مقاتل الطالبيّين

أبي الفرج الاصفهاني

مقاتل الطالبيّين

المؤلف:

أبي الفرج الاصفهاني


المحقق: السيد أحمد صقر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٦٤

الطف ، وزيد بن علي يوم السبخة ، ويحيى بن زيد يوم الجوزجان ، ونحن اليوم.

فتطيرت له من تمثّله بأبيات لم يتمثل بها أحد إلّا قتل.

ثم سرنا إلى باخمري ، فلما قرب منها أتاه نعي أخيه محمد ، فتغيّر لونه ، وجرض بريقه ، ثم أجهش باكيا وقال :

اللهم إن كنت تعلم أن محمدا خرج يطلب مرضاتك ، ويبتغي طاعتك ، ويؤثر أن تكون كلمتك العليا ، وأمرك المتبع المطاع ، فاغفر له ، وارحمه ، وارض عنه ، واجعل ما نقلته إليه من الآخرة خيرا له مما نقلته عنه من الدنيا.

ثم انفجر باكيا وتمثل بقول الشاعر (١) :

أبا المنازل يا خير الفوارس من

يفجع بمثلك في الدنيا فقد فجعا

الله يعلم أني لو خشيتهم

أو آنس القلب من خوف لهم فزعا

لم يقتلوه ولم أسلم أخي لهم

حتى نعيش جميعا أو نموت معا

قال [المفضل] : فجعلت أعزيه وأعاتبه على ما ظهر من جزعه ، فقال : إني والله في هذا كما قال دريد بن الصّمّة (٢) :

تقول ألا تبكي أخاك! وقد أرى

مكان البكاء لكن بنيت على الصبر

لمقتل عبد الله والهالك الذي

على الشّرف الأعلى قتيل أبي بكر

وعبد يغوث أو نديمي خالد

وجلّ مصابا حثو قبر على قبر

أبى القتل إلّا آل صمّة إنهم

أبوا غيره والقدر يجري على القدر

فإمّا ترينا ما تزال دماؤنا

لدى واتر يشقى بها آخر الدهر

فإنّا للحم السيف غير نكيرة

ونلحمه طورا وليس بذي نكر

يغار علينا واترين فيشتفى

بنا إن أصبنا. أو نغير على وتر

بذاك قسمنا الدّهر شطرين بيننا

فما ينقضي إلّا ونحن على شطر

قال : ثم ظهرت لنا جيوش أبي جعفر مثل الجراد ، فتمثل [إبراهيم] بهذه الأبيات :

__________________

(١ ، ٢) راجع صفحة ٢٩٢.

٣٢١

نبّئت أن بني خزيمة أجمعوا

أمرا خلالهم لتقتل خالدا (١)

إن يقتلوني لا تصب أرماحهم

ناري ويسعى القوم سعيا جاهدا

أرمي الطريق وإن رصدت بضيقه

وأنازل البطل الكميّ الحاردا (٢)

فقلت : من يقول هذا الشعر يا ابن رسول الله؟.

فقال : يقوله خالد بن جعفر بن كلاب في يوم شعب جبلة (٣) ، وهو اليوم الذي لقيت فيه قيس تميما.

قال : وأقبلت عساكر أبي جعفر ، فطعن رجلا ، وطعنه آخر ، فقلت له : أتباشر الحرب بنفسك وإنما العسكر منوط بك؟.

فقال : إليك عني يا أخا بني ضبة كأن عويفا أخا بني فزارة كان ينظر إلينا في يومنا هذا :

المت خناس والمامها

أحاديث نفس وأحلامها (٤)

يمانية من بني مالك

تطاول في المجد أعمامها (٥)

وإن لنا أصل جرثومة

ترد الحوادث أيامها

نردّ الكتيبة مفلولة

بها أفنها وبها ذامها

والتحمت الحرب ، واشتدت ، فقال لي : يا مفضل : حركني بشيء ، فذكرت أبياتا لعويف القوافي لما تقدّم بشعره ، فأنشدته قوله (٦) :

ألا أيّها النّاهي فزارة بعد ما

أجدّت بسير إنما أنت حالم (٧)

__________________

(١) في الأغاني ١٧ / ١٠٩ «أن بني ربيعة» وفي ابن أبي الحديد «جذيمة أمرا تدبره لتقتل خالدا» وهو غير مستقيم.

(٢) في ط وق «رصدت بضيعة» وفي الأغاني «صددت» يقول أسلك الطريق الضيق ولو جعل على فيّه الترصد لقتلى ، والحارد المنفرد في شجاعته لا مثيل له.

(٣) في ط وق «يوم سعت خيله».

(٤) في ابن أبي الحديد والمخطوط «ألمت سعاد».

(٥) كذا في الأغاني ، وفي ط وق «ثمانية» وفي ابن أبي الحديد «محجبة ... في المجد أعلامها».

(٦) الأبيات في أمالي القالي ١ / ٢٥٨ وفي سمط اللآلي ٥٧٥ «الأبيات أربعة لأبي حرجة الفزاري في نسخة الوحشيات لأبي تمام ص ٨٢ باستنبول».

(٧) في الأمالي «أحدت لغزو».

