نفح الطّيب - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني

نفح الطّيب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني


المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٠

وهذي قواف أم هي الشمس؟ إنني

أراها على الجوزاء بالأنف تشمخ

بل هي نصّ من ودادك محكم

تزول الرواسي وهي لم تك تنسخ

أتتني بمدح مخجل فكأنها

لفرط حيائي قد أتتني توبخ

وهل أنا إلا خادم نعل سيدي

وبيني وبين المدح في الحق برزخ

وما هي إلا غرة حزت فخرها

وإني بها بادي المحاسن أشدخ (١)

فلا درّ درّي وانحرفت عن العلا

إذا كان ودي عن معاليك يفسخ

وحبك مهما طال شرقا ومغربا

بوكر ابن شاهين الوفيّ يفرّخ

وإني وإن أرخت مجدا لماجد

فإني باسم المقري أؤرخ

سمي ومولاي الذي راح مدحه

لرأس الأعادي بالمعاريض يرضخ (٢)

ودم يا نظير البدر ترقى بأوجه

ولا زلت في طرفي وقلبي ترسخ

وكنت يوما أروم الصعود لموضع عال فوقعت ، وانفكت رجلي ، وألمت ، فكتب إلي:[بحر السريع]

لا ألمت رجلك يا سيدي

وصانها الله من الشّين

ما هي إلا قدم للعلا

لا احتاج ذاك النصل للقين

زانت دمشق الشام في حلها

فلا رأت فيها سوى الزين

بانت عن الأهل لتشريفنا

لا جمعت أينا إلى بين (٣)

عجبت من راسخة في العلا

والعلم إذ زاغت من العين

إني أعاف المين بين الورى

ولست والله أخا مين (٤)

للمقري المجتبى أحمد

دين الهوى والمدح كالدين

وأحمد الله على أنني

رأيته حاز الفريقين

__________________

(١) في ه : «بادي المحاسن أشرخ» والأشرخ : المنتشر الغرة.

(٢) المعاريض : جمع معراض ، ويطلق على السهم الذي يرمى به بلا ريش ولا نصل ، ويطلق على التورية في الكلام ، كما قيل «إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب» ويرضخ : مضارع رضخ رأسه بالحجر ، إذا كسره به.

(٣) الأين : التعب.

(٤) المين : الكذب.

٤١

فلا أراه الله في عمره

بينا يؤدّيه إلى أين

تعويذا لمحب العبد الحقير الداعي أحمد بن شاهين ، انتهى.

وأهديت إليه حفظه الله تعالى سبحة وخاتما ، وكتبت إليه : [بحر مجزوء الكامل]

يا نجل شاهين الذي

أحيا المعالي والمعالم

يا من به ريشت من الم

جد الخوافي والقوادم

يا من دمشق بطيب ما

يبديه عاطرة النواسم

فالنهر منها ذو صفا

والزهر مفترّ المباسم

والغصن يثني عطفه

طربا لتغريد الحمائم

يا أحمد الأوصاف يا

من حاز أنواع المكارم

أنت الذي طوّقتني

مننا لها تعنو الأعاظم (١)

فمتى أؤدي شكرها

والعجر لي وصف ملازم

والعذر باد إن بعث

ت إليك من جنس الرتائم

بنتيجة الذكر التي

جاءت بتصحيف ملائم

وبحائم صاد إلى

فيض الندى من كف حاتم

فامدد على جهد المق

لّ رواق صفح ذا دعائم

واقبل عقيلة فكر من

هو في بحار العيّ عائم

لا زلت سابق غاية

بين الأعارب والأعاجم

فأجابني بما صورته : [بحر مجزوء الكامل]

يا سيدا شعري له

ما إن يقاوي أو يقاوم

كلا ، ولا قدري له

يوما يساوى أو يساوم

يا من رأيت عطاردا

منه بدا في شخص عالم

يا من بنفحة خلقه

وبنظمه السامي الملائم

أضحى يريني معجز

ين من النواسم والمباسم

__________________

(١) المنن : جمع منة ، وهي الإحسان. ويعنو : يصبح أسيرا.

٤٢

ما زلت أبصر منهما

حسن النّعامى والنعائم (١)

بهما زماني حاسدا

أضحى وبالتنغيص حاسم

قلمي وقلبي بين ها

م في الثناء له وهائم

حبّي لأحمد سيدي

شيخ الورى فرض ملازم

المقري المعتلي

شرف المعالي والمعالم

مالي إليه وسيلة

إلا هوى في القلب دائم

قد جاء ما شرفتني

بخصوصه دون الأعاظم

من خاتم كفى به

ورثت سليمان العزائم

وجعلتني لا أحسب العي

وق لي في فص خاتم (٢)

وبسبحة شبهتها

بالشهب في أسلاك ناظم

فلتحسد الجوزاء ما

أحرزت من تلك المكارم

هي آلة للذكر لك

ن ليس ذكرى في الحيازم (٣)

فهواك في قلبي وما

في القلب جلّ عن الرتائم

ما ذي رتائم سيدي

بل إنها عندي تمائم

لو أنها من جنس ما

يطوى غدت فوق العمائم

لكنها قد زيّنت

كفي وأزرت بالخواتم

يا من يريش إذا رمى

نسر السماء بلحظ حازم

إن ابن شاهين حوى

منك الخوافي والقوادم

هذي نوافل يا إما

م الدهر ليست باللوازم

العذر عنها مخجل

عبدا لنعلك جدّ خادم

بل أنت فوق العذر قد

أصبحت للشعرى تنادم (٤)

__________________

(١) النّعامى : ريح الجنوب. والنعائم : منزلة من منازل القمر.

