مقاتل الطالبيّين

أبي الفرج الاصفهاني

مقاتل الطالبيّين

المؤلف:

أبي الفرج الاصفهاني


المحقق: السيد أحمد صقر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٦٤

ذكر أيّام المأمون

ابن الرشيد

٤٢١

٤٨ ـ محمد بن محمد بن زيد

فممن قتل بها أو سقي السم فمات منهم :

محمد بن محمد بن زيد (١) بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)

وأمه فاطمة بنت علي بن جعفر بن إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

وهو الخارج في أيام أبي السّرايا (٢).

* * *

وإذا ذكرنا من قتل في أيامه ، وأيام محمد بن إبراهيم الخارج قبله منهم ـ شرحنا من أخبارهم ما يحتاج إليه ، لتنساق قصصهم ؛ إذ كان إفرادهم مما تنقطع معه الأخبار.

* * *

٤٩ ـ الحسن بن الحسين بن زيد

والحسن بن الحسين بن زيد بن علي

ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام

وهو القتيل يوم قنطرة الكوفة ، في الحرب التي كانت بين هرثمة (٣) وأبي السرايا وأمه أم ولد.

* * *

__________________

(١) في الطبري ١٠ / ٢٢٨ «لما مات ابن طباطبا في يوم الخميس لليلة خلت من رجب سنة ١٩٩ ه‍ ـ أقام أبو السرايا مكانه غلاما أمردا حدثا يقال له : محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فكان أبو السرايا هو الذي ينفذ الأمور ويولي من رأى ويعزل من أحب ، وإليه الأمور كلها ...». راجع ابن الأثير ٦ / ١١٢.

(٢) في الطبري ١٠ / ٢٤٤ «وفيها ـ أي في سنة ٢٠١ مات محمد بن محمد صاحب أبي السرايا.

(٣) ذكر الطبري في حوادث سنة ٢٠٠ خاتمة أمر هرثمة بعد فراغه من قتال أبي السرايا فقال ١٠ / ٢٣٦ «وفي هذه السنة شخص هرثمة من معسكره إلى المأمون بمرو ، فقال له المأمون : مالأت أهل الكوفة والعلويين وداهنت ودسست إليّ أبا السرايا حتى خرج وعمل ما عمل ، وكان رجلا من أصحابك ، ولو أردت أن تأخذهم جميعا لفعلت ، ولكنك أرخيت خناقهم ، وأجررت لهم رسنهم. فذهب هرثمة ليتكلم ويعتذر ويدفع عن نفسه ما قرف به فلم يقبل ذلك منه ، وأمر به فوجئ على أنفه ، وديس بطنه وسحب من بين يديه ...».

٤٢٢

٥٠ ـ الحسن بن إسحاق بن علي بن الحسين

والحسن بن إسحاق بن علي بن الحسين

ابن علي بن أبي طالب (١) عليه السلام

وأمه أم ولد.

قتل في وقعة السوس مع أبي السرايا لما خرج عن الكوفة.

٥١ ـ محمد بن الحسين بن الحسن

ومحمد بن الحسين بن الحسن بن علي بن علي

ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام

وأمه أمينة بنت حمزة بن المنذر بن الزبير.

قتل باليمن في أيام أبي السرايا (٢).

٥٢ ـ علي بن عبد الله بن محمد

وعلي بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن

عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

قتل باليمن في أيام أبي السرايا أيضا (٣).

__________________

(١) في ط وق «وفي نسخة والحسين بن إسحاق بن الحسين بن زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب» وفي الخطية «الحسن بن إسحاق بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب».

(٢) في الطبري ١٠ / ٢٣١ «لما قتل أبو السرايا بعث علي بن أبي سعيد ممن كان معه من القواد : عيسى بن يزيد الجلودي ، وورقاء بن جميل ، وحمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان ، وهارون بن المسيّب إلى مكة ، والمدينة ، واليمن ، وأمرهم بمحاربة من بها من الطالبيين».

(٣) في الطبري ١٠ / ٢٣٢ «وفي هذه السنة ـ يعني سنة ٢٠٠ ـ خرج إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب باليمن. وكان بمكة حين خرج أبو السرايا ، فلما بلغه خبره خرج من مكة مع من كان معه من أهل بيته يريد اليمن ، ووالي اليمن يومئذ المقيم بها من قبل المأمون إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، فلما سمع بإقبال إبراهيم وقربه من صنعاء خرج منصرفا عن اليمن وخلّاها له وكره قتاله ....».

٤٢٣

ذكر السبب في خروج أبي السرايا

كتب إليّ علي بن أبي قربة العجلي ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الكاتب قال : حدثني نصر بن مزاحم المنقري بما شاهد من ذلك ، قال وحدث بما غاب عنه عمن حضره فحدثني به ، ويحيى بن عبد الرحمن أيضا بنتف من خبره عن غير نصر بن مزاحم ، وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار ، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي بأخباره.

فربما ذكرت الشيء اليسير منها والمعنى الذي يحتاج إليه ؛ لأن علي بن محمد كان يقول : بالإمامة فيحمله التعصب لمذهبه على الحيف فيما يرويه (١) ، ونسبة من روى خبره من أهل هذا المذهب إلى قبيح الأفعال ، وأكثر حكاياته في ذلك بل سائرها عن أبيه موقوفا عليه لا يتجاوزه ، وأبوه حينئذ مقيم بالبصرة لا يعلم بشيء من أخبار القوم ، إلّا ما يسمعه من ألسنة العامة على سبيل الأراجيف والأباطيل ، فيسطره في كتابه عن غير علم ، طلبا منه لما شان القوم ، وقدح فيهم.

فاعتمدت على رواية من كان بعيدا عن فعله في هذا ، وهي رواية نصر بن مزاحم ، إذ كان ثبتا في الحديث والنقل ، ويظهر أنه ممن سمع خبر أبي السرايا عنه. قالوا (٢) :

كان سبب خروج محمد بن إبراهيم وهو محمد إبراهيم بن إسماعيل ، وهو ابن طباطبا ، بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (٣) وأبي

__________________

(١) في الخطية «على التكذيب فيما يرويه».

(٢) الطبري ١٠ / ٢٢٧ ومروج الذهب ٢ / ٢٢٤ وابن الأثير ٦ / ١١١ ـ ١١٤.

