مقاتل الطالبيّين

أبي الفرج الاصفهاني

مقاتل الطالبيّين

المؤلف:

أبي الفرج الاصفهاني


المحقق: السيد أحمد صقر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٦٤

ثم نرجع إلى سياقة الخبر في مقتل يحيى بن عبد الله.

قالوا : ثم جمع له الرشيد الفقهاء وفيهم : محمد بن الحسن (١) صاحب أبي يوسف القاضي ، والحسن بن زياد اللؤلؤي (٢) ، وأبو البختري وهب بن وهب ، فجمعوا في مجلس وخرج إليهم مسرور الكبير بالأمان ، فبدأ محمد بن الحسن فنظر فيه فقال : هذا أمان مؤكد لا حيلة فيه ـ وكان يحيى قد عرضه بالمدينة على مالك ، وابن الدّراوردي (٣) وغيرهم ، فعرفوه أنه مؤكد لا علة فيه.

قال : فصاح عليه مسرور وقال : هاته ، فدفعه إلى الحسن بن زياد اللؤلؤي فقال بصوت ضعيف : هو أمان.

واستلبه أبو البختري وهب بن وهب فقال : هذا باطل (٤) منتقض ، قد شق عصا الطاعة وسفك الدم فاقتله ودمه في عنقي.

فدخل مسرور إلى الرشيد فأخبره فقال له : اذهب فقل له : خرقه إن كان باطلا بيدك ، فجاءه مسرور فقال له ذلك فقال : شقّه يا أبا هاشم.

قال له مسرور : بل شقه أنت إن كان منتقضا.

فأخذ سكينا وجعل يشقه ويده ترتعد حتى صيّره سيورا ، فأدخله مسرور على الرشيد فوثب فأخذه من يده وهو فرح وهو يقول له : يا مبارك يا مبارك ، ووهب لأبي البختري ألف ألف وستمائة ألف ، وولاه القضاء ، وصرف الآخرين ، ومنع محمد بن الحسن من الفتيا مدة طويلة ، وأجمع على إنفاذ ما أراده في يحيى بن عبد الله.

قال أبو الفرج الأصبهاني :

وقد اختلف في مقتله كيف كان : فحدثني جعفر بن أحمد الوراق (٥) ، قال :

__________________

(١) كان الرشيد ولّاه القضاء ، وخرج معه في سفره إلى خراسان فمات بالري سنة تسع وثمانين ومائة ، ترجمته في تاريخ بغداد ٢ / ١٧٢ ـ ١٨٢ وابن خلكان ١ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

(٢) تولى القضاء بعد وفاة القاضي حفص بن غيّاث في سنة أربع وتسعين ومائة ، وتوفي سنة أربع ومائتين ، وترجمته في تاريخ بغداد ٧ / ٣١٤ ـ ٣١٧.

(٣) هو أبو محمد عبد العزيز بن محمد عبيد الجهني المدني الدراوردي ، توفي سنة تسع وثمانين ومائة كما في خلاصة تذهيب الكمال ٢٠٤ وتذكرة الحفاظ ١ / ٢٤٨ والمعارف ٢٢٤.

(٤) الطبري ١٠ / ٥٧ وابن الأثير ٥ / ٤٥.

(٥) في الخطية «فحدثني علي بن إبراهيم العلوي قال حدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا أحمد بن يحيى ...».

٤٠١

حدثنا أحمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن عثمان ، عن الحسن بن علي ، عن عمرو بن حماد ، عن رجل كان مع يحيى بن عبد الله في المطبق ، قال :

كنت قريبا منه فكان في أضيق البيوت وأظلمها ، فبينا نحن ذات ليلة كذلك إذ سمعنا صوت الأقفال وقد مضت من الليل هجعة ، فإذا هارون قد أقبل على برذون له ، ثم وقف وقال : أين هذا؟ يعني يحيى بن عبد الله بن الحسن. قالوا : في هذا البيت. قال عليّ به فأدنى إليه فجعل هارون يكلمه بشيء لم أفهمه فقال : خذوه ، فأخذوه فضرب مائة عصا ، ويحيى يناشده الله والرحم والقرابة من رسول الله (ص) ويقول : بقرابتي منك ، فيقول : ما بيني وبينك قرابة.

ثم حمل فرد إلى موضعه فقال : كم أجريتم عليه؟ قالوا : أربعة أرغفة وثمانية أرطال ماء.

قال : اجعلوه على النصف.

ثم خرج ومكثنا ليالي ثم سمعنا وقعا فإذا نحن به حتى دخل فوقف موقفه فقال : عليّ به ، فأخرج ففعل به مثل فعله ذلك ، وضربه مائة عصا أخرى ، ويحيى يناشده الله ، فقال : كم أجريتم عليه؟.

قالوا : رغيفين وأربعة أرطال ماء.

قال : اجعلوه على النصف.

ثم خرج وعاد الثالثة ، وقد مرض يحيى بن عبد الله وثقل ، فلما دخل قال : عليّ به ، قالوا : هو عليل مدنف لما به. قال : كم أجريتم عليه؟.

