نفح الطّيب - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٠

خلوص الضمائر عن قود العساكر ، ونفّلنا (١) على أيدي قوّادنا ورجالنا من السّبايا والغنائم ما غدا ذكره في الآفاق كالمثل السائر (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)) [إبراهيم : ٣٤] وكيف يحصيها المحصي أو يحصرها الحاصر ، وحين أبدت لنا العناية الربانية وجوه الفتح سافرة المحيّا ، وانتشقنا نسائم النصر الممنوح عبقة الرّيّا ، استخرنا الله تعالى في الغزو بنفسنا ونعم المستخار ، وكتبنا بما قد علمتم إلى ما قرب من أعمالنا بالحضّ على الجهاد والاستنفار ، وحين وافى من خفّ للجهاد من الأجناد والمطوعين ، وغدوا بحكم رغبتهم في الثواب على طاعة الله مجتمعين ، خرجنا بهم ونصر الله تعالى أهدى دليل ، وعناية الله تعالى بهذه الفئة المفردة من المسلمين تقضي بتقريب البعيد من آمالنا وتكثير القليل ، ونحن نسأل الله تعالى أن يحملنا على جادّة الرضا والقبول ، وأن يرشدنا إلى طريق تقضي إلى بلوغ الأمنية والمأمول.

وهذه رسالة طويلة سقنا بعضها كالعنوان لسائرها.

ونال ابن الحكيم ـ رحمه الله تعالى! ـ من الرياسة والتحكم في الدولة ما صار كالمثل السائر ، وخدمته العلماء الأكابر ، كابن خميس وغيره ، وأفاض عليهم سجال خيره ، ثم ردت الأيام منه ما وهبت ، وانقضت أيامه كأن لم تكن وذهبت ، وقتل يوم خلع سلطانه ، ومثّل به سنة ٧٠٨ (٢) ، رحمه الله تعالى! وانتهب من أمواله وكتبه وتحفه ما لا يعلم قدره إلا الله تعالى ، أثابه الله تعالى بهذه الشهادة بجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد وعظم.

٢٤٥ ـ ومن المرتحلين من الأندلس إلى المشرق الحافظ نجيب الدين أبو محمد عبد العزيز بن الأمير القائد أبي علي الحسن بن عبد العزيز بن هلال ، اللخمي ، الأندلسي.

ولد سنة ٥٧٧ تقريبا ، ورحل فسمع بمكة من زاهر بن رستم ، وببغداد من أبي بكر أحمد بن سكينة وابن طبرزد وطائفة ، وبواسط من أبي الفتح بن المنداني (٣) وبأصبهان من عين الشمس الثقفية وجماعة ، وبخراسان من المؤيد الطوسي وأبي روح وأصحاب الفراوي وهذه الطبقة ، وخطه مليح مغربي في غاية الدقة. وكان كثير الأسفار ، دينا متصوّفا كبير القدر ، قال الضياء في حقه : رفيقنا وصديقنا ، توفي بالبصرة عاشر رمضان سنة ٦١٧ ، ودفن إلى جانب قبر سهل التّستري رضي الله تعالى عنه! وما رأينا من أهل المغرب مثله ، وقال ابن نقطة : كان ثقة فاضلا ، صاحب حديث وسنة ، كريم الأخلاق ، وقال مفضل القرشي : كان كثير المروءة غزير

__________________

(١) نفّل القائد جنده : أعطاهم ما غنموه.

(٢) في أ : «٧٥٨».

(٣) في ج : «ابن الميداني».

٢٢١

الإنسانية ، وقال ابن الحاجب : كان كيّس الأخلاق (١) ، محبوب الصورة ، لين الكلام ، كريم النفس ، حلو الشمائل ، محسنا إلى أهل العلم بماله وجاهه ، وقيل : إنه أوصى بكتبه للشرف المرسي ، رحمه الله تعالى!.

٢٤٦ ـ ومنهم محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد ، أبو بكر بن العربي الإشبيلي ، حفيد القاضي الحافظ الكبير أبو بكر بن العربي.

قرأ لنافع على قاسم بن محمد الزقاق صاحب شريح ، وحج فسمع من السّلفي وغيره ، ثم رحل بعد نيف وعشرين سنة إلى الشام والعراق ، وأخذ عن عبد الوهاب بن سكينة وطبقته ، ورجع فأخذوا عنه بقرطبة وإشبيلية ، ثم سافر سنة ٦١٢ وتصوف وتعبد ، وتوفي بالإسكندرية سنة ٦١٧. قاله الذهبي في تاريخه الكبير.

٢٤٧ ـ ومن المرتحلين من الأندلس يحيى بن عبد العزيز ، المعروف بابن الخرّاز (٢) أبو زكريا ، القرطبي.

سمع من العتبي وعبد الله بن خالد ونظائرهما من رجال الأندلس ، ورحل فسمع بمصر من المزني والربيع بن سليمان المؤذن (٣) ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ويونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن ميمون وعبد الغني بن أبي عقيل وغيرهم ، وسمع بمكة من علي بن عبد العزيز ، وكانت رحلته ورحلة سعيد بن عثمان الأعناقي وسعيد بن حميد وابن أبي تمام واحدة ، وسمع الناس من يحيى المذكور مختصر المزني ورسالة الشافعي وغير ذلك من علم محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وكان يميل في فقهه إلى مذهب الشافعي ، وكان مشاورا مع عبيد الله بن يحيى وأضرابه ، وحدث عنه من أهل الأندلس محمد بن قاسم وابن بشر (٤) وابن عبادة وغير واحد ، ولم يسمع منه ابنه محمد لصغره ، وتوفي سنة ٢٩٥ ، رحمه الله تعالى ورضي عنه!.

٢٤٨ ـ ومنهم الشيخ الإمام العالم العامل الكامل الزاهد الورع ، العلامة جمال الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله ، البكري ، الشريشي ، المالكي.

__________________

(١) الكيّس الأخلاق : الحسن الأخلاق.

(٢) في أ ، ه : ابن الجزار.

(٣) هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي أبو محمد المصري المؤذن ، صاحب الشافعي. توفي سنة ٢٧٠ ه‍ (تقريب التهذيب ١ / ٢٤٥).

(٤) هو أحمد بن بشر الأغبس.

٢٢٢

كان من أكابر الصالحين المتورعين ، ومولده سنة ٦٠١ بشريش ، وتوفي برباط الملك الناصر بسفح قاسيون سنة ٦٨٥ في ٢٤ رجب ، ودفن قبالة الرباط ، وله المصنفات المفيدة ، تولى مشيخة الصخرة بحرم القدس الشريف ، وقدم دمشق ، وتولى مشيخة الرباط الناصري ، فلما توفي قاضي القضاة جمال الدين المالكي ولوه مشيخة المالكية بدمشق ، وعرضوا عليه القضاء فلم يقبل ، وبقي في المشيخة إلى أن توفي ، رحمه الله تعالى ونفعنا به وبأمثاله! آمين.

٢٤٩ ـ ومن الراحلين من الأندلس الفقيه الصالح أبو بكر بن محمد بن علي بن ياسر ، الجيّاني ، المحدث الشهير.

