مقاتل الطالبيّين

أبي الفرج الاصفهاني

مقاتل الطالبيّين

المؤلف:

أبي الفرج الاصفهاني


المحقق: السيد أحمد صقر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٦٤

قال : ما يدريني أين عيسى ، طلبته وأخفته (١) فهرب منك في البلاد ، وأخذتني فحبستني ، فمن أين أقف على موضع هارب منك وأنا محبوس؟.

فقال له : فأين كان متواريا؟ ومتى آخر عهدك به؟ وعند من لقيته؟.

فقال : ما لقيته منذ توارى ، ولا أعرف له خبرا.

قال : والله لتدلني عليه ، أو لأضربن عنقك الساعة.

قال : اصنع ما بدا لك ، أنا أدلك على ابن رسول الله (ص) لتقتله ، فألقى الله ورسوله وهما يطالباني بدمه ، والله لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت عنه.

قال : اضربوا عنقه. فقدم فضرب عنقه.

ثم دعاني فقال : أتقول الشعر أو ألحقك به.

فقلت : بل أقول الشعر ، فقال : أطلقوه.

قال محمد بن القاسم بن مهرويه ، والبيتان اللذان سمعهما من حاضر في شعره الآن.

قال أبو الفرج :

وقد روى هذا الخبر غير ابن مهرويه بغير هذا الإسناد ، فذكر أن حاضرا كان داعية لأحمد بن عيسى بن زيد ، وان قصته مع أبي العتاهية كانت في أيام الرشيد ، وأن الرشيد قتله بسبب أحمد بن عيسى بن زيد ومطالبته إيّاه بإحضاره أو الدلالة عليه.

والأول عندي أصح.

__________________

(١) في ط وق «وأخفيته».

٣٦١
٣٦٢

أيام موسى الهادي

ابن محمد المهدى بن أبى جعفر المنصور ومن قتل منهم فيها

٣٦٣

٣٦ ـ الحسين بن علي بن الحسن

والحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن

الحسن بن علي بن أبي طالب صاحب فخ (١)

ويكنى أبا عبد الله.

وأمه زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

وأمها هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود (٢).

وهي أخت محمد وإبراهيم وموسى لأبيهم وأمهم.

وكانت زينب ترقص الحسين وهو صغير وأخاه وهو الحسن وتقول :

تعلم يابن زينب وهند

كم لك بالبطحاء من معدّ

من خال صدق ماجد وجدّ

وكان يقال لزينب وزوجها علي بن الحسن : الزوج الصالح ؛ لعبادتهما.

ولما قتل أبو جعفر أباها وأخاها وعمومتها وبنيهم وزوجها كانت تلبس المسوح ، ولا تجعل بين جسدها وبينها شعارا حتى لحقت بالله عزّ وجلّ.

وكانت تندبهم وتبكي حتى يغشى عليها ، ولا تذكر أبا جعفر بسوء تحرجا من ذلك وكراهة لأن تشفي نفسها بما يؤثمها ، ولا تزيد على أن تقول : يا فاطر السموات والأرض ، يا عالم الغيب والشهادة ، الحاكم بين عباده احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين.

حدّثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدّثنا يحيى بن الحسن العلوي ، قال : حدّثنا موسى بن عبد الله بن موسى ، قال : حدّثتني عمتي رقية بنت موسى ، قالت :

ما فارقت عمتي زينب بنت عبد الله درع شقائق حتى لحقت بالله.

__________________

(١) الطبري ١٠ / ٢٤ ـ ٣٢ وابن الأثير ٦ / ٣٢ ـ ٣٤ ومروج الذهب ٢ / ١٨٣ ـ ١٨٤ والفخري ١٧١ وابن كثير ١٠ / ٤٠ والمعارف ١٦٦ والمحبر ٣٧ وشرح شافية أبي فراس ١٦٩.

(٢) الأغاني ١٨ / ٢٠٨.

٣٦٤

قال أبو الفرج الأصبهاني : [شقائق تعني الأمساح](١).

ونبدأ بذكر من قتل معه من أهل بيته حسبما شرطناه في هذا الكتاب ثم نأتي بسياقة خبرهم.

٣٧ ـ سليمان بن عبد الله

فمنهم سليمان بن عبد الله (٢) بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

وأمه عاتكة بنت عبد الملك بن الحرث الشاعر بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم.

وهي التي كلمت أبا جعفر لما حج ، وقالت : يا أمير المؤمنين أيتامك بنو عبد الله بن الحسن فقراء لا شيء لهم ، فردّ عليهم ما قبضه من أموالهم (٣).

* * *

٣٨ ـ الحسن بن محمد

والحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

وأمه أم سلمة بنت محمد بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

ضربت عنقه صبرا بعد وقعة فخ (٤).

* * *

٣٩ ـ عبد الله بن إسحاق

وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

وأمه رقية بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام.

__________________

(١) كذا في الخطية.

(٢) الطبري ١٠ / ٢٨ ، وفي مروج الذهب ٢ / ١٨٣ «أسر سليمان وضربت رقبته بمكة صبرا».

(٣) راجع صفحة ٣٩٦.

(٤) مروج الذهب ٢ / ١٨٣.

٣٦٥

وهو الذي يقال له الجدّي (١) قتل في الوقعة.

* * *

ثم نرجع الخبر الآن إلى أخبار الحسين بن علي بن الحسن صاحب فخ

حدّثني علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (٢) ، وأحمد بن محمد بن سعيد ، قالا : حدّثنا الحسين بن الحكم ، وقال : حدّثنا الحسن بن الحسن ، قال : حدّثنا الحكم بن جامع الثّمالي ، عن الحسين بن زيد ، قال : حدّثتني أمي ريطة بنت عبد الله بن محمد الحنفية عن زيد ، قال : وكان الحسين بن زيد يسميها أمي ولم تكن أمه (٣) ، إنما كانت أم أخيه يحيى بن زيد ، عن زيد بن علي ، قال :

انتهى رسول الله (ص) إلى موضع فخ فصلّى بأصحابه صلاة الجنازة ثم قال : يقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين ، ينزل لهم بأكفان وحنوط من الجنة ، تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة.

وذكر من فضلهم أشياء لم تحفظها ريطة.

أخبرني علي (٤) بن العباس المقانعي :

قال : [حدّثني علي بن إبراهيم ، قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم المقري ، قال : حدّثنا الحسن بن علي الأسدي](٥).

قال : حدّثنا الحسن بن عبد الواحد ، قال : حدّثني عبد الرحمن بن القاسم بن إسماعيل ، قال : حدّثنا الحسين بن المفضل العطار ، قال : حدّثنا محمد بن فضيل ، عن محمد بن إسحاق ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال :

مرّ النبي (ص) بفخ فنزل فصلّى ركعة ، فلما صلّى الثانية بكى وهو في

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ١٨٣.

(٢) في ط وق «... أبي طالب الحوابي» وصوابها «الجواني» نسبة إلى قرية من قرى المدينة تسمى «جوانية».

(٣) كانت أمه أم ولد كما في المعارف ص ٩٥.

(٤) في ط وق «يحيى بن العباس».

(٥) الزيادة من الخطية.

٣٦٦

الصلاة ، فلما رأى الناس النبي (ص) يبكي بكوا ، فلما انصرف قال : ما يبكيكم؟ قالوا : لما رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله ، قال : نزل عليّ جبريل لمّا صلّيت الركعة الأولى فقال : يا محمد إن رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان ، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين.

حدّثني أحمد بن محمد بن سعيد ، وعلي بن إبراهيم العلوي ، قالا : حدّثنا الحسين بن الحكم ، قال : حدّثنا الحسن بن الحسين ، قال : حدّثنا النضر بن قرواش (١) ، قال :

أكريت جعفر بن محمد من المدينة إلى مكة ، فلما ارتحلنا من بطن مرّ ، قال لي : يا نضر إذا انتهيت إلى فخ فأعلمني ، قلت : أولست تعرفه؟ قال : بلى! ولكن أخشى أن تغلبني عيني. فلما انتهينا إلى فخ دنوت من المحمل ، فإذا هو نائم فتنحنحت فلم يتنبه ، فحركت المحمل فجلس ، فقلت : فقد بلغت ، فقال. حلّ محملي ، فحللته ثم قال : صل القطار ، فوصلته ثم تنحيت به عن الجادة ؛ فأنخت بعيره فقال : ناولني الإداوة والرّكوة ، فتوضأ وصلّى ثم ركب فقلت له : جعلت فداك ، رأيتك قد صنعت شيئا أفهو من مناسك الحج؟ قال : لا ، ولكن يقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة.

حدّثني أحمد بن سعيد ، قال : حدّثنا الحسين بن الحكم ، قال : حدّثنا الحسن بن الحسين [بن جامع عن موسى بن عبد الله بن الحسن](٢) ، قال :

حججت مع أبي فلما انتهينا إلى فخ أناخ محمد بن عبد الله بعيره فقال لي أبي : قل له يثير بعيره ، فقلت له ، فأثاره ثم قلت لأبي : يا أبة لم كرهت له هذا؟ قال : إنه يقتل في هذا الموضع رجل من أهل بيتي يتعاوى عليه الحاج ، فنفست أن يكون هو.

حدّثني علي بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدّثنا

__________________

(١) في الخطية «حدثنا نصر بن قرواش» راجع إتقان المقال ص ٢٣٩.

(٢) الزيادة من الخطية.

٣٦٧

علي بن صاعد ، قال : حدّثنا حسن بن محمد المولى (١).

قال : حدّثنا علي بن الحسين الحضرمي ، قال : سمعت الحسن بن هذيل ، يقول :

بعت لحسين بن علي صاحب فخ حائطا (٢) بأربعين ألف دينار ، فنثرها على بابه ، فما دخل إلى أهله منها حبة ، كان يعطيني كفّا كفّا فأذهب به إلى فقراء أهل المدينة.

حدثني علي بن إبراهيم الجواني (٣) قال : حدّثنا الحسن بن [علي بن](٤) هاشم قال : حدّثنا علي بن إبراهيم مؤذن مسجد الأشتر ، قال : حدّثني الحسن ابن هذيل ، قال :

قال لي الحسين صاحب فخ : اقترض لي أربعة آلاف درهم ، فذهبت إلى صديق لي فأعطاني ألفين وقال لي : إذا كان غد (٥) فتعال حتى أعطيك ألفين ، فجئت فوضعتها تحت حصير كان يصلي عليه ، فلما كان من الغد أخذت الألفين الأخريين ثم جئت أطلب الذي وضعته تحت الحصير فلم أجده ، فقلت له : يابن رسول الله ، ما فعل الألفان؟ قال : لا تسأل عنهما ، فأعدت فقال : تبعني رجل أصفر من أهل المدينة فقلت : ألك حاجة؟ فقال : لا ولكني أحببت أن أصل جناحك فأعطيته إيّاها ، أما اني أحسبني ما أجرت على ذلك لأني لم أجد لها حبّا (٦) ، وقال الله عزّ وجلّ : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(٧).

حدّثنا علي بن إبراهيم ، قال : حدّثنا جعفر بن محمد ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : أخبرني يحيى بن سليمان ، قال :

اشترى لحسين بن علي صاحب فخ ثوبان فكسا أبا حمزة ، وكان يخدمه ،

__________________

(١) كذا في الخطية وفي ط وق «حدثني علي بن العباس قال حدثنا الحسن بن عبد الواحد».

(٢) في ق «بعث ... مائطا».

(٣) في النسخ «الحوابي» راجع إتقان المقال ٨٩.

(٤) الزيادة من الخطية.

(٥) في ط وق «حسنا».

(٦) الزيادة من الخطية.

(٧) سورة آل عمران ٩٢.

٣٦٨

ثوبا منها ، وارتدى هو بثوب ، فأتاه سائل وهو ذاهب إلى المسجد فسأله ، فقال : أعطه يا أبا حمزة ثوبك ، قال : فقلت له : أمشي بغير رداء. فلم يزل بي حتى أعطيته ، ثم مشى السائل معه حتى إذا أتى منزله نزع رداءه وقال ائتزر برداء أبي حمزة وارتد بهذا ، فتبعته فاشتريت الثوبين منه بدينارين وأتيته بهما ، فقال : بكم اشتريتهما؟ قلت : بدينارين ، فأرسل إلى السائل يدعوه ، فقلت له : امرأتي طالق إن رددتهما عليه أو دعوته ، فحين حلفت تركه.

حدثني علي بن إبراهيم (١) ، قال : حدّثنا جعفر بن أحمد ، قال : حدّثني هاشم بن قريش ، قال :

أتى رجل الحسين بن علي صاحب فخ فسأله ، فقال : ما عندي شيء أعطيكه ولكن اقعد فإن حسنا أخي يجيء فيسلم عليّ فإذا جاء فقم فخذ الحمار ، فلم يكن أسرع من أن جاء الحسن فنزل عن الحمار وقاده الغلام ، وكان الحسن مكفوفا فأشار الحسين إلى الرجل أن قم فخذ الحمار ، فجاء إليه ليأخذه فمنعه الغلام ، فأشار إليه الحسين أن يدفعه إليه فدفعه إليه ، فمضى الرجل وقعد الحسن عنده فتحدث ما شاء الله ثم وثب فقال يا غلام قدم الحمار ، فقال : جعلت فداك ، أمرني أخوك أن أدفعه إلى رجل فدفعته إليه ، فأدار وجهه إلى أخيه وقال : جعلت فداك ، أعرت أم وهبت؟ بل والله ما أرى مثلك يعير ، يا غلام قدني.

حدّثني علي بن إبراهيم ، قال : حدّثنا الحسن بن علي بن هشام ، قال : حدّثنا محمد بن مروان ، قال : حدّثني حمدون القرا (٢) ، قال :

ركب الحسين بن علي صاحب فخ دين كثير فقال لغرمائه : الحقوني إلى باب المهدي ، وخرج فجاء إلى باب المهدي فقال لآذنه : ابن عمك الينبعي (٣) على الباب ، قال : وكان راكبا على جمل ، فقال له ويلك ، أدخله على جمله ،

__________________

(١) في الخطية «حدثني علي قال حدثني محمد بن إبراهيم».

(٢) في الخطية «حدثنا الفرا».

(٣) في ط وق «البليفي».

٣٦٩

فأدخله حتى أناخه في وسط الدار ، فوثب المهدي فسلّم عليه وعانقه وأجلسه إلى جنبه ، وجعل يسأله عن أهله ، ثم قال : يابن عم ، ما جاء بك؟ قال : ما جئت وورائي أحد يعطيني درهما ، قال : أفلا كتبت إلينا ، قال : أحببت أن أحدث بك عهدا ، فدعا المهدي ببدرة دنانير ، وبدرة من دراهم ، وتخت من ثياب حتى دعا له بعشر بدر دنانير ، وعشر بدر دراهم وعشرة تخوت فدفعها إليه ، وخرج فطرح ذلك في دار ببغداد ، وجاء غرماؤه فكان يقول للواحد : كم لك علينا؟ فيقول : كذا وكذا ، فيزن له ، ثم يدخل يده في تلك الدراهم والدنانير فيقول : هذا صلة منّا لك ، فلم يزل حتى لم يبق من ذلك المال إلّا شيء يسير ، ثم انحدر إلى الكوفة يريد المدينة فنزل قصر ابن هبيرة في خان ، فقيل لصاحب الخان : هذا رجل من ولد رسول الله (ص) ، فأخذ له سمكا فشواه وجاء به ومعه رقاق وقال له : لم أعرفك يابن رسول الله ، فقال لغلامه : كم بقي معك من ذلك المال؟ قال : شيء يسير والطريق بعيد ، قال : إدفعه إليه ، فدفعه إليه.

حدّثنا علي بن إبراهيم العلوي ، قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم المقري (١) ، قال : حدّثنا جعفر بن محمد ، قال : حدّثني إسماعيل بن إبراهيم الواسطي قال :

جاء رجل إلى الحسين بن علي صاحب فخ فسأله فلم يكن عنده شيء فأقعده ، وبعث إلى أهل داره من أراد أن يغسل ثيابه فليخرجها ، فأخرجوا ثيابهم ليغسلوها (٢) فلما اجتمعت قال للرجل : خذها (٣).

حدثني علي بن إبراهيم ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن هاشم ، قال : حدثنا القاسم بن خليفة الخزاعي ، قال :

عاتب رجل الحسن بن علي صاحب فخ في سنة تسع وستين ومائة وقال :

__________________

(١) في الخطية «حدثنا علي قال حدثني محمد بن إبراهيم قال».

(٢) كذا في الخطية ، وفي ط «إلى أهل داره أن يغسل ثيابه فليخرجها فأخرجوا ثيابه ليغسلوها». وفي ق «إلى أهل داره أن يغسل ثيابه فأخرجوا ثيابه ليغسلوها فلما اجتمعت فليخرجها فأخرجوا ثيابه ليغسلوها».

(٣) في ط «غابت دخيل الحسين» وفي هامشها «رجل» وفي ق «غابت رجل وخيل الحسين».

٣٧٠

عليك (١) دين سبعون ألف دينار فقال (٢) أخذت من المزرفن يعني المقير (٣) زيتا بألف دينار فجعل الرجل يجيئني والمرأة فأعطيها الزق والزقين حتى لم يبق شيء ، ثم قلت له : ما أخذه منك فلان من شيء فاحسبه عليّ ، فأخذ منه عشرة آلاف ، فكنت أقول له ما هذا؟.

حدّثني علي بن إبراهيم ، قال حدثنا أحمد بن حمدان بن إدريس ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن أبي العلاء ، قال : حدثني كردي بن يحيى ، عن الحسن بن هذيل ، قال :

كنت أصحب الحسين بن علي صاحب فخ فقدم إلى بغداد فباع ضيعه له بتسعة آلاف دينار ، فخرجنا فنزلنا سوق أسد فبسط لنا على باب الخان ، فأتى رجل معه سلة فقال له : مرّ الغلام يأخذ مني هذه السلة ، فقال له : وما أنت؟ قال : أنا أصنع الطعام الطيّب فإذا نزل هذه القرية رجل من أهل المروءة أهديته إليه ، قال : يا غلام خذ السلة منه ، وعد إلينا لتأخذ سلّتك ، قال : ثم أقبل علينا رجل عليه ثياب رثة فقال : أعطوني مما رزقكم الله ، فقال لي الحسين : ادفع إليه السلة ، وقال له : خذ ما فيها وردّ الإناء ، ثم أقبل عليّ وقال : إذا رد السائل السلة فادفع إليه خمسين دينارا ، وإذا جاء صاحب السلة فادفع إليه مائة دينار ، فقلت إبقاء مني عليه (٤) : جعلت فداك ، بعت عينا لك لتقضي دينا عليك فسألك سائل فأعطيته طعاما هو مقنع له ، فلم ترض حتى أمرت له بخمسين دينار ، وجاءك رجل بطعام لعلّه يقدر فيه دينارا أو دينارين ، فأمرت له بمائة دينار. فقال : يا حسن إن لنا ربّا يعرف الحسنات ، إذا جاء السائل فادفع له مائة دينار ، وإذا جاء صاحب السلة فادفع إليه مائتي دينار ، والذي نفسي بيده إني لأخاف أن لا يقبل مني ؛ لأن الذهب والفضة والتراب عندي بمنزلة واحدة.

(ذكر مقتله رضوان الله عليه ورحمته)

حدثني به جماعة من الرواة منهم : أحمد بن عبيد الله [بن محمد] بن عمّار

__________________

(١) في ط وق «عليك دين تسعون ألف دينار».

(٢) كذا في الأصول.

(٣) في ط وق «أخذت من المزربة لي يعني المعين».

(٤) في ط وق «أنفامني».

٣٧١

[الثقفي](١) وعلي بن إبراهيم العلوي ، وغيرهما ممن كتبت الشيء عنه من أخباره متفرقا ، أو رواه لي مجتمعا ، قال : أحمد بن عبيد الله بن عمّار ، قال : حدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن أبيه ، قال ، وحدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ ، وعمر بن شبّة (٢) النميري ، عن أبيه ، قال ، وحدثني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور ، ونسخت أيضا من أخباره ما وجدته بخط أحمد بن الحرث الخرّاز. وحدثنا علي بن العباس المقانعي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن المزني ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن بن مروان ، قال : قرأ عليّ هذه الأخبار عبد العزيز بن عبد الملك الهاشمي ، قال علي بن إبراهيم ، قال الحسن بن محمد المزني ، حدثني علي بن محمد بن إبراهيم ، عن بكر بن صالح ، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري ، وقد دخل حديث بعضهم في حديث الباقين ، وأحدهم يأتي بالشيء لا يأتي به الآخر ، وقد أثبتّ جميع رواياتهم في ذلك ، إلّا ما لعلّه أن يخالف المعنى خلافا بعيدا فأفرده ، قالوا (٣) :

كان سبب خروج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ان موسى الهادي ولّى المدينة إسحاق بن عيسى بن علي ، فاستخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز بن عبد الله (٤) ، فحمل على الطالبيين وأساء إليهم ، وأفرط في التحامل عليهم ، وطالبهم بالعرض كل يوم ، وكانوا يعرضون في المقصورة ، وأخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه ونسيبه فضمن الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله بن الحسن ، الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن ، ووافى أوائل الحاج ، وقدم من الشيعة نحو من سبعين رجلا ، فنزلوا دار ابن أفلح بالبقيع وأقاموا بها ، ولقوا حسينا

__________________

(١) الزيادة من الخطية.

