نفح الطّيب - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٠

بتلك الطلعة العليا ، وإن سأل سيدي عن أخبار دمشق المحروسة ، دامت ربوعها المأنوسة ، فهي ولله الحمد منتظمة الأحوال ، أمنها الله من الشرور والأهوال ، ولم يتجدد من الأخبار ما نعلم به ذلكم الجناب ، لا زال ملحوظا بعين عناية رب الأرباب ، وأنا أسأل الله تعالى أن يصون جوهر تلك الذات من عوارض الحدثان ، وأن يحمي تلك الحضرة العلية من طوارق حكم الدوران. [بحر البسيط]

آمين آمين لا أرضى بواحدة

حتى أضيف إليها ألف آمينا

وهذا دعاء للبرية شامل (١) ـ العبد الداعي ، بجميع البواعث والدواعي ، تاج الدين المحاسني ، عفا الله تعالى عنه! انتهى.

وبالهامش ما صورته : وكاتب الأحرف العبد الداعي محمد المحاسني يقبل يدكم الشريفة ، ويخصكم بالسلام الوافر ، ويبث لديكم الشوق المتكاثر ، غير أنه قد نازعته نفسه في ترك المعاتبة ، لسيده الذي لم يسعد عبده منه بالمكاتبة ، على أنها مكاتبة تحكم عقد العبودية ، ولا تخرج رقبته من طوق الرقّيّة ، والمطلوب أن يخصه سيده وشيخه بدعواته المستطابة ، التي لا شك أنها مستجابة ، كما هو في سائر أوقاته ، وحسبان ساعاته ، ودمتم ، وحرر في رابع جمادى الثانية سنة ١٠٣٨ ، انتهى.

وكتب سيدي التاج المذكور لي ضمن رسالة من بعض الأصحاب ما صورته : [بحرالمجتث]

يا فاضل العصر يا من

للشّرق والغرب شرّف

يا أحمد الناس طرّا

في كل ما يتصرف

يهدي إليك محبّ

دموعه تتذرف

شوقا وودّا قديما

منكّرا يتعرف

ولنختم مخاطبات أهل دمشق لي بما كتبه لي أوحد الموالي الكرام (٢) ، السري ، عين الأعيان ، صدر أرباب البلاغة والبيان ، مولانا أحمد الشاهيني السابق الذكر في هذا التأليف مرات ، ضاعف الله تعالى لديه أنواع المبرات والمسرات ، آمين ، ليكون مسكا للختام ، إذ محاسنه ليس بها خفاء ولا لها اكتتام (٣) ، ونص محل الحاجة منه هو الفياض : [بحر السريع]

__________________

(١) هذه الفقرة عجز بيت وهو بكامله :

بقيت بقاء الدهر يا كهف أهله

وهذا دعاء للبرية شامل

(٢) في ب ، ه : «الكبراء».

(٣) في ب ، ه : «انكتام».

٨١

يا سيدا أحرز خصل العلا

بالبأس والرأي الشديد السديد (١)

ومن على أهل النّهى قد علا

بطبعه السامي المجيد المجيد

ومن يزين الدهر منه حلى

قول نظيم كالفريد النضيد

ومن صدا فكري منه جلا

نظم له القلب عميد حميد

ومن له من يوم قالوا «بلى»

في مهجتي حبّ جديد مزيد (٢)

ومن غدا بين جميع الملا

بالعلم والحلم الوحيد الفريد

أفديك بالنفس مع الأهل لا

بالمال ، والمال عتيد عديد

أقسم بالله الذي علت كلمته ، وعمت رحمته ، وسحرت القلوب والعقول رأفته ومحبته وجعل الأرواح جنودا مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ، أنني أشوق إلى تقبيل أقدام شيخي من الظمآن للماء ، ومن الساري لطلعة ذكاء (٣) ، وليس تقبيل الأقدام ، مما يدفع عن المشوق الأوام ، وقد كانت الحال هذه وليس بيني وبينه حاجز إلا الجدار ، إذ كان حفظه الله تعالى جار الدار ، فكيف الآن بالغرام ، وهو حفظه الله تعالى بمصر وأنا بالشام ، وليس غيبة مولانا الأستاذ عنا ، إلا غيبة العافية عن الجسم المضني ، بل غيبة الروح ، عن الجسد البالي المطروح ، ولا العيشة بعد فراقه ، وهجر أحبابه ورفاقه ، إلا ـ كما قال بديع الزمان ـ عيشة الحوت في البر ، والثلج في الحر ، وليس الشوق إليه بشوق ، وإنما هو العظم الكسير ، والنزع العسير ، والسم يسري ويسير ، وليس الصبر عنه بصبر ، وإنما هو الصاب (٤) والمصاب ، والكبد في يد القصاب ، والنفس رهينة الأوصاب (٥) ، والحين الحائن وأين يصاب ، ولا أعرف كيف أصف شرف الوقت الذي ورد فيه كتاب شيخي بخطه ، مزينا بضبطه ، بلى ، قد كان شرف عطارد ، حتى اجتمع من أنواع البلاغة عندي كل شارد ، وأما خطه فكما قال الصاحب ابن عباد : أهذا خط قابوس ، أم جناح الطاووس؟ أو كما قال أبو الطيب : [بحر الكامل]

من خطه في كل قلب شهوة

حتى كأن مداده الأهواء

__________________

(١) الخصل : إصابة الهدف.

(٢) يوم قالوا بلى : إشارة إلى الوقت الذي أخذ الله العهد على ذرية آدم فقال لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(قالُوا بَلى) والقصة في القرآن الكريم في سورة الأعراف ١٧٢.

(٣) الساري : السائر ليلا. وذكاء : الشمس.

(٤) الصاب : شجر مر الطعم.

(٥) الأوصاب : جمع وصب ، وهو المرض والألم الدائم.

٨٢

وأنا أقول ما هو أبدع وأبرع ، وفي هذا الباب أنفع وأجمع : بل هو خط الأمان من الزمان ، والبراءة من طوارق الحدثان ، والحرز الحريز ، والكلام الحر الإبريز ، والجوهر النفيس العزيز ، وأما الكتاب نفسه فقد حسدني عليه إخواني ، واستبشر به أهلي وخلّاني ، وكان تقبيلي لأماليه ، أكثر من نظري فيه ، شوقا إلى تقبيل يد وشّته وحشته (١) ، واعتيادا للثم أنامل جسته ومسّته ، وأما اليراعة ، فلا شك أنها ينبوع البراعة ، حتى جرى من سحر البلاغة منها ما جرى. [بحر المتقارب]

فجاء الكتاب كسحر العيون

بما راح يسبي عقول الورى

وينادي بإحراز خصل السبق (٢) من الثريا إلى الثرى ، ولم أر كتابا قبل تكون محاسنه متداخلة مترادفة ، ولطائفه وبدائعه متضاعفة متراصفة ، وذلك لأنه سرد من غرر درره الأحاسن ، وورد على يد رأس أحبابنا تاج بني محاسن : [بحر الطويل]

أولئك قوم أحرزوا الحسن كله

فما منهم إلا فتى فاق في الحسن

وكما قلت فيهم أيضا : [بحر مجزوء الكامل]

فبنو المحاسن بيننا

كبنى المنجّم في النجابه (٣)

فهم القرابة إن عد

مت من الأنام هوى القرابه

فيهم محاسن جمّة

منها الخطابة والكتابه

ثم لم يكتف سيدي وشيخي بما أنعم به ، وأحسن بكتبه ، من كتابه المزين بخطه ، المبين بضبطه ، المسمى بين أهل الوفاء ، بكتاب الأصفياء (٤) ، حتى أضاف إليه كتاب الشفاء ، في بديع الاكتفاء ، كأنه لم يرض طبعه الشريف المفرد المستثنى إلا أن تكون حسناته لدى أحبابه مثنى مثنى ، حتى كأن مراده بتضعيف هذا الإكرام والإحسان ، تعجيز العبد عن أداء خدمة الحمد بحصر البيان وعقد اللسان ، إذ لست ذا لسانين ، حتى أؤدي شكر إحسانين ، وغاية البليغ في هذا المضمار الخطير ، أن يعترف بالقصور ويلتزم بالتقصير.

