مقاتل الطالبيّين

أبي الفرج الاصفهاني

مقاتل الطالبيّين

المؤلف:

أبي الفرج الاصفهاني


المحقق: السيد أحمد صقر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٦٤

ولو قد استحضرت دار الكتب مخطوطات الأغاني لما خرج الكتاب ناقصا ولاستمتعنا بأخبار هؤلاء الطالبيين الذين لم يذكرهم أبو الفرج في مقاتل الطالبيين.

* * *

وقد أتى أبو الفرج بروايات مدخولة ، وأحاديث موضوعة لم يعقب عليها ولكنه أمر نقده على بعضها ، كما فعل حين روى عن الضحاك قتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب لمحمد بن جعفر بن أبي طالب فإنه قال في التعقيب عليها صفحة ٢٢ :

«وهذه رواية الضحاك بن عثمان ، وما أعلم أحدا من أهل السيرة ذكر أن محمد ابن جعفر قتيل عبيد الله بن عمر ، ولا سمعت لمحمد في كتاب أحد منهم ذكر مقتل».

وكنت إذا ما رأيت أبا الفرج ينزع نزعة مسرحية نقلت من أقوال ثقاة المؤرخين ما يرجع الحق إلى نصابه ، ويرد التاريخ إلى محرابه ، كما صنعت في ترجمة عبد الله الأشتر صفحة ٣١٠ ـ ٣١٣.

* * *

وبعد فإن مقاتل الطالبيين كنز من كنوز الأدب والتاريخ ترجم فيه أبو الفرج لنيف ومائتين من شهداء الطالبين ، فأحسن الترجمة وصوّر بطولتهم تصويرا أخاذا يختلب الألباب ، ويمتلك المشاعر وذكر فيه من خطبهم ورسائلهم وأشعارهم ، ومحاوراتهم ، وما قيل فيهم وبسببهم من روائع الشعر والنثر ، ما لا تجده مجموعا في كتاب سواه ، إلّا أن يكون منقولا عنه ، أو ملخصا منه ، فهو خير كتاب أخرج للناس في تاريخ الطالبيين وأدبهم ، يجد فيه العلماء طلبتهم ، والأدباء ضالتهم ، ويجد فيه القاصون منهم مادة خصيبة لإنتاجهم الفني.

وهو من أنفس الكتب التي تغذو العقول والقلوب والأرواح جميعا.

٢١

وأوجز ما يقال في وصف مقاتل الطالبيين : إنه دائرة معارف لتاريخ الطالبيين وأدبهم في القرون الثلاثة الأولى.

وإني أحمد الله سبحانه أن وفقني لإخراجه على هذا النحو فإن كنت أصبت فالخير أردت ، وإن تكن الأخرى فحسبي أنني بذلت وسعي حسبما اتسع له وقتي ويسرته للقارئ وجنّبته مصاعب كان يتشعب فيها فكره ويتبدد وقته ، وأتحت للناقد أن يهجم على ما قد يكون فيه بفكر جميع وعقل نشيط فيستطيع أن يؤدي واجبه في يسر وسهولة.

ولن يبلغ نشر الكتب القديمة مبلغه من الصحة والدقة المثلى إلّا بالتعاون الوثيق بين الناشرين والناقدين ، ولطالما رددت هذا المعنى فيما كتبته من مقالات في النقد الأدبي.

ومما قلته في نقد كتاب «الشعر والشعراء» الذي نشره القاضي الفاضل الشيخ «أحمد محمد شاكر».

«وإني أعتقد أنه يجب على كل قارئ للكتب القديمة أن يعاون الناشر وينشر ما يرتئيه من أخطاء وما يعن له من ملاحظاته ، فبمثل هذا التعاون العلمي المنشود تخلّص الكتب العربية من شوائب التحريف والتصحيف الذي منيت به على أيدي الناسخين قديما والطابعين حديثا» (١).

والله أسأل ـ كما سأله أبو الفرج ـ حسن التوفيق والمعونة على ما أرضاه من قول وأزلف لديه من عمد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

السيد أحمد صقر

__________________

(١) مجلة الكتاب عدد يونية سنة ١٩٤٦ ص ٢٩٥ ـ ٣٠٩.

٢٢

بسم الله الرحمن الرحيم

أخبرنا السيد الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسني رضي الله عنه وأرضاه قرأته عليه قال : أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري (١) ، وعبد الله بن الحسين بن محمد الفارسي (٢) قراءة عليهما قالا :

أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصبهاني قال (٣) :

بحمد الله والثناء عليه يفتتح كل كلام ، ويبتدأ كل مقال كفاء لآلائه (٤) ، وشكرا لجميل بلائه.

ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة من آمن بربوبيته ، واعترف بوحدانيته ، وأن محمدا عبده ورسوله المبعوث برسالته ، والداعي إلى طاعته ، والموضح الحق ببرهانه ، والمبين أعلام الهدى ببيانه ، عليه وعلى آله

__________________

(١) فقيه مالكي بغدادي صحب أبا عمر الزاهد وكتب عنه الياقوتة ، ولقى أكابر العلماء منهم ابن درستويه. ونقل ابن أبي الحديد ١ / ١١ من تاريخ أبي الفرج الجوزي قوله فيه : «كان شيخ الشهود المعدلين ببغداد ومتقدمهم وسمع الحديث الكثير ، وكان كريما مفضلا على أهل العلم ، وعليه قرأ الشريف الرضي القرآن وهو شاب حدث ، فقال له يوما : أيها الشريف أين مقامك؟ قال : في دار أبي بباب محول. فقال : مثلك لا يقيم بدار أبيه ، قد نحلتك داري بالكرخ المعروفة بدار البركة فامتنع الرضي من قبولها وقال له : لم أقبل من أبي قط شيئا. فقال : إن حقي عليك أعظم من حق أبيك عليك لأني حفظتك كتاب الله تعالى ، فقبلها». وكان صحيح النقل جيد الخط والضبط ، ولم يصنف شيئا غير جمعه لشعر أبي نواس. راجع ترجمته في تاريخ بغداد ٦ / ١٧ ومعجم الأدباء ١ / ١٠٩ وبغية الوعاة ١٧٧ ونزهة الألباء ٤٠.