٣٢٢

أبى كل حر أن يبيت بوتره (١)

وتمنع منه النوم إذ أنت نائم

أقول لفتيان كرام تروّحوا

على الجرد في أفواههن الشكائم (٢)

قفوا وقفة من يحي لا يخز بعدها

ومن يخترم لا تتّبعه اللّوائم

وهل أنت إن باعدت نفسك منهم

لتسلم فيما بعد ذلك سالم؟

فقال : أعد ، وتبينت (٣) في وجهه أنه سيقتل ، فتنبهت وندمت فقلت : أو غير ذلك؟.

قال : لا بل أعد الأبيات ، فأعدتها ، فتمطى على ركابيه فقطعهما ، وحمل فغاب عني ، وأتاه سهم عائر فقتله ، وكان آخر عهدي به.

* * *

حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي. قال : سمعت إسحاق بن شاهين الواسطي يقول :

كان خالد بن عبد الله الواسطي (٤) ، من أهل السنة والجماعة ، خرج الناس مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن غيره ، فإنه لزم بيته.

قال أبو الفرج علي بن الحسين :

حدثني بهذه الحكاية أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثني داود بن يحيى ، قال : سمعت إسحاق بن شاهين يوما ، ذكر خالد بن عبد الله الطحان ، مثله ، وزاد فيه : ولكنّ أصحاب الحديث خرجوا معه جميعا : شعبة بن الحجاج ، وهشيم بن بشير ، وعباد بن العوام ، ويزيد بن هارون.

حدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن هشام ، قال :

__________________

(١) كذا في الأغاني وابن أبي الحديد وفي ط وق «ترى كل حر» وفي الأمالي «أركل ذي تبل يبيت بهمه».

(٢) كذا في ابن أبي الحديد ، وفي الأغاني «أقول لفتيان العشي تروحوا» وفي ط وق «على الحرب» وهذا البيت وما يليه في مجموعة المعاني ص ٣٩.

(٣) في ط وق «وتبلبلت في وجهه».

(٤) في خلاصة تذهيب الكمال ٨٦ «قال أحمد : كان ثقة دينا ، بلغني أنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات ، يتصدق بوزن نفسه فضة ، قيل : توفى سنة تسع وسبعين ومائة ، وقيل سنة اثنتين وثمانين ، ومولده سنة عشر ومائة».

٣٢٣

حدثنا محمد بن حفص بن راشد ، قال : حدثنا أبي ، قال :

خرج هشيم بن بشير مع إبراهيم بن عبد الله ، وقتل معه ابن له.

قال أحمد بن سعيد ، وحدثني أحمد بن محمد بن بشر ، قال حدثنا أيوب بن الحسن ، قال : حدثني سليمان الشاذكوني ، قال :

خرج هشيم مع إبراهيم بن عبد الله ، وقتل معه ابنه معاوية ، فقال له رجل : يا أبا معاوية ، رأيتك مع إبراهيم والرايات تخفق على رأسه.

* * *

حدثنا أحمد بن سعيد ، قال حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان ، قال : حدثنا يحيى بن صالح الجريري ، قال :

سمعت يونس بن أرقم العنزي ، وكان من أصحاب إبراهيم بن عبد الله ، يقول : كان المفضل بن محمد الضبي له غاشية على التشيّع ، وكان إبراهيم بن عبد الله بن الحسن إذا اجتمعنا إليه يجمعنا عند المفضل.

حدثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي ، قال : حدثنا أبي قال : سمعت يزيد بن ذريع يقول :

وأما المفضل الضبي فكان أكثر إقامة إبراهيم عنده حتى خرج ، فكان لا يزال يدس ويحتال لكل من أمكنه أن يحوزه إلى مذهبه.

* * *

حدثني أحمد ، قال : حدثنا يعقوب بن يوسف بن زكريا الضبي ، قال : حدثنا قاسم بن الضحاك ، قال حدثني معاوية بن سفيان المازني ، قال حدثني إبراهيم بن سويد الحنفي ، قال :

سألت أبا حنيفة ، وكان لي مكرما أيام إبراهيم ، قلت : أيهما أحب إليك بعد حجة الإسلام : الخروج إلى هذا أو الحج؟.

فقال : غزوة بعد حجة الإسلام أفضل من خمسين حجة.

حدثني أحمد ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن إسحاق الراشدي ،

٣٢٤

قال : حدثنا محمد بن عديس ، قال : حدثني الحسين بن سلمة الأرحبي (١) ، قال :

جاءت امرأة إلى أبي حنيفة أيام إبراهيم فقالت : إن ابني يريد هذا الرجل ، وأنا أمنعه ، فقال : لا تمنعيه.

حدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن عمر بن سميع الأزدي قال : حدثنا محمد بن عديس الأزدي. قال : سمعت حماد بن أعين ، يقول :

كان أبو حنيفة يحض الناس على الخروج مع إبراهيم ويأمرهم باتباعه.

