مقاتل الطالبيّين

أبي الفرج الاصفهاني

مقاتل الطالبيّين

المؤلف:

أبي الفرج الاصفهاني


المحقق: السيد أحمد صقر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٦٤

تراب (١).

فحدّثني علي بن إسحاق ، قال حدّثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال حدّثنا خالد بن مخلد ، قال حدّثنا سلمان بن بلال ، قال حدّثني أبو حازم بن دينار ، قال سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول :

إن كان لأحب أسماء علي إليه أبو تراب ، وإن كان ليفرح أن يدعى بها ، وما سمّاه بذلك إلّا رسول الله (ص).

وكان رسول الله (ص) أخذ عليّا من أبيه وهو صغير في سنة أصابت قريشا وقحط نالهم ، وأخذ حمزة جعفرا ، وأخذ العباس طالبا ليكفوا أباهم مؤنتهم ويخففوا عنه ثقلهم ، وأخذ هو عقيلا لميله كان إليه فقال رسول الله (ص) : اخترت من اختار الله لي عليكم عليا (٢).

حدّثني بذلك أحمد بن الجعد الوشاء قال حدّثنا عبد الرحمن بن صالح ، قال حدّثنا علي بن عابس عن هرون بن سعد عن زيد بن علي.

وكانت سنه يوم أسلم إحدى عشرة سنة على أصح ما ورد من الأخبار في إسلامه ، وقد قيل ثلاث عشر سنة ، وقيل سبع سنين. والثابت إحدى عشرة ، لأن رسول الله (ص) بعث وهذه سنوه فأقام معه بمكة ثلاث عشرة ، وبالمدينة عشرا. وعاش بعد رسول الله (ص) ثلاثين سنة تنقص شهورا. وقال في خطبته التي حدّثني بها العباس بن علي النسائي وغيره ، قالوا حدّثنا محمد بن حسان الأزرق قال حدّثنا شبابة بن سوار (٣) قال حدّثنا قيس بن الربيع عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي صادق : إنه عليه السلام خطب الناس وقد بلغه خبر غارة الغامدي على الأنبار فقال في خطبته : لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب ، ويحهم وهل فيهم أشد مراسا لها

__________________

(١) مرآة الجنان ١ / ١٠٨ ومسند أحمد ٤ / ٢٦٣ والقسطلاني ٦ / ١٣٨ وعمدة القاري ٢٢ / ٢١٤ وصفة الصفوة ٤ / ١٤٥.

(٢) ابن أبي الحديد ١ / ٥ و ٣ / ٨٢ وفيه «وكان أبو طالب يحب عقيلا ولذلك قال : دعوا لي عقيلا وخذوا من شئتم».

(٣) في ط وق «شبانة» وهو تحريف والتصويب من الخطية والتهذيب ٤ / ٣٠٠.

٤١

مني! والله لقد دخلت فيها وأنا ابن عشرين سنة ، وأنا الآن قد نيفت على الستين ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع (١).

* * *

وكان عليه السلام أسمر مربوعا وهو إلى القصر أقرب عظيم البطن دقيق الأصابع غليظ الذراعين ، حمش الساقين ، في عينيه لين ، عظيم اللحية / (١١) ، أصلع ناتئ الجبهة (٢).

قال أبو الفرج : وصفته هذه وردت بها الروايات متفرقة فجمعتها ، وأتم ما ورد فيها من الأخبار حديث حدّثني به أحمد بن الجعد وعبد الله بن محمد البغوي قالا (٣) حدّثنا سويد بن سعيد ، قال حدّثنا داود بن عبد الجبار عن أبي إسحاق ، قال :

أدخلني أبي المسجد يوم الجمعة فرفعني فرأيت عليا يخطب على المنبر شيخا أصلع ناتئ الجبهة عريض ما بين المنكبين له لحية قد ملأت صدره في عينه اطرغشاش ، قال داود يعني لينا في العين. قال فقلت لأبي : من هذا يا أبه؟ فقال هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله (ص) وأخو رسول الله ووصي رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله ورضوانه وسلامه عليه.

قال أبو الفرج : وقد أتينا على صدر من أخباره فيه مقنع. وفضائله عليه السلام أكثر من أن تحصى ، والقليل منها لا موقع له في مثل هذا الكتاب ، والإكثار يخرجنا عمّا شرطناه من الاختصار ، وإنما ننبه على من خمل عند بعض الناس ذكره أو لم يشع فيهم فضله. فأمير المؤمنين عليه السلام بإجماع المخالف والممالي ، والمضاد والموالي ، على ما لا يمكن غمطه ولا ينساغ ستره من فضائله المشهورة في العامة لا المكتوبة عند الخاصة تغني عن تفضيله بقول والاستشهاد عليه برواية.

__________________

(١) ابن أبي الحديد ١ / ١٤١.

(٢) راجع طبقات ابن سعد ٢ / ١٦ والطبري ٦ / ٨٨ وتاريخ بغداد ١ / ١٣٤ وصفة الصفوة ١ / ١١٩ وابن الأثير ٣ / ١٧٢ والاستيعاب ٢ / ٢٨٢ والاصابة ٤ / ٢٦٩ ولطائف المعارف ٩١ وتاريخ الخلفاء ١١٣ وفي اللسان ٨ / ١٧٦ «حمش الساقين : دقيقهما».

(٣) في الخطية «أحمد بن الجعد قال».

٤٢

ثم نعود إلى ذكر خبر مقتله

والسبب فيه

حدّثني به أحمد بن عيسى العجلي العطار قال حدّثني الحسين بن نصر بن مزاحم قال حدّثنا زيد بن المعذل النمري قال حدّثنا يحيى بن سعيد الجزار (١) عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد.

