مقاتل الطالبيّين

أبي الفرج الاصفهاني

مقاتل الطالبيّين

المؤلف:

أبي الفرج الاصفهاني


المحقق: السيد أحمد صقر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٦٤

خرج إلينا الربيع الحاجب فقال : أين هؤلاء العلوية؟ أدخلوا على أمير المؤمنين رجلين منكم من ذوي الحجى. قال : فدخلنا إليه أنا والحسن بن زيد ، فلما صرت بين يديه قال لي : أنت الذي تعلم الغيب؟.

قلت : لا يعلم الغيب إلّا الله.

قال : أنت الذي يجبي إليك هذا الخراج؟.

قلت : إليك يجبى ـ يا أمير المؤمنين ـ الخراج.

قال : أتدرون لم دعوتكم؟ قلت : لا.

قال : أردت أن أهدم رباعكم ، وأروع قلوبكم ، وأعقر نخلكم ، وأترككم بالسراة ، لا يقربكم أحد من أهل الحجاز ، وأهل العراق ؛ فإنهم لكم مفسدة.

فقلت له : يا أمير المؤمنين ، إن سليمان أعطى فشكر ، وإن أيوب ابتلى فصبر ، وإن يوسف ظلم فغفر ، وأنت من ذلك النسل.

قال : فتبسم وقال : أعد عليّ ، فأعدت فقال : مثلك فليكن زعيم القوم ، وقد عفوت عنكم ، ووهبت لكم جرم أهل البصرة ، حدّثني الحديث الذي حدّثتني عن أبيك ، عن آبائه ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت : حدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي ، عن رسول الله (ص) : صلة الرّحم تعمر الديار ، وتطيل الأعمار ، وإن كانوا كفّارا.

فقال : ليس هذا.

فقلت : حدّثني أبي ، عن آبائه ، عن علي ، عن رسول الله (ص) ، قال : الأرحام معلقة بالعرش تنادي : اللهم صل من وصلني ، واقطع من قطعني.

قال : ليس هذا.

فقلت : حدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عن رسول الله (ص) أن الله عزّ وجلّ يقول : «أنا الرحمن ، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي ، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها بتّته».

قال : ليس هذا الحديث.

٣٠١

قلت : حدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عن رسول الله (ص) أن ملكا من الملوك في الأرض كان بقي من عمره ثلاث سنين ، فوصل رحمه فجعلها الله ثلاثين سنة.

فقال : هذا الحديث أردت ، أيّ البلاد أحب إليك؟ فو الله لأصلن رحمي إليكم.

قلنا : المدينة ، فسرّحنا إلى المدينة ، وكفى الله مؤنته.

* * *

أخبرنا عمر ، ويحيى ، قالا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني عمر بن إسماعيل بن صالح بن هيثم ، قال : حدثني عيسى بن رؤبة ، قال :

لما جيء برأس إبراهيم فوضع بين يدي أبي جعفر بكى حتى رأيت دموعه على خدي إبراهيم ، ثم قال : أما والله إن كنت لهذا كارها (١) ، ولكنك ابتليت بي ، وابتليت بك (٢).

* * *

حدثني أحمد بن محمد الهمداني ، قال : قال يحيى بن الحسن ، حدثني غير واحد عن علي بن الحسن ، عن يحيى بن الحسين بن زيد عن أبيه الحسين عن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ، قال :

كنت عند المنصور حين جيء برأس إبراهيم بن عبد الله ، فأتى به في ترس حتى وضع بين يديه ، فلما رأيته نزت من أسفل بطني غصّة فسدت حلقي ،

__________________

(١) ابن الأثير ٥ / ٣٣٠.

(٢) في الطبري ٩ / ٢٦٠ بعد ذلك : «وذكر عن صالح مولى المنصور أن المنصور لما أتى برأس إبراهيم بن عبد الله وضعه بين يديه ، وجلس مجلسا عاما وأذن للناس ، فكان الداخل يدخل فيسلم ويتناول إبراهيم فيسيء القول فيه ، ويذكر منه القبيح التماسا لرضى أبي جعفر ، وأبو جعفر ممسك متغير لونه ، حتى دخل جعفر ابن حنظلة البهراني ، فوقف فسلم ثم قال : عظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك ، وغفر له ما فرط فيه من حقك ، فاصفر لون أبي جعفر وأقبل عليه فقال : أبا خالد ، مرحبا وأهلا ، فعلم الناس أن ذلك قد وقع منه ، فدخلوا فقالوا مثل ما قال جعفر بن حنظلة».

٣٠٢

فجعلت أداري ذلك مخافة أن يفطن بي ، فالتفت إليّ فقال لي : يا أبا محمد أهو هو؟.

قلت : نعم يا أمير المؤمنين ولوددت أن الله فاء به إلى طاعتك ، وإنك لم تكن نزلت منه بهذه المنزلة.

قال : فأنا وإلّا فأمّ موسى الطلاق (١) ـ وكانت من غاية أيمانه ـ لوددت أن الله فاء به إلى طاعتي ، وأني لم أكن نزلت منه بهذه المنزلة ، ولكنه أراد أن ينزلنا بها ، وكانت أنفسنا أكرم علينا من نفسه.

* * *

حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا يحيى بن الحسين ، قال : حدثنا هارون بن موسى ، قال : حدثني عبد الله بن نافع ، قال :

لما وضع رأس إبراهيم بين يدي أبي جعفر تمثل (٢) :

فألقت عصاها واستقرت بها النّوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر (٣)

* * *

أخبرنا عمر بن عبد الله العتكي ، ويحيى بن علي ، قالا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدّثنا محمد بن زياد ، قال : حدّثني الحسن بن جعفر ، قال :

كنت بالكوفة فرأيت فلّ (٤) عيسى بن موسى قد دخل الكوفة نهارا ، فلما كان الليل رأيت فيما يرى النائم كأن نعشا تحمله رجال يصعدون به إلى السماء ويقولون : من لنا بعدك يا إبراهيم؟ قال : وأيقظني أخي من نومي فقلت : ما لك؟ فقال : أسمع التكبير على باب أبي جعفر ، ولا والله ما كبّروا باطلا ، فإذا الخبر قد جاء بقتل إبراهيم [بن عبد الله] بن الحسن بن الحسن.

__________________

(١) اسمها أروى بنت منصور ، أخت يزيد بن منصور الحميري ، وهي أم المهدي ، وجعفر الأكبر.

(٢) في الطبري ٩ / ٢٥٩ «فتمثل ببيت معقر بن أوس بن حمار البارقي».

(٣) قيل : إن البيت لمعقر البارقي ، وقيل : لابن عبد ربه السلمي ، وقيل : لسليم بن ثمامة الحنفي راجع اللسان ١٩ / ٢٩٥.

(٤) في ط وق «كنت بالكوفة نقل عيسى بن موسى» والتصويب من الخطية.

٣٠٣

تسمية من خرج مع إبراهيم بن عبد الله

ابن الحسن بن الحسن من أهل العلم والفقهاء ونقلة الآثار

أخبرنا يحيى بن علي ، وأحمد بن عبد العزيز ، وعمر بن عبد الله ، قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني إبراهيم بن سلام بن أبي واصل الحذاء ، قال : حدثني أخي محمد بن مسلم ، قال :

قال لي أبي : يا بني ، إن إبراهيم قد ظهر بالبصرة. قال : فابتع لي عمامة صوف وقباء وسراويل ، وفعلت ، فشخص هو وثلاثة رهط معه حتى قدموا إلى الكوفة.

حدثنا جعفر بن محمد الورّاق ، قال : حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا الحسن بن الحسين العرني ، قال :

خرج نفر من أصحاب زيد بن علي متنكرين في جملة الحاج ، حتى لحقوا بإبراهيم بالبصرة ، منهم سلام بن أبي واصل الحذّاء.

حدثني الحسن بن علي الخفاف ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثني خالد بن خداش بن عجلان ، قال : سمعت حمّاد بن يزيد يقول :

ما أحد من النّاس إلّا أنكرناه أيام إبراهيم ، قيل له فسوار (١)؟.

قال : والله ما حمدنا رأيه.

قال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصبهاني :

أخبرني يحيى بن علي ، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري ، وعمر بن عبد الله العتكي قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثنا إبراهيم بن سلام بن أبي واصل ، قال : حدثني أخي محمد بن سلام عن أبيه قال :

وقفت على باب إبراهيم بن عبد الله ، وهو نازل في دار محمد بن سليمان ، فقلت لآذنه : قل له : سلام بن أبي واصل بالباب ، فسمعت الآذن يقول :

__________________

(١) هو سوار بن عبد الله بن قدامة ، ولاه أبو جعفر القضاء بالبصرة سنة ١٣٨ ، وبقي على القضاء إلى أن مات وهو أمير البصرة وقاضيها سنة ١٥٦ راجع تهذيب التهذيب ٤ / وخلاصة تذهيب الكمال ١٣٤.

٣٠٤

سلام الحذّاء بالباب ، فنسبني إلى اللقب الغالب عليّ ، فأذن لي ، فدخلت فقال : ما أبطأ بك عنا؟ فقلت : كنت أجهز الرجال إليك ، قال : صدقت ، فأنزلني معه في الدار. قال : فبينا أنا جالس يوما إذا شيء فيه رقعة : إن بيت المال ضائع فأكفناه ، فقلت لبعض من حضر أين بيت المال؟ قال في الدار ، فقمت فإذا شيخ قد كان موكلا به ، فقال لي : أمرت فيما ها هنا بأمر؟ قلت : نعم. قال : فأنت إذا سلام بن أبي واصل ، قال : فوليت بيت المال.

* * *

أخبرني محمد بن الحسين الأشناني ، قال : حدثنا أحمد بن حازم الغفاري ، قال : حدثني نصر بن مزاحم ، قال :

خرج أبو داود الطهوي مع إبراهيم وكان عنده أثيرا (١).

أخبرنا يحيى بن علي ، والجوهري والعتكي ، قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن حكيم ، قال :

خرج فطر (٢) بن خليفة مع إبراهيم ، وكان يومئذ شيخا كبيرا.

* * *

حدثني علي بن العباس ، قال : حدثنا الحسن بن عبد الواحد ، قال : حدثني الحسن بن الحسين ، قال :

خرج سلام بن أبي واصل الحذاء ، وعيسى بن أبي إسحاق السبيعي (٣) ، وأبو خالد الأحمر (٤) مصطحبين متنكرين مع الحاج ، عليهم جباب الصوف وعمائم الصوف ، يسوقون الجمال في زي الجمّالين ، حتى أمنوا فعدلوا إلى إبراهيم ، وكانوا معه حتى قتل.

__________________

(١) في النسخ «الظهوري ... وكان عنده أميرا».

(٢) في النسخ «قطر» وهو خطأ.

(٣) يكنى أبا عمرو ، توفي سنة إحدى وتسعين ومائة ، كما في المعارف ١٩٩ وخلاصة تذهيب الكمال ٢٥٨ وتذكرة الحفاظ ١ / ٢٥٧.

(٤) اسمه سليمان بن حيان ، كوفي ثقة ، مات سنة تسع وثمانين ومائة ، وكان سفيان يعيب عليه خروجه مع إبراهيم ، ولم يكلمه حتى مات راجع تاريخ بغداد ٩ / ٢١ ـ ٢٤ خلاصة تذهيب الكمال ١٣٨.

٣٠٥

أخبرنا يحيى بن علي ، والعتكي ، والجوهري ، قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني القاسم بن أبي شيبة ، قال :

خرج أبو خالد الأحمر ، ويونس بن أبي إسحاق (١) مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن.

أخبرني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : خرج عيسى بن يونس بن أبي إسحاق من الكوفة إلى إبراهيم ، فشهد معه حربه.

حدثنا يحيى بن علي ، والعتكي ، والجوهري ، قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني إبراهيم بن سلام بن أبي واصل ، عن أخيه محمد بن سلام ، قالوا :

شهد مع إبراهيم بن عبد الله من أصحاب زيد بن علي ثلاث نفر : سلام بن أبي واصل الحذاء ، وحمزة بن عطاء البرني ، وخليفة بن حسان الكيال ، وكان أفرس الناس.

* * *

أخبرني محمد بن زكريا الصحاف ، قال : حدثنا قعيب (٢) بن محرز ، قال : حدثني العريان بن أبي سفيان بن العلاء ، قال :

خرج مع إبراهيم بن عبد الله عبد الله بن جعفر المدائني (٣) ، فقال له ليلة : قم بنا حتى نطوف في العسكر ، فقام معه فسمع في ناحية عسكره صوت طنبور ، فاغتم لذلك وقال لعبد الله بن جعفر : ما أرى عسكرا فيه مثل هذا ينصر (٤).

عبد الله بن جعفر هذا والد علي بن المدائني.

أخبرنا يحيى بن علي ، وعمر ، وأحمد ، قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، عن

__________________

(١) يكنى أبا إسرائيل توفي سنة تسع وخمسين ومائة كما في خلاصة تذهيب الكمال ٣٧٩.

(٢) كذا في ط وق ، وفي الخطية «قعين».

(٣) في الطبري «ابن جعفر المديني».

(٤) الطبري ٩ / ٢٥٦ وابن الأثير ٥ / ٢٢٩.

٣٠٦

عريان بن أبي سفيان ، قال : حدثني الثقة عندي عن عبد الله بن جعفر ، ثم ذكر مثل هذه الحكاية أو قريبا منها.

* * *

أخبرنا يحيى بن علي ، والجوهري ، والعتكي ، قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني إبراهيم بن سلام بن أبي واصل ، قال : حدثني عبد الغفار بن عمرو الفقيمي ابن أخي الفضيل (١) ، والحسين بن أبي عمرو ، قال :

كان إبراهيم بن عبد الله واجدا على هارون بن سعد لا يكلمه ، فلما ظهر قدم هارون فأتى أباك سلاما (٢) فقال له : أخبرني عن صاحبنا ، أما به إلينا حاجة في أمره هذا؟ قال : قلت له بلى لعمر الله ، ثم قام فدخل على إبراهيم فقال له : هذا هارون بن سعد قد جاءك.

فقال : لا حاجة لنا به. فقال له لا تفعل ، أفي هارون تزهد؟ فلم يزل به حتى قبله وأذن له ، فدخل عليه فقال له هارون : استكفني أهمّ أمرك إليك ، فاستكفاه واسطا واستعمله عليها (٣).

قال أبو زيد : وحدثني أبو نعيم الفضل بن دكين (٤) ، قال : حدثني عبد الله بن سلمة الأفطس ، قال : ولي إبراهيم هرون بن سعد واسطا ، فبادرت فدخلت إليه في السفينة فحدثني بأربعة أحاديث. قال أبو نعيم : والذي رواه الأعمش عن أبي عمرو الشيباني إنما سمعه من هارون بن سعد.

قال أبو زيد : حدثني هشام بن محمد أبو محمد من أهل واسط ، قال :

قدم علينا هارون بن سعد في جماعة ذات عدد فرأيته شيخا كبيرا كنت أراه راكبا قد انحنى على دابته ، فبايعه أهل واسط.

قال أبو زيد : وحدثني عمر بن عون ، قال :

__________________

(١) في الطبري «ابن أخي الفضل بن عمرو الفقيمي قال».

(٢) في الطبري «فأتى سلم بن أبي واصل فقال له».

(٣) الطبري ٩ / ٢٥٢.

(٤) توفي سنة تسع عشرة ومائتين كما في فهرست ابن النديم ص ٣١٧.

٣٠٧

كان هارون بن سعد رجلا صالحا ، قد روى عن الشعبي ، ولقى إبراهيم ، وكان فقيها.

حدثني عيسى بن الحسن الورّاق ، قال : حدثني سليمان بن أبي شيخ ، قال : حدثني أبو الصعداء ، قال :

لما قدم هارون بن سعد واليا على واسط من قبل إبراهيم خطب الناس ، ونعى على أبي جعفر أفعاله ، وقتله آل رسول الله ، وظلمه الناس ، وأخذه الأموال ، ووضعها في غير مواضعها ، وأبلغ في القول حتى أبكى الناس ، ورقّت لقوله قلوبهم ، فاتبعه عباد (١) ابن العوام ، ويزيد بن هارون ، وهشيم بن بشير ، والعلاء بن راشد.

حدثني محمد بن الحسين الخثعمي ، قال حدثنا إبراهيم بن سليمان المقري ، قال : حدثني نصر بن مزاحم ، قال :

حدثني من رأى هشيما واقفا بين يدي هارون بن سعد متقلدا سيفا ، رث الهيئة ، يدعو الناس إلى بيعة إبراهيم.

أخبرني علي بن العباس المقانعي ، قال : حدثنا محمد بن مروان الغزال ، قال : حدثنا زيد بن المعذل النمري ، عن هشام بن محمد ، قال :

ولّى إبراهيم بن عبد الله بن الحسن هارون بن سعد واسطا ، وضمّ إليه جيشا كثيفا من الزيدية ، فأخذها وتبعه الخلق ، ولم يتخلف أحد من الفقهاء ، وكان ممن تبعه عواد بن العوام ، ويزيد بن هارون ، وهشيم ، وكان موقف هشيم في حروبه مشهرا ، وقتل ابنه معاوية ، وأخوه الحجاج بن بشير في بعض الوقائع.

قال : وشهد معه العوام بن حوشب يومئذ وهو شيخ كبير ، وأسامة بن زيد ، فلما قتل إبراهيم انحدر هارون بن سعد إلى البصرة ، فبلغنا أنه مات بها حين دخلها ، رحمه الله ورضي عنه.

__________________

(١) راجع تذكرة الحفاظ ١ / ٢٤١.

٣٠٨

أخبرنا يحيى بن علي ، والعتكي ، والجوهري ، قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني عامر بن يحيى العقيلي ، قال : حدثني أبو مخارق بن جابر ، قال :

نادى منادي المسوّدة : أمن الناس أجمعون إلّا العوام بن حوشب ، وأسامة بن زيد.

فأما العوام فاستخفى سنتين ثم عمل معن بن زائدة (١) في أمره ، وكان يسأله حتى أخرج له أمانا.

وأما أسامة بن زيد (٢) فتوارى مدة ثم هرب إلى الشام.

قال أبو زيد : وحدثني عبد الله بن راشد بن يزيد ، قال :

استخفى هارون بن سعد ، فلم يزل مستخفيا حتى ولى محمد بن سليمان الكوفة ، فأعطاه الأمان واستدرجه حتى ظهر ، وأمره أن يعرض ثمانين من أهل بيته ، فهمّ أن يفعل ، فركب إلى محمد ولقيه ابن عم له يدعى الفرافصة فقال : أنت مخدوع ، فرجع فتوارى حتى مات ، وهدم محمد بن سليمان داره.

* * *

قال أبو زيد ، وحدثني سعد بن الحسن بن بشير الحواري ، قال : سمعت أصحابنا يقولون :

كان عبد الواحد بن زياد بنهر أبان ، وكان قد تقدم إلى إبراهيم ألا يخفى عليه مخرجه ، فلما ظهر أقبل عبد الواحد من نهر أبان مبيضا حتى عبدس ، فهرب وإليها وخلف في بيت مالها سبعين ألف درهم ، فأخذها عبد الواحد ، فكانت أول ما قدم به على إبراهيم.

قال أبو زيد ، وحدثني خالد بن خداش ، قال :

بيّض أيوب بن سليمان نهر ابان ، وغلب عليها ، وأيوب هذا محدث

__________________

(١) قتل معن في مدينة بست سنة إحدى وخمسين ومائة راجع ترجمته في ابن خلكان ٢ / ١٤٢ ـ ١٤٧.

(٢) راجع خلاصة تذهيب الكمال ص ٢٢.

٣٠٩

راو ، قد روى عنه الواسطيون ، وممن روى عنه سليمان بن أبي شيخ.

* * *

أخبرني محمد بن الحسين الأشناني ، قال : حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : سمعت زفر بن الهذيل يقول :

كان أبو حنيفة يجهر في أمر إبراهيم جهرا شديدا ، ويفتي الناس بالخروج معه ، فقلت له : والله ما أنت بمنته عن هذا حتى نؤتي فتوضع في أعناقنا الحبال :

قال : وكتب إليه هو ومسعر بن كدام (١) يدعوانه إلى أن يقصد الكوفة ، ويضمنا له نصرتهما ومعونتهما ، وإخراج أهل الكوفة معه ، فكانت المرجئة تعيبهما بذلك.

* * *

حدثنا يحيى بن علي ، وعمر ، وأحمد ، قالوا : حدثنا عمر بن شبة ، قال حدثنا القاسم بن أبي شيبة ، قال : حدثني الفضل بن شعيب ، قال :

رأيت مسلم بن سعيد ، والأصبغ بن زيد ، مع هارون بن سعد ، عليهما سيفان أيام إبراهيم بن عبد الله ، بواسط.

* * *

قال القاسم بن أبي شيبة ، وحدثني أزهر بن سعد ، قال :

رأيت هشيما عليه سيف حمائله شريط يرامى المسودة من وراء السور.

* * *

حدثنا عمر ، ويحيى ، وأحمد ، قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني زكريا بن عبد الله بن صبيح ، ويلقب رحمويه ، قال :

قال المهدي لابن علائة (٢) : ابغني قاضيا لمدينة الوضاح. قال : قد أصبته ، عباد بن العوام (٣). فقال له : وكيف مع ما في قلوبنا عليه.

__________________

(١) يكنى أبا سلمة ، توفي بالكوفة سنة اثنتين وخمسين ومائة كما في المعارف ٢١١.

(٢) تهذيب التهذيب ٩ / ٢٦٩ وفي ط وق «علانة ايعنى».

(٣) راجع ترجمته في تاريخ بغداد ١١ / ١٠٤ ـ ١٠٦.

٣١٠

قال رحمويه : وهدم الرشيد دار عباد بن العوام في خلافته ، ومنعه الحديث ، ثم أذن فيه بعد (١).

* * *

أخبرني جعفر بن محمد الورّاق ، قال : حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا نصر بن حازم ، قال :

خرج هارون بن سعد من الكوفة في نفر من أصحاب زيد بن علي إلى إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، وكان فيمن خرج معه عامر بن كثير السراج ، وهو يومئذ شاب جلد شجاع ، وحمزة التركي ، وسالم الحذّاء ، وخليفة بن حسان.

قال : لمّا قدموا على إبراهيم وليّ سالم بن أبي واصل بيت المال ، وولّي هارون بن سعد واسطا ، فأنفذ معه جيشا كثيفا ، فدخل واسطا ، وهرب منه أصحاب أبي جعفر ، وأسرع الناس إليه ، ولم يبق أحد من أهل العلم إلّا تبعه ، وكان منهم عباد بن العوام ، وهشيم بن بشير ، وإسحاق بن يوسف الأزرق (٢) ، ويزيد بن هارون ، ومسلم بن سعيد ، والأصبغ بن زيد (٣).

ودعا عاصم بن علي فاعتل عليه بالمرض والضعف ، فقال له : أنا أفتي الناس بالخروج معك ، ثم هرب منه ، فجعل هارون بن سعد عبّاد بن العوام قائدا وضم إليه الفقهاء أجمعين ، وكانوا في قيادته ، وشاوره وقدّمه فلما قتل إبراهيم وانقضت حياته ، هرب عبّاد بن العوام ، فهدمت داره وانفضت جموعه ، ولم يزل متواريا حتى مات أبو جعفر.

أخبرنا يحيى بن علي ، والجوهري ، والعتكي ، قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني سهل بن عقيل ، قال :

__________________

(١) جاء في تاريخ بغداد : «عباد بن العوّام يكنى أبا سهل ، كان من أهل واسط ، وكان يتشيع فأخذه هارون أمير المؤمنين فحبسه زمانا ، ثم خلى عنه ، وأقام ببغداد ، وتوفي سنة خمس وثمانين ومائة».

(٢) مات سنة خمس وتسعين ومائة ، عن ثمان وسبعين سنة ، كما في خلاصة تذهيب الكمال ص ٢٦.

(٣) في خلاصة تذهيب الكمال : «قال ابن سعد : توفي سنة ١٥٩».

٣١١

قدم هارون بن سعد عبّاد بن العوام ورأسه وشاوره ، فكان في أصحابه يزيد بن هارون وإسحاق بن يوسف الأزرق ، وغيرهما.

قال أبو زيد ، وحدثني عاصم بن علي بن عاصم ، قال أخبرني علي بن عبد الله بن زياد ، قال :

رأيت هشيم بن بشير (١) واقفا موقفا في وقعة واقعناها القوم ، لا والله ، ما وقفه قط إلّا شجاع مجتمع القلب.

قال أبو زيد ، وحدثني ابن بنت هشيم ، قال :

بلغ يزيد بن هارون أن علي بن حرملة يتهدده ويقول : سيعلم يزيد على رأس من كانت الرايات تحقق ، فبلغ ذلك يزيد فقال : غلط ، إنما كانت الراية لعبّاد بن العوام.

قال أبو زيد ، قال لي عاصم بن علي : صدق يزيد ، كان القائد عباد بن العوام وكان يزيد بن هارون من أصحابه (٢).

* * *

أخبرنا يحيى بن علي ، وعمر ، ومحمد ، قالوا : حدثنا عمر بن شبة ، قال :رحدثني أحمد بن خالد بن خداش ، قال : سمعت حماد بن زيد يقول :

ما كان بالبصرة أحد إلّا وقد تغيّر أيام إبراهيم إلّا ابن عون.

قيل له : فهشام بن حسان (٣).

قال : ما حمدنا قوله ، كان يذكر أبا جعفر فيقول : اللهم أهلك أبا الدوانيق ، فقلت له في ذلك. فقال : إني أخاف أن يظهر فيشتتنا.

* * *

حدثني أبو عبد الله الصيرفي محمد بن أحمد بن المؤمل ، قال حدثني فضل

__________________

(١) ولد سنة خمس ومائة ، ومات ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة كما في المعارف ٢٢١ وتذكرة الحفّاظ ١ / ٢٢٩.

(٢) توفي يزيد سنة ست ومائتين كما في خلاصة تذهيب الكمال ٣٧٤.

(٣) في خلاصة تذهيب الكمال ص ٣٥١ «مات هشام سنة ثمان وأربعين ومائة».

٣١٢

المصري قال : حدثني يعقوب الدورقي قال أبو الفرج : وقرأت أنا في بعض الكتب عن يعقوب الدورقي ، عن بعض أصحابه ، عن اسماعيل بن عيسى بن علي الهاشمي ، قال : قال أبو إسحاق الفزاري :

جئت إلى أبي حنيفة فقلت له : ما اتقيت الله حيث أفتيت أخي بالخروج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن حتى قتل.

فقال : قتل أخيك حيث قتل يعدل قتله لو قتل يوم بدر ، وشهادته مع إبراهيم خير له من الحياة.

قلت له : ما منعك أنت من ذاك؟.

قال : ودائع للناس كانت عندي.

أخبرني محمد بن الحسين الأشناني ، عن عباد بن يعقوب ، عن عبد الله بن إدريس ، قال :

سمعت أبا حنيفة وهو قائم على درجته ، ورجلان يستفتيانه في الخروج مع إبراهيم ، وهو يقول : أخرجا.

* * *

أخبرنا يحيى بن علي ، والجوهري ، والعتكي ، قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني نصير بن حماد أبو سهل ، قال :

ما زلت أسمع أن شعبة (١) كان يقول في نصرة إبراهيم بن عبد الله للناس إذا سألوه : ما يقعدكم؟ هي بدر الصغرى.

* * *

قال أبو زيد ، وحدثني يعقوب بن القاسم ، عن بعض أصحابه ، عن أبي إسحاق الفزاري ، واسمه إبراهيم بن محمد بن الحرث بن أسماء بن حارثة ، قال :

__________________

(١) هو شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي ، يكنى أبا بسطام ، كان من سادات أهل زمانه قال عنه الشافعي : لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق ، وقال الأصمعي : لم نر أحدا أعلم بالشعر منه ، توفي بالبصرة سنة ستين ومائة ، وهو ابن خمس وسبعين سنة راجع تهذيب التهذيب ٤ / ٣٣٨ ـ ٣٤٦ والمعارف ٢١٩.

٣١٣

لما خرج إبراهيم ذهب أخي إلى أبي حنيفة فاستفتاه ، فأشار عليه بالخروج ، فقتل معه ، فلا أحب أبا حنيفة أبدا.

قال أبو زيد : وحدثني نصر بن حماد ، قال :

كان صالح المروزي يحرض الناس على نصرة إبراهيم.

قال أبو زيد ، وحدثني القاسم بن شيبة ، قال سمعت أبا نعيم يقول : سمعت عمار بن زريق يقول :

سمعت الأعمش (١) يقول أيام إبراهيم :

ما يقعدكم؟ أما أني لو كنت بصيرا لخرجت.

أخبرني محمد بن الحسين الخثعمي ، قال : حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثني أبو نعيم :

أن مسعر بن كدام كتب إلى إبراهيم بن عبد الله يدعوه إلى أن يأتي الكوفة ويعده أن ينصره ، وكان مسعر مرجئا ، فلما شاع ذلك عاتبته المرجئة.

* * *

أخبرني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا محمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، وأخبرنا ابن علي وأصحابه عن عمر بن شبّة ، عن عبد الله بن محمد بن حكيم ، قالا :

كتب أبو حنيفة إلى إبراهيم يشير عليه أن يقصد الكوفة ليعينه الزيدية ، وقال له : ائتها سرّا فإن من ها هنا من شيعتكم يبيتون أبا جعفر فيقتلونه ، أو يأخذون برقبته فيأتونك به.

قال عمر بن شبّة في خبره :

وكانت المرجئة تنكر ذلك على أبي حنيفة وتعيبه به.

حدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثني محمد بن منصور الرازي ، عن

__________________

(١) هو سليمان بن مهران ، مات سنة ثمان وأربعين ومائة عن أربع وثمانين سنة كما في خلاصة تذهيب الكمال ١٣١ والمعارف ٢١٤.

٣١٤

الحسن بن الحسين ، وغيره من أصحابه :

أنّ أبا حنيفة كتب إلى إبراهيم بن عبد الله لما توجّه إلى عيسى بن موسى :

إذا أظفرك الله بعيسى وأصحابه فلا تسر فيهم سيرة أبيك في أهل الجمل فإنه لم يقتل المنهزم ، ولم يأخذ الأموال ، ولم يتبع مدبرا ، ولم يذفّف على جريح ؛ لأن القوم لم يكن لهم فئة ، ولكن سر فيهم بسيرة يوم صفين ، فإنه سبى الذرية ، وذفف على الجريح ، وقسم الغنيمة ، لأن أهل الشام كانت لهم فئة ، وكانوا في بلادهم.

فظفر أبو جعفر بكتابه ، فسيره وبعث إليه فأشخصه ، وسقاه شربة فمات منها ، ودفن ببغداد (١).

* * *

أخبرني محمد بن زكريا الصحاف ، قال : حدثنا قعيب بن محرز ، عن المدائني :

أن عبّاد بن العوام (٢) خرج إلى إبراهيم بن عبد الله ، وشهد معه حربه ، فلما ظفر أبو جعفر وقتل إبراهيم ، طلبه ، فسأله فيه المهدي فوهبه له ، وقال : لا تظهرن ولا تحدثن. فقال الناس : هذا رجل من أهل العلم خرج مع إبراهيم فيأخذون عنه الفتيا ، فلم يزل متواريا حتى مات أبو جعفر ، وأذن له المهدي في الظهور والحديث ، وظهر وحدّث (٣).

* * *

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، وأخبرنا يحيى بن علي ، ورواه أبو زيد ، قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثنا القاسم بن أبي شيبة ، عن أبي نعيم ، قال :

__________________

(١) توفي أبو حنيفة ببغداد في رجب سنة خمسين ومائة وهو يومئذ ابن سبعين سنة.

(٢) ولد عباد سنة ١١٨ وترجمته في تهذيب التهذيب ٥ / ٩٩ ـ ١٠٠ وتاريخ بغداد ١١ / ١٠٤ ـ ١٠٦.

(٣) في تهذيب التهذيب : «قال ابن سعد : كان يتشيع فأخذه هارون فحبسه ثم خلى عنه. فأقام ببغداد ، ومات سنة خمس وثمانين ومائة».

٣١٥

كتب أبو جعفر إلى عيسى بن موسى ، وهو على الكوفة ، يأمره بحمل أبي حنيفة إلى بغداد ، فغدوت إليه أريده ، ولقيته راكبا يريد وداع عيسى بن موسى ، وقد كان وجهه يسودّ ، فقدم بغداد فسقى بها شربة فمات وهو ابن سبعين ، وكان مولده سنة ثمانين.

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال :

دعا أبو جعفر أبا حنيفة إلى الطعام فأكل منه ، ثم استسقى فسقى شربة عسل مجدوحة (١) وكانت مسمومة فمات من غد ودفن في بغداد في المقابر المعروفة بمقابر الخيزران.

* * *

أخبرني يحيى بن علي ، والجوهري ، والعتكي ، قالوا : حدثنا عمر بن شبة ، قال :

حدثني عامر بن يحيى مولى بني عقيل من أهل واسط ، وكان في حرس الحجاج ، قال: حدثني سعيد بن مجاهد ، قال :

وصاحبت العوام بن حوشب (٢) يوما فقال : رميت في هؤلاء القوم ـ يعني المسودة ـ ثمانية عشر سهما ما سرني أني رميت بها أهل بدر مكانهم. قال : فكان عليه خف منخرق. فقلت : المسح أعلى من هذا. قال : نعم ما لم تدخله الربح وتخرج منه.

* * *

أخبرني يحيى بن علي ، والعتكي ، والجوهري ، قالوا : حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثني ابن العباس ، قال : حدثني عكرمة بن دينار مولى بني عامر ابن حنيفة ، قال :

خرج لبطة بن الفرزدق مع إبراهيم ، وكان شيخا كبيرا جليلا ، فلما قتل إبراهيم مررت به فقال لي : ما الخبر؟.

__________________

(١) في اللسان : «جدح الشيء إذا خلطه».

(٢) توفي سنة ثمان وأربعين ومائة ، كما في خلاصة تذهيب الكمال ٢٥٣ والمعارف ١٩٨.

٣١٦

فقلت : الشر ، والله انهزم أصحابنا.

قال : قف ها هنا نعش جميعا أو نمت جميعا.

فقلت ليس بذاك ، ووليت هاربا ، فلم أجاوزه بكثير حتى أدركه القوم ، فسمعته يقول (لا ملجأ من الله إلّا إليه) فقتل ، وعلقت في أذنه رقعة مكتوب فيها : رأس لبطة بن الفرزدق.

قال : وكان شهد مع إبراهيم وهو شيخ كبير ، فقودّه.

قال أبو الفرج :

لبطة هذا قد روى الحديث ، وروى عن أبيه ، عن الحسين بن علي حديثا مشهورا حدثنا في مقتله يقول : لقيت الحسين بالصفّاح ، وروى عن غير أبيه ، وكان له أخوان خبطة ، وحنظلة (١).

* * *

قال أبو زيد : وحدثني عاصم بن علي وسهل بن غطفان : أن إبراهيم لما قتل ، وتواري هارون بن سعد ، أراد الحجاج بن بشير الانحدار إلى نهر أبان ، فأدركوه فقتلوه ، وقتلوا ابن أخيه معاوية بن هشيم.

* * *

قال أبو زيد ، وحدثني بكر بن كثير ، عن حمزة التركي ، قال :

قدم عيسى بن زيد بعد قتل محمد ، فذكر أن محمدا جعل الأمر إليه ، ودعا الزيدية إلى نفسه فأجابوه ، وأبى البصريون ذلك ، حتى قالوا لإبراهيم : إن شئت أخرجناهم عنك من بلادنا فالأمر لك وما نعرف غيرك ، حتى كادت تقع فرقة ، فسفروا بينهم سفرا ، وقالوا : إنا إن اختلفنا ظهر علينا أبو جعفر ، ولكن نقاتله جميعا ، والأمر لإبراهيم ، فإن ظهرنا عليه نظرنا في أمرنا بعد ، فأجمعوا على ذلك.

* * *

__________________

(١) راجع الأغاني ١٩ / ٢ وابن خلكان ٢ / ٢٦٦.

٣١٧

أخبرنا يحيى بن علي ، وعمر بن عبد الله ، قالا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني خالد بن خداش ، قال : حدثني عبد السلام بن شعيب بن الحبحاب (١) ، قال : قلت لعثمان الطويل : خرج هذا الرجل وقعدتم عنه ، قال. ومن أخرجه غيرنا. قال : فلما قتل إبراهيم قال : يا أبا صالح ، أحب ألّا تفشي عليّ ذلك الحديث.

* * *

أخبرنا عمر ويحيى ، قالا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني حفص بن عمر بن حفص : أن أبا حرى نصر بن ظريف خرج مع إبراهيم فأصابت يده جراحة أجبّتها قال : فعطلتها ، ثم انهزم لما قتل إبراهيم فاستخفى.

أخبرنا عمر ، ويحيى ، قالا : حدثنا أبو زيد ، قال : حدثني عفان بن مسلم (٢) ، قال : خرج مع إبراهيم أبو العوام القطان واسمه عمران بن داود (٣) ، قال فحدثت بذلك عمر بن مروان فقال لي : ما شهد الحرب ، ولكن ولى له عملان. وأقام بالبصرة. قال أبو الفرج :

وأبو العوام هذا من جملة محدثي البصرة وهو من أصحاب الحسن البصري وقد روى عنه أبو جري نصر بن ظريف كلهم من ثقاة محدثي البصرة ومشاهيرهم.

* * *

قال أبو زيد ، وحدثني سعيد بن نوح ، قال :

خرج مع إبراهيم عبد ربه بن يزيد وكان شيخا كبيرا أبيض الرأس واللحية فقيل له : لو اختصبت ، فقال : لا حتى أعلم أن رأسي لي أو لهم.

* * *

قال أبو زيد ، وحدثني سنان بن المثنى الهذلي ، من آل سلمة بن المحبّق ، قال :

__________________

(١) في النسخ «ابن الحيحاب» والتصويب من خلاصة تذهيب الكمال ٢٠١.

(٢) كذا في الخطية ، وفي ط وق «عطاء بن مسلم».

(٣) خلاصة تذهيب الكمال ٢٠١.

٣١٨

شهد مع إبراهيم بباخمرى من آل سلمة بن المحبّق : عبد الحميد بن سنان بن سلمة بن المحبّق ، والحكم بن موسى بن سلمة ، وعمران بن شبيب بن سلمة.

قال أبو زيد ، وحدثني إبراهيم بن سلام الحذاء ، قال : حدثني أخي عن ابن سلام ، قال :

لما انهزمنا صرنا إلى عيسى بن زيد فصبر مليّا ثم قال : ما بعد هذا متلوم (١) فانحاز وصار إلى قصره ، ونحن معه ، فأزمعنا على أن نبيت عيسى بن موسى ، فلما انتصف الليل فقدنا عيسى بن زيد ، فانتقض أمرنا.

أخبرنا يحيى بن علي ، والجوهري ، والعتكي ، قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثنا عمر بن الهيثم المؤذن ، والوليد بن هشام ، ويونس بن نجدة :

أن إبراهيم استقضى عباد بن منصور (٢) على البصرة :

قال أبو زيد ، وحدثني أبو علي القداح ، قال : حدثني علي بن أبي سارة ، قال : لما ظهر إبراهيم استقضى سوّار بن عبد الله في بيته ، وأرسل إليه إبراهيم يدعوه ، فاعتل بالمرض ، فتركه ، وأمر عبّاد بن منصور فقضى بالبصرة حتى جاءت الهزيمة فلزم عباد بيته ، فلما قدم أبو جعفر بعد الهزيمة تلقاه الناس في الجسر الأكبر فيهم سوار بن عبد الله ، وأقام عبّاد في بيته وخافه ولم يدعه الناس حتى خرج على أمانه ، فلما رآه سأله ولم يخاطبه بشيء مما صنع.

* * *

حدثني أحمد بن عبد الله بن عمّارة ، قال : حدثني ميسرة بن حسان ، قال : حدثني ابن الأعرابي ، عن المفضل ، وحدثني محمد بن الحسن بن دريد ، قال : حدثنا أبو حاتم ، عن أبي عثمان اليقطري ، عن المفضل (٣). وحدثنا

__________________

(١) في ط وق «ما بعد هذا فنلوم».

(٢) توفي سنة اثنتين وخمسين ومائة كما في خلاصة تذهيب الكمال ١٥٨.

(٣) في الأغاني ١٧ / ١٠٩ البقطري أبيه عن المفضل».

٣١٩

يحيى بن علي بن يحيى ، وعمرو بن عبد الله ، وأحمد بن عبد العزيز ؛ قالوا : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني عبد الملك بن سليمان ، عن علي بن أبي الحسن ، عن المفضل الضبي. ورواية ابن الأعرابي واليقطري عن المفضل أتم ، وسائر من ذكرت يأتي بشيء لا يأتي به الآخر قال (١) :

كان إبراهيم بن عبد الله بن الحسن متواريا عندي ، فكنت أخرج وأتركه ، فقال لي : إنك إذا خرجت ضاق صدري ، فأخرج إليّ شيئا من كتبك أتفرج به ، فأخرجت إليه كتبا من الشعر ، فاختار منها السبعين قصيدة التي صدرت بها اختيار الشعراء (٢) ثم أتممت عليها باقي الكتاب.

فلما خرج خرجت معه ، فلما صار بالمربد مرّ بدار سليمان بن علي فوقف عليها ، واستسقى ماء ، فأتى بشربة فشرب ، فأخرج صبيان من صبيانهم فضمهم إليه وقال : هؤلاء والله منا ونحن منهم ، وهم أهلنا ولحمنا ومنّا ، ولكن آباءهم غلبونا على أمرنا ، وابتزوا حقوقنا ، وسفكوا دماءنا ، وتمثل :

مهلا بني عمنا ظلامتنا

إنّ بنا سورة من الغلق (٣)

لمثلكم تحمل السيوف ولا

تغمز أحسابنا من الرّقق (٤)

إني لأنمي إذا انتميت إلى

عز عزيز ومعشر صدق

بيض سباط كأنّ أعينهم

تكحل يوم الهياج بالعلق (٥)

فقلت : ما أجود هذه الأبيات وأفحلها : فلمن هي؟.

فقال : هي يقولها ضرار بن الخطاب الفهري يوم عبر الخندق (٦) على رسول الله (ص) ، وتمثل بها علي بن أبي طالب يوم صفين ، والحسين يوم

__________________

(١) ابن أبي الحديد ١ / ٣٢٤ والأغاني ١٧ / ١٠٩.

(٢) في ابن أبي الحديد «فاختار منها القصائد السبعين التي صدر بها كتاب المفضليات».

(٣) في ط وق «العلق» وفي الأغاني «القلق» والسورة : الوثوب ، والغلق : الضجر والحدة وضيق الصدر.

(٤) في ط وق «يحمل السيوف» والرقق : الضعف.

(٥) كذا في الأغاني وابن أبي الحديد ، وفي ط وق «بالرزق» والعلق : الدم يريد أن عيونهم حمر لشدة الغيظ والغضب ، فكأنها كحلت بالدم.

(٦) كذا في الخطية وابن أبي الحديد وفي ط وق «يوم جذع الخندق».

٣٢٠