قالوا : رغيفا ورطلين ماء.

قال : فاجعلوه على النصف.

ثم خرج فلم يلبث يحيى بن عبد الله أن مات ، فأخرج إلى الناس ، ودفن رضي الله عنه وأرضاه.

وقال ابن عمار في روايته عن إبراهيم بن رياح (١).

__________________

(١) في الخطية «قال ابن عمار في روايته وإبراهيم بن رياح».

٤٠٢

إنه بني عليه اسطوانة بالرافقة وهو حي.

وقال ابن عمار في خبره عن علي بن محمد بن سليمان :

إنه دس إليه في الليل من خنقه حتى تلف.

قال : وبلغني أنه سقاه سما.

وقال علي بن إبراهيم ، عن إبراهيم بن بنان الخثعمي ، عن محمد بن أبي الخنساء : أنه أجاع السباع ثم ألقاه إليها فأكلته.

* * *

فحدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن ، قال : حدثني موسى بن عبد الله عن أبيه ، ومحمد بن عبيد الله البكري ، عن سلمة بن عبد الله بن عبد الرحمن المخزومي ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص العمري ، قال : دعينا لمناظرة يحيى بن عبد الله بن الحسن بحضرة الرشيد ، فجعل يقول له : اتق الله وعرّفني أصحابك السبعين لئلا ينتقض أمانك. وأقبل علينا فقال : إن هذا لم يسم أصحابه ، فكلما أردت أخذ إنسان بلغني عنه شيء أكرهه ، ذكر أنه ممن أمّنت.

فقال يحيى : يا أمير المؤمنين ، أنا رجل من السبعين فما الذي نفعني من الأمان ، أفتريد أن أدفع إليك قوما تقتلهم معي ، لا يحلّ لي هذا.

قال : ثم خرجنا ذلك اليوم ، ودعانا له يوما آخر ، فرأيته أصفر الوجه متغيرا ، فجعل الرشيد يكلمه فلا يجيبه ، فقال : ألا ترون إليه لا يجيبني ، فأخرج إلينا لسانه وقد صار أسود مثل الفحمة (١) ، يرينا أنه لا يقدر على الكلام فتغيظ الرشيد وقال : إنه يريكم أني سقيته السم ، وو الله لو رأيت عليه القتل لضربت عنقه صبرا.

قال : ثم خرجنا من عنده فما وصلنا في وسط الدار حتى سقط على وجهه لا حراكبه(٢).

حدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثني يحيى بن الحسن ، قال : كان

__________________

(١) في الخطية «مثل الحمة».

(٢) في ط وق «لا حراما به».

٤٠٣

إدريس بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، يقول :

قتل جدي بالجوع والعطش في الحبس.

وأمّا حرمي بن أبي العلاء ، فحدثنا عن الزبير بن بكار ، عن عمه :

أن يحيى لما أخذ من الرشيد المائتي ألف دينار قضى بها دين الحسين صاحب فخ ، وكان الحسين خلف مائتي ألف دينار دينا.

تسمية من خرج مع يحيى بن عبد الله

ابن الحسن من أهل العلم والحديث

حدثني علي بن إبراهيم العلوي ، حدثنا جعفر بن محمد الفزاري :

أن يحيى بن مساور كان ممن خرج مع يحيى بن عبد الله.

حدثني علي بن العباس ، قال : حدثنا علي بن أحمد الباني (١) ، قال :

سمعت عامر بن كثير السراج (٢) يحدث محمد بن إبراهيم أنه خرج مع يحيى بن عبد الله بن الحسن.

حدثني أبو عبيد محمد بن أحمد المؤمل الصيرفي ، قال : سمعت محمد بن علي بن خلف العطار يقول :

خرج سهل بن عامر البجلي مع يحيى بن عبد الله.

كتب إليّ علي بن العباس المقانعي ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال :

أعطى يحيى بن عبد الله يحيى بن مساور من المال الذي أعطاه هارون ثلاثة بدور ، فلما كان بعد ذلك قال يحيى : احتل لي في ألفي درهم قرضا ، فقال له : ابعث برسول ومعه بغل ، فوجه إلى يحيى بالثلاث بدور ، فقال له ما هذا؟ قال : هذا الذي كنت أعطيتني ، علمت أنك ستحتاج إليه ، قال له : خذ بعضه ، فقال : لا والله ما كان الله ليراني آكل على حبكم درهما أبدا.

* * *

حدثني علي بن إبراهيم العلوي ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : قال محمد بن يحيى ، عن محمد بن عثمان ، عن الحسن بن علي ، عن علي بن هاشم بن البريد :

__________________

(١) في ط وق «الثاني».

(٢) إتقان المقال ص ٧٤.

٤٠٤

أن هارون أخذه ، وعبد ربه بن علقمة ، ومخول بن إبراهيم النهدي ، وكانوا من أصحاب يحيى بن عبد الله ، فحبسهم جميعا في المطبق ، فمكثوا فيه اثنتي عشرة سنة.