(٢) في الخطية «وعمر بن شبت».

(٣) الطبري ١٠ / ٢٤ ، وابن الأثير ٦ / ٣٢.

(٤) في الطبري «كان إسحاق بن عيسى بن علي على المدينة ، فلمات مات المهدي واستخلف موسى شخص إسحاق وافدا إلى العراق إلى موسى ، واستخلف على المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. وذكر الفضل بن إسحاق الهاشمي أن إسحاق بن عيسى بن علي استعفى الهادي وهو على المدينة واستأذنه في الشخوص إلى بغداد فأعفاه وولى مكانه عمر بن عبد العزيز ...».

٣٧٢

وغيره ، فبلغ ذلك العمري فأنكره ، وكان قد أخذ قبل ذلك الحسن بن محمد بن عبد الله ، وابن جندب الهذلي الشاعر ، ومولى لعمر بن الخطاب (١) ، وهم مجتمعون ، فأشاع أنه وجدهم على شراب ، فضرب الحسن ثمانين سوطا ، وضرب ابن جندب خمسة عشر سوطا ، وضرب مولى عمر سبعة أسواط ، وأمر بأن يدار بهم في المدينة مكشفي الظهور ليفضحهم. فبعثت إليه الهاشمية صاحبة الراية السوداء في أيام محمد بن عبد الله فقالت له : لا ولا كرامة لا تشهر أحدا من بني هاشم وتشنع عليهم وأنت ظالم. فكفّ عن ذلك وخلّي سبيلهم.

رجع الحديث إلى خبر الحسين.

قالوا : فلما اجتمع النفر من الشيعة في دار بن أفلح أغلظ العمري أمر العرض ، وولّى على الطالبيين رجلا يعرف بأبي بكر بن عيسى الحائك مولى الأنصار ، فعرضهم يوم جمعة فلم يأذن لهم بالانصراف حتى بدأ أوائل الناس يجيئون إلى المسجد ، ثم أذن لهم فكان قصارى أحدهم أن يغدو ويتوضأ للصلاة ويروح إلى المسجد ، فلما صلّوا حبسهم في المقصورة إلى العصر ، ثم عرضهم فدعا باسم الحسن بن محمد فلم يحضر ، فقال ليحيى والحسين بن علي : لتأتياني به أو لأحبسنكما فإن له ثلاثة أيّام لم يحضر العرض ولقد خرج أو تغيّب ، فرادّه بعض المرادّة وشتمه يحيى ، وخرج فمضى ابن الحائك هذا فدخل على العمري فأخبره فدعا بهما فوبخهما وتهددهما ، فتضاحك الحسين في وجهه وقال : أنت مغضب يا أبا حفص.

فقال له العمري : أتهزأ بي وتخاطبني بكنيتي؟.

فقال له : قد كان أبو بكر وعمر ، وهما خير منك ، يخاطبان بالكنى فلا ينكران ذلك ، وأنت تكره الكنية وتريد المخاطبة بالولاية.

فقال له : آخر قولك شر من أوله.

فقال : معاذ الله ، يأبى الله لي ذلك ومن أنا منه.

فقال له : أفأنما أدخلتك إليّ لتفاخرني وتؤذيني؟ فغضب يحيى بن عبد الله

__________________

(١) في الطبري ١٠ / ٢٥ «وعمر بن سلام مولى آل عمر».

٣٧٣

فقال له : فما تريد منا؟.

فقال : أريد أن تأتياني بالحسن بن محمد.

فقال : لا نقدر عليه ، هو في بعض ما يكون فيه الناس ، فابعث إلى آل عمر بن الخطاب فاجمعهم كما جمعتنا ، ثم اعرضهم رجلا رجلا ، فإن لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة الحسن عنك فقد أنصفتنا ، فحلف على الحسين بطلاق امرأته وحرية مماليكه أنه لا يخلي عنه أو يجيئه به في باقي يومه وليلته ، وأنه إن لم يجيء به ليركبن إلى سويقه فيخربها ويحرقها ، وليضربن الحسين ألف سوط ، وحلف بهذه اليمين إن وقعت عينه على الحسن بن محمد ليقتلنه من ساعته.

فوثب يحيى مغضبا فقال له : أنا أعطي الله عهدا ، وكل مملوك لي حر إن ذقت الليلة نوما (١) حتى آتيك بالحسن بن محمد أو لا أجده ، فأضرب عليك بابك حتى تعلم أني قد جئتك. وخرجا من عنده وهما مغضبان ، وهو مغضب ، فقال الحسين ليحيى بن عبد الله : بئس لعمر الله ما صنعت حين تحلف لتأتينه به ، وأين تجد حسنا؟.

قال : لم أرد أن آتيه بالحسن والله ، وإلّا فأنا نفي من رسول الله (ص) [ومن علي عليه السلام] بل أردت إن دخل عيني نوم حتى أضرب عليه بابه ومعي السيف ، إن قدرت عليه قتلته.

فقال له الحسين : بئسما تصنع تكسر علينا أمرنا.

قال له يحيى : وكيف أكسر عليك أمرك ، وإنما بيني وبين ذلك عشرة أيام حتى تسير إلى مكة ، فوجه الحسين إلى الحسن بن محمد فقال : يابن عمي ، قد بلغك ما كان بيني وبين هذا الفاسق ، فامض حيث أحببت.

فقال الحسن : لا والله يابن عمي ، بل أجيء معك الساعة حتى أضع يدي في يده.

__________________

(١) في الخطية «إن وقت الليلة يوما».

٣٧٤

فقال له الحسين : ما كان الله ليطلع عليّ وأنا جاء إلى محمد (ص) وهو خصمي وحجيجي في دمك ، ولكن أقيك بنفسي لعلّ الله أن يقيني من النار.

قال : ثم وجه ، فجاءه يحيى ، وسليمان ، وإدريس ، بنو عبد الله بن الحسن ، وعبد الله بن الحسن الأفطس ، وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا وعمر بن الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين بن الحسن ، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي ، وعبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ووجّهوا إلى فتيان من فتيانهم ومواليهم ، فاجتمعوا ستة وعشرين رجلا من ولد علي ، وعشرة من الحاج ، ونفر من الموالي. فلما أذّن المؤذن للصبح دخلوا المسجد ثم نادوا : «أحد ، أحد» وصعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي (ص) عند موضع الجنائز فقال للمؤذن : أذّن بحيّ على خير العمل ، فلما نظر إلى السيف في يده أذّن بها وسمعه العمري فأحس بالشرودهش ، وصاح : أغلقوا (١) البغلة الباب وأطعموني حبتي ماء.

قال علي بن إبراهيم في حديثه : فولده [إلى] الآن بالمدينة يعرفون ببني حبتي ماء.

قالوا : ثم اقتحم إلى دار عمر بن الخطاب وخرج في الزقاق المعروف بزقاق عاصم بن عمر ، ثم مضى هاربا على وجهه يسعى ويضرط حتى نجا ، فصلى الحسين بالناس الصبح ودعا بالشهود العدول الذين كان العمري أشهدهم عليه أن يأتي بالحسن إليه ، ودعى بالحسن وقال للشهود : هذا الحسن قد جئت به فهاتوا العمري وإلّا والله خرجت من يميني ومما عليّ.

ولم يتخلف عنه أحد من الطالبيين إلّا الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن ، فإنه استعفاه فلم يكرهه. وموسى بن جعفر بن محمد. فحدثني علي بن إبراهيم العلوي ، قال : حدثني حمدان بن إبراهيم ، قال : حدثنا يحيى بن الحسين بن الفرات ، قال : حدثني عنيزة القصباني ، قال :

رأيت موسى بن جعفر بعد عتمة وقد جاء إلى الحسين صاحب فخ ، فانكب عليه شبه الركوع وقال : أحب أن تجعلني في سعة وحل من تخلفي عنك ، فأطرق

__________________

(١) في ط وق «اعلفوا».

٣٧٥

الحسين طويلا لا يجيبه ، ثم رفع رأسه إليه فقال : أنت في سعة.

حدثني علي بن إبراهيم ، قال : حدثني جعفر بن محمد الفزاري ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا عنيزة القصباني (١)(٢) بهذا :

رجع الحديث إلى حيث انتهى من قصصهم.

قال : وقال الحسين لموسى بن جعفر في الخروج فقال له : إنك مقتول فأحدّ الضراب فإن القوم فسّاق يظهرون إيمانا ، ويضمرون نفاقا وشركا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وعند الله عز وجل أحتسبكم من عصبة.

قال : وخطب الحسين بن علي بعد فراغه من الصلاة فحمد الله وأثنى عليه وقال :

أنا ابن رسول الله ، على منبر رسول الله ، وفي حرم رسول الله ، أدعوكم إلى سنة رسول الله (ص) (٣).

أيّها الناس : أتطلبون آثار رسول الله في الحجر والعود ، وتتمسحون بذلك ، وتضيعون بضعة منه!

فقال الراوي للحديث : فقلت في نفسي قولا أسره : إنا لله ما صنع هذا بنفسه. قال: وإلى جنبي عجوز مدنية فقالت : اسكت ويلك ، ألابن رسول الله تقول هذا؟

قلت : يرحمك الله والله ما قلت هذا إلّا للإشفاق عليه.

قالوا : فأقبل خالد البربري (٤) وكان مسلحة للسلطان بالمدينة في السلاح (٥) ومعه أصحابه حتى وافوا باب المسجد الذي يقال له : باب جبرائيل ، فنظرت إلى يحيى بن عبد الله قد قصده وفي يده السيف فأراد خالد أن ينزل فبدره يحيى فضربه

__________________

(١) في الخطية «حدثني عمرة القضاعي».

(٢) في الخطية : «القصابي».

(٣) في الطبري ١٠ / ٣١ «أدعوكم إلى كتاب الله ، وسنة نبيه (ص) ؛ فإن لم أف لكم بذلك فلا بيعة لي في أعناقكم».

(٤) هذا في الطبري ، وفي ط «حماد البربري» وفي ق «حماد البريدي».

(٥) في الطبري ١٠ / ٢٦ «وأقبل خالد البربري وهو يومئذ على الصوافي بالمدينة قائد على مائتين من الجند مقيمين بالمدينة».

٣٧٦

على جبينه ، وعليه البيضة والمغفر والقلنسوة ، فقطع ذلك كلّه وأطار قحف رأسه ، وسقط عن دابته ، وحمل على أصحابه فتفرقوا وانهزموا (١).

وحج في تلك السنة مبارك التركي فبدأ بالمدينة للزيارة فبلغه خبر الحسين فبعث إليه من الليل : إني والله ما أحب أن تبتلى بي ولا أبتلي بك (٢) ، فبعث الليلة إليّ نفرا من أصحابك ولو عشرة يبيتون عسكري حتى أنهزم واعتل بالبيات ، ففعل ذلك الحسين ، ووجه عشرة من أصحابه فجعجعوا بمبارك وصيّحوا في نواحي عسكره ، فطلب دليلا يأخذ به غير الطريق فوجده فمضى به حتى انتهى إلى مكة (٣).

وحج في تلك السنة العباس بن محمد ، وسليمان بن أبي جعفر ، وموسى بن عيسى (٤) ، فصار مبارك معهم ، واعتل عليهم بالبيات.

وخرج الحسين بن علي قاصدا إلى مكة ومعه من تبعه من أهله ومواليه وأصحابه وهم زهاء ثلثمائة ، واستخلف على المدينة دنيار الخزاعي ، فلما قربوا من مكة فصاروا بفخ وبلدح(٥) تلقتهم الجيوش ، فعرض العباس على الحسين الأمان والعفو والصلة فأبى ذلك أشد الإباء.

قال الحسن بن محمد : وحدثني سليمان بن عبّاد ، قال :

لما أن رأى الحسين المسودة أقعد رجلا على جمل ، معه سيف يلوّح به ، والحسين يملي عليه حرفا حرفا يقول : نادي ، فنادى :

يا معشر الناس ، يا معشر المسودة ، هذا الحسين بن رسول الله (ص) ، وابن عمه ، يدعوكم إلى كتاب الله وسنّة رسول الله (ص).

قال الحسن : وحدثني محمد بن مروان عن أرطاة ، قال :

__________________

(١) الطبري ١٠ / ٣٠.

(٢) في الطبري ١٠ / ٢١ «... أن مباركا التركي أرسل إلى حسين بن علي : والله لأن أسقط من السماء فتخطفني الطير ، أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أيسر عليّ من أن أشوكك بشوكة ، أو أقطع من رأسك شعرة ، ولكن لا بد من الاعذار فبيتني فإني منهرم عنك ، فأعطاه بذلك عهد الله وميثاقه ...».

(٣) ومن أجل ذلك غضب الهادي على مبارك التركي وأخذ أمواله ، وجعله سائس الدواب. فبقي كذلك حتى مات الهادي ، راجع الطبري ١٠ / ٣٠ وابن الأثير ٦ / ٣٣.

(٤) الطبري ١٠ / ٢٧.

(٥) في القاموس : «وبلدح واد قبل مكة».

٣٧٧

لما كانت بيعة الحسين بن علي صاحب فخ قال :

أبايعكم على كتاب الله ، وسنّة رسول الله ، وعلى أن يطاع الله ولا يعصى ، وأدعوكم إلى الرضا من آل محمد ، وعلى أن نعمل فيكم بكتاب الله وسنّة نبيه (ص) ، والعدل في الرعية ، والقسم بالسّوية ، وعلى أن تقيموا معنا ، وتجاهدوا عدوّنا ، فإن نحن وفينا لكم وفيتم لنا ، وإن نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم.

قال الحسن بن محمد في حديثه : فحدثني كثير عن إسحاق بن إبراهيم ، قال : سمعت الحسن ليلة جمعة ونحن ببطن مرّ ، ولقينا عبيد بن يقطين ، ومفضل الوصيف وهما في سبعين فارسا ، والحسين راكب على حمار إدريس بن عبد الله وهو يقول :

يا أهل العراق ، إن خصلتين إحداهما الجنة لشريفتان ، والله لو لم يكن معي غيري لحاكمتكم إلى الله عزّ وجلّ حتى ألحق بسلفي.

رجع الحديث إلى أوله. (١)

قال : ولقيته الجيوش بفخ وقادها : العباس بن محمد ، وموسى بن عيسى ، وجعفر ومحمد ابنا سليمان ، ومبارك التركي ، ومنارة ، والحسن الحاجب ، والحسين بن يقطين ، فالتقوا في يوم التروية وقت صلاة الصبح ، فأمر موسى بن عيسى بالتعبئة ، فصار محمد بن سليمان في الميمنة ؛ وموسى في الميسرة ، وسليمان بن أبي جعفر ، والعباس بن محمد في القلب (٢).

فكان أول من بدأهم موسى فحملوا عليه فاستطرد لهم شيئا حتى انحدروا في الوادي ، وحمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم ، فطحنهم طحنة واحدة حتى قتل أكثر أصحاب الحسين. وجعلت المسودة تصيح للحسين : يا حسين ، لك الأمان فيقول : ما أريد الأمان ، ويحمل عليهم حتى قتل.

وقتل معه سليمان بن عبد الله بن الحسن ، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن.

__________________

(١) الطبري ١٠ / ٢٩.

(٢) الطبري ١٠ / ٢٨.

٣٧٨

وأصابه الحسن بن محمد بنشابة في عينه وتركها في عينه (١) ، وجعل يقاتل أشد القتال ، فناداه محمد بن سليمان : يابن خال ، اتق الله في نفسك ولك الأمان.

فقال : والله ما لكم أمان ، ولكني أقبل منكم ، ثم كسر سيفا هنديّا كان في يده ، ودخل إليهم ، فصاح العباس بن محمد بابنه عبد الله : قتلك الله إن لم تقتله ، أبعد تسع جراحات تنتظر هذا؟.

فقال له موسى بن عيسى : إي والله عاجلوه! فحمل عليه عبيد الله فطعنه ، وضرب العباس بن محمد عنقه بيده صبرا ، ونشبت الحرب بين العباس بن محمد ، ومحمد بن سليمان ، وقال : أمّنت ابن خالي فقتلتموه ، فقالوا : نحن نعطيك رجلا من العشيرة تقتله مكانه.

وذكر أحمد بن الحرث في روايته :

أن موسى بن عيسى هو الذي ضرب عنق الحسن بن محمد.

قال أحمد بن الحرث : وحدثني يزيد بن عبد الله الفارسي ، قال :

كان حماد التركي ممن حضر وقعة فخ ، فقال للقوم : أروني حسينا ، فأروه إيّاه ، فرماه بسهم فقتله ، فوهب له محمد بن سليمان مائة ألف درهم ومائة ثوب.

قالوا : وغضب موسى على مبارك التركي لانهزامه عن الحسين وحلف ليجعلنه سائسا.

وغضب على موسى في قتله الحسن بن محمد صبرا ، وقبض أموالهم (٢).

وكان يقول : متى توافي فاطمة أخت الحسين بن علي؟ والله لأطرحنها إلى السّوّاس ، فمات قبل أن يوافي بها (٣).

حدثني علي بن إبراهيم العلوي ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن هاشم ، قال : حدثني محمد بن منصور ، عن القاسم بن إبراهيم ، عمن ذكره ، قال :

رأيت الحسين صاحب فخ وقد دفن شيئا ، فظننت أنه شيء له مقدار ، فلما

__________________

(١) في الخطية : «وأصابت الحسن بن عبد الله نشابة ... فتركها».

(٢) الطبري ١٠ / ٢٩.

(٣) في الطبري ١٠ / ٢٨ «وأخذت أخت الحسين وكانت معه فصيرت عند زينب بنت سليمان».

٣٧٩

كان من أمره ما كان ، نظرنا فإذا هو قطعة من جانب قد قطع فدفنه ثم عاد فكّر عليهم.

قال الحسن : وحدثني محمد بن منصور ، قال : حدثني مصفى بن عاصم ، قال : حدثني سليمان بن إسحاق القطان ، قال : حدثني أبو العرجا الجمال (١) :

أن موسى بن عيسى دعاه فقال له : أحضرني جمالك. قال : فجئته بمائة جمل ذكر ، فختم أعناقها ، وقال : لا أفقد منها وبرة إلّا ضربت عنقك ، ثم تهيأ للمسير إلى الحسين صاحب فخ ، فسار حتى أتينا بستان بني عامر فنزل فقال لي : إذهب إلى عسكر الحسين حتى تراه وتخبرني بكل ما رأيت. فمضيت فدرت فما رأيت خللا ولا فللا ، ولا رأيت إلّا مصليا أو مبتهلا ، أو ناظرا في مصحف أو معدا للسلاح قال : فجئته فقلت : ما أظن القوم إلّا منصورين. فقال : وكيف ذاك يابن الفاعلة؟ فأخبرته فضرب يدا على يد وبكى حتى ضننت أنه سينصرف ثم قال : هم والله أكرم عند الله ، وأحق بما في أيدينا منا ، ولكن الملك عقيم ، ولو أن صاحب القبر ـ يعني النبي (ص) ـ نازعنا الملك ضربنا خيشومه بالسيف ، يا غلام ، اضرب بطبلك. ثم سار إليهم ، فو الله ما انثنى عن قتلهم.

رجع الحديث إلى حيث انقطع.

قالوا : جاء الجند بالرؤوس (٢) إلى موسى ، والعباس ، وعندهم جماعة من ولد الحسن والحسين ، فلم يتكلم أحد منهم بشيء إلّا موسى بن جعفر فقال له : هذا رأس الحسين.

قال : نعم إنا لله وإنا إليه راجعون ، مضى والله مسلما صالحا صوّاما قوّاما آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثله. فلم يجيبوه بشيء.

قال : وحملت الأسرى إلى موسى الهادي ، وفيهم العذافر الصيرفي ، وعلي بن سابق القلانسي ، ورجل من ولد الحاجب بن زرارة ، فأمر بهم فضربت أعناقهم (٣) ،

__________________

(١) كذا في الخطية ، وفي ط وق «أبو القرنا الجمال».

(٢) في الطبري ١٠ / ٢٨ «واحتزت الرؤوس فكانت مائة رأس ونيفا فيها رأس سليمان بن عبد الله بن حسن ، وذلك يوم التروية».

(٣) في الطبري ١٠ / ٢٩ «وامر بقتل عذافر الصيرفي ، وعلي بن السابق الفلاس الكوفي ، وأن يصلبا ، فصلبوهما بباب الجسر».

٣٨٠