(٢) العيوق : نجم أحمر يقع في طرف المجرة الأيمن.

(٣) الحيازم : جمع حيزوم وهو الصدر.

(٤) الشعرى : كوكب يطلع في الجوزاء ، وآخر يطلع في الذراع.

٤٣

لا زال دهرك سيدي

يلقاك منه ثغر باسم

يهدي إليك من المرا

حم والمكارم والغنائم

ما لا يساوم مثله

ذو الحظ في أسنى المواسم

العبد الحقير الداعي لأستاذه مولاي الأجل بالتمكين ، أحمد بن شاهين ، حامدا مصليا مسلما ، انتهى.

وقال مستجيزا : [بحر المجتث]

الشيخ يشرب ماء

ونحن نشرب قهوه

فقلت : [المجتث]

لأنه ذو قصور

فغطّ بالعذر سهوه

ولما أزمعت العود (١) إلى مصر أوائل شوال سنة ١٠٣٧ خاطبني بقوله ـ حفظه الله! ـ : [بحر الكامل]

أبدا إليك تشوّقي وحنيني

وإلى جنابك ما علمت سكوني

ولديك قلبي لا يزال رهينة

غلقت وتعلم ذمّة المرهون (٢)

وعليك قد حبست شوارد مدحتي

لما رأيتك فوق كل قرين

قلبي كقلبك في المحبة والهوى

إذ كان في الأشواق دينك ديني

ولّيته بهواك أرفع رتبة

وغدوت تعزل عنه كل خدين

وأطاع أمرك في الوداد فلو أشا

منه ـ وحاشا ـ سلوة يعصيني

ما كنت أحسب قبل طبعك أن أرى

يوما عطارد ناطقا بفنون

حتى رأيتك فاستبنت بأنه

يروي أحاديث العلا بشجون

ويفيد سمعي معجزا بهر النهى

ويري عيوني آية التكوين

يا من غدا يحيي القلوب بلفظه

ويردّد الأنفاس عن جبرين (٣)

أحييت بالوحي المبين قلوبنا

وحي ـ لعمر الله ـ جدّ مبين

__________________

(١) في ب ، ه : «ولما أزمعت على العود».

(٢) غلق الرهن : لم يستطع الراهن تخليصه فبقي في يد المرتهن.

(٣) جبرين : لغة في جبريل.

٤٤

هذي دمشق ، لعمر خلقك ، روضة

قد جاد طبعك دوحها بمعين

قد زارها غيث الندى فبهارها

أضحى يلوح بحلّة النّسرين

لو لم تكن بدرا لما أحرزت ما

قد خص في الأنوار بالتلوين

حققّت ما قد قيل حين حللتها

إن المكان مشرّف بمكين (١)

هي غادة حلّيتها فتزينت

ما كان أحوجها إلى التزيين

مولاي أحمد يا سليل بني العلا

يا فوق مدحي فيك أو تحسيني

أغنى وجودك وهو عين الدّين عن

علّامة الدنيا لسان الدين (٢)

انظره تستغني به عن غيره

وإلى العيان ارغب عن المظنون

تلقى علوم الناس في أوراقهم

وعلومه في صدره المشحون

فبعلمه اعبر كل بحر زاخر

وبفهمه اسبر غامض المخزون

وبحلمه ارغب عن تحلم أحنف

وبعزمه اصحب بأس ليث عرين

لما رأيتك فاستقمت لقبلتي

أدعو وأشكر واردات شؤوني

ألفيت قطرك يمنتي فأفادني

فضل اليمين على اليسار يقيني

فسقى الحيا للمقّريّ أخي العلا

بلدا بأقصى الغرب جدّ هتون

بلدا تبينت الهلال بأفقه

ورأيت منه قرة لعيوني

لو لا هلال الغرب نوّر شرقنا

بتنا بليل الحدس والتخمين (٣)

يا راحلا رحل الفؤاد بعزمه

رفقا بقلب للوفاء ضمين

أستودع الله العظيم ، وإنني

مستودع منه أجلّ أمين

إني أودع يوم بينك مهجتي

وشبيبتي وتصبري وسكوني

وأعود من توديع وجهك عودة

خلطت يقيني في الهوى بظنون

حتى كأني قد فقدت تمائما

تقضي علي بحالة المجنون

وتود نفسي أنها لو حرمت

أبدا سكوني للهوى وركوني

__________________

(١) المكين : المستقر الثابت.

(٢) لسان الدين : أراد لسان الدين الخطيب.

(٣) الحدس : الظنّ ، التخمين.