حدثني محمد بن الحسين الأشناني ، قال : حدثنا يحيى بن محمد بن مخول بن إبراهيم ، قال :

كنت أغمز ساق جدي فقلت له : يا أبي الكبير (١) ما أدق ساقيك! فقال : دققتها يا يحيى قيود هارون في المطبق.

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن حازم الغفاري ، قال : حدثني مخول ، قال :

حبست أنا ، وعبد ربه بن علقمة في المطبق ، فمكثنا فيه بضع عشرة سنة. قال : ثم دعاني هارون الرشيد ، فمروا بي على عبد ربه بن علقمة ، فصاح بي : يا مخول ، احذر أن تلقى الله ورسوله (ص) وقد شركت في دم ولده ، أو دللتهم على أثر يتعلقون به عليه ، وإذا مرّ بك هول من عقوباتهم فاذكر عذاب الله وعقابه يوم القيامة والموت! فإنه يسهل عليك. فو الله لقد صير قلبي مثل زبرة حديد. وأدخلت على هارون فدعا بالسيف والنطع فقال : والله لتدلّني على أصحاب يحيى أو لأقطعنك قطعا.

فقلت يا أمير المؤمنين ، أنا رجل سوقة ضعيف ، محبوس منذ أربع سنين ، من أين أعرف مواضع أصحاب يحيى وقد تفرقوا في البلاد خوفا منك؟.

فأراد قتلي ، فقالوا له : قد صدق فيما ذكر ، من أين يعرف مواضع قوم هرّاب؟ فردّني إلى محبسي ، فمكثت فيه بضع عشرة سنة.

* * *

ومما رثي به يحيى بن عبد الله بن الحسن ، أنشدنيه علي بن إبراهيم العلوي :

يا بقعة مات بها سيّد

ما مثله في الأرض من سيّد

مات الهدى (٢) من بعده والندى

وسمى الموت به معتدي

فكم حيا حزت من وجهه

وكم ندى (٣) يحيى به المجتدي

__________________

(١) في ط وق «فقلت له جد».

(٢) في الخطية «مات السدي».

(٣) «وكم ثرى».

٤٠٥

[لا زلت غيث الله يا قبره

عليك منه رائح مغتدي](١)

كان لنا غيثا به نرتوي

وكان كالنجم به نهتدي

فإن رمانا الدهر عن قوسه

وخاننا في منتهى السؤدد

فعن قريب نبتغي ثاره

بالحسني الثائر المهتدي

إنّ ابن عبد الله يحيى ثوى

والمجد والسؤدد في ملجد

٤١ ـ إدريس بن عبد الله

وإدريس بن عبد الله (٢) بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه عاتكة بنت عبد الملك بن الحرث الشاعر بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي. وفي خالد بن العاص يقول الشاعر :

لعمرك إن المجد ما عاش خالد

على الغمر من ذي كندة لمقيم

يعني غمر ذي كندة وهو موضع كان ينزله. وقد ذكره عمر بن أبي ربيعة في شعره فقال(٣) :

إذا سلكت غمر ذي كندة

مع الصبح قصدا لها الفرقد

* * *

يمر بك العصران يوم وليلة

فما أحدثا إلّا وأنت كريم

وتندي البطاح البيض من جود خالد

وتخصب حتى نبتهن عميم (٤)

حدثني بخبره أحمد بن عبيد الله بن عمار ، قال : حدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، قال : حدثني أبي وغيره من أهلي ، وحدثني به أيضا علي (٥) بن إبراهيم العلوي ، قال : كتب إلى محمد بن موسى يخبرني عن محمد بن يوسف عن عبد الله بن عبد الرحيم بن عيسى :

__________________

(١) الزيادة من الخطية.

(٢) الطبري ١٠ / ٢٩ والبدء والتاريخ ٦ / ١٠٠ والاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى ١ / ٦٧ وشرح شافية أبي فراس ١٧١ ، والدر النفيس في مناقب إدريس ٩٩ ، وابن خلدون ٤ / ١٢ ـ ١٤ وأبو الفداء ٢ / ١٢.

(٣) ديوانه ص ١٦٦.

(٤) في ط وق «ويحصر حتى ما يكاد يريم».

(٥) في ط وق «أيضا عن إبراهيم».

٤٠٦

أن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن أفلت من وقعة فخ (١) ومعه مولى يقال له راشد فخرج به في جملة حاج مصر وإفريقية. وكان إدريس يخدمه ويأتمر له حتى أقدمه مصر (٢) فنزلها ليلا فجلس على باب رجل من موالي بني العباس فسمع كلامهما وعرف الحجازية فيهما. فقال : أظنكما عربيين (٣). قالا : نعم. قال : وحجازيين. قالا : نعم. فقال له راشد : أريد أن ألقى إليك أمرنا على أن تعاهد الله أنك تعطينا خلة من خلتين : إما أن تؤوينا وتؤمننا ، وإما سترت علينا أمرنا حتى نخرج من هذا البلد.

