نفح الطّيب - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٠

ووعدتني وعدا حسبتك صادقا

فجعلت من طمعي أجيء وأذهب

فإذا جمعت أنا وأنت بمجلس

قالوا : مسيلمة وهذا أشعب (١)

٦٦ ـ ومنهم إبراهيم بن سليمان الشامي.

دخل الأندلس من المشرق في أخريات أيام الحكم شاديا للشعر ، وهو من موالي بني أمية ، ولم ينفق على الحكم ، وتحرّك في أيام ولده الأمير عبد الرحمن فنفق عليه ، ووصله ، ثم في أيام الأمير محمد بن عبد الرحمن ، وكان أدرك بالمشرق كبار المحدثين كأبي نواس وأبي العتاهية.

ومن شعره ما كتب به إلى الأمير عبد الرحمن : [بحر الكامل]

يا من تعالى من أميّة في الذّرى

قدما فأصبح عالي الأركان

إنّ الغمام غياثه في وقته

والغيث من كفّيك كلّ أوان

فالغيث قد عمّ البلاد وأهلها

وظمئت بينهم فبلّ لساني

وله في الأمير عبد الرحمن بن الحكم : [بحر الطويل]

ومن عبد شمس بالمغارب عصبة

فأسعدها الرحمن حيث أحلّها

دحا تحتها مهدا من العزّ آمنا

ومدّ جناحا فوقها فأظلّها (٢)

٦٧ ـ ومنهم أبو بكر بن الأزرق ، وهو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن حامد بن موسى بن العباس بن محمد بن يزيد ، وهو الحصني ، ابن محمد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان.

من أهل مصر ، خرج من مصر سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة ، وصار إلى القيروان ، وامتحن بها مع الشيعة ، وأقام محبوسا بالمهدية ، ثم أطلق ووصل الأندلس سنة تسع وأربعين ، فأحسن إليه المستنصر بالله الحكم ، وكان أديبا حكيما ، سمع من خاله أبي بكر أحمد بن مسعود الزهري ، وولد سنة تسع عشرة وثلاثمائة بمصر ، وتوفي بقرطبة في ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ، رحمه الله تعالى!

٦٨ ـ ومن الوافدين على الأندلس من المشرق رئيس المغنين أبو الحسن علي بن نافع ، الملقب بزرياب ، مولى أمير المؤمنين المهدي العباسي.

قال في «المقتبس» زرياب لقب غلب عليه ببلاده من أجل سواد لونه ، مع فصاحة

__________________

(١) مسيلمة : هو مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقتل في حروب الردة. وأشعب مضرب المثل في الطمع. وفي ب : «اجتمعت».

(٢) دحا الله الأرض : بسطها.

٣٨١

لسانه ، وحلاوة شمائله ، شبّه بطائر أسود غرد عندهم ، وكان شاعرا مطبوعا ، وكان ابنه أحمد قد غلب عليه الشعر أيضا ، وكان من خبره في الوصول إلى الأندلس أنه كان تلميذا لإسحاق الموصلي ببغداد ، فتلقّف من أغانيه استراقا ، وهدي من فهم الصناعة وصدق العقل مع طيب الصوت وصورة الطبع إلى ما فاق به إسحاق وإسحاق لا يشعر بما فتح عليه ، إلى أن جرى للرشيد مع إسحاق خبره المشهور في الاقتراح عليه بمغنّ غريب مجيد للصنعة ، لم يشتهر مكانه إليه ، فذكر له تلميذه هذا ، وقال : إنه مولى لكم ، وسمعت له نزعات حسنة ، ونغمات رائقة ، ملتاطة بالنفس (١) ، إذا أنا وقفته على ما استغرب منها وهو من اختراعي واستنباط فكري ، وأحدس (٢) أن يكون له شأن ، فقال الرشيد : هذا طلبتي ، فأحضرنيه لعل حاجتي عنده ، فأحضره ، فلمّا كلّمه الرشيد أعرب عن نفسه بأحسن منطق وأوجز خطاب ، وسأله عن معرفته بالغناء ، فقال : نعم أحسن منه ما يحسنه الناس ، وأكثر ما أحسنه لا يحسنونه ، ممّا لا يحسن إلّا عندك ولا يدّخر إلّا لك ، فإن أذنت غنيتك ما لم تسمعه أذن قبلك ، فأمر بإحضار عود أستاذه إسحاق ، فلما أدني إليه وقف عن تناوله ، وقال : لي عود نحتّه بيدي ، وأرهفته بإحكامي ، ولا أرتضي غيره ، وهو بالباب ، فليأذن لي أمير المؤمنين في استدعائه ، فأمر بإدخاله إليه ، فلمّا تأمّله الرشيد وكان شبيها بالعود الذي دفعه قال له : ما منعك أن تستعمل عود أستاذك؟ فقال : إن كان مولاي يرغب في غناء أستاذي غنيته بعوده ، وإن كان يرغب في غنائي فلا بدّ لي من عودي ، فقال له : ما أراهما إلّا واحدا ، فقال : صدقت يا مولاي ، ولا يؤدّي النظر غير ذلك ، ولكن عودي وإن كان في قدر جسم عوده ومن جنس خشبه فهو يقع من وزنه في الثلث أو نحوه ، وأوتاري من حرير لم يغزل بماء سخن يكسبها أناثة ورخاوة ، وبمّها ومثلثها اتّخذتهما من مصران شبل أسد ، فلها في الترنّم والصفاء والجهارة والحدّة أضعاف ما لغيرها من مصران سائر الحيوان ، ولها من قوة الصبر على تأثير وقع المضارب المتعاورة بها ما ليس لغيرها ، فاستبرع الرشيد وصفه وأمره بالغناء ، فجس ، ثم اندفع فغنّاه : [بحر البسيط]

يا أيها الملك الميمون طائره

هارون راح إليك الناس وابتكروا

فأتمّ النوبة ، وطار الرشيد طربا ، وقال لإسحاق : والله لو لا أني أعلم من صدقك لي على كتمانه إيّاك لما عنده وتصديقه لك من أنك لم تسمعه قبل لأنزلت بك العقوبة لتركك إعلامي بشأنه ، فخذه إليك واعتن بشأنه ، حتى أفرغ له ، فإن لي فيه نظرا ، فسقط في يد إسحاق (٣) ،

__________________

(١) ملتاطة بالنفس : لاصقة بها.

(٢) أحدس : أظن. وفي ب : «أحدس» ، بإسقاط الواو.

(٣) سقط في يده : كناية عن الندم والحيرة.

٣٨٢

وهاج به من داء الحسد ما غلب على صبره (١) ، فخلا بزرياب وقال : يا علي ، إنّ الحسد أقدم الأدواء وأدوؤها ، والدنيا فتّانة ، والشركة في الصناعة عداوة ، ولا حيلة في حسمها (٢) ، وقد مكرت بي فيما انطويت عليه من إجادتك وعلوّ طبقتك ، وقصدت منفعتك فإذا أنا قد أتيت نفسي من مأمنها بإدنائك ، وعن قليل تسقط منزلتي ، وترتقي أنت فوقي ، وهذا ما لا أصاحبك عليه ولو أنك ولدي ، ولولا رعيي لذمّة تربيتك لما قدمت شيئا على أن أذهب نفسك ، يكون في ذلك ما كان ، فتخيّر في ثنتين لا بدّ لك منهما : إمّا أن تذهب عني في الأرض العريضة لا أسمع لك خبرا بعد أن تعطيني على ذلك الأيمان الموثقة ، وأنهضك لذلك بما أردت من مال وغيره ، وإمّا أن تقيم على كرهي ورغمي مستهدفا إليّ ، فخذ الآن حذرك مني فلست والله أبقي عليك ، ولا أدع اغتيالك باذلا في ذلك بدني ومالي ، فاقض قضاءك. فخرج زرياب لوقته ، وعلم قدرته على ما قال ، واختار الفرار قدامه ، فأعانه إسحاق على ذلك سريعا ، وراش جناحه (٣) ، فرحل عنه ، ومضى يبغي مغرب الشمس ، واستراح قلب إسحاق منه.

وتذكّره الرشيد بعد فراغه من شغل كان منغمسا فيه ، فأمر إسحاق بحضوره ، فقال : ومن لي به يا أمير المؤمنين؟ ذاك غلام مجنون يزعم أن الجنّ تكلّمه وتطارحه ما يزهى به من غنائه ، فما يرى في الدنيا من يعدله ، وما هو إلّا أن أبطأت عليه جائزة أمير المؤمنين وترك استعادته ، فقدّر التقصير به ، والتهوين بصناعته ، فرحل مغاضبا ذاهبا على وجهه مستخفيا عنّي ، وقد صنع الله تعالى في ذلك لأمير المؤمنين ، فإنه كان به لمم (٤) يغشاه ويفرط خبطه ، فيفزع من رآه ، فسكن الرشيد إلى قول إسحاق ، وقال : على ما كان به فقد فاتنا منه سرور كثير.

ومضى زرياب إلى المغرب ، فنسي بالمشرق خبره ، إذ لم يكن اسمه شهر هنالك شهرته بالصقع الذي قطنه ، ونزعت إليه نفسه ، وسمت به همّته ، فأمّ (٥) أمير الأندلس الحكم المباين لمواليه ، وخاطبه ، وذكر له نزاعه إليه ، واختياره إياه ، ويعلمه بمكانه من الصناعة التي ينتحلها ، ويسأله الإذن في الوصول إليه ، فسرّ الحكم بكتابه وأظهر له من الرغبة فيه والتّطلّع إليه وإجمال الموعد ما تمنّاه ، فسار زرياب نحوه بعياله وولده ، وركب بحر الزّقاق إلى الجزيرة الخضراء ، فلم يزل بها حتى توالت عليه الأخبار بوفاة الحكم ، فهمّ بالرجوع إلى العدوة ، فكان معه

__________________

(١) في ب : «ما غلب صبره».

(٢) في ب : «لا حيلة في حسمها».

(٣) راش جناحه : قوّاه وشد ساعده.

(٤) اللمم : طرف ضعيف من الجنون.

(٥) أمّ : قصد.

٣٨٣

منصور اليهودي المغني رسول الحكم إليه ، فثناه عن ذلك ورغّبه في قصد القائم مقام الحكم ، وهو عبد الرحمن ولده ، وكتب إليه بخبر زرياب ، فجاءه كتاب عبد الرحمن يذكر تطلّعه إليه ، والسرور بقدومه عليه ، وكتب إلى عمّاله على البلاد أن يحسنوا إليه ، ويوصلوه إلى قرطبة ، وأمر خصيّا من أكابر خصيانه أن يتلقّاه ببغال ذكور وإناث وآلات حسنة ، فدخل هو وأهله البلد ليلا صيانة للحرم ، وأنزله في دار من أحسن الدور ، وحمل إليها جميع ما يحتاج إليه ، وخلع عليه ، وبعد ثلاثة أيام استدعاه ، وكتب له في كل شهر بمائتي دينار راتبا ، وأن يجرى على بنيه الذين قدموا معه ـ وكانوا أربعة : عبد الرحمن ، وجعفر ، وعبيد الله ، ويحيى. عشرون دينارا لكلّ واحد منهم كلّ شهر ، وأن يجرى على زرياب من المعروف العام ثلاثة آلاف دينار ، منها لكلّ عيد ألف دينار ، ولكلّ مهرجان ونوروز خمسمائة دينار ، وأن يقطع له من الطعام العام ثلاثمائة مدي ثلثاها شعير وثلثها قمح ، وأقطعه من الدّور والمستغلّات بقرطبة وبساتينها ومن الضياع ما يقوّم بأربعين ألف دينار. فلمّا قضى له سؤله وأنجز موعوده وعلم أن قد أرضاه وملك نفسه استدعاه ، فبدأ بمجالسته على النبيذ وسماع غنائه ، فما هو إلّا أن سمعه فاستهوله واطّرح كل غناء سواه ، وأحبّه حبّا شديدا ، وقدّمه على جميع المغنين ، وكان لمّا خلا به أكرمه غاية الإكرام ، وأدنى منزلته ، وبسط أمله ، وذاكره في أحوال الملوك وسير الخلفاء ونوادر العلماء ، فحرّك منه بحرا زخر عليه مدّه (١) ، فأعجب الأمير به ، وراقه ما أورده ، وحضر وقت الطعام فشرّفه بالأكل معه هو وأكابر ولده ، ثم أمر كاتبه بأن يعقد له صكّا بما ذكرناه آنفا ، ولمّا ملك قلبه واستولى عليه حبّه ، فتح له بابا خاصّا يستدعيه منه متى أراده.

وذكر أنّ زريابا ادّعى أنّ الجن كانت تعلّمه كلّ ليلة ما بين نوبة إلى صوت واحد ، كان يهبّ من نومه سريعا فيدعو بجاريتيه غزلان وهنيدة ، فتأخذان عودهما ، ويأخذ هو عوده ، فيطارحهما ليلته ، ثم يكتب (٢) الشعر ، ثم يعود عجلا إلى مضجعه ، وكذلك يحكى عن إبراهيم الموصلي في لحنه البديع المعروف بالماخوري أنّ الجن طارحته إياه ، والله تعالى أعلم بحقيقة ذلك.

وزاد زرياب بالأندلس في أوتار عوده وترا خامسا اختراعا منه ، إذ لم يزل العود ذا أربعة أوتار على الصنعة القديمة التي قوبلت بها الطبائع الأربع ، فزاد عليها وترا خامسا أحمر متوسّطا ، فاكتسب به عوده ألطف معنى وأكمل فائدة ، وذلك أن الزير (٣). صبغ أصفر اللون ،

__________________

(١) زخر البحر : طما. والمد : ارتفاع ماء البحر.

(٢) في ب : «ويكتب الشعر».

(٣) الزير ، والبم ، والمثنى ، والثلث : أسماء لأوتار العود.

٣٨٤

وجعل في العود بمنزلة الصفراء من الجسد ، وصبغ الوتر الثاني بعده أحمر ، وهو من العود مكان الدم من الجسد ، وهو في الغلظ ضعف الزير ، ولذلك سمي مثنى ، وصبغ الوتر الرابع أسود ، وجعل من العود مكان السوداء من الجسد ، وسمّي البمّ ، وهو أعلى أوتار العود ، وهو ضعف المثلث الذي عطل من الصبغ وترك أبيض اللون ، وهو من العود بمنزلة البلغم من الجسد ، وجعل ضعف المثنى في الغلظ ، ولذلك سمّي المثلث ، فهذه الأربعة من الأوتار مقابلة للطبائع الأربع تقضي طبائعها بالاعتدال ، فالبم حارّ يابس يقابل المثنى وهو حار رطب وعليه تسويته ، والزير حار يابس يقابل المثلث وهو حار رطب ، قوبل كل طبع بضدّه حتى اعتدل واستوى كاستواء الجسم بأخلاطه ، إلّا أنه عطل من النفس ، والنفس مقرونة بالدم ، فأضاف زرياب من أجل ذلك إلى الوتر الأوسط الدموي هذا الوتر الخامس الأحمر الذي اخترعه بالأندلس ، ووضعه تحت المثلث وفوق المثنى ، فكمل في عوده قوى الطبائع الأربع ، وقام الخامس المزيد مقام النفس في الجسد.

وهو الذي اخترع بالأندلس مضراب العود من قوادم النّسر ، معتاضا به من مرهف الخشب (١) ، فأبرع في ذلك للطف قشر الريشة ونقائه وخفّته على الأصابع وطول سلامة الوتر على كثرة ملازمته إياه.

وكان زرياب عالما بالنجوم وقسمة الأقاليم السبعة ، واختلاف طبائعها وأهويتها وتشعّب بحارها ، وتصنيف بلادها ، وسكّانها ، مع ما سنح له من فكّ كتاب الموسيقى ، مع حفظه لعشرة آلاف مقطوعة من الأغاني بألحانها ، وهذا العدد من الألحان غاية ما ذكره بطليموس واضع هذه العلوم ومؤلّفها.

وكان زرياب قد جمع إلى خصاله هذه الاشتراك في كثير من ضروب الظرف وفنون الأدب ، ولطف المعاشرة ، وحوى من آداب المجالسة وطيب المحادثة ومهارة الخدمة الملوكية ما لم يجده أحد من أهل صناعته ، حتى اتّخذه ملوك أهل الأندلس وخواصّهم قدوة فيما سنّه لهم من آدابه ، واستحسنه من أطعمته ، فصار إلى آخر أيام أهل الأندلس منسوبا إليه معلوما به.

فمن ذلك أنه دخل إلى الأندلس وجميع من فيها من رجل أو امرأة يرسل جمّته (٢) مفروقا وسط الجبين عامّا للصدغين والحاجبين ، فلمّا عاين ذوو التحصيل تحذيفه هو وولده ونساؤه لشعورهم ، وتقصيرها دون جباههم ، وتسويتها مع حواجبهم ، وتدويرها إلى آذانهم ، وإسدالها

__________________

(١) في ب : «مرهب الخشب» ، وهو تحريف.

(٢) الجمّة : ما تدلى من شعر الرأس إلى المنكبين ، أو مجتمع شعر مقدم الرأس ، جمعه : جم وجمام.

٣٨٥

إلى أصداغهم ـ حسبما عليه اليوم الخدم الخصية والجواري. هوت إليه أفئدتهم ، واستحسنوه.

وممّا سنّه لهم استعمال المرتك المتّخذ من المرداسنج لطرد ريح الصنان من مغابنهم (١) ، ولا شيء يقوم مقامه ، وكانت ملوك الأندلس تستعمل قبله ذرور الورد وزهر الريحان وما شاكل ذلك من ذوات القبض والبرد ، فكانوا لا تسلم ثيابهم من وضر (٢) ، فدلّهم على تصعيدها بالملح ، وتبييض لونها ، فلما جرّبوه أحمدوه جدّا.

وهو أول من اجتنى بقلة الهليون المسمّاة بلسانهم الإسفراج ، ولم يكن أهل الأندلس يعرفونها قبله.

وممّا اخترعوه من الطبيخ اللون المسمى عندهم بالتفايا (٣) ، وهو مصطنع بماء الكزبرة الرطبة محلّى بالسنبوسق والكباب ، ويليه عندهم لون التقلية المنسوبة إلى زرياب.

وممّا أخذه عنه الناس بالأندلس تفضيله آنية الزجاج الرفيع على آنية الذهب والفضّة ، وإيثاره فرش أنطاع الأديم (٤) الليّنة الناعمة على ملاحف الكتّان ، واختياره سفر الأديم لتقديم الطعام فيها على الموائد الخشبية إذ الوضر يزول عن الأديم بأقلّ مسحة ، ولبسه كلّ صنف من الثياب في زمانه الذي يليق به ، فإنه رأى أن يكون ابتداء الناس للباس البياض وجعلهم (٥) للملوّن من يوم مهرجان أهل البلد المسمّى عندهم بالعنصرة الكائن في ست بقين من شهر يونيه الشمسي من شهورهم الرومية ، فيلبسونه إلى أول شهر أكتوبر الشمسي منها ثلاثة أشهر متوالية ويلبسون بقية السنة الثياب الملوّنة ، ورأى أن يلبسوا في الفصل الذي بين الحرّ والبرد المسمّى عندهم الربيع من مصبغهم جباب الخزّ والملحم والمحرّر والدّراريع (٦) التي لا بطائن لها لقربها من لطف ثياب البياض الظهائر التي ينتقلون إليها لخفتها وشبهها بالمحاشي ، ثياب العامة ، وكذا رأى أن يلبسوا في آخر الصيف وعند أول الخريف المحاشي المروية والثياب المصمتة وما شاكلها من خفائف الثياب الملونة ذوات الحشو والبطائن الكثيفة ، وذلك عند قرص البرد في الغدوات ، إلى أن يقوى البرد فينتقلون إلى أثخن منها من الملونات ، ويستظهرون من تحتها إذا احتاجوا إلى صنوف الفراء.

__________________

(١) المغابن : جمع مغبن ، وهو كل مكان يكثر فيه العرق من الجسد كالإبط.

(٢) الوضر : الوسخ.

(٣) في أ : «بالنقابا». والتفايا : من بسائط الأطعمة ، وهي أنواع.

(٤) أنطاع : جمع نطع ، وهو بساط من جلد. والأديم الجلد.

(٥) في ب : «وخلعهم للملون».

(٦) الدراريع : جمع درّاعة ـ بضم الدال ـ وهي جبة من صوف مشقوقة المقدم.

٣٨٦

واستمرّ بالأندلس أنّ كلّ من افتتح الغناء فيبدأ بالنشيد أول شدوه بأي نقر كان ، ويأتي أثره (١) بالبسيط ، ويختم بالمحركات والأهزاج تبعا لمراسم زرياب.

وكان إذا تناول الإلقاء على تلميذ يعلّمه أمره بالقعود على الوساد المدوّر المعروف بالمسورة ، وأن يشدّ صوته جدّا إذا كان قويّ الصوت ، فإن كان ليّنه أمره أن يشدّ على بطنه عمامة ، فإنّ ذلك ممّا يقوّي الصوت ، ولا يجد متّسعا في الجوف عند الخروج على الفم ، فإن كان ألصّ الأضراس (٢) لا يقدر على أن يفتح فاه ، أو كانت عادته زمّ أسنانه عند النطق ، راضه (٣) بأن يدخل في فيه قطعة خشب عرضها ثلاث أصابع يبيتها في فمه ليالي حتى ينفرج فكّاه ، وكان إذا أراد أن يختبر المطبوع الصوت المراد تعليمه من غير المطبوع أمره أن يصيح بأقوى صوته : يا حجّام ، أو يصيح : آه ، ويمدّ بها صوته ، فإن سمع صوته بهما صافيا نديّا قويّا مؤدّيا لا يعتريه غنّة ولا حبسة ولا ضيق نفس عرف أن سوف ينجب (٤) ، وأشار بتعليمه ، وإن وجده خلاف ذلك أبعده.

وكان له من ذكور الولد ثمانية : عبد الرحمن ، وعبيد الله ، ويحيى ، وجعفر ، ومحمد ، وقاسم ، وأحمد ، وحسن. ومن الإناث ثنتان : علية ، وحمدونة. وكلّهم غنّى ، ومارس الصناعة ، واختلفت بهم الطبقة ، فكان أعلاهم عبيد الله ، ويتلوه عبد الرحمن ، لكنه ابتلي من فرط التّيه وشدّة الزهو (٥) وكثرة العجب بغنائه والذهاب بنفسه بما لم يكن له شبه فيه ، وقلّما يسلم مجلس حضوره من كدر يحدثه ، ولا يزال يجترئ على الملوك ، ويستخفّ بالعظماء ، ولقد حمله سخفه على أن حضر يوما مجلس بعض الأكابر الأعاظم في أنس قد طاب به سروره ، وكان صاحب قنص تغلب عليه لذّته ، فاستدعى بازيا كان كلفا به كثير التذكّر له ، فجعل يمسح أعطافه ويعدّل قوادمه ، ويرتاح لنشاطه ، فسأله عبد الرحمن أن يهبه له ، فاستحيا من ردّه ، وأعطاه إياه مع ضنّه به ، فدفعه عبد الرحمن إلى غلامه ليعجل به إلى منزله ، وأسرّ إليه فيه بسرّ لم يطلع عليه ، فمضى لشأنه ، ولم يلبث أن جاءه بطيفورية مغطاة مكرمة بطابع مختوم عليها من فضّة ، فإذا به لون مصوص (٦) قد اتّخذ من البازي بعد ذبحه على ما حده

__________________

(١) في ب : «ويأتي إثره ...».

(٢) ألصّ الأضراس : متقاربها.

(٣) راضه : روضه ، مرّنه.

(٤) ينجب : يصير نجيبا.

(٥) الزهو : الخيلاء والكبر.

(٦) كذا ، ولعل أصل العبارة «فإذا به لون مخصوص».

٣٨٧

لأهله ، وذهب إلى الانتقال إليه (١) في شرابه ، وقال لصاحب المجلس : شاركني في نقلي هذا فإنه شريف المركّب (٢) بديع الصنعة ، فلمّا رآه الرجل أنكر صفته ، وعاب لحمه ، وسأله عنه ، فقال : هو البازي الذي كنت تعظم قدره ، ولا تصبر عنه وقد صيّرته إلى ما ترى ، فغضب صاحب المنزل حتى ربا في أثوابه ، وفارقه حلمه ، وقال له : قد كان والله أيها الكلب السفيه على ما قدرته وما اقتديت فيه إلّا بكبار الناس المؤثرين لمثله ، وما أسعفتك به إلّا معظما من قدرك ما صغّرت من قدري ، وأظهرت من هوان السنة عليك باستحلالك لسباع الطير المنهيّ عنها ، ولا أدع والله الآن تأديبك إذ أهملك أبوك معلّم الناس المروءة ، ودعا له بالسّوط ، وأمر بنزع قلنسوته ، وساط هامته (٣) مائة سوط ، فاستحسن جميع الناس فعله به وأبدوا الشّماتة به.

وكان محمد منهم مؤنثا ، وكان قاسم (٤) أحذقهم غناء مع تجويده ، وتزوّج الوزير هاشم بن عبد العزيز حمدونة.

وذكر عبادة الشاعر أن أول من دخل الأندلس من المغنين علون وزرقون ، دخلا في أيام الحكم بن هشام ، فنفقا عليه ، وكانا محسنين ، لكن غناؤهما ذهب لغلبة غناء زرياب عليه.

وقال عبد الرحمن بن الشمر منجم الأمير عبد الرحمن ونديمه في زرياب : [بحر الخفيف]

يا عليّ بن نافع يا عليّ

أنت أنت المهذّب اللّوذعيّ

أنت في الأصل حين يسأل عنه

هاشميّ وفي الهوى عبشمي (٥)

وقال ابن سعيد : وأنشد لزرياب والدي في معجمه : [بحر مجزوء الكامل]

علّقتها ريحانة

هيفاء عاطرة نضيره

بين السّمينة والهزي

لة والطويلة والقصيرة

لله أيام لنا

سلفت على دير المطيره

لا عيب فيها للمتي

يم غير أن كانت يسيره

انتهى.

__________________

(١) في ب ، ه «الانتقال عليه».

(٢) في أ : «الموكب».

(٣) ساطه : ضربه بالسوط.

(٤) في ب : «قاسمهم».

(٥) عبشمي : نسبة إلى عبد شمس ، وهو نحت.

٣٨٨

وكان لزرياب جارية اسمها متعة (١) ، أدّبها وعلّمها أحسن أغانيه حتى شبّت ، وكانت رائعة الجمال ، وتصرّفت بين يدي الأمير عبد الرحمن بن الحكم تغنّيه مرّة وتسقيه أخرى ، فلمّا فطنت لإعجابه بها أبدت له دلائل الرغبة ، فأبى إلّا التستّر ، فغنّته بهذه الأبيات ، وهي لها في ظنّ بعض الحفّاظ : [بحر المجتث]

يا من يغطّي هواه

من ذا يغطّي النهارا

قد كنت أملك قلبي

حتى علقت فطارا (٢)

يا ويلتا أتراه

لي كان ، أو مستعارا

يا بأبي قرشيّ

خلعت فيه العذارا

فلما انكشف لزرياب أمرها أهداها إليه ، فحظيت عنده (٣).

وكانت حمدونة بنت زرياب متقدّمة في أهل بيتها ، محسنة لصناعتها ، متقدّمة على أختها علية ، وهي زوجة الوزير هاشم (٤) بن عبد العزيز كما مرّ ، وطال عمر علية بعد أختها حمدونة ، ولم يبق من أهل بيتها غيرها ، فافتقر الناس إليها ، وحملوا عنها.

وكانت مصابيح جارية الكاتب أبي حفص عمر بن قلهيل أخذت عن زرياب الغناء ، وكانت غاية في الإحسان والنبل وطيب الصوت ، وفيها يقول ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد ، وكتب به إلى مولاها : [بحر البسيط]

يا من يضنّ بصوت الطائر الغرد

ما كنت أحسب هذا الضّنّ من أحد (٥)

لو أنّ أسماع أهل الأرض قاطبة

أصغت إلى الصوت لم ينقص ولم يزد

من أبيات ، فخرج حافيا لمّا وقف على ذلك ، وأدخله إلى مجلسه ، وتمتّع من سماعها ، رحم الله تعالى الجميع!.

وقال علويه : كنت مع المأمون لمّا قدم الشام ، فدخلنا دمشق ، وجعلنا نطوف فيها على أماكن (٦) بني أمية ، فدخلنا قصرا مفروشا بالرخام الأخضر ، وفيه بركة يدخلها الماء ويخرج منها

__________________

(١) في ب : «اسمها منفعة».

(٢) علقت : أحببت حبا شديدا.

(٣) حظيت عنده : أصبحت ذات حظوة ، والحظوة : المكانة والمنزلة.

(٤) في ب ، ه «هاشم بن عبد العزيز».

(٥) يضن : يبخل. والغرد : الطائر الذي يرفع صوته في غنائه ويطرب به.

(٦) في ب : «قصور بني أمية».

٣٨٩

فيسقي بستانا ، وفي القصر من الأطيار ، ما يغني صوته عن العود والمزمار ، فاستحسن المأمون ما رأى ، وعزم على الصّبوح (١) ، فدعا بالطعام فأكلنا وشربنا ، ثم قال لي : غنّ بأطيب صوت وأطربه ، فلم يمرّ على خاطري غير هذا الصوت : [بحر المنسرح]

لو كان حولي بنو أمية لم

ينطق رجال أراهم نطقوا

فنظر إليّ مغضبا ، وقال : عليك لعنة الله وعلى بني أمية! فعلمت أني قد أخطأت ، فجعلت أعتذر من هفوتي ، وقلت : يا أمير المؤمنين ، أتلومني أن أذكر مواليّ بني أمية ، وهذا زرياب مولاك عندهم بالأندلس ، يركب في أكثر من مائة مملوك وفي ملكه ثلاثمائة ألف دينار دون الضياع ، وإني عندكم أموت جوعا ، وفي الحكاية طول واختلاف ، ومحلّ الحاجة منها ما يتعلّق بزرياب ، رحم الله تعالى الجميع!.

وذكرها الرقيق في كتاب «معاقرة الشراب» على غير هذا الوجه ، ونصّه : وركب المأمون يوما من دمشق يريد جبل الثلج ، فمرّ ببركة عظيمة من برك بني أمية ، وعلى جانبها أربع سروات ، وكان الماء يدخل سيحا (٢) ، فاستحسن المأمون الموضع ، ودعا بالطعام والشراب ، وذكر بني أمية ، فوضع منهم وتنقّصهم ، فأخذ علويه العود واندفع يغني : [بحر الطويل]

أرى أسرتي في كلّ يوم وليلة

يروح بهم داعي المنون ويغتدي (٣)

أولئك قوم بعد عزّ وثروة

تفانوا فإلّا أذرف العين أكمد (٤)

فضرب المأمون بكأسه الأرض ، وقال لعلويه : يا ابن الفاعلة ، لم يكن لك وقت تذكر مواليك فيه إلّا هذا الوقت؟ فقال : مولاكم زرياب عند مواليّ بالأندلس يركب في مائة غلام ، وأنا عندكم بهذه الحالة ، فغضب عليه نحو شهر ، ثم رضي عنه ، انتهى.

ونحوه لابن الرقيق في كتابه «قطب السرور» وقال في آخر الحكاية : وأنا عندكم أموت من الجوع ، ثم قال : وزرياب مولى المهدي ، ووصل إلى بني أمية بالأندلس فعلت حاله ، حتى كان كما قال علويه ، انتهى.

ولمّا غنّى زرياب (٥) بقوله : [بحر الطويل]

__________________

(١) الصبوح : ما يؤكل أو يشرب في الصباح.

(٢) سيحا : أي جاريا على وجه الأرض.

(٣) المنون : الموت.

(٤) فإلّا : فإن لا. وأكمد : أحزن حزنا شديدا.

(٥) في ه : «ولما غنى ابن زرياب» والشعر لذي الرمّة في ديوانه ص ٣٥٢.

٣٩٠

ولو لم يشقني الظاعنون لشاقني

حمام تداعت في الديار وقوع

تداعين فاستبكين من كان ذا هوى

نوائح ما تجري لهنّ دموع

ذيّلها عباس بن فرناس يمدح بعض الرؤساء بديهة فقال : [بحر الطويل]

شددت بمحمود يدا حين خانها

زمان لأسباب الرجاء قطوع

بنى لمساعي الجود والمجد قبلة

إليها جميع الأجودين ركوع

وكان محمود جوادا ، فقال له : يا أبا القاسم ، أعزّ ما يحضرني من مالي القبّة ، يعني قبة قامت عليه بخمسمائة دينار ، وهي لك بما فيها مع كسوتي هذه ، ونكون في ضيافتك بقية يومنا ، ودعا بكسوة فلبسها ، ودفع إليه الكسوة.

٦٩ ـ ومن الوافدين من المشرق الأمير شعبان بن كوجبا (١).

من غزّ الموصل ، وفد على أمير المؤمنين يعقوب المنصور ملك الموحّدين ، ورفع له أمداحا جليلة ، وقدّمه على إمارة مدينة بسطة من الأندلس.

قال أبو عمران بن سعيد : أنشدني لنفسه : [بحر الطويل]

يقولون إنّ العدل في الناس ظاهر

ولم أر شيئا منه سرّا ولا جهرا

ولكن رأيت الناس غالب أمرهم

إذا ما جنى زيد أقادوا به عمرا (٢)

وإلّا فما بال النّطاسيّ كلّما

شكوت له يمنى يدي فصد اليسرى (٣)

٧٠ ـ ومن الوافدين من المشرق على الأندلس أبو اليسر إبراهيم بن أحمد الشيباني(٤).

من أهل بغداد ، وسكن القيروان ، ويعرف بالرياضي ، وكان له سماع ببغداد من جلّة المحدّثين والفقهاء والنحويين ، لقي الجاحظ والمبرد وثعلبا وابن قتيبة ، ولقي من الشعراء أبا تمام والبحتري ودعبلا وابن الجهم ، ومن الكتّاب سعيد بن حميد وسليمان بن وهب وأحمد بن أبي طاهر وغيرهم ، وهو الذي أدخل إفريقية رسائل المحدثين وأشعارهم وطرائف أخبارهم ، وكان عالما أديبا ، ومرسّلا بليغا ، ضاربا في كل علم وأدب ، سمع وكتب بيده أكثر كتبه ، مع براعة خطّه وحسن وراقته.

__________________

(١) في ج : «شعبان بن كوحيا».

(٢) أقاد : أقام القود. والقود : القصاص.

(٣) النطاسي : الطبيب الحاذق. وفصده : شق عرقه لإخراج الدم منه.

(٤) انظر ترجمته في التكملة ص ١٧٣.

٣٩١

وحكي أنه كتب على كبره كتاب سيبويه كلّه بقلم واحد ، ما زال يبريه حتى قصر ، فأدخله في قلم آخر ، وكتب به حتى فني بتمام الكتاب.

وله تآليف : منها «لقط المرجان» (١) وهو أكبر من «عيون الأخبار» (٢) وكتاب «سراج الهدى» في القرآن ومشكله وإعرابه ومعانيه ، و «المرصعة» و «المدبجة».

وجال في البلاد شرقا وغربا من خراسان إلى الأندلس ، وقد ذكر ذلك في أشعار له.

وكان أديب الأخلاق ، نزيه النفس ، كتب لأمير إفريقية إبراهيم بن أحمد بن الأغلب ، ثم لابنه أبي العباس عبد الله ، وكان أيام زيادة الله بن عبد الله آخر ملوك الأغالبة على بيت الحكمة ، وتوفي بالقيروان سنة ثمان وتسعين ومائتين في أوّل ولاية عبيد الله الشيعي ، وهو ابن خمس وسبعين سنة.

وممّن ألمّ بذكره المؤرخ الأديب أبو إسحاق إبراهيم بن القاسم المعروف بالرقيق (٣).

وقال عريب بن سعد في حقّه : إنه كان أديبا شاعرا مرسّلا حسن التأليف ، وقدم الأندلس على الإمام محمد بن عبد الرحمن ، وذكر له معه قصّة ذكرها ابن الأبّار في كتابه «إفادة الوفادة» وحكي أنّ له مسندا في الحديث ، وكتابا في القرآن سمّاه «سراج الهدى» والرسالة الوحيدة ، والمؤنسة ، وقطب الأدب ، وغير ذلك من الأوضاع.

قال : وكتب لبني الأغلب حتى انصرمت أيامهم ، ثم كتب لعبيد الله حتى مات.

ومن الرواة عنه أبو سعيد عثمان بن سعيد (٤) الصيقل مولى زيادة الله بن الأغلب ، وأسند إليه الحافظ ابن الأبار رواية شعر أبي تمام بأن قال : قرأت شعر حبيب (٥) على أبي الربيع بن سالم ، وقرأت جملة منه على غيره ، وناولني جميعه وحدّثني به عن أبي عبد الله بن زرقون عن الخولاني عن أبي القاسم حاتم بن محمد عن أبي غالب تمام بن غالب بن عمر اللغوي عن أبيه أبي تمام عن أبي سعيد المذكور ، يعني ابن الصيقل ، عن أبي اليسر عن حبيب ، وهو إسناد غريب ، انتهى.

__________________

(١) في ب ، ه : «لقيط المرجان».

(٢) عيون الأخبار ، كتاب لابن قتيبة طبع في أربعة أجزاء بدار الكتب المصرية.

(٣) انظر ص (١٠٥) وص (١٠٦) من هذا الجزء.

(٤) في ه : «عثمان بن سعد الصيقل».

(٥) حبيب : هو حبيب بن أوس الطائي ، أبو تمام الشاعر المشهور.

٣٩٢

٧١ ـ ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن خلف بن منصور ، الغساني ، الدمشقي ، المعروف بالسنهوري (١)

وسنهور : من بلاد مصر ، روى عن أبي القاسم بن عساكر وأبي اليمن الكندي وأبي المعالي الفراوي وأبي الطاهر الخشوعي وغيرهم.

قال أبو العباس النباتي : قدم علينا ـ يعني إشبيلية ـ سنة ثلاث وستمائة ، وسمّى جماعة من شيوخه ، وحكي أنه كان يروي موطّأ أبي مصعب وصحيح مسلم بعلوّ.

وقال أبو سليمان بن حوط الله : أجازني وابني محمدا جميع ما رواه عن شيوخه الذين منهم أبو الفخر فناخسرو بن فيروز الشيرازي ، وذكر أنّ روايته بنزول ؛ لأنه لم يرحل إلّا بعد وفاة الشيوخ المشاهير بهذا الشأن.

وقال أبو الحسن بن القطان ، وسمّاه في شيوخه : قدم علينا تونس سنة اثنتين وستمائة ، واستجزته لابني حسن فأجازه وإياي ، قال : وانصرف من تونس إلى المغرب ، ثم الأندلس ، وقدم علينا بعد ذلك مراكش مفلتا من الأسر ، فظهر في حديثه عن نفسه تجازف واضطراب وكذب زهّد فيه ، وأثر ذلك انصرف إلى المشرق راجعا ، وقد كان إذا أجاز ابني كتب بخطّه جملة من أسانيده وسمّى كتبا منها الموطأ والصحيحان وغير ذلك ، قال : وقد تبرأت من عهدة جميعه لما أثبتّ من حاله ، وحدّثني أبو القاسم بن أبي كرامة صاحبنا بتونس أنّ السنهوري هذا لمّا انصرف إلى مصر امتحن بملكها الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب لأجل معاداته أبا الخطاب بن الجميّل ، فضرب بالسياط ، وطيف به على جمل مبالغة في إهانته ، انتهى.

وقال بعض المؤرخين في حقّه ، ما نصّه : الشيخ المحدّث الرحالة إبراهيم السنهوري صاحب الرحلة إلى البلاد ، دخل الأندلس كما ذكره ابن النجار وغيره ، وهو الذي ذكر لمشايخ الأندلس وعلمائها أنّ الشيخ أبا الخطاب بن دحية يدّعي أنه قرأ على جماعة من شيوخ الأندلس القدماء ، فأنكروا ذلك وأبطلوه وقالوا : لم يلق هؤلاء ولا أدركهم ، وإنما اشتغل بالطلب أخيرا ، وليس نسبه بصحيح فيما يقوله ، ودحية لم يعقب ، فكتب السنهوري محضرا وأخذ خطوطهم فيه بذلك ، وقدم به ديار مصر ، فعلم أبو الخطاب بن دحية بذلك ، فاشتكى إلى السلطان منه ، وقال : هذا يأخذ عرضي ويؤذيني ، فأمر السلطان بالقبض عليه ، فقبض وضرب بالسّياط وأشهر على حمار ، وأخرج من ديار مصر ، وأخذ ابن دحية المحضر وحرقه ، ولم يزل ابن دحية على

__________________

(١) انظر التكملة : ص ١٧٦.

٣٩٣

قرب من السلطان إلى حين وفاته ، وبنى له دارا للحديث ، وهي الكاملية ببين القصرين ، فلم يزل يحدّث بها إلى أن مات.

وقد ذكرنا في ترجمة ابن دحية من هذا الكتاب شيئا من أحواله ، وأنّ الناس فيه معتقد ومنتقد ، وهكذا جرت العادة خصوصا في حقّ الغريب المنتسب للعلم : [بحر الوافر]

وعند الله تجتمع الخصوم

وممّن كان عليه لا له أبو المحاسن محمد بن نصر المعروف بابن عنين فإنه قال فيه (١) : [بحر السريع]

دحية لم يعقب فلم تعتزي

إليه بالبهتان والإفك (٢)

ما صحّ عند الناس شيء سوى

أنك من كلب بلا شكّ

هكذا ذكره ابن النجار ، وأطال في الوقيعة في أبي الخطاب بن دحية.

وقال الذهبي : قرأت بخطّ الضياء عندما ذكر ابن دحية أنه قال : لقيته بأصبهان ، ولم أسمع منه شيئا ، وأخبرني إبراهيم السنهوري بأصبهان أنه دخل المغرب ، وأنّ مشايخه كتبوا له جرحه وتضعيفه ، وقد رأيت أنا منه غير شيء ممّا يدلّ على ذلك ، وبسببه بنى السلطان الملك الكامل دار الحديث بالقاهرة وجعله شيخها ، وقد سمع منه الإمام أبو عمرو بن الصلاح الموطأ سنة نيّف وستمائة ، وأخبره به عن جماعة منهم أبو عبد الله بن زرقون.

وقال ابن واصل : كان أبو الخطاب ـ مع فرط معرفته بالحديث ، وحفظه الكثير منه ـ متّهما بالمجازفة في النقل ، وبلغ ذلك الملك الكامل ، فأمره أن يعلّق شيئا على كتاب الشّهاب» ، فعلّق كتابا تكلّم فيه على أحاديثه وأسانيده ، فلمّا وقف الملك الكامل على ذلك قال له بعد أيام : قد ضاع مني ذلك الكتاب ، فعلّق لي مثله ، ففعل ، فجاء في الثاني مناقضة للأول ، فعلم الملك الكامل صحة ما قيل عنه ، ونزلت مرتبته عنده ، وعزله عن دار الحديث أخيرا ، وولّى أخاه أبا عمر وعثمان.

وقال ابن نقطة : كان أبو الخطاب موصوفا بالمعرفة والفضل ، ولم أره ، إلّا أنه كان يدّعي أشياء لا حقيقة لها ؛ ذكر لي أبو القاسم بن عبد السلام ـ وكان ثقة ـ قال : نزل عندنا ابن دحية

__________________

(١) انظر ديوان ابن عنين ص ٢٢٠.

(٢) دحية : صحابي ينسب إليه أبو الخطاب. وتعتزي : تنسب. والبهتان : الكذب وما لا أصل له. والإفك ، بالكسر : التقوّل.

٣٩٤

فقال : إني أحفظ صحيح مسلم والترمذي ، فأخذت خمسة أحاديث من الترمذي ومثلها من المسند ومثلها من الموضوعات ، فجعلتها في جزء ، ثم عرضت عليه حديثا من الترمذي فقال : ليس بصحيح ، وآخر فقال : لا أعرفه ، ولم يعرف منها شيئا ، فأفسد نفسه بذلك.

وقال سبط ابن الجوزي (١) : إنه كان يتزيّد (٢) في كلامه ، ويثلب (٣) المسلمين ، ويقع فيهم ، فترك الناس الرواية عنه وكذّبوه ، وقد كان الملك الكامل مقبلا عليه ، فلمّا انكشف له شأنه أخذ منه دار الحديث وأهانه.

وقال العماد بن كثير : قد تكلّم الناس فيه بأنواع من الكلام ، ونسبه بعضهم إلى وضع حديث في قصر صلاة المغرب ، وكنت أودّ أن أقف على إسناده ليعلم كيف رجاله ، وقد أجمع العلماء ـ كما ذكره ابن المنذر وغيره ـ على أنّ صلاة المغرب لا تقصر (٤) ، واتّفق أنه وصل في جمادى الأولى سنة ٦١٦ إلى غزة ، فخرج كلّ من في غزة بالأسلحة والعصي والحجارة إلى الموضع الذي هو فيه ، وضربوه ضربا شديدا بعد أن انهزم من كان معه ، انتهى.

وقدّمنا في ترجمته توثيق جماعة له ، فربّك أعلم بحاله.

٧٢ ـ ومنهم عبد الله بن محمد بن آدم ، القاري ، الخراساني (٥).

رحل من خراسان إلى الأندلس ، يكنى أبا محمد ، ذكره أبو عمرو المقري ، وقال : سمعته يقرأ مرات كثيرة ، فكان من أحسن الناس صوتا ، ولم تكن له معرفة بالقراءة ولا دراية بالأداء ، انتهى.

٧٣ ـ ومنهم عبد الرحمن بن داود بن علي ، الواعظ.

من أهل مصر ، يعرف بالزبزاري ، يكنى أبا البركات وأبا القاسم ، ويلقّب زكي الدين. قدم على الأندلس ، وتجوّل في بلادها واعظا ومذكرا ، وسمع منه الناس بقرطبة وإشبيلية ومرسية وبلنسية سنة ٦٠٨.

قال ابن الأبار : وسمعت ، وعظه إذ ذاك بالمسجد الجامع من بلنسية ، وادّعى الرواية عن

__________________

(١) انظر مرآة الزمان ص ٦٩٨.

(٢) يتزيد في كلامه : يزيد في أثنائه من عنده ، ويكذب فيه.

(٣) يثلب المسلمين : ينقصهم ويعيبهم.

(٤) قصر الصلاة : رخصة للمسلمين في السفر أن يصلوا ركعتين بدلا من أربع.

(٥) انظر التكملة : ٩١٣.

٣٩٥

أبي الوقت السّجزي والسّلفي وأبي الفضل عبد الله بن أحمد الطوسي وأبي محمد بن المبارك بن الطباخ وأبي الفضل محمد بن يوسف الغزنوي وشهدة الكاتبة بنت الأبرى ، زعم أنه قرأ عليها صحيح البخاري ، وجماعة بالمشرق والأندلس لم يلقهم ولم يسمع منهم ، وربما حدّث بواسطة (١) عن بعضهم ، وأكثرهم مجهولون ، وقفت على ذلك في فهرست روايته ، فزهد أكثر السامعين منه ، واطّرحوا الرواية عنه (٢) ، ومنهم أبو العباس النباتي وأبو عبد الله بن أبي البقاء ، وجمع أربعين حديثا مسلسلة سمّاها باللآلىء المفصلة ، حدّث فيها عن ابن بشكوال وابن غالب الشراط وغيرهما من الأندلسيين الذين لم يلقهم ولا أجازوا له ، أخذها عنه ابن الطّيلسان وغيره ، وكان ـ مع هذا ـ فقيها على مذهب الشافعي ، رضي الله تعالى عنه! فصيحا ، مشاركا في فنون من العلم ، سمح الله تعالى له! انتهى.

ولا بأس أن نذكر جملة من النساء القادمات من المشرق على الأندلس ، ثم نعود أيضا إلى ذكر أعلام الرجال ، فنقول :

٧٤ ـ من النساء الداخلات الأندلس من المشرق عابدة المدنية ، أم ولد حبيب بن الوليد المرواني ، المعروف بدحون.

وكانت جارية سوداء ، من رقيق المدينة ، حالكة اللون ، غير أنها تروي عن مالك بن أنس إمام دار الهجرة وغيره من علماء المدينة ، حتى قال بعض الحفاظ : إنها تروي عشرة آلاف حديث.

وقال ابن الأبار : إنها تسند حديثا كثيرا ، وهي أم ولده (٣) بشر بن حبيب ، والذي وهبها لدحون في رحلته إلى الحجّ هو محمد بن يزيد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان ، فقدم بها الأندلس ، وقد أعجب بعلمها وفهمها ، واتّخذها لفراشه ، رحم الله تعالى الجميع!.

٧٥ ـ ومنهنّ فضل المدنية.

وكانت حاذقة بالغناء ، كاملة الخصال ، وأصلها لإحدى بنات هارون الرشيد ، ونشأت وتعلّمت ببغداد ، ودرجت من هناك إلى المدينة المشرّفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام! فازدادت ثمّ طبقتها في الغناء ، واشتريت هنالك للأمير عبد الرحمن صاحب الأندلس مع

__________________

(١) حدث بواسطة : أي كان بينه وبين الذي يحدث عنه راو آخر كتم اسمه ولم يذكره ، وذلك من التدليس.

(٢) اطرحوا الرواية عنه : أي تركوها ولم يرووا عنه.

(٣) في أ : «وهي أم ولد بشر بن حبيب» وقد أثبتنا ما في ب ، ه.

٣٩٦

صاحبتها علم المدنية ، وصواحب غيرها إليهنّ تنسب دار المدنيات بالقصر ، وكان يؤثرهنّ لجودة غنائهنّ ونصاعة ظرفهنّ ورقّة أدبهنّ ، وتضاف إليهن جارية (١) قلم وهي ثالثة فضل وعلم في الحظوة عند الأمير المذكور ، وكانت أندلسية الأصل ، رومية من سبي البشكنس ، وحملت صبيّة إلى المشرق ، فوقعت بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعلّمت هنالك الغناء فحذقته (٢) ، وكانت أديبة ، ذاكرة ، حسنة الخطّ ، راوية للشعر ، حافظة للأخبار ، عالمة بضروب الآداب.

٧٦ ـ ومن النساء الداخلات إلى الأندلس من المشرق قمر جارية إبراهيم بن حجاج اللخمي ، صاحب إشبيلية.

وكانت من أهل الفصاحة والبيان ، والمعرفة بصوغ الألحان ، وجلبت إليه من بغداد ، وجمعت أدبا وظرفا ، ورواية وحفظا ، مع فهم بارع ، وجمال رائع ، وكانت تقول الشعر بفضل أدبها ، ولها في مولاها تمدحه : [بحر الكامل]

ما في المغارب من كريم يرتجى

إلّا حليف الجود إبراهيم

إنّي حلّلت لديه منزل نعمة

كلّ المنازل ما عداه ذميم

وأنشد لها السالمي لمّا ذكرها عدّة أشعار : منها قولها تتشوّق إلى بغداد : [بحر الكامل]

آها على بغدادها وعراقها

وظبائها والسحر في أحداقها

ومجالها عند الفرات بأوجه

تبدو أهلّتها على أطواقها

متبخترات في النعيم كأنّما

خلق الهوى العذريّ من أخلاقها (٣)

نفسي الفداء لها فأيّ محاسن

في الدهر تشرق من سنا إشراقها

٧٧ ـ ومنهن الجارية العجفاء (٤).

قال الأرقمي : قال لي أبو السائب ، وكان من أهل الفضل والنّسك : هل لك في أحسن الناس غناء؟ فجئنا إلى دار مسلم بن يحيى مولى بني زهرة ، فأذن لنا فدخلنا بيتا عرضه اثنا عشر ذراعا في مثلها ، وطوله في السماء ستة عشر ذراعا ، وفي البيت نمرقتان قد ذهب عنهما

__________________

(١) كذا في الأصول. ولعل الأصل «جاريته قلم» أو «جارية تسمى قلم».

(٢) حذقته : أتقنته.

(٣) الهوى العذري : المنسوب إلى قبيلة عذرة ، وهي قبيلة اشتهر فتيانها وفتياتها بالعشق الطاهر العفيف ، ورقة القلوب ، ولذا قيل عن كل حب طاهر إنه عذري.

(٤) انظر الأغاني ج ٢٣ ص ٢٨٢.

٣٩٧

اللّحمة وبقي السّدى ، وقد حشيتا بالليف ، وكرسيّان قد تفكّكا من قدمهما ، ثم اطلعت علينا عجفاء كلفاء ، عليها قرقل هرويّ أصفر غسيل ، وكأنّ وركيها في خيط من وسخها ، فقلت لأبي السائب : بأبي أنت! ما هذه فقال : اسكت ، فتناولت عودا فغنّت (١) : [بحر الكامل]

بيد الذي شغف الفؤاد بكم

تفريج ما ألقى من الهمّ (٢)

فاستيقني أن قد كلفت بكم

ثم افعلي ما شئت عن علم

قد كان صرم في الممات لنا

فعجلت قبل الموت بالصرم

قال : فتحسّنت في عيني ، وبدا ما أذهب الكلف عنها ، وزحف أبو السائب وزحفت معه ، ثم تغنّت : [بحر الكامل]

برح الخفاء فأيّما بك تكتم

ولسوف يظهر ما تسرّ فيعلم

ممّا تضمّن من عزيز قلبه

يا قلب إنك بالحسان لمغرم

يا ليت أنّك يا حسام بأرضنا

تلقي المراسي طائعا وتخيّم

فتذوق لذة عيشنا ونعيمه

ونكون إخوانا فماذا تنقم

فقال أبو السائب : إن يقم هذا فأعضّه الله تعالى بكذا وكذا من أبيه ، ولا يكني ، فزحفت مع أبي السائب حتى فارقنا النمرقتين ، وربت العجفاء في عيني كما يربو السويق بماء مزنة ، ثم غنّت : [بحر المنسرح]

يا طول ليلي أعالج السّقما

إذ أدخل كلّ الأحبّة الحرما (٣)

ما كنت أخشى فراقكم أبدا

فاليوم أمسى فراقكم عزما

فألقيت طيلساني ، وأخذت شاذكونة (٤) فوضعتها على رأسي ، وصحت كما يصاح على اللوبيا بالمدينة ، وقام أبو السائب فتناول ربعة في البيت فيها قوارير ودهن ، فوضعها على رأسه ، وصاح صاحب الجارية وكان ألثغ : قوانيني ، يعني قواريري ، فاصطكّت القوارير وتكسّرت ، وسال الدهن على رأس أبي السائب وصدره ، وقال للعجفاء : لقد هجت لي داء قديما ، ثم

__________________

(١) الشعر لأبي صخر الهذلي. انظر الأغاني ج ٢٣ ص ٢٨٢.

(٢) في أ«بيد الذي شعف» ، بالعين المهملة ، وكلاهما صحيح.

(٣) أعالج السقما : أداوي المرض.

(٤) الشاذكونة : المضربة الكبيرة.

٣٩٨

وضع الربعة. وكنا نختلف إليها حتى بعث عبد الرحمن بن معاوية صاحب الأندلس فابتيعت له العجفاء ، وحملت إليه.

٧٨ ـ ومن القادمين على الأندلس من المشرق الشيخ عبد القاهر بن محمد بن عبد الرحمن ، الموصلي.

قال أبو حيان : قدم علينا رسولا من ملك مصر إلى ملك الأندلس ، فسمعت منه بالمرية ، انتهى.

٧٩ ـ ومنهم أحمد بن الحسن بن الحارث بن عمرو بن جرير بن إبراهيم بن مالك ، المعروف بالأشتر ، بن الحارث ، النخعي.

يكنى أبا جعفر ، دخل الأندلس في أيام الأمير محمد بن عبد الرحمن ، وأصله من الكوفة ، وكان يروي أحاديث عظيمة العدد ، ذكر ذلك الرازي ، وحكي أنّ الأمير محمدا روى عنه منها ، وأنزله بريّة.

٨٠ ـ ومنهم أحمد بن أبي عبد الرحمن ، واسمه يزيد بن أحمد بن عبد الرحمن (١) ، القرشي ، الزهري ، من ولد عبد الرحمن بن عوف.

من أهل مصر ، وفد على الناصر بقرطبة ، وكان دخوله إليها في محرم سنة ٣٤٣ ، فأكرم الناصر مثواه (٢) وكان فقيه أهل مصر ، ذكره ابن حيان.

٨١ ـ ومنهم أبو الطاهر إسماعيل بن الإسكندراني.

لقي ببلده أبا طاهر السّلفي ، وسمع منه ، ودرس عليه كتاب «الاصطلاح» للسمعاني ، وقدم الأندلس ، ودخل مرسية تاجرا ، وكان فقيها على مذهب الشافعي ، وأنشد عن السلفي (٣) قوله : [بحر مجزوء الرمل]

أنا من أهل الحدي

ث وهم خير فئه

عشت تسعين وأر

جو أن أعيش لمائه

__________________

(١) في ب ، ه : «بن أبي عبد الرحمن».

(٢) مثواه : مكان ثوائه ، أي إقامته ، والمراد : أكرمه وتلطف به.

(٣) في ج : «وأنشد على السلفي قوله».

٣٩٩

فعاش ما تمنّى ، رحمه الله تعالى!.

٨٢ ـ ومنهم أبو الحسن علي بن محمد بن إسماعيل بن بشر ، الأنطاكي ، الإمام ، أبو الحسن ، التميمي (١).

نزيل الأندلس ومقريها ومسندها ، أخذ القراءة عرضا وسماعا عن إبراهيم بن عبد الرزاق ومحمد بن الأخرم وأحمد بن يعقوب التائب وأحمد بن محمد بن خشيش ومحمد بن جعفر بن بيان ، وصنف قراءة ورش ، قرأ عليه جماعة : منهم أبو الفرج الهيثم الصباغ وإبراهيم بن مبشر المقرئ وطائفة آخرون من قراء الأندلس ، وسمع منه عبد الله بن أحمد بن معاذ الداراني.

قال أبو الوليد بن الفرضي : أدخل الأنطاكي الأندلس علما جمّا ، وكان بصيرا بالعربية والحساب ، وله حظّ من الفقه ، قرأ الناس عليه ، وسمعت أنا منه ، وكان إماما في القراءات (٢) ، لا يتقدّمه أحد في معرفتها في وقته ، وكان مولده بأنطاكية سنة ٢٩٩ ، ومات بقرطبة في ربيع الأول سنة ٣٧٧ ، رحمه الله تعالى!

٨٣ ـ ومنهم عمر بن مودود بن عمر ، الفارسي ، البخاري ، يكنى أبا البركات (٣)

ولد بسلماس ، ونشأ بها ، وكتب الحديث هنالك ، وتعلم العربية والفقه ، وهو من أبناء الملوك ، وانتقل إلى المغرب ، فدخل الأندلس ، ونزل مالقة في حدود ثلاثين وستمائة ، ودخل إشبيلية ، وكانت له رواية بالمشرق.

قال ابن الأبار : أجاز لي ما رواه ، ولم يسمّ أحدا من شيوخه ، وبلغني أنه سمع صحيح البخاري بالدامغان (٤) على أبي عبد الله محمد بن محمود ، وكانت إجازته لي سنة ٦٣١ ، وعاش بعد ذلك ، وتوفي بمراكش بعد الأربعين وستمائة ، وحدّث بالأندلس ، وأخذ عنه الناس ، وكان من أهل التصوّف والتحقّق بعلم الكلام ، رحمه الله تعالى!.

٨٤ ـ ومنهم الشريف الأجلّ الرحالة الشيخ نجم الدين بن مهذّب الدين.

__________________

(١) انظر ترجمته في غاية النهاية في طبقات القرّاء ج ١ ص ٥٦٤.

(٢) في ب ، ه «وكان رأسا في القراءات».

(٣) انظر ترجمته في الصلة : ٧٤. والتكملة رقم ٢٢٥٢.

(٤) الدامغان : بلد بين الري ونيسابور ، وهي قصبة قومس.

٤٠٠