٤٥

أو شكت أقتل بين معترك الهوى

نفسي ومعترك الهوى بيميني

ولقد وددت بأنني متحمل

تلك الخطا بمحاجري وجفوني

كيف السبيل إلى الحياة ومهجتي

في قبضة الأشواق كالمسجون

ما أنت إلا البدر لاح بأفقنا

شهرا وكان ضياؤه يهديني

وإليكها يا شيخ دهري غادة

غنيت عن التحسين والتزيين

جاءتك تعرض في الوداد كمالها

وإذا لحظت جمالها يكفيني

هي بنت لحظتك التي تؤوي النهى

لا بنت ليلتي التي تؤويني (١)

ما الفخر في دعوى البديهة عندها

الفخر قولك إنها ترضيني

حسبي أبا العباس منك إصاخة

تقضي بموت عداي أو تحييني

يا لهف نفسي كيف أبلغ مدحة

أضمرتها في سرّي المكنون

فلسان حبي بالغ أقصى المدى

ولسان مدحي في القصور يليني

ما الشعر يستوفي حقوقكم ولو

أهديت من نظمي عقود سنيني (٢)

حلّقت أصطاد النجوم ، وإنها

تزهو بعقد في علاك ثمين (٣)

فرأيت في العيّوق طبعك سيدي

نسرا أسفّ لعجزه شاهيني

قد خف شعري من قصور طبيعتي

ولربما قد كان جدّ ركين

يكفيك أحمد يا ابن شاهين بأن

أحرزت خصل السبق دون الدون

وإذا عجزت عن الفرائض جاهدا

فادأب عساك تفوز بالمسنون

هو قبلتي فلأغتدي متمسكا

منه بحبل في النجاة متين

واسلم فديتك زائرا ومشرفا

أفدي مواطئ نعله بجبيني

وكذلك عمري في هواك مقسّم

بين الدعاء الجد والتأمين (٤)

وقال حفظه الله تعالى في ذلك : [بحر الطويل]

__________________

(١) النهى : العقول : جمع نهية.

(٢) في ب ، ه :

ما الشعر يستوفي حقوقك لي ولو

أهديت في نظمي عقود سنيني

(٣) في ب ، ه : «تزهى».

(٤) في ب : «وكذاك عمري».

٤٦

حنانيك إن الدمع بالود معرب

وإني في شرق وأنت مغرب (١)

ورحماك بي إني قتيل صبابة

بمن هو أوفى في الفؤاد وأنجب

ووعدك لي بالعود إني معلل

به مهجة قد أوشكت تتصوّب

وهبتك قلبي ما حييت ولم أقل

(ولكن من الأشياء ما ليس يوهب) (٢)

فلو كنت شيخا واحدا هدّ صده

فكيف بشيخ لم يكن مثله أب

وإنا بحمد الله لما خصصتنا

بزورة ذي ودّ دعاه التحبب

فرشنا له منا الخدود مواطئا

وعدنا به شوقا نجيء ونذهب

وقلنا دمشق أنت فيها محكم

وأشرافها ودوا وجدّوا وأوجبوا (٣)

وأنت لها روح ومولى ومفخر

وقد زنت شرقا مثل ما ازدان مغرب

وفخرا عظيما يا ابن شاهين إنه

غدا وكرنا نسر السما فيه يرغب

فنحن ، ونحن الناس ، خدام نعله

فلا غرو أن يقلي الغضنفر أكلب (٤)

وما نقموا منه سوى أنه امرؤ

ليأكل فيما قدروه ويشرب

هو الشيخ شيخ الدهر أحمد من غدت

دمشق ومن فيها بعلياه تخطب

هو المقريّ العالم العلم الذي

إليه تناهي الفضل والمجد ينسب

وما هو إلا الشمس أزمع رحلة

وإنا لفي ليل إذا هي تغرب

أو الغيث قد وافى فأمرعت النهى

به وانثنى والصدر بالود معشب

أو الطائر العنقاء جاء مشرقا

فأغرب والعنقاء في الطير مغرب

وإنك للخلّ الوفيّ وإنه

هو الواحد المطلوب إن عز مطلب

وإنك بالتحقيق في كل حالة

لأسنى وأندى ثم أوفى وأغرب

رعى الله وجها رحت ترغب نحوه

وأي أخي جدّ له أنت ترغب

__________________

(١) معرب : موضح ، مبين.

(٢) «لكن من الأشياء ما ليس يوهب» عجز بيت لأبي الطيب المتنبي من قصيدة يمدح بها كافورا الإخشيدي والبيت هو :

ولو جاز أن يحووا علاك وهبتها

ولكن من الأشياء ما ليس يوهب

(٣) في ب ، ه : «ودّوا وجدّوا ورحبوا».

(٤) يقلي : يبغض. والغضنفر : الأسد.