أخبرني جعفر بن محمد الوراق (٢) ، قال : حدثنا أحمد بن يوسف الجعفي ، قال : حدثنا محمد بن خالد البرقي ، قال :

كان أبو حنيفة يقول في أيام إبراهيم ليبلغه ذلك! إنما أمر علي عليه السلام ألّا يجهز على جريح ، ولا يقتل مدبّر في قوم لم يكن لهم فئة يوم الجمل ، ولم يفعل ذلك بصفّين ، لأن القوم كانت لهم فئة.

* * *

حدثنا يحيى بن علي ، قال : حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثني سليمان بن أبي شيخ قال :

خرج معي هارون بن سعد لما ولّاه إبراهيم واسطا ، وبرز إلى القتال عامر بن عباد بن العوام ، ويزيد بن هارون ، والعلاء بن راشد.

* * *

أخبرنا يحيى بن علي ، قال : حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثني جناب ابن الشخشاخ ، قال :

لما خرج إبراهيم اتبعه معاذ بن نصر العنبري (٣).

__________________

(١) توفي في حدود الخمسين والمائتين ، كما في خلاصة تذهيب الكمال ص ٧٠.

(٢) توفي سنة ست ومائتين ، كما في خلاصة تذهيب الكمال ٣٧٤.

(٣) لعلّه أبو المثنى معاذ بن معاذ التميمي العنبري ، قاضي البصرة المتوفي سنة تسعين ومائة راجع خلاصة تذهيب الكمال ٣٢٥.

٣٢٥

حدثنا يحيى بن علي ، قال : حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثنا عمر بن عون ، قال:

ما زال عباد مستخفيا بالبصرة حتى مات أبو جعفر.

حدثنا يحيى ، قال : حدثنا أبو زيد ، قال : حدثنا عاصم بن علي ، قال :

قتل في تلك المعركة الحجاج أخو هشيم ، ومعاوية ابنه.

حدثنا يحيى ، قال : حدثنا عمر ، قال : حدثنا عثمان بن الهيثم المؤذن والقحذمي ، ويونس بن نجدة :

أن إبراهيم استقضى عباد بن منصور على البصرة.

حدثنا يحيى ، قال : حدثنا عمر ، قال : حدثنا القاسم بن أبي شيبة ، قال :

خرج مع إبراهيم أبو خالد الأحمر.

* * *

حدثنا عمر بن عبد الله ، ويحيى بن علي ، قالا : حدثنا أبو زيد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم ، قال : حدثني نصر بن مزاحم المنقري ، قال :

خرج مع إبراهيم أبو داود الطّهوي (١). وأبو داود هذا ثقة قد روى عنه أبو نعيم والحسن بن الحسين السعدي ، وغيرهما من المحدثين.

أخبرنا عمر ويحيى ، قالا : حدثنا أبو زيد ، حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم ، قال : حدثني عباد بن حكيم قال :

خرج مع إبراهيم بن عبد الله جنادة بن سويد فقوّده على ثلثمائة وشهد معه باخمري ، وشهد معه المفضل بن محمد الضبي الرّاوية.

أخبرنا عمر بن عبد الله ، ويحيى ، قالا : حدثنا أبو زيد ، قال : حدثنا عقيل بن عمرو الثقفي ، قال :

__________________

(١) في ط وق «الطهوري» وهو تحريف ، جاء في الخلاصة ص ٢٥٨ : «عيسى بن مسلم الطهوي ـ بضم الطاء وفتح الهاء ـ أبو داود الكوفي الأعمى».

٣٢٦

خرج مع إبراهيم الأزرق بن تمة الصريمي متقلدا سيفين ، وكان من أصحاب عمرو بن عبيد.

* * *

أخبرنا عمر بن عبد الله ، ويحيى بن علي ، قالا : حدثنا أبو زيد قال حدثني إبراهيم بن سالم ، قال :

كان إبراهيم الأسدي ممن سار بإبراهيم وأتى به أبو جعفر فحقره. فقال : أنت بريده؟ قال : نعم. قال : فاحلف لئن رأيت إبراهيم لتأتيني به ، فحلف فخلّاه ، فلما ظهر إبراهيم أتاه ، فقال : إن أبا جعفر أحلفني إن رأيتك لآتينه بك ، فاشخص بنا إليه.

* * *

أخبرنا عمر ، ويحيى ، قالا : حدثنا أبو زيد ، قال : حدثني الحسين بن جعفر بن سليمان الضبي ، قال : سمعت أخي داود يقول :

أحصى ديوان إبراهيم من أهل البصرة مائة ألف.

* * *

أخبرنا عمر ، ويحيى ، قالا : حدثنا أبو زيد ، قال : حدثني عبد الله بن عبد الوارث قال :

حدثني هاشم بن القاسم : أنه شهد مع إبراهيم وقعة باخمري.

وهاشم بن قاسم يكنى أبا النضر ، وقد روى عن سفيان الثوري ، وشعبة بن الحجاج ، ونضر ابنهما وهو من ثقات المحدثين (١).

أخبرنا عمر ، ويحيى ، قالا : حدثنا عمر بن شبّة عن سلم بن فرقد.

أن عمر بن عون (٢) شهد مع إبراهيم باخمري ، وكان من أصحاب هشام ، وروى عنه الحديث.

__________________

(١) كان أهل بغداد يفتخرون به ، مات سنة سبع ومائتين كما في خلاصة تذهيب الكمال ٢٥٠.

(٢) توفي عمر سنة خمس وعشرين ومائة راجع الخلاصة ٢٤٨.

٣٢٧

أخبرنا عمر ويحيى ، قالا : حدثنا أبو زيد ، قال : حدثنا القاسم بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشر ، قال :

كنت عند سفيان الثوري أيام إبراهيم فجعل يقول : وا عجبا لأقوام يريدون الخروج لمن يخرج ، وقد خرج قوم لم يكونوا يرون الخروج.

قال : وخرج مع إبراهيم من أصحاب سفيان مؤمل ، وحنبص.

ومؤمل هذا يقال له : مؤمل بن إسماعيل.

حدثنا عمر ويحيى ، قالا : حدثنا أبو زيد ، قال :

سألت أبا نعيم عن حنبص هذا فقال : كان خليلا من أصحاب سفيان ، وفيه يقول الشاعر :

يا ليت قومي كلهم حنابصا (١)

قال أبو زيد : وحدثني إبراهيم بن سلم ، قال : حدثني ابن هراسة ، قال :

قتل مع إبراهيم بن عبد الله صاحبان كانا لسفيان الثوري ، كانا من خاصته.

أخبرنا عمر ويحيى ، قالا : حدثنا أبو زيد ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن حكيم قال :

خرج مع إبراهيم داود بن المبارك الهمداني عمّ أبي حييّ فقتل في المعركة.

* * *

أخبرنا عمر ، ويحيى ، قالا : حدثنا أبو زيد ، قال : حدثني خلّاد الأرقط ، قال : حدثني عمر بن النضر ، قال :

قتل إبراهيم وأنا بالكوفة ، فأتيت الأعمش بعد قتله ، فقال : أهاهنا أحد تنكرونه؟ قلنا لا : قال : فإن كان ها هنا أحد تنكرونه فأخرجوه إلى نار الله ، ثم قال : أما والله لو أصبح أهل الكوفة على مثل ما أرى لسرنا حتى نتنزل بعقوته ـ يعني أبا جعفر ـ فإذا قال لي: ما جاء بك يا أعمش؟ قلت : جئت لأبيد

__________________

(١) في لسان العرب «قال الفراء : الحنبصة الروغان في الحرب».

٣٢٨

خضراءك ، أو تبيد خضرائي ؛ كما فعلت بابن رسول الله (ص).

حدثني أبو عباد الصيرفي ، قال : سمعت محمد بن علي بن خلف العطار ، يقول :

لما قتل إبراهيم بن عبد الله ، قال سفيان الثوري : ما أظن الصلاة تقبل ، إلّا أن الصلاة خير من تركها.

أخبرني علي بن العباس المقانعي قال : حدثنا علي بن أحمد البناني ، قال : سمعت محمد بن خلف العطار ، يقول :

لما قتل إبراهيم بن عبد الله ، قال سفيان صاحب أبي السرايا لعامر بن كثير السّراج : خرجت مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن؟ قال : نعم.

قال أبو الفرج :

وجدت في كتابي الذي دفعه إلى عيسى بن الحسين ، عن أحمد بن الحرث الخزاز عن المدائني :

خرج أبو محمد البريدي المؤدب مع إبراهيم بن عبد الله ، وانهزم فيمن انهزم.

* * *

ومن مختار ما رثي به إبراهيم بن عبد الله قول غالب بن عثمان الهمداني :

وقتيل باخمرى الذي

نادى فأسمع كلّ شاهد

قاد الجنود إلى الجنو

د تزحّف الأسد الحوارد (١)

بالمرهفات وبالقنا

والمبرقات وبالرّواعد

فدعا لدين محمد

ودعوا إلى دين بن صايد (٢)

فرماهم بلبان أب

لق سابق للخيل سائد

بالسيف يفري مصلتا

هاماتهم بأشدّ ساعد

فأتيح سهم قاصد

لفؤاده بيمين جاحد

__________________

(١) الحوارد : الغواضب.

(٢) في هامش ط «ابن الصائد الذي كان يظن أنه الدجال».

٣٢٩

فهوى صريعا للجبي

ن وليس مخلوق بخالد

وتبددت أنصاره

وثوى بأكرم دار واحد

نفسي فداؤك من صري

ع غير ممهود الوسائد

وفدتك نفسي من غري

ب الدّار في القوم الأباعد

أي امرئ ظفرت به

أبناء أبناء الولائد (١)

فأولئك الشهداء والص

بر الكرام لدى الشدائد

ونجار يثرب والأبا

طح حيث معتلج العقائد (٢)

أقوت منازل ذي طوى

فبطاح مكة فالمشاهد

والخيف منهم فالجما

ر بموقف الظّعن الرّواشد (٣)

فحياض زمزم فالمقا

م فصادر عنها ووارد

فسويقتان فينبع

فبقيع يثرب ذي اللّحائد

أمست بلاقع من بني ال

حسن بن فاطمة الأراشد

* * *

قال أبو زيد : وقال غالب أيضا :

كيف بعد المهدي أو بعد إبرا

هيم نومي على الفراش الوثير

وهم الذائدون عن حرم الإس

لام والجابرون عظم الكسير

حاكموهم لما تولوا إلى اللّ

ه لمصقولة الشّفار الذّكور (٤)

وأشاحوا للموت محتبسي الأن

فس لله ذي الجلال الكبير

أفردوني أمشي بأعضب مجبو

با سنامي والحرب ذات زفير

غيل فيها فوارسي ورجالي

بعد عزّ وذلّ فيها نصير

ليتني كنت قبل وقعة باخم

ري توفيت عدتي من شهور

ولياليّ من سنيّ البواقي

وتكملت عدّة التعمير

كنت فيمن ثوى ثويت تعود الط

ير لحمي مبيّن التّعفير (٥)

__________________

(١) الولائد : جمع وليدة ، وهي الأمة.