ومن فصول هذا الكتاب ما نصه : ومن باب إدخال السرور على سيدي وشيخي وبركتي

__________________

(١) حشته : أراد : كتبت حواشيه.

(٢) في ب ، ه : «وينادي بإحراز خصل سحر البيان من الثريا إلى الثرى».

(٣) بنو المنجم : أبناء أبي منصور المنجم. اشتهروا بالظرف والأدب ومنادمة الخلفاء (ابن النديم).

(٤) كذا في ب ، ه : وفي ج : «بكتاب الاكتفاء والاصطفاء».

٨٣

خبر المدرسة الداخلية التي تصدى لها ذلك المولى العظيم ، والسيد الحكيم ، صدر الموالي ، ورونق الأيام والليالي ، سيدي وسندي ، وعمادي ومعتمدي ، الفهامة شيخي أفندي ، المعروف بالعلامة ، حفظه الله ، ووقاه وأبقاه! الذي صدق عليه وعليّ قول الأول : [بحرالمنسرح]

ولي صديق ما مسّني عدم

مذ وقعت عينه على عدمي

أغنى وأقنى فما يكلفني

تقبيل كف له ولا قدم (١)

قام بأمري لما قعدت به

ونمت عن حاجتي ولم ينم

وقول الثاني : [مجزوء الوافر]

صديق لي له أدب

صداقة مثله نسب

رعى لي فوق ما يرعى

وأوجب فوق ما يجب

فلو نقدت خلائقه

لبهرج عندها الذهب (٢)

ولعمري إنه كذلك قد تصدى لحاجتي فقضاها ، ولحجتي فأمضاها ، ولم يكن لي في الروم سواه وسواها ، وما أصنع بالروم ، إذا تخلف عني ما أروم ، أبى الله إلا أن ينفعني ذلك الحر الكريم بنهيه وأمره ، وأن يكون بياني وبناني مرتبطين بحمده وشكره ، وهذه حاجة في نفسي قضيتها ، وأمنية رضيت بها وأرضيتها ، ولله الحمد. ولست أحصي ، ولا أستقصي ، يا سيدي ومولاي ، شوق أخيكم سيدي ومولاي المفتي العمادي ، حفظه الله تعالى وإياكم! وقد بلغ به شوقه وغرامه ، وتعطشه [وهيامه] وأوامه (٣) ، أن أفرد الجناب مولانا كتابا ، يستجلب مفخرا وجوابا ، إذ الشام كما رأيتم عبارة عن وجوده الشريف والسلام ، وكذلك أولاده الكرام ، تلامذتكم يقبلون الأقدام ، وأما محبكم وصديقكم الشيخ البركة شيخ الإسلام مولانا عمر القاري فقد بلغته سلام سيدي ، فكان جوابه الدعاء والثناء ، مع العزيمة عليّ بأن أبالغ لجنابكم الكريم في تأدية سلامه ، وتبليغ ما يتضمنه من المحبة الخالصة فصيح كلامه ، وأما الكريميّان (٤) ولدكم محمد أفندي وأخوه سيدي أكمل الدين ، فهما لتقبيل أقدامكم من المستعدين ، وكذلك لا أحصي ما هما عليه من الدعاء والثناء لجنابكم الكريم العالي ، تلميذاكم بل عبداكم ولدانا الشيخ يحيى ابن سيدي أبي الصفاء ، وولدنا الشيخ محمد بن سيدي تاج الدين المحاسنيان ، وأما

__________________

(١) أقنى : أغنى.

(٢) نقدت ، بالبناء للمجهول : اختبرت ، وبهرج الذهب : ظهر زيفه وفساده.

(٣) الأوام : حرارة العطش. وفي ب : وتعطشه وأوامه.

(٤) في ج : وأما الكريمان.

٨٤

عبداكم وتلميذاكم ولداي الشيخان الداعيان الأخوان الشيخ عبد السلام والقاضي نعمان ، فليس لهما وظيفة إلا الدعاء والثناء ، في كل صبح ومساء ، لأن كلا منهما خليفتي ، والاشتغال بالدعاء لسيدي وظيفتي ، ولا يقنعان بتقبيل اليدين الكريمتين ، ولا بد من تقبيل القدمين المباركتين ، وبعد ، فلا ينقضي عجبي من بلاغة كتابكم الشريف الوارد لجناب أخيكم المفتي العمادي حفظكم الله تعالى وإياه! ولا كان من يشناك (١)! وعجبه به أعظم وأكبر ، إذ هو ـ حفظه الله! ـ بفهم كلام سيدي أحق وأجدر ، فلا عدمنا تلك الأنفاس الملكية الفلكية ، من كل منكما إذ هي والله البغية والأمنية ، كما قلت : [بحر الخفيف]

ليس فخري ولا اعتدادي بدهر

غير دهر أراكما من بنيه

اللهم اختم هذا الكلام ، للقبول التام ، بالصلاة على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين!.

ومن فصول هذا الكتاب ما صورته : أطال الله يا سيدي بقاءك! ولا كان من يكره لقاءك! ورعاك بعين عنايته ووقاك! وأدامك وأبقاك! وضمن لك جزاء الصبر! وعوضك عن مصابك الخير والأجر! ولقد كنت عزمت على أن أجعل في مصاب سيدي بأمه ، متعه الله بعمره وعلمه! ودفع عنه سورة همه وغمه (٢)! قصيدة تكون مرثية ، تتضمن تعزية وتسلية ، فنظرت في مرثية أبي الطيب المتنبي لأمه ، واكتفيت بنظمها ونثرها ، وعقدها وحلها ، وانتخبت قوله منها : [بحر الطويل]

لك الله من مفجوعة بحبيبها

قتيلة شوق غير مكسبها وصما

ومنها :

ولو لم تكوني ينت أكرم والد

لكان أباك الضخم كونك لي أما

لئن لذّ يوم الشامتين بيومها

لقد ولدت مني لآنفهم رغما

فقلت : هذه حال مولانا الراغم لأنوف الأعداء ، المجدد لأسلافه حمدا ومجدا ، القاتل بشوقه لا خطأ ولا عمدا ، ثم إني لما رأيت قوله في مرثية أخت سيف الدولة : [بحر الخفيف]

إن يكن صبري ذي الرزية فضلا

تكن الأفضل الأعز الأجلّا

أنت يا فوق أن تعزّى عن الأحب

اب فوق الذي يعزّيك عقلا

__________________

(١) يشناك : يكرهك ويبغضك. وأصله مهموز ويجوز تخفيف الهمز.

(٢) سورة الهم : قوته.

٨٥

وبألفاظك اهتدى فإذا عزّا

ك قال الذي له قلت قبلا

قد بلوت الخطوب حلوا ومرّا

وسلكت الأيام حزنا وسهلا

وقتلت الزمان علما فما يغ

رب قولا وما يجدّد فعلا

قلت : هذه والله حلى مولانا الأستاذ الذي عرف للزمان فعله ، وفهم قوله ، قد استعارها أبو الطيب وحلّى بها مخدومه سيف الدولة ، وكيف أستطيع إرشاد شيخي لطريق الصبر ، وأذكره بالثواب والأجر ، وكيف وأنا الذي استقيت من ديمه (١) ، واهتديت إلى سبيل المعروف بشيمه ، وسلكت جادة البراعة بهداية ألفاظه ، وارتقيت إلى سماء البلاغة برعاية ألحاظه ، وهل يكون التلميذ معلما ، وهل يرشد الفرخ قشعما (٢) ، وكيف يعضد الشبل الأسد ، وهو ضعيف المنّة والمدد ، ومن يعلم الثغر الابتسام ، والصدر الالتزام ، ويختبر الحسام ، وهو مجرب صمصام ، وهل تفتقر الشمس في الهداية إلى مصباح؟ وهل يحتاج البدر في سراه إلى دلالة الصباح؟ ذلك مثل شيخي ومثل من يرشده إلى فلاح أو نجاح ، وإنما نأخذ عنه ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة ، ونحذو حذوه في الطريق الموصّلة إلى الجنة ، ثم لما وصلت في هذه القصيدة إلى قول أبي الطيب : [بحر الخفيف]

إن خير الدموع عينا لدمع

بعثته رعاية فاستهلا

رأيته قد أبدع فيه كل الإبداع ، ونظم ما كاد (٣) يجري الدمع من طريق السماع ، فقلت : إنا لله! وأكثرت الاسترجاع (٤) ، وقلت في نفسي : إن ذلك الدمع الذي بعثته رعاية الحقوق ، هو دمع شيخي الذي حمى الله قلبه الشفوق من العقوق ، للمصيبة في الأم ، التي حزنها يغم ، ومصابها يعم ، وكيف لا يعمنا مصابها ، وقد كمل للمصيبة كفاها الله بموتها نصابها ، هذا مع الفقد للسليلة الجليلة (٥) ، والكريمة الخليلة وأي دمع لم تبعثه تلك الرعاية؟ وأي نفس لا تتمنى أن تكون لسيدنا من كل ما يكره وقاية؟ وأي كبد قاسية ، لم تكن لأحبابها مواسية؟ وأنى يتسنّى ، للعبد المعنّى ، تسلية شيخه وهو الصبور الشكور ، العارف بالأمور ، العالم بتصاريف الدهور؟ وما ظننت أن بناني ، يساعدني على تحرير بياني ، لتعزية شيخي حفظه الله تعالى في أصله وفرعه ، وضرعه وزرعه ، وفرعه ونبته ، وأمه وبنته ، أما الوالدة الماجدة فإني إن أمسكت

__________________

(١) الديم : جمع ديمة ، وهي السحابة الممطرة.

(٢) القشعم : المسن من الناس والنسور.

(٣) في ب ، ه : «ما يكاد».

(٤) الاسترجاع : قول «إنا لله وإنا إليه راجعون».

(٥) السليلة : أراد ابنته.

٨٦

عن بيان كرم أصلها ، يسمو بها كرم فرعها ونسلها ، فرحم الله تعالى سلفها ، وأبقى خلفها ، ولا حرم سيدي ثمرة رضاها ، ورضي عنها وأرضاها! وأما المخدّرة (١) الصغيرة ، فالمصيبة بها (٢) كبيرة ، إذ العمومة مقّرية ، والخؤولة وفائية ، فهي ذات النّجارين (٣) ، وحائزة الفخارين ، كأن سيدي ـ أعزه الله تعالى! ـ لم يرض لها كفؤا ومهرا ، فاختار القبر أن يكون له صهرا (٤) ، وخطبة الحمام لا يمكن ردها (٥) ، وسطوة الأيام لا يستطاع صدها ، كما قال أبو الطيب المتنبي أيضا : [بحر الخفيف]

خطبة للحمام ليس لها ردّ

وإن كانت المسمّاة ثكلا

وإذا لم تجد من الناس كفؤا

ذات خدر أرادت الموت بعلا

أسأل الله تعالى أن تكون هذه الخطبة قافية الخطوب ، وهذا النّدب المبرّح آخر الندوب (٦) ، وأن يعوض سيدي عن حبيبه المبرقع المقنع ، حبيبا معمّما تتحرى النجابة منه المصنع ، وأن يبدله عن ذات الخمار والخضاب ، بمن يصول بالحراب ، ويسطو باليراع ويشتغل بالكتاب : [بحر الوافر]

وما التأنيث لاسم الشمس عيب

ولا التذكير فخر للهلال

ولو كان النساء كمن فقدنا

لفضّلت النساء على الرجال

اللهم يا أرحم الراحمين ، إني أتوسّل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم وآله الطيبين الطاهرين ، أن تأخذ بيد عبدك شيخي المقريّ في كل وقت وحين ، آمين.

ومن فصول هذه الكتاب ما صورته : ولما وصلني سيدي بهديته التي أحسن بها من كتاب الاكتفاء ، داخل طبعي الصفاء ، ونشطت إلى نظم بيتين فيهما التزام عجيب لم أر مثله ، وهو أن يكون اللفظ المكتفي به بمعنى اللفظ المكتفى منه ، فإن الاحتفاء والاحتفال بمعنى الاعتناء ، كما أفاده شيخي ، فيكون على هذا الاكتفاء وعدمه على حدّ سواء ، إذ لو قطع النظر عن لفظ الاحتفال لأغنى عنه لفظ الاحتفاء ، مع تسمية النوع فيهما ، وهما : [بحر السريع]

إن احتفال المرء بالمرء لا

أحبّه إلا مع الاكتفاء

__________________

(١) المخدرة : الباقية في الخدر.

(٢) في ب ، ه : «فالمصيبة فيها».

(٣) النجار : الأصل.

(٤) هذا من حديث «نعم الصهر القبر».

(٥) الحمام ، بكسر الحاء : الموت.

(٦) الندب : الجرح ، وجمعه ندوب.

٨٧

مبالغات الناس مذمومة

فاسلك سبيل القصد في الاحتفا (١)

ولقد انقطع الثلج أيام الخريف ، وكانت الحاجة إليه شديدة بعد غيبة سيدي حفظه الله تعالى عن دمشق ، فتذكرت شغف شيخي به ، فزاد على فقده غرامي ، وفاض عليه تعطشي وأوامي (٢) ، فجعلت في ذلك عدة مقاطيع ، وأحببت عرضها على سيدي : أوّلها : [بحر الخفيف]

ثلج يا ثلج يا عظيم الصفات

أنت عندي من أعظم الحسنات

ما بياض بدا بوجهك إلا

كبياض بدا بوجه الحياة

ثانيها : [بحر الرجز]

قد قلت لما ضلّ عني رشدي

وما رأيت الثلج يوما عندي

لا تقطع اللهم عن ذا العبد

أعظم أسباب الثنا والحمد

ثالثها : [بحر الخفيف]

ثلج يا ثلج أنت ماء الحياة

ضل من قال ضر ذاك لهاتي (٣)

ما بياض بدا بوجهك إلا

كبياض قد لاح في المرآة

قد رأى الناس وجههم في المرايا

وأنا فيك شمت وجه حياتي

وما عللت سيدي هذا التعليل ، إلا لأشوقه إلى نسيم دمشق الذي خلفه سيدي حفظه الله عليلا ، وهو على الصحة غير عليل ، ولم يشف أعزه الله تعالى منه الغليل (٤) ، ولسيدي الدعاء بطول البقاء والارتقاء ، وهذه أبيات أحدثها العبد في وصف القهوة ، طالبا من سيّده أن يغفر خطأه فيها وسهوه : [بحر الرجز]

وقهوة كالعنبر السحيق

سوداء مثل مقلة المعشوق

أتت كمسك فائح فتيق

شبهتها في الطعم بالرّحيق

تدني الصديق من هوى الصديق

وتربط الود مع الرفيق

فلا عدمت مزجها بريق(٥)

__________________

(١) فاسلك سبيل القصد : أي طريق الرشد. والاحتفا : أصله الاحتفاء حذفت الهمزة لضرورة القافية.

(٢) الأوام : شدة العطش.

(٣) اللهاة : اللحمة المشرفة على سقف الحلق في أقصى الفم.

(٤) الغليل : العطش وحرارة الجوف.

(٥) في ب : «بريقي».

٨٨

وما زلت ألهج بما أفادنيه شيخي من أماليه ، وأتصفح الدهر الذي جمعته فيه (١) ، من أسافله إلى أعاليه ، واستشكل على الأحباب والأصحاب في أثناء المسامرة ، ما أفادنيه سيدي من تسمية المرحوم القاضي التنوخي كتابه «نشوار المحاضرة» حتى ظفرت بأصلها في القاموس في مادة «نشر» ، فإذا هي عربية محضة ، فإنه قال : «ونشورت الدابة نشوارا : أبقت من علفها» ولقد تعجبت من بلاغة هذه التسمية وعذوبتها ، وحسن المجاز فيها مع سلاستها وسهولتها ، وأحببت عرضها على شيخي حفظه الله تعالى ليفرح لي بين تلامذته كما فرح طبعي به حفظه الله تعالى بين أساتذته ، وليعلم أني لم أنس ما أفادنيه في خلال المحاورة ، أيام المؤانسة والمجاورة ، فو الله إنه سميري ، في ضميري ، وكليمي ، ما بين عظمي وأديمي (٢) : [بحر الطويل]

يديرونني عن سالم وأديرهم

وجلدة بين العين والأنف سالم (٣)

الطرس طما وما مضت قصتنا

لاذنب لنا حديثنا لذّ فطال (٤)

وحرر يوم السبت المبارك غرة جمادى الآخرة من شهور سنة ثمان وثلاثين بعد الألف ، أحسن الله ختامها بحرمة محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير ، والحمد لله وحده ، عبده الفقير الحقير المشتاق ، المذنب المقصر لسيده عن اللحاق ، الذي لم يبرح عن العهد المتين ، أحمد الشامي بن شاهين ، انتهى.

ولو تتبعت ما له حفظه الله تعالى من النظم والنثر ، اللذين غلب فيهما بلغاء أهل العصر ، بالشام ومصر ، وغيرهما من الأقطار ، لا زال مقامه مقضي الأوطار ، لاستوعبت ، الأسفار. وفي الإشارات ما يغني عن الكلم ، وقد تقدم في خطبة هذا التأليف ، ذكر شيء من نظمه ونثره وأنه هو السبب الداعي إلى جمع هذا التصنيف ، والله سبحانه يديم جنابه السرى الشريف ، ويبوئه من العز الظل الوريف (٥) ، فلقد أولى من الحقوق ما لا نؤدي بعضه فضلا عن كله ، وناهيك بما جلبناه من كلامه دليلا على شرفه وفضله.

ورسالته هذه إلي كانت جوابا عن مكتوب كتبته إليه من جملته : [بحر السريع]

يا من له طائر صيت علا

في الجو فاصطاد الشريد الشديد

__________________

(١) في ب ، ه : «الذي جمعته عنه» ..

(٢) أديمي : جلدي.

(٣) البيت لزهير بن أبي سلمى.

(٤) الطرس : الصحيفة.

(٥) يبوئه : ينزله. والظل الوريف : الظليل الممتد.

٨٩

يا نجل شاهين البديع الحلى

تملّ بالعز الطويل المديد

وفز بخصل السّبق بين الملا

وسر بنهج للمعالى سديد

ورد مع الأحباب عذبا حلا

منتظما من الأماني البديد (١)

وارفل على طول المدى في ملا

مسرة راقت وعز جديد

والوالد المحروس بالله ، لا

بعدّة الخلق ولا بالعديد

ومن نثرها : سيدي الذي في الأجياد من عوارفه أطواق (٢) ، وفي البلاد من معارفه ما تشهد به الفطر (٣) السليمة والأذواق ، وتشتدّ إلى مجده المطنب الذي لا يحطّ له رواق الأشواق ، وتعمر بفوائده وفرائده من الآداب الأسواق ، وتنقطع دون نداه السحب السواكب ، وتقصر عن مداه في السّمو الكواكب ، والله سبحانه له واق ، المولى الذي ألقت إليه البلاغة أفلاذها واتخذت البراعة طاعته عصمتها وملاذها ، إذ بذّ (٤) أفرادها وأفذاذها ، وأمطرت سماء أفكاره ، على كل محبّ أوكاره ، طائر في جو أو مستقر في أوكاره ، صيبها ورذاذها ، وفاخرت دمشق بعلاه وحلاه أقطار البسيطة وبغذاذها (٥).

ومنها : أبقاه الله تعالى وحقيقة وعوده ينمقها المجاز ، وحقيقة سعوده لا يطرقها المجاز.

ومنها : فأنت الذي نفّست عني مخنّقا ، وأصفيت مشربي وكان مرنّقا (٦) ، وكاثرت بما به آثرت ، وما استأثرت ـ رمل النقا (٧) فلو رآك المأمون بن الرشيد ، لعلم أنك المتمنى ببيتي الغناء الذي غنى به والنشيد : [بحر الطويل]

وإني لمشتاق إلى قرب صاحب

يروق ويصفو إن كدرت لديه

عذيري من الإنسان لا إن جفونه

صفا لي ، ولا إن كنت طوع يديه (٨)

__________________

(١) رد : فعل أمر من ورد. ومنتظما : جامعا شاملا. والبديد : المشتت.

(٢) الأجياد : جمع جيد ، وهو العنق. والعوارف : جمع عارفة وهي المعروف ، والأطواق : جمع طوق ، وهو غل يجعل في العنق.

(٣) الفطر جمع فطرة ، وهي صفة الإنسان الطبيعية.

(٤) بذ : فاق وغلب.

(٥) بغذاذ : بغداد.

(٦) مرنقا : مكدرا.

(٧) رمل النقا : مفعول به للفعل كاثرت.

(٨) في ب : «لا إن جفوته».

٩٠

ولم يقل : أعطني هذا الصديق وخذ مني الخلافة ، وأنا أقول : قد ظفرنا به بحمد الله ولم أجد أحدا في دهره وافق الغرض فلم نر خلافه.

ومنها : فهذه يا ابن شاهين أياديك البيض ، تفرخ لك الشكر وتبيض ، فلا دليل على ولائي ، كإملائي ، ولا شاهد لما في أحنائي (١) ، كثنائي ، ولا حجة على ودادي ، كتكراري ذكرك وتردادي.

وهي طويلة ، لا يحضرني الآن منها سوى ما ذكرته.

ولنقتصر من مكاتبات أعيان العصر من أهل دمشق المحروسة على هذا المقدار ، ونسأل الله تعالى أن يحفظهم جميعا في الإيراد والإصدار.

وفي تاريخ ورود هذه المكاتيب الشامية السابقة عليّ ، اتفق ورود كتب من المغرب ، وجّهها جماعة من أعيانه إليّ.

فمن ذلك كتاب كتبه لي الأستاذ المجوّد الأديب الفهامة معلم الملوك سيدي الشيخ محمد بن يوسف المراكشي التامليّ نصه : الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد تتوالى ، من المحب المخلص المشتاق ، إلى السيد الذي وقع على محبته الاتفاق ، وطلعت شموس معارفه في غاية الإشراق ، وصار له في ميدان الكمال حسن الاستباق ، الصدر الكامل ، والعالم العامل ، الفقيه الذي تهتدي الفقهاء بعلمه وعمله ، البليغ الذي تقتدي البلغاء ببراعه وقلمه (٢) ، ناشر ألوية المعارف ، ومسدي أنواع العوارف ، العلّامة إمام العصر ، بجميع أدوات الحصر ، سيدي أحمد بن محمد المقري قدّس الله السلف! كما بارك في الخلف. سلام من النسيم أرقّ ، وألطف من الزهر إذا عبق.

وبعد ، فإن أخباركم دائما ترد علينا ، وتصل إلينا ، بما يسر الخاطر ، ويقرّ الناظر ، مع كل وارد وصادر ، والعبد يحمد الله تعالى على ذلك ، ويدعو الله بالاجتماع معكم هنالك.

ويرحم الله عبدا قال آمينا

كتبته إليكم أيها السيد من الحضرة المراكشية مع كثرة أشواق ، لا تسعها أوراق ، كتبكم الله سبحانه فيمن عنده ، كما جعلكم ممن أخلص في موالاة الحق قصده ، وودي إليكم غضّ الحدائق ، مستجل في مطلع الوفاء بمنظر رائق ، لا يحيله عن مركز الثبوت عائق ، وحقيق بمودة

__________________

(١) أحنائي : أضلاعي ، جمع حنو.

(٢) في ب ، ه : «ببراعة قلمه». وهو أفضل.

٩١

ارتبطت في الحق وللحق معاقدها (١) ، وأسست على المحبة في الله قواعدها ، أن يزيد عقدها على مر الأيام شدة ، وعهدها وإن شط المزار جدّة ، وأن تدّخر للأخرى عدّة ، وإني ويعلم الله تعالى لممن يعتقد محبتكم وموالاتكم عملا صالحا يقرّب من الله تعالى ويزلف إليه (٢) ، ويعتمدهما وزرا (٣) يعوّل في الآخرة يوم لا ظل إلا ظله عليه ، فإنكم واليتم فأخلصتم في الولاء ، وعرفتم الله تعالى فقمتم بحقوق الصحبة على الولاء ، معرضين في تلكم الأخوّة عن عرض الدنيا وعرضها ، موفين بشروط نفلها ومفترضها (٤) ، إلى أن قضى الله تعالى بإفتراقنا ، وحقوقكم المتأكدة دين علينا ، والأيام تمطل بقضائها عنا ، وتوجه الملام إلينا ، فآونة أقف فأقرع السنّ على التقصير ندما ، وآونة أستنيم إلى فضلكم ، فأتقدم قدما ، وفي أثناء هذا لا يخطر بالبال حق لكم سابق ، إلا وقد كر عليه منكم آخر له لاحق ، حتى وقفت موقف العجز ، وضاقت على العبارة عن حقيقة مقامكم في النفس فكدت لا أتكلم إلا بالرمز ، إجلالا لحقكم الرفيع ، وإشفاقا من التقصير المضيع ، وقد كنت كتبت ـ أعزكم الله تعالى! ـ إليكم قبل هذا بكتب أربعة أو خمسة فيها عجالة قصائد كالعصائد (٥) ، لا كالثريد (٦) من الكلام ككلامكم السلس الكثير الفوائد ، فعذرا ممن كان أخرس من سمكة ، وأشد تخبطا من طائر في شبكة ، فما عرفت أوصل شيء من ذلك ، أم حصل في أيدي المعاطب والمهالك؟ وما رأيت غير رجل من صعاليك الحجاج التقيت به يوما بالحضرة المراكشية فقال لي : الشيخ الإمام المقري يسأل عنك ، وقد أرسل معي كتابا إليك فوقع في البحر مع جملة ما وقع ، فقلت له : لا غرابة في ذلك فقد رجع إلى أصله ، ومن ظلمة البحار تستخرج الدرر ، وقد جاءني كتاب من بعض الأخلاء الصديقين وهو الحاج الصالح السيد أبو بكر من مكة المكرمة شرفها الله تعالى ، وذكر لي فيه أنه متعه الله تعالى بلقائكم ، وأخبرني بسؤالكم عني كثيرا ، وإلى الآن يا نعم السيد إنما عرفته بما كتبته لسيادتكم تعريف تذكر لا تعريف منة ، فأنصفونا في الحكم عليكم في عدم الجواب بما ألفته الأدباء شريعة وسنة ، وبالجملة ففؤادي لمجدكم صحيح لا سقيم ، واعتدادي بودكم منتج غير عقيم ، والله تعالى يجعل الحب في ذاته الكريمة ، ويقضي عن الأحبة دين المحبة ، فيوفي كل غريم غريمه ، ويصلكم إن شاء الله تعالى هذا المرقوم ، وبه سؤال منظوم ، لتتفضلوا بالجواب عنه بعد حمد الله ، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم. [بحر الطويل]

__________________

(١) في ب ، ه : «معاهدها».

(٢) أزلف إليه : قرّب إليه.

(٣) الوزر : الملجأ.

(٤) في ه : «بشروطها نفلها ومفترضها».

(٥) العصائد : جمع عصيدة : طحين يلتّ بالسّمن ويطبخ.

(٦) في ب : «كالعصائد ، كالثريد».

٩٢

إلى المقريّ الحبر صدر الأئمة

من المخلص الوداد أزكى تحية (١)

فذلك يا صدر الصدور عجالة

لتسمح بالجواب عمّا أكنت

فتى قد رأى عند العذارى فتية

محرّمة عند الزوال فحلّت

وعادت حراما عند عصر فعندما

عشاء أتى عادت حلالا تجلّت

وفي صبح ثاني اليوم عادت محرّما

وزالت زوالا منه في غير مرية

وفي ظهره حلت فطابت قريرة

وفي عصره محرّما قد تبدت

وعند العشاء بالضّرورة حلّلت

وذلك بعد غرم مال كفدية

وفي صبحه عادت حراما ترى به

بروق سيوف لامعات بسنة

وكان يضيق حسرة وتأسّفا

وحلت له وقت العشاء وتمت

وعن أمة أيضا يموت سريّها

قد اولدها في ملكه بعد وطأة

وعادت لمملوك السريّ حليلة

بعقد نكاح بعد من غير شبهة

فجاءت ببنت ، هل لها من تزوّج

بنجل السريّ؟ بيّنوا لي قصتي

فإن السيوري مانع من تزوج

له بابنة منها بتلك القضية

وما الفرق بينها وبين التي أتى

بها ابن أبي زيد بأوضح حجة

وعن مشتر مملوكة غير محرم

ومسلمة شرا صحيحا بشرعة (٢)

وليس بملكه له وطؤها يرى

جوازا على التأبيد من حين حلت (٣)

وما طالق من عدّة خرجت ولا

يجوز على التأبيد في خير ملة

نكاح لها من واحد ومطلق

لها غير معصوم ترى في الشريعة

وتمت بحمد الله مبدية لكم

سلاما كما أبدته في صدر طلعة

وتقرير السؤال الثاني : أمة أولدها سيدها فصارت حرة ، فمات عنها السيد ، ثم تزوجها عبد سيدها ، فأتت ببنت ، أما لولد سيدها أن يتزوّج هذه البنت؟ فإن الرجل له أن يتزوّج بنت زوجة أبيه من رجل غيره ، وهذه سرّيّة أبيه ، فإن الإمام السيوري يمنع هذه المسألة ، وما الفرق بينهما؟ وتصلكم أيضا إن شاء الله تعالى عجالة رجزية ، في مآثركم السنية ، ضمنتها أشطارا من

__________________

(١) الحبر ، بفتح الحاء وسكون الباء : العالم.

(٢) شرا : أصلها : شراء. حذف الهمزة.

(٣) في ب : «على التأبيد تأخير جلة».

٩٣

الألفية ، فتفضلوا بالإغضاء ، وحسن الدعاء ، أن يجمع الله شملنا بكم في تلك الأماكن المشرفة ، ثم المأمول من سيدنا ومولانا أن يتفضل علينا بكتاب «طبقات القراء» للإمام الحافظ الداني ، إذ ليس عندنا منه نسخة ، وأما تأليفكم الكثير الفوائد المسمى «بأزهار الرياض ، في أخبار عياض ، وما يناسبها مما يحصل به للنفس ارتياح وللعقل ارتياض» فقد انتشر في هذه الأقطار المراكشية (١) ، وانتسخت منه نسخ عديدة من نسخة المرحوم سيدي أحمد بن عبد العزيز بن الولي سيدي أبي عمرو (٢) ، وكسا الله سبحانه تأليفكم المذكور جلباب القبول ، فما رآه أحد إلا نسخه ، وعندي النسخة التي كتبها بخطه السيد أحمد المذكور بخط حسن ، وعلى هامشها في بعض الأماكن خطكم الرائق ، وبعض التنبيهات من كلامكم الفائق ، وأعلمونا بتأليفكم الذي سميتموه «قطف المهتصر ، من أفنان المختصر» (٣) هل خرج من المبيضة أم لا؟ ووددنا لو اتصلنا منه بنسخة ، وقد اشتاق فقهاء هذا الإقليم إليه غاية كالفقيه قاضي القضاة محبكم سيدي عيسى وغيره من أخلاء خليل ، في كل محفل جليل ، إلى أن قال : وأنا أتمثل بكلام مولانا عليّ كرم الله وجهه حيث يقول ، تبركا به: [بحر المتقارب]

رضيت بما قسم الله لي

وفوّضت أمري إلى خالقي

كما أحسن الله فيما مضى

كذلك يحسن فيما بقي

ولي حفظكم الله تعالى تخميس على البيتين ، وذلك أنه نزلت بي شدة لا يمكن الخلاص منها عادة ، فما فرغت من تخميسهما إلا وجاء الفرج في الحين ، ونصه : [بحر المتقارب]

إذا أزمة نزلت قبلي

وضقت وضاقت بها حيلي

تذكرت بيت الإمام علي

(رضيت بما قسم الله لي

وفوّضت أمري إلى خالقي)

لأن الإله اللطيف قضى

على خلقه حكمه المرتضى

فسلّم وقل قول من فوّضا

(كما أحسن الله فيما مضى

كذلك يحسن فيما بقي)

فعذرا ـ أعزكم الله سبحانه ونفع بإخائكم! ـ عن إغباب المراسلة بالمكاتبة عذرا (٤)،

__________________

(١) في ب ، ه : «انتشر بهذه الأقطار المراكشية».

(٢) في ب : «أبي عمر».

(٣) اهتصر الغصن : أماله. والمهتصر : الغصن الممال اسم مفعول من الفعل اهتصر.

(٤) إغباب المراسلة : إرسال الرسائل يوما وتركها يوما.

٩٤

وصبرا على بعد اللقاء صبرا ، فإن يقدر في هذه الدار نلنا فيها ما نتمنى ، وإلا فلن نعدم بفضل الله جزاء الحسنى ، ولقاء لا يبيد ولا يفنى ، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، إيقانا بالوعد وتحقيقا ، فمن أوجب له محبته ، أدخله جنته ، وأحضره مأدبته ، وكمّل له أمنيته ، جعلنا الله من المتحابين في جلاله ، بكرمه وإفضاله! وكتبه محبكم ومعظمكم ، الواصل حبل وده بودكم ، المشرف لعهدكم ، المنوه بفخركم ومجدكم ، العبد الفقير الحقير ، المشفق على نفسه من التقصير والذنب الكبير ، محمد بن يوسف التاملي ، غفر الله ذنبه! وستر عيبه! وجبر قلبه! وجمعه بمن أحبه! بالنبي صلى الله عليه وسلم ، في عاشوراء المحرم فاتح سنة ثمانية وثلاثين (١) وألف ، انتهى.

وصحبة هذا المكتوب ورقة نصها : بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [بحر الرجز]

لله در العالم الجيّاني

كأنما ينظر بالعيان

للمقّريّ العالم المفضال

منظّرا بأحسن المثال

وعالم بأنني من بعده

أشير في نظامنا لقصده

وها أنا بالله أستعين

مضمنا وربّنا المعين

بالشطر من ألفية ابن مالك

أيدنا الله لنسج ذلك

قال محمد عبيد المالك

وسالك الأحسن من مسالك

نشير بالتضمين للتحرير

المقري الفاضل الشهير

ذاك الإمام ذو العلاء والهمم

(كعلم الأشخاص لفظا وهو عم)

فلن ترى في علمه مثيلا

(مستوجبا ثنائي الجميلا)

ومدحه عندي لازم أتى

(في النظم والنثر الصحيح مثبتا)

أوصاف سيدي بهذا الرجز

(تقرب الأقصى بلفظ موجز)

فهو الذي له المعالي تعتزي

(وتبسط البذل بوعد منجز)(٢)

رتبته فوق العلا يا من فهم

(كلامنا لفظ مفيد كاستقم)

وكم أفاد دهره من تحف

(مبدي تأوّل بلا تكلف)

__________________

(١) في ب : «ثمان وثلاثين».

(٢) في ب ، ه : «فهو الذي له المعاني تعتزي». وتعتزي : تنسب.