(٣) ما بين النجمتين ساقط من الخطية.

٤٢٤

السرايا ان نصر بن شبيب كان قدم حاجّا وكان متشيعا حسن المذهب ، وكان ينزل الجزيرة ، فلما ورد المدينة سأل عن بقايا أهل البيت ومن له ذكر منهم ، فذكر له : علي بن عبيد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، ومحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن.

فأما علي بن عبيد الله فإنه كان مشغولا بالعبادة لا يصل إليه أحد ولا يأذن له.

وأما عبد الله بن موسى فكان مطلوبا خائفا لا يلقاه أحد.

وأما محمد بن إبراهيم فإنه كان يقارب الناس ويكلمهم في هذا الشأن ، فأتاه نصر ابن شبيب فدخل إليه وذاكره مقتل أهل بيته وغصب الناس إيّاهم حقوقهم ، وقال : حتى متى توطئون بالخسف وتهتضم شيعتكم وينزى على حقكم؟ وأكثر من القول في هذا المعنى إلى أن أجابه محمد بن إبراهيم ، وواعده لقاءه بالجزيرة.

وانصرف الحاج ، ثم خرج محمد بن إبراهيم إلى الجزيرة ، ومعه نفر من أصحابه وشيعته ، حتى قدم على نصر بن شبيب للموعد ، فجمع إليه نصر أهله وعشيرته وعرض ذلك عليهم ، فأجابه بعضهم وامتنع عليه بعض ، وكثر القول فيهم والاختلاف حتى تواثبوا وتضاربوا بالنعال والعصي ، وانصرفوا عن ذلك.

ثم خلا بنصر بعض بني عمه وأهله فقال له :

ما ذا صنعت بنفسك وأهلك؟ أفتراك إذا فعلت هذا الأمر وتأبدت (١) السلطان يدعك وما تريد؟ لا والله بل يصرف همّه إليك وكيدة ، فإن ظفر بك فلا بقاء بعدها ، وإن ظفر صاحبك وكان عدلا كنت عنده بمنزلة رجل من أفناء (٢) أصحابه ، وإن كان غير ذلك فما حاجتك إلى تعريض نفسك وأهلك وأهل بيتك لما لا قوام لهم به؟ وأخرى إن جميع هذا البلد أعداء لآل أبي طالب ، فإن أجابوك الآن طائعين ، فرّوا عنك غدا منهزمين إذا احتجت إلى نصرهم ، على أنك إلى خلافهم أقرب منك إلى إجابتهم ، ثم تمثل [بقوله] :و

أبذل لابن العم نصحي ورأفتي

إذا كان لي بالخير في الناس مكرما

فإن راغ عن نصحي وخالف مذهبي

قلبت له ظهر المجن ليندما

__________________

(١) تأبد : غضب وتوحش.

(٢) في الخطية «من أمناء أصحابه» والأفناء : الأخلاط من الناس واحده فنو بكسر الفاء.

٤٢٥

فثنى نصرا عن رأيه (١) ، وفتر نيته ، فصار إلى محمد بن إبراهيم معتذرا إليه بما كان من خلاف الناس عليه ، ورغبتهم عن أهل البيت ، وأنه لو ظن ذلك بهم لم يعده نصرهم ، وأومأ إلى أن يحمل إليه مالا ويقويه بخمسة آلاف دينار ، فانصرف محمد عنه مغضبا ، وأنشأ يقول ، والشعر له :

سنغني بحمد الله عنك بعصبة

يهشّون للدّاعي إلى واضح الحقّ

طلبت لك الحسنى فقصرت دونها

فأصبحت مذموما وزلت عن الصدق (٢)

جروا فلهم سبق وصرت مقصّرا

ذميما بما قصرت عن غاية السّبق

وما كل شيء سابق أو مقصر

يؤول به التقصير إلّا إلى العرق

ثم مضى محمد بن إبراهيم راجعا إلى الحجاز ، فلقى في طريقه أبا السّرايا السري بن منصور أحد بني ربيعة (٣) بن ذهل بن شيبان ، وكان قد خالف السلطان ونابذه ، وعاث في نواحي السّواد ، ثم صار إلى تلك الناحية فأقام بها خوفا على نفسه ، ومعه غلمان له فيهم :

أبو الشوك (٤) ، وسيّار ، وأبو الهرماس ، غلمانه.

وكان علوي الرأي ذا مذهب في التشيّع ، فدعاه إلى نفسه فأجابه وسر بذلك ، وقال له : انحدر إلى الفرات حتى أوافي على ظهر الكوفة (٥) ، وموعدك الكوفة.

ففعل ذلك ووافى محمد بن إبراهيم الكوفة يسأل عن أخبار الناس ويتحسسها ، ويتأهب لأمره ويدعو من يثق به إلى ما يريد ، حتى اجتمع له بشر كثير ، وهم في ذلك ينتظرون أبا السرايا وموافاته ، فبينا هو في بعض الأيام يمشي في بعض طريق الكوفة إذ نظر إلى عجوز تتبع أحمال الرطب ، فتلقط ما يسقط منها فتجمعه في كساء عليها رث ، فسألها عما تصنع بذلك. فقالت : إني امرأة لا رجل لي يقوم بمؤنتي ، ولي بنات لا يعدن على أنفسهن بشيء ، فأنا أتتبع هذا من الطريق وأتقوته أنا وولدي. فبكى بكاء شديدا ، وقال :

أنت والله وأشباهك تخرجوني غدا حتى يسفك دمي.

ونفذت بصيرته في الخروج ، وأقبل أبو السرايا لموعده على طريق البر حتى

__________________

(١) في ط وق «فقيل تصاغر عن رأيه».

(٢) في الخطية «مذموما وفاز «ذوي» الصدق».

(٣) في ط وق «السري بن منصور ، حدثني أبي ربيعة».

(٤) في ط وق «أبو السيول وبشار».

(٥) في الخطية «حتى أوافي على الظهر».

٤٢٦

ورد عين التمر في فوارس معه ، جريدة لا راجل فيهم ، وأخذ على النهرين حتى ورد إلى نينوى فجاء إلى قبر الحسين.