٤٧

وحيّا الحيا أرضا وطئت ترابها

فأصبح مسكا وهي بالمجد تخصب

ولا فارقت يوما علاك كلاءة

من الله أنّى كنت والله أغلب (١)

مدى الدهر ما حنت جوانح واله

مشوق فأمسى للحقيقة يطرب

ولما قرأ علي ـ أدام الله تعالى عزته ، وحرس حوزته! ـ عقيدتي المسماة «بإضاءة الدجنة ، في عقائد أهل السنة» سألني أن أجيزه فيها وفي غيرها ، فكتبت إليه بما نصه : [بحر الرجز]

أحمد من أطار في جوّ العلا

صيت ابن شاهين الذي زان الحلى

وراش منه للمعالي أجنحه

نال بها فضلا غدا مستمنحه

وأسكن البيان من أوكار

أفهامه بقنّة الأفكار (٢)

فاصطاد كل شارد بمخلب

أبحاثه ومن يعارض يغلب

والصقر لا يقاس بالبغاث

والحق ممتاز عن الأضغاث (٣)

نشكر من بلغه مناه

على نواله الذي سناه

وننتحي نهج صلاة باديا

لخير من جاء الأنام هاديا

مبينا دلائل التوحيد

وموضحا طرائق التسديد

محمد خير البرايا المنتقى

أجل من خاف الإله واتقى

صلى عليه الله مع أصحابه

وآله الراوين عن سحابه

ما اعترف العبد الفقير ذو العدم

للربّ باستغنائه وبالقدم

وبعد ، فالعلوم والعوارف

من أمّها يأوي لظل وارف

وروضة أزهارها تضوّعت

لأنها أفنانها تنوعت

وليس يحتاط بها نبيل

إذ ذاك أمر ما له سبيل

فليصرف القول إلى ما ينفعه

دنيا وفي أوج الأجور يرفعه

وإن في علم أصول الدين

هدى وخيرا جلّ عن تبيين

__________________

(١) الكلاءة : الحفظ والحراسة والرعاية.

(٢) القنة : في الأصل أعلى الجبل. وقنة الأفكار : أعلاها وأجودها.

(٣) البغاث : طائر ضعيف بطيء الطيران ، وفي المثل : «إن البغاث بأرضنا تستنسر».

٤٨

لأنه أصل يعم النفع

به وكل ما سواه فرع

وكيف يعبد الإله من لا

يعرفه وعن رشاد صلا

فهو الذي لا تقبل الأعمال

إلا به وتنجح الآمال

وإنني كنت نظمت فيه

لطالب عقيدة تكفيه

سميتها «إضاءة الدجنة»

وقد رجوت أن تكون جنّة (١)

وبعد أن أقرأتها بمصر

ومكة بعضا من اهل العصر

درستها لما دخلت الشاما

بجامع في الحسن لا يسامى

وكان في المجلس جمع وافر

من جلة بدورهم سوافر

منهم فريد الدهر ذو المعالي

فخر دمشق الطيب الفعال

أحمد من راح لعلم واغتدى

وشام أنوار الفهوم فاهتدى (٢)

العالم الصدر الأجل المولى

من وصفه الممدوح يعيي القولا

وهو ابن شاهين وما أدراكا

من بذ جنس العرب والأتراكا

ورام من مثلي بحسن الظن

إجازة فيما رواه عني

فحرت في أمرين قد تناقضا

بالنفي والإثبات إذ تعارضا

ترك الإجابة لوصفي بالخطل

وبالخطا والجيد مني ذو عطل

وكم فرائض بعجز تسقط

فكيف غيرها وهذا أحوط

أو فعلها بحسب الإمكان

رعيا لود محكم الأركان

منه وما له من الحقوق

ولا يجازى البر بالعقوق

وبعد ما مر من الترداد

أسعفته بمقتضى الوداد

وسرت في طرق من التساهل

معترفا بالجهل لا التجاهل

مع أنه الأهل لأن يجيزا

لا أن يجاز إذ حوى التبريزا (٣)

ومن رأى عيبي بعين للرضا

لم يقف نهج من غدا معترضا

فليرو عني كل ما أسمعته

إياه بالشرط وما جمعته

__________________

(١) الجنة ـ بضم الجيم : الدرع ، والحافظ.

(٢) في ب ، ه : «وشام أنوارا لفهم فاهتدى».

(٣) في ب ، ه : «مع أنه أهل لأن يجيزا».

٤٩

مع القصور راجيا للأجر

من الفنون نظمها والنثر

كهذه القصيدة السديده

والنعل ذات المدح العديده

كذاك ما ألفت في عمامه

من خص بالإسراء والإمامه

والفقه والحديث والنحو وفي

أسرار وفق وهو بالقصد وفي

وغيرها مما به الوهاب من

على فقير عاجز في غير فن

وما أخذت في بلاد المغرب

عن كل فذّ في العلوم مغرب

ولي أسانيد إذا سردتها

طالت وفي كتبي قد أوردتها

وقد أخذت الجامع الصحيحا

وغيره عمن حوى الترجيحا

عمي سعيد عن سفين وهو عن

القلقشندي عن الواعي السنن

العسقلاني في الشهاب بن حجر

بما له من الروايات اشتهر

وقد أجزته بكل مالي

يصحّ من ذاك بلا احتمال

على شروط قرروها كافيه

ليست على أفكاره بخافيه

وقال هذا المقريّ الخطّا

والعيّ عمّ لفظه والخطّا (١)