[عن عبد الرحمن بن عبيد الله عن جماعة](٢). من الرواة قد ثبت ما رووه في مواضعة وحدّثني أيضا بمقتله عليه السلام محمد بن الحسين الأشناني قال حدّثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي (٣) قال حدّثنا عثمان بن عبد الرحمن الحراني قال حدّثنا إسماعيل بن راشد ودخل حديثه في حديث من قدّمت ذكره ، وحدّثنا ببعضه أحمد بن محمد بن دلّان الخيشي (٤) وأحمد بن الجعد الوشاء ومحمد بن جرير الطبري وجماعة غيرهم قالوا حدّثنا أبو هشام الرفاعي قال حدّثنا أبو أسامة قال حدّثنا أبو حباب قال حدّثنا أبو عون الثقفي عن أبي عبد الرحمن السلمي حديثا ذكر فيه مقتله فأتيت بأشياء منه في مواضعها من سياقة الأحاديث ، وأكثر اللفظ في ذلك لأبي مخنف ، إلّا ما عسى أن يقع فيه خلاف فأبينه قال :

اجتمع بمكة نفر من الخوارج فتذاكروا أمر المسلمين فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم (٥) / (١٢) وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم وقال بعضهم لبعض (٦) فلو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال وطلبنا غرّتهم فأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهروان ، فتعاقدوا على ذلك عند انقضاء

__________________

(١) «بن شعيب سعيد» وفي الخطية «الخزار».

(٢) الزيادة من الخطية.

(٣) الطبري ٦ / ٨٣.

(٤) في الخطية «الحبشي» وهو تحريف وفي الأنساب للسمعاني «الخيشي النسبة إلى الخيش وهو نوع من الكساء الغليظ والمشهور بهذه النسبة أبو بكر أحمد بن محمد دلان الخيشي من أهل بغداد رحل إلى مصر وحدث بها. مات حوالي سنة ثلثمائة».

(٥) الطبري ٦ / ٨٣ وابن أبي الحديد ٢ / ٤٢ وابن الأثير ٣ / ١٦٨ والإمامة والسياسة ١ / ١٣٤ والبداية والنهاية ٧ / ٣٢٥ والإرشاد ٩ ومرآة الجنان ١ / ١١٢ وتاريخ الخلفاء ١١٧.

(٦) في الطبري «وقالوا ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئا : إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم ، والذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم فلو ...»

٤٣

الحج ، فقال عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله أنا أكفيكم عليا ، وقال أحد الآخرين : أنا أكفيكم معاوية ، وقال الثالث : أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، فتعاقدوا وتواثقوا على الوفاء ألا ينكل واحد منهم عن صاحبه الذي يتوجه إليه ولا عن قتله واتعدوا لشهر رمضان في الليلة التي قتل فيها ابن ملجم عليا عليه السلام.

قال أبو مخنف قال أبو زهير (١) العبسي : الرجلان الآخران ، البرك بن عبد الله التميمي وهو صاحب معاوية ، والآخر عمرو بن بكر التميمي وهو صاحب عمرو بن العاص.

فأما صاحب معاوية فإنه قصده (٢) فلما وقعت عينه عليه ضربه فوقعت ضربته في إليته ، وأخذ ، فجاء الطبيب إليه فنظر إلى الضربة ، فقال اسماعيل بن راشد في حديثه : فقال : إن السيف مسموم فاختر إما أن أحمي لك حديدة فأجعلها في الضربة فتبرأ وإما أن أسقيك دواء فتبرأ وينقطع نسلك. قال أما النار فلا أطيقها ، وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما يقرّ عيني وحسبي بهما ، فسقاه الدواء ، فعوفي وعالج جرحه حتى التأم ولم يولد له بعد ذلك.

قال وقال له البرك بن عبد الله إن لك عندي بشارة ، قال : وما هي؟ فأخبره بخبر صاحبيه ، وقال له : إن عليا يقتل في هذه الليلة فاحبسني عندك فإن قتل فأنت ولي ما تراه في أمري ، وإن لم يقتل أعطيتك العهود والمواثيق أن أمضي فأقتله ثم أعود إليك فأضع يدي في يدك حتى تحكم فيّ بما تراه ، فحبسه عنده ، فلما أتاه أن عليا قد قتل خلى سبيله.

وقال غيره من الرواة بل قتله من وقته.

قال وأما صاحب عمرو بن العاص فإنه وافاه في تلك الليلة وقد وجد علة فأخذ دواء واستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة أحد بني عامر بن لؤي ، فخرج للصلاة وشد عليه عمرو بن بكر فضربه بسيفه فأثبته ،

__________________

(١) في ط وق «قال زهير» والتصويب من الخطية وابن أبي الحديد.

(٢) ابن الأثير ٣ / ١٧٠ وابن أبي الحديد ٢ / ٤٢.

٤٤

وأخذ الرجل فأتى به عمرو العاص فقتله ، ودخل من غد إلى خارجة وهو يجود بنفسه فقال له : أما والله أبا عبد الله ما أراد غيرك ، قال عمرو : ولكن الله أراد خارجة.

رجع الحديث إلى خبر ابن ملجم لعنه الله. فحدّثني محمد بن الحسين الأشناني وغيره قالوا حدّثنا علي بن المنذر الطريقي (١) قال حدّثنا ابن فضيل قال حدّثنا فطر (٢) / (١٣) عن أبي الطفيل قال :

جمع أمير المؤمنين علي الناس للبيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم فرده مرتين أو ثلاثا ثم بايعه ، فقال له علي : ما يحبس أشقاها؟ فو الذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذه ، ثم قال :

أشدد حيازيمك للمو

ت فإن الموت لاقيك

ولا تجزع من المو

ت إذا حل بواديك

قال : وروى غيره أن عليا أعطى الناس فلما بلغ إلى ابن ملجم قال :

أريد حياته ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد (٣)

أخبرنا الحسن بن علي الوشاء في كتابه إليّ قال حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدّثنا فطر عن أبي الطفيل بنحو من هذا الحديث (٤).

