الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني
المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٠
وهذي قواف أم هي الشمس؟ إنني |
|
أراها على الجوزاء بالأنف تشمخ |
بل هي نصّ من ودادك محكم |
|
تزول الرواسي وهي لم تك تنسخ |
أتتني بمدح مخجل فكأنها |
|
لفرط حيائي قد أتتني توبخ |
وهل أنا إلا خادم نعل سيدي |
|
وبيني وبين المدح في الحق برزخ |
وما هي إلا غرة حزت فخرها |
|
وإني بها بادي المحاسن أشدخ (١) |
فلا درّ درّي وانحرفت عن العلا |
|
إذا كان ودي عن معاليك يفسخ |
وحبك مهما طال شرقا ومغربا |
|
بوكر ابن شاهين الوفيّ يفرّخ |
وإني وإن أرخت مجدا لماجد |
|
فإني باسم المقري أؤرخ |
سمي ومولاي الذي راح مدحه |
|
لرأس الأعادي بالمعاريض يرضخ (٢) |
ودم يا نظير البدر ترقى بأوجه |
|
ولا زلت في طرفي وقلبي ترسخ |
وكنت يوما أروم الصعود لموضع عال فوقعت ، وانفكت رجلي ، وألمت ، فكتب إلي:[بحر السريع]
لا ألمت رجلك يا سيدي |
|
وصانها الله من الشّين |
ما هي إلا قدم للعلا |
|
لا احتاج ذاك النصل للقين |
زانت دمشق الشام في حلها |
|
فلا رأت فيها سوى الزين |
بانت عن الأهل لتشريفنا |
|
لا جمعت أينا إلى بين (٣) |
عجبت من راسخة في العلا |
|
والعلم إذ زاغت من العين |
إني أعاف المين بين الورى |
|
ولست والله أخا مين (٤) |
للمقري المجتبى أحمد |
|
دين الهوى والمدح كالدين |
وأحمد الله على أنني |
|
رأيته حاز الفريقين |
__________________
(١) في ه : «بادي المحاسن أشرخ» والأشرخ : المنتشر الغرة.
(٢) المعاريض : جمع معراض ، ويطلق على السهم الذي يرمى به بلا ريش ولا نصل ، ويطلق على التورية في الكلام ، كما قيل «إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب» ويرضخ : مضارع رضخ رأسه بالحجر ، إذا كسره به.
(٣) الأين : التعب.
(٤) المين : الكذب.
فلا أراه الله في عمره |
|
بينا يؤدّيه إلى أين |
تعويذا لمحب العبد الحقير الداعي أحمد بن شاهين ، انتهى.
وأهديت إليه حفظه الله تعالى سبحة وخاتما ، وكتبت إليه : [بحر مجزوء الكامل]
يا نجل شاهين الذي |
|
أحيا المعالي والمعالم |
يا من به ريشت من الم |
|
جد الخوافي والقوادم |
يا من دمشق بطيب ما |
|
يبديه عاطرة النواسم |
فالنهر منها ذو صفا |
|
والزهر مفترّ المباسم |
والغصن يثني عطفه |
|
طربا لتغريد الحمائم |
يا أحمد الأوصاف يا |
|
من حاز أنواع المكارم |
أنت الذي طوّقتني |
|
مننا لها تعنو الأعاظم (١) |
فمتى أؤدي شكرها |
|
والعجر لي وصف ملازم |
والعذر باد إن بعث |
|
ت إليك من جنس الرتائم |
بنتيجة الذكر التي |
|
جاءت بتصحيف ملائم |
وبحائم صاد إلى |
|
فيض الندى من كف حاتم |
فامدد على جهد المق |
|
لّ رواق صفح ذا دعائم |
واقبل عقيلة فكر من |
|
هو في بحار العيّ عائم |
لا زلت سابق غاية |
|
بين الأعارب والأعاجم |
فأجابني بما صورته : [بحر مجزوء الكامل]
يا سيدا شعري له |
|
ما إن يقاوي أو يقاوم |
كلا ، ولا قدري له |
|
يوما يساوى أو يساوم |
يا من رأيت عطاردا |
|
منه بدا في شخص عالم |
يا من بنفحة خلقه |
|
وبنظمه السامي الملائم |
أضحى يريني معجز |
|
ين من النواسم والمباسم |
__________________
(١) المنن : جمع منة ، وهي الإحسان. ويعنو : يصبح أسيرا.
ما زلت أبصر منهما |
|
حسن النّعامى والنعائم (١) |
بهما زماني حاسدا |
|
أضحى وبالتنغيص حاسم |
قلمي وقلبي بين ها |
|
م في الثناء له وهائم |
حبّي لأحمد سيدي |
|
شيخ الورى فرض ملازم |
المقري المعتلي |
|
شرف المعالي والمعالم |
مالي إليه وسيلة |
|
إلا هوى في القلب دائم |
قد جاء ما شرفتني |
|
بخصوصه دون الأعاظم |
من خاتم كفى به |
|
ورثت سليمان العزائم |
وجعلتني لا أحسب العي |
|
وق لي في فص خاتم (٢) |
وبسبحة شبهتها |
|
بالشهب في أسلاك ناظم |
فلتحسد الجوزاء ما |
|
أحرزت من تلك المكارم |
هي آلة للذكر لك |
|
ن ليس ذكرى في الحيازم (٣) |
فهواك في قلبي وما |
|
في القلب جلّ عن الرتائم |
ما ذي رتائم سيدي |
|
بل إنها عندي تمائم |
لو أنها من جنس ما |
|
يطوى غدت فوق العمائم |
لكنها قد زيّنت |
|
كفي وأزرت بالخواتم |
يا من يريش إذا رمى |
|
نسر السماء بلحظ حازم |
إن ابن شاهين حوى |
|
منك الخوافي والقوادم |
هذي نوافل يا إما |
|
م الدهر ليست باللوازم |
العذر عنها مخجل |
|
عبدا لنعلك جدّ خادم |
بل أنت فوق العذر قد |
|
أصبحت للشعرى تنادم (٤) |
__________________
(١) النّعامى : ريح الجنوب. والنعائم : منزلة من منازل القمر.