عام ثلاثين وألف بعدها

سبع أتمت في السنين عدها

وكان ذا في رمضان السامي

بحضرة السعد دمشق الشام

والله نرجو أن يتيح الختما

بالخير كي نعطى القبول حتما

بجاه خير العالمين أحمدا

صلى عليه الله ما طال المدى

وآله وصحبه ومن زكا

فنال من حسن الختام مدركا

وتذكرت بهذه الإجازة نظيرتها التي سألني فيها مولانا عين الأعيان ، مفتي الأنام في مذهب النعمان ، مولانا الشيخ عبد الرحمن العمادي مفتي الشام ـ حفظه الله تعالى! ـ لأولاده الثلاثة ، وكتب لي أصغرهم سنا استدعاء لذلك : [بحر الرجز]

أحمد من شيّد بالإسناد

بيت العلوم السامي العماد

وعم من خصص بالروايه

بنورها النافي دجى الغوايه

__________________

(١) الخطّا الأولى : أصلها الخطّاء ، وهي صيغة مبالغة من اسم الفاعل الخاطىء ، أي الكثير الخطأ. والخطّا الثانية : الخطّ ، وأراد أن خطه غير واضح.

٥٠

وزان صدر النبها كل زمن

بجوهر الإجازة الغالي الثمن

نحمده سبحانه أن عرّفا

من الحديث ما به قد شرفا

ونسأل المزيد من صلاته

لمن أتيح القصد من صلاته

ملجؤنا المعصوم أعلى سند

لنا برغم جاحد مفنّد (١)

كهف الضعيف والقوي المرتجى

باب الهدايات وليس مرتجا (٢)

من جاءنا بالجامع الصحيح من

كلامه الهادي إلى نهج أمن

من فضله ما شك فيه مسلم

من حبه بكل خير معلم

نبينا المرسل ذو الخلق الحسن

والمعجز المفحم أرباب اللّسن

محمد المرفوع قدره على

سائر خلق الله جل وعلا

صلى عليه ربنا وسلما

أزكى صلاة ننتحيها معلما

مع آله وصحبه ومن روى

آثاره عن صحة وما غوى

وبعد فالعلم عظيم القدر

وليس من يدري كمن لا يدري

ولم تزل همة أهل المجد

منوطة بنيل علم مجدي (٣)

ومنه علم السنة الشريفة

لأنه ظلاله وريفه

فمن درى الأخبار والشمائل

لم يك عن صوب الهدى بمائل

وكم سميدع لأجله رفض

أوطانه وثوب ترحال نفض (٤)

وكيف لا وهو أجل ما طلب

موفق يروم حسن المنقلب

لأنه وسيلة السعادة

والعز في الإبداء والإعادة

وإنني لما انتحيت المشرقا

ميمما بدر اهتداء مشرقا

ألقيت في مصر عصا التسيار

بعد بلوغي أشرف الديار

وبعد ذا جئت دمشق الشام

مسكن من يزدان باحتشام

__________________

(١) فنّده : خطّأ رأيه ، لامه ، كذّبه.

(٢) المرتجى : المرجو المقصود. ومرتجا : مغلقا.

(٣) ناط الشيء : علقه. ومنوطة : معلقة. العلم المجدي : المفيد.

(٤) السميدع : الكريم ، الشريف. وجمعه : سمادع ، وسمادعة.

٥١

فشاهدت عيناي فيها ما ملا

قلبي سرورا إذ بلغت مأملا (١)

مدينة فياضة الأنهار

فضفاضة الأثواب بالأزهار

أرجاؤها زاكية العبير

ومدحها يجل عن تعبير

وجلّ أهليها بحبي دانوا

مع أن مثلي منهم يزدان

فلاحظوا بالأعين الكليلة

عبدا غدا تقصيره دليله (٢)

وقابلوا عيبي بما اقتضاه

فضل لهم ربّ الورى ارتضاه

خصوصا المولى الكبير المعتبر

قرة عين من رآه واختبر

مفتي الورى في مذهب النعمان

بها الوجيه عابد الرحمن

ابن عماد الدين من تعيي القلم

أوصافه اللاتي كنور في علم

حاوي طراف المجد والتّلاد

نال المنى في النفس والأولاد (٣)

وكنت في مكة قد أبصرت

منه علا عن مدحه قصرت

جلالة ومحتدا وعلما

ورفعة وسوددا وحلما

مع التواضع الذي قد زانه

حسن اعتقاد مثقل ميزانه

فحثّ من في الشام من أخيار

لم يسلكوا مناهج الأغيار

أن يأخذوا بعض الفنون عني

بما اقتضاه منه حسن الظن

مع أنني والله لست أهلا

لذاك ، والتصدير ليس سهلا

وكان من جملتهم أبناؤه

عماد دين قد علا بناؤه

وصنوه الشهاب من توقدا

فهما وإبراهيم سباق المدى

وهو الذي قد ابتغى الإجازة

لهم بوعد طالبا إنجازه

وكتب القصيدة الطنانة

في ذاك لي مهتصرا أفنانه

وإنهم كحلقة قد أفرغت

دامت لهم آلاء فيض سوّغت

فلم أجد بدّا من الإجابة

مع كون جهلي سادلا حجاجه

__________________

(١) ما ملا : أصلها : ما ملأ. حذفت الهمزة تخفيفا. وفي ب : «المأملا».