حدّثني أحمد بن عيسى العجلي قال حدّثنا الحسين بن نصر بن مزاحم قال حدّثنا زيد بن المعذل عن يحيى بن شعيب عن أبي مخنف عن أبي زهير العبسي قال : كان ابن ملجم من مراد وعداده في كندة فأقبل حتى قدم الكوفة فلقي بها أصحابه وكتمهم أمره وطوى عنهم ما تعاقد هو وأصحابه عليه بمكة من قتل أمراء

__________________

(١) في الخطية «الطريفي» وهو تحريف. وفي الأنساب للسمعاني ١ / ٣٧٠ «... كان ولد في الطريق فنسب إليها».

(٢) في ط وق «قطر» بالقاف وهو خطأ والتصويب عن الخطية وهو فطر بن خليفة المخزومي تابعي وثقه أحمد وابن معين مات سنة خمس وخمسين ومائة. راجع التهذيب وخلاصة تذهيب الكمال ص ٢٦٥ ومنتهى المقال ٢٤٣ وميزان الاعتدال ٢ / ٣٣٥.

(٣) طبقات ابن سعد ٣ / ٢٢ والإرشاد للمفيد ص ٦ وابن أبي الحديد ٢ / ٤٢ وشرح شافية أبي فراس ٩٩.

(٤) من أول الخبر إلى هنا ناقص من الخطية. وفي ط وق «قطر».

٤٥

المسلمين مخافة أن ينشر منه شيء (١) وأنه زار رجلا من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب فصادف عنده قطام بنت الأخضر بن شجنة من تيم الرباب ، وكان علي قتل أباها وأخاها بالنهروان ، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها ، فلما رآها ابن ملجم لعنه الله شغف بها واشتد إعجابه ، فخبر خبرها فخطبها فقالت له : ما الذي تسمى لي من الصداق فقال لها؟ احتكمي ما بدا لك. فقالت : أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفا وخادما وقتل علي بن أبي طالب ، فقال لها : لك جميع ما سألت ، فأما قتل علي فأنى لي بذلك؟ فقالت : تلتمس غرته فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنأك العيش معي ، وإن قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا ، قال لها : أما والله أقدمني هذا المصر وقد كنت هاربا منه لا آمن مع أهله إلّا ما سألتني من قتل علي ، فلك ما سألت ، قالت له : فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقويك ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبرته الخبر وسألته معونة ابن ملجم لعنه الله ، فتحمل ذلك لها ، وخرج ابن ملجم فأتى رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له : يا شبيب ، هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال : وما هو قال تساعدني على قتل علي بن أبي طالب ، وكان شبيب على رأي الخوارج ، فقال له : يا بن ملجم هبلتك الهبول. لقد جئت شيئا إدّا ، وكيف نقدر على ذلك؟ قال له ابن ملجم : نكمن له في المسجد الأعظم فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به فقتلناه ، فإذا نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا ، فلم يزل به حتى أجابه ، فأقبل معه حتى دخل على قطام وهي معتكفة في المسجد الأعظم قد ضربت عليها قبة ، فقالا لها : قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل / (١٤).

قالت لهما : فإذا أردتما ذلك فألقياني في هذا الموضع. فانصرفا من عندها فلبثا أياما. ثم أتياها ليلة الجمعة لتسع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربعين. هكذا في حديث أبي مخنف ، وفي حديث أبي عبد الرحمن السلمي أنها كانت ليلة سبع عشرة خلت من شهر رمضان ، وهو أصح. فقال لها ابن

__________________

(١) الطبري ٦ / ٨٣ وابن أبي الحديد ٢ / ٤٢ وابن الأثير ٧ / ٣٢٥ والبداية والنهاية ٧ / ٣٢٥ وشرح الشافية ٩٩ والاستيعاب ٢ / ٢٨٢.

٤٦

ملجم : هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبيّ وواعداني أن يقتل كل واحد منا صاحبه الذي يتوجه إليه. فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم ، وتقلّدوا سيفهم ، ومضوا فجلسوا مما يلي السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين إلى الصلاة.

حدّثني أحمد بن عيسى ، قال : حدّثنا الحسين بن نصر ، قال : حدّثنا زيد بن المعذل ، عن يحيى بن شعيب ، عن أبي مخنف ، عن الأسود والأجلح أن ابن ملجم أتى إلى الأشعث بن قيس ـ لعنهما الله ـ في الليلة التي أراد فيها بعليّ ما أراد ، والأشعث في بعض نواحي المسجد. فسمع حجر بن عدي الأشعث يقول لابن ملجم ـ لعنه الله ـ النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فقال له حجر : قتلته يا أعور. وخرج مبادرا إلى علي وأسرج دابته وسبقه ابن ملجم ـ لعنه الله ـ فضرب عليا. وأقبل حجر والناس يقولون : قتل أمير المؤمنين.

قال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني :

وللأشعث بن قيس في انحرافه عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أخبار يطول شرحها منها ما حدّثنيه محمد بن الحسين الأشناني قال : حدّثنا إسماعيل بن موسى بن بنت السدي (١) قال : حدّثنا علي بن مسهر ، عن الأجلح عن موسى بن أبي النعمان قال :

جاء الأشعث إلى علي يستأذن عليه فردّه قنبر ، فأدمى الأشعث أنفه. فخرج علي وهو يقول : ما لي ولك يا أشعث ، أما والله لو بعبد ثقيف تمرست لا قشعرت شعيراتك ، قيل : يا أمير المؤمنين ومن غلام ثقيف؟ قال : غلام يليهم لا يبقى أهل بيت من العرب إلّا أدخلهم ذلا. قيل : يا أمير المؤمنين : كم يلي؟ وكم يمكث؟ قال : عشرين إن بلغها.

حدّثني محمد بن الحسين الأشناني. قال : حدّثني إسماعيل بن موسى. قال : حدّثني رجل ، عن سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمد قال : حدّثتني

__________________

(١) في ط وق «من بيت السدي» والتصويب عن المخطوطة وخلاصة تذهيب الكمال ص ٣١ وميزان الاعتدال ١ / ١١٧ وتهذيب التهذيب ١ / ٣٣٥.

