مقاتل الطالبيّين

أبي الفرج الاصفهاني

مقاتل الطالبيّين

المؤلف:

أبي الفرج الاصفهاني


المحقق: السيد أحمد صقر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٦٤

ثم أمره يزيد ، بالشخوص إلى المدينة مع النسوة من أهله وسائر بني عمّه ، فانصرف بهم (١).

* * *

وقال سليمان بن قتّة يرثي الحسين (٢) :

مررت على أبيات آل محمد

فلم أرها أمثالها يوم حلت (٣)

ألم تر أن الشمس أضحت مريضة

لفقد حسين والبلاد اقشعرت

وكانوا رجاء ثم صاروا رزية

لقد عظمت تلك الرزايا وجلت (٤)

أتسألنا قيس فنعطي فقيرها

وتقتلنا قيس إذا النعل زلت

وعند غنيّ قطرة من دمائنا

سنطلبها يوما بها حيث حلت

فلا يبعد الله الديار وأهلها

وإن أصبحت منهم برغمي تخلّت

فإن قتيل الطّف من آل هاشم

أذل رقاب المسلمين فذلت (٥)

قال أبو الفرج :

وقد رثى الحسين بن علي ـ صلوات الله عليه ـ جماعة من متأخري الشعراء أستغني عن ذكرهم في هذا الموضع كراهية الإطالة.

وأما من تقدم (٦) فما وقع إلينا شيء رثى به ، وكانت الشعراء لا تقدم على ذلك مخافة من بني أمية ، وخشية منهم.

* * *

وهذا آخر ما أخبرنا به من مقتله ـ صلوات الله عليه ورضوانه وسلامه ـ.

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٦٧.

(٢) ابن الأثير ٤ / ٤٠ وتهذيب ابن عساكر ٤ / ٣٤٢ ومروج الذهب ٢ / ٦٠ وزهر الآداب ١ / ١٣٤ ومعجم البلدان ٦ / ٥٢ والحماسة ٣ / ١٣.

(٣) أي وجدتها موحشة خالية بعد أن رأيتها مؤنسة مأهولة وفي الأصول «فلم أر أمثالا لها يوم حلت».

(٤) في الحماسة «وكانوا غياثا ثم أضحوا».

(٥) في الحماسة «ألا إن قتلى الطف ... أدلت ... وكان الشاعر قال : أذلت رقابا من قريش فذلت. فقال عبد الله بن الحسين : أذلت رقاب المسلمين فذلت فقال ابن قتة : أنت والله أشعر مني».

(٦) راجع رثاء أبي دهبل «أغاني ٦ / ١٦٧ ، وامرأته الرباب أغاني ١٤ / ١٦٥ ، ودعبل معجم الأدباء ١١ / ١١٠.

١٢١

٦ ـ أبو بكر بن عبد الله بن جعفر

وأبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام.

لا يعرف اسمه ؛ وأمّه الخوصاء بنت حفصة بن بكر بن وائل.

حدّثنا أحمد بن محمد بن شبيب ، قال : حدّثنا أحمد بن الحرث الخراز (١) ، عن المدائني ، قال :

قتل أبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يوم الحرة (٢) في الوقعة بين مسرف (٣) ابن عقبة وبين أهل المدينة.

٧ ـ عون بن عبد الله بن جعفر

وعون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

وهو عون الأصغر ، والأكبر قتل مع الحسين بن علي.

وأم عون هذا جمانة بنت المسيب (٤) بن نجبة بن ربيعة بن رياح بن عوف بن هلال بن ربيعة بن شمخ بن فزارة.

وأمها من بني مرة بن عوف الفزاري.

والمسيّب أحد أمراء التوابين الذين دعوا إلى الخروج على ابن زياد ـ لعنه الله ـ والطلب بدم الحسين ، فقتلوا بعين الوردة (٥) ، وله صحبة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وقد شهد معه مشاهده.

__________________

(١) كذا في تاريخ بغداد وفي الأصول «الخزاز» وهو أحمد بن الحارث بن المبارك ، أبو جعفر الخراز مولى أبي جعفر المنصور ، وهو صاحب أبي الحسن المدايني روى عنه تصانيفه. وكان صدوقا من أهل الفهم والمعرفة مات ببغداد في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائتين ، راجع الخطيب البغدادي ٤ / ١٢٢ ـ ١٢٣.

(٢) كانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين راجع ابن الأثير ٤ / ٤٨ ـ ٥٢ والطبري ٧ / ٥ ـ ١٢ والعقد ٢ / ٣٨٧ ـ ٣٩١ وأبو الفداء ١ / ١٩٢ وابن أبي الحديد ٣ / ٣٠٦ والتنبيه والإشراف ٢٦٤ ، ومروج الذهب ٢ / ٦٩.

(٣) اسمه مسلم بن عقبة وسمي بعد وقعة الحرة مسرفا.

(٤) المعارف ٩٠.

(٥) راجع الطبري ٧ / ٦٦ ـ ٧٧ ومروج الذهب ٢ / ٧٩ ـ ٨١.

١٢٢

وقتل عون يوم الحرة (١) حرة واقم ، قتله أصحاب مسرف بن عقبة ، أخبرني بذلك أحمد بن محمد بن شبيب ، عن الخراز ، عن علي بن نجم المدائني.

٨ ـ عبيد الله بن علي

وعبيد الله (٢) بن علي بن أبي طالب ، وأمه ليلى بنت مسعود (٣) بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن حنظلة.

قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة يوم المذار ، وكان صار إلى المختار فسأله أن يدعو إليه ويجعل الأمر له ، فلم يفعل ، فخرج فلحق بمصعب بن الزبير (٤) فقتل في الوقعة وهو لا يعرف (٥).

٩ ـ عبد الله بن محمد بن علي

وعبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب.

ويكنى أبا هاشم ، وأمه أم ولد ، تدعى نائلة.

وكان لسنا خصما عالما ، وكان وصي أبيه ، وهو الذي يزعم الشيعة من أهل خراسان أنه ورث الوصية عن أبيه ، وأنه كان الإمام ، وأنه أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس (٦) ، وأوصى محمد إلى إبراهيم الإمام ، فصارت الوصية في بني العباس من تلك الجهة(٧).

__________________

(١) ذكر ابن حبيب في المحبر في باب من نصب رأسه من الأشراف ص ٩٤١ «... ومحمد وعون ابنا عبد الله بن جعفر حملت رؤوسهم إلى يزيد بن معاوية فنصبها بالشام».

(٢) في النسخ «عبد الله» والتصويب من طبقات ابن سعد ٦ / ٨٦ والطبري ٦ وابن الأثير ٣ / ١٧٢ والمعارف ٩٦.

(٣) في طبقات ابن سعد ٥ / ٨٧ «وكان قدم من الحجاز على المختار بالكوفة وسأله فلم يعطه وقال : أقدمت بكتاب من المهدي؟ قال : لا ، فحبسه أياما ثم خلى سبيله وقال : أخرج عنا فخرج إلى مصعب بالبصرة هاربا من المختار ...».

(٤) انظر مبايعته بالخلافة وقتله في طبقات ابن سعد ٥ / ٨٧ ـ ٨٨.

(٥) المعارف ١٧٦ ومروج الذهب ٢ / ٨٢.

(٦) التنبيه والإشراف ٢٩٢ وطبقات ابن سعد ٥ / ٢٤٠ ـ ٢٤١.

(٧) المعارف ٩٥.

١٢٣

ودس سليمان بن عبد الملك سما إليه ، فمات منه بالحميمة من أرض الشام.

حدّثني أحمد بن سعيد ، قال : حدّثنا يحيى بن الحسن ، قال : حدّثني عبيد الله بن حمزة ، وذكر ذلك محمد بن علي بن حمزة ، عن المدائني ، عن غسان بن عبد الحميد قال :

وفد أبو هاشم إلى سليمان بن عبد الملك يقضي حوائجه ، ثم تجهز للمسير إلى المدينة ، فقدّم ، ثقله وأتى سليمان ليودعه ، فحبسه سليمان حتى تغدى معه في يوم شديد الحر ، وخرج نصف النهار ، وسار ليلحق الثقل فعطش في مسيره ، فدس إليه سليمان شربة فلما شربها فتر فسقط ، وأرسل رسولا إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، وعبد الله بن الحرث بن نوفل ، يعلمهما حاله فخرجا إليه فولياه حتى مات. ودفن بالحميمة في أرض الشام ، وأوصى إلى محمد بن علي بن العباس (١).

١٠ ـ زيد بن علي

وزيد بن علي (٢) بن الحسين ، بن علي بن أبي طالب ، ويكنى أبا الحسين.

وأمه أم ولد أهداها المختار بن أبي عبيدة لعلي بن الحسين فولدت له زيدا ، وعمر ، وعليا ، وخديجة.

حدثني محمد بن الحسين الخثعمي ، وعلي بن العباس ، قالا : حدثنا عباد ابن يعقوب ، قال : حدّثنا الحسين بن حماد أخو الحسن بن حماد ، قال : حدّثنا زياد بن المنذر ، قال : اشترى المختار بن أبي عبيدة جارية بثلاثين ألفا ، فقال لها : أدبري. فأدبرت ، ثم قال لها : أقبلي. فأقبلت ، ثم قال : ما أدري أحدا

__________________

(١) الإمامة والسياسة ٢ / ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٢) طبقات ابن سعد ٥ / ٢٢٩ وابن أبي الحديد ١ / ٣١٥ والطبري ٨ / ٢٦٠ ، ٢٧٠ ، ٢٧٨ ، وابن الأثير ٥ / ٩١ ـ ٩٧ وابن عساكر ١٤ / ٥٧٢ ، والبداية والنهاية ٩ / ٣٢٩ ـ ٣٣١ ، ومروج الذهب ٢ / ١٢٩ ـ ١٣٠ وفوات الوفيات ١ / ٢١٠ ، وشرح شافية أبي فراس ١٥٣ ـ ١٥٤ ، وزهر الآداب ١ / ١١٧ والمحبر ٩٥ والروض النضير ٩ / ٨١ والمعارف ٩٥.

١٢٤

أحق بها من علي بن الحسين ، فبعث بها إليه ، وهي أم زيد بن علي.

* * *

حدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى ، قال : حدثنا الحسن بن الحسين الكندي ، عن خصيب الوابشي قال :

كنت إذا رأيت زيد بن علي رأيت أسارير النور في وجهه.

حدثني الحسن بن علي السلولي ، قال : حدثنا أحمد بن راشد ، قال : حدثني عمي سعيد بن خيثم ، قال : حدثني أبو قرة ، قال :

خرجت مع زيد بن علي ليلا إلى الجبّان ، وهو مرخي اليدين لا شيء معه ، فقال لي : يا أبا قرة أجائع أنت؟ قلت نعم ، فناولني كمثراة ملء الكف ما أدري أريحها أطيب أم طعمها ، ثم قال لي : يا أبا قرة أتدري أين نحن؟ نحن في روضة من رياض الجنة ، نحن عند قبر أمير المؤمنين علي ، ثم قال لي : يا أبا قرة والذي يعلم ما تحت وريد زيد بن علي إن زيد بن علي لم يهتك لله محرما منذ عرف يمينه من شماله ، يا أبا قرة من أطاع الله أطاعه ما خلق.

حدثني علي بن محمد ، بن علي بن مهدي العطار ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى ، قال : حدّثنا الحسن بن الحسين ، عن أبي داود العلوي (١) عن عاصم بن عبيد الله العمري قال ذكر عنده زيد بن علي فقال : أنا أكبر منه ، رأيته بالمدينة وهو شاب يذكر الله عنده فيغشى عليه حتى يقول القائل : ما يرجع إلى الدنيا.

حدّثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدّثنا يحيى بن الحسين (٢) قال : حدّثنا هرون بن موسى ، قال : سمعت محمد بن أيوب الرافقي يقول :

كانت المرجئة (٣) وأهل النسك لا يعدلون بزيد أحدا.

* * *

__________________

(١) في الخطية «الطهوري».

(٢) في الخطية «يحيى بن الحسن العلوي».

(٣) في النسخ كانت «البراجم ، البراحم ، المراحم». وهو تحريف والتصويب من الروض النضير ٥٤.

١٢٥

حدّثني علي بن العباس المقانعي ، ومحمد بن الحسين الخثعمي ، قالا : حدّثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي ، قال حدّثنا الحسن بن الحسين ، قال المقانعي : عن عبد الله بن حرب وقال الأشناني (١) : عن عبد الله بن جرير ، قال :

رأيت جعفر بن محمد يمسك لزيد بن علي بالركاب ، ويسوي ثيابه على السرج.

* * *

حدّثني علي بن العباس ، قال : حدّثنا الحسن بن الحسين ، قال : حدّثنا أبو معمر سعيد بن خيثم ، قال :

كان بين زيد بن علي ، وعبد الله بن الحسن مناظرة في صدقات علي ، فكانا يتحاكمان إلى قاض من القضاة ، فإذا قاما من عنده أسرع عبد الله إلى دابة زيد فأمسك له بالركاب.

حدّثني علي بن العباس ، قال : حدّثنا عباد بن يعقوب ، قال : أخبرنا محمد بن الفرات ، قال :

رأيت زيد بن علي وقد أثر السجود بوجهه أثرا خفيفا.

حدّثنا محمد بن علي بن مهدي ، قال : حدّثنا الحسن بن محمد بن أبي عاصم ، قال : حدّثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن البابكي ، واسمه عبد الله بن مسلم بن بابك ، قال :

خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة فلما كان نصف الليل واستوت الثريا فقال : يا بابكي أما ترى هذه الثريا أترى أحدا ينالها؟ قلت : لا ، قال : والله لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض أو حيث أقع ، فأتقطع قطعة قطعة ،

__________________

(١) هذه النسبة إلى بيع الأشنان وشرابه ، وهو أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص بن عمر الأشناني الكوفي ، كان ثقة صالحا مأمونا ، وكانت ولادته سنة إحدى وعشرين ومائتين ووفاته في صفر سنة خمس عشرة وثلثمائة. راجع الأنساب للسمعاني ٤٠.

١٢٦

وأن الله أصلح بين أمة محمد (ص).

حدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن ، قال : حدثنا الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد ، قال : حدّثنا الحسن بن الحسين ، عن يحيى بن مساور ، عن أبي الجارود ، قال :

قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن.

* * *

حدّثني أحمد بن سعيد ، قال : حدّثنا يحيى ، قال : سألت الحسن بن يحيى كم كانت سن زيد بن علي يوم قتل؟ قال : اثنتان وأربعون سنة (١).

حدثني علي بن العباس ، قال : حدثني اسماعيل بن إسحاق الراشدي ، قال : حدثنا محمد بن داود بن عبد الجبار ، عن أبيه ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، قال :

قال رسول الله (ص) للحسين : «يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرّا محجّلين ، يدخلون الجنة بغير حساب».

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال أخبرنا خالد بن عيسى أبو زيد العكلي ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، قال :

قال رسول الله (ص) : «يقتل رجل من أهل بيتي فيصلب لا ترى الجنة عين رأت عورته».

أخبرني أحمد بن سعيد ، قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن قني ، قال : حدّثنا محمد بن علي بن أخت خلاد المقرئ ، قال : حدّثنا أبو حفص الأعشى ، عن أبي داود المدني ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي ، قال :

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٥ / ٢٤٠.

١٢٧

يخرج بظهر الكوفة رجل يقال له زيد في أبهة والأبهة الملك لا يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون إلّا من عمل بمثل عمله ، يخرج يوم القيامة هو وأصحابه معهم الطّوامير أو شبه الطوامير حتى يتخطوا أعناق الخلائق تتلقاهم الملائكة فيقولون هؤلاء حلف الخلف ، ودعاة الحق ، ويستقبلهم رسول الله (ص) فيقول : «يا بني قد عملتم ما أمرتم به ، فادخلوا الجنة بغير حساب».

حدّثني علي بن العباس ، ومحمد بن الحسين ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : أخبرنا الحسين بن زيد بن علي ، عن ريطة بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية ، عن أبيها ، قال :

مرّ زيد بن علي بن الحسين ، على محمد بن الحنفية فرقّ له وأجلسه ، وقال : أعيذك بالله يا ابن أخي أن تكون زيدا المصلوب بالعراق ، ولا ينظر أحد إلى عورته. ولا ينظره إلّا كان في أسفل درك من جهنم.

حدثني محمد بن علي بن مهدي بالكوفة على سبيل المذاكرة ، ونبأني أحمد بن محمد (١) في إسناده قال : حدثنا أبو سعيد الأشج (٢) ، قال : حدثنا عيسى بن كثير الأسدي ، قال : حدثنا خالد مولى آل الزبير ، قال :

كنا عند علي بن الحسين فدعا ابنا له يقال له زيد ، فكبا لوجهه وجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول : أعيذك بالله أن تكون زيدا المصاب بالكناسة ، من نظر إلى عورته متعمدا أصلى الله وجهه النار.

حدّثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثني أحمد بن محمد قني ، قال : حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : سعيد بن عمرو ، عن يونس بن جناب ، قال :

جئت مع أبي جعفر إلى الكتّاب فدعا زيدا فاعتنقه ، وألزق بطنه ببطنه وقال : أعيذك بالله أن تكون صليب الكناسة.

__________________

(١) في الخطية «ونبأني أحمد بن سعيد».

(٢) في الخطية «أبو سعيد الأشح» وفي ط وق «الأنبح».

١٢٨

حدثنا علي بن العباس ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا موسى الصفار عن محمد بن فرات ، قال :

رأيت زيد بن علي يوم السبخة وعلى رأسه سحابة صفراء تظلّه من الشمس ، تدور معه حيث ما دار.

حدثني الحسن بن علي ، قال : حدثنا جعفر بن أحمد الأزدي ، قال : حدثنا حسين بن نصر ، عن أبيه ، عن أبي خالد ، قال :

كان في خاتم زيد بن علي «أصبر تؤجر ، وتوقّ تنج».

* * *

حدثني علي بن أحمد بن حاتم ، قال : حدثنا الحسين بن عبد الواحد ، قال : حدثنا زكريا بن يحيى الهمداني ، قال : حدثتني عمتي عزيزة بنت زكريا ، عن أبيها ، قال :

أردت الخروج إلى الحج فمررت بالمدينة فقلت : لو دخلت على زيد بن علي. فدخلت فسلمت عليه ، فسمعته يتمثل (١) :

ومن يطلب المال الممنّع بالقنا

يعش ماجدا أو تخترمه المخارم (٢)

متى تجمع القلب الذّكي وصارما

وأنفا حميّا تجتنبك المظالم

وكنت إذا قوم (٣) غزوني غزوتهم

فهل أنا في ذا يال همدان ظالم

قال : فخرجت من عنده وظننت أن في نفسه شيئا ، وكان من أمره ما كان.

* * *

(مقتل زيد بن علي والسبب فيه)

حدّثني به محمد بن علي بن شاذان ، قال : حدثنا أحمد بن راشد ، قال : حدثني عمي أبو معمر سعيد بن خيثم ، وحدثني علي بن العباس ، قال : أخبرنا

__________________

(١) الأبيات لعمرو بن براقة الهمداني كما في أمالي القالي ٢ / ١٢٢.

(٢) في الأمالي «متى تطلب ... تعش ... تخترمك ...».

(٣) في الأصول «إذا قومي».

١٢٩

محمد بن مروان قال : حدثنا زيد بن المعذل النمري ، قال : أخبرنا يحيى بن صالح الطيانسي ، وكان قد أدرك زمان زيد بن علي ، وحدثني أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا المنذر بن محمد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، قال : حدثنا أبو مخنف ، وأخبرني المنذر بن محمد في كتابه إليّ بإجازته أن أرويه عنه من حيث دخل ، يعني حديث بعضهم في حديث الآخرين ، وذكرت الاتفاق بينهم مجملا ، ونسبت ما كان من خلاف في رواية إلى رواية.

قالوا (١) : كان أول أمر زيد بن علي ـ صلوات الله عليه ـ أن خالد بن عبد الله القسري (٢) ادعى مالا قبل زيد بن علي ، ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، وداود بن علي بن عبد الله بن عباس ، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (٣) ، وأيوب بن سلمة بن عبد الله بن عباس بن الوليد بن المغيرة (٤) المخزومي.

وكتب فيهم يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم ، عامل هشام على العراق ، إلى هشام ، وزيد بن علي ، ومحمد بن عمر يومئذ بالرصافة. وزيد يخاصم الحسن بن الحسن في صدقة رسول الله (ص).

فلما قدمت كتب يوسف ، بعث إليهم فذكر ما كتب به يوسف ، فأنكروا فقال لهم هشام : فإنا باعثون بكم إليه يجمع بينكم وبينه.

قال له زيد : أنشدك الله والرحم أن لا تبعث بنا إلى يوسف. قال له هشام : وما الذي تخاف من يوسف؟ قال : أخاف أن يتعدى علينا. فدعا هشام كاتبه فكتب إلى يوسف :

«أما بعد ، فإذا قدم عليك زيد ، وفلان ، وفلان ، فاجمع بينهم وبينه ،

__________________

(١) الطبري ٨ / ٢٦٠ وابن الأثير ٥ / ٩١.

(٢) وفي الطبري «أن يزيد بن خالد القسري» أما ابن الأثير فروايته كالأصول.

(٣) في الطبري «وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري».

(٤) في الطبري «بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة».

١٣٠

فإن أقروا بما ادعى عليهم فسرح بهم إليّ ، وإن هم أنكروا فاسأله البينة ، فإن لم يقمها فاستحلفهم بعد صلاة العصر بالله الذي لا إله إلّا هو ما استودعهم وديعة (١) ، ولا له قبلهم شيء ، ثم خل سبيلهم».

فقالوا لهشام : إنا نخاف أن يتعدى كتابك [ويطول علينا]. قال : كلا أنا باعث معكم رجلا من الحرس ليأخذه بذلك حتى يفرغ ويعجل. قالوا : جزاك الله عن الرحم خيرا ، لقد حكمت بالعدل.