(٢) الأعين الكليلة : أراد التي تغض عن العيوب. وأخذه من قول الشاعر :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

كما أن عين السخط تبدي المساويا

(٣) الطرف والطريف : المستحدث من المال. التلاد : التليد : القديم الموروث.

٥٢

فقد أجزتهم بما رويته

طرا ، وما ارتجلت أو روّيته

وكل ما صنفت في الفنون

مؤمّل التحقيق للظنون

وما أخذت عن شيوخ المغرب

وغيرهم من كل حبر مغرب

ولي أسانيد يطول شرحها

شيد على تقوى الإله صرحها

ولو سردت كل مروياتي

هنا لطال القول في الأبيات

وكل طول غالبا مملول

وحدّ من يعنى به مفلول

فلنقتصر إذن على القليل

تبركا بالمطلب الجليل

وقد أخذت جامع البخاري

عن عمي الحائز للفخار

المقرى سعيد الإمام عن

محمد يدعى خروفا حين عنّ

التونسيّ الطيب الأنفاس

نزيل حضرة الملوك فاس

عن الكمال القادريّ المرتضى

عن الحجازيّ عن الحبر الرضا

نجل أبي المجد عن الحجاري

عن الزبيديّ بنقل جاري

عن مسند الإسلام عبد الأوّل

عن الشهير الداودي المعتلي

عن السرخسي عن الفربري

عن البخاريّ الإمام الحبر

وفضله أظهر من أن يذكر

وعلمه المعروف غير المنكر

ومسلم به إلى الكمال

عن علم الدين أخي الجلال

منسوب بلقين عن التّنوخي

عن ابن حمزة عن الشيوخ

كابن المقير عن ابن ناصر

عن ابن مندة اللبيب القاصر (١)

عن جوزقيّ قد روى عن مكي

عن مسلم نافي دياجي الشّكّ

فليخبروا عني بذا الباقي

من ستة جائزة السباق

كذا موطأ الإمام مالك

إمامنا منير كل حالك

ومسند الفذ الرضا ابن حنبل

والدارميّ ذي الثناء الأجمل

والطبرانيّ وما أرويه

من المعاجيم بما تحويه (٢)

__________________

(١) في ب : «عن ابن مندة وهو القاصر».

(٢) في ه : «من المعاجم».

٥٣

وكلها تشمله الإجازة

بشرطها عند الذي أجازه

فلتقبلوه فهي من جهد المقلّ

إذ لست بالمطلوب مني أستقل

ومن أسانيدي عن القصّار

مفتي الأنام بهجة الأعصار

عن شيخه خروف الراقي الدرج

عن الشريف الطحطحائي فرج

قال : سمعت المصطفى في النوم

صلى عليه الله كل يوم

يقول : من أصبح ، يعني آمنا

في سربه ، الحديث فاعرف كامنا

ولنمسك العنان في هذا الأرب

مصليا على الذي زان العرب

وآله وصحبه الأعلام

ومن تلا من أنجم الإسلام

وخط هذا المقريّ العاصي

أجير يوم الأخذ بالنواصي

سنة سبع وثلاثين تلت

ألفا لهجرة بياسين علت

عليه أزكى صلوات تستتم

نرجو بها الزلفى وحسن المختتم

ونص الاستدعاء المشار إليه وهو : [بحر السريع]

فازت دمشق الشام بالمقري

الألمعيّ اللوذعي العبقري (١)

علامة العصر بلا مفتري

وواحد الدهر بلا ممتري

كم سمعت أخبار أوصافه

فقصر المخبر عن منظر

جامع علم بثّ إملاءه

بالشام ملء الجامع الأكبر

يقري فتقري السمع أنفاسه

أنفس ما يقرى وما قد قري

مولاي يا من درّ ألفاظه

صحاحها تزري على الجوهر (٢)

إجازة نرفل من فضلها

فى ثوب عز وردا مفخر (٣)

مسبلة الذيل على أكبر

وأوسط الإخوة والأصغر

أطل لنا إنشاءها بل أطب

وانظم لنا من درها وانثر

لا زلت في نفع الورى دائبا

تجود جود العارض الممطر

العبد الداعي إبراهيم العمادي ، انتهى.

__________________

(١) اللوذعي : الذكي ، المتوقد الخاطر.

(٢) في ب : «الجوهري».

(٣) نرفل : أراد نزهو. والردا : أصلها الرداء ، قصره لإقامة الوزن.