٤٧

امرأة منّا قالت :

رأيت الأشعث بن قيس دخل على علي ـ عليه السلام ـ فأغلظ له علي ، فعرض له الأشعث بأن يفتك به. فقال له علي عليه السلام : أبا لموت تهددني ، فو الله ما أبالي وقعت على الموت ، أو وقع الموت عليّ.

حدّثني أبو عبيد محمد بن أحمد بن المؤمل الصيرفي بهذين الحديثين ، عن فضل المصري عن إسماعيل [ابن بنت السدي].

رجع الحديث إلى مقتل أمير المؤمنين.

قال أبو مخنف : فحدّثني أبي عن عبد الله بن محمد الأزدي ، قال (١) :

إني لأصلي تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أول الليل إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة قياما وقعودا ، وركوعا وسجودا ، ما يسأمون ، إذ خرج على صلاة الفجر ، فأقبل ينادي : الصلاة الصلاة ، فما أدري أنادى أم رأيت بريق السيف؟ وسمعت قائلا يقول : الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك ، ثم رأيت بريق سيف آخر ثانيا وسمعت عليا يقول : لا يفوتنكم الرجل.

وقال إسماعيل بن راشد في حديثه ، ووافقه في معناه حديث أبي عبد الرحمن السلمي أن شبيب بن بجرة ضربه فأخطأه (٢) ووقعت ضربته في الطاق ، وضربه ابن ملجم ـ لعنه الله ـ فأثبت الضربة في وسط رأسه.

وقال عبد الله بن محمد الأزدي في حديثه : وشد الناس عليه من كل ناحية حتى أخذوه.

قال أبو مخنف : فذكرت همدان أن رجلا منهم يكنى أبا أدماء من مرهبة أخذه ، وقال يزيد بن أبي زياد : أخذه المغيرة بن الحرث بن عبد المطلب طرح عليه قطيفة ثم صرعه. وأخذ السيف من يده وجاء به.

__________________

(١) ابن أبي الحديد ٢ / ٤٣ والطبري ٦ / ٨٤ وفيه «وذكر أن محمد بن الحنفية قال لعبد الله : إني لأصلي» ..

(٢) ابن سعد ٢ / ٢٤ وابن أبي الحديد ٢ / ٤٤.

٤٨

وأما شبيب بن بجرة فإنه خرج هاربا ، فأخذه رجل فصرعه ؛ وجلس على صدره وأخذ السيف من يده ليقتله ، فرأى الناس يقصدون نحوه ، فخشي أن يعجلوا عليه ولا يسمعوا منه ، فوثب عن صدره وخلاه ، وطرح السيف من يده. ومضى الرجل هاربا حتى دخل منزله. ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره ، فقال له : ما هذا؟ لعلّك قتلت أمير المؤمنين ، فأراد أن يقول : لا ، فقال : نعم. فمضى ابن عمّه فاشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله.

قال أبو مخنف : فحدّثني أبي ، عن عبد الله بن محمد الأزدي ، قال : ادخل ابن ملجم لعنه الله على عليّ ، ودخلت عليه فيمن دخل ، فسمعت عليا يقول : النفس بالنفس إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني ، وإن سلمت رأيت فيه رأيي (١) ، فقال ابن ملجم ـ لعنه الله ـ والله لقد ابتعته بألف ، وسممته بألف ، فإن خانني فأبعده الله. قال : ونادته أم كلثوم : يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين. قال : إنما قتلت أباك. قالت يا عدو الله. إني لأرجو أن ألا يكون عليه بأس. قال لها : فأراك إنما تبكين عليا. إذا والله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم (٢).

قال وأخرج ابن ملجم ـ لعنه الله ـ وهو يقول : قال إسماعيل بن راشد في حديثه والشعر لابن أبي مياس الفزاري (٣) :

ونحن ضربنا يا بنة الخير إذ طغى

أبا حسن مأمومة فتقطرا (٤)

هذا البيت لأبي مخنف وحده ، وزاد إسماعيل هذين البيتين :

__________________

(١) في الطبري ٦ / ٨٥ «وذكر أن الناس دخلوا على الحسن فزعين لما حدث من أمر علي فبينما هم عنده وابن ملجم مكتوف من يديه إذ نادته أم كلثوم ...».

(٢) ابن سعد ٢ / ٢٤ وابن الأثير ٣ / ١٦٩ والطبري ٦ / ٨٥ وابن أبي الحديد ٢ / ٤٤ والعقد الفريد ٤ / ٣٥٩ والإمامة والسياسة ١ / ١٣٥.

(٣) في المؤتلف والمختلف ص ١٨٦ «وأما ابن ميناس فهو المرادي ذكر ذلك أبو سعيد السكري وقال إن ميناس أمه ، ولم ينسبه ...».

(٤) كذا في الخطية وابن أبي الحديد ، وفي ط وق «ضربنا ثابت الحبر» وفي ابن الأثير : «ضربنا يا لك الخير حيدرا».

٤٩

ونحن خلعنا ملكه عن نظامه

بضربة سيف إذ علا وتجبرا

ونحن كرام في الصباح أعزة

إذا المرء بالموت ارتدى وتأزرا (١)

قال أبو مخنف. فحدّثني بعض أصحابنا ، عن صالح بن ميثم ، عن أخيه عمران قال: لقد رأيت الناس حين انصرفوا من صلاة الصبح أتوا بابن ملجم لعنه الله ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع وهم يقولون له : يا عدو الله ، ما ذا فعلت؟ أهلكت أمة محمد (ص) ، وقتلت خير الناس. وإنه لصامت ما ينطق.

قال أبو مخنف : وحدّثني معروف بن خربوذ (٢) عن أبي الطفيل أن صعصعة بن صوحان استأذن على أمير المؤمنين علي وقد أتاه عائدا ، فلم يكن له عليه إذن ، فقال صعصعة للآذن : قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيا وميتا ، فو الله لقد كان الله في صدرك عظيما ، ولقد كنت بذات الله عليما ، فأبلغه الآذن مقالة صعصعة ، فقال له علي : قل له وأنت يرحمك الله ، فلقد كنت خفيف المؤونة ، كثير المعونة (٣).

قال : وقال رجل يذكر أمر قطام وابن ملجم لعنهما الله وقال محمد بن [الحسين الأشناني](٤) في حديثه عن المسروقي وهو ابن أبي مياس [الفزاري] :

فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة

كمهر قطام من فصيح وأعجم (٥)

ثلاثة آلاف وعبد وقينة

وضرب علي بالحسام المصمم

ولا مهر أغلى من علي وإن علا

ولا فتك إلّا دون فتك ابن ملجم

وأنشدنا حبيب بن نصر المهلبيّ ، قال : أنشدنا الرياشي أحسبه عن أبي

__________________

(١) في المؤتلف والمختلف «إذا ما الموت بالموت إلخ. وأنشد له قبله :

وعادتنا قتل الملوك وعزنا

صدور القنا إذا لبسنا السنورا

(٢) في الخطية «ابن جرير» وهو تحريف راجع ميزان الاعتدال ٣ / ١٨٤ وخلاصة تذهيب الكمال ٣٢٧.

(٣) ابن أبي الحديد ٢ / ٤٤.

(٤) في ط وق «محمد بن الحسن» في حديثه.

(٥) الطبري ٦ / ٨٧ وابن الأثير ٣ / ١٧١ وابن أبي الحديد ٢ / ٤٦ والبداية والنهاية والاستيعاب ٢ / ٢٨٥ ، ونسبت للفرزدق في شرح شافية أبي فراس ص ١٠١ وتاريخ الخلفاء ص ١١٨.

٥٠

عبيدة (١) لعمران بن حطان ـ لعنه الله ـ يمدح ابن ملجم لعنه الله وغضب عليهما بقتل أمير المؤمنين عليه السلام :

يا ضربة من كمي ما أراد بها

إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

أني لأفكر فيه ثم أحسبه

أو في البرية عند الله ميزانا (٢)

كذب. لعنهما الله وعذبهما.

حدّثني أحمد بن عيسى ، قال : حدّثني الحسن بن نصر (٣) ، قال : حدّثنا زيد بن المعذل ، عن يحيى بن شعيب ، عن أبي مخنف ، قال : حدّثني عطية بن الحرث ، عن عمر بن تميم وعمرو بن أبي بكار أن عليا لما ضرب جمع له أطباء الكوفة فلم يكن منهم أحد أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هانئ السكوني ، وكان متطبّبا صاحب كرسي يعالج الجراحات ، وكان من الأربعين غلاما الذين كان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم ، وإن أثيرا لما نظر إلى جرح أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ دعا برئة شاة حارة واستخرج عرقا منها ، فأدخله في الجرح ثم استخرجه فإذا عليه بياض الدماغ فقال له : يا أمير المؤمنين إعهد عهدك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك. فدعا علي عند ذلك بصحيفة ودواة وكتب وصيته (٤).

* * *

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. أوصى بأنه يشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، صلوات الله وبركاته عليه. (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(٥).

__________________

(١) كذا في الخطية وفي ط «أحسب» وفي ق «أحست عن عبيدة».

(٢) البداية والنهاية ٧ / ٣٢٨.

(٣) في الخطية «الحسين» وفيها ... «وعمرو بن أبي بكار».

(٤) نقلها ابن أبي الحديد ٢ / ٤٤ وهي في الطبري ٦ / ٨٥ وابن الأثير ٣ / ١٦٩ والبداية ٧ / ٣٢٧.

(٥) سورة الأنعام ١٦٢ ، ١٦٣

٥١

أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي هذا بتقوى الله ربنا ولا تموتن وإلّا أنتم مسلمون ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، فإني سمعت رسول الله يقول : إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام ، وإن المبيدة الحالقة للدين فساد ذات البين. ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب. الله الله في الأيتام فلا تغيّرن أفواههم بجفوتكم (١) ، والله الله في جيرانكم فإنها وصية رسول الله (ص) ما زال يوصينا بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.

والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم ، والله الله في الصلاة فإنها عماد دينكم.

والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم ، فإنه إن ترك لم تناظروا وإنه إن خلا منكم لم تنظروا.

والله الله في صيام شهر رمضان فإنه جنة من النار ، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم.

والله الله في زكاة أموالكم فإنها تطفئ غضب ربكم.

والله الله في أمة نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم. والله الله في أصحاب نبيكم فإن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أوصى بهم.

والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم ، والله الله فيما ملكت أيمانكم [فإنها (٢) كانت آخر وصية رسول الله (ص) إذ قال : أوصيكم بالضعيفين فيما ملكت أيمانكم](٣).

ثم قال : الصلاة الصلاة. لا تخافوا في الله لومة لائم فإنه يكفكم من بغى

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد ٢ / ٤٥ «... يحتمل تفسيرين أحدهما : لا تجيعوهم فإن الجائع يخلف فمه وتتغير نكهته ، والثاني لا تحوجوهم إلى تكرار الطلب والسؤال فإن السائل ينضب ريقه وتنشف لهواته ويتغير ريح فمه».

(٢) الزيادة من الخطية وابن أبي الحديد.

(٣) قال ابن أبي الحديد «يعني به الحيوان الناطق والحيوان الأعجم».

٥٢

عليكم وأرادكم بسوء قولوا للناس حسنا كما أمركم الله ، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيولّي الأمر عنكم وتدعون فلا يستجاب لكم.

عليكم بالتواضع والتباذل والتبار ، وإيّاكم والتقاطع والتفرق والتدابر : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ)(١) حفظكم الله من أهل بيت ، وحفظ فيكم نبيه ، استودعكم الله خير مستودع وأقرأ عليكم سلام الله ورحمته.

* * *

حدّثني أحمد بن محمد بن دلان ، وأحمد بن الجعد ، ومحمد بن جرير الطبري (٢) ، قالوا : حدّثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدّثنا أبو أسامة ، قال : حدّثني أبو جناب ، قال : حدّثني أبو عون الثقفي ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن الحسن بن علي قال :

خرجت أنا وأبي نصلي في هذا المسجد ، فقال لي : يا بني ، إني بت الليلة أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة (٣) يوم بدر لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان فملكتني عيناي ، فسنح لي رسول الله (ص) ، فقلت : يا رسول الله ، ما ذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فقال لي : ادع عليهم. فقلت : «اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم ، وأبدلهم بي من هو شر لهم مني» ، وجاء ابن النباح (٤). فآذنه بالصلاة فخرج وخرجت خلفه فاعتوره الرجلان فأما أحد فوقعت ضربته في الطاق ، وأما الآخر فأثبتها في رأسه (٥).

[قال أبو الفرج الأود العوج ، واللد الخصومات](٦) :

حدّثني أحمد بن عيسى ، قال : حدّثنا الحسن (٧) بن نصر ، قال : حدّثنا

__________________

(١) سورة المائدة ٢.

(٢) في الخطية «أحمد بن الجعد وأحمد بن سويد قالوا».

(٣) في ط وق «صبيحة قدر تسع عشر ليلة».

(٤) في ابن أبي الحديد «ابن أبي الساج» وفي الخطية «.. التياح» وهو تحريف.

(٥) ابن سعد ٣ / ٢٤ وابن أبي الحديد ٢ / ٤٥.

(٦) سقط هذا الشرح من الخطية.

(٧) في ابن أبي الحديد «الحسين».

٥٣

زيد بن المعذل ، عن يحيى بن شعيب ، عن أبي مخنف ، عن فضيل بن خديج ، عن الأسود والكندي والأجلخ (١) قالا :

توفي أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ وهو ابن أربع وستين سنة ، سنة أربعين في ليلة الأحد لإحدى وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان ، وولي غسله ابنه الحسن بن علي وعبد الله بن العباس ، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص. وصلّى عليه ابنه الحسن وكبّر عليه خمس تكبيرات ، ودفن في الرحبة مما يلي أبواب كندة عند صلاة الصبح.

ودعا الحسن بعد دفنه بابن ملجم ـ لعنه الله ـ فأتى به (٢) فأمر بضرب عنقه ، فقال له : إن رأيت أن تأخذ على العهود أن أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك بعد أن أمضي إلى الشام فأنظر ما صنع صاحبي بمعاوية فإن كان قتله وإلّا قتلته ثم أعود إليك. تحكم فيّ بحكمك ، فقال له الحسن : هيهات. والله لا تشرب الماء البارد أو تلحق روحك بالنار ، ثم ضرب عنقه فاستوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته منه فوهبها لها فأحرقتها بالنار.

حدّثني أحمد بن سعيد ، قال حدّثنا يحيى بن الحسن العلوي ، قال : حدّثنا يعقوب بن زيد (٣) ، قال : حدّثني ابن أبي عمير ، عن الحسن بن علي الخلال ، عن جده ، قال :

قلت للحسن بن علي : أين دفنتم أمير المؤمنين؟ قال : خرجنا به ليلا من منزله حتى مررنا به على مسجد الأشعث ، حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغرى.

حدّثني محمد بن الحسين الأشناني ، قال : حدّثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدّثنا عثمان بن عبد الرحمن ، قال : حدّثنا إسماعيل بن راشد بإسناده ، قال :

__________________

(١) في ط وق «الأخلج» والتصويب من ميزان الاعتدال ١ / ٣٧.

(٢) راجع ابن سعد ٣ / ٢٦ وابن أبي الحديد ٢ / ٤٦ وتاريخ اليعقوبي ٢ / ١٩١.

(٣) في ط وق «ابن يزيد» وما ذكر عن الخطية وابن أبي الحديد.

٥٤

لما أتى عائشة نعى علي أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ تمثّلت :

فألقت عصاها واستقرت بها النوى

كما قرّ عينا بالأياب المسافر (١)

ثم قالت : من قتله؟ فقيل : رجل من مراد ، فقالت :

فإن يك نائبا فلقد بغاه

غلام ليس في فيه التراب

فقالت لها زينب بنت أم سلمة : ألعلي تقولين هذا؟ فقالت : إذا نسيت فذكروني ، قال : ثم تمثلت :

ما زال إهداء القصائد بيننا

باسم الصديق وكثرة الألقاب

حتى تركت كأن قولك فيهم

في كل مجتمع طنين ذباب (٢)

قال : وكان الذي جاءها بنعيه سفيان بن أبي أمية بن عبد شمس بن أبي وقاص هذا أو نحوه. حدّثني محمد بن الحسين الأشناني ، قال : حدّثنا أحمد بن حازم ، قال : حدّثنا عاصم بن عامر ، وعثمان بن أبي شيبة ، قالا : حدّثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو (٣) بن مرة ، عن أبي البختري ، قال : لما أن جاء عائشة قتل علي عليه السلام سجدت. قال أبو مخنف :

وقالت أم الهيثم بنت الأسود النخعية ترثي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ (٤) :

ألا يا عين ويحك فاسعدينا

ألا تبكي أمير المؤمنينا

رزئنا خير من ركب المطايا

وخيّسها ومن ركب السفينا (٥)

ومن لبس النعال ومن حذاها

ومن قرأ المثاني والمئينا (٦)

وكنا قبل مقتله بخير

نرى مولى رسول الله فينا

__________________

(١) ابن سعد ٣ / ٢٧ ، وابن الأثير ٣ / ١٧١ والطبري ٦ / ٨٧.

(٢) في الخطية «مجمعة».

(٣) في ط وق «عمير» وما ذكر عن الخطية وخلاصة تذهيب الكمال ٢٤٩ وميزان الاعتدال ٢ / ٣٠١.

(٤) اختلف الرواة في ترتيب هذه الأبيات كما اختلفوا في نسبتها. وقد نسبها المؤلف في كتاب الأغاني ١١ / ١٢٢ لأبي الأسود الدؤلي ، وهي منسوبة له أيضا في الطبري ٦ / ٨٧ وابن الأثير ٣ / ١٧١.

(٥) كذا في الخطية والأغاني. وخيسها أي ذللها. وفي ط وق «وحبسها» وفي الطبري وابن الأثير «ورحلها».

(٦) كذا في الأصول والأغاني وفي ابن الأثير «والمبينا».

٥٥

يقيم الدين لا يرتاب فيه

ويقضي بالفرائض مستبينا

ويدعو للجماعة من عصاه

وينهك (١) قطع أيدي السارقينا

وليس بكاتم علما لديه

ولم يخلق من المتجبرينا

لعمر أبي لقد أصحاب مصر

على طول الصحابة أوجعونا

وغرونا بأنهم عكوف

وليس كذاك فعل العاكفينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا

بخير الناس طرا أجمعينا

ومن بعد النبي فخير نفس

أبو حسن وخير الصالحينا

كأن الناس إذ فقدوا عليا

نعام جال في بلد سنينا

ولو أنا سئلنا المال فيه

بذلنا المال فيه والبنينا

أشاب ذؤابتي وأطال حزني

أمامة حين فارقت القرينا

تطوف بها لحاجتها إليه

فلما استيأست رفعت رنينا

وعبرة أم كلثوم إليها

تجاوبها وقد رأت اليقينا

فلا تشمت معاوية بن صخر

فإن بقية الخلفاء فينا

وأجمعنا الإمارة عن تراض

إلى ابن نبينا وإلى أخينا

ولا نعطي زمام الأمر فينا

سواه الدهر آخر ما بقينا

وإن سراتنا وذوي حجانا

تواصو أن نجيب إذا دعينا

بكل مهنّد عضب وجرد

عليهن الكماة مسوّمينا (٢)

* * *

أخبرني عمي الحسن بن محمد ، قال : أنشدني محمد بن سعد الكناني (٣) لبعض بني عبد المطلب يرثي أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يعرف اسمه :

يا قبر سيدنا المجن له

صلّى الإله عليك يا قبر (٤)

__________________

(١) ينهك : يبالغ في العقوبة.

(٢) العضب : القاطع ، والجرد : الخيل القصيرة الشعر. والكماة : جمع كمي وهو الشجاع المقدم الجريء ، وسمي كميا لأنه يكمي شجاعته أي يكتمها لوقت حاجته إليها ولا يظهرها متكثرا بها. ومسومين : أي معلمين.

(٣) في ط وق «ابن سعد الكواني» وفي ابن أبي الحديد «ابن سعد لبعض بني».

(٤) كذا في ط وق وفي الخطية «المجن سماحة».

٥٦

ما ضر قبرا أنت ساكنه

أن لا يحل بأرضه القطر (١)

فليندين سماح كفك في الثرى

وليورقن بجنبك الصخر (٢)

والله لو بك لم أجد (٣) أحدا

إلّا قتلت ، لفاتني الوتر

٤ ـ الحسن بن علي

والحسن بن علي (٤) بن أبي طالب ـ عليهما السلام ـ ويكنى أبا محمد (٥) وأمه فاطمة بنت رسول الله (ص) (٦) ، وكانت فاطمة تكنى أم أبيها ، ذكر ذلك قعنب ابن محرز الباهلي ، حدّثني به محمد بن زكريا الصحاف ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن الحسين بن زيد بن علي ، عن جعفر بن محمد عن أبيه.

وأمها خديجة (٧) ، تكنى أم هند بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي.

وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي.

وأمها هالة بنت [عبد](٨) مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي.

وأمها العرقة ، وهي قلابة (٩) بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن

__________________

(١) في ط وق «قبر».

(٢) في ط وق «فليغدين» وفي الخطية «فليعدين ... لجنبك».

(٣) في المخطوطة «لم أدع أحدا».

(٤) الإرشاد ١٤٧ والمحبر ١٨ وتاريخ بغداد ١ / ١٣٨ وتهذيب التهذيب ٢ / ٢٩٥ ، وتهذيب الأسماء واللغات ١ / ١٥٨ وتاريخ ابن عساكر ١٠ / ٤٩ ـ ٢٠٢ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٤ / ١٩٩ ـ ٢٢٨ ومرآة الجنان ١ / ١٢٢ وابن أبي الحديد ٤ / ٥ ـ ١٨ والإصابة ٢ / ١١ والتنبيه والإشراف ٢٦٠ والإمامة والسياسة ١٤٤ وابن الأثير ٣ / ١٩٧ والطبري ٦ / ٩١ والمعارف ٩٢ وتاريخ الخلفاء ١٢٦ ـ ١٣٠ ومروج الذهب ٢ / ٣٦ والعقد ٤ / ٣٦١.

(٥) كناه بذلك رسول الله كما في تهذيب الأسماء ١ / ١٥٨.

(٦) ابن سعد ٨ / ١١ ـ ٢٠ والإصابة ٨ / ١٥٧ ـ ١٦٠.

(٧) الإصابة ٨ / ٦٠ وابن سعد ٨ / ٧ وفيه ص ١١ «وكانت تكنى أم هند بولدها من زوجها أبي هالة التميمي».

(٨) الزيادة من المحبر ١٨ وابن سعد ٨ / ٨.

(٩) في ط وق «فلانة» والتصويب من ابن سعد والمحبر :

٥٧

هصيص بن كعب بن لؤي. وإنما سميت العرقة لطيب عرقها وعطرها ، وكانت مبدنة ، وكانت إذا عرقت فاحت رائحة الطيب منها فسميت العرقة.

وأمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي.

وأمها الحظيا وهي ريطة الصغرى بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.

وأمها مارية (١) ويقال قيلة بنت حذافة بن جمح.

وأمها ليلى بنت عامر الخيار بن غيسان (٢) واسمه الحرث بن عبد عمرو بن عمرو بن قوي (٣) بن ملكان بن أفصى من خزاعة.

وأمها سلمى بنت سعد بن كعب بن عمرو من خزاعة.

وأمها ليلى بنت عابس (٤) بن الظرب بن الحرث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.

وأمها سلمى بنت لؤي (٥) بن غالب.

وأمها ليلى بنت محارب (٦) بن فهر.

وأمها عاتكة بنت مخلد (٧) بن النضر بن كنانة.

وأمها الوارثة بنت الحرث بن مالك بن كنانة.

وأمها مارية بنت سعد بن زيد مناة بن تميم واسمها أسماء بنت جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن ثعلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دغمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.

وتزوجت خديجة ـ صلوات الله عليها ـ قبل رسول الله (ص) رجلين. يقال لأحدهما عتيق بن عائذ (٨) بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وولدت له بنتا

__________________

(١) في المحبر «ماوية» وفي ابن سعد «نائلة».

(٢) في المحبر «غيشان».

(٣) في المحبر «ابن بؤي».

(٤) في المحبر «بنت عائش».

(٥) في المحبر «وأمها نعم بنت كعب بن لؤي».

(٦) وفي المحبر «سلمى بنت محارب».

(٧) وفي المحبر «بنت يخلد».

(٨) في ابن سعد «ابن عابد».

٥٨

يقال لها هند. ثم توفي عنها. فخلف عليها أبو هالة (١) بن النبّاش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن عدي (٢) بن حرزة بن أسيد بن عمرو بن تميم ، فولدت له ابنا يقال له هند ، وروى عن النبي (ص) ، روى عنه الحسن بن علي بن أبي طالب حديث صفة رسول الله (ص) المشهور ، وقال فيه : سألت خالي هند بن أبي هالة عن صفة رسول الله (ص) وكان له وصّافا.

وتوفيت خديجة ـ رضي الله عنها ـ قبل الهجرة بثلاث سنين ، ولها يومئذ خمس وستون سنة (٣). حدّثني بذلك الحسن بن علي ، قال : حدّثنا الحرث بن محمد ، قال : حدّثنا ابن سعد عن الواقدي. ودفنت بالحجون.

وكان مولد فاطمة ـ عليها السلام ـ قبل النبوّة وقريش حينئذ تبني الكعبة (٤) وكان تزويج علي بن أبي طالب إيّاها في صفر بعد مقدم رسول الله (ص) المدينة ، وبنى بها بعد رجوعه من غزوة بدر ، ولها يومئذ ثماني عشرة سنة (٥).

حدّثني بذلك الحسن بن علي ، قال : حدّثنا الحرث ، قال : حدّثنا ابن سعد (٦) عن الواقدي ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن أبي جعفر (٧) بن محمد بن علي.

وكان مولد الحسن في سنة ثلاث من الهجرة.

وكانت وفاته ـ عليه السلام ـ بعد عشر سنين خلت من إمارة معاوية ، وذلك في سنة خمسين من الهجرة (٨).

وكانت وفاة فاطمة ـ عليها السلام ـ بعد وفاة النبي (ص) بمدة يختلف في

__________________

(١) في ابن سعد والمحبر أن عتيقا هو الذي خلف أبا هالة.

(٢) في المحبر وابن سعد «ابن غوى بن جروة» وفي الخطية «عدي بن جروة».

(٣) في ابن سعد ٨ / ١١ «توفيت في شهر رمضان سنة عشر من النبوة».

(٤) ابن سعد ٨ / ١١ والإصابة ٨ / ١٥٧.

(٥) ابن سعد ٨ / ١٣.

(٦) في الخطية «ابن أبي سعيد».

(٧) في ط وق «عن جعفر».

(٨) قال ابن عساكر «قيل : توفي الحسن سنة ٤٨ وهو الصحيح وقيل سنة ٤٩ وقيل سنة ٥٠ وقيل سنة ٥٨ وقيل سنة ٥٩» والصحيح أنه توفي سنة ٤٩ كما قال أبو الفداء وابن الأثير ٣ / ١٩٧.

٥٩

مبلغها ؛ فالمكثّر يقول : بستة أشهر (١). والمقلّل يقول (٢) : أربعين يوما ؛ إلّا أن الثابت في ذلك ما روى عن أبي جعفر محمد بن علي أنّها توفيت بعده بثلاثة أشهر (٣).

حدّثني بذلك الحسن بن عبد الله (٤) ، قال : حدّثنا الحرث ، عن ابن سعد (٥) ، عن الواقدي ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي جعفر محمد بن علي.

وكان في لسان الحسن بن علي ثقل كالفأفأة.

حدّثني به محمد بن الحسين الأشناني ، قال : حدّثنا محمد بن اسماعيل الأحمسي ، قال : حدّثنا مفضل بن صالح عن جابر ، قال : كانت في لسان الحسن رتّة ، فقال سلمان الفارسي. أتته [من] قبل عمّه موسى [بن عمران](٦) ـ عليه السلام ـ.

ودس معاوية إليه حين أراد أن يعهد إلى يزيد بعده ، وإلى سعد بن أبي وقّاص سمّا فماتا منه في أيام متقاربة.

وكان الذي تولّى ذلك من الحسن زوجته [جعدة](٧) بنت الأشعث بن قيس لمال بذله لها معاوية.

وسنذكر الخبر في ذلك.

وقيل : اسمها سكينة ، وقيل : شعثاء ، وقيل : عائشة ، والصحيح في ذلك جعدة.

* * *

__________________

(١) في الخطية «بثمانية أشهر».

(٢) في الخطية «أربعون».

(٣) ابن سعد ٨ / ١٨.

(٤) في ط وق «الحسن بن علي».

(٥) في الخطية «عن أبي سعيد».

(٦) الزيادة من ابن أبي الحديد ٤ / ١١.

(٧) الزيادة من الخطية.

٦٠