قال نصر بن مزاحم : فحدثني رجل من أهل المدائن ، قال :

إني لعند قبر الحسين في تلك الليلة ، وكانت ليلة ذات ريح ورعد ومطر ، إذا بفرسان قد أقبلوا فترجلوا ودخلوا إلى القبر فسلموا ، وأطال رجل منهم الزيارة ثم جعل يتمثل أبيات منصور بن الزبرقان النمري :

نفسي فداء الحسين يوم عدا

إلى المنايا عدو لا قافل (١)

ذاك يوم أنحى بشفرته (٢)

على سنام الإسلام والكاهل

كأنما أنت تعجبين ألّا

ينزل بالقوم نقمة العاجل

لا يعجل الله إن عجلت وما

ربك عمّا ترين بالغافل

مظلومة والنبي والدها

يدير أرجاء مقلة جافل

ألا مساعير يغضبون لها

بسلّة البيض والقنا الذابل

قال : ثم أقبل عليّ فقال : ممن الرجل؟.

فقلت : رجل من الدهاقين من أهل المدائن.

فقال سبحان الله ، يحن الولي إلى وليّه كما تحن الناقة إلى حوّارها ، يا شيخ إن هذا موقف يكثر لك عند الله شكره ويعظم أجره.

قال : ثم وثب فقال : من كان ها هنا من الزّيدية فليقم إليّ ، فوثبت إليه جماعات من الناس ، فدنوا منه فخطبهم خطبة طويلة ذكر فيها أهل البيت وفضلهم وما خصّوا به ، وذكر فعل الأمّة بهم وظلمهم لهم ، وذكر الحسين بن علي فقال :

أيها الناس ، هبكم لم تحضروا الحسين فتنصروه ، فما يقعدكم عمن أدركتموه ولحقتموه؟ وهو غدا خارج طالب بثأره وحقه ، وتراث آبائه وإقامة دين الله ، وما يمنعكم من نصرته ومؤازرته؟ إنني خارج من وجهي هذا إلى الكوفة للقيام بأمر الله ، والذّب عن دينه ، والنصر لأهل بيته ، فمن كان له نية في ذلك فليلحق بي. ثم مضى من فوره عائدا إلى الكوفة ومعه أصحابه.

* * *

__________________

(١) في ط وق «عدوا ولا قافل».

(٢) في ط وق «يوم الحي يسفر به».

٤٢٧

قال : وخرج محمد بن إبراهيم في اليوم الذي واعد فيه أبا السّرايا للاجتماع بالكوفة (١) ، وأظهر نفسه وبرز إلى ظهر الكوفة ، ومعه علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين ، وأهل الكوفة منبثون مثل الجراد إلّا أنهم على غير نظام وغير قوة ، ولا سلاح إلّا العصي والسكاكين والآجر ، فلم يزل محمد بن إبراهيم ومن معه ينتظرون أبا السرايا ويتوقعونه فلا يرون له أثرا حتى أيسوا منه ، وشتمه بعضهم ، ولاموا محمد بن إبراهيم على الاستعانة به ، واغتم محمد بن إبراهيم بتأخره ، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم من نحو الجرف علمان أصفران وخيل ، فتنادى الناس بالبشارة فكبروا ونظروا ، فإذا هو أبو السرايا ومن معه ، فلما أبصر محمد بن إبراهيم ترجل وأقبل إليه فانكب عليه واعتنقه محمد ، ثم قال له : يابن رسول الله ، ما يقيمك هاهنا؟ ادخل البلد فما يمنعك منه أحد. فدخل هو وخطب الناس ، ودعاهم إلى البيعة إلى الرضا من آل محمد والدعاء إلى كتاب الله وسنّة نبيه (ص) ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والسيرة بحكم الكتاب. فبايعه جميع الناس حتى تكابسوا وازدحموا عليه ، وذلك في موضع بالكوفة يعرف بقصر الضرتين.

فحدثني أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا محمد بن منصور بن يزيد أبو جعفر المرادي ، قال : حدثنا الحسن بن عبد الواحد الكوفي ، قال : حدثنا الحسن بن الحسين عن سعيد بن خيثم بن معمر (٢) ، قال :

سمعت زيد بن علي يقول : يبايع الناس لرجل منا عند قصر الضرتين ، سنة تسع وتسعين ومائة ، في عشر من جمادي الأولى ، يباهي الله به الملائكة.

قال الحسن بن الحسين : فحدثت به محمد بن إبراهيم فبكى.

حدثني أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن منصور ، قال : حدثنا علي بن الحسين ، قال : حدثنا عمر بن شبة المكي ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال :

يخطب على أعوادكم يا أهل الكوفة سنة تسع وتسعين ومائة في جمادي الأولى ـ

__________________

(١) في الطبري ١٠ / ٢٢٧ «وفيها ـ أي في سنة ١٩٩ خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة يدعو إلى الرضا من آل محمد ، والعمل بالكتاب والسّنّة ، وهو الذي يقال له ابن طباطبا ، وكان القيم بأمره في الحروب وتدبيرها وقيادة جيوشه أبو السرايا واسمه السري بن منصور».

(٢) في الخطية «بن خيثم أبي معمر».

٤٢٨

رجل منا أهل البيت ، يباهي الله به الملائكة.

حدثني محمد بن الحسين الأشناني ، قال : حدثنا أحمد بن حازم الغفاري ، قال : حدثنا الحسن بن الحسين ، عن عمر بن شبة المكي (١) بنحوه.

* * *

رجع الحديث إلى خبر أبي السرايا.

قال : ووجه محمد بن إبراهيم إلى الفضل بن العباس بن عيسى بن موسى رسولا يدعوه إلى بيعته ويستعين به في سلاح وقوة ، فوجد العباس قد خرج عن البلد وخندق حول داره ، وأقام مواليه في السلاح للحرب ، فأخبر الرسول محمدا بذلك فأنفذ محمد أبا السرايا إليهم ، وأمره أن يدعوهم ولا يبدأهم بقتال ، فلما صار إليهم تبعه أهل الكوفة كالجراد المنتشر ، فدعاهم فلم يصغوا إلى قوله ولم يجيبوا دعوته ، ورموه بالنشاب من خلف السور ، فقتل رجل من أصحابه أو جرح ، فوجه به إلى محمد بن إبراهيم ، فأمره بقتالهم فقاتلهم. وكان على السور خادم أسود واقف بين شرفتين يرمي لا يسقط له سهم ، فأمر أبو السرايا غلامه أن يرميه ، فرماه بسهم فأثبته بين عينيه ، وسقط الخادم على أم رأسه إلى أسفل فمات وفرّ موالي الفضل بن العباس فلم يبق منهم أحد (٢) وفتح الباب فدخل أصحاب أبي السرايا ينتهبونها ويخرجون حرّ المتاع منها ، فلما رأى ذلك أبو السرايا حظره ومنع أحدا من الخروج أو يأخذ ما معه ويفتشه ، فأمسك الناس عن النهب.