٥٤

ومن الإجازات التي قلتها بدمشق الشام ما كتبته للأديب الحسيب سيدي يحيى المحاسني حفظه الله تعالى (١) : [بحر الرجز]

أحمد من زين بالمحاسن

دمشق ذات الماء غير الآسن

وأطلع النجوم من أعيان

بأفقها السامي مدى الأحيان

فكل أيامهم مواسم

من الصفا ثغورها بواسم

وذكرهم قد شاع بين الأحيا

إذ قطرهم به الكمال يحيا

وبشرهم حديثه لا ينكر

ومسند الجامع عنهم يذكر

وقد حكت جوارح الذي ارتحل

إليهم صحيح ما له انتخل

فسمعه عن جابر ، والعين عن

قرّة تروي ، واللسان عن حسن

فحل من أتاحهم آلاءه

حتى أبان نورهم لألاءه

نحمده سبحانه أن اسدى

من الأمان ما أنال القصدا

وننتحي صوب صلاة باهره

إلى الرسول ذي السجايا الطاهره

أجلّ من خاف الإله واتقى

محمد الهادي الرسول المنتقى

صلى عليه الله طول الأبد

مع آله وصحبه والمقتدي

وبعد ، فالعلم أساس الخير

وكيف لا وهو مزيح الضير

وهو موصل إلى منهاج

هدى ورشد ما له من هاجي (٢)

وما بغير العلم يبدو العلم

وليس من يدري كمن لا يعلم

خصوصا الحديث عن خير البشر

فإن فضله على الكل انتشر

ولم يزل يعنى به كلّ زمن

من الرواة كلّ صدر مؤتمن

وإنني عند دخول الشام

لقيت من بها من الأعلام

وشاهدت عيناي من إنصافهم

ما حقق المحكي عن أوصافهم

__________________

(١) هو يحيى بن أبي الصفا بن أحمد المعروف بابن محاسن المتوفى سنة ١٠٥٣ ه‍ (خلاصة الأثر ج ٤ ص ٤٦٣).

(٢) الهاجي : القادح ، الذامّ.

٥٥

وإن من جملتهم أوج الذكا

والنير المزري سناه بذكا (١)

ابن المحاسن الذي قد طابقا

منه مسمى الاسم إذ تسابقا

اللوذعيّ الألمعيّ يحيى

لا زال رسم المجد منه يحيا

وهو الذي أغراه حسن الظن

على انتمائه لأخذ عني

وكان قارىء الحديث النبوي

لديّ في الجامع ، أعني الأموي

بمحضر الجمع الغزير الوافر

ممن وجوه فضلهم سوافر

وبعد ذاك استمطر الإجازة

من نوء وعدي واقتضى إنجازه (٢)

فلم أجد بدّا من الإجابة

مع أنني لست بذي النجابة

وإن أكن أجبت أمرا يمتثل

منه ففي ذلك تصديق المثل

فيمن درى شيئا وغابت أشيا

عنه ومن أهدى لصنعا وشيا (٣)

فليرو عنّي كل ما يصح لي

بشرطه الذي يزين كالحلي

وقد أخذت جامع البخاري

عن عمي الإمام ذي الفخار

سعيد الذي نأى عن دنس

عن شيخه الحبر الشهير التّنسي

أعنى أبا عبد الإله وهو عن

والده محمد راوي السنن

عن ابن مرزوق محمد الرضا

عن جده الخطيب عن بدر أضا

الفارقيّ عن إمام يدعى

بابن عساكر الجميل المسعى

بما له من الروايات التي

على علوّ قدره قد دلّت

وليرو عنّي ما انتمى للنووي

بذا إلى السابق ذي النهج السوي

أعني ابن مرزوق الخطيب الراوي

عن شيخه يحيى الرضي المغراوي

وهو روى عن صاحب التمكين

النوويّ الشيخ محيي الدين

وخط هذا أحمد البادي الوجل

المقري المالكي على خجل (٤)

__________________

(١) في أ : «وإن من جلتهم» وهي أحسن ، والمزري : المنتقص ، وذكا : اسم الشمس وأصله ذكاء ، بالمد فقصره.

(٢) في ب ، ه : «واقتضى انتجازه».

(٣) يشير إلى قول أبي نواس : حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ، وإلى قولهم : كمهدي الوشي إلى صنعاء ، وصنعاء البلد المشهورة بصنع الرقيق الموشّى من النسيج.

(٤) في ب ، ه : «المقري المالكي الذي ارتجل».

٥٦

في عام ألف وثلاثين خلت

من هجرة الهادي وسبعة تلت

ألبسه الله البرود الضافيه

من منّه وعفوه والعافيه

بجاه سيد البرايا طرّا

ملجأ من إلى الكروب اضطرا

عليه أسنى صلوات تسدي

حسن الختام ببلوغ القصد

وسأل مني بعض ساكني دمشق المحروسة أن أقرظ له على شرحه لرسالة العارف بالله تعالى سيدي الشيخ أرسلان ، فكتبت ما صورته : [بحر الرجز]

أحمد من خصص بالأسرار

قدما من الصوفية الأبرار

أتاحهم عوارف المعارف

والحكم السابغة المطارف

فهم بهم تستمطر الأنواء

وتظهر الأنوار والأضواء

ومن أجلّهم سناء وسنى

من ذاد عن عين المعالي الوسنا (١)

شيخ الشيوخ العارف الكبير

الشيخ أرسلان الشهير

فكم إشارات له أبانا

بها علوما من حلاها ازدانا

وكم عبارات تلا آياتها

تعيا الفحول عن مدى غاياتها

ومن رأى رسالة التوحيد

له انتحى مناهج التسديد

فهي تنادي من أبي أن يسلكا

يا معرضا شرك خفيّ كلّكا

ومن أضل القصد في مهامه

هدته للخروج عن أوهامه (٢)

وكم بها من باب معنى مغلق

عمن يقيد الوجود المطلق

فما بغير الفتح يدرى الباطن

ووارد الفيض له مواطن

وقد رأيت في دمشق الشام

شرحا لها أنبأ عن إلهام

للكلشنيّ ذي الوفا بالوعد

شمس العلا محمد بن سعد

لا زال في أوج التجلي صاعدا

وعون ربنا له مساعدا

ومذ أجلت ناظري في حسنه

ألفيته مستبدعا في فنه

__________________

(١) السناء : الشرف والرفعة : والسنى : النور. وذاد : دفع. والوسن : النوم.