ذكره ابن السمعاني وغيره ، سافر الكثير ، وورد العراق ، وطاف في بلاد خراسان ، وسكن بلخ ، وأكثر من الحديث ، وحصّل الأصول ، ونسخ بخطه ما لا يدخل تحت حصر ، قال ابن السمعاني : وله أنس ومعرفة بالحديث ، لقيته بسمرقند ، وكان قدمها سنة ٥٤٩ مع جماعة من أهل الحجاز لدين له عليهم ، وسمعت منه جزءا خرّجه من حديث يزيد بن هارون مما وقع له عاليا ، وجزءا صغيرا من حديث أبي بكر بن أبي الدنيا ، وأحاديث أبي بكر الشافعي في أحد عشر جزءا المعروف بالغيلانيات بروايته عن ابن الحصين عن ابن غيلان عنه ، وكان مولده بجيّان سنة ٤٩٣ [أو في التي بعدها ، الشك منه ، ثم لقيته بنسف في أواخر سنة خمسين](١) ولم أسمع منه شيئا ، ثم قدم علينا في بخارى في أوائل سنة إحدى وخمسين وسمعت من لفظه جميع كتاب الزهد لهنّاد بن السّري (٢) الكوفي بروايته عن أبي القاسم سهل بن إبراهيم المسجدي عن الحاكم أبي عبد الرحمن محمد بن أحمد الشاذياخي عن الحاكم أبي الفضل محمد بن الحسين الحدّادي عن حماد بن أحمد السلمي عن مصنفه ، وأخبرنا الجيّاني بسمرقند أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين الكاتب ببغداد ، أنبأنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزار ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ، أخبرنا محمد بن مسلمة أنبأنا يزيد بن هارون ، أنبأنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إذا دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار ناداهم مناد : يا أهل الجنّة ، إنّ لكم عند الله موعدا لم تروه ، قالوا : وما هو؟ ألم يثقّل موازيننا ويبيّض وجوهنا ويدخلنا الجنّة وينجنا من النّار؟ قال : فيكشف الحجاب فينظرون إليه ، فو الله ما أعطاهم

__________________

(١) ما بين حاصرتين سقط من ه ومثبت في أ ، ب.

(٢) هناد بن السري : هو هناد بن السري الكوفي الوراق ، روى عن عبثر بن القاسم وأبي الأحوص وابن المبارك وابن فضيل. قال عنه ابن حنبل : صدوق. (انظر الجرح والتعديل للرازي ٩ / ١١٩).

٢٢٣

شيئا أحبّ إليهم من النّظر إليه» ثم تلا هذه الآية (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦].

وقال ابن السمعاني أيضا : وأخبرنا الجيّاني المذكور بسمرقند ، أنبأنا هبة الله بن محمد بن عبد الواحد ببغداد ، أنبأنا أبو طالب بن غيلان ، أنبأنا أبو بكر الشافعي ، أنبأنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا القرشي ، أنبأ محمد بن حسان ، أنبأنا مبارك بن سعيد ، قال : أردت سفرا ، فقال لي الأعمش : سل ربك أن يرزقك صحابة صالحين ، فإن مجاهدا حدثني قال : خرجت من واسط فسألت ربي أن يرزقني صحابة ، ولم أشترط في دعائي ، فاستويت أنا وهم في السفينة فإذا هم أصحاب طنابير.

وقال ابن السمعاني أيضا : أخبرنا أبو بكر الجياني المغربي بسمرقند ، سمعت الإمام أبا طالب إبراهيم بن هبة الله ببلخ يقول : قرأت على أبي يعلى محمد بن أحمد العبدي بالبصرة قال : قرأت على شيخنا أبي الحسين بن يحيى في كتاب «العين» بإسناده إلى الخليل بن أحمد أنه أنشد قول الشاعر : [بحر الخفيف]

إن في بيتنا ثلاث حبالى

فوددنا أن قد وضعن جميعا

زوجتي ثم هرتي ثم شاتي

فإذا ما وضعن كنّ ربيعا

زوجتي للخبيص ، والهر للفا

ر ، وشاتي إذا اشتهينا مجيعا (١)

قال أبو يعلى : قال شيخنا ابن يحيى : وذكر عن الخليل بن أحمد في العين أن المجيع أكل التمر باللبن ، انتهى.

٢٥٠ ـ ومنهم أبو الخطاب العلاء بن عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن حزم ، الأندلسي ، المري.

ذكره الحميدي في تاريخه وأثنى عليه ، وقال : كان من أهل العلم والأدب والذكاء والهمة العالية [في طلب العلم](٢) ، كتب بالأندلس (٣) فأكثر ، ورحل إلى المشرق فاحتفل في العلم والرواية والجمع.

وذكره الحافظ الخطيب أبو بكر [أحمد بن علي](٤) بن ثابت البغدادي ، وقال : هو من

__________________

(١) الخبيص : نوع من الحلواء. والمجيع ، بفتح الميم : تمر يعجن بلبن.

(٢) في طلب العلم : ساقط من ج.

(٣) في ب : وكتب بالأندلس.

(٤) أحمد بن علي : ساقط من ج.

٢٢٤

بيت جلالة وعلم ورياسة ، وأخرج عنه في غير موضع من مصنفاته ، وقدم بغداد ودمشق وحدّث فيهما ، ثم عاد إلى المغرب فتوفي ببلده المريّة سنة ٤٥٤ ، وحدّث عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد بن زكريا الزهري ، ويعرف بابن الإفليلي ، الأندلسي النحوي وغيره ، وكان صدوقا ثقة ، رحمه الله تعالى!.

٢٥١ ـ ومنهم العالم الحسيب أبو حفص عمر بن الحسن الهوزني (١).

ذكره ابن بسّام في «الذخيرة» والحجاري في «المسهب» ولما تولى المعتضد بن عباد والد المعتمد خاف منه فاستأذنه في الحج سنة ٤٤٤ ، ورحل إلى مصر وإلى مكة ، وسمع في طريقه كتاب صحيح البخاري ، وعنه أخذه أهل الأندلس ، ورجع فسكن إشبيلية ، وخدم المعتضد ، فقتله ، ومن خاف من شيء سلط عليه ، وكان قتله يوم الجمعة لليلة خلت من ربيع الأوّل سنة ٤٦٠ ، رحمه الله تعالى!.

ومن شعره يحرضه على الجهاد قوله : [بحر الطويل]

أعبّاد جلّ الرزء والقوم هجّع

على حالة من مثلها يتوقع

فلقّ كتابي من فراغك ساعة

وإن طال فالموصوف للطول موضع

إذا لم أبثّ الداء رب شكاية

أضعت وأهل للملام المضيّع

ووصله بنثر ، وهو : وما أخطأ السبيل من أتى البيوت من أبوابها ، ولا أرجأ الدليل من ناط الأمور بأربابها ، ولربّ أمل بين أثناء المحاذير مدبج ، ومحبوب في طي المكاره مدرج ، فانتهز فرصتها فقد بان من غيرك العجز ، وطبّق مفاصلها فكأن قد أمكنك الحز ، ولا غرو أن يستمطر الغمام في الجدب ، ويستصحب الحسام في الحرب.

وله : [بحر الرمل]

صرّح الشر فلا يستقل

إن نهلتم جاءكم بعد علّ (٢)

بدء صعق الأرض رشّ وطلّ

ورياح ثم غيم أبل

خفضوا فالداء رزء أجلّ

واغمدوا سيفا عليكم يسل

وبسبب قتل بني عباد لأبي حفص الهوزني المذكور تسبب ابنه أبو القاسم في فساد دولة

__________________

(١) ترجمة أبي حفص عمر بن الحسن الهوزني ، ساقطة من ب ، ه.