قال : فسمعت أعرابيا يرتجز ومعه تخت فيه ثياب وهو يقول :

ما كان إلّا ريث زجر الزاجره

حتى انتضيناها سيوفا باتره

حتى علونا في القصور القاهره

ثم انقلبنا بالثياب الفاخره

قال : ومضى الفضل بن العباس فدخل على الحسن بن سهل فشكا إليه ما انتهك منه فوعده النصر والغرم والخلف ، ثم دعا بزهير بن المسيب (٣) فضم إليه الرجال وأمده بالأموال وندبه إلى المسير نحو أبي السرايا وأن يودعه من وقته ويمضي لوجهه فيه ولا ينزل إلّا بالكوفة ، وكان محمد بن إبراهيم عليلا علته التي مات فيها.

__________________

(١) في ط وق «عمر بن شبيب».

(٢) في ط وق «فمات ، ومن موالي العباس فلم يبق منهم أحد».

(٣) راجع الطبري ١٠ / ٢٢٧.

٤٢٩

وكان الحسن بن سهل ، لانتحاله النجوم ونظره فيها ، ينظر في نجم محمد فيراه محترقا ، فيبادر في طلبه ، ويحرص على ترويحه ، ويشغله ذلك عن النظر في أمر عسكره.

فسار زهير بن المسيب حتى ورد قصر ابن هبيرة فأقام به ، ووجه ابنه أزهر بن زهير على مقدمته ، فنزل سوق أسد.

وسار أبو السرايا من الكوفة وقت العصر فأغذ السّير حتى أتى معسكر أزهر بن زهير بسوق أسد ، وهم غارون فيه وبيته ، فطحن العسكر وأكثر القتل فيه ، وغنم دوابهم وأسلحتهم ، وانقطع الباقون في الليل منهزمين حتى وافت زهيرا بالقصر ، فتغيظ من ذلك.

ورجع أبو السّرايا إلى الكوفة ، وزحف زهير حتى نزل ووافت خريطة من الحسن بن سهل ، يأمره ألا ينزل إلّا بالكوفة ، فمضى حتى نزل عند القنطرة.

ونادى أبو السرايا في الناس بالخروج ، فخرجوا حتى صادفوا زهيرا على قنطرة الكوفة في عشية صردة باردة ، فهم يوقدون النار يستدفئون بها ، ويذكرون الله ويقرأون القرآن ، وأبو السّرايا يسكن منهم ويحثهم.

وأقبل أهل بغداد يصيحون يا أهل الكوفة : زيّنوا نساءكم وأخواتكم وبناتكم للفجور ، والله لنفعلن بهم كذا وكذا. ولا يكنون.

وأبو السرايا يقول لهم : اذكروا الله وتوبوا إليه ، واستغفروه واستعينوه ، فلم يزل الناس في تلك الليلة يتحارسون طول ليلتهم ، حتى إذا أصبح نهد إليهم فوقف في عسكره ، وقد عشيت أبصار الناس من الدروع والبيض والجواش وهم على تعبئة حسنة ، وأصوات الطبول والبوقات مثل الرعد العاصف ، وأبو السرايا يقول :

يا أهل الكوفة صححوا نياتكم ، وأخلصوا لله ضمائركم ، واستنصروه على عدوكم ، وابرأوا إليه من حولكم وقوتكم ، واقرأوا القرآن ، ومن كان يروي الشعر فلينشد شعر عنترة العبسي :

قال : ومرّ بنا الحسن بن الهذيل يعترض الناس ناحية ناحية ويقول :

يا معشر الزيدية ، هذا موقف تستزل فيه الأقدام ، وتزايل فيه الأفعال. والسعيد من حاط دينه ، والرشيد من وفّى لله بعهده ، وحفظ محمدا في عترته.

٤٣٠

ألا إن الآجال موقوتة ، والأيام معدودة ، من هرب بنفسه من الموت كان الموت محيطا به ، ثم قال :

من لم يمت عبطة يمت هرما

الموت كأس والمرء ذائقها

قال أبو الفرج الأصبهاني :

الحسن بن الهذيل هذا ، صاحب الحسين المقتول بفخ ، وقد روى عنه الحديث. قال: فطلع رجل من أهل بغداد مستلئما شاكي السلاح ، فجعل يشتم أهل الكوفة ويقول : لنفجرن بنسائكم ولنفعلن بكم ولنصنعن ، وانتدب إليه رجل من أهل الوازار ـ قرية بباب الكوفة ـ عليه إزار أحمر وفي يده سكين ، فألقى نفسه في الفرات وسبح ساعة حتى صار إليه ، فدنا منه فأدخل يده في جيب درعه وجذبه إليه فصرعه ، وضرب بالسكين حلقه فقتله ، وجر برجله يطفو مرة ويغوص مرة أخرى حتى أخرجه إلى الكوفة فكبّر الناس وارتفعت أصواتهم بحمد الله والثناء عليه والدعاء.

وخرج رجل من ولد الأشعث بن قيس فعبر إلى البغداديين ودعا للبراز ، فبرز إليه رجل فقتله ، وبرز إليه آخر فقتله ، وبرز إليه ثالث فقتله ، حتى قتل نفرا. وأقبل أبو السرايا ، فلما رآه شتمه وقال : من أمرك بهذا؟ ارجع فرجع فمسح سيفه بالتراب ورده في غمده وقنع فرسه ومضى نحو الكوفة ، فلم يشهد حربا بعدها معهم.