(٢) المهامه : جمع مهمه ، وهي الصحراء الواسعة التي لا ماء فيها.

٥٧

ودلّ ما أبداه من معاني

على شهور بالهدى معانى

لأنه أجاد في تقرير

ما اعتاص بالإتقان والتحرير

وأبرز الأبكار من خدور

أفكاره حالية الصدور

فالله يجزيه الجزاء الأوفى

في يوم تبدي الأنبياء الخوفا

وخطّ هذا المقريّ من وجل

مرتجيا من ربه عز وجل

كشف كروب عقد صبر حلت

منه وغفران ذنوب جلت

بجاه طه الهاشمي أحمدا

عليه أزكى صلوات سرمدا

عاطرة النشر بلا اكتتام

تأرجت بالمسك في الختام (١)

وخاطبني السري الحسيب الماجد فخر المدرسين الأعيان مولانا الشمس محمد بن الكبير الشهير مولانا يوسف بن كريم الدين الدمشقي حفظه الله تعالى بقوله : [بحر الكامل]

شمس المحاسن شرّقي أو غرّبي

سعدت منازلنا بشمس المغرب

شمس لنا منها شموس فضائل

وسنا هدى قد راح غير محجّب

المقريّ العالم النّدب الذي

لسوى اسمه درج الحجا لم يكتب

بدر ولم تبد البدور بمشرق

إلا بدت من قبل ذاك بمغرب

لسوى اكتساب سناه لم تغرب ذكا

فلو انها شعرت به لم تغرب

علّامة ملأ البلاد بفضله

وأفاده لمشرّق ومغرّب

عمري هو البحر المحيط فضائلا

إن قيس بالعذب الذي لم يعذب

مولى له سند قويّ في العلا

فعن الجدود روى العلا وعن الأب

نسب له المجد المؤثّل في الورى

والمجد لم يكسب إذا لم يوهب (٢)

هو في جبين الفضل أضحى غرة

يجلى بها للجهل ظلمة غيهب

آمالنا قطعت ببشر جبينه

أن لا ترى للدهر وجه مقطب (٣)

بدر به زهيت دمشق وأهلها

أحبب ببدر حيث حل محبّب

__________________

(١) القصيدة كتبت إلى محمد بن سعد الكلشني ، وهو أحد سكان دمشق ، ومن أدباء الصوفية ، كان سهل الخلق ، حسن العشرة ، صاحب نوادر ، توفي سنة ١٠٣٧ ه‍ (خلاصة الأثر ج ٣ ص ٤٦٨).

(٢) المجد المؤثل : الأصيل العزيز.

(٣) المقطب : العابس ، الكالح.

٥٨

طود الفضائل باكرت أرجاءه

ديم الحجا فغدا كروض مخصب (١)

بحر الهدى والعلم إلا أنه

صفو من الأكدار عذب المشرب

هو قطب دائرة الفضائل في الورى

فيكاد يخبرنا بكل مغيب

في الفضل ما جاولت يوما مثله

كلّا ولا قست البدور بكوكب

أنى يجارى في الفضائل من له انق

اد الزمان بأدهم وبأشهب (٢)

سنن لمدح الغير تسقط عندنا

فله العلا تقضي بفرض أوجب

ما روضة حلّى أزاهرها الحيا

فافتر فيها كل ثغر أشنب

ومشت بها خود الصبا فتعطرت

أذيالها من كل عرف طيب

للنور فيها جدول أخذت به

شهب المجرة حيرة المتعجب

باتت تناشدني بها ذكر الهوى

ورق الأراك بكل صوت مطرب

تشكو إليّ بمثل ما أشكو لها

شكوى المعذّب في الهوى لمعذب

فعلمت ما قد حل من وجد بها

وجهلن ، وهو الفرق ، ما قد حلّ بي

لم تلق فيها من عليل يشتكي

إلا النسيم وذا الهوى إن تطلب

بأغض حسنا من ربا آداب من

حيّا رياض حجاه ألطف صيب

طبع أرق من النسيم ومنطق

مستعذب ، وكذاك كل مهذب

لو جاد صوب حجاه قفرا مجدبا

لنعمت منه بكل روض معشب

مولاي عذرا فالزمان يعوقني

عن مطلبي والآن مدحك مطلبي

عفوا إذا أخّرت مدحك سيدي

فعوائق الأيام عذر المذنب

وكذاك يفعل بالأديب زمانