أكثر وأوفر (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً) أى إن دخلتم فيها ولو بالكره والإلجاء لن تفوزوا بخير (أَبَداً) لا فى الدنيا ولا فى الآخرة وفيه من التشديد فى التحذير مالا يخفى (وَكَذلِكَ) أى* وكما أنمناهم وبعثناهم لما مر من ازديادهم فى مراتب اليقين (أَعْثَرْنا) أى أطلعنا الناس (عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا) * أى الذين أعثرناهم عليهم بما عاينوا من أحوالهم العجيبة (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) أى وعده بالبعث أو موعوده الذى هو البعث أو أن كل وعده أو كل موعوده فيدخل فيه وعده بالبعث أو البعث الموعود دخولا* أوليا (حَقٌّ) صادق لا خلف فيه أو ثابت لا مرد له لأن نومهم وانتباههم كحال من يموت ثم يبعث (وَأَنَّ السَّاعَةَ) أى القيامة التى هى عبارة عن وقت بعث الخلائق جميعا للحساب والجزاء (لا رَيْبَ فِيها) لا شك فى قيامها فإن من شاهد أنه جل وعلا توفى نفوسهم وأمسكها ثلثمائة سنة وأكثر حافظا أبدانها من التحلل والتفتت ثم أرسلها إليها لا يبقى له شائبة شك فى أن وعده تعالى حق وأنه يبعث من فى القبور فيرد إليهم

٢١٤

(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) (٢٢)

____________________________________

أرواحهم فيحاسبهم ويجزيهم بحسب أعمالهم (إِذْ يَتَنازَعُونَ) ظرف لقوله (أَعْثَرْنا) قدم عليه الغاية إظهارا* لكمال العناية بذكرها لا لقوله (لِيَعْلَمُوا) كما قيل لدلالته على أن التنازع يحدث بعد الإعثار وليس كذلك أى أعثرناهم عليهم حين يتنازعون (بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) ليرتفع الخلاف ويتبين الحق قيل المتنازع فيه أمر دينهم* حيث كانوا مختلفين فى البعث فمن مقر له وجاحد به وقائل يقول ببعث الأرواح دون الأجساد وآخر يقول ببعثهما معا قيل كان ملك المدينة حينئذ رجلا صالحا مؤمنا وقد اختلف أهل مملكته فى البعث حسبما فصل فدخل الملك بيته وأغلق بابه ولبس مسحا وجلس على رماد وسأل ربه أن يظهر الحق فألقى الله عزوجل فى نفس رجل من رعيانهم فهدم ما سد به دقيانوس باب الكهف ليتخذه حظيرة لغنمه فعند ذلك بعثهم الله تعالى فجرى بينهم من التقاول ما جرى روى أن المبعوث لما دخل المدينة أخرج الدرهم ليشترى به الطعام وكان على ضرب دقيانوس فاتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به إلى الملك فقص عليه القصة فقال بعضهم إن آباءنا أخبرونا بأن فتية فروا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاء فانطلق الملك وأهل المدينة من مسلم وكافر وأبصروهم وكلموهم ثم قالت الفتية للملك نستودعك الله ونعيذك به من شر الإنس والجن ثم رجعوا إلى مضاجعهم فماتوا فألقى الملك عليهم ثيابه وجعل لكل منهم تابوتا من ذهب فرآهم فى المنام كارهين للذهب فجعلها من الساج وبنى على باب الكهف مسجدا وقيل لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى مكانكم حتى أدخل أولا لئلا يفزعوا فدخل فعمى عليهم المدخل فبنوا ثمة مسجدا وقيل المتنازع فيه أمر الفتية قبل بعثهم أى أعثرنا عليهم حين يتذاكرون بينهم أمرهم وما جرى بينهم وبين دقيانوس من الأحوال والأهوال ويتلقون ذلك من الأساطير وأفواه الرجال وعلى التقديرين فالفاء فى قوله عزوجل (فَقالُوا) فصيحة* أى أعثرناهم عليهم فرأوا ما رأوا فماتوا فقالوا أى قال بعضهم (ابْنُوا عَلَيْهِمْ) أى على باب كهفهم (بُنْياناً) * لئلا يتطرق إليهم الناس ضنا يتربتهم ومحافظة عليها وقوله تعالى (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) من كلام المتنازعين* كأنهم لما رأوا عدم اهتدائهم إلى حقيقة حالهم من حيث النسب ومن حيث العدد ومن حيث اللبث فى الكهف قالوا ذلك تفويضا للأمر إلى علام الغيوب أو من كلام الله تعالى ردا لقول الخائضين فى حديثهم من أولئك المتنازعين وقيل هو أمرهم وتدبيرهم عند وفاتهم أو شأنهم فى الموت والنوم حيث اختلفوا فى أنهم ماتوا أو ناموا كما فى أول مرة فإذ حينئذ متعلق بقوله تعالى (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) وهم الملك* والمسلمون (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) وقوله تعالى (فَقالُوا) معطوف على (يَتَنازَعُونَ) وإيثار صيغة الماضى* للدلالة على أن هذا القول ليس مما يستمر ويتجدد كالتنازع وقيل متعلق باذكر مضمرا وأما تعلقه بأعثرنا فيأباه أن إعثارهم ليس فى زمان تنازعهم فيما ذكر بل قبله وجعل وقت التنازع ممتدا يقع فى بعضه الإعثار وفى بعضه التنازع تعسف لا يخفى مع أنه لا مخصص لإضافته إلى التنازع وهو مؤخر فى الوقوع (سَيَقُولُونَ)

٢١٥

(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) (٢٣)

____________________________________

الضمير فى الأفعال الثلاثة للخائضين فى قصتهم فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أهل الكتاب والمسلمين لكن لا على* وجه إسناد كل منها إلى كلهم بل إلى بعضهم (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) أى هم ثلاثة أشخاص رابعهم أى جاعلهم أربعة بانضمامه إليهم كلبهم قيل قالته اليهود وقيل قاله السيد من نصارى نجران وكان يعقوبيا وقرىء* ثلاة بادغام الثاء فى التاء (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) قيل قالته النصارى أو العاقب منهم وكان نسطوريا* (رَجْماً بِالْغَيْبِ) رميا بالخبر الخفى الذى لا مطلع عليه أو ظنا بالغيب من قولهم رجم بالظن إذا ظن وانتصابه على الحالية من الضمير فى الفعلين جميعا أى راجمين أو على المصدرية منهما فإن الرجم والقول واحد أو من محذوف مستأنف واقع موقع الحال من ضمير الفعلين معا أى يرجمون رجما وعدم إيراد السين* للاكتفاء بعطفه على ما فيه ذلك (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) هو ما يقوله المسلمون بطريق التلقى من هذا الوحى وما فيه مما يرشدهم إلى ذلك من عدم نظمه فى سلك الرجم بالغيب وتغيير سبكه بزيادة الواو* المفيدة لزيادة وكادة النسبة فيما بين طرفيها لا بوحى آخر كما قيل (قُلْ) تحقيقا للحق وردا على الأولين* (رَبِّي أَعْلَمُ) أى أقوى علما (بِعِدَّتِهِمْ) بعددهم (ما يَعْلَمُهُمْ) أى ما يعلم عدتهم أو ما يعلمهم فضلا عن العلم* بعدتهم (إِلَّا قَلِيلٌ) من الناس قد وفقهم الله تعالى للاستشهاد بتلك الشواهد قال ابن عباس رضى الله عنه حين وقعت الواو انقطعت العدة وعليه مدار قوله رضى الله عنه أنا من ذلك القليل ولو كان فى ذلك وحى آخر لما خفى عليه ولما احتاج إلى الاستشهاد بالواو ولكان المسلمون أسوة له فى العلم بذلك وعن على كرم الله وجهه أنهم سبعة نفر أسماؤهم بمليخا ومكشليينا ومشليينا هؤلاء اصحاب يمين الملك وكان عن يساره مرنوش ودبرنوش وشاذنوش وكان يستشير هؤلاء الستة فى أمره والسابع الراعى الذى وافقهم حين* هربوا من ملكهم دقيانوس واسمه كفيشططيوش (فَلا تُمارِ) الفاء لتفريع النهى على ما قبله أى إذ قد عرفت* جهل اصحاب القولين الأولين فلا تجادلهم (فِيهِمْ) فى شأن الفتية (إِلَّا مِراءً ظاهِراً) قدر ما تعرض له الوحى من وصفهم بالرجم بالغيب وعدم العلم على الوجه الإجمالى وتفويض العلم إلى الله سبحانه من غير* تصريح بجهلهم وتفضيح لهم فإنه مما يخل بمكارم الأخلاق (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ) فى شأنهم (ثامِنُهُمْ) من* الخائضين (أَحَداً) فإن فيما قص عليك لمندوحة عن ذلك مع أنه لا علم لهم بذلك وقال عطاء إلا قليل من أهل الكتاب فالضمائر الثلاثة فى الأفعال الثلاثة لهم وما ذكر من الشواهد لإرشاد المؤمنين إلى صحة القول الثالث وفيه محيص عما فى الأول من التكلف فى جعل أحد الأقوال المحكية المنظومة فى سمط واحد ناشئا عن الحكاية مع كون الأخيرين بخلافه ووضوح فى سبب حذف المفعول فى لا تمار والمعنى حينئذ وإذ قد وقفت على أن كلهم ليسوا على خطأ فى ذلك فلا تجادلهم إلا جدالا ظاهرا نطق به الوحى المبين من غير تجهيل لجميعهم فإن فيهم مصيبا وإن قل والنهى عن الاستفتاء لدفع ما عسى يتوهم من احتمال جوازه أو احتمال وقوعه بناء على إصابة بعضهم فالمعنى لا تراجع إليهم فى شأن الفتية ولا تصدق القول الثالث من حيث صدوره عنهم بل من حيث التلقى من الوحى (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ) أى لأجل شىء تعزم عليه (إِنِّي فاعِلٌ

٢١٦

(إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) (٢٥)

____________________________________

ذلِكَ) الشىء (غَداً) أى فيما يستقبل من الزمان مطلقا فيدخل فيه الغد دخولا أوليا فإنه نزل حين قالت* اليهود لقريش سلوه عن الروح وعن أصحاب الكهف وذى القرنين فسألوه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ائتونى غدا أخبركم ولم يستثن فأبطأ عليه الوحى حتى شق عليه وكذبته قريش وما قيل من أن المدلول بالعبارة هو الغدو ما بعد ذلك مفهوم بطريق دلالة النص يرده أن ما بعده ليس بمعناه فى مناط النهى فإن وسعة المجال دليل القدرة فليتأمل (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) استثناء مفرغ من النهى أى لا تقولن ذلك فى حال من الأحوال إلا حال ملابسته بمشيئته تعالى على الوجه المعتاد وهو أن يقال إن شاء الله أو فى وقت من الأوقات إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله لا مطلقا بل مشيئته إذن فإن النسيان أيضا بمشيئته تعالى ولا مساغ لتعليقه بفاعل لعدم سداد استثناء اقتران المشيئة بالفعل ومنافاة استثناء اعتراضها النهى وقيل الاستثناء جار مجرى التأييد كأنه قيل لا تقولنه أبدا كقوله تعالى (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) بقولك إن شاء الله مداركا له* (إِذا نَسِيتَ) إذا فرط منك نسيان ثم ذكرته وعن ابن عباس رضى الله عنهما ولو بعد سنة ما لم يحنث* ولذلك جوز تأخير الاستثناء وعامة الفقهاء على خلافه إذ لوصح ذلك لما تقرر إقرار ولا طلاق ولا عتاق ولم يعلم صدق ولا كذب قال القرطبى هذا فى تدارك التبرك والتخلص عن الإثم وأما الاستثناء المغير للحكم فلا يكون إلا متصلا ويجوز أن يكون المعنى واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت الاستثناء مبالغة فى الحث عليه أو اذكر ربك وعقابه إذا تركت بعض ما أمرك به ليبعثك ذلك على التدارك أو اذكره إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسى وقد حمل على أداء الصلاة المنسية عند ذكرها (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي) * أى يوفقنى (لِأَقْرَبَ مِنْ هذا) أى لشىء أقرب وأظهر من نبأ أصحاب الكهف من الآيات والدلائل الدالة* على نبوتى (رَشَداً) أى إرشادا للناس ودلالة على ذلك وقد فعل عزوجل ذلك حيث آتاه من البينات ما هو* أعظم من ذلك وأبين كقصص الأنبياء المتباعد أيامهم والحوادث النازلة فى الأعصار المستقبلة إلى قيام الساعة أو لأقرب رشدا وأدنى خبرا من المنسى (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) أحياء مضروبا على آذانهم (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) وهى جملة مستأنفة مبينة لما أجمل فيما سلف وأشير إلى عزة مناله وقيل إنه حكاية كلام أهل الكتاب فإنهم اختلفوا فى مدة لبثهم كما اختلفوا فى عدتهم فقال بعضهم هكذا وبعضهم ثلثمائة وروى عن على رضى الله عنه أنه قال عند أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلثمائة سنة شمسية والله تعالى ذكر السنة القمرية والتفاوت بينهما فى كل مائة سنة ثلاث سنين فيكون ثلثمائة وتسع سنين وسنين عطف بيان لثلثمائة وقيل بدل وقرىء على الإضافة وضعا للجمع موضع المفرد ومما يحسنه ههنا أن علامة الجمع فيه جبر

٢١٧

(قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (٢٨)

____________________________________

لما حذف فى الواحد وأن الأصل فى العدد إضافته إلى الجمع (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) أى بالزمان الذى لبثوا فيه* (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى ما غاب فيهما وخفى من أحوال أهلهما واللام للاختصاص العلمى* دون التكوينى فإنه غير مختص بالغيب (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) دل بصيغة التعجب على أن شأن علمه سبحانه بالمبصرات والمسموعات خارج عما عليه إدراك المدركين لا يحجبه شىء ولا يحول دونه حائل ولا يتفاوت بالنسبة إليه اللطيف والكثيف والصغير والكبير والخفى والجلى والهاء ضمير الجلالة ومحله الرفع على الفاعلية والباء مزيدة عند سيبويه وكان أصله أبصر أى صار ذا بصر ثم نقل إلى صيغة الأمر للإنشاء فبرز الضمير لعدم لياقة الصيغة له أو لزيادة الباء كما فى كفى به والنصب على المفعولية عند الأخفش والفاعل ضمير المأمور وهو كل أحد والباء مزيدة إن كانت الهمزة للتعدية ومعدية إن كانت للصيرورة ولعل تقديم* أمر إبصاره تعالى لما أن الذى نحن بصدده من قبيل المبصرات (ما لَهُمْ) لأهل السموات والأرض (مِنْ دُونِهِ) تعالى (مِنْ وَلِيٍّ) يتولى أمورهم وينصرهم استقلالا (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ) فى قضائه أو فى علم* الغيب (أَحَداً) منهم ولا يجعل له فيه مدخلا وهو كما ترى أبلغ فى نفى الشريك من أن يقال من ولى ولا شريك وقرىء على صيغة نهى الحاضر على أن الخطاب لكل أحد ولما دل انتظام القرآن الكريم لقصة أصحاب الكهف من حيث إنها بالنسبة إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المغيبات على أنه وحى معجز أمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمداومة على دراسته فقال (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) ولا تسمع لقولهم ائت بقرآن غير هذا أو بدله (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) لا قادر على تبديله وتغييره غيره (وَلَنْ تَجِدَ) أبد الدهر وإن بالغت فى الطلب (مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ملجأ تعدل إليه عند إلمام ملمة (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) احبسها وثبتها مصاحبة (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ) أى دائبين على الدعاء فى جميع الأوقات وقيل فى طرفى النهار وقرىء بالغدوة على أن إدخال اللام عليها وهى علم فى الأغلب على تأويل التنكير بهم والمراد بهم فقراء المؤمنين مثل صهيب وعمار وخباب ونحوهم رضى الله عنهم وقيل أصحاب الصفة وكانوا نحو سبعمائة رجل قيل إنه قال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نح هؤلاء الموالى الذين كأن ريحهم ريح الضأن حتى نجالسك كما قال قوم نوح عليه‌السلام أنؤمن لك واتبعك الأرذلون فنزلت والتعبير عنهم بالموصول لتعليل الأمر بما فى حين

٢١٨

(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (٢٩)

____________________________________

الصلة من الخصلة الداعية إلى إدامة الصحبة (يُرِيدُونَ) بدعائهم ذلك (وَجْهَهُ) حال من المستكن فى* يدعون أى مريدين لرضاه تعالى وطاعته (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) أى لا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم من عداه* أى جاوزه واستعماله بعن لتضمينه معنى النبو أو لا تصرف عيناك النظر عنهم إلى غيرهم من عدوته عن الأمر أى صرفته عنه على أن المفعول محذوف لظهوره وقرىء ولا تعد عينيك ولا تعد عينيك من الإعداء والتعدية والمراد نهيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الإزدراء بهم لرثاثة زيهم طموحا إلى زى الأغنياء (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) * أى تطلب مجالسة الأشراف والأغنياء وأصحاب الدنيا وهى حال من الكاف على الوجه الأول من القراءة المشهورة ومن الفاعل على الوجه الثانى منها وضمير تريد للعينين وإسناد الإرادة إليه مجاز وتوحيده للتلازم كما فى قوله[لمن زحلوقة زل * بها العينان تنهل] ومن المستكن فى الفعل على القراءتين الأخيرتين (وَلا تُطِعْ) * فى تحية الفقراء عن مجالسك (مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ) أى جعلناه غافلا لبطلان استعداده للذكر بالمرة أو وجدناه* غافلا كقولك أجبنته وأبخلته إذا وجدته كذلك أو هو من أغفل إبله أى لم نسمه بالذكر (عَنْ ذِكْرِنا) * كأولئك الذين يدعونك إلى طرد الفقراء عن مجلسك فإنهم غافلون عن ذكرنا على خلاف ما عليه المؤمنون من الدعاء فى مجامع الأوقات وفيه تنبيه على أن الباعث له على ذلك الدعاء غفلة قلبه عن جناب الله سبحانه وجهته وانهماكه فى الحسيات حتى خفى عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد وقرىء أغفلنا قلبه على إسناد الفعل إلى القلب أى حسبنا غافلين عن ذكرنا إياه بالمؤاخذة من أغفلته إذا وجدته غافلا (وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) ضياعا وهلاكا أو متقدما للحق والصواب نابذا له وراء ظهره من قولهم فرس فرط أى متقدم للخيل أو هو بمعنى الإفراط والتفريط فإن الغفلة عن ذكره سبحانه تؤدى إلى اتباع الهوى المؤدى إلى التجاوز والتباعد عن الحق والصواب والتعبير عنهم بالموصول للإيذان بعلية ما فى حين الصلة للنهى عن الإطاعة (وَقُلِ) لأولئك الغافلين المتبعين هواهم (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) أى ما أوحى إلى الحق لا غير كائنا من ربكم أو الحق المعهود من جهة ربكم لا من جهتى حتى يتصور فيه التبديل أو يمكن التردد فى اتباعه وقوله تعالى (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) إما من تمام القول المأمور به والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها بطريق التهديد لا لتفريعه عليه كما فى قوله تعالى (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) وقوله تعالى (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) أى عقيب تحقق أن ما أوحى إلى حق لا ريب فيه وأن ذلك الحق من جهة ربكم فمن شاء أن يؤمن به فليؤمن كسائر المؤمنين ولا يتعلل بما لا يكاد يصلح للتعليل ومن شاء أن يكفر به فليفعل وفيه من التهديد وإظهار الاستغناء عن متابعتهم وعدم المبالاة بهم وبإيمانهم وجودا وعدما ما لا يخفى وإما تهديد من جهة الله تعالى والفاء لترتيب ما بعدها من التهديد على الأمر لا على مضمون

٢١٩

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (٣١)

____________________________________

المأمور به والمعنى قل لهم ذلك وبعد ذلك من شاء أن يؤمن به أو أن يصدقك فيه فليؤمن ومن شاء أن* يكفر به أو يكذبك فيه فليفعل فقوله تعالى (إِنَّا أَعْتَدْنا) وعيد شديد وتأكيد للتهديد وتعليل لما يفيده من الزجر عن الكفر أو لما يفهم من ظاهر التخيير من عدم المبالاة بكفرهم وقلة الاهتمام بزجرهم عنه فإن إعداد جزائه من دواعى الإملاء والإمهال وعلى الوجه الأول هو تعليل للأمر بما ذكر من التخيير* التهديدى أى قل لهم ذلك إنا أعتدنا (لِلظَّالِمِينَ) أى هيأنا للكافرين بالحق بعد ما جاء من الله سبحانه والتعبير* عنهم بالظالمين للتنبيه على أن مشيئة الكفر واختياره تجاوز عن الحد ووضع للشىء فى غير موضعه (ناراً) * عظيمة عجيبة (أَحاطَ بِهِمْ) أى يحيط بهم وإيثار صيغة الماضى للدلالة على التحقق (سُرادِقُها) أى فسطاطها شبه به ما يحيط بهم من النار وقيل السرادق الحجرة التى تكون حول الفسطاط وقيل سرادقها دخانها* وقيل حائط من نار (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) من العطش (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) كالحديد المذاب وقيل كدردى* الزيت وهو على طريقة قوله فاعتبوا بالصيلم (يَشْوِي الْوُجُوهَ) إذا قدم ليشرب انشوى الوجه لحرارته* عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه (بِئْسَ الشَّرابُ) ذلك (وَساءَتْ) النار* (مُرْتَفَقاً) متكأ وأصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد وأنى ذلك فى النار وإنما هو بمقابلة قوله تعالى (حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) فى محل التعليل للحث على الإيمان المنفهم من التخيير كأنه قيل وللذين آمنوا ولعل تغيير سبكه للإيذان بكمال تنافى مآلى الفريقين أى إن الذين آمنوا بالحق الذى أوحى إليك* (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) حسبما بين فى تضاعيفه (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) خبر إن الأولى هى الثانية مع ما فى حيزها والراجع محذوف أى من أحسن منهم عملا أو مستغنى عنه كما فى قولك نعم الرجل زيد أو واقع موقعه الظاهر فإن من أحسن عملا فى الحقيقة هو الذى آمن وعمل الصالحات (أُولئِكَ) المنعوتون بالنعوت الجليلة (لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) استئناف لبيان الأجر أو هو الخبر وما بينهما اعتراض أو هو خبر بعد خبر (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) من الأولى ابتدائية والثانية بيانية صفة لأساور والنكير للتفخيم وهو جمع أسورة أو أسور جمع سوار (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً) خصت الخضرة بثيابهم لأنها أحسن الألوان وأكثرها طراوة (مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) أى ممارق من* الديباج وما غلظ جمع بين النوعين للدلالة على أن فها ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) على السرر على ما هو شأن المتنعمين (نِعْمَ الثَّوابُ) ذلك (وَحَسُنَتْ) أى الأرائك (مُرْتَفَقاً)

٢٢٠