ووقف أبو السرايا على القنطرة طويلا ، وخرج رجل من أهل بغداد فجعل يشتمه بالزنا لا يكنى (١). وأبو السرايا واقف لا يتحرك ، ثم تغافل ساعة حتى هم بأن ينصرف ، ثم حمل عليه فقتله وحمل على عسكرهم حتى خرج من خلفهم ، ثم حمل عليهم من خلف العسكر حتى رجع من حيث جاء. ووقف في موقفه وهو ينفخ وينفض علق الدم عن درعه.

ثم دعا غلاما له فوجهه في نفر من أصحابه وأمره أن يمضي حتى يصير من وراء العسكر ، ثم يحمل عليهم لا يكذب (٢) ، فمضى الغلام لوجهه مع من معه قاصدا لما

__________________

(١) في ط وق «يشتمه بالرأي».

(٢) في الخطية «لا يكر».

٤٣١

أمره به ، ووقف أبو السرايا على القنطرة على فرس له أدهم محذوف ، وقد اتكأ على رمحه فنام على ظهر الفرس حتى غط ، وأهل الكوفة جزعون لما يرونه من عسكر زهير ، ويسمعونه من تهددهم ووعيدهم ، وهم يضجون ويصيحون بالتكبير والتهليل حتى يسمع أبو السرايا فينتبه من نومه ، فلم ينتبه حتى ظن أن الكمين الذي بعثه قد انتهى إلى حيث أمره فصاح بفرسه : قتال ، ثم قنعه حتى رضي بحفزه ، ثم أومأ بيده نحو الكمين الذي بعثه ، وصاح بأهل الكوفة : احملوا ، وحمل وتبعوه فلم يبق من أصحاب زهير أحد إلّا التفت نحو الإشارة.

وخالط أبو السرايا وغلامه سيار العسكر ، وتبعه أهل الكوفة وصاح بغلامه : ويلك يا سيّار ألا تراني ، فحمل سيّار على صاحب العلم فقتله وسقط العلم ، وانهزمت المسودة.

وتبعهم أبو السرايا وأصحابه ونادى : من نزل عن فرسه فهو آمن ، فجعلوا يترجّلون ، وأصحاب أبي السرايا يركبون ، وتبعوهم حتى جاوزوا شاهي ، ثم التفت زهير إلى أبي السرايا فقال : ويحك ، أتريد هزيمة أكثر من هذه؟ إلى أين تتبعني؟ فرجع وتركه. وغنم أهل الكوفة غنيمة لم يغنم أحد مثلها ، وصاروا إلى عسكر زهير بن المسيّب ومطابخه قد أعدت وأقيمت ، وكان قد حلف ألّا يتغدى إلّا في مسجد الكوفة ، فجعلوا يأكلون ذلك الطعام ، وينتهبون الأسلحة والآلة (١) ، وكانوا قد أصابهم جوع وجهد شديد.

ومضى زهير لوجهه حتى دخل بغداد مستترا ، وبلغ خبره الحسن بن سهل فأمر بإحضاره ، فلما رآه رماه بعمود حديد كان في يده ، فشتر إحدى عينيه ، وقال لبعض من كان بحضرته : أخرجه فاضرب عنقه ، فتشفعوا فيه ، فلم يزل يكلم فيه حتى عفا عنه.

ودخل أبو السرايا الكوفة ، ومعه خلق كثير من الأسارى ، ورؤوس كثيرة على الرماح مرفوعة ، وفي صدور الخيل مشدودة ، ومن معه من أهل الكوفة قد ركبوا الخيل ولبسوا السلاح ، فهم في حالة واسعة ، وأنفسهم بما رزقوه من النصر قوية.

واشتد غم الحسن بن سهل ومن بحضرته من العباسيين ، لما جرى على عسكر

__________________

(١) الطبري ١٠ / ٢٢٧ وابن الأثير ٦ / ١١٢.

٤٣٢

زهير ، وطال اهتمامهم به ، فدعا الحسن بن سهل بعبدوس بن عبد الصمد (١) ، وضم إليه ألف فارس وثلاثة آلاف راجل ، وأزاح علته في الإعطاء ، وقال : إنما أريد أن أنوه باسمك فانظر كيف تكون ، وأوصاه بما احتاج إليه ، وأمره ألّا يلبث.

فخرج من بين يديه وهو يحلف أن يبيح الكوفة ، ويقتل مقاتلة أهلها ، ويسبي ذراريهم ، ثلاثا.

ومضى لوجهه لا يلوي على شيء حتى صار إلى الجامع ، وقد كان الحسن بن سهل تقدم إليه بذلك ، وأمره ألا يأخذ على الطريق الذي انهزم فيه زهير ، لئلا يرى أصحابه بقايا قتلى عسكره ، فيجبنوا (٢) من ذلك. فأخذ على طريق الجامع فلما وافاها وبلغ أبا السرايا خبره ، صلى الظهر بالكوفة ، ثم جرد فرسان أصحابه ومن يثق به منهم وأغذ السير بهم ، حتى إذا قرب من الجامع فرّق أصحابه ثلاث فرق وقال : شعاركم : «يا فاطمي يا منصور» ، وأخذ هو في جانب السوق ، وأخذ سيار في سيره الجامع وقال لأبي الهرماس : خذ بأصحابك على القرية فلا يفتك أحد منهم ، ثم احملوا دفعة واحدة من جوانب عسكر عبدوس ، ففعلوا ذلك فأوقعوا به وقتلوا منه مقتلة عظيمة ، وجعل الجند يتهافتون في الفرات طلبا للنجاة ، حتى غرق منهم خلق كثير.

ولقي أبو السرايا عبدوسا في رحبة الجامع (٣) فكشف خوزته عن رأسه وصاح : أنا أبو السرايا ، أنا أسد بني شيبان ، ثم حمل عليه ، وولّى عبدوس من بين يديه ، وتبعه أبو السرايا فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته ، وخرّ صريعا عن فرسه.

وانتهب الناس من أصحاب أبي السرايا وأهل الجامع عسكر عبدوس ،

__________________

(١) في الطبري ١٠ / ٢٢٨ «وكان الحسن بن سهل قد وجه عبدوس بن محمد بن أبي خالد المروروذي إلى النيل ، حين وجه زهيرا إلى الكوفة ، فخرج بعد ما هزم زهير عبدوس يريد الكوفة بأمر الحسن بن سهل حتى بلغ الجامع هو وأصحابه ...».