(٢) في منتهى المقال ص ١٨٤ وإتقان المقال ص ٢٠١ «... بن محمد بن يعقوب الفارسي أبو محمد شيخ من وجوه أصحابنا ومحدثيهم وفقهائهم».

(٣) أول النسخة الخطية (قال علي بن الحسين الأصفهاني المؤلف لهذا الكتاب).

(٤) الآلاء : النعم.

٢٣

وأطايب أرومته (١) ، والمصطفين من عترته (٢) أفضل سلام الله وتحيته ، وبركاته ورحمته.

وبالله نستعين على ما أردناه ، وقصدنا إليه ونحوناه ، من أمر الدنيا والآخرة ، والعاجلة والآجلة.

وبه عزّ وتعالى نعوذ من كل عمل لا يرتضيه ، فيردى (٣) ، وسعي لا يشكره فيكدى(٤) ، إذعانا بالتقصير والعجز ، وتبرءوا من الحول والطول (٥) إلّا بقدرته ومشيئته ، وتوفيقه وهدايته. وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب.

وصلى الله على نبيه محمد صلى الله عليه سيد الأولين والآخرين ، وخاتم النبيين والمرسلين أولا وآخرا ، وبادئا وتاليا ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، وسلّم كثيرا.

* * *

ونحن ذاكرون في كتابنا هذا إن شاء الله وأيّد منه بعون وإرشاد جملا من أخبار من قتل من ولد أبي طالب منذ عهد رسول الله (ص) إلى الوقت الذي ابتدأنا فيه هذا الكتاب ، وهو في جمادي الأولى سنة ثلاث عشرة وثلثمائة للهجرة ومن احتيل في قتله منهم بسمّ سقيه وكان سبب وفاته ، ومن خاف السلطان وهرب منه فمات في تواريه ، ومن ظفر به فحبس حتى هلك في محبسه ، على السياقة لتواريخ (٦) مقاتل من قتل منهم ، ووفاة من توفي بهذه الأحوال ، لا على قدر مراتبهم في الفضل والتقدم. ومقتصرون في ذكر أخبارهم على من كان

__________________

(١) في لسان العرب : «الأرومة : الأصل وفي حديث عمير بن أفصى : أنا من العرب في أرومة بنائها».

(٢) في اللسان : قال ابن الأعرابي : العترة : ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه. فعترة النبي (ص) ولد فاطمة البتول عليها السلام. راجع ما كتبه عنها ابن أبي الحديد ٢ / ١٣٠.

(٣) يردى : يهلك.

(٤) يكدى : أي لا يعود بنفع من قولهم أكدى الشي إذا قلّ خيره.

(٥) في ق وط اللسان «من الحول والقول».

(٦) في ق على السياقة والتواريخ.

٢٤

محمود الطريقة ، سديد المذهب ، لا من كان بخلاف ذلك ، أو عدل عن سبيل أهله ومذاهب أسلافه ، أو كان خروجه على سبيل عيث وإفساد. وعلى أنا لا ننتفي من أن يكون الشيء من أخبار المتأخرين منهم فاتنا (١) ولم يقع إلينا ، لتفرقهم في أقاصي المشرق والمغرب ، وحلولهم في نائي الأطراف وشاسع المحال التي يتعذر علينا استعلام أخبارهم فيها ، ومعرفة قصصهم لاستيطانهم إيّاها سيما مع قصور زماننا (٢) [هذا] وأهله ، وخلوه من مدوّن الخبر ، أو ناقل الأثر ، كما كان المتقدمون قبلهم يدونون ويصنفون وينظمون ويرصفون.

ومن اعترف بالتقصير خلا من التأنيب / (٣).

وجاعلون ما نؤلفه في هذا الكتاب ونأتي به ، على أقرب ما يمكننا من الاختصار ونقدر عليه من الاقتصار ، وجامعون فيه ما لا يستغنى عن ذكره من أخبارهم وسيرهم ومقاتلهم وقصصهم ؛ إذ كان استيعاب ذلك وجمعه من طرقه ووجوهه يطول جدا ويكثر ويثقل على جامعه وسامعه ، والاختصار لمثل هذا أخف على الحامل والناقل.

والله المسؤول حسن التوفيق والمعونة على ما أرضاه من قول ، وأزلف لديه [من عمل](٣). وهو حسبنا ونعم الوكيل.

١ ـ جعفر بن أبي طالب

فأول قتيل منهم في الإسلام جعفر بن أبي طالب عليه السلام (٤). واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب ، وهو شيبة بن هاشم وهو عمرو بن عبد مناف.

ويكنى أبا عبد الله فيما يزعم أهله.

__________________

(١) في ق : «من أن يكون اليسير منهم».

(٢) في الخطية «مع نقص زماننا» والزيادة منها.

(٣) الزيادة من المخطوطة.

(٤) البداية والنهاية ٤ / ٢٥٥ ، وتهذيب التهذيب ٢ / ٩٨ وأسد الغابة ١ / ٢٨٦. والإصابة ١ / ٢٤٨ وطبقات ابن سعد ٤ / ٢٨. وابن أبي الحديد ٣ / ٤٠٧ ، وصفة الصفوة ١ / ٢٠٨ ، والاستيعاب ١ / ٨١ ، وحلية الأولياء ١ / ١١٤.

٢٥

وروى عن أبي هريرة قال : كان جعفر بن أبي طالب يكنى أبا المساكين (١).

حدّثني بذلك محمد بن أحمد بن المؤمل الصيرفي قال : حدّثنا فضل بن الحسن المصري (٢) قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أخبرنا عبد الرازق عن معمر عن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة.

وكان جعفر بن أبي طالب الثالث من ولد أبيه ، وكان طالب أكبرهم سنا ، ويليه عقيل ، ويلي عقيلا جعفر ، ويلي جعفرا علي. وكل واحد منهم أكبر من صاحبه بعشر سنين ، وعليّ أصغرهم سنّا (٣).

حدّثني بذلك أحمد بن محمد ، بن سعيد الهمداني (٤) ، قال : حدّثنا يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قال : حدّثنا الحسن بن محمد ، قال : حدّثنا ابن أبي السري ، عن هشام بن محمد الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس.

وأمهم جميعا فاطمة بنت أسد (٥) بن هاشم بن عبد مناف ، وأمها فاطمة ، وتعرف بحبّى بنت هرم بن رواحة ، بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي.

وأمها حدية بنت وهب بن ثعلبة بن وائلة [بن] عمرو بن شيبان (٦) بن محارب بن فهر.

__________________

(١) البخاري ٧ / ٧٧ ، وحلية الأولياء ١ / ١١٧ ، وفي صفة الصفوة ١ / ٢٠٩ ، قال أبو هريرة كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثونه وكان رسول الله (ص) يسميه أبا المساكين.

(٢) في ط وق «البصري» وهو تحريف ، وفي المخطوطة وهامش ط والأغاني ٩ / ٢٦٣ ، «المصري» ، وهو الفضل ابن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري المدني نزيل مصر روى عن عمه بكير بن عمرو وأبي هريرة. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن بولس توفي بالإسكندرية ، وقال العجلي مصري تابعي ثقة. راجع تهذيب التهذيب ٨ / ٢٦٩ وخلاصة تهذيب الكمال ١ / ٢٦٢.

(٣) ابن أبي الحديد ٣ / ٤٠٧ ، وصفة الصفوة ١ / ٢٠٦ وابن سعد ١ / ٧٧.

(٤) المعروف بابن عقدة أحد أعلام محدثي الشيعة الزيدية ولد سنة ٢٤٠ ه‍ وتوفي سنة ٣٣٢ ه‍ وقيل فيه أنه كان يملي في مثالب الصحابة.

(٥) ابن سعد ٣ / ٤٠٧ ، ٨ / ١٦١ وابن أبي الحديد ٣ / ٤٠٧.

(٦) في ط وق «سنان» وفي الخطية وابن أبي الحديد شيبان.

٢٦

وأمها فاطمة بنت عبيد (١) بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي.

وأمها سلمى بنت عامر بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر.

وأمها عاتكة بنت أبي همهمة. واسم أبي همهمة عمرو بن عبد العزى بن عامر بن عميرة بن أبي وديعة بن الحارث بن فهر.

وأمها تماضر بنت أبي عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي.

وأمها حبيبة ، وهي أمة الله بنت عبد يا ليل بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي وهو ثقيف.

وأمها فلانة بنت مخزوم بن أسامة بن صبح بن وائلة بن نصر بن صعصعة بن ثعلبة بن كنانة بن عمرو بن قين بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر.

وأمها ريطة بنت يسار بن مالك بن حطيط بن جشم بن ثقيف.

وأمها كليبة بنت قصية (٢) بن سعد بن بكر بن هوازن.

وأمها حبّى بنت الحارث بن النابغة بن عميرة بن عوف بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن.

وفاطمة بنت أسدي ، بن هاشم ، أول هاشمية تزوجت هاشميا وولدت له ، وأدركت النبي (ص) ، فأسلمت وحسن إسلامها ، وأوصت إليه حين حضرتها الوفاة فقبل وصيتها ، وصلّى عليها ونزل في لحدها واضطجع معها فيه ، وأحسن الثناء عليها.

__________________

(١) من هنا إلى قوله : وهي أول هاشمية تزوجت هاشميا محذوف من الخطية وهو ثابت في النسخة التي نقل عنها ابن أبي الحديد ١ / ٤.

(٢) في ابن أبي الحديد ١ / ٥ «كلة بنت حصين».

٢٧

حدّثني العباس بن علي بن العباس النسائي قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن أيّوب ، قال حدّثنا الحسن بن بشر ، قال / (٤) حدّثنا سعدان بن الوليد بيّاع السابري (١) ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال. لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب ألبسها رسول الله (ص) قميصه واضطجع معها في قبرها ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه المرأة. فقال : «إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها. إني إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة ، واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها».

حدّثني علي بن العباس المقانعي (٢) قال : حدّثنا عبيد بن الهيثم ، قال : حدّثنا القاسم بن نصر ، عن عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة عن الزبير بن سعد الهاشمي ، عن أبيه ، عن علي قال : أمرني رسول الله (ص) فغسلت أمي فاطمة بنت أسد.

حدّثني محمد بن الحسين الخثعمي قال : حدّثنا عباد بن يعقوب قال : أخبرنا عمرو بن ثابت ، عن عبد الله بن يسار ، عن جعفر بن محمد قال :

كانت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب حادية عشرة ، يعني في السابقة إلى الإسلام ، وكانت بدرية.

حدّثني أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدّثنا يحيى بن الحسن العلوي [عن حسين بن حسين اللؤلؤي](٣) قال حدّثنا السّري بن سهل الجند نسابوري قال حدّثنا محمد بن عمرو ربيح (٤) عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة عن إبراهيم ، عن الحسن البصري ، عن الزبير بن العوّام ، قال :

__________________

(١) في القاموس : «السابري ثوب رقيق جيد» وفي المخطوطة «بباغ السابري» وفي هامشها «الباغ : البستان» ويرجح الأول ما جاء في إتقان المقال ص ٤ «آدم بياع اللؤلؤ» وما ورد في فهرست الطوسي ص ١٢٢ «عتبة بياع القصب».

(٢) في ط وق القانعي وهو تحريف ، وفي الأنساب للسمعاني ٢ / ٥٣٩ «النسبة إلى المقانع جمع مقنعة التي يختمر بها النساء ـ يعني الخمار ـ والمشهور بها أبو الحسن علي بن العباس بن الوليد المقانعي. يروى عنه محمد بن مروان الكوفي وغيره ، وروى عنه أبو بكر بن المقري. ومات بعد شوّال سنة ٣٠٦ ه‍.