فسرح بهم إلى يوسف ، وهو يومئذ بالحيرة ، فاجتنبوا أيوب بن سلمة لخؤولته من هشام ولم يؤخذ بشيء من ذلك (٢). فلما قدموا على يوسف دخلوا عليه فسلموا ، فأجلس زيدا قريبا منه ، ولا طفه في المسألة ، ثم سألهم عن المال فأنكروا ، فأخرجه يوسف إليهم ، وقال : هذا زيد بن علي ، ومحمد بن عمر بن علي اللذان ادعيت قبلهما ما ادعيت قال : ما لي قبلهما قليل ولا كثير. قال له يوسف : أفبي كنت تهزأ وبأمير المؤمنين؟ فعذبه عذابا ظن أنه قد قتله.

ثم أخرج زيدا وأصحابه بعد صلاة العصر إلى المسجد فاستحلفهم ، فحلفوا ، فكتب يوسف إلى هشام يعلمه ذلك ، فكتب إليه هشام خل سبيلهم ، فخلى سبيلهم.

فأقام زيد بعد خروجه من عند يوسف بالكوفة أياما ، وجعل يوسف يستحثه بالخروج فيعتل عليه بالشغل وبأشياء يبتاعها ، فألح عليه حتى خرج ، فأتى القادسية.

ثم إن الشيعة لقوا زيدا (٣) فقالوا له : أين تخرج عنا ـ رحمك الله ـ ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بني أمية بها دونك ، وليس قبلنا من أهل الشام إلّا عدة يسيرة. فأبى عليهم ، فما زالوا يناشدونه حتى

__________________

(١) في الطبري «ما استودعهم يزيد بن خالد القسري وديعة».

(٢) في الطبري «فسرح بهم إلى يوسف ، واحتبس أيوب بن سلمة لأن أم هشام بن عبد الملك ابنة هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وهو في أخواله فلم يؤخذ بشيء من ذلك القرف فلما قدموا ...».

(٣) ابن الأثير ٥ / ٩٣ والطبري ٨ / ٢٦٤.

١٣١

رجع بعد أن أعطوه العهود والمواثيق. فقال له محمد بن عمر : أذكرك الله يا أبا الحسين لما لحقت بأهلك ولم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك ، فإنهم لا يفون لك ، أليسوا أصحاب جدك الحسين بن علي؟ قال : أجل. وأبى أن يرجع.

وأقبلت الشيعة وغيرهم يختلفون إليه ، ويبايعون حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة ، سوى أهل المدائن ، والبصرة ، وواسط ، والموصل وخراسان ، والري ، وجرجان.

وأقام بالكوفة بضعة عشر شهرا ، وأرسل دعاته إلى الآفاق والكور ، يدعون الناس إلى بيعته ، فلما دنا خروجه أمر أصحابه بالاستعداد والتهيؤ فجعل من يريد أن يفي له يستعد ، وشاع ذلك فانطلق سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر ، وأخبره خبر زيد ، فبعث يوسف فطلب زيدا ليلا فلم يوجد عند الرجلين اللذين سعى إليه أنه عندهما فأتى بهما يوسف فلما كلّمهما استبان أمر زيد وأصحابه ، وأمر بهما يوسف فضربت أعناقهما ، وبلغ الخبر زيدا ـ صلوات الله عليه ـ فتخوف أن يؤخذ عليه الطريق فتعجل الخروج قبل الأجل الذي بينه وبين أهل الأمصار ، واستتب لزيد خروجه ، وكان قد وعد أصحابه ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة اثنين وعشرين ومائة فخرج قبل الأجل.

وبلغ ذلك يوسف بن عمر (١) فبعث الحكم بن الصلت يأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم فيحضرهم فيه ، فبعث الحكم إلى العرفاء ، والشرط ، والمناكب ، والمقاتلة ، فأدخلوهم المسجد ، ثم نادى مناديه : أيما رجل من العرب والموالي أدركناه في رحبة (٢) المسجد فقد برئت منه الذمة ؛ ائتوا المسجد الأعظم. فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد. وطلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحاق [بن زيد بن حارثة الأنصاري](٣) ، فخرج ليلا ، وذلك ليلة الأربعاء لسبع بقين من المحرم ، في ليلة شديدة البرد ، من دار معاوية بن إسحاق ،

__________________

(١) الطبري ٨ / ٢٧٢ وابن الأثير ٥ / ٩٦.

(٢) كذا في ق وفي ط «في رحلة المسجد» وفي الطبري «في رحله».

(٣) الزيادة من الطبري.

١٣٢

فرفعوا الهرادي فيها النيران ، ونادوا بشعارهم شعار رسول الله : «يا منصور أمت» ، فما زالوا كذلك حتى أصبحوا ، فلما أصبحوا بعث زيد ـ عليه السلام ـ القاسم بن عمر التبعي ، ورجلا آخر ، يناديان بشعارهما. وقال سعيد بن خيثم في رواية القاسم بن كثير بن يحيى بن صالح بن يحيى بن عزيز بن عمرو بن مالك بن خزيمة التّبعي وسمى الآخر الرجل ، وذكر أنه صدام.

قال سعيد : وبعثني أيضا وكنت رجلا صيّتا أنادي بشعاره.

قال : ورفع أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني هرديا من ميمنتهم ، ونادى بشعار زيد. فلما كانوا في صحارى عبد القيس لقيهما جعفر بن العباس الكندي ، فشدوا عليه ، وعلى أصحابه فقتل الرجل الذي كان مع القاسم ، وارتثّ القاسم فأتى به الحكم بن الصلت فكلّمه فلم يرد عليه ، فأمر به فضربت عنقه على باب القصر ، وكان أول قتيل منهم رضوان الله عليه.

قال سعيد بن خيثم : قالت بنته سكينة :

عين جودي لقاسم بن كثير

بدرور من الدموع غزير

أدركته سيوف قوم لئام

من أولي الشرك والردى والشّرور

سوف أبكيك ما تغنّى حمام

فوق غصن من الغصون نضير

قال أبو مخنف : وقال يوسف بن عمر وهو بالحيرة : من يأتي الكوفة فيقرب من هؤلاء فيأتينا بخبرهم؟.