(٢) العيوق : نجم أحمر يقع في طرف المجرة الأيمن.
(٣) الحيازم : جمع حيزوم وهو الصدر.
(٤) الشعرى : كوكب يطلع في الجوزاء ، وآخر يطلع في الذراع.
لا زال دهرك سيدي |
|
يلقاك منه ثغر باسم |
يهدي إليك من المرا |
|
حم والمكارم والغنائم |
ما لا يساوم مثله |
|
ذو الحظ في أسنى المواسم |
العبد الحقير الداعي لأستاذه مولاي الأجل بالتمكين ، أحمد بن شاهين ، حامدا مصليا مسلما ، انتهى.
وقال مستجيزا : [بحر المجتث]
الشيخ يشرب ماء |
|
ونحن نشرب قهوه |
فقلت : [المجتث]
لأنه ذو قصور |
|
فغطّ بالعذر سهوه |
ولما أزمعت العود (١) إلى مصر أوائل شوال سنة ١٠٣٧ خاطبني بقوله ـ حفظه الله! ـ : [بحر الكامل]
أبدا إليك تشوّقي وحنيني |
|
وإلى جنابك ما علمت سكوني |
ولديك قلبي لا يزال رهينة |
|
غلقت وتعلم ذمّة المرهون (٢) |
وعليك قد حبست شوارد مدحتي |
|
لما رأيتك فوق كل قرين |
قلبي كقلبك في المحبة والهوى |
|
إذ كان في الأشواق دينك ديني |
ولّيته بهواك أرفع رتبة |
|
وغدوت تعزل عنه كل خدين |
وأطاع أمرك في الوداد فلو أشا |
|
منه ـ وحاشا ـ سلوة يعصيني |
ما كنت أحسب قبل طبعك أن أرى |
|
يوما عطارد ناطقا بفنون |
حتى رأيتك فاستبنت بأنه |
|
يروي أحاديث العلا بشجون |
ويفيد سمعي معجزا بهر النهى |
|
ويري عيوني آية التكوين |
يا من غدا يحيي القلوب بلفظه |
|
ويردّد الأنفاس عن جبرين (٣) |
أحييت بالوحي المبين قلوبنا |
|
وحي ـ لعمر الله ـ جدّ مبين |
__________________
(١) في ب ، ه : «ولما أزمعت على العود».
(٢) غلق الرهن : لم يستطع الراهن تخليصه فبقي في يد المرتهن.
(٣) جبرين : لغة في جبريل.
هذي دمشق ، لعمر خلقك ، روضة |
|
قد جاد طبعك دوحها بمعين |
قد زارها غيث الندى فبهارها |
|
أضحى يلوح بحلّة النّسرين |
لو لم تكن بدرا لما أحرزت ما |
|
قد خص في الأنوار بالتلوين |
حققّت ما قد قيل حين حللتها |
|
إن المكان مشرّف بمكين (١) |
هي غادة حلّيتها فتزينت |
|
ما كان أحوجها إلى التزيين |
مولاي أحمد يا سليل بني العلا |
|
يا فوق مدحي فيك أو تحسيني |
أغنى وجودك وهو عين الدّين عن |
|
علّامة الدنيا لسان الدين (٢) |
انظره تستغني به عن غيره |
|
وإلى العيان ارغب عن المظنون |
تلقى علوم الناس في أوراقهم |
|
وعلومه في صدره المشحون |
فبعلمه اعبر كل بحر زاخر |
|
وبفهمه اسبر غامض المخزون |
وبحلمه ارغب عن تحلم أحنف |
|
وبعزمه اصحب بأس ليث عرين |
لما رأيتك فاستقمت لقبلتي |
|
أدعو وأشكر واردات شؤوني |
ألفيت قطرك يمنتي فأفادني |
|
فضل اليمين على اليسار يقيني |
فسقى الحيا للمقّريّ أخي العلا |
|
بلدا بأقصى الغرب جدّ هتون |
بلدا تبينت الهلال بأفقه |
|
ورأيت منه قرة لعيوني |
لو لا هلال الغرب نوّر شرقنا |
|
بتنا بليل الحدس والتخمين (٣) |
يا راحلا رحل الفؤاد بعزمه |
|
رفقا بقلب للوفاء ضمين |
أستودع الله العظيم ، وإنني |
|
مستودع منه أجلّ أمين |
إني أودع يوم بينك مهجتي |
|
وشبيبتي وتصبري وسكوني |
وأعود من توديع وجهك عودة |
|
خلطت يقيني في الهوى بظنون |
حتى كأني قد فقدت تمائما |
|
تقضي علي بحالة المجنون |
وتود نفسي أنها لو حرمت |
|
أبدا سكوني للهوى وركوني |
__________________
(١) المكين : المستقر الثابت.
(٢) لسان الدين : أراد لسان الدين الخطيب.
(٣) الحدس : الظنّ ، التخمين.
