مولده سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ، وتوفي في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ست وأربعين وخمسمائة بلورقة ، قصد ميورقة يتولى قضاءها فصدّ عن دخولها وصرف منها إلى لورقة اعتداء عليه ، رحمه الله تعالى! انتهى.
وقال الفتح في حقه ما نصه : فتى العمر كله العلاء ، حديث السن قديم السناء ، لبس الجلالة بردا ضافيا ، وورد ماء الأصالة صافيا ، وأوضح للفضل رسما عافيا ، وثنى في ذهنه للأغراض فننا قصدا ، وجعل فهمه شهابا رصدا ، سما إلى رتب الكهول صغيرا ، وسنّ كتيبة ذهنه على العلوم مغيرا ، فسباها معنى وفصلا ، وحواها فرعا وأصلا ، وله أدب يسيل رضراضا (١) ، ويستحيل ألفاظا مبتدعة وأغراضا.
وقال أيضا فيه : نبعة دوح العلاء ، ومحرز ملابس الثناء ، فذّ الجلالة ، وواحد العصر والأصالة ، وقار كما رسا الهضب ، وأدب كما اطّرد السّلسل العذب ، وشيم تتضاءل لها قطع الرياض ، وتبادر الظن به إلى شريف الأغراض ، سابق الأمجاد فاستولى على الأمد بعباه (٢) ، ولم ينض ثوب شبابه (٣) ، أدمن التعب في السؤدد جاهدا ، فتى تناول الكواكب قاعدا ، وما اتكل على أوائله ، ولا سكن إلى راحات بكره وأصائله ، أثره في كل معرفة علم في رأسه نار ، وطوالعه في آفاقها صبح أو منار ، وقد أثبتّ من نظمه المستبدع ما ينفح عبيرا ، ويتضح منيرا ، فمن ذلك قوله من قصيدة : [بحر البسيط]
وليلة جبت فيها الجزع مرتديا |
|
بالسيف أسحب أذيالا من الظلم |
والنجم حيران في بحر الدجى غرق |
|
والبرق في طيلسان الليل كالعلم |
كأنما الليل زنجيّ بكاهله |
|
جرح فيثعب أحيانا له بدم (٤) |
انتهى المقصود منه.
وهو ـ أعني أبا بكر ـ أحد مشايخ عياض ، حسبما ألمعت به في «أزهار الرياض».
٢١٢ ـ ومنهم شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فرح ـ بالحاء المهملة ـ بن أحمد بن محمد ، الإمام ، الحافظ ، الزاهد ، بقية السلف ، اللّخمي ، الإشبيليّ ، الشافعي (٥) ، أسره الإفرنج
__________________
(١) الرضراض : في الأصل الحصا الدقيق في مجاري الماء ، وهنا الصافي الرائق.
(٢) في ب : «بعبابه».
(٣) نضا الثوب : خلعه.
(٤) يثعب : يجري ويسيل الدم.
(٥) انظر ترجمته في شذرات الذهب ج ٥ ص ٤٤٣. وقد توفي سنة ٦٩٩ ه.