قال عبد الله بن العباس المنتوف الهمداني (١) : أنا آتيك بخبرهم ، فركب في خمسين فارسا ، ثم أقبل حتى أتى جبانة سالم فاستخبر ، ثم رجع إلى يوسف فأخبره ، فلما أصبح يوسف خرج إلى تل قريب من الحيرة فنزل [عليه و](٢) معه قريش ، وأشراف الناس ، وأمير شرطته يومئذ العباس بن سعيد المزني (٣).

قال : وبعث الريان بن سلمة البلوي (٤) في نحو من ألفي فارس وثلثمائة

__________________

(١) في الطبري ٨ / ٢٧٣ «فقال جعفر بن العباس الكندي أنا».

(٢) الزيادة من الطبري.

(٣) كذا في الطبري وفي الأصول «العباس بن سعد المري».

(٤) في الطبري «الريان بن سلمة الإراشي».

١٣٣

من القيقانية رجالة ناشبة.

قال : وأصبح زيد بن علي وجميع من وافاه تلك الليلة مائتان وثمانية عشر من الرجالة ، فقال زيد بن علي ـ عليه السلام ـ سبحان الله فأين الناس؟ قيل : هم محصورون في المسجد ، فقال : لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر.

قال (١) : وأقبل نصر بن خزيمة إلى زيد فتلقاه عمر بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت في خيل من جهينة عند دار الزبير بن أبي حكيمة في الطريق الذي يخرج إلى مسجد بني عدي فقال : يا منصور أمت ، فلم يرد عليه عمر شيئا ، فشد نصر عليه وعلى أصحابه فقتله ، وانهزم من كان معه.

وأقبل زيد حتى انتهى إلى جبانة الصيادين (٢) وبها خمسمائة من أهل الشام ، فحمل عليهم زيد في أصحابه فهزمهم ، ثم مضى حتى انتهى إلى الكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام فهزمهم. ثم شلهم حتى ظهر إلى المقبرة ، ويوسف بن عمر على التل ينظر إلى زيد وأصحابه وهم يكرون ، ولو شاء زيد أن يقتل يوسف يومئذ قتله (٣).

ثم إن زيدا أخذ ذات اليمين على مصلى خالد بن عبد الله حتى دخل الكوفة ، فقال بعض أصحابه لبعض : ألا ننطلق إلى جبانة كندة ، فما زاد الرجل أن تكلم بهذا إذ طلع أهل الشام عليهم ، فلما رأوهم دخلوا زقاقا ضيقا فمضوا فيه ، وتخلّف رجل منهم فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين ، ثم خرج إليهم فضاربهم بسيفه وجعلوا يضربونه بأسيافهم ، ثم نادى رجل منهم فارس مقنع بالحديد : اكشفوا المغفر عن وجهه واضربوا رأسه بالعمود ، ففعلوا ، فقتل الرجل ، وحمل أصحابه عليهم فكشفوهم عنه ، واقتطع أهل الشام رجلا منهم فذهب ذلك الرجل حتى دخل على عبد الله بن عوف بن الأحمر فأسروه ، وذهبوا به إلى يوسف بن عمر فقتله (٤).

__________________

(١) الطبري ٨ / ٢٧٣.

(٢) ابن الأثير ٥ / ٩٧.

(٣) الطبري ٨ / ٢٧٤.

(٤) الطبري ٨ / ٢٧٤.

١٣٤

وأقبل زيد بن علي فقال : يا نصر بن خزيمة أتخاف أهل الكوفة أن يكونوا فعلوها حسينية؟.

قال : جعلني الله فداك أما أنا فو الله لأضربن بسيفي هذا معك حتى أموت.

ثم خرج بهم زيد يقودهم نحو المسجد ، فخرج إليه عبيد الله بن العباس الكندي في أهل الشام ، فالتقوا على باب عمر بن سعد ، فانهزم عبيد الله بن العباس وأصحابه حتى انتهوا إلى دار عمر بن حريث ، وتبعهم زيد عليه السلام حتى انتهوا إلى باب الفيل ، وجعل أصحاب زيد يدخلون راياتهم من فوق الأبواب ويقولون : يا أهل المسجد اخرجوا ، وجعل نصر بن خزيمة يناديهم : يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز ، وإلى الدين والدنيا.

قال : وجعل أهل الشام يرمونهم من فوق المسجد بالحجارة ، وكانت يومئذ مناوشة بالكوفة في نواحيها. وقيل : في جبانة سالم.

وبعث يوسف بن عمر الريان بن سلمة في خيل إلى دار الرزق ، فقاتلوا زيدا ـ عليه السلام ـ قتالا شديدا. وخرج من أهل الشام جرحى كثيرة ، وشلهم أصحاب زيد من دار الرزق حتى انتهوا إلى المسجد الأعظم ، فرجع أهل الشام مساء يوم الأربعاء وهم أسوأ شيء ظنا.

فلما كان غداة يوم الخميس دعى يوسف بن عمر الريان بن سلمة فأفف به (١). فقال له : أف لك من صاحب خيل. ودعا العباس بن سعد المزني (٢) صاحب شرطته فبعثه إلى أهل الشام ، فسار بهم حتى انتهوا إلى زيد في دار الرزق ، وخرج إليهم زيد وعلى مجنبته نصر بن خزيمة ، ومعاوية بن إسحاق ، فلما رآهم العباس نادى : يا أهل الشام [الأرض]. فنزل ناس كثير. واقتتلوا قتالا شديدا في المعركة ، وقد كان رجل من أهل الشام من بني عبس يقال له نائل بن فروة (٣) قال ليوسف : والله لئن ملأت عيني من نصر بن خزيمة لأقتلنه أو

__________________

(١) كذا في الطبري وفي الأصول «فأنف به».

(٢) في الأصول : «بن سعد المري».

(٣) كذا في الخطية والطبري وفي ط وق «ابن مروة».

١٣٥

ليقتلني. فقال له يوسف : خذ هذا السيف. فدفع إليه سيفا لا يمر بشيء إلّا قطعه. فلما التقى أصحاب العباس بن سعد ، وأصحاب زيد. أبصر نائل ـ لعنه الله ـ نصر بن خزيمة ـ رضوان الله عليه فضربه فقطع فخذه ، وضربه نصر فقتله ، ومات نصر رحمه الله.

ثم إن زيدا ـ عليه السلام ـ هزمهم ، وانصرفوا يومئذ بأسوأ حال (١) فلما كان العشي عبأهم يوسف ثم سرحهم نحو زيد ، وأقبلوا حتى التقوا فحمل عليهم زيد فكشفهم ، ثم تبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة ، ثم شد عليهم حتى أخرجهم من بني سليم فأخذوا على المسنّاة.

ثم ظهر لهم زيد فيما بين بارق ورؤاس (٢) فقاتلهم قتالا شديدا. وصاحب لوائه رجل من بني سعد بن بكر يقال له : عبد الصمد.

قال سعيد بن خيثم :

وكنا مع زيد في خمسمائة ، وأهل الشام اثنا عشر ألفا ـ وكان بايع زيدا أكثر من اثني عشر ألفا فغدروا ـ إذ فصل رجل من أهل الشام من كلب على فرس رائع فلم يزل شتما لفاطمة بنت رسول الله (ص) ، فجعل زيد يبكي حتى ابتلت لحيته وجعل يقول : أما أحد يغضب لفاطمة بنت رسول الله (ص)؟ أما أحد يغضب لرسول الله (ص)؟ أما أحد يغضب لله؟ قال : ثم تحول الشامي عن فرسه فركب بغلة. قال : وكان الناس فرقتين نظارة ومقاتلة. قال سعيد : فجئت إلى مولى فأخذت منه مشملا كان معه ، ثم استترت من خلف النظارة حتى إذا صرت من ورائه ضربت عنقه وأنا متمكن منه بالمشمل ، فوقع رأسه بين يدي بغلته ، ثم رميت جيفته عن السرج ، وشد أصحابه عليّ حتى كادوا يرهقونني ، وكبّر أصحاب زيد وحملوا عليهم واستنقذوني ، فركبت فأتيت زيدا فجعل يقبل بين عيني ويقول : أدركت والله ثأرنا ، أدركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرها ، إذهب بالبغلة فقد نفلتكها.

قال (٣) : وجعلت خيل أهل الشام لا تثبت لخيل زيد بن علي. فبعث

__________________

(١) الطبري ٨ / ٢٧٥ وابن الأثير ٥ / ٩٧.

(٢) كذا في الطبري وفي الأصول «وبين دواس».

(٣) ابن الأثير ٥ / ٩٧.

١٣٦

العباس بن سعد إلى يوسف بن عمر يعلمه ما يلقى من الزيدية ، وسأله أن يبعث إليه الناشبة ، فبعث إليه سليمان بن كيسان في القيقانية وهم نجارية ، وكانوا رماة ، فجعلوا يرمون أصحاب زيد. وقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري يومئذ قتالا شديدا ، فقتل بين يدي زيد. وثبت زيد في أصحابه حتى إذا كان عند جنح الليل رمى زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فنزل السهم في الدماغ ، فرجع ورجع أصحابه ، ولا يظن أهل الشام [أنهم](١) رجعوا إلّا للمساء والليل.

* * *

قال أبو مخنف : فحدّثني سلمة بن ثابت ، وكان من أصحاب زيد ، وكان آخر من انصرف عنه هو وغلام لمعاوية بن إسحاق ، قال :

أقبلت أنا وأصحابي نقتفي أثر زيد (٢) فنجده قد دخل بيت حرّان بن أبي كريمة في سكة البريد في دور أرحب وشاكر ، فدخلت عليه [فقلت له جعلني الله فداك أبا الحسين](٣) وانطلق ناس من أصحابه فجاؤا بطبيب يقال له سفيان مولى لبني دواس (٤). فقال له : إنك إن نزعته من رأسك مت.

قال : الموت أيسر عليّ مما أنا فيه.

قال : فأخذ الكلبتين فانتزعه ، فساعة انتزاعه مات صلوات الله عليه.

قال القوم : أين ندفنه؟ وأين نواريه؟

فقال بعضهم نلبسه درعين ، ثم نلقيه في الماء.

وقال بعضهم : لا ، بل نحتز رأسه ، ثم نلقيه بين القتلى.

قال : فقال يحيى بن زيد : لا والله لا يأكل لحم أبي السباع.

وقال بعضهم : نحمله إلى العباسية فندفنه فيها. فقبلوا رأيي.

قال : فانطلقنا فحفرنا له حفرتين وفيها يومئذ ماء كثير ، حتى إذا نحن

__________________

(١) الزيادة من الطبري ٨ / ٢٧٥.

(٢) الطبري ٨ / ٢٧٥ وابن الأثير ٥ / ٩٧.

(٣) الزيادة من الطبري.

(٤) في الطبري «ويقال له شقير مولى لبني رواس» وفي الأصول «دواس».

١٣٧

مكّنّا له دفنّاه ثم أجرينا عليه الماء ، ومعنا عبد سندي. قال سعيد بن خيثم في حديثه : عبد حبشي كان مولى لعبد الحميد الرؤاسي وكان معمر بن خيثم قد أخذ صفقته لزيد ، وقال يحيى بن صالح : هو مملوك لزيد سندي وكان حضرهم. قال أبو مخنف عن كهمس ، قال : كان نبطي يسقي زرعا له حين وجبت الشمس ، فرآهم حيث دفنوه ، فلما أصبح أتى الحكم بن الصلت ، فدلهم على موضع قبره ، فسرح إليه يوسف بن عمر العباس بن سعيد المزني (١). قال أبو مخنف : بعث الحجاج بن القاسم فاستخرجوه على بعير (٢).

قال هشام فحدّثني نصر بن قابوس قال : فنظرت والله إليه حين أقبل به على جمل قد شدّ بالحبال ، وعليه قميص أصفر هروي ، فألقى من البعير على باب القصر فخرّ كأنه جبل. فأمر به فصلب بالكناسة ، وصلب معه معاوية بن إسحاق ، وزياد الهندي ، ونصر بن خزيمة العبسي (٣).

قال أبو مخنف : وحدثني عبيد بن كلثوم : أنه وجه برأس زيد مع زهرة بن سليم ، فلما كان بمضيعة ابن أم الحكم ضربه الفالج ، فانصرف وأتته جائزته من عند هشام.

فحدّثني الحسن بن علي الأدمي ، قال : حدثنا أبو بكر الجبلي ، قال : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن العنبري ، قال : حدثنا موسى بن محمد ، قال : حدثنا الوليد بن محمد الموقري ، قال :

كنت مع الزهري بالرّصافة فسمع أصوات لعابين. فقال لي : يا وليد ، أنظر ما هذا ، فأشرفت من كوّة في بيته فقلت : هذا رأس زيد بن علي ، فاستوى جالسا ثم قال :

أهلك أهل هذا البيت العجلة. فقلت : أو يملكون؟ قال : حدثني علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن فاطمة أن رسول الله (ص) قال لها : المهدي من ولدك.

__________________

(١) في الأصول «بن سعيد المري».

(٢) راجع الطبري ٨ / ٢٧٦.

(٣) المحبر ٤٨٣ والطبري.

١٣٨

قال أبو مخنف : حدثني موسى بن أبي حبيب : أنه مكث مصلوبا إلى أيام الوليد بن يزيد ، فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد إلى يوسف :

«أما بعد. فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل أهل العراق فأحرقه ، وانسفه في اليم نسفا ، والسلام».

فأمر به يوسف ـ لعنه الله ـ عند ذلك خراش بن حوشب (١). فأنزله من جذعه فأحرقه بالنار ، ثم جعله في قواصر ، ثم حمله في سفينة ، ثم ذراه في الفرات.

* * *

حدثني الحسن بن عبد الله ، قال : حدثنا جعفر بن يحيى الأزدي ، قال : حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد المقري ، قال : حدثنا أبو نعيم الملائي عن سماعة بن موسى الطحان ، قال :

رأيت زيد بن علي مصلوبا بالكناسة فما رأى أحد له عورة ، استرسل جلد من بطنه ، من قدامه ومن خلفه حتى ستر عورته.

حدثنا علي بن الحسين ، قال : حدثني الحسين بن محمد بن عفير ، قال : حدثنا أبو حاتم الرازي ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي ، عن جرير بن حازم ، قال : رأيت النبي (ص) في المنام ، وهو متساند إلى جذع زيد بن علي وهو مصلوب ، وهو يقول للناس : «أهكذا تفعلون بولدي».

حدثنا علي بن الحسين ، قال : حدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن بن جعفر ، قال :

قتل زيد بن علي يوم الجمعة في صفر سنة إحدى وعشرين ومائة.

* * *

__________________

(١) راجع الطبري ٨ / ٢٧٨.

١٣٩

(تسمية من عرف ممن خرج مع زيد بن علي)

من أهل العلم ونقلة الآثار والفقهاء

قال علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني : حدثنا علي بن العباس ، ومحمد بن الحسين الأشناني ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا مطلب بن زياد ، عن ليث ، قال :

جاء منصور بن المعتمر يدعو إلى الخروج مع زيد بن علي.

حدثنا علي بن الحسين ، قال : حدثنا أبو عبد الله الصيرفي ، قال : حدثنا فضل بن الحسن المصري ، قال : سمعت أبا نعيم يقول :

أبطأ منصور عن زيد لما بعثه يدعو إليه ، فقتل زيد ومنصور غائب عنه ، فصام سنة يرجو أن يكفّر ذلك عنه تأخره. ثم خرج بعد ذلك مع عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر (١).

* * *

حدثني أحمد بن محمد ، قال : أخبرني الحسين بن هاشم في كتابه إليّ ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن معلى ، قال : حدّثنا عمرو بن عبد الغفار ، عن عبدة بن كثير السراج الجرمي ، قال :

قدم يزيد بن أبي زياد ، مولى بني هاشم ، صاحب عبد الرحمن بن أبي ليلى الرقّة ، يدعو الناس إلى بيعة زيد بن علي ، وكان من دعاة زيد بن علي ، وأجابه ناس من أهل الرقّة ، وكنت فيمن أجابه.

* * *

حدّثنا علي بن الحسين ، قال : حدّثني علي بن العباس ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى ، قال : حدّثنا عبد الله بن مروان بن معاوية ، قال : سمعت محمد بن جعفر بن محمد في دار الإمارة يقول :

رحم الله أبا حنيفة. لقد تحققت مودّته لنا في نصرته زيد بن علي ، وفعل بابن المبارك في كتمانه فضائلنا ، ودعا عليه (٢).

__________________

(١) توفي منصور سنة اثنتين وثلاثين ومائة كما في المعارف ٢٠٩.

(٢) ولد ابن المبارك سنة ثمان عشرة ومائة ، وتوفي سنة إحدى وثمانين ومائة.

١٤٠