قال : افعل : فعرفه نفسه وإدريس بن عبد الله ، فآواهما وسترهما. وتهيأت قافلة إلى إفريقية فأخرج معها راشدا إلى الطريق وقال له : إن على الطريق مسالح ومعهم أصحاب أخبار تفتش كل من يجوز الطريق ، وأخشى أن يعرف ، فأنا أمضي به معي على غير الطريق حتى أخرجه عليك بعد مسيرة أيام ، وهناك تنقطع المسالح. ففعل ذلك وخرج به عليه فلما قرب من إفريقية ترك القافلة ومضى مع راشد حتى دخل بلد البربر في مواضع منه يقال لها فاس وطنجة ، فأقام بها واستجابت له البربر.

وبلغ الرشيد خبره فغمه ، فقال النوفلي خاصة في حديثه وخالفه علي بن إبراهيم وغيره فيه ، فشكا ذلك إلى يحيى بن خالد ، فقال : أنا أكفيك أمره. ودعا سليمان بن جرير الجزري (٤) ، وكان من متكلمي الزيدية البترية (٥) ومن أولى الرياسة فيهم ، فأرغبه ووعده عن الخليفة بكل ما أحب على أن يحتال لإدريس حتى يقتله ، ودفع إليه غانية مسمومة ، فحمل ذلك وانصرف من عنده ، فأخذ معه صاحبا له ، وخرج يتغلغل في البلدان حتى وصل إلى إدريس بن عبد الله فمتّ إليه بمذهبه وقال : إن السلطان طلبني لما يعلمه من مذهبي ، فجئتك. فأنس به واجتباه. وكان ذا لسان وعارضة ، وكان يجلس في مجلس البربر فيحتج للزيدية ويدعو إلى أهل البيت كما كان

__________________

(١) راجع الدر النفيس في مناقب إدريس ص ١٠٠ وجذوة الاقتباس لابن القاضي ص ٧.

(٢) في الطبري ١٠ / ٢٩ «أفلت إدريس من وقعة فخ في خلافة الهادي فوقع إلى مصر ، وعلى بريد مصر واضح مولى لصالح ابن أمير المؤمنين المنصور ، وكان رافضيا ، فحمله على البريد إلى أرض المغرب ...».

(٣) في ط وق «غريبين».

(٤) في الاستقصاء ٧ / ٦٩ «ويعرف بالتمساح».

(٥) راجع الفرق بين الفرق ٢٤.

٤٠٧

يفعل ، فحسن موقع ذلك من إدريس إلى أن وجد فرصة لإدريس فقال له : جعلت فداك ، هذه قارورة غالية حملتها إليك من العراق ، ليس في هذا البلد من هذا الطيب شيء. فقبلها وتغلل بها وشمّها ، وانصرف سليمان إلى صاحبه ، وقد أعدّ فرسين ، وخرجا يركضان عليهما. وسقط إدريس مغشيّا عليه من شدة السم فلم يعلم من بقربه ما قصته. وبعثوا إلى راشد مولاه فتشاغل به ساعة يعالجه وينظر ما قصته ، فأقام إدريس في غشيته هاته نهاره حتى قضي عشيا ، وتبين راشد أمر سليمان فخرج في جماعة يطلبه فما لحقه غير راشد وتقطعت خيل الباقين ، فلما لحقه ضربه ضربات منها على رأسه ووجهه ، وضربة كتعت أصابع يديه (١) وكان بعد ذلك مكتعا.

هذه رواية النوفلي.

وذكر علي بن إبراهيم ، عن محمد بن موسى :

أن الرشيد وجه إليه الشّماخ مولى المهدي ، وكان طبيبا (٢) ، فأظهر له أنه من الشيعة وأنه طبيب ، فاستوصفه فحمل إليه سنونا (٣) وجعل فيه سما ، فلما استن به جعل لحم فيه ينتثر وخرج الشماخ هاربا حتى ورد مصر. وكتب ابن الأغلب إلى الرشيد بذلك ، فولّى الشماخ بريد مصر وأجازه.

حدثني أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن ، قال : حدثني داود بن القاسم الجعفري :

أن سليمان بن جرير أهدى إلى إدريس سمكة مشوية مسمومة فقتله ، رضوان الله عليه ورحمته.

قالوا : وقال رجل من أولياء بني العباس يذكر قتل إدريس (٤) بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام.

أتظن يا إدريس أنك مفلت

كيد الخليفة أو يقيك فرار (٥)

فليدركنّك أو تحلّ ببلدة

لا يهتدي فيها إليك نهار

__________________

(١) أي أيبستها.

(٢) الطبري ١٠ / ٢٩.

(٣) في ط وق «سفوفا».

(٤) في الطبري ١٠ / ٢٩ «فقال في ذلك بعض الشعراء ، أظنه الهنازي».

(٥) في الطبري «أو يفيد قرار».

٤٠٨

إن السيوف إذا انتضاها سخطه

طالت وتقصر دونها الأعمار (١)

ملك كأن الموت يتبع أمره

حتى يقال تطيعه الأقدار

قال ابن عمار : وهذا الشعر عندي يشبه شعر أشجع بن عمرو السلمي ، وأظنه له.

قال أبو الفرج الأصبهاني :

هذا الشعر لمروان بن أبي حفصة ، أنشدنيه علي بن سليمان الأخفش له.

قالوا :

ورجع راشد إلى الناحية التي كان بها إدريس مقيما فدفنه (٢) ، وكان له حمل فقام له راشد بأمر المرأة حتى ولدت ، فسمّاه باسم أبيه إدريس ، وقام بأمر البربر حتى كبر ونشأ فولى أمرهم أحسن ولاية.

وكان فارسا شجاعا جوادا شاعرا (٣) ، وأنا أذكر خبره في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى (٤).

٤٢ ـ عبد الله بن الحسن

وعبد الله بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام

وهو الذي يقال له ابن الأفطس (٥).

ويكنى أبا محمد.

وأمه أم سعيد بنت سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف.

حدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن ، قال : حدثني عبد الله بن الحسين بن زيد ، قال :

__________________

(١) في الطبري «وقصر دونها» وفي ط وق «ويقصر عندها».

(٢) في تاريخ ابن خلدون ٤ / ١٣ «ودفن بوليلى سنة خمس وسبعين».

(٣) أبو الفداء ٢ / ١٢.

(٤) في الخطية «وقد شرحنا خبره في الكتاب الكبير».

(٥) مروج الذهب ٢ / ٢٣٤.

٤٠٩

حدثني من رأى عبد الله بن الحسن بن الأفطس يوم فخ متقلدا سيفين يقاتل بهما.

حدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى ، قال : سمعت عبد الله بن حمزة يحكي عمن شهد ذلك (١) ، قال :

ما كان بفخ أحد أشد غناء من عبد الله بن الحسن بن علي بن علي.

حدثني أحمد ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر :

أن الحسين صاحب فخ أوصى إلى عبد الله بن الحسن بن علي بن علي ان حدث به حدث فالأمر إليه.

ذكر الخبر عن مقتله

حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار ، قال : حدثني النوفلي عن أبيه ، قال :

كان الرشيد مغري بالمسألة عن أمر آل أبي طالب ، وعمن له ذكر ونباهة منهم فسأل يوما الفضل بن يحيى هل سمعت بخراسان ذكرا يحد منهم؟.

قال : لا والله ولقد جهدت فما ذكر لي أحد منهم ، إلا أني سمعت رجلا يقول وذكر موضعا ، فقال : ينزل فيه عبد الله بن الحسن بن علي ، ولم يزد على هذا.

فوجه الرشيد من وقته إلى المدينة فأخذ فجيء به ، فلما أدخل عليه قال له : بلغني أنك تجمع الزيدية وتدعوهم إلى الخروج معك.

قال قال : نشدتك بالله يا أمير المؤمنين في دمي ، فو الله ما أنا من هذه الطبقة ولا لي فيهم ذكر ، وإن أصحاب هذا الشأن بخلافي ، أنا غلام نشأت بالمدينة ، وفي صحاريها أسعى على قدمي ، وأتصيد بالبواشيق ما هممت بغير ذلك قط.

قال : صدقت ، ولكني أنزلك دارا ، وأوكل بك رجلا واحدا يكون معك ولا يحجبك أحدا يدخل عليك ، وإن أردت أن تلعب بالحمام فافعل.

فقال : يا أمير المؤمنين ، نشدتك بالله في دمي ، فو الله لئن فعلت ذلك بي لأوسوسن وليذهبن عقلي.

فلم يقبل ذلك منه وحبسه ، فلم يزل يحتال لأن تصل رقعته إلى الرشيد حتى

__________________

(١) في الخطية «يحكى عن شهردار».

٤١٠

قدر على ذلك ، فأنفذ إليه رقعة مختومة فيها كل كلام قبيح وكل شتم شنيع ، فلما قرأها طرحها وقال : قد ضاق صدر هذا الفتى فهو يتعرض للقتل ، وما يحملني فعله ذلك على قتله. ثم دعا جعفر بن يحيى فأمره أن يحوله إليه ويوسع عليه في محبسه.

فلما كان يوم غد ، وهو يوم نيروز ، قدّمه جعفر بن يحيى فضرب عنقه ، وغسل رأسه وجعله في منديل ، وأهداه إلى الرشيد مع هدايا ، فقبلها وقدمت إليه فلما نظر إلى الرأس أفظعه فقال له : ويحك لم فعلت هذا؟.

قال : لإقدامه على ما كتب به إلى أمير المؤمنين ، وبسط يده ولسانه بما بسطهما.

قال : ويحك فقتلك إيّاه بغير أمري أعظم من فعله. ثم أمر بغسله ودفنه.

فلما كان من أمره ما كان في أمر جعفر قال لمسرور : إذا أردت قتله فقل له : هذا بعبد الله بن الحسن بن عمي الذي قتلته بغير أمري. فقالها مسرور عند قتله إيّاه.

٤٣ ـ محمد بن يحيى بن عبد الله

ومحمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن

ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

وأمه خديجة بنت إبراهيم بن طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي.

حبسه بكار بن عبد الله الزبيري ، فمات في حبسه.

حدثني أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله قال : حدثني مالك بن يزيد الجعفري (١). وحدثني علي بن إبراهيم العلوي ، قال : كتب إليّ محمد بن موسى بن حماد أن محمد بن الحسن بن مسعود حدثه ، قال : أخبرني عمر بن عثمان الزهري :

أن بكار بن عبد الله الزبيري وجّه إلى محمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن ، وقد ورد سويقة ليصوم شهر رمضان في منزله ، فجاءه الرسول فأخذه فمضى به إلى الحبس وجعل يتبعه برسول بعد رسول يأمره بالتضييق عليه ، ثم أتبعه بآخر يأمره

__________________

(١) في الخطية «الجعفي».

٤١١

بتقييده ، ثم أتبعه بآخر يأمره بإثقاله والزيادة في حديده ، فالتفت إلى الرسول فقال له : قل لصاحبك :

إني من القوم الذين تزيدهم

قسوا وصبرا شدة الحدثان

فلم يزل محبوسا ثم أخرجه فقال له من يكفل بك.

قال : جماعة ولد أبي طالب. فقال بعضهم لسنا نكفل لمن عصى أمير المؤمنين ، فوثب وأنشأ يقول :

وما العود إلّا نابت في أرومة

أبي صالح العيدان أن يتقطرا (١)

بنو الصالحين الصالحون ومن يكن

لآباء صدق تلقهم حيث ستّرا (٢)

قال : فرده إلى محبسه ، فلم يزل فيه حتى مات.

* * *

٤٤ ـ الحسين بن عبد الله بن اسماعيل

والحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر

ابن أبي طالب عليه السلام

أمه حمادة بنت معاوية بن عبد الله بن جعفر.

ذكر محمد بن علي بن حمزة أن بكارا الزّبيري أخذه بالمدينة أيام ولايته إيّاها فضربه بالسوط ضربا مبرّحا ، فمات من ذلك الضرب.

* * *

٤٥ ـ العباس بن محمد بن عبد الله

والعباس بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين

ابن علي بن أبي طالب عليه السلام

ويكنى أبا الفضل.

وأمه أم سلمة بنت محمد بن علي بن الحسين.

حدثني أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثني يحيى بن الحسن العلوي ،

__________________

(١) في ط وق «تنفطرا».

(٢) في الخطية «لآباء سوء تلقهم حيث سيرا».

٤١٢

قال : حدثني عبد الله بن محمد ، قال :

دخل العباس بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين ، على هارون فكلمه كلاما طويلا ، فقال هارون : يابن الفاعلة.

قال : تلك أمك التي تواردها النخاسون.

فأمر به فأدنى فضربه بالجرز (١) حتى قتله.

* * *

٤٦ ـ موسى بن جعفر بن محمد

وموسى بن جعفر بن محمد (٢) بن علي بن الحسين

ابن علي بن أبي طالب عليه السلام

ويكنى أبا الحسن ، وأبا إبراهيم.

وأمه أم ولد تدعى حميدة.

حدثني أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن قال :

كان موسى بن جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرة دنانير ، وكانت صراره ما بين الثلثمائة إلى المائتين دينار ، فكانت صرار موسى مثلا (٣).

حدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى :

أن رجلا من آل عمر بن الخطاب كان يشتم علي بن أبي طالب إذا رأى موسى ابن جعفر ، ويؤذيه إذا لقيه ، فقال له بعض مواليه وشيعته : دعنا نقتله ، فقال : لا ، ثم مضى راكبا حتى قصده في مزرعة له فتواطأها بحماره ، فصاح لا تدس زرعنا فلم يصغ إليه وأقبل حتى نزل عنده فجلس معه وجعل يضاحكه ، وقال له : كم غرمت على زرعك هذا؟ قال : مائة درهم. قال : فكم ترجو أن تربح؟ قال : لا أدري. قال : إنما سألتك كم ترجو. قال مائة أخرى. قال : فأخرج ثلثمائة دينار فوهبها له فقام فقبل رأسه ، فلما دخل المسجد بعد ذلك وثب العمري فسلم عليه وجعل

__________________

(١) في القاموس : «الجرز : عمود من حديد».

(٢) تاريخ بغداد ١٣ / ٢٧ ـ ٣٢ ومروج الذهب ٢ / ١٩٥ وصفة الصفوة ١ / ١٠٣ ـ ١٠٥ والفخري ١٧٦ ـ ١٧٧ وابن خلكان ٢ / ١٧٢ ـ ١٧٣ والإرشاد ٢٦٣ ، وشرح شافية أبي فراس ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٧٢.

(٣) تاريخ بغداد ١٣ / ٢٧.

٤١٣

يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته ، فوثب أصحابه عليه وقالوا : ما هذا؟ فشاتمهم ، وكان بعد ذلك كلما دخل موسى خرج يسلم عليه ويقوم له.

فقال موسى لمن قال ذلك القول : أيما كان خيرا ما أردتم أو ما أردت (١).

حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار ، قال : حدثني محمد بن عبد الله المدائني قال :

حدثني أبي ، قال : حدثني بعض أصحابنا.