(٢) صرّح الشرّ : انكشف. ونهل : شرب للمرة الأولى ، وعلّ : شرب للمرة الثانية.

٢٢٥

المعتمد بن عباد ، وحرض عليه أمير المسلمين يوسف بن تاشفين صاحب المغرب حتى أزال ملكه ، ونثر سلكه ، وسبب هلكه ، كما ذكرناه في غير هذا الموضع من هذا الكتاب غير مرة ، فليراجعه من أراده في محاله ، وبيت بني الهوزني المذكور بالأندلس بيت كبير مشهور ، ومنهم عدة علماء وكبراء ، رحم الله تعالى الجميع!.

٢٥٢ ـ ومنهم أبو زكريا يحيى بن قاسم بن هلال ، القرطبي ، الفقيه المالكي.

أحد الأئمة الزهاد ، كان يصوم حتى يعجز (١) ، توفي سنة ٢٧٢ ، وقيل : سنة ٢٧٨ ، ورحل إلى المشرق ، وسمع من عبد الله بن نافع صاحب مالك بن أنس ، ومن سحنون بن سعيد ، وغيرهما ، وكان فاضلا فقيها عابدا عالما بالمسائل ، وروى عنه أحمد بن خالد ، وكان يفضله ويصفه بالفضل والعلم ، وهو صاحب الشجرة ، قال عباس بن أصبغ : كانت في داره شجرة تسجد لسجوده إذا سجد ، قال ابن الفرضي رحمه الله تعالى ، ورضي عنه ، ونفعنا به!.

٢٥٣ ـ ومنهم أبو بكر يحيى بن مجاهد بن عوانة ، الفزاري ، الإلبيري ، الزاهد.

سكن قرطبة ، قال ابن الفرضي : كان منقطع القرين في العبادة ، بعيد الاسم في الزهد ، حج ، وعني بعلم القرآن والقراءات والتفسير ، وسمع بمصر من الأسيوطي وابن الورد وابن شعبان وغيرهم ، وكان له حظ من الفقه والرواية إلا أن العبادة غلبت عليه ، وكان العمل أملك به ، ولا أعلمه حدّث ، توفي رحمه الله تعالى سنة ست وستين وثلاثمائة ، ودفن في مقبرة الرّبض ، وصلى عليه القاضي محمد بن إسحاق بن السليم ، ثم صلى عليه حيّان مرة ثانية ، رحمه الله تعالى! وأفاض علينا من أنوار عنايته! آمين.

٢٥٤ ـ ومنهم أبو بكر محمد بن أحمد بن إبراهيم ، الصدفي ، الإشبيلي ، الأديب البارع.

له نظم حسن ، وموشحات رائقة ، قرأ على الأستاذ الشلوبين وغيره ، ومدح الملوك ، ورحل من الأندلس فقدم ديار مصر ، ومدح بها بعض من كان يوصف بالكرم ، فوصله بنزر يسير (٢) ، فكر راجعا إلى المغرب ، فتوفي ببرقة ، رحمه الله تعالى! وكان من النجباء في النحو وغيره.

ومن نظمه من قصيدة : [بحر البسيط]

ما بي موارد أمر بل مصادره

اللحظ أوّله واللحد آخره (٣)

__________________

(١) في ب : «حتى يخضرّ».

(٢) النزر : القليل التافه.

(٣) في ب ، ه : «ما بي موارد أمس بل مصاره».

٢٢٦

أرسلت طرفي مرتادا فطلّ دمي

روض من الحسن مطلول أزاهره (١)

رعيت في خصبه لحظي فأعقبني

جدبا بجسمي ما يرويه هامره

وبي وإن لم أكن بالذكر أشهره

فالوصف فيه لفقد المثل شاهره

وهي طويلة ، وأثنى عليه أثير الدين أبو حيّان ، وأورد جملة من محاسن كلامه وبدائع نظامه ، رحم الله تعالى الجميع!.

٢٥٥ ـ ومنهم أبو يحيى زكريا بن خطاب ، الكلبي ، التّطيلي.

رحل سنة ٢٩٣ ، فسمع بمكة كتاب «النسب» للزبير بن بكار من الجرجاني الذي حدث به عن علي بن عبد العزيز بن الجمحي عن الزبير ، وروى موطأ مالك بن أنس رواية أبي مصعب أحمد بن عبد الملك الزهري عن إبراهيم بن سعيد الحذاء ، وسمع بها من إبراهيم بن عيسى الشيباني والقزاز في آخرين ، وقدم الأندلس فكان الناس (٢) يرحلون إليه إلى تطيلة للسماع منه ، واستقدمه المستنصر الحكم وهو ولي عهد فسمع منه أكثر مروياته ، وسمع منه جماعة من أهل قرطبة ، وكان ثقة مأمونا ، ولي قضاء بلدة تطيلة إحدى مدائن الأندلس بعد عمر بن يوسف بن الإمام.

٢٥٦ ـ ومنهم سعد الخير بن محمد بن سعد ، أبو الحسن ، الأنصاري ، البلنسي ، المحدّث.

رحل إلى أن دخل الصين ، ولذا كان يكتب البلنسي الصيني ، وركب البحار ، وقاسى المشاق ، وتفقه ببغداد على أبي حامد الغزالي ، وسمع بها أبا عبد الله النعال (٣) وطرادا وغيرهما ، وبأصبهان أبا سعد المطرز ، وسكنها وتزوّج بها وولدت له فاطمة بها ، ثم سكن بغداد ، وروى عنه ابن عساكر وابن السمعاني وأبو موسى المديني وأبو اليمن الكندي وأبو الفرج بن الجوزي وابنته فاطمة بنت سعد الخير في آخرين ، وتأدب على أبي زكريا التبريزي ، وتوفي في المحرم سنة ٥٤١ ، رحمه الله تعالى! ببغداد ، وصلى عليه الغزنوي والشيخ الواعظ بجامع القصر ، وكان وصيه ، وحضر جنازته قاضي القضاة الزينبي والأعيان ، ودفن إلى جانب عبد الله بن (٤) الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم أجمعين بوصية منه.

٢٥٧ ـ ومنهم أبو عثمان سعيد بن نصر بن عمر بن خلفون ، الإستجي.

سمع بقرطبة من قاسم بن أصبغ وابن أبي دليم وغيرهما ، ورحل فسمع بمكة من ابن الأعرابي ، وببغداد من أبي علي الصفار وجماعة ، وبها مات.

__________________

(١) طل دمي : أبطله.

(٢) في أ : «وكان الناس».

(٣) في ه : «النعالي».

(٤) في ب : «ابن الإمام».

٢٢٧

٢٥٨ ـ ومنهم أبو عثمان سعيد الأعناقي ، ويقال : العناقي ، القرطبي.

كان ورعا زاهدا عالما بالحديث بصيرا بعلله ، سمع من محمد بن وضاح وصحبه ومن يحيى بن إبراهيم بن مزين ومحمد بن عبد السلام الخشني وغيرهم ، ورحل فلقي جماعة من أصحاب الحديث منهم نصر بن مرزوق كتب عنه مسند أسد بن موسى وغير ذلك من كتبه ، ويونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم والحارث بن مسكين في آخرين ، وحدث عنه أحمد بن خالد وابن أيمن ومحمد بن قاسم وابن أبي زيد في عدد كثير ، ومولده سنة ٢٣٣ ، وتوفي سنة ٣٠٥ بصفر.

والأعناقي : نسبة إلى موضع يقال له أعناق وعناق.

٢٥٩ ـ ومنهم أبو المطرف عبد الرحمن بن خلف ، التجيبي ، الإقليشي.

روى عن أبي عثمان سعيد بن سالم المجريطي وأبي ميمونة دارس (١) بن إسماعيل فقيه فاس ، ورحل حاجا سنة ٣٤٩ ، فسمع بمكة من أبي بكر الآجري وأبي حفص الجمحي ، وبمصر من أبي إسحاق بن شعبان ، وروى عنه كتاب «الزاهي» جميعه وقد قرىء عليه جميعه ، وحمل عنه ، ومولده سنة ٣٠٣ (٢) رحمه الله تعالى!

٢٦٠ ـ ومنهم أبو الأصبع عبد العزيز بن علي ، المعروف بابن الطحان ، الإشبيلي ، المقري.

ولد بإشبيلية سنة ٤٩٨ ، ورحل فدخل مصر والشام وحلبا ، وتوفي بحلب بعد سنة ٥٥٩ ، وله كتاب «نظام الأداء ، في الوقف والابتداء» ومقدمة في مخارج الحروف ، ومقدمة في أصول القراءات ، وكتاب «الدعاء» وكان من القراء المجوّدين الموصوفين بالإتقان ، ومعرفة وجوه القراءات ، وسمع الحديث على شريح بن محمد بن أحمد بن شريح الرعيني خطيب إشبيلية وأبي بكر يحيى بن سعادة القرطبي.

وله شعر حسن منه قوله : [بحر الهزج]

دع الدنيا لعاشقها

سيصبح من رشائقها

وعاد النفس مصطبرا

ونكّب عن خلائقها (٣)

__________________

(١) في ب ، ه : «دراس بن إسماعيل».

(٢) كذا في ج ، ه. وفي ابن الفرضي «٣٠٠» وفي أ«٣١٣».

(٣) نكب عن الطريق : مال عنه. ونكّب عن خلائقها : أي مل عن خلائق النفس.

٢٢٨

هلاك المرء أن يضحى

مجدّا في علائقها (١)

وذو التقوى يذللها

فيسلم من بوائقها (٢)

وأخذ القراءات ببلده عن أبي العباس بن عيشون وشريح بن محمد ، وروى عنهما وعن أبي عبد الله بن عبد الرزاق الكلبي ، وروى مصنف النسائي عن أبي مروان بن مسرة ، وتصدى للإقراء ، ثم انتقل إلى فاس ، وحج ودخل العراق ، وقرأ بواسط القراءات وأقرأها أيضا ، ودخل الشام واشتهر ذكره ، وجل قدره ، وروى عنه أبو محمد عبد الحق الإشبيلي الحافظ ، وعلي بن يونس ، قال بعضهم : سمعت غير واحد يقول : ليس بالغرب أعلم بالقراءات من ابن الطحان ، قرأ عليه الأثير أبو الحسن محمد بن أبي العلاء وأبو طالب بن عبد السميع وغيرهما ، رحم الله تعالى الجميع!.

٢٦١ ـ ومنهم أبو الأصبغ عبد العزيز بن خلف ، المعافري.

قدم مصر سنة ٥٠٢ ، وولد سنة ٤٤٨ ، وحدث بالموطإ عن سليمان بن أبي القاسم ، أنبأنا أبو عمر بن عبد البر ، أنبأنا سعيد بن نصر ، عن قاسم بن أصبغ عن محمد بن وضاح عن يحيى بن يحيى عن مالك بن أنس إمام دار الهجرة ، رضي الله تعالى عنه!.

٢٦٢ ـ ومنهم أبو محمد عبد العزيز بن عبد الله بن ثعلبة ، السعدي ، الشاطبي (٣).

قدم مصر ودمشق طالب علم ، وسمع أبا الحسن بن أبي الحديد وأبا منصور العكبري وغيرهما ، وصنف (٤) غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام على حروف المعجم ، وسمعه عليه أبو محمد الأكفاني ، وتوفي بأرض حوران من أعمال دمشق في رمضان سنة ٤٦٥ ، رحمه الله تعالى ورضي عنه!.

٢٦٣ ـ ومنهم الحكيم الطبيب أبو الفضل محمد بن عبد المنعم ، الغساني ، الجلياني.

وهو عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن أحمد بن خضر بن مالك بن حسان ، ولد بقرية جليانة من أعمال غرناطة سابع المحرم سنة ٥٣١ ، وقدم إلى القاهرة ، وسار إلى دمشق فسكنها مدّة ، ثم سافر إلى بغداد فدخلها سنة ٦٠١ ، ونزل بالمدرسة النظامية ، وكتب الناس عنه كثيرا

__________________

(١) علائقها : جمع علاقة ، وهي الارتباط.

(٢) البوائق : جمع بائقة ، وهي المصيبة ، الشر.

(٣) انظر ترجمته في التكملة ص ٦٢٣.

(٤) في التكملة : «ورتب غريب الحديث» وهو أصح.

٢٢٩

من نظمه ، وكان أديبا فاضلا ، له شعر مليح المعاني أكثره في الحكم والإلهيات وآداب النفوس والرياضات ، وكان طبيبا حاذقا ، وله رياضات ومعرفة بعلم الباطن ، وله كلام مليح على طريق القوم ، وكان مليح السّمت ، حسن الأخلاق ، لطيفا ، حاضر الجواب ، ومات بدمشق سنة ٦٠٢ ، وكان يقال له : حكيم الزمان ، وأراد القاضي الفاضل أن يغضّ (١) منه فقال له بحضرة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب : كم بين جليانة وغرناطة؟ فقال : مثل ما بين بيسان وبيت المقدس.

ومن شعره قوله : [بحر الطويل]

خبرت بني عصري على البسط والقبض

وكاشفتهم كشف الطبائع بالنبض

فأنتج لي فيهم قياسي تخلّيا

عن الكل إذ هم آفة الوقت والعرض (٢)

ألازم كسر البيت خلوا ، وإن يكن

خروج ففردا ملصق الطّرف بالأرض

أرى الشخص من بعد فأغضي تغافلا

كمشدوه بال في مهمته يمضي

ويحسبني في غفلة وفراستي

على الفور من لمحي بما قد نوى تقضي

أجانبهم سلما ليسلم جانبي

وليس لحقد في النفوس ولا بغض

تخليت عن قومي ولو كان ممكني

تخليت عن بعضي ليسلم لي بعضي

وقال : [بحر الكامل]

قالوا نراك عن الأكابر تعرض

وسواك زوّار لهم متعرّض

قلت الزيارة للزمان إضاعة

وإذا مضى زمن فما يتعوض

إن كان لي يوما إليهم حاجة

فبقدر ما ضمن القضاء نقيّض

وقال : [بحر الكامل]

حاول مفازك قبل أن يتحولا

فالحال آخرها كحالك أولا

إن المني من المنية لفظه

لتدل في أصل البناء على البلا

وسماه بعضهم عبد المنعم ، وذكره العماد في «الخريدة» وقال : هو صاحب البديع البعيد ، والتوشيح والترشيح ، والترصيع والتصريع ، والتجنيس والتطبيق ، والتوفيق والتلفيق ،

__________________

(١) يغض منه : ينتقص.

(٢) العرض : الحسب ، الشرف ، النفس ، الجسد. وكل هذه المعاني ممكنة في البيت.

٢٣٠

والتقريب والتقرير ، والتعريف والتعريب ، وهو مقيم بدمشق ، وقد أتى العسكر المنصور الناصري سنة ٥٨٦ بظاهر ثغر عكا ، وكتب إلى السلطان صلاح الدين وقد جرح فرسه : [بحر الطويل]

أيا ملكا أفنى العداة حسامه

ومنتجعا أقنى العفاة ابتسامه (١)

لقاؤك يوما في الزمان سعادة

فكيف بثاو في حماك حمامه

وعبدك شاك دينه وهو شاكر

نداك الذي يغني الغمام غمامه

ولي فرس أصماه سهم فردّه

أثافيّ ربع بالثلاث قيامه (٢)

تعمر فيه بالجراحة ساحة

وعطل منه سرجه ولجامه

أتينا لما عودتنا من مكارم

يلوذ بها الراجي فيشفي غرامه

فرحماك غوث لا يغيب نصيره

ونعماك غيث لا يغبّ انسجامه (٣)

وله رحمه الله تعالى غير هذا ، وترجمته واسعة.

٢٦٤ ـ ومنهم الأستاذ أبو القاسم عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن عبد القدوس القرطبي ، مؤلف «المفتاح» في القراءات ، ومقرئ أهل قرطبة

رحل وقرأ القراءات على أبي علي الأهوازي ، وبحرّان على أبي القاسم الرّيدي ، وبمصر على أبي العباس بن نفيس ، وبمكة على أبي العباس الكازريني ، وسمع بدمشق من أبي الحسن بن السمسار ، وكان عجبا في تحرير القراءات ومعرفة فنونها ، وكانت الرحلة إليه في وقته ، ولد سنة ٤٠٣ ، ومات في ذي القعدة سنة ٤٦١ ، قرأ عليه أبو القاسم خلف بن النحاس وجماعة ، رحمه الله تعالى!.

٢٦٥ ـ ومنهم عبيد الله ، وقيل : عبد الله ، بغير تصغير ، ابن المظفر بن عبد الله بن محمد ، أبو الحكم ، الباهلي ، الأندلسي.

ولد بالمرية سنة ٤٨٦ ، وحج سنة ٥١٦ وحج أيضا سنة ٥١٨ ، ودخل دمشق وقرأ بصعيد مصر وبالإسكندرية ، ثم مضى إلى العراق ، وأقام ببغداد يعلم الصبيان وخدم السلطان

__________________

(١) المنتجع : اسم مفعول من انتجع أي قصد .. وأقنى : أغنى. والعفاة : جمع عاف ، وهو طالب المعروف.

(٢) أصماه : في الأصل : أصابه فقتله ، وهنا جرحه فعطل قائمة من قوائمه. والأثافي : الأحجار التي توضع عليها القدر ، واحدتها أثفية.

(٣) لا يغيب : لا ينقطع.

٢٣١

محمود بن ملك شاه سنة ٥٢١ ، وأنشأ له في معسكره مارستانا ينقل على أربعين جملا ، فكان طبيبه ، ثم عاد إلى دمشق ومات بها سنة ٥٤٩ ، ودفن بباب الفراديس ، وكان ذا معرفة بالأدب والطب والهندسة ، وله ديوان شعر سماه «نهج الوضاعة ، لأولي الخلاعة» ذكر فيه جملة شعراء كانوا بمدينة دمشق كطالب الصوري ونصر الهيتي وغيرهما كعرقلة ، وفيه نزهات أدبية ، ومفاكهات غريبة ، ممزوج جدها بسخفها ، وهزلها بظرفها ، ورثى فيه أنواعا من الدواب وأنواعا من الأثاث وخلقا من المغنين والأطراف ، وشرح هذا الديوان ابنه الحكيم الفاضل أبو المجد محمد بن أبي الحكم الملقب بأفضل الدولة ، وكان كثير الهزل والمداعبة ، دائم اللهو والمطايبة ، وكان إذا أتاه الغلام وما به شيء فيجس نبضه ثم يقول له : تصلح لك الهريسة ، وكان أعور فقال فيه عرقلة : [بحر السريع]

لنا طبيب شاعر أعور

أراحنا من طبّه الله

ما عاد في صبحة يوم فتى

إلا وفي باقيه رثّاه

وله أيضا يرثيه : [بحر البسيط]

يا عين سحّي بدمع ساكب ودم

على الحكيم الذي يكنى أبا الحكم (١)

قد كان لا رحم الرحمن شيبته

ولا سقى قبره من صيّب الدّيم

شيخا يرى الصلوات الخمس نافلة

ويستحلّ دم الحجاج في الحرم

ومن كنايات أبي الحكم المستحسنة قوله : [بحر الوافر]

ألم ترني أكابد فيك وجدي

وأحمل منك ما لا يستطاع

إذا ما أنجم الجوّ استقلت

ومال الدلو وارتفع الذراع

ومن شعره قوله : [بحر السريع]

محاسن العالم قد جمعت

في حسنه المستكمل البارع

(وليس لله بمستنكر

أن يجمع العالم في الجامع) (٢)

٢٦٦ ـ ومنهم أبو الربيع سليمان بن إبراهيم بن صافي ، الغرناطي ، القيساني.

وقيسانة من عمل غرناطة.

__________________

(١) سحّي : اذرفي الدمع غزيرا.

(٢) البيت كله لأبي نواس ما عدا قافيته.

٢٣٢

الفقيه المالكي ولد سنة ٥٦٤ ، وقدم القاهرة وناب في الحسبة ، وله شعر حسن توفي بالقاهرة سنة ٦٣٤ ، رحمه الله تعالى!.

٢٦٧ ـ ومنهم طالوت بن عبد الجبار ، المعافري ، الأندلسي.

دخل مصر ، وحج ولقي إمامنا مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه ، وعاد إلى قرطبة ، وكان ممن خرج على الحكم بن هشام بن عبد الرحمن من أهل ربض شقندة (١) يريد خلعه وإقامة أخيه المنذر ، وزحفوا إلى قصره بقرطبة ، فحاربهم ، وقتلهم ، وفر من بقي منهم ، فاستتر الفقيه طالوت عاما عند يهودي ، ثم ترامى على صديقه أبي البسّام الكاتب ليأخذ له أمانا من الحكم ، فوشى به إلى الحكم ، وأحضره إليه فعنفه ووبخه ، فقال له : كيف يحل لي أن أخرج إليك وقد سمعت مالك بن أنس يقول : سلطان جائر مدة خير من فتنة ساعة؟ فقال : الله تعالى لقد سمعت هذا من مالك؟ فقال طالوت : اللهم إني قد سمعته ، فقال : انصرف إلى منزلك وأنت آمن ، ثم سأله : أين أستتر؟ فقال : عند يهودي مدة عام ، ثم إني قصدت هذا الوزير فغدر بي ، فغضب الحكم على أبي البسّام وعزله عن وزارته ، وكتب عهدا أن لا يخدمه أبدا ، فرئي أبو البسام بعد ذلك في فاقة وذل ، فقيل : استجيبت فيه دعوة الفقيه طالوت ، رحمه الله تعالى!.

٢٦٨ ـ ومنهم أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد ، ضياء الدين ونظامه ، ابن خروف الأديب ، القيسي ، القرطبي ، القيذافي ، الشاعر

قدم إلى مصر ، ثم سار إلى حلب ومات بها مترديا في جب حنطة سنة ٦٠٣ وقيل : في التي بعدها ، وقيل : سنة خمس وستمائة ، وله شرح كتاب سيبويه ، وحمله إلى صاحب المغرب فأعطاه ألف دينار ، وله شرح جمل الزجاجي ، وكتب في الفرائض وردّ على أبي زيد السهيلي ، وغير ذلك ، ومدح الأفضل ابن السلطان صلاح الدين ومدح الظاهر بن الناصر أيضا.

وشعره جيد ، فمنه قوله في كأس : [بحر مجزوء الرمل]

أنا جسم للحميّا

والحميّا لي روح (٢)

بين أهل الظرف أغدو

كل يوم وأروح

وقال في صبيّ حبس : [بحر الوافر]

__________________

(١) شقندة : قرية بعدوة نهر قرطبة ، فيها اجتمع العجم يتشاورون في حرب العرب ، ويحضون بعضهم بعضا على أن يكونوا يدا واحدة ، وقدموا على لذريق بسبب ذلك. (انظر صفة جزيرة الأندلس ص ١٠٤).

(٢) الحميّا : الخمر.

٢٣٣

أقاضي المسلمين حكمت حكما

غدا وجه الزمان به عبوسا (١)

حبست على الدراهم ذا جمال

ولم تسجنه إذ سلب النفوسا

وقال : [بحر البسيط]

ما أعجب النيل ما أحلى شمائله

في ضفّتيه من الأشجار أدواح (٢)

من جنة الخلد فياض على ترع

تهب فيها هبوب الريح أرواح

ليست زيادته ماء كما زعموا

وإنما هي أرزاق وأرباح

والقيذافي : بقاف ، ثم ياء آخر الحروف ، بعدها ذال معجمة ، ثم ألف ، وفاء.

وله رسالة كتب بها إلى بهاء الدين بن شداد بحلب يطلب منه فروة ، وهي : [بحر الهزج]

بهاء الدين والدنيا

ونور المجد والحسب

طلبت مخافة الأنوا

ء من جدواك جلد أبي

وفضلك عالم أني

خروف بارع الأدب

حلبت الدهر أشطره

وفي حلب صفا حلبي

ذو الحسب الباهر ، والنسب الزاهر ، يسحب ذيول سير السيراء ، ويحبّ النحاة (٣) من أجل القرّاء ، ويمن على الخروف النبيه ، بجلد أبيه ، قاني الصباغ ، قريب عهد بالدباغ ، ما ضل طالب قرظه ولا ضاع ، بل ذاع ثناء صانعه وضاع (٤) ، إذا طهر إهابه ، يخافه البرد ويهابه ، أثيث خمائل الصوف ، يهزأ بكل هوجاء عصوف ، ما في اللباس له ضريب ، إذا نزل الجليد والضريب (٥) ، ولا في الثياب له نظير ، إذا عري من ورقه الغصن النّضير ، والمولى يبعثه فرجي النوع ، أرجي الضوع ، يكون تارة لحافا وتارة بردا ، وهو في الحالين يحيى حرّا ويميت بردا ، لا كطيلسان ابن حرب ، ولا كجلد عمرو الممزق بالضرب ، إن عزاه السواد إلى حام فحام ، أو نماه البياض إلى سام فسام ، كأنه من جلد جمل الحرباء ، الذي يرعى القمر والنجم ، لا من جلد السّخلة الجرباء ، التي ترعى الشجر والنجم ، لا زال مهديه سعيدا ، ينجز للأخيار وعدا وللأشرار وعيدا ، بالمنة والطول ، والقوة والحول.

__________________

(١) أقاضي المسلمين : الهمزة أداة نداء للقريب ، وقاضي المسلمين منادى.

(٢) أدواح : جمع دوحة ، وهي الشجرة العظيمة المتسعة.

(٣) في ه : «ويحب النجاة من أجل القراء».

(٤) ضاع يضوع ضوعا ـ المسك ونحوه : تحرك فانتشرت رائحته.

(٥) الضريب : الثلج ، والصقيع.

٢٣٤

٢٦٩ ـ ومنهم مالك بن مالك ، من أهل جيان ، رحل حاجا فأدى الفريضة ، وسكن حلبا ، ولقي عبد الكريم بن عمران ، وأنشد له قوله : [بحر البسيط]

يا رب خذ بيدي مما دفعت له

فلست منه على ورد ولا صدر

الأمر ما أنت رائيه وعالمه

وقد عتبت ولا عتب على القدر

من يكشف السوء إلا أنت بارئنا

ومن يزيل بصفو حالة الكدر

٢٧٠ ـ ومنهم أبو علي بن خميس ، وهو منصور بن خميس بن محمد بن إبراهيم ، اللخمي من أهل المرية.

سمع من أبي عبد الله البوني وابن صالح ، وأخذ عنهما القراءات ، وروى أيضا عن الحافظ القاضي أبي بكر بن العربي ، وأبوي القاسم ابن رضا وابن ورد وأبي محمد الرشاطي وأبي الحجاج القضاعي وأبي محمد عبد الحق بن عطية وأبي عمرو الخضر بن عبد الرحمن وأبي القاسم عبد الحق (١) بن محمد الخزرجي وغيرهم ، ورحل حاجا فنزل الإسكندرية ، وسمع منه أبو عبد الله بن عطية الداني سنة ٥٩٦ ، وحدث عنه بالإجازة أبو العباس العزفي وغيره.

٢٧١ ـ ومنهم منصور بن لبّ بن عيسى ، الأنصاري.

من أهل المرية ، يكنى أبا علي ، أخذ القراءات ببلده عن ابن خميس المذكور قبله ، ورحل بعده ، فنزل الإسكندرية ، وأجازه أبو الطاهر السّلفي في صغره ، وقد أخذ عنه فيما ذكر بعضهم ، ومولده سنة ٥٧١ رحمه الله تعالى!.

٢٧٢ ـ ومنهم مفرج بن حماد بن الحسين بن مفرج ، المعافري.

من أهل قرطبة ، وهو جد ابن مفرج صاحب كتاب «الاحتفال ، بعلم الرجال» صحب المذكور محمد بن وضاح في رحلته الثانية ، وشاركه في كثير من رجاله ، وصدر عن المشرق معه ، فاجتهد في العبادة ، وانتبذ عن الناس ، ثم كر راجعا إلى مكة عند موت ابن وضاح ، فنزلها واستوطنها إلى أن مات ، فقبره هنالك.

وقال في حقه أبو عمر عفيف : إنه كان من الصالحين ، رحل فحج وجاور بمكة نحو عشرين سنه إلى أن مات بها ، رحمه الله تعالى!.

__________________

(١) في ب ، ه : «وأبي القاسم عبد الرحمن بن محمد الخزرجي». وفي التكملة «وأبي القاسم عبد الرحيم».

٢٣٥

٢٧٣ ـ ومنهم محب بن الحسين ، من أهل الثغر الشرقي ، كانت له رحلة حج فيها ، وسمع بالقيروان من أبي عبد الله بن سفيان الكناني (١) «الهادي في القراءات» من تأليفه وكان رجلا صالحا ، حدث عنه أبو عبد الله محمد بن عبد الملك التجيبي من شيوخ أبي مروان بن الصيقل.

٢٧٤ ـ ومنهم مساعد بن أحمد بن مساعد ، الأصبحي.

من أهل أوريولة (٢) ، يكنى أبا عبد الرحمن ، ويعرف بابن زعوقة ، روى عن ابن أبي تليد وابن جحدر ، والحافظين أبي علي الصدفي وأبي بكر بن العربي ، وكتب إليه أبو بكر بن غالب بن عطية ، ورحل حاجا في سنة أربع وتسعين وأربعمائة ، فأدى الفريضة سنة خمس بعدها ، ولقي بمكة أبا عبد الله الطبري ، فسمع منه صحيح مسلم ، مشتركا في السماع مع أبي محمد بن جعفر الفقيه (٣) ، ولقي أبا محمد بن العرجاء وأبا بكر بن الوليد الطرطوشي وأصحاب الإمام أبي حامد الغزالي وأبا عبد الله المازري وجماعة سواهم ساوى بلقائهم مشيختهم (٤) ، وانصرف إلى بلده فسمع منه الناس ، وأخذوا عنه لعلو روايته ، وكان من أهل المعرفة والصلاح والورع ، وممن حدث عنه من الجلة أبو القاسم بن بشكوال وأبو الحجاج الثغري الغرناطي ، وأبو محمد عبد المنعم بن الفرس وغيرهم ، وأغفله ابن بشكوال فلم يذكره في الصلة مع كونه روى عنه ، وقال تلميذه أبو الحجاج الثغري الغرناطي : أخبرني أبو سليمان بن حوط الله وغيره عنه ، قال : أخبرني الحاج أبو عبد الرحمن بن مساعد رضي الله تعالى عنه : أنه لقي بالمشرق امرأة تعرف بصباح عند باب الصفا ، وكان يقرأ عليها بعض التفاسير ، فجاء بيت شعر شاهد ، فسألت : هل له صاحب ، فسألوا الشيخ أبا محمد بن العرجاء ، فقال الشيخ : لا أذكر له صاحبا ، فأنشدت : [بحر الخفيف]

طلعت شمس من أحبّك ليلا

واستضاءت فما لها من مغيب

إن شمس النهار تغرب باللي

ل وشمس القلوب دون غروب

__________________

(١) في أ : «أبي عبد الله بن سفيان الكتاب الهادي».

(٢) أوريولة : حصن بالأندلس ، وهو من كور تدمير وبين أوريولة وألش ثمانية وعشرون ميلا. ومدينة أوريولة مدينة قديمة (انظر صفة جزيرة الأندلس ص ٣٤).

(٣) في ب : «محمد بن أبي جعفر الفقيه».

(٤) في ب : «بلقائهم مشيخته».

٢٣٦

ولد في صفر سنة ٤٦٨ ، وتوفي بأوريولة سنة ٥٤٥ ، قاله ابن شعبان (١).

٢٧٥ ـ ومنهم أبو حبيب نصر بن القاسم.

قال ابن الأبار : أظنه من أهل غرناطة ، له رحلة حج فيها ، وسمع من أبي الطاهر السّلفي ، وحدث عنه عن ابن فتح بمسند الجوهري ، انتهى.

٢٧٦ ـ ومنهم النعمان بن النعمان ، المعافري.

من أهل ميورقة منسوب إلى جده ، رحل حاجا فأدى الفريضة وجاور بمكة ثم قفل إلى بلده ، واعتزل الناس ، وكان يشار إليه بإجابة الدعوة ، وتوفي سنة ٦١٦ رحمه الله تعالى! ونفعنا به!.

٢٧٧ ـ ومنهم نعم الخلف بن عبد الله بن أبي ثور ، الحضرمي.

من أهل طرطوشة أو ناحيتها ، رحل إلى المشرق ، وأدى الفريضة ، ولقي بمكة أبا عبد الله الأصبهاني ، فسمع منه سنة ٤٢٢ ، حدث عنه ابنه القاسم بن نعم الخلف بيسير.

٢٧٨ ـ ومنهم نابت ـ بالنون ـ ابن المفرج بن يوسف ، الخثعمي.

أصله من بلنسية ، وسكن مصر ، يكنى أبا الزهر ، قال السّلفي : قدم مصر بعد خروجي منها ، وتفقه على مذهب الشافعي ، وتأدب ، وقال الشعر الفائق ، وكتب إلي بشيء من شعره ، ومات في رجب سنة ٥٤٥ بمصر.

٢٧٩ ـ ومنهم ضمام بن عبد الله ، الأندلسي (٢).

رجل إلى المشرق ، ودخل بغداد ، وهو ممن يروي (٣) عن عبد السلام بن مسلم (٤) الأندلسي ، وممن روى عن ضمام أبو الفرج أحمد بن القاسم الخشاب البغدادي من شيوخ الدارقطني ، قال ابن الأبار : هكذا وقع في نسخة عتيقة من تأليف الدارقطني في الرواة عن مالك في باب مسلمة منه ضمام ـ بالضاد المعجمة ـ وهكذا ثبت في رواية أبي زكريا بن مالك بن عائذ (٥) عن الدارقطني ، وقال فيه غيره : همّام بن عبد الله ـ بالهاء وتشديد الميم ـ وفي حرف

__________________

(١) في ب : «ابن سفيان».

(٢) انظر ترجمته في الذيل والتكملة ٤ / ١٤٥.

(٣) في ه : «وهو ممن روى».

(٤) في ب : «مسلمة الأندلسي».

(٥) في ه : «عائد» بالدال المهملة.

٢٣٧

الهاء أثبته أبو الوليد بن الفرضي من تاريخه ، والأول عندي أصح ، والله تعالى أعلم ، انتهى.

٢٨٠ ـ ومنهم ضرغام بن عروة بن حجاج بن أبي فريعة ، واسمه زيد ، مولى عبد الرحمن بن معاوية والداخل معه إلى الأندلس ، من أهل لبلة (١) ، له رحلة إلى المشرق ، وكان فقيها ، ذكره الرازي.

٢٨١ ـ ومنهم عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر ، المعافري.

من أهل قرطبة ، وأصله من الجزيرة الخضراء ، وهو والد المنصور بن أبي عامر ويكنى أبا حفص ، سمع الحديث ، وكتبه عن محمد بن عمر بن لبابة وأحمد بن خالد ومحمد بن فطيس وغيرهم ، ورحل إلى المشرق فأدى الفريضة ، وكان من أهل الخير والدين والصلاح والزهد والقعود عن السلطان ، أثنى عليه الراوية أبو محمد الباجي وقال : كان لي خير صديق أنتفع به وينتفع بي ، وأقابل معه كتبه وكتبي ، ومات منصرفه من حجه ، ودفن بمدينة طرابلس المغرب ، وقيل : بموضع يقال له رقّادة ، وكان رجلا عالما صالحا ، وقال بعضهم : إنه توفي في آخر خلافة عبد الرحمن الناصر.