أو شكت أقتل بين معترك الهوى |
|
نفسي ومعترك الهوى بيميني |
ولقد وددت بأنني متحمل |
|
تلك الخطا بمحاجري وجفوني |
كيف السبيل إلى الحياة ومهجتي |
|
في قبضة الأشواق كالمسجون |
ما أنت إلا البدر لاح بأفقنا |
|
شهرا وكان ضياؤه يهديني |
وإليكها يا شيخ دهري غادة |
|
غنيت عن التحسين والتزيين |
جاءتك تعرض في الوداد كمالها |
|
وإذا لحظت جمالها يكفيني |
هي بنت لحظتك التي تؤوي النهى |
|
لا بنت ليلتي التي تؤويني (١) |
ما الفخر في دعوى البديهة عندها |
|
الفخر قولك إنها ترضيني |
حسبي أبا العباس منك إصاخة |
|
تقضي بموت عداي أو تحييني |
يا لهف نفسي كيف أبلغ مدحة |
|
أضمرتها في سرّي المكنون |
فلسان حبي بالغ أقصى المدى |
|
ولسان مدحي في القصور يليني |
ما الشعر يستوفي حقوقكم ولو |
|
أهديت من نظمي عقود سنيني (٢) |
حلّقت أصطاد النجوم ، وإنها |
|
تزهو بعقد في علاك ثمين (٣) |
فرأيت في العيّوق طبعك سيدي |
|
نسرا أسفّ لعجزه شاهيني |
قد خف شعري من قصور طبيعتي |
|
ولربما قد كان جدّ ركين |
يكفيك أحمد يا ابن شاهين بأن |
|
أحرزت خصل السبق دون الدون |
وإذا عجزت عن الفرائض جاهدا |
|
فادأب عساك تفوز بالمسنون |
هو قبلتي فلأغتدي متمسكا |
|
منه بحبل في النجاة متين |
واسلم فديتك زائرا ومشرفا |
|
أفدي مواطئ نعله بجبيني |
وكذلك عمري في هواك مقسّم |
|
بين الدعاء الجد والتأمين (٤) |
وقال حفظه الله تعالى في ذلك : [بحر الطويل]
__________________
(١) النهى : العقول : جمع نهية.
(٢) في ب ، ه :
ما الشعر يستوفي حقوقك لي ولو |
|
أهديت في نظمي عقود سنيني |
(٣) في ب ، ه : «تزهى».
(٤) في ب : «وكذاك عمري».
حنانيك إن الدمع بالود معرب |
|
وإني في شرق وأنت مغرب (١) |
ورحماك بي إني قتيل صبابة |
|
بمن هو أوفى في الفؤاد وأنجب |
ووعدك لي بالعود إني معلل |
|
به مهجة قد أوشكت تتصوّب |
وهبتك قلبي ما حييت ولم أقل |
|
(ولكن من الأشياء ما ليس يوهب) (٢) |
فلو كنت شيخا واحدا هدّ صده |
|
فكيف بشيخ لم يكن مثله أب |
وإنا بحمد الله لما خصصتنا |
|
بزورة ذي ودّ دعاه التحبب |
فرشنا له منا الخدود مواطئا |
|
وعدنا به شوقا نجيء ونذهب |
وقلنا دمشق أنت فيها محكم |
|
وأشرافها ودوا وجدّوا وأوجبوا (٣) |
وأنت لها روح ومولى ومفخر |
|
وقد زنت شرقا مثل ما ازدان مغرب |
وفخرا عظيما يا ابن شاهين إنه |
|
غدا وكرنا نسر السما فيه يرغب |
فنحن ، ونحن الناس ، خدام نعله |
|
فلا غرو أن يقلي الغضنفر أكلب (٤) |
وما نقموا منه سوى أنه امرؤ |
|
ليأكل فيما قدروه ويشرب |
هو الشيخ شيخ الدهر أحمد من غدت |
|
دمشق ومن فيها بعلياه تخطب |
هو المقريّ العالم العلم الذي |
|
إليه تناهي الفضل والمجد ينسب |
وما هو إلا الشمس أزمع رحلة |
|
وإنا لفي ليل إذا هي تغرب |
أو الغيث قد وافى فأمرعت النهى |
|
به وانثنى والصدر بالود معشب |
أو الطائر العنقاء جاء مشرقا |
|
فأغرب والعنقاء في الطير مغرب |
وإنك للخلّ الوفيّ وإنه |
|
هو الواحد المطلوب إن عز مطلب |
وإنك بالتحقيق في كل حالة |
|
لأسنى وأندى ثم أوفى وأغرب |
رعى الله وجها رحت ترغب نحوه |
|
وأي أخي جدّ له أنت ترغب |
__________________
(١) معرب : موضح ، مبين.
(٢) «لكن من الأشياء ما ليس يوهب» عجز بيت لأبي الطيب المتنبي من قصيدة يمدح بها كافورا الإخشيدي والبيت هو :
ولو جاز أن يحووا علاك وهبتها |
|
ولكن من الأشياء ما ليس يوهب |
(٣) في ب ، ه : «ودّوا وجدّوا ورحبوا».
(٤) يقلي : يبغض. والغضنفر : الأسد.
وحيّا الحيا أرضا وطئت ترابها |
|
فأصبح مسكا وهي بالمجد تخصب |
ولا فارقت يوما علاك كلاءة |
|
من الله أنّى كنت والله أغلب (١) |
مدى الدهر ما حنت جوانح واله |
|
مشوق فأمسى للحقيقة يطرب |
ولما قرأ علي ـ أدام الله تعالى عزته ، وحرس حوزته! ـ عقيدتي المسماة «بإضاءة الدجنة ، في عقائد أهل السنة» سألني أن أجيزه فيها وفي غيرها ، فكتبت إليه بما نصه : [بحر الرجز]
أحمد من أطار في جوّ العلا |
|
صيت ابن شاهين الذي زان الحلى |
وراش منه للمعالي أجنحه |
|
نال بها فضلا غدا مستمنحه |
وأسكن البيان من أوكار |
|
أفهامه بقنّة الأفكار (٢) |
فاصطاد كل شارد بمخلب |
|
أبحاثه ومن يعارض يغلب |
والصقر لا يقاس بالبغاث |
|
والحق ممتاز عن الأضغاث (٣) |
نشكر من بلغه مناه |
|
على نواله الذي سناه |
وننتحي نهج صلاة باديا |
|
لخير من جاء الأنام هاديا |
مبينا دلائل التوحيد |
|
وموضحا طرائق التسديد |
محمد خير البرايا المنتقى |
|
أجل من خاف الإله واتقى |
صلى عليه الله مع أصحابه |
|
وآله الراوين عن سحابه |
ما اعترف العبد الفقير ذو العدم |
|
للربّ باستغنائه وبالقدم |
وبعد ، فالعلوم والعوارف |
|
من أمّها يأوي لظل وارف |
وروضة أزهارها تضوّعت |
|
لأنها أفنانها تنوعت |
وليس يحتاط بها نبيل |
|
إذ ذاك أمر ما له سبيل |
فليصرف القول إلى ما ينفعه |
|
دنيا وفي أوج الأجور يرفعه |
وإن في علم أصول الدين |
|
هدى وخيرا جلّ عن تبيين |
__________________
(١) الكلاءة : الحفظ والحراسة والرعاية.
(٢) القنة : في الأصل أعلى الجبل. وقنة الأفكار : أعلاها وأجودها.
(٣) البغاث : طائر ضعيف بطيء الطيران ، وفي المثل : «إن البغاث بأرضنا تستنسر».
لأنه أصل يعم النفع |
|
به وكل ما سواه فرع |
وكيف يعبد الإله من لا |
|
يعرفه وعن رشاد صلا |
فهو الذي لا تقبل الأعمال |
|
إلا به وتنجح الآمال |
وإنني كنت نظمت فيه |
|
لطالب عقيدة تكفيه |
سميتها «إضاءة الدجنة» |
|
وقد رجوت أن تكون جنّة (١) |
وبعد أن أقرأتها بمصر |
|
ومكة بعضا من اهل العصر |
درستها لما دخلت الشاما |
|
بجامع في الحسن لا يسامى |
وكان في المجلس جمع وافر |
|
من جلة بدورهم سوافر |
منهم فريد الدهر ذو المعالي |
|
فخر دمشق الطيب الفعال |
أحمد من راح لعلم واغتدى |
|
وشام أنوار الفهوم فاهتدى (٢) |
العالم الصدر الأجل المولى |
|
من وصفه الممدوح يعيي القولا |
وهو ابن شاهين وما أدراكا |
|
من بذ جنس العرب والأتراكا |
ورام من مثلي بحسن الظن |
|
إجازة فيما رواه عني |
فحرت في أمرين قد تناقضا |
|
بالنفي والإثبات إذ تعارضا |
ترك الإجابة لوصفي بالخطل |
|
وبالخطا والجيد مني ذو عطل |
وكم فرائض بعجز تسقط |
|
فكيف غيرها وهذا أحوط |
أو فعلها بحسب الإمكان |
|
رعيا لود محكم الأركان |
منه وما له من الحقوق |
|
ولا يجازى البر بالعقوق |
وبعد ما مر من الترداد |
|
أسعفته بمقتضى الوداد |
وسرت في طرق من التساهل |
|
معترفا بالجهل لا التجاهل |
مع أنه الأهل لأن يجيزا |
|
لا أن يجاز إذ حوى التبريزا (٣) |
ومن رأى عيبي بعين للرضا |
|
لم يقف نهج من غدا معترضا |
فليرو عني كل ما أسمعته |
|
إياه بالشرط وما جمعته |
__________________
(١) الجنة ـ بضم الجيم : الدرع ، والحافظ.
(٢) في ب ، ه : «وشام أنوارا لفهم فاهتدى».
(٣) في ب ، ه : «مع أنه أهل لأن يجيزا».
مع القصور راجيا للأجر |
|
من الفنون نظمها والنثر |
كهذه القصيدة السديده |
|
والنعل ذات المدح العديده |
كذاك ما ألفت في عمامه |
|
من خص بالإسراء والإمامه |
والفقه والحديث والنحو وفي |
|
أسرار وفق وهو بالقصد وفي |
وغيرها مما به الوهاب من |
|
على فقير عاجز في غير فن |
وما أخذت في بلاد المغرب |
|
عن كل فذّ في العلوم مغرب |
ولي أسانيد إذا سردتها |
|
طالت وفي كتبي قد أوردتها |
وقد أخذت الجامع الصحيحا |
|
وغيره عمن حوى الترجيحا |
عمي سعيد عن سفين وهو عن |
|
القلقشندي عن الواعي السنن |
العسقلاني في الشهاب بن حجر |
|
بما له من الروايات اشتهر |
|
||
وقد أجزته بكل مالي |
|
يصحّ من ذاك بلا احتمال |
على شروط قرروها كافيه |
|
ليست على أفكاره بخافيه |
وقال هذا المقريّ الخطّا |
|
والعيّ عمّ لفظه والخطّا (١) |
عام ثلاثين وألف بعدها |
|
سبع أتمت في السنين عدها |
وكان ذا في رمضان السامي |
|
بحضرة السعد دمشق الشام |
والله نرجو أن يتيح الختما |
|
بالخير كي نعطى القبول حتما |
بجاه خير العالمين أحمدا |
|
صلى عليه الله ما طال المدى |
وآله وصحبه ومن زكا |
|
فنال من حسن الختام مدركا |
وتذكرت بهذه الإجازة نظيرتها التي سألني فيها مولانا عين الأعيان ، مفتي الأنام في مذهب النعمان ، مولانا الشيخ عبد الرحمن العمادي مفتي الشام ـ حفظه الله تعالى! ـ لأولاده الثلاثة ، وكتب لي أصغرهم سنا استدعاء لذلك : [بحر الرجز]
أحمد من شيّد بالإسناد |
|
بيت العلوم السامي العماد |
وعم من خصص بالروايه |
|
بنورها النافي دجى الغوايه |
__________________
(١) الخطّا الأولى : أصلها الخطّاء ، وهي صيغة مبالغة من اسم الفاعل الخاطىء ، أي الكثير الخطأ. والخطّا الثانية : الخطّ ، وأراد أن خطه غير واضح.
وزان صدر النبها كل زمن |
|
بجوهر الإجازة الغالي الثمن |
نحمده سبحانه أن عرّفا |
|
من الحديث ما به قد شرفا |
ونسأل المزيد من صلاته |
|
لمن أتيح القصد من صلاته |
ملجؤنا المعصوم أعلى سند |
|
لنا برغم جاحد مفنّد (١) |
كهف الضعيف والقوي المرتجى |
|
باب الهدايات وليس مرتجا (٢) |
من جاءنا بالجامع الصحيح من |
|
كلامه الهادي إلى نهج أمن |
من فضله ما شك فيه مسلم |
|
من حبه بكل خير معلم |
نبينا المرسل ذو الخلق الحسن |
|
والمعجز المفحم أرباب اللّسن |
محمد المرفوع قدره على |
|
سائر خلق الله جل وعلا |
صلى عليه ربنا وسلما |
|
أزكى صلاة ننتحيها معلما |
مع آله وصحبه ومن روى |
|
آثاره عن صحة وما غوى |
وبعد فالعلم عظيم القدر |
|
وليس من يدري كمن لا يدري |
ولم تزل همة أهل المجد |
|
منوطة بنيل علم مجدي (٣) |
ومنه علم السنة الشريفة |
|
لأنه ظلاله وريفه |
فمن درى الأخبار والشمائل |
|
لم يك عن صوب الهدى بمائل |
وكم سميدع لأجله رفض |
|
أوطانه وثوب ترحال نفض (٤) |
وكيف لا وهو أجل ما طلب |
|
موفق يروم حسن المنقلب |
لأنه وسيلة السعادة |
|
والعز في الإبداء والإعادة |
وإنني لما انتحيت المشرقا |
|
ميمما بدر اهتداء مشرقا |
ألقيت في مصر عصا التسيار |
|
بعد بلوغي أشرف الديار |
وبعد ذا جئت دمشق الشام |
|
مسكن من يزدان باحتشام |
__________________
(١) فنّده : خطّأ رأيه ، لامه ، كذّبه.
(٢) المرتجى : المرجو المقصود. ومرتجا : مغلقا.
(٣) ناط الشيء : علقه. ومنوطة : معلقة. العلم المجدي : المفيد.
(٤) السميدع : الكريم ، الشريف. وجمعه : سمادع ، وسمادعة.
فشاهدت عيناي فيها ما ملا |
|
قلبي سرورا إذ بلغت مأملا (١) |
مدينة فياضة الأنهار |
|
فضفاضة الأثواب بالأزهار |
أرجاؤها زاكية العبير |
|
ومدحها يجل عن تعبير |
وجلّ أهليها بحبي دانوا |
|
مع أن مثلي منهم يزدان |
فلاحظوا بالأعين الكليلة |
|
عبدا غدا تقصيره دليله (٢) |
وقابلوا عيبي بما اقتضاه |
|
فضل لهم ربّ الورى ارتضاه |
خصوصا المولى الكبير المعتبر |
|
قرة عين من رآه واختبر |
مفتي الورى في مذهب النعمان |
|
بها الوجيه عابد الرحمن |
ابن عماد الدين من تعيي القلم |
|
أوصافه اللاتي كنور في علم |
حاوي طراف المجد والتّلاد |
|
نال المنى في النفس والأولاد (٣) |
وكنت في مكة قد أبصرت |
|
منه علا عن مدحه قصرت |
جلالة ومحتدا وعلما |
|
ورفعة وسوددا وحلما |
مع التواضع الذي قد زانه |
|
حسن اعتقاد مثقل ميزانه |
فحثّ من في الشام من أخيار |
|
لم يسلكوا مناهج الأغيار |
أن يأخذوا بعض الفنون عني |
|
بما اقتضاه منه حسن الظن |
مع أنني والله لست أهلا |
|
لذاك ، والتصدير ليس سهلا |
وكان من جملتهم أبناؤه |
|
عماد دين قد علا بناؤه |
وصنوه الشهاب من توقدا |
|
فهما وإبراهيم سباق المدى |
وهو الذي قد ابتغى الإجازة |
|
لهم بوعد طالبا إنجازه |
وكتب القصيدة الطنانة |
|
في ذاك لي مهتصرا أفنانه |
وإنهم كحلقة قد أفرغت |
|
دامت لهم آلاء فيض سوّغت |
فلم أجد بدّا من الإجابة |
|
مع كون جهلي سادلا حجاجه |
__________________
(١) ما ملا : أصلها : ما ملأ. حذفت الهمزة تخفيفا. وفي ب : «المأملا».
(٢) الأعين الكليلة : أراد التي تغض عن العيوب. وأخذه من قول الشاعر :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة |
|
كما أن عين السخط تبدي المساويا |
(٣) الطرف والطريف : المستحدث من المال. التلاد : التليد : القديم الموروث.
فقد أجزتهم بما رويته |
|
طرا ، وما ارتجلت أو روّيته |
وكل ما صنفت في الفنون |
|
مؤمّل التحقيق للظنون |
وما أخذت عن شيوخ المغرب |
|
وغيرهم من كل حبر مغرب |
ولي أسانيد يطول شرحها |
|
شيد على تقوى الإله صرحها |
ولو سردت كل مروياتي |
|
هنا لطال القول في الأبيات |
وكل طول غالبا مملول |
|
وحدّ من يعنى به مفلول |
فلنقتصر إذن على القليل |
|
تبركا بالمطلب الجليل |
وقد أخذت جامع البخاري |
|
عن عمي الحائز للفخار |
المقرى سعيد الإمام عن |
|
محمد يدعى خروفا حين عنّ |
التونسيّ الطيب الأنفاس |
|
نزيل حضرة الملوك فاس |
عن الكمال القادريّ المرتضى |
|
عن الحجازيّ عن الحبر الرضا |
نجل أبي المجد عن الحجاري |
|
عن الزبيديّ بنقل جاري |
عن مسند الإسلام عبد الأوّل |
|
عن الشهير الداودي المعتلي |
عن السرخسي عن الفربري |
|
عن البخاريّ الإمام الحبر |
وفضله أظهر من أن يذكر |
|
وعلمه المعروف غير المنكر |
ومسلم به إلى الكمال |
|
عن علم الدين أخي الجلال |
منسوب بلقين عن التّنوخي |
|
عن ابن حمزة عن الشيوخ |
كابن المقير عن ابن ناصر |
|
عن ابن مندة اللبيب القاصر (١) |
عن جوزقيّ قد روى عن مكي |
|
عن مسلم نافي دياجي الشّكّ |
فليخبروا عني بذا الباقي |
|
من ستة جائزة السباق |
كذا موطأ الإمام مالك |
|
إمامنا منير كل حالك |
ومسند الفذ الرضا ابن حنبل |
|
والدارميّ ذي الثناء الأجمل |
والطبرانيّ وما أرويه |
|
من المعاجيم بما تحويه (٢) |
__________________
(١) في ب : «عن ابن مندة وهو القاصر».
(٢) في ه : «من المعاجم».
وكلها تشمله الإجازة |
|
بشرطها عند الذي أجازه |
فلتقبلوه فهي من جهد المقلّ |
|
إذ لست بالمطلوب مني أستقل |
ومن أسانيدي عن القصّار |
|
مفتي الأنام بهجة الأعصار |
عن شيخه خروف الراقي الدرج |
|
عن الشريف الطحطحائي فرج |
قال : سمعت المصطفى في النوم |
|
صلى عليه الله كل يوم |
يقول : من أصبح ، يعني آمنا |
|
في سربه ، الحديث فاعرف كامنا |
ولنمسك العنان في هذا الأرب |
|
مصليا على الذي زان العرب |
وآله وصحبه الأعلام |
|
ومن تلا من أنجم الإسلام |
وخط هذا المقريّ العاصي |
|
أجير يوم الأخذ بالنواصي |
سنة سبع وثلاثين تلت |
|
ألفا لهجرة بياسين علت |
عليه أزكى صلوات تستتم |
|
نرجو بها الزلفى وحسن المختتم |
ونص الاستدعاء المشار إليه وهو : [بحر السريع]
فازت دمشق الشام بالمقري |
|
الألمعيّ اللوذعي العبقري (١) |
علامة العصر بلا مفتري |
|
وواحد الدهر بلا ممتري |
كم سمعت أخبار أوصافه |
|
فقصر المخبر عن منظر |
جامع علم بثّ إملاءه |
|
بالشام ملء الجامع الأكبر |
يقري فتقري السمع أنفاسه |
|
أنفس ما يقرى وما قد قري |
مولاي يا من درّ ألفاظه |
|
صحاحها تزري على الجوهر (٢) |
إجازة نرفل من فضلها |
|
فى ثوب عز وردا مفخر (٣) |
مسبلة الذيل على أكبر |
|
وأوسط الإخوة والأصغر |
أطل لنا إنشاءها بل أطب |
|
وانظم لنا من درها وانثر |
لا زلت في نفع الورى دائبا |
|
تجود جود العارض الممطر |
العبد الداعي إبراهيم العمادي ، انتهى.
__________________
(١) اللوذعي : الذكي ، المتوقد الخاطر.
(٢) في ب : «الجوهري».
(٣) نرفل : أراد نزهو. والردا : أصلها الرداء ، قصره لإقامة الوزن.
ومن الإجازات التي قلتها بدمشق الشام ما كتبته للأديب الحسيب سيدي يحيى المحاسني حفظه الله تعالى (١) : [بحر الرجز]
أحمد من زين بالمحاسن |
|
دمشق ذات الماء غير الآسن |
وأطلع النجوم من أعيان |
|
بأفقها السامي مدى الأحيان |
فكل أيامهم مواسم |
|
من الصفا ثغورها بواسم |
وذكرهم قد شاع بين الأحيا |
|
إذ قطرهم به الكمال يحيا |
وبشرهم حديثه لا ينكر |
|
ومسند الجامع عنهم يذكر |
وقد حكت جوارح الذي ارتحل |
|
إليهم صحيح ما له انتخل |
فسمعه عن جابر ، والعين عن |
|
قرّة تروي ، واللسان عن حسن |
فحل من أتاحهم آلاءه |
|
حتى أبان نورهم لألاءه |
نحمده سبحانه أن اسدى |
|
من الأمان ما أنال القصدا |
وننتحي صوب صلاة باهره |
|
إلى الرسول ذي السجايا الطاهره |
أجلّ من خاف الإله واتقى |
|
محمد الهادي الرسول المنتقى |
صلى عليه الله طول الأبد |
|
مع آله وصحبه والمقتدي |
وبعد ، فالعلم أساس الخير |
|
وكيف لا وهو مزيح الضير |
وهو موصل إلى منهاج |
|
هدى ورشد ما له من هاجي (٢) |
وما بغير العلم يبدو العلم |
|
وليس من يدري كمن لا يعلم |
خصوصا الحديث عن خير البشر |
|
فإن فضله على الكل انتشر |
ولم يزل يعنى به كلّ زمن |
|
من الرواة كلّ صدر مؤتمن |
وإنني عند دخول الشام |
|
لقيت من بها من الأعلام |
وشاهدت عيناي من إنصافهم |
|
ما حقق المحكي عن أوصافهم |
__________________
(١) هو يحيى بن أبي الصفا بن أحمد المعروف بابن محاسن المتوفى سنة ١٠٥٣ ه (خلاصة الأثر ج ٤ ص ٤٦٣).
(٢) الهاجي : القادح ، الذامّ.
وإن من جملتهم أوج الذكا |
|
والنير المزري سناه بذكا (١) |
ابن المحاسن الذي قد طابقا |
|
منه مسمى الاسم إذ تسابقا |
اللوذعيّ الألمعيّ يحيى |
|
لا زال رسم المجد منه يحيا |
وهو الذي أغراه حسن الظن |
|
على انتمائه لأخذ عني |
وكان قارىء الحديث النبوي |
|
لديّ في الجامع ، أعني الأموي |
بمحضر الجمع الغزير الوافر |
|
ممن وجوه فضلهم سوافر |
وبعد ذاك استمطر الإجازة |
|
من نوء وعدي واقتضى إنجازه (٢) |
فلم أجد بدّا من الإجابة |
|
مع أنني لست بذي النجابة |
وإن أكن أجبت أمرا يمتثل |
|
منه ففي ذلك تصديق المثل |
فيمن درى شيئا وغابت أشيا |
|
عنه ومن أهدى لصنعا وشيا (٣) |
فليرو عنّي كل ما يصح لي |
|
بشرطه الذي يزين كالحلي |
وقد أخذت جامع البخاري |
|
عن عمي الإمام ذي الفخار |
سعيد الذي نأى عن دنس |
|
عن شيخه الحبر الشهير التّنسي |
أعنى أبا عبد الإله وهو عن |
|
والده محمد راوي السنن |
عن ابن مرزوق محمد الرضا |
|
عن جده الخطيب عن بدر أضا |
الفارقيّ عن إمام يدعى |
|
بابن عساكر الجميل المسعى |
بما له من الروايات التي |
|
على علوّ قدره قد دلّت |
وليرو عنّي ما انتمى للنووي |
|
بذا إلى السابق ذي النهج السوي |
أعني ابن مرزوق الخطيب الراوي |
|
عن شيخه يحيى الرضي المغراوي |
وهو روى عن صاحب التمكين |
|
النوويّ الشيخ محيي الدين |
وخط هذا أحمد البادي الوجل |
|
المقري المالكي على خجل (٤) |
__________________
(١) في أ : «وإن من جلتهم» وهي أحسن ، والمزري : المنتقص ، وذكا : اسم الشمس وأصله ذكاء ، بالمد فقصره.
(٢) في ب ، ه : «واقتضى انتجازه».
(٣) يشير إلى قول أبي نواس : حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ، وإلى قولهم : كمهدي الوشي إلى صنعاء ، وصنعاء البلد المشهورة بصنع الرقيق الموشّى من النسيج.
(٤) في ب ، ه : «المقري المالكي الذي ارتجل».
في عام ألف وثلاثين خلت |
|
من هجرة الهادي وسبعة تلت |
ألبسه الله البرود الضافيه |
|
من منّه وعفوه والعافيه |
بجاه سيد البرايا طرّا |
|
ملجأ من إلى الكروب اضطرا |
عليه أسنى صلوات تسدي |
|
حسن الختام ببلوغ القصد |
وسأل مني بعض ساكني دمشق المحروسة أن أقرظ له على شرحه لرسالة العارف بالله تعالى سيدي الشيخ أرسلان ، فكتبت ما صورته : [بحر الرجز]
أحمد من خصص بالأسرار |
|
قدما من الصوفية الأبرار |
أتاحهم عوارف المعارف |
|
والحكم السابغة المطارف |
فهم بهم تستمطر الأنواء |
|
وتظهر الأنوار والأضواء |
ومن أجلّهم سناء وسنى |
|
من ذاد عن عين المعالي الوسنا (١) |
شيخ الشيوخ العارف الكبير |
|
الشيخ أرسلان الشهير |
فكم إشارات له أبانا |
|
بها علوما من حلاها ازدانا |
وكم عبارات تلا آياتها |
|
تعيا الفحول عن مدى غاياتها |
ومن رأى رسالة التوحيد |
|
له انتحى مناهج التسديد |
فهي تنادي من أبي أن يسلكا |
|
يا معرضا شرك خفيّ كلّكا |
ومن أضل القصد في مهامه |
|
هدته للخروج عن أوهامه (٢) |
وكم بها من باب معنى مغلق |
|
عمن يقيد الوجود المطلق |
فما بغير الفتح يدرى الباطن |
|
ووارد الفيض له مواطن |
وقد رأيت في دمشق الشام |
|
شرحا لها أنبأ عن إلهام |
للكلشنيّ ذي الوفا بالوعد |
|
شمس العلا محمد بن سعد |
لا زال في أوج التجلي صاعدا |
|
وعون ربنا له مساعدا |
ومذ أجلت ناظري في حسنه |
|
ألفيته مستبدعا في فنه |
__________________
(١) السناء : الشرف والرفعة : والسنى : النور. وذاد : دفع. والوسن : النوم.
(٢) المهامه : جمع مهمه ، وهي الصحراء الواسعة التي لا ماء فيها.
ودلّ ما أبداه من معاني |
|
على شهور بالهدى معانى |
لأنه أجاد في تقرير |
|
ما اعتاص بالإتقان والتحرير |
وأبرز الأبكار من خدور |
|
أفكاره حالية الصدور |
فالله يجزيه الجزاء الأوفى |
|
في يوم تبدي الأنبياء الخوفا |
وخطّ هذا المقريّ من وجل |
|
مرتجيا من ربه عز وجل |
كشف كروب عقد صبر حلت |
|
منه وغفران ذنوب جلت |
بجاه طه الهاشمي أحمدا |
|
عليه أزكى صلوات سرمدا |
عاطرة النشر بلا اكتتام |
|
تأرجت بالمسك في الختام (١) |
وخاطبني السري الحسيب الماجد فخر المدرسين الأعيان مولانا الشمس محمد بن الكبير الشهير مولانا يوسف بن كريم الدين الدمشقي حفظه الله تعالى بقوله : [بحر الكامل]
شمس المحاسن شرّقي أو غرّبي |
|
سعدت منازلنا بشمس المغرب |
شمس لنا منها شموس فضائل |
|
وسنا هدى قد راح غير محجّب |
المقريّ العالم النّدب الذي |
|
لسوى اسمه درج الحجا لم يكتب |
بدر ولم تبد البدور بمشرق |
|
إلا بدت من قبل ذاك بمغرب |
لسوى اكتساب سناه لم تغرب ذكا |
|
فلو انها شعرت به لم تغرب |
علّامة ملأ البلاد بفضله |
|
وأفاده لمشرّق ومغرّب |
عمري هو البحر المحيط فضائلا |
|
إن قيس بالعذب الذي لم يعذب |
مولى له سند قويّ في العلا |
|
فعن الجدود روى العلا وعن الأب |
نسب له المجد المؤثّل في الورى |
|
والمجد لم يكسب إذا لم يوهب (٢) |
هو في جبين الفضل أضحى غرة |
|
يجلى بها للجهل ظلمة غيهب |
آمالنا قطعت ببشر جبينه |
|
أن لا ترى للدهر وجه مقطب (٣) |
بدر به زهيت دمشق وأهلها |
|
أحبب ببدر حيث حل محبّب |
__________________
(١) القصيدة كتبت إلى محمد بن سعد الكلشني ، وهو أحد سكان دمشق ، ومن أدباء الصوفية ، كان سهل الخلق ، حسن العشرة ، صاحب نوادر ، توفي سنة ١٠٣٧ ه (خلاصة الأثر ج ٣ ص ٤٦٨).
(٢) المجد المؤثل : الأصيل العزيز.
(٣) المقطب : العابس ، الكالح.
طود الفضائل باكرت أرجاءه |
|
ديم الحجا فغدا كروض مخصب (١) |
بحر الهدى والعلم إلا أنه |
|
صفو من الأكدار عذب المشرب |
هو قطب دائرة الفضائل في الورى |
|
فيكاد يخبرنا بكل مغيب |
في الفضل ما جاولت يوما مثله |
|
كلّا ولا قست البدور بكوكب |
أنى يجارى في الفضائل من له انق |
|
اد الزمان بأدهم وبأشهب (٢) |
سنن لمدح الغير تسقط عندنا |
|
فله العلا تقضي بفرض أوجب |
ما روضة حلّى أزاهرها الحيا |
|
فافتر فيها كل ثغر أشنب |
ومشت بها خود الصبا فتعطرت |
|
أذيالها من كل عرف طيب |
للنور فيها جدول أخذت به |
|
شهب المجرة حيرة المتعجب |
باتت تناشدني بها ذكر الهوى |
|
ورق الأراك بكل صوت مطرب |
تشكو إليّ بمثل ما أشكو لها |
|
شكوى المعذّب في الهوى لمعذب |
فعلمت ما قد حل من وجد بها |
|
وجهلن ، وهو الفرق ، ما قد حلّ بي |
لم تلق فيها من عليل يشتكي |
|
إلا النسيم وذا الهوى إن تطلب |
بأغض حسنا من ربا آداب من |
|
حيّا رياض حجاه ألطف صيب |
طبع أرق من النسيم ومنطق |
|
مستعذب ، وكذاك كل مهذب |
لو جاد صوب حجاه قفرا مجدبا |
|
لنعمت منه بكل روض معشب |
مولاي عذرا فالزمان يعوقني |
|
عن مطلبي والآن مدحك مطلبي |
عفوا إذا أخّرت مدحك سيدي |
|
فعوائق الأيام عذر المذنب |
وكذاك يفعل بالأديب زمانه |
|
فلذا يطول على الزمان تعتّبي |
لم ألق يوما من يديه مهربا |
|
إلا ثناك ، وحبذا من مهرب |
لولاك ما جال القريض بخاطري |
|
فالدهر يوجب للقريض تجنّبي (٣) |
لولاك لم ينهض جواد قريحتي |
|
في كل واد للضلالة متعب (٤) |
__________________
(١) الطود : الجبل ، والديم : جمع ديمة ، وهي المطر دون برق ولا رعد. الحجا : العقل.
(٢) الأدهم : الأسود ، وأراد به الليل. والأشهب : ما يخالطه بياض ، وأراد به النهار.
(٣) القريض : الشعر.
(٤) في ب : «من كل واد».
فاسمع ، ولست بآمر ، نظما غدا |
|
في عقد مدحك لؤلؤا لم يثقب |
كالراح يلعب بالعقول للطفه |
|
لكن بغير مسامع لم يشرب |
من كل قافية غدت من حسنها |
|
مثلا لغيرك في العلا لم يضرب |
خود تقلّد من ثناك قلائدا |
|
بكر لغيرك في الورى لم تخطب (١) |
غنيت بمدحك زينة ولربما |
|
يغني الجمال عن الوشاح المذهب |
هي بعض أوصاف لذاتك قد غدت |
|
كالبحر عذبا ماؤه لم ينضب |
جاءتك تسألك القبول وحسبها |
|
فخرا قبولك وهو جلّ المطلب |
وتروم منك إجازة فاقت بما |
|
ترويه بالسند القوي عن النبي |
حسبي الإجازة منك جائزة ولم |
|
أك قبل غير الفضل بالمتطلب |
لا بدع والإيجاز إطنابا غدا |
|
في مدحه إن لم أطل أو أسهب (٢) |
هيهات لا تحصى مآثر فضله |
|
بالمدح إن أطنب وإن لم أطنب |
خدمة الداعي محمد بن يوسف الكريمي ، انتهى.
فأجزته بما [صورته و] نصه (٣) : [بحر الرجز]
أحمد من أطلع شمس الدين |
|
في أفق الرواية المبين |
وخص فضلا منه بالإسناد |
|
أمّة طه مذهب العناد |
فلم يكن عصر من الأعصار |
|
إلا وفيه أهل الاستبصار |
ينفون عن حوزة دين الله ما |
|
يروم من عليه رشد أبهما (٤) |
وأنتحي سبل صلاة كامله |
|
على الذي له العطايا الشامله |
محمد المرسل بالشرع الحسن |
|
ذو المعجز المفحم أرباب اللسن |
مع حزبه من صحبه وعترته |
|
ومن تلا مؤمّلا لأثرته (٥) |
__________________
(١) الخود : المرأة الشابة الناعمة ، وتقلّد ـ تتقلّد.
(٢) في ب : «لا بدع والإطناب إيجازا غدا».
(٣) في ب : «فأجزته بما نصه».
(٤) حوزة الإنسان : ما يملكه ، وحوزة الدين : حماه.
(٥) عترة الرجل : عشيرة الرجل ، جماعته ، أتباعه.