(٢) في ط وق «فتنحوا».

(٣) في الطبري ١٠ / ٢٢٨ «فتوجه أبو السرايا إلى عبدوس ، فواقعه بالجامع يوم الأحد لثلاث عشرة بقيت من رجب ، فقتله ، وأسر هارون بن محمد بن أبي خالد ، واستباح عسكره ، وكان عبدوس فيما ذكر في أربعة آلاف فارس ، فلم يفلت منهم أحد كانوا بين قتيل وأسير. وانتشر الطالبيون في البلاد. وضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة ، ونقش عليها «إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص».

٤٣٣

وأصابوا منه غنيمة عظيمة ، وانصرفوا إلى الكوفة بقوة وأسلحة.

* * *

ودخل أبو السرايا إلى محمد بن إبراهيم وهو عليل يجود بنفسه فلامه على تبييته العسكر ، وقال :

أنا أبرأ إلى الله مما فعلت ، فما كان لك أن تبيتهم ، ولا تقاتلهم حتى تدعوهم ، وما كان لك أن تأخذ من عسكرهم إلّا ما أجلبوا به علينا من السلاح.

فقال أبو السرايا : يابن رسول الله ، كان هذا تدبير الحرب ، ولست أعاود مثله. ثم رأى في وجه محمد الموت فقال له : يابن رسول الله ، كل حي ميت ، وكل جديد بال ، فاعهد إليّ عهدك.

فقال : أوصيك بتقوى الله ، والمقام على الذب عن دينك ، ونصرة أهل بيت نبيك (ص) ، فإن أنفسهم موصولة بنفسك ، وول الناس الخيرة فيمن يقوم مقامي من آل علي ، فإن اختلفوا فالأمر إلى علي بن عبيد الله ، فإني قد بلوت طريقته ، ورضيت دينه.

ثم اعتقل لسانه ، وهدأت جوارحه ، فغمضه أبو السرايا وسجّاه ، وكتم موته (١) ، فلما كان الليل أخرجه في نفر من الزّيدية إلى الغري فدفنه.

فلما كان من الغد جمع الناس فخطبهم ، ونعى محمدا إليهم وعزاهم عنه ، فارتفعت الأصوات بالبكاء إعظاما لوفاته ، ثم قال :

وقد أوصى أبو عبد الله رحمة الله عليه إلى شبيهه ومن اختاره ، وهو أبو الحسن علي بن عبيد الله ، فإن رضيتم به فهو الرضا ، وإلّا فاختاروا لأنفسكم.

فتواكلوا ونظر بعضهم إلى بعض ، فلم ينطق أحد منهم فوثب محمد بن محمد بن زيد (٢) وهو غلام حدث السن ، فقال :

يا آل علي : فات الهالك النجا ، وبقي الثاني بكرمه ، إنّ دين الله لا ينصر بالفشل ، وليست يد هذا الرجل عندنا بسيئة ، وقد شفي الغليل ، وأدرك الثأر ، ثم التفت إلى علي بن عبد الله فقال : ما تقول يا أبا الحسن رضي الله عنك؟ فقد وصانا بك ، امدد يدك نبايعك ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

__________________

(١) راجع الطبري ١٠ / ٢٢٧.

(٢) ابن الأثير ٦ / ١١٢.

٤٣٤

إن أبا عبيد الله رحمة الله عليه قد اختار فلم يعد الثقة في نفسه ، ولم يأل جهدا في حق الله الذي قلده ، وما أردّ وصيته تهاونا بأمره ، ولا أدع هذا نكولا عنه ، ولكن أتخوّف أن أشتغل به عن غيره مما هو أحمد وأفضل عاقبة ، فامض رحمك الله لأمرك ، واجمع شمل ابن عمك ، فقد قلدناك الرياسة علينا ، وأنت الرضا عندنا ، الثقة في أنفسنا.

ثم قال لأبي السرايا : ما ترى؟ أرضيت به؟.

قال : رضائي في رضاك ، وقولي مع قولك ، فجذبوا يد محمد بن محمد فبايعوه ، وفرّق عماله.

فولى إسماعيل بن علي بن إسماعيل بن جعفر خلافته على الكوفة.

وولى روح بن الحجاج شرطته.

وولى أحمد بن السري الأنصاري رسائله.

وولى عاصم بن عامر القضاء.

وولى نصر بن مزاحم السوق.

وعقد لإبراهيم بن موسى بن جعفر على اليمن.

وولى زيد بن موسى بن جعفر الاهواز.

وولى العباس بن محمد بن عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب البصرة.

وولى الحسن بن الحسن الأفطس مكة.

وعقد لجعفر بن محمد بن زيد بن علي ، والحسين بن إبراهيم بن الحسن بن علي واسطا.

فخرجوا إلى أعمالهم.

فأما ابن الأفطس فلم يمنعه أحد مما وجه له ، فأقام الحج تلك السنة وهي سنة تسع وتسعين ومائة.

وأما إبراهيم بن موسى فأذعن له أهل اليمن بالطاعة ، بعد وقعة كانت بينهم يسيرة المدة.

وأما صاحبا واسط فان نصرا البجلي صاحب واسط خرج إليهما فقاتلهما قتالا شديدا ، فثبتا له ثم انهزم ودخلا واسطا وجبيا الخراج وتألفا الناس.

٤٣٥

وأما الجعفري صاحب البصرة فإنه خرج إليه علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (١) فاجتمعا ، ووافاهم زيد بن موسى بن جعفر ماضيا إلى الأهواز ، فاجتمعوا ، ولقيهم الحسن بن علي المعروف بالمأموني (٢) ـ رجل من أهل باذغيس وكان على البصرة ـ فقاتلوه وهزموه وحووا عسكره.

وحرق زيد بن موسى دور بني العباس بالبصرة ، فلقب بذلك وسمي زيد النار (٣).

وتتابعت الكتب وتواترت على محمد بن محمد بالفتوح من كل ناحية.

وكتب إليه أهل الشام والجزيرة أنهم ينتظرون أن يوجه إليهم رسولا ليسمعوا له ويطيعوا.

وعظم أمر أبي السرايا على الحسن بن سهل وبلغ منه ، فكتب إلى طاهر بن الحسين أن يصير إليه لينفذه لقتاله ، فكتبت إليه رقعة لا يدري من كتبها ، فيها أبيات وهي :

قناع الشك يكشفه اليقين

وأفضل كيدك الرأي الرصين

تثبت قبل ينفد فيك أمر

يهيج لشره داء دفين

أتندب طاهرا لقتال قوم

بنصرتهم وطاعتهم يدين

سيطلقها عليك معقلات

تصر ودونها حرب زبون

ويبعث كامنا في الصدر منه

ولا يخفى إذا ظهر المصون

فشأنك واليقين فقد أنارت

معالمه وأظلمت الظنون

ودونك ما نريد بعزم رأي

تدبره ودع ما لا يكون

فرجع عن رأيه ذلك ، وكتب إلى هرثمة بن أعين يأمره بالقدوم عليه ، ودعا بالسندي بن شاهك فسأله التعجيل وترك التلوّم ، وكان ردءا له ، وكانت بين الحسن بن سهل وبين هرثمة شحناء (٤) ، فخشي أن لا يجيبه إلى ما يريد ، ففعل ذلك

__________________

(١) في الخطية «خرج إليه علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين».

(٢) الطبري ١٠ / ٢٣١.

(٣) الطبري ١٠ / ٢٣١.

(٤) في الطبري ١٠ / ٢٢٨ «فلما رأى الحسن بن سهل أن أبا السرايا ومن معه لا يلقون عسكرا إلّا هزموه ، ولا يتوجهون إلى بلدة إلّا دخلوها ، ولم يجد فيمن معه من القواد من يكفيه حربه ، اضطر إلى هرثمة ، وكان هرثمة حين قدم عليه الحسن بن سهل العراق واليا عليها من قبل المأمون سلم له ما كان بيده بها من ـ

٤٣٦

السندي ومضى إلى هرثمة فلحقه بحلوان ، فأوصل إليه الكتاب ، فلما قرأه تغيظ وقال :

نوطئ نحن الخلافة ، ونمهد لهم أكنافها ، ثم يستبدون بالأمور ، ويستأثرون بالتدبير علينا ، فإذا انفتق عليهم فتق بسوء تدبيرهم وإضاعتهم الأمور ، أرادوا أن يصلحوه بنا ، لا والله ولا كرامة حتى يعرف أمير المؤمنين سوء آثارهم ، وقبيح أفعالهم.

قال السندي : وباعدني مباعدة آيسني فيها من نفسه ، فبينا أنا كذلك إذ جاءه كتاب من منصور بن المهدي (١) فقرأه فجعل يبكي بكاء طويلا ، ثم قال :

فعل الله بالحسن بن سهل وصنع ، فإنه عرض هذه الدولة للذهاب ، وأفسد ما صلح منها ، ثم أمرض فضرب بالطبل ، وانكفأ راجعا إلى بغداد.

فلما صار بالنهروان تلقاه أهل بغداد ، والقواد ، وبنو هاشم ، وجميع الأولياء مسرورين بقدومه داعين له ، وترجلوا جميعا حين رأوه ، فدخل بغداد في جمع عظيم حتى أتى منزله.

وأمر الحسن بن سهل بدواوين الجيش فنقلت إليه ليختار الرجال منها وينتخبهم ، وأطلق له بيوت الأموال فانتخب من أراد ، وأزاح الغلة في العطيات والنفقات ، وخرج إلى الياسريّة (٢) فعسكر بها.

قال الهيثم بن عدي :

فدخلت إليه وسلمت عليه ومازحته ، وهو في نحو ثلاثين ألف فارس وراجل ، فقلت له : أيها الأمير ، لو خضبت لكان للعدو أهيب وأحسن للمنظر ، فضحك ثم قال : إن كان رأسي لي فسأخضبه ، وإن انقلب به أهل الكوفة فما يصنع بالخضاب.

قال : ثم نادى بالرحيل إلى الكوفة ، فرحل الناس.

وأبو السرايا بالقصر (٣) ، وقد عقد لمحمد بن إسماعيل محمد بن عبد الله

__________________

ـ الأعمال ، وتوجه نحو خراسان مغاضبا للحسن ، فسار حتى بلغ حلوان ، فبعث إليه السندي وصالحا صاحب المصلى يسأله الانصراف إلى بغداد لحرب أبي السرايا ، فامتنع وأبى ، وانصرف الرسول إلى الحسن بإبائه ، فأعاد إليه السندي بكتب لطيفة فأجاب ، وانصرف إلى بغداد. فقدمها في شعبان ...».

(١) راجع الطبري ١٠ / ٢٢٨.

(٢) في الخطية «الناشرية».

(٣) راجع الطبري ١٠ / ٢٢٩.

٤٣٧

الأرقط بن عبد الله بن علي بن الحسين ، على المدائن ، ووجه معه العباس الطبطبي (١) ، والمسيب ، في جمع عظيم ، فلقوا الحسين بن علي المعروف بأبي البط فالتقوا بساباط المدائن ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وهزم أبو البط واستولى محمد بن إسماعيل على البلد.

٥٣ ـ محمد بن جعفر بن محمد

خبر محمد بن جعفر (٢) بن محمد بن علي بن الحسين

ابن علي بن أبي طالب عليه السلام

قالوا :

وظهر في هذه الأيام محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة ودعا إلى نفسه ، وبايع له أهل المدينة بامرة المؤمنين (٣) ، وما بايعوا عليها بعد الحسين بن علي أحدا سوى محمد بن جعفر بن محمد.

وأم محمد بن جعفر أم ولد.

ويكنى أبا جعفر (٤).

وكان فاضلا مقدما في أهله (٥).

وأمر المأمون آل أبي طالب بخراسان أن يركبوا مع غيره من آل أبي طالب فأبوا أن يركبوا إلّا معه فأقرهم.

وقد روى الحديث وأكثر الرواية عن أبيه ، ونقل عنه المحدثون مثل : محمد بن أبي عمر العبدي ، ومحمد (٦) بن سلمة ، وإسحاق بن موسى الأنصاري ، وغيرهم من الوجوه.

__________________

(١) في الخطية «الطبكي».

(٢) راجع ترجمته في تاريخ بغداد ٢ / ١١٣ ـ ١١٥ ، والطبري ١٠ / ٢٣٣.

(٣) تاريخ بغداد ٢ / ١١٣ وفي ص ١١٤ «وبايعوا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب بالخلافة يوم الجمعة لثلاث خلون من شهر ربيع الآخر سنة مائتين ، فلم يزل يسلم عليه بالخلافة حتى كان يوم الثلاثاء لخمس خلون من جمادي الأولى سنة مائتين».

(٤) في تاريخ بغداد بعد ذلك «وهو أخو إسحاق وموسى وعلي بني جعفر».

(٥) في الطبري ١٠ / ٢٣٣ «... وكان شيخا وادعا محببا في الناس مفارقا لما عليه كثير من أهل بيته من قبح السيرة ، وكان يروي العلم عن أبيه جعفر بن محمد ، وكان الناس يكتبون عنه ، وكان يظهر سمتا وزهدا ...».

(٦) في ط وق «موسى بن سلمة».

٤٣٨

قال أبو الفرج :

حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن منصور ، قال :

ذكر محمد بن جعفر بحضرة أبي الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله ، فسمعنا أبا الطاهر يحسن الثناء عليه ، وقال : كان عابدا فاضلا ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما (١).

قال أبو الفرج :

حدثني أحمد بن محمد بن سعيد ، قال أخبرنا يحيى بن الحسن قال : سمعت مؤملا يقول :

رأيت محمد بن جعفر يخرج إلى الصلاة بمكة في سنة بمائتي رجل من الجارودية ، وعليهم ثياب الصوف ، وسيماء الخير ظاهر.

قال أبو الفرج :

حدثني أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى ، قال :

كانت خديجة بنت عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين تحت محمد بن جعفر بن محمد ، وكانت تذكر أنه ما خرج من عندهم قط في ثوب فرجع حتى يهبه (٢).

حدثني أحمد ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا موسى بن سلمة ، قال :

كان رجل قد كتب كتابا في أيام أبي السرايا يسب فاطمة بنت رسول الله (ص) وجميع أهل البيت ، وكان محمد بن جعفر معتزلا تلك الأمور لم يدخل في شيء منها ، فجاءه الطالبيون (٣) فقرءوه عليه فلم يرد عليهم جوابا حتى دخل بيته ، فخرج عليهم وقد لبس الدرع ، وتقلّد السيف ، ودعا إلى نفسه ، وتسمى بالخلافة وهو يتمثل :

__________________

(١) تاريخ بغداد ٢ / ١١٣.

(٢) تاريخ بغداد ٢ / ١١٣.

(٣) في الطبري ١٠ / ٢٣٣ «... فلما رأى حسين بن حسن ومن معه من أهل بيته تغبر الناس لهم بسيرتهم ، وبلغهم أن أبا السرايا قد قتل ، وأنه قد طرد من الكوفة والبصرة وكور العراق من كان بها من الطالبيين ، ورجعت الولاية بها لولد العباس اجتمعوا إلى محمد بن جعفر ... فقالوا له : قد تعلم حالك في الناس ، فأبرز شخصك نبايع لك بالخلافة فإنك إن فعلت ذلك لم يختلف عليك رجلان ، فأبى ذلك عليهم ، فلم يزل به ابنه علي بن محمد بن جعفر ، وحسين بن حسن الأفطس حتى غلبا الشيخ على رأيه فأجابهم ، فأقاموه يوم الجمعة بعد الصلاة ، لست خلون من ربيع الآخر ، فبايعوه بالخلافة ، وحشروا إليه الناس من أهل مكة والمجاورين فبايعوه طوعا وكرها ، وسموه بامرة المؤمنين ، فأقام بذلك أشهرا وليس له من الأمر إلّا اسمه ، وابنه علي وحسين بن حسن ، وجماعة منهم أسوأ ما كانوا سيرة وأقيح ما كانوا فعلا .....».

٤٣٩

لم أكن من جناتها علم الله وإني بحرها اليوم صالي (١).

قال يحيى بن الحسن : فسمعت إبراهيم بن يوسف يقول :

كان محمد بن جعفر قد أصاب أحد عينيه شيء فأثر فيها ، فسر بذلك وقال : لأرجو أن أكون المهدي القائم : قد بلغني أن في إحدى عينيه شيئا ، وأنه يدخل في هذا الأمر وهو كاره له.

قال أبو الفرج :

أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن عمّار ، قال : حدثنا محمد بن علي المدائني ، قال : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري ، قال سمعت محمد بن جعفر يقول :

شكوت إلى مالك بن أنس ما نحن فيه وما نلقى ، فقال : اصبر حتى يجيء تأويل هذه الآية : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِين)(٢).

أخبرني أحمد بن عبيد الله ، عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه ، وأخبرني علي بن الحسين بن علي بن حمزة العلوي ، عن محمد ، عن عمه.

أن جماعة من الطالبيين اجتمعوا مع محمد بن جعفر ، فقاتلوا هارون بن المسيّب (٣) بمكة قتالا شديدا ، وفيهم : الحسين بن الحسن الأفطس ، ومحمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن ، ومحمد بن الحسن المعروف بالسّيلق ، وعلي بن الحسين بن عيسى بن زيد ، وعلي بن الحسين بن زيد ، وعلي بن جعفر بن محمد ، فقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة ، وطعنه خصي كان مع محمد بن جعفر فصرعه.

وكر أصحابه فتخلصوه ثم رجعوا فأقاموا بثبير في جبله مدة ، وأرسل هارون إلى محمد بن جعفر ، وبعث إليه ابن أخيه علي بن موسى الرضا ، فلم يصغ إلى رسالته ، وأقام على الحرب.

ثم وجه إليه هارون خيلا فحاصرته في موضعه ، لأنه كان موضعا حصينا لا يوصل إليه ، فلما بقوا في الموضع ثلاثا ونفد زادهم وماؤهم ، جعل أصحابه يتفرقون ويتسللون يمينا وشمالا ، فلما رأى ذلك لبس بردا ونعلا ، وصار إلى مضرب هارون

__________________

(١) البيت للحارث بن عباد كما في ابن الأثير ١ / ٣٢٢.

(٢) سورة القصص ٥.

(٣) الطبري ١٠ / ٢٣٤.

٤٤٠