٢٨٢ ـ ومنهم أبو محمد عبد الله بن حمود ، الزبيدي ، الإشبيلي ، ابن عم أبي بكر محمد بن الحسن ، الزبيدي ، اللغوي.

كان من مشاهير أصحاب أبي علي البغدادي ، ورحل إلى المشرق فلم يعد إلى الأندلس ، ولازم السيرافي في بغداد إلى أن توفي ، فلازم بعده صاحبه أبا علي الفارسي ببغداد والعراق ، وحيثما جال ، واتبعه إلى فارس ، وحكى أبو الفتوح الجرجاني أن أبا علي البغدادي غلّس لصلاة (٢) الصبح في المسجد ، فقام إليه أبو محمد الزبيدي من مذود كان لدابته خارج الدار قد بات فيه أو أدلج إليه ليكون أول وارد عليه ، فارتاع منه ، وقال : ويحك! من تكون؟ قال : أنا عبد الله الأندلسي ، فقال له : إلى كم تتبعني؟ والله إنه ليس على وجه الأرض أنحى منك (٣) ، وكان من كبار النحاة وأهل المعرفة التامة والشعر ، وجمع شرحا لكتاب سيبويه ، ويقال : إنه توفي ببغداد سنة ٣٧٣ (٤).

__________________

(١) لبلة : مدينة في غرب الأندلس حسنة ، متوسطة القدر ، لها سور منيع (انظر صفة جزيرة الأندلس ص ١٦٩).

(٢) غلّس لصلاة الصبح : خرج إليها وقت الغلس ، وهو قبل أن يسفر الصبح.

(٣) في ب ، ه : «إن على وجه الأرض أنحى منك» محرفا. وأنحى منك : أعرف منك بالنحو.

(٤) في ب ، ه : «سنة ٣٧٢».

٢٣٨

٢٨٣ ـ ومنهم عبد الله بن رشيق ، القرطبي.

رحل من الأندلس ، فأوطن القيروان (١) ، واختص بأبي عمران الفاسي ، وتفقه به ، وكان أديبا شاعرا عفيفا خيرا ، وفي شيخه أبي عمران أكثر شعره ، ورحل حاجا فأدى الفريضة ، وتوفي في انصرافه بمصر سنة ٤١٩ ، وأنشد له ابن رشيق في «الأنموذج» قوله رحمه الله تعالى : [بحر مجزوء الخفيف]

خير أعمالك الرضا

بالمقادير والقضا

بينما المرء ناضر

قيل : قد مات وانقضى

وقوله : [بحر الطويل]

سأقطع حبلي من حبالك جاهدا

وأهجر هجرا لا يجر لنا عرضا

وقد يعرض الإنسان عمن يوده

ويلقى ببشر من يسرّ له البغضا

قال في «الأنموذج» : وأراد الحج فناله وجع فمات بمصر بعد اشتهاره فيها بالعلم والجلالة ، وقد بلغ عمره نحو الأربعين سنة ، رحمه الله تعالى! وهو مخالف لما قدمناه من أنه أدى الفريضة ، وقد ذكر ابن الأبار العبارتين ، والله تعالى أعلم.

٢٨٤ ـ ومنهم أبو بكر اليابري ، ويكنى أيضا أبا محمد ، وهو عبد الله بن طلحة بن محمد بن عبد الله.

أصله من يابرة ، ونزل هو إشبيلية ، وروى عن أبي الوليد الباجي وعن جماعة بغرب الأندلس منهم أبو بكر بن أيوب وأبو الحزم بن عليم وأبو عبد الله بن مزاحم البطليوسيّون وغيرهم ، وكان ذا معرفة بالنحو والأصول والفقه وحفظ التفسير والقيام عليه ، وحلّق به (٢) مدّة بإشبيلية وغيرها ، وهو كان الغالب عليه مع القصص فيسرد منه جملا على العامّة ، وكان متكلما ، وله رد على أبي محمد بن حزم ، وكان أحد الأئمة بجامع العديس (٣) ، ورحل إلى المشرق ، فروى عن أبي بكر محمد بن زيدون بن علي كتابه المؤلف في الحديث المعروف بالزيدوني ، وألف كتابا في شرح صدر رسالة ابن أبي زيد (٤) ، وبين ما فيها من العقائد ، وله

__________________

(١) أوطن القيروان : أقام بها واتخذها وطنا.

(٢) في أ : «وعلق به». وحلق به : أي كانت له به حلقة.

(٣) في ب : «بجامع العدبّس» وفي ه «بجامع العريس».

(٤) في ه : «رسالة ابن زيدون».

٢٣٩

مجموعة في الأصول والفقه منها كتاب سماه «المدخل» إلى كتاب آخر سماه «سيف الإسلام ، على مذهب مالك الإمام» ألفه للأمير علي بن تميم بن المعز الصّهناجي صاحب المهدية ، وذكر في فصل الحج منه أنه رحل إلى المهدية سنة ٥١٥ (١) ، واستوطن مصر مدة ، ثم رحل إلى مكة ، وبها توفي رحمه الله تعالى! وروى عنه أبو المظفر الشيباني وأبو محمد العثماني وأبو الحجاج يوسف بن محمد القيرواني وأبو عمرو عثمان بن فرج العبدري (٢) وأبو محمد بن صدقة للمنكبي وأبو عبد بن يعيش البلنسي وغيرهم ، وكان سماع أبي الحجاج منه موطأ مالك سنة ٥١٦ ، رحم الله تعالى الجميع!.

٢٨٥ ـ ومنهم أبو محمد عبد الله بن محمد بن مرزوق ، اليحصبي ، الأندلسي.

رحل حاجا فسمع منه بالإسكندرية أبو الطاهر السّلفي كتاب «طبقات الأمم لأبي القاسم صاعد بن أحمد الطليطلي ، وحدّث به عنه عن ابن برأل (٣) عن صاعد.

٢٨٦ ـ ومنهم أبو محمد عبد الله بن محمد ، الصريحي ، المرسي ، ويعرف بابن مطحنة

روى عن أبي بكر بن الفرضي النحوي ، وتأدب به ، ورحل إلى المشرق ، ولقي أبا محمد العثماني وغيره ، وحج ، وقعد لتعليم الآداب ، وممن أخذ عنه أبو عبد الله محمد بن عبد السلام وأبو عبد الله المكناسي وغيرهما ، وأنشد رحمه الله تعالى قال : أنشدني أبو محمد عبد الله بن البيّاسي بالإسكندرية لنفسه : [بحر الوافر]

يمدّ الدهر من أجلي وعمري

كما أني أمد من المداد (٤)

لنا خطان مختلفان جدا

كما اختلف الموالي والمعادي

فأكتب بالسواد على بياض

ويكتب بالبياض على السواد

وهذا نظير قول الآخر : [بحر الوافر]

ولي خط وللأيام خط

وبينهما مخالفة المداد

فأكتبه سوادا في بياض

وتكتبه بياضا في سواد

وبعضهم ينسب الأبيات الثلاثة السابقة للسّلفي الحافظ ، فالله تعالى أعلم.

٢٨٧ ـ ومنهم أبو محمد عبد الله بن عيسى ، الشّلبي.

__________________

(١) في ب ، ه : «سنة ٥١٤».

(٢) في أ : «العبدوي».

(٣) في ب : «ابن برال».

(٤) المداد : الحبر.

٢٤٠