(٢) في ط وق «وبحار».

(٣) في ط وق «بموقف الطعن».

(٤) في القاموس : «المدكر من السيوف : ذو الماء».

(٥) في ط وق «ثوى نويت».

٣٣٠

ومجال الخيلين منا ومنهم

وأكف تطير كلّ مطير (١)

قول مستبسل يرى الموت في

الله رباحا رئبال غاب عقير (٢)

قد تلبثت بالمقادير عنهم

ملبث الرائحين عن ذي البكور (٣)

إذ هم يعثرون ، في حلق الأو

داج حولي في قسطل مستدير (٤)

* * *

آخر مقتله صلوات الله عليه ولعن قاتله.

* * *

٣٠ ـ الحسين بن زيد بن علي

وممن (٥) توارى منهم من شهد مع محمد وإبراهيم عليهما السلام تواريا طويلا فلم يطلب وأمن فظهر الحسين بن زيد بن علي عليه السلام.

ويكنى أبا عبد الله.

حدثني علي بن العباس ، قال : حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا محول بن إبراهيم ، قال :

شهد الحسين بن زيد حرب محمد وإبراهيم بني عبد الله بن الحسن بن الحسن ثم توارى. وكان مقيما في منزل جعفر بن محمد. وكان جعفر ربّاه ، ونشأ في حجره منذ قتل أبوه ، وأخذ عنه علما كثيرا. فلما لم يذكر فيمن طلب ظهر لمن يأنس به من أهله وإخوانه.

وكان أخوه محمد بن زيد مع أبي جعفر مسوّدا لم يشهد مع محمدا وإبراهيم حربهما فكان يكاتبه بما يسكن منه ، ثم ظهر بعد ذلك بالمدينة ظهورا تامّا إلّا أنه كان لا يجالس أحدا ولا يدخل إليه إلّا من يثق به.

__________________

(١) في ط وق «وتجول الخيول منا ومنهم».

(٢) في ط وق «رباحا ذا بال».

(٣) في ط «لبث في الرياحين» وفي ق «لبث في الرياح».

(٤) في ط وق «في علق الأوداج».

(٥) لم يرد في الخطية حرف واحد من ترجمة الحسين بن زيد هذا.

٣٣١

حدثني علي بن العباس ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال :

كان الحسين بن زيد يلقب ذا الدمعة لكثرة بكائه.

حدثني علي بن أحمد بن حاتم ، قال : حدثنا الحسن بن عبد الواحد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسين بن زيد ، قال :

قالت أمي لأبي : ما أكثر بكاءك!. فقال : وهل ترك السهمان والنار سرورا يمنعني من البكاء ـ تعني السهمين الذين قتل بهما أبوه زيد وأخوه يحيى.

حدثني علي بن العباس ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي قال : حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل الهندي ، عن الحسين بن زيد ، قال :

مررت على عبد الله بن الحسن وهو يصلي فأشار إليّ فجلست ، فلما صلّى قال لي :

يا ابن أخي ، إن الله ـ عزّ وجلّ ـ وضعك في مرضع لم يضع فيه أحدا إلّا من هو مثلك ، وإنك قد أصبحت في حداثة سنك وشبابك يبتدرك الخير والشر كلاهما يسرعان إليك ، فإن تعش حتى نرى منك ما يشبه سلفك فتلك السعادة الثانية. والله لقد توالى لك آباء ما رأيت فينا ولا في غيرنا مثلهم ، إن أدنى آبائك الذي لم يكن فينا مثله : أبوك زيد بن علي ، لا والله ما كان فينا مثله ، ثم كلما رفعت أنا فهو أفضل.

حدثني محمد بن الحسين الخثعمي ، وعلي بن العباس جميعا ، قالا : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا الحسين بن زيد ، قال :

مررت بعبد الله بن الحسن وهو يصلي في مصلى النبي (ص) فأشار إليّ بيده وهو قائم يصلي فأتيته فلما انصرف قال لي :

رأيتك مختارا فأردت أن أعظك لعلّ الله ينفعك بها. إن الله قد وضعك موضعا لم يضع به أحدا إلّا من هو مثلك ، وإنك قد أصبحت في حداثة سن ، وإن الناس يبتدرونك بأبصارهم ، والخير والشر يبتدران إليك ، فإن تأت بما يشبه سلفك فما نرى شيئا أسرع إليك من الخير ، وإن تأت بما يخالف ذلك فو الله

٣٣٢

لا ترى شيئا أسرع إليك من الشر ، وإنه قد توالى لك آباء ، وإن أدنى آبائك زيد بن علي الذي لم أر فينا ولا في غيرنا مثله ، فلا ترفع إلّا أخذت الفضل ، فعلي ، فحسين ، فعلي عليهم السلام.

حدثني علي بن العباس ، قال : أنبأنا بكار بن أحمد ، قال :

حدثنا الحسن بن الحسين ، عن الحسين بن زيد ، قال :

شهد مع محمد بن عبد الله بن الحسن (١) من ولد الحسين بن علي أربعة : أنا ، وأخي عيسى ، وموسى ، وعبد الله ابنا جعفر بن محمد عليهما السلام.

* * *

٣١ ـ موسى بن عبد الله بن الحسن

خبر موسى بن عبد الله (٢) بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

حين ضربه المنصور بالسياط

ويكنى أبا الحسن.

وأمه هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزّى.

ولدته هند ولها ستون سنة.

قال حرمي بن أبي العلاء : حدثني الزبير ، قال : حدثني عمي مصعب : أن هندا ولدت موسى ولها ستون سنة. قال : ولا تلد لستين إلّا قرشية (٣) ، ولخمسين إلّا عربية.

ولموسى تقول أمه هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله وهو صغير ترقصه :

إنّك إن تكون جونا أنزعا

أجدر أن تضرهم وتنفعا

وتسلك العيش طريقا مهيعا

فردا من الأصحاب أو مشيّعا

__________________

(١) في ط وق «ابن الحسين».

(٢) تاريخ بغداد ١٣ / ٢٥ ـ ٢٧ ، وزهر الآداب ١ / ١٢٩.

(٣) زهر الآداب ١ / ١٣٠.

٣٣٣

أخبرني بقصته وضرب المنصور إيّاه في الدفعة الأولى ، عمر بن عبد الله بن جميل العتكي ، قال : حدثنا عمر بن شبّة عن رجاله ، ونسخت من كتاب أحمد بن الحرث الخرّاز ذلك ولم أسمعه ، إلّا أن عيسى بن الحسين دفع الكتاب الذي نسخت هذا منه إليّ وقال لي: هذا كتاب أحمد بن الحرث.

وحدثني بقصته في المرة الأخيرة أحمد بن عبيد الله بن عمّار ، قال : حدثني محمد بن أبي الأزهر ، قال : أخبرنا عمر بن خلف الضرير ، قال : حدثتني بثينة (١) الشيبانية ، وقد دخل بعض الحديث في بعض [وسقت خبره فيه](٢) قال عمر بن شبّة في حديثه : حدثني موسى بن عبد الله بن موسى ، عن أبيه ، عن جده ، قال :

لما صرنا بالرّبذة ، أرسل أبو جعفر إلى أبي أن أرسل إليّ أحدكم ، واعلم أنه غير عائد إليكم أبدا ، فابتدره بنو إخوته يعرضون أنفسهم عليه ، فجزاهم خيرا وقال لهم : أنا أكره أن أفجعهم بكم ، ولكن اذهب أنت يا موسى.

قال : فذهبت وأنا يومئذ حديث السن ، فلما نظر إليّ قال : لا أنعم الله بك عينا ، السياط يا غلام ، قال : فضربت ـ والله ـ حتى غشي عليّ ، فما أدري بالضرب ، ثم رفعت السياط عني واستدناني ، فقربت منه ، فقال : أتدري ما هذا؟ هذا فيض فاض مني ، فأفرغت عليك منه سجلا ، لم أستطع رده ، ومن ورائه والله الموت أو تفتدي منه.

قال : قلت : والله يا أمير المؤمنين إن كان ذنب ، فإني لبمعزل عن هذا الأمر.

قال : فانطلق فأتني بأخويك.

قال : فقلت : [يا أمير المؤمنين] تبعثني إلى رياح بن عثمان فيضع عليّ العيون والرصد ، فلا أسلك طريقا إلّا اتبعني له رسول ، ويعلم أخواي فيهربان مني.

__________________

(١) في ط وق «نبيتة».

(٢) الزيادة من الخطية.

٣٣٤

قال : فكتب إلى رياح : لا سلطان لك على موسى.

قال : فأرسل معي حرسا أمرهم أن يكتبوا إليه بخبري. فقدمت المدينة فنزلت في دار ابن هشام بالبلاط ، فأقمت بها شهورا (١).

قال أحمد بن الحرث في حديثه عن المدائني :

فكتب رياح إلى أبي جعفر : إن موسى مقيم يتربص بك الدوائر ، وليس عنده شيء مما تحب ، فأمره أن يحمله إليه ، فحمله ، وبلغ محمدا خبره فخرج من وقته.

قال : ووجه محمد موسى إلى الشام يدعو إليه فقتل محمد قبل أن يصل ، وقيل : إنه رجع إليه فشهد معه مقتله ، ثم هرب حتى أتى البصرة مستترا فأقام بها :

فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمّار قال : حدثني محمد بن الأزهر ، قال : حدثنا عمر بن خلف الضرير ، قال : حدثتني بثينة الشيبانية ، وكانت أرضعت أحمد بن عيسى بن زيد ، والفضل بن جعفر بن سليمان :

أن موسى لما قدم من الشام إلى البصرة أتاها فنزل عندها في منزلها ببني غبر. قالت : فقلت له : بأبي أنت ، قد قتل أخواك ، وولى البصرة محمد بن سليمان ، وأنت خاله ، وليس عليك بأس. قالت فأرسل رسولا ليشتري له طعاما ، فحمله على حمّال أسود صغير من الغلمان الذين يحملون حوائج الناس ، فقالوا له : كم كراء ما حملت؟ قال : أربعة دوانيق ، فأعطوه فلم يرض فازداد حتى أعطوه أربعة دراهم ، فرضي وانصرف.

قالت : فو الله ما غسل يده من طعامه حتى أحاطت الخيل بالدار ، فلما أحس موسى بذلك جزع ، وأشرفت أنظر وقلت : ليست هذه الخيل إليكم ، هؤلاء يطلبون قوما من الدعار من جيراننا ، فو الله ما أتممت الكلام حتى وافتنا الخيل في الدار. وكان مع موسى ابنه عبد الله ، ومولى له ، ورجل آخر من شيعته ، فدخل الجند الدار ، ومع بعضهم شيء ملفوف في كساء على كفل دابة

__________________

(١) الطبري ٩ / ١٩٦.

٣٣٥

من دوابهم فكشفوا الكساء فإذا الأسود الحمال ، فقال لهم : هذا موسى بن عبد الله ، وهذا ابنه عبد الله ، وهذا مولاه ، وهذا لا أعرفه.

فو الله لكأنه صحبهم من الشام. وأخذوهم حتى صاروا بهم إلى محمد بن سليمان فقال لهم : لا قرّب الله قرابتكم ، ولا حيّى وجوهكم ، تركتم كل بلد في الأرض إلّا بلدا أنا فيه. فإن وصلت أرحامكم عصيت أمير المؤمنين ، وإن أطعت أمير المؤمنين قطعت أرحامكم ، وهو والله أولى بكم مني.

قال : فحملهم إلى المنصور ، فضرب موسى بن عبد الله خمسمائة سوط فصبر ، فقال المنصور لعيسى بن علي : عذرت أهل الباطل في صبرهم ـ يعني الشطار ـ ما بال هذا الغلام المنعّم الذي لم تره الشمس.

فقال موسى : يا أمير المؤمنين ، إذا صبر أهل الباطل على باطلهم ، فأهل الحق أولى.

فلما فرغوا من ضربه أخرجوه ، فقال له الربيع : يا فتى ، قد كان بلغني أنك من نجباء أهلك ، وقد رأيت خلاف ما بلغني.

فقال له موسى : وما ذاك؟.

قال : رأيتك بين يدي عدوك تحب أن تبلغ في مكروهك وتزيد في مساءتك. وأنت تماحكه في جلدك ، كأنك تصبر على جلد غيرك.

فقال موسى :

إني من القوم الذين تزيدهم

قسوا وصبرا شدة الحدثان (١)

وقد قيل : إن موسى لم يزل محبوسا حتى أطلقه المهدي ، وقيل إنه توارى بعد ذلك حتى مات.

وكان موسى يقول شيئا من الشعر ، فحدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن ، قال (٢) :

__________________

(١) في زهر الآداب ١ / ١٢٩ «جلدا وصبرا قسوة السلطان».

(٢) تاريخ بغداد ١٣ / ٢٦.

٣٣٦

كتب موسى بن عبد الله إلى زوجته أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر [بن أبي قحافة](١) أم ابنه عبد الله بن موسى يستدعيها للخروج إلى العراق :

لا تتركيني بالعراق فإنها

بلاد بها أس الخيانة والغدر

فإني مليء أن أجيء بضرّة

مقابلة الأجداد طيّبة النّشر

إذا انتسبت من آل شيبان في الذّرا

ومرّة لم تحفل بفضل أبي بكر

قال يحيى بن الحسن والزبير فيما حدثني أحمد بن سعيد ، عن يحيى ، وحرمي بن أبي العلاء عن الزبير ، عن محمد بن إسماعيل الجعفري ، ومحمد بن عبد الله البكري :

أن موسى بن عبد الله قال (٢) :

إني زعيم أن أجيء بضرة

قراسية فرّاسة للضرائر (٣)

فتكرم مولاها وترضي خليلها

وتقطع من أقصى أصول الحناجر

فأجابه الربيع بن سليمان ، مولى محمد وإبراهيم بني عبد الله بن الحسن بن الحسن فقال في ذلك :

أبنت أبي بكر تكيد بضرة؟

لعمري لقد حاولت إحدى الكبائر

تغطّ غطيط البكر شدّ خناقه

وأنت مقيم بين صوحي عباثر (٤)

قال : وعباثر : ماء كان لموسى بن عبد الله.

قال يحيى بن الحسن : فسمعت محمد بن يوسف يقول ، ولم يذكر هذا الزبير ، قال :

__________________

(١) الزيادة من الخطية.

(٢) تاريخ بغداد ١٣ / ٢٦.

(٣) في اللسان : «القراسية : الضخمة».

(٤) في اللسان : «الصوح الجانب من الرأس والجبل ، ويقال صوح لوجه الجبل كأنه حائط ، وصوحا الوادي : حائطاه» والعبائر كما في معجم البلدان ٦ / ١٠٤ نقب منحدر من جبل جهينة يسلكه من خرج من إضم يريد ينبع».

٣٣٧

أمر موسى بهدايا كان أعطاها ربيعا فارتجعت منه ، فبلغ أم سلمة زوجته ذلك ، فحلفت لتضعفن له بيع الهدايا في مال موسى بن عبد الله ، فأجاز ذلك موسى.

قال أبو الفرج :

وهذا ليس من هذا الباب ، ولكن الحديث ذو شجون ، والشيء يذكر بالشيء.

حدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن ، قال : حدثني إسماعيل بن يعقوب ، قال : حدثني عبد الله بن موسى ، عن أبيه ، قال :

دخلت مع أبي على أبي العباس السفاح ، وأنا غلام حديث السن ، فالتفت إلى أبي فقال : لعلّ ابنك هذا يروي لأميّة أبي طالب.

قال له : نعم يا أمير المؤمنين. قال : مره لينشدها. فقال لي : قم فأنشده إيّاها ، فقمت فأنشدته إيّاها ، وأنا قائم.

قال : ودخل موسى يوما على الرشيد ثم خرج من عنده ، فعثر بالبساط فسقط ، فضحك الخدم. وضحك الجند ، فلما قام التفت إلى هارون فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه ضعف صوم لا ضعف سكر (١).

أخبرني عمر بن عبد الله ، قال : حدثنا عمر بن شبة ، قال : قال عيسى بن عبد الله:

* * *

وحدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثني يحيى بن الحسن ، قال حدثني إسماعيل بن يعقوب :

أنا أبا جعفر لما قبض أموال عبد الله بن الحسن ، حج فصاحت به عاتكة بنت عبد الملك ـ وهي أم عيسى ، وسليمان ، وإدريس بني عبد الله بن الحسن ـ وهي تطوف في ستارة : يا أمير المؤمنين ، أيتامك بنو عبد الله بن الحسن مات

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ / ٢٧.

٣٣٨

أبوهم في حبسك ، وأمرت بقبض ضياعهم.

فأمر أبو جعفر بردها عليهم ، فجاءت عاتكة (١) إلى الحسن بن زيد فقال لها : لم أسمع فأتيني ببينة ، فأتت عيسى بن محمد ، ومحمد بن إبراهيم الإمام فشهدوا بذلك ، فردّ أموالهم ، فقال موسى : لا نقسم إلّا على ما رسم عبد الله بن الحسن.

فقالت عاتكة : هذا شيء قد كان السلطان قبضه ، وإنما ردّه بمسئلتي.

فقال : لا نحكم فيها ـ والله ـ إلّا بحكم عبد الله بن الحسن ، وكان عبد الله قد فضّل بني هند فيها على غيرهم من إخوتهم.

فقيل له : إن هذا إن بلغ السلطان قبض الأموال.

فقال : والله لقبضها أحب إليّ من تغيير شروط عبد الله.

* * *

فكتب إلى أبي جعفر في ذلك ، فأمر أن يرد ويقسم على حكم عبد الله.

أنشدني أحمد بن سعيد ، قال : أنشدنا أحمد بن الحسن لموسى بن عبد الله :

لئن طال ليلي بالعراق لقد مضت

عليّ ليال بالنظيم قصائر

إذا الحي منداهم معلّاة فاللوى (٢)

فمشعر منهم منزل فقراقر

وإذ لا يريم البئر بئر سويقة (٣)

قطين بها والحاضر المتجاور

٣٢ ـ علي بن الحسن بن زيد

وعلي بن الحسن بن زيد بن علي بن أبي طالب عليه السلام

ويكنى أبا الحسن.

وأمه أم ولد تدعى أمة الحميد.

__________________

(١) في هامش الخطية : «هي عاتكة بنت عبد الملك بن الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة من بني مخزوم».

(٢) منداهم : محضرهم ومجمعهم ، وفي الخطية «معلى وباللوى».

(٣) كذا في الخطية ، وفي ط وق «ولو لا أديم البئر».

٣٣٩

كان أبو جعفر حبسه مع أبيه الحسن بن زيد لما سخط عليه ، وصرفه عن المدينة وأقامه للناس ، فلم يزل عليّ محبوسا مع أبيه حتى مات في الحبس.

ولما ولي المهدي أطلق الحسن بن زيد ، وله خبر طويل قد وضعناه (١) في موضعه من كتابنا الكبير (٢) ، إذ كان هذا ليس مما يجري مجرى من قتل في معركة أو غيرها فيذكر خبره هاهنا.

٣٣ ـ حمزة بن إسحاق بن علي

وحمزة بن إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

وأمه أم ولد.

وجد عليه أبو جعفر فأقامه للناس ، وحبسه فمات في حبسه ، رضوان الله عليه ورحمته.

__________________

(١) في ط وق «وصفناه».

٣٤٠