٩٥

لقد رقى على المقام الطاهر

(كطاهر القلب جميل الظاهر)

وفضله للطالبين وجدا

(على الذي في رفعه قد عهدا)

قد حصل العلم وحرر السير

(وما بإلا أو بإنما انحصر)

في كل فن ماهر صفه ولا

(يكون إلا غاية الذي تلا)

سيرته جرت على نهج الهدى

(ولا يلي إلا اختيارا أبدا)

وعلمه وفضله لا ينكر

(مما به عنه مبينا يخبر)

يقول دائما بصدر انشرح

(اعرف بنا فإننا نلنا المنح)

يقول مرحبا لقاصديه من

(يصل إلينا يستعن بنا يعن)

صدق مقالتي وكن متبعا

(ولم يكن تصريفه ممتنعا)

وانهض إليه فهو بالمشاهده

(الخبر الجزء المتم الفائدة)

والزم جنابه وإياك الملل

(إن يستطل وصل وإن لم يستطل)

واقصد جنابه ترى مآثره

(والله يقضي بهبات وافره)

وانسب له فإنه ابن معطي

(ويقتضي رضا بغير سخط)

واجعله نصب العين والقلب ولا

(تعدل به فهو يضاهي المثلا)

قد طالما أفاد علم مالك

(أحمد ربي الله خير مالك)

وحاسد له ومبغض زمن

(وهالك وميّت به قمن)

وليس يشفي مبغض له أعل

(عينا وفي مثل هراوة جعل)

يقول عبد ربه محمد

(في نحو خير القول إني أحمد)

وهو بدهره عظيم الأمل

(مروّع القلب قليل الحيل)

فادع له وسادة قد حضروا

(وافعل أوافق نغتبط إذ تشكر)

واجبره بالدعا عساه يغتنم

(فجره وفتح عينه التزم)

أنشدت فيكم ذا وقال قائل

(في نحو نعم ما يقول الفاضل)

أدعو لكم بالستر في كل زمن

(لكونه بمضمر الرفع اقترن)

مآثر لكم كثيرة سوى

(ما مر فاقبل منه ما عدل روى)

قد انتهى تعريف ذا المعرف

(وذو تمام ما برفع يكتفي)

لأنتم تاج الأئمة الأول

(وما بجمعه عنيت قد كمل)

٩٦

فالله يبقيكم لدينا وكفى

(مصليا على الرسول المصطفى)

تترى عليه دائما منعطفا

(وآله المستكملين الشرفا)

ومن ذلك ما كتبه لي بعض الأصحاب ممن كان يقرأ علي بالمغرب (١) ، وصورته:سيدنا وسيد أهل الإسلام ، حامل راية علوم الأمة الأحمدية ، على صاحبها الصلاة والسلام ، آية الله في المعاني والمعالي ، وحسنة الأيام والليالي ، وواسطة عقود الجواهر واللآلي ، إمام مذهب مالك والأشعري والبخاري ، والواقدي والخليل (٢) ، العلامّة القدوة السيد الكبير الشهير الجليل ، ذو الأخلاق العذبة المذاق ، والشمائل المفصحة عن طيب الأصول والأعراق ، كبير زمانه دون منازع ، وعالم أوانه من غير منكر ولا مدافع ، شيخنا ومعلمنا ومفيدنا وحبيب قلوبنا مولانا شيخ الشيوخ أبو العباس أحمد بن محمد المقريّ المغربي التلمساني نزيل فاس ثم الديار المصرية ، حفظه الله تعالى في مواطن استقراره! ورفع درجته بإشادة فخاره على مناره! عن شوق يود له الكاتب أن لو كان في طي كتابه ، وتوق إلى مشاهدتكم هو الغاية في بابه ، بعد إهداء السلام المحفوف بأنواع التحيات والكرامات والبركات ، الدائم ما دامت في الوجود السكنات والحركات ، لمقامكم الأكبر ، ومحفلكم الأشهر ، ومن تعلق بأذيالكم أو كان مستمطرا لنوالكم ، أو صبت عليه شآبيب أفضالكم (٣) ، من أهل ومحب وصاحب وخديم ، هذا وإنه ينهي إلى الوداد القديم ، أن أهل المغرب الأدنى والأقصى حاضرة وبادية ، كلهم يتفكهون بل يتقوتون بذكركم ، ويشتاقون لرؤية وجهكم (٤) ، ويتلذذون بطيب أخباركم ، وإن كان المغرب الآن في تفاقم أحوال ، وتراكم أهوال ، في الغاية مدائن وبوادي ، لا سيما مدينة فاس فإنها في شر عظيم ، وأميرها مولاي عبد الملك مات في السنة السابعة والثلاثين بل في ذي الحجة قبلها ، وفي المحرم من سنة سبع وثلاثين ، توفي ملك المغرب السلطان أبو المعالي زيدان وبويع من بعده ابنه مولاي عبد الملك ، وتقاتل مع أخويه الأميرين الوليد وأحمد وهزمهما ، وإلى الله عاقبة الأمور ، وأهل داركم بفاس بخير وعافية ، ونعم ضافية ، سوى ما أدركهم من طول الغيبة ، نسأل الله تعالى أن يملأ بقدومكم العيبة ، ومحبكم الأكبر ، ووليكم لأصغر ، سيد أهل المغرب اليوم وشيخ الطريقة ، والمربى في سلوك أهل الحقيقة ، العارف بالله الشيخ الرباني ، ذو

__________________

(١) كاتب هذه الرسالة هو علي بن عبد الواحد الأنصاري المتوفى في الجزائر سنة ١٠٥٤ ه‍. كان فقيها محدثا ، له مؤلفات كثيرة.

(٢) الخليل : هو الخليل بن أحمد الفراهيدي اللغوي النحوي ، صانع علم العروض.

(٣) الشآبيب : جمع شؤبوب : وهو الدفعة من المطر.

(٤) في ه : «وجوهكم» وليس بشيء.

٩٧

المقامات والكرامات سيدي محمد بن أبي بكر الدلائي (١) ، يحييكم ، ويعظم قدركم ، ولسانه لكم ذاكر ناشر شاكر ، وهو على خير ، وقد اجتمعت عليّ من بركتكم في مدينة سلا جماعة من طلاب العلم وفتح الله تعالى علي بتآليف عديدة منها «كفاية الطالب النبيل ، في حل ألفاظ مختصر خليل» ومنها شرح على المنهج المنتخب للزّقّاق في قواعد مالك ، ومنظومة في أكثر من ألف بيت في السير والشمائل ، ومنها في رجال البخاري ولا كنسج (٢) الكلاباذي ، ومنها خطب ، وغير ذلك ، والكل من بركتكم ، ونسبته إليكم في صحيفتكم ، والسلام من ولدكم المقر بفضلكم تراب نعالكم علي بن عبد الواحد الأنصاري ، لطف الله تعالى به ، وحامله كبير كبراء قومه ممن يحبكم ويعزكم (٣) وما تفعلوا معه خير فلن تكفروه ، والسلام ، انتهى.

ومنها كتاب وافاني من علم قسنطينة (٤) وصالحها وكبيرها ومفتيها سلالة العلماء الأكابر ، ووارث المجد كابرا عن كابر ، المؤلف العلامة سيدي الشيخ عبد الكريم الفكّون حفظه الله ، نصه :

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على من أنزل عليه في القرآن (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)) [القلم : ٤] وآله وصحبه وسلم أفضل التسليم ، من مدنّس الإزار ، المتسربل بسرابيل الخطايا والأوزار (٥) ، الراجي للتنصل منه رحمة العزيز الغفار ، عبد الله عبد الكريم بن محمد الفكون ، أصلح الله بالتقوى حاله! وبلغه من متابعة السنة النبوية آماله! إلى الشيخ الشهير ، الصدر النحرير ، ذي الفهم الثاقب والحفظ الغزير ، الأحبّ في الله المؤاخي من أجله سيدي أبي العباس أحمد المقري ، أحمد الله عاقبتي وعاقبته! وأسبل على الجميع عافيته! أمّا بعد فإني أحمد الله إليك ، وأصلي على نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا أريد إلا صالح الدعاء وطلبه منكم ، فإني أحوج الناس إليه ، وأشدهم في ظني إلحاحا عليه ، لما تحققت من أحوال نفسي الأمّارة ، واستبطنت من دخيلائها المثابرة على حب الدنيا الغرّارة ، كأنها عميت عن الأهوال ، التي أشابت رؤوس الأطفال ، وقطعت أعناق كمل الرجال ، فتراها في لجج هواها حائضة ، وفي ميدان شهواتها راكضة ، طغت في غيها وما لانت ، وجمحت فما انقادت ولا استقامت ، فويلي

__________________

(١) نسبة إلى زاوية الدلاء ، وهي زاوية أسسها أبو بكر محمد المجاطي ، وكان لها دور كبير في تاريخ المغرب سياسيا ودينيا وعلميا.

(٢) في ب : «كنسخ» ...

(٣) في ب : «ويعرفكم وما تفعلوا».

(٤) في ب ، ه : «قسمطينة».

(٥) الأوزار : جمع وزر : وهو الذنب.

٩٨

ثم ويلي من يوم تبرز فيه القبائح ، وتنشر الفضائح ، ومنادي العدل قائم بين العالمين ، (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧)) [الأنبياء : ٤٧] ، فالله أسأل حسن الإلطاف ، والستر عما ارتكبناه من التعدي والإسراف ، وأن يجعلنا من أهل الحمى العظيم ، وممن يحشر تحت لواء خلاصته الكريم ، سيدنا ومولانا وشفيعنا النبي الرؤوف الرحيم ، ولنكفّ من القلم عنانه ، لما أرجو من أجله ثواب الله سبحانه ، وقد اتصل بيدي جوابكم ، أطال الله في العلم بقاءكم ، فرأيت من عذوبة ألفاظكم ، وبلاغة خطابكم ، ما يذهل من العلماء فحولها ، وينيلها لدى الجثوّ لسماعه سؤلها ومأمولها ، بيد ما فيه من أوصاف من أمره قاصر ، وعن الطاعة والاجتهاد فاتر ، وأصدق قول فيه عند مخبره ومرآه ، أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (١) ، لكن يجازيكم المولى بحسن النية ، البلوغ في بحبوحة الجنان غاية الأمنية ، وقد ذيلتم ذلك بأبيات أنا أقل من أن أوصف بمثلها ، على أني غير قائم بفرضها ونفلها ، فالله تعالى يمدّكم بمعونته ، ويجعلكم من أهل مناجاته في حضرته ، ويسقينا من كاسات القرب ما نتمتع منه بلذيذ منادمته ، وقد ساعد البنان الجنان ، في إجابتكم بوزنها وقافيتها ، والعذر لي أنني لست من أهل هذا الشان ، والاعتراف بأنني جبان وأيّ جبان ، والكمال لكم في الرضا والقبول ، والكريم يغضي عن عورات الأحمق الجهول ، وظننا حققه الله تعالى أن نجعل على منظومتكم الكلامية يعني «إضاءة الدّجنّة» (٢) تقييدا ، أرجو من الله توفيقا وتسديدا ، بحسب قدري لا على قدركم ، وعلى مثل فكري القاصر لا على عظيم فكركم ، وإن ساعد الأوان ، وقضى بتيسيره ربّ الزمان ، فآتى به إن شاء الله الآجل معي لأنني بالأشواق ، إلى حضرة راكب البراق ، ومخترق السبع الطباق ، وكنت عازما على أن أبعث لكم من الأبيات أكثر من الواقع ، إلا أن الرفقة أعجلت ، وصادفتني أيام موت قعيدة البيت (٣) ، فلم يتيسر عاجلا إلا ما ذكر وعلى الله قصد السبيل ، وهو حسبي ونعم الوكيل : [بحر مخلع البسيط]

يا نخبة الدهر في الدراية

علما تعاضده الروايه

لا زلت بحرا بكل فنّ

يروي به الطالبون غايه

لقد تصدّرت في المعالي

كما تعاليت في العنايه

__________________

(١) «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» مثل يضرب لمن يكون ذا نباهة ولا منظر له.

(٢) هي : «إضاءة الدجنة بعقائد أهل السنة» وهي منظومة للمقري ألّفها ودرّسها في الحجاز والشام طبعت بمصر سنة ١٣٠٤ بهامش شرح عليش على العقيدة السنية.

(٣) قعيدة البيت : أراد الزوجة أخذ من قول الحطيئة :

أطوّف ما أطوّف ثم آوي

إلى بيت قعيدته لكاع

٩٩

من فيك تستنظم المعاني

بلّغت في حسنها النهايه

رقّاك مولاك كل مرقّى

تحوي به القرب والولايه

أعجوبة ما لها نظير

في الحفظ والفهم والهدايه

يا أحمد المقريّ دامت

بشراك تصحبها الرعايه

بجاه خير العباد طرا

والآل والصحب والنّقايه

صلى عليه الإله تترى

نكفى بها الشر والغوايه

وأختم كتابي بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكتب بغاية عجلة يوم السبت سابع أو ثامن رجب ، من عام ثمانية وثلاثين وألف للهجرة على صاحبها الصلاة والسلام! انتهى.

والمذكور عالم المغرب الأوسط غير مدافع ، وله سلف علماء ذوو شهرة ، ولهم في الأدب الباع المديد ، غير أن المذكور مائل إلى التصوّف ، ونعم ما فعل ، تقبل الله تعالى عملي وعمله! وبلغ كلا منا أمله! ولأشهر أسلافه العلّامة الشيخ حسن بن علي بن عمر الفكون القسنطيني (١) أحد أشياخ العبدري صاحب الرحلة قصيدة مشهورة عند العلماء بالمغرب ، وهي من در النظام ، وحرّ الكلام ، وقد ضمنها ذكر البلاد التي رآها في ارتحاله من قسنطينة (٢) إلى مراكش ، وأوّلها : [بحر الوافر]

ألا قل للسّريّ ابن السّريّ

أبي البدر الجواد الأريحيّ (٣)

ومنها :

وكنت أظنّ أن الناس طرا

سوى زيد وعمرو غير شيّ

فلما جئت ببلة خير دار

أمالتني بكل رشا أبيّ (٤)

وكم أورت ظباء بني أوار

أوار الشوق بالريق الشهي (٥)

__________________

(١) في ب ، ه : «القسمطين».

(٢) في ب ، ه : «قسمطينة».

(٣) أبو البدر : هو ابن مردنيش وهو الذي كان القسنطيني علي بن عمر الفكون كتب قصيدته إليه (انظر رحلة العبدري ص ٣٠).

(٤) في ب : «فلما جئت ميلة خير دار» وكذلك في رحلة العبدري.

(٥) في ب : «بني ورار».

١٠٠