أن الرشيد لما حج لقيه موسى بن جعفر على بغلة (٢). فقال له الفضل بن الربيع : ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين؟ فأنت إن طلبت عليها لم تدرك ، وإن طلبت لم تفت.

قال : إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل ، وارتفعت عن ذلة العير ، وخير الأمور أوسطها.

(ذكر السبب في أخذه وحبسه)

حدثني (٣) بذلك أحمد بن عبيد الله بن عمار ، قال : حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه وحدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثني يحيى بن الحسن العلوي ، وحدثني غيرهما ببعض قصته ، فجمعت ذلك بعضه إلى بعض.

قالوا (٤) :

كان السبب في أخذ موسى بن جعفر أن الرشيد جعل ابنه محمدا في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث (٥) ، فحسده يحيى بن خالد بن برمك على ذلك وقال :

إن أفضت الخلافة إليه زالت دولتي ودولة ولدي. فاحتال على جعفر بن محمد ، وكان يقول بالإمامة ، حتى داخله وأنس به ، وأسر إليه ، وكان يكثر غشيانه في منزله فيقف على أمره ويرفعه إلى الرشيد ويزيد عليه في ذلك بما يقدح في قلبه. ثم قال يوما لبعض ثقاته : أتعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال يعرفني ما أحتاج إليه من

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ / ٢٨.

(٢) في زهر الآداب ١ / ١٣٢ «ولقى موسى بن جعفر محمد بن الرشيد وموسى على بغلة ...».

(٣) في ط وق «حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري قال : حدثنا أبو الفرج : علي بن الحسين الأصبهاني قال حدثني ...».

(٤) نقل هذا الخبر الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد ص ٢٧٣.

(٥) في الخطية «... جعل ابنه في حجر محمد بن الأشعث».

٤١٤

أخبار موسى بن جعفر؟ فدلّ على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد ، فحمل إليه يحيى ابن خالد البرمكي مالا. وكان موسى يأنس إليه ويصله وربما أفضى إليه بأسراره ، فلما طلب ليشخص به أحس موسى بذلك ، فدعاه فقال : إلى أين يابن أخي؟ قال : إلى بغداد قال: وما تصنع؟ قال : عليّ دين وأنا مملق. قال : فأنا أقضي دينك وأفعل بك واصنع ، فلم يلتفت إلى ذلك ، فعمل على الخروج ، فاستدعاه أبو الحسن موسى فقال له : أنت خارج؟ فقال له : نعم لا بد لي من ذلك فقال له : انظر يابن أخي واتق الله لا تؤتم أولادي! وأمر له بثلاثمائة دينار ، وأربعة آلاف درهم.

قالوا : فخرج علي بن اسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد البرمكي ، فتعرّف منه خبر موسى بن جعفر ، فرفعه إلى الرشيد وزاد فيه ، ثم أوصله إلى الرشيد فسأله عن عمّه فسعى به إليه ، فعرف يحيى جميع خبره وزاد عليه وقال له : إن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب ، وإن له بيوت أموال ، وإنه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار فسماها اليسيرة ، وقال له صاحبها وقد أحضره المال : لا آخذ هذا النقد ولا آخذ إلّا نقدا كذا وكذا ، فأمر بذلك المال فرد وأعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأل بعينه ، فسمع ذلك منه الرشيد وأمر له بمائتي ألف درهم نسبت (١) له على بعض النواحي ، فاختار كور المشرق ، ومضت رسله لقبض المال. ودخل هو في بعض الأيام إلى الخلاء فزحر زحرة فخرجت حشوته كلها فسقطت ، وجهدوا في ردّها فلم يقدروا ، فوقع لما به ، وجاءه المال وهو ينزع فقال : وما أصنع به وأنا أموت؟!

وحج الرشيد في تلك السنة فبدأ بقبر النبي (ص) فقال : يا رسول الله إني أعتذر إليك من شيء أريد أن أفعله ، أريد أن أحبس موسى بن جعفر ؛ فإنه يريد التشتت بين أمتك وسفك دمائها.

ثم أمر به فأخذ من المسجد فأدخل إليه فقيده ، وأخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو في إحداهما ، ووجه مع كل واحد منهما خيلا ، فأخذوا بواحدة على طريق البصرة ، والأخرى على طريق الكوفة ، ليعمى على الناس أمره ، وكان موسى في التي مضت إلى البصرة ، فأمر الرسول أن يسلّمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على البصرة حينئذ فمضى به ، فحبسه عنده سنة ، ثم كتب إلى الرشيد : أن خذه

__________________

(١) في ط وق «يسبب بها».

٤١٥

مني وسلّمه إلى من شئت ، وإلّا خلّيت سبيله ، فقد اجتهدت أن آخذ عليه حجة فما أقدر على ذلك ، حتى إني لأتسمع عليه إذا دعا لعلّه يدعو عليّ أو عليك فما أسمعه يدعو إلّا لنفسه ، يسأل الله الرحمة والمغفرة.

فوجه من تسلّمه منه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد ، فبقي عنده مدة طويلة. وأراده الرشيد على شيء من أمره فأبى ، فكتب إليه ليسلمه إلى الفضل بن يحيى ، فتسلمه منه ، وأراد ذلك منه فلم يفعله ، وبلغه أنه عنده في رفاهية وسعة ودعة ، وهو حينئذ بالرقة ، فأنفذ مسرورا الخادم إلى بغداد على البريد ، وأمره أن يدخل من فوره إلى موسى فيعرف خبره ، فإن كان الأمر على ما بلغه أوصل كتابا منه إلى العباس بن محمد وأمره بامتثاله ، وأوصل كتابا منه إلى السّندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس بن محمد.

فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ، ثم دخل على موسى فوجده على ما بلغ الرشيد ، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي بن شاهك ، فأوصل الكتابين إليهما. فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض ركضا إلى الفضل بن يحيى ، فركب معه وخرج مشدوها دهشا حتى دخل على العباس فدعا العباس بالسياط وعقابين ، فوجّه بذلك إليه السندي ، فأمر بالفضل فجرد ثم ضربه مائة سوط.

وخرج متغير اللون بخلاف ما دخل ، فذهبت قوته (١) فجعل يسلم على الناس يمينا وشمالا.

وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد ، فأمر بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك وجلس الرشيد مجلسا حافلا وقال :

أيها الناس ، إن الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي ، ورأيت أن ألعنه فالعنوه. فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه.

وبلغ يحيى بن خالد الخبر فركب إلى الرشيد ، فدخل من غير الباب الذي يدخل منه الناس حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر ، ثم قال له : التفت إليّ يا أمير المؤمنين ، فأصغي إليه فزعا ، فقال له : إن الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد ،

__________________

(١) في الخطية «قد ذهبت نخوته».

٤١٦

فانطلق وجهه وسرّ ، فقال له يحيى : يا أمير المؤمنين ، قد غضضت من الفضل بلعنك إيّاه فشرّفه بإزالة ذلك ، فأقبل (١) على الناس فقال : إن الفضل قد عصاني في شيء فلعنته ، وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه.

فقالوا : نحن أولياء من واليت ، وأعداء من عاديت ، وقد توليناه.

ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى وافى بغداد ، فماج الناس وأرجفوا بكل شيء ، وأظهر أنّه ورد لتعديل السواد ، والنظر في أعمال العمال ، وتشاغل ببعض ذلك.

ثم دخل ودعا بالسندي وأمره فيه بأمره فلفه على بساط ، وقعد الفراشون النصارى على وجهه.

وأمر السنديّ عند وفاته أن يحضر مولى له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليغسله ، ففعل ذلك.

قال : وسألته أن يأذن لي في أن أكفنه فأبى وقال : إنا أهل بيت مهور نسائنا ، وحجّ صرورتنا (٢) ، وأكفان موتانا من طاهر أموالنا ، وعندي كفني.

فلما مات أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ، فنظروا إليه لا أثر به ، وشهدوا على ذلك ، وأخرج فوضع على الجسر ببغداد ، فنودي هذا موسى بن جعفر قد مات ، فانظروا إليه ، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت.

وحدثني رجل من أصحابنا عن بعض الطالبيين :

أنه نودي عليه : هذا موسى بن جعفر الذي تزعّم الرافضة أنه لا يموت ، فانظروا إليه ، فنظروا (٣).

__________________

(١) في ط وق «بإزالة ذلك فأقبل على الناس فقال : إنه قد بلغني عن الفضل أمر أنكرته وكان فيه فساد ملكي ، ثم تبينت بعد ذلك وقد رجعت له وتوليته فأقيل على الناس إلخ».

(٢) أي الحج الذي يسقط به الفرض.

(٣) توفي موسى لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وكانت ولادته سنة تسع وعشرين ومائة راجع ابن خلكان ٢ / ١٧٣ وتاريخ بغداد ١٣ / ٣٢.

٤١٧

قالوا :

وحمل فدفن في مقابر قريش رحمه الله ، فوقع قبره إلى جانب قبر رجل من النوفليين يقال له : عيسى بن عبد الله.

* * *

٤٧ ـ إسحاق بن الحسن بن زيد

وإسحاق بن الحسن بن زيد (١) بن الحسن

ابن علي بن أبي طالب عليه السلام

وأمه أم ولد.

حبسه هارون فمات في حبسه.

ذكر ذلك محمد بن علي بن حمزة ، فيما أخبرنا به ابن أخيه عنه.

* * *

__________________

(١) شرح شافية أبي فراس ٢٧٥.

٤١٨

ذكر أيام محمد الأمين

ابن الرشيد

٤١٩

ذكر أيام محمد الأمين

ابن هارون الرشيد

وكانت سيرة محمد في أمر آل أبي طالب خلاف من تقدم ؛ لتشاغله بما كان فيه من اللهو ، والإدمان له ، ثم الحرب التي كانت بينه وبين المأمون حتى قتل ، فلم يحدث على أحد منهم في أيامه حدث بوجه ولا سبب.

٤٢٠