(٣) الزيادة من الخطية.

(٤) في تهذيب التهذيب ٢ / ٧٥ «ابن عمرو بن زنيج» وفي الخطية «بن عمرو يعني الرازي».

٢٨

سمعت النبي (ص) يدعوا النساء إلى البيعة حين أنزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) ، وكانت فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت رسول الله (ص).

حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدّثنا يحيى بن الحسن ، قال : حدّثنا بكر بن عبد الوهاب ، قال : حدّثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه ، عن جده :

أن رسول الله (ص) دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب بالروحاء مقابل حمام أبي قطيفة.

* * *

ذكر مقتل جعفر بن أبي طالب

والسبب فيه وبعض أخباره

قرأت [ذلك] على محمد بن جرير الطبري في كتاب المغازي فأقرّ به.

قلت حدثكم محمد بن حميد الرازي قال حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق ، قال : وقرئ بحضرتي على أحمد بن محمد بن الجعد الوشاء. قيل حدثكم إسحاق المسيّبي (١). قال حدّثنا محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب الزهري في خبر جعفر بن أبي طالب ورجوعه من بلاد الحبشة مع من رجع إلى النبي (ص) من المهاجرين إليها بأحاديث / (٥) دخل بعضها في بعض ، وذكرت معانيها مفصلة برواية نقلتها في أماكنها ومواضعها.

حدّثني محمد بن إبراهيم بن أبان السرّاج ، قال : حدّثنا بشار بن موسى الخفاف ، قال : حدّثنا أبو عوانة ، عن الأجلح ، عن الشعبي ـ واللفظ له. قال : لما فتح النبي (ص) خيبر قدم جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه من

__________________

(١) في ط وق «المسيئي» وفي ق «السنيني» هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق ، بن محمد ، بن عبد الرحمن ، بن عبد الله ، بن المسيب بن أبي السائب ، بن عابد ، بن عبد الله بن عمروم بن مخزوم ، كان مدنيا ونزل بغداد. كان ثقة صالحا. توفي في ربيع الأول سنة ٢٣٦ ه‍ راجع تهذيب التهذيب ٩ / ٣٧.

٢٩

الحبشة فالتزمه رسول الله (ص) وجعل يقبّل بين عينيه ويقول : «ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر» (١).

قال ابن إسحاق وابن شهاب الزهري :

لما قدم جعفر من أرض الحبش بعث رسول الله (ص) بعثه إلى مؤتة.

قال ابن إسحاق خاصة عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير : أنه بعث ذلك البعث في جمادي لسنة ثمان من الهجرة ، واستعمل عليهم زيد بن حارثة ، وقال : إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس ، فإن أصيب جعفر فعبد الله ، بن رواحة على الناس (٢).

أخبرنا محمد بن جرير [قراءة عليه] قال : حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا سلمة (٣) ، عن ابن إسحاق قال : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، أنه حدّث عن زيد بن أرقم قال :

مضى الناس ، حتى إذا كانوا بتخوم البقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب ، فانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة ، فالتقى الناس عندها وتعبأ المسلمون ، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من عذرة يقال له قطبة بن قتادة ، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له : عبادة بن مالك. ثم التقوا فاقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله (ص) حتى شاط (٤) في رماح القوم (٥). ثم أخذها جعفر بن أبي طالب فقاتل بها حتى [إذا ألحمه القتال] اقتحم عن فرس (٦) له

__________________

(١) ابن سعد ٤ / ٢٣ وأسد الغابة ١ / ٢٨٧ وابن أبي الحديد ٣ / ٤٠٧ والبداية والنهاية ٤ / ٢٥٦ والاستيعاب ١ / ٨١.

(٢) ابن سعد ٢ / ٩٣ ، و ٤ / ٢٤ ، وابن هشام ٤ / ١٥ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٤١ ، وعمدة القاري ١٧ / ٢٦٨ ، والسيرة الحلبية ٣ / ٧٧ ، وشرح المواهب ٢ / ٢٦٩.

(٣) في الخطية «مسلمة» تحريف. وهو سلمة بن الفضل الأنصاري ، أبو عبد الله الرازي الأبرش الأزرق القاضي ، روى عن ابن إسحاق وحجاج بن أرطاة ، وروى عنه عثمان بن أبي شيبة وابن معين ووثقه. وقال مرة ليس به بأس يتشيع. وقال ابن سعد : كان ثقة صدوقا ، وضعفه النسائي وقال البخاري : عنده مناكير ، مات بعد السبعين ومائة. راجع خلاصة تذهيب الكمال ص ١٢٦ وتهذيب التهذيب ٤ / ١٥٣.

(٤) شاط الرجل : أي سال دمه فهلك.

(٥) ابن أبي الحديد ٣ / ٤٠٥.

(٦) الزيادة من سيرة ابن هشام ٤ / ٢٠.

٣٠

شقراء فعقرها ، ثم قاتل القوم حتى قتل. فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام(١).

أخبرنا محمد بن جرير ، قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة وأبو ثميلة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه [عباد](٢) ، قال حدّثني أبي الذي أرضعني ، وكان أحد بني مرّة بن عوف ، وكان في تلك الغزوة وة مؤتة ، قال : والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها. ثم قاتل القوم حتى قتل (٣).

حدّثنا أحمد بن عمر بن موسى بن زنجويه قال : حدّثني إبراهيم بن الوليد بن سلمة القرشي ، قال حدّثني أبي ، قال : حدّثنا عبد الملك بن عقبة ، عن أبي يونس ، عن عبد الرحمن بن سمرة ، قال :

بعثني خالد بن الوليد بشيرا إلى رسول الله يوم مؤتة (٤) ، فلما دخلت المسجد قال لي رسول الله (ص) / (٦) : على رسلك يا عبد الرحمن أخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل زيد فقتل ، فرحم الله زيدا ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فقاتل جعفر فقتل فرحم الله جعفرا. ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل عبد الله بن رواحة فقتل ، فرحم الله عبد الله.

قال : فبكى أصحاب رسول الله (ص) وهم حوله فقال : ما يبكيكم؟ فقالوا : ما لنا لا نبكي وقد ذهب خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا. فقال : لا تبكوا ؛ فإنما مثل أمتي كمثل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكيها (٥) وهيأ مساكبها ، وحلق سعفها ، فأطعمت عاما فوجا ، ثم عاما فوجا ، ثم عاما

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٤ / ٢٥ ، وأسد الغابة ٢ / ٢٨٨ ، وشرح المواهب ٢ / ٢٧٢ ، والسيرة الحلبية ٣ / ٧٨ ، وابن الأثير ٢ / ١٦٠ ، والتنبيه والأشراف ٢٣١.

(٢) الزيادة من سيرة ابن هشام ٤ / ٢٠.

(٣) الإصابة ١ / ٢٤٨ وحلية الأولياء ١ / ١١٨ والطبري ٣ / ١٠٩.

(٤) قيل إن الذي قدم بخبر مؤتة على الرسول يعلى بن أمية ، وقيل أبو عامر الأشعري راجع شرح المواهب ٢ / ٢٧٦.

(٥) في لسان العرب ١٩ / ٥٠ «الركية» البئر تحفر والجمع ركي وركايا.

٣١

فوجا ، فلعل آخرها طعما أن يكون أجودها قنوانا (١) ، وأطولها شمراخا (٢). والذي بعثني بالحق ليجدن ابن مريم في أمتي خلفا من حواريه.

قال أبو الفرج :

وفيما قال لي علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن الحسين بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب «اروه عني» ، وأخرج إليّ كتاب عمّه محمد بن علي بن حمزة فكتبته عنه. قال علي بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب : قتل جعفر وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة. وهذا عندي شبيه بالوهم ؛ لأنه قتل في سنة ثمان من الهجرة ، وبين ذلك الوقت وبين مبعث رسول الله (ص) إحدى وعشرون سنة ، وهو أسن من أخيه أمير المؤمنين علي عليه السلام بعشر سنين ، وكان لعلي حين أسلم سنون مختلف في عددها فالمكثر يقول كانت خمس عشرة ، والمقلل يقول سبع سنين. وكان إسلامه في السنة التي بعث فيها رسول الله (ص) لا خلاف في ذلك. وعلى أي الروايات قيس أمره علم أنه كان عند مقتله قد تجاوز هذا المقدار من السنين (٣).

* * *

قال أبو إسحاق في حديثه الذي تقدم ذكره ، وقد حدّثنا به أحمد بن محمد بن سعيد قال : حدّثنا يحيى بن الحسن قال : حدّثني إبراهيم بن علي بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن محمد بن إسحاق قال :

قال كعب بن مالك يرثي جعفر بن أبي طالب :

هدت العيون ودمع عينك يهمل

سحّا كما وكف الضباب المخضل (٤)

__________________

(١) في اللسان ٢٠ / ٦٧ «القنو» العذق بما فيه من الرطب والجمع القنوان والأقناء.

(٢) في اللسان ٣ / ٥٠٩ «الشمراخ والمشروخ : العثكال الذي عليه البسر وأصله في العذق وقد يكون في العنب.

(٣) جزم ابن عبد البر بأن سنه كانت إحدى وأربعين سنة. راجع شرح المواهب ٢ / ٢٧١.

(٤) الشعر في ابن هشام ٤ / ٢٧ وابن أبي الحديد ٣ / ٤٠٤ والروض الأنف ٢ / ٢٦١ والبداية والنهاية ٤ / ٢٦١.

همل الدمع : سال ، وسحا : صبا ، ووكف : قطر ، ويروى «كما وكف الطباب» وهو جمع طبابة ، وهي سير–

٣٢

وكأنما بين الجوانح والحشا

مما تأوّبني شهاب مدخل (١) / (٧)

وجدا على النّفر الذين تتابعوا

يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوا

صلى الإله عليهم من فتية

وسقى عظامهم الغمام المسبل (٢)

صبروا بمؤتة للإله نفوسهم

عند الحمام حفيظة أن ينكلوا (٣)

إذ يهتدون بجعفر ولوائه

قدّام أوّلهم ونعم الأوّل (٤)

حتى تفرّقت الصفوف وجعفر

حيث التقى وعث الصّفوف مجدّل (٥)

فتغيّر القمر المنير لفقده

والشمس قد كسفت وكادت تأفل (٦)

[قوم بهم نصر الإله عباده

وعليهم نزل الكتاب المنزل (٧)]

ويهديهم رضى الإله لخلقه

وبحدّهم نصر النبيّ المرسل (٨)

بيض الوجوه ترى بطون أكفّهم

تندى إذا اعتذر الزمان الممحل (٩)

__________________

ـ بين خرزتين في المزادة فإن كان غير محكم وكف منه الماء ، والمخضل : السائل الندى. وفي ابن أبي الحديد ٣ / ٤٠٤ «وكف الرباب» وفي سيرة ابن هشام بعد هذا البيت :

في ليلة وردت على همومها

طورا أحسن وتارة أتململ

واعتادني حزن فبت كأنني

ببنات نعش والسماك موكل

(١) المدخل : النافذ : إلى الداخل.

(٢) المسبل : الممطر.

(٣) الحمام : الموت. وينكلوا : يرجعوا هائبين لعدوهم.

(٤) بعد هذا البيت في سيرة ابن هشام :

فمضوا أمام المسلمين كأنهم

فنق عليهن الحديد المرفل

والفنق : الفحول من الإبل ، والمرفل : السابغ.

(٥) في سيرة ابن هشام «حتى تفرجت» والوعث الرمل الذي تغيب فيه الأرجل ، ومجدل : مطروح على الجدالة ، وهي الأرض. وفي ابن أبي الحديد «... التقى جمع الغواة».

(٦) تأفّل : تغيّب ، وفي القرآن (فلما أفلت قال إني لا أحب الآفلين) وفي سيرة ابن هشام بعد هذا البيت :

قرم علا بنيانه من هاشم

فرعا أشم وسؤددا ما ينقل

(٧) الزيادة من النسخة الخطية وفي سيرة ابن هشام «عصم الإله» وفيها بعد البيت :

فضلوا المعاشر عشرة وتكرما

وتنهدت أحلامهم من يجهل

لا يطلقون إلى السفاه حباهم

ويرى خطيبهم بحق يفصل

(٨) ويروى «بجدهم» قال أبو ذر : «من رواه بالحاء المهملة فمعناه بشجاعتهم وإقدامهم ؛ ومن رواه بالجيم المكسورة فهو معلوم».

(٩) الممحل : الشديد القحط وفي أ ، ب : «قوم بهم نظر الإله لخلقه».

٣٣

حدّثنا حامد بن محمد البلخي ، قال : حدّثنا عبد الله بن عمر القواريري قال : حدّثنا محبوب ـ يعني ابن الحسن ـ قال : حدّثنا خالد الحذّاء ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة قال :

ما ركب أحد المطايا ولا ركب الكور ، ولا انتعل ، ولا احتذى النعال أحد بعد رسول الله (ص) أفضل من جعفر بن أبي طالب (١).

حدّثني أبو عبيد الصيرفي ، قال : حدّثنا الفضل بن الحسن قال : حدّثنا إسحاق بن سليمان الخراز ، قال : حدّثنا وكيع بن الجراح ، عن فضيل بن مرزوق ، عن أبي سعيد الخدري ، قال :

قال رسول الله (ص) : «خير الناس حمزة ، وجعفر وعلي عليهم السلام» (٢).

حدّثني أبو عبيد ، قال : حدّثنا الفضل ، قال : حدّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر المدني ، عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

رأيت جعفرا ملكا يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين (٣).

حدّثني أحمد بن محمد ، قال : حدّثني يحيى بن الحسن ، قال : حدّثنا سلمة بن شبيب ، قال : حدّثنا وهب بن وهب ، قال : حدّثنا جعفر بن محمد عن أبيه ، قال :

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم :

خلق الناس من أشجار شتى ، وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة (٤).

حدّثنا محمد بن الحسين الأشناني ، قال : حدّثنا محمد بن عبيد

__________________

(١) رواه الترمذي والنسائي وإسناده صحيح. راجع الإصابة ١ / ٢٤٨ ، وابن أبي الحديد ٣ / ٤٠٧ ، وأسد الغابة ١ / ٢٨٧ ، وشرح المواهب ٢ / ٢٧٥.

(٢) ابن أبي الحديد ٣ / ٤٠٧.

(٣) طبقات ابن سعد ٤ / ٢٦ وأسد الغابة ١ / ٢٨٧ وشرح المواهب ٢ / ٢٧٥ والإصابة ١ / ٢٤٩.

(٤) ابن أبي الحديد ٣ / ٤٠٧.

٣٤

المحاربي ، قال : حدّثنا علي بن غراب ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لجعفر :

أنت أشبهت خلقي وخلقي (١).

حدّثني محمد بن الحسين [الأشناني] قال : حدّثنا جعفر بن محمد الرماني ، قال : حدّثنا محمد بن جبلة ، قال : حدّثنا محمد بن بكر ، قال : حدّثنا أبو الجارود ، قال : حدّثني عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن جده ، قال :

خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وهو يقول :

الناس / (٨) من شجر شتى وأنا وجعفر من شجرة واحدة (٢).

٢ ـ محمد بن جعفر

ومحمد بن جعفر بن أبي طالب (٣) لا تعرف كنيته (٤).

وأمه أسماء بنت عميس (٥) بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن سعد بن مالك بن بشير بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن خلف بن أفتل وهو خثعم.

وأمها هند بنت عوف بن الحارث وهو حماطة (٦) ، بن ربيعة بن ذي جليل بن جرش واسمه منبه بن أسلم بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد

__________________

(١) رواه البخاري ومسلم وهو في الإصابة ١ / ٢٤٨ وابن أبي الحديد ٣ / ٤٠٧ وتهذيب الأسماء ١ / ١٤٩ ولطائف المعارف ٦٠.

(٢) ابن أبي الحديد ٣ / ٤٠٧ وفيه «خلق الناس من أشجار شتى».

(٣) أسد الغابة ٤ / ٣١٣ والإصابة ٦ / ٥٢ والتنبيه والإشراف ٢٥٩ والمعارف ٨٩.

(٤) في الإصابة ٦ / ٥٢ : «وذكر أبو عمر عن الواقدي أنه يكنى أبا القاسم».

(٥) ترجم لها ابن سعد في الطبقات ٨ / ٢٠٥ ـ ٢٠٩ وابن حجر في الإصابة ٨ / ٨.

(٦) في طبقات ابن سعد ٨ / ٢٠٥ «بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة».

٣٥

شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن غريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير وهو العرنجج بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

وهند هذه التي هي أم أسماء بنت عميس التي قيل فيها : الجرشية أكرم الناس أحماء. جرش من اليمن.

وابنتها أسماء بنت عميس تزوجها جعفر بن أبي طالب ، ثم أبو بكر ، ثم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

وابنتها الأخرى ميمونة أم المؤمنين زوجة النبي (ص) (١).

وابنتها الأخرى لبابة أم الفضل (٢) ، أخت ميمونة ، أم ولد العباس بن عبد المطلب.

وابنتها الأخرى سلمى بنت عميس أم ولد حمزة بن عبد المطلب (٣).

وأحماء هذه الجرشية : رسول الله (ص) ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، والحمزة ، والعباس ، وجعفر ، وأبو بكر ، ومن أحمائها أيضا الوليد بن المغيرة المخزومي فأم خالد بن الوليد : أم الفضل الكبرى بنت الحارث أخت أسماء لأمها.

وهي أم جميع ولد جعفر بن أبي طالب.

وتزوجت الجرشية الحارث بن الجون بن بجير بن الهرم بن رويبة (٤) بن عبد الله بن هلال بن عامر ، فولدت منه ميمونة زوجة النبي (ص) ، وأم الفضل أختها تزوجها العباس فولدت له عبد الله ، وعبيد الله ، والفضل ومعبدا وقثم.

وذكرها الحسن ، بن زيد ، بن الحسن ، بن علي فقال :

كانت الجرشية أكرم الناس أحماء ، ذكر رسول الله (ص) ، وعليّا

__________________

(١) وهي آخر امرأة تزوجها وترجمتها في طبقات ابن سعد ٨ / ٩٤ والإصابة ٨ / ١٩١.

(٢) ترجمتها في ابن سعد ٨ / ٢٠٢ والإصابة ٨ / ١٧٨.

(٣) ولدت له ابنته عمارة كما قال ابن سعد في الطبقات ٦ / ٨٦ ، وترجمتها في ابن سعد ٨ / ٢٩ والإصابة ٨ / ١١١.

(٤) في الأصول «بجير بن الطرب بن رؤية» وهو خطأ صحح من المحبر ٩١ وابن سعد ٨ / ٩٤ والإصابة.

٣٦

وحمزة ، وجعفر ، والعباس ، ولم يذكر أبا بكر ، وكان في مجلسه جماعة من ولده فرأى ذلك قد شقّ عليهم فقال : وأبو بكر بعد سكوت طويل (١).

* * *

ولما قتل عنها جعفر تزوجها أبو بكر (٢) فولدت له محمدا. ثم توفى فخلف عليها علي بن أبي طالب (٣) فولدت له يحيى بن علي ، وتوفي في حياة أبيه ، ولا عقب له.

أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدّثنا يحيى بن الحسن (٤) ، قال : حدّثني أبو يونس محمد بن أحمد ، قال : حدّثنا إبراهيم بن المنذر (٥) ، قال : حدّثني عبد الرحمن بن المغيرة عن أبيه عن الضحاك بن عثمان ، قال :

خرج عبيد الله بن عمر بن الخطاب في كتيبة يقال لها الخضراء ، وكان بإزائه محمد بن جعفر بن أبي طالب معه راية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب التي تسمى الجموح ، وكانا في عشرة آلاف. فاقتتلوا قتالا شديدا.

قال : فلقد ألقى الله عزّ وجلّ عليهم الصبر ، ورفع عنهم النصر ، فصاح عبيد الله حتى متى هذا الحذر؟ أبرز حتى أناجزك ، فبرز له محمد ، فتطاعنا حتى انكسرت رماحهما ، ثم تضاربا حتى انكسر سيف محمد ، ونشب سيف عبيد الله بن عمر في الدرقة ، فتعانقا وعض كل واحد منهما أنف صاحبه فوقعا عن فرسيهما ، وحمل أصحابهما عليهما فقتل بعضهم بعضا ، حتى صار عليهما مثل التل العظيم من القتلى (٦).

__________________

(١) لم يرد هذا الخبر في النسخة الخطية.

(٢) ابن سعد ٨ / ٢٠٦.

(٣) ابن سعد ٨ / ٢٠٨.

(٤) في ط ، ق «الحسين» وهو تحريف ، ويؤيد ما في الخطية ما في الأغاني ٩ / ١٦ و ٥ / ٢٢٦.

(٥) مات في سنة ٢٣٦ ه‍ وترجمته في تهذيب التهذيب ١ / ١٦٦.

(٦) قال المسعودي في التنبيه والإشراف ص ٢٥٩ : «وإلى هذا ذهب نساب آل أبي طالب ، وإن كانت ربيعة ننكر ذلك وتذكر أن بكر بن وائل قتل عبيد الله بن عمر».

٣٧

وغلب علي عليه السلام على المعركة فأزال أهل الشام عنهما ، ووقف عليهما فقال اكشفوا [هؤلاء القتلى عن ابن أخي فجعلوا يجرون القتلى عنهما حتى كشفوهما](١) فإذا هما متعانقان ، فقال علي عليه السلام : أما والله لعن غير حب تعانقتما.

قال أبو الفرج :

هذه رواية الضحاك بن عثمان. وما أعلم أحدا من أهل السيرة ذكر أن محمد بن جعفر قتيل عبيد الله بن عمر ، ولا سمعت لمحمد في كتاب أحد منهم ذكر مقتل.

وقد حدّثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي بخبر مقتل عبيد الله بن عمر في كتاب صفين ، قال : حدّثنا الحسين بن نصر بن مزاحم [المنقري] ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا عمر بن سعيد البصري ، عن أبي مخنف لوط ، بن يحيى الأزدي عن جعفر ، بن القاسم عن زيد بن علقمة عن زيد بن بدر ، قال :

خرج عبيد الله بن عمر في كتيبته الرقطاء ، وهي الخضرية وكانوا أربعة آلاف عليهم ثياب خضر (٢) ، إذ مرّ الحسن بن علي عليهما السلام فإذا هو برجل متوسد قتيل قد ركّز رمحه / (٩) في عينه وربط فرسه برجله فقال الحسن عليه السلام : انظروا من هذا؟ فإذا الرجل من همدان ، وإذا القتيل عبيد الله قد قتله وبات عليه حتى أصبح ، ثم سلبه (٣) ثم اختلفوا في قاتله (٤) فقالت

__________________

(١) الزيادة من المخطوطة.

(٢) نقل ابن أبي الحديد عن نصر بن مزاحم ١ / ٤٩٨ «... وأرسل عبيد الله إلى الحسن بن علي إن لي إليك حاجة فألقني فلقيه الحسن ، فقال له عبيد الله : إن أباك قد وتر قريشا أولا وآخرا وقد شنئه الناس فهل لك في خلعه وأن تتولى أنت هذا الأمر. فقال : كلّا والله لا يكون ذلك ، ثم قال يا ابن الخطاب والله لكأني أنظر إليك مقتولا في يومك أو غدك ، أما إن الشيطان قد زيّن لك وخدعك حتى أخرجك مخلقا بالخلوق ترى نساء أهل الشام موقفك وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلا. قال نصر : فو الله ما كان إلّا بياض ذلك اليوم حتى قتل عبيد الله وهو في كتيبة رقطاء ، وكانت تدعى الخضرية كانوا أربعة آلاف» إلخ.

(٣) راجع ترجمة عبيد الله في الإصابة ٥ / ٧٦ ـ ٧٧ وفي المعارف لابن قتيبة ٨١ وابن أبي الحديد ١ / ٢٤٢ ، ٢٤٧ ، ٩٦ ، ٨٩٧ ، ٤٩٩ والتنبيه والإشراف ٢٥١. وفي الإصابة : «ولا خلاف في أنه قتل بصفين مع معاوية ، واختلف في قاتله ، وكان قتله في ربيع الأول سنة ست وثلاثين».

(٤) في ابن أبي الحديد ١ / ٤٩٨ : قال نصر وقد اختلف الرواة في قاتل عبيد الله.

٣٨

همدان : قتله هانئ بن الخطاب ، وقالت حضرموت : قتله مالك بن عمرو التّبعي (١) ، وقالت بكر بن وائل قتله رجل من تيم الله بن ثعلبة يقال له مالك بن الصحصح (٢) من أهل البصرة ، وأخذ سيفه ذا الوشاح فبعث معاوية [إليه] حين بويع له وهو بالبصرة فأخذ منه السيف (٣).

وكذلك روى عن جماعة من أهل السيرة في مقتل عبيد الله [بن عمر] أو شبيه به ، والله أعلم أي ذلك كان.

٣ ـ علي بن أبي طالب

وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ويكنى أبا الحسن وأبا الحسين. وروى عنه عليه السلام أنه قال : كان الحسن في حياة رسول الله (ص) يدعوني أبا الحسين. وكان الحسين يدعوني أبا الحسن ويدعوان رسول الله (ص) أباهما ، فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعواني بأبيهما (٤).

وكانت فاطمة بنت أسد أمه رحمة الله عليها لما ولدته سمته حيدرة ، فغير أبو طالب اسمه وسمّاه عليّا (٥).

وقيل إن ذلك اسم كانت قريش تسميه به.

والقول الأول أصح. ويدل عليه خبره يوم خيبر وقد برز إليه مرحب اليهودي وهو يقول :

__________________

(١) في ابن أبي الحديد «بن عمرو الحضرمي».

(٢) في المطبوعتين «مالك بن الهجنع والتصويب عن المخطوطة».

(٣) وفي ابن أبي الحديد «وقالت بكر : نحن قتلناه قتله محرز بن الصحصح من بني تيم بن اللات بن ثعلبة ، وأخذ سيفه الوشاح فلما كان عام الجماعة طلب معاوية السيف من ربيعة الكوفة فقالوا : إنما قتله رجل من ربيعة البصرة يقال له محرز بن الصحصح فبعث إليه معاوية فأخذ السيف منه ، قال نصر : وقد روى أن قاتله حريث بن جابر الحنفي وكان رئيس بني حنيفة يوم صفين مع علي» ، راجع شعرهما في المبارزة ورثاء كعب بن جعيل له في ابن أبي الحديد ١ / ٤٩٨ وصفين ٣٣٤.

(٤) ابن أبي الحديد ١ / ٤.

(٥) نقل ابن أبي الحديد ٤ / ٣٦٢ عن ابن قتيبة قوله : «كانت أم علي عليه السلام سمته وأبو طالب غائب حين ولدته أسدا باسم أبيها أسد بن هاشم بن عبد مناف ، فلما قدم أبو طالب غيّر اسمه وسمّاه عليا ، وحيدرة اسم من أسماء الأسد ...».

٣٩

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب (١)

فبرز إليه علي عليه السلام وهو يقول (٢) :

أنا الذي سمتني أمي حيدرة

كليث غاب في العرين قسوره (٣)

أكيلكم بالصاع كيل السندره (٤)

حدّثني محمد بن الحسين ، قال حدّثنا عباد [بن يعقوب](٥) قال حدّثنا موسى بن عمير القرشي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده : وذكر سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله (ص) كناه أبا تراب وكانت من أحب ما يكنى به إليه (٦). وكانت بنو أمية دعت سهلا إلى أن يسبه على المنبر.

حدّثني علي بن إسحاق بن عيسى المخزومي (٧) ، قال حدّثنا محمد بن بكار بن الرّيان (٨) ، قال حدّثنا أبو معشر عن أبي حازم عن سهل بن سعد ، قال :

كان بين علي وفاطمة شيء فجاء رسول الله (ص) / (١٠) يلتمس عليّا فلم يجده ، فقال لفاطمة : أين هو؟ قالت : كان بيني وبينه شيء فخرج من عندي وهو غضبان ، فالتمسه رسول الله (ص) فوجده في المسجد راقدا وقد زال رداؤه عنه وأصابه التراب ، فأيقظه رسول الله (ص) وجعل يمسح التراب عن ظهره وقال له : إجلس فإنما أنت أبو تراب. وكنا نمدح عليّا إذا قلنا له أبو

__________________

(١) ابن أبي الحديد ١ / ٤ وشرح شافية أبي فراس ٥٧ والرياض النضرة ١٨٥.

(٢) في لسان العرب ٥ / ٢٤٦ «قال أبو العباس أحمد بن يحيى : لم تختلف الرواة في أن هذه الأبيات لعلي».

(٣) في ابن أبي الحديد «كليث غابات كريه المنظره» وفي اللسان «أمي الحيدر ... غابات غليظ القسوره» وفي شرح الشافية «ضرغام آجال وليث قسوره».

(٤) في اللسان وشرح الشافية «أكيلكم بالسيف» والسندرة كما قال ثعلب مكيال كبير. وللرجز بقية راجعها في شرح الشافية.

(٥) الزيادة من الخطية.

(٦) تاريخ بغداد ١ / ١٣٣.

(٧) في الخطية «المخرمي».

(٨) في ط وق «ابن البرمان» والتصويب من الخطية وتهذيب التهذيب ٩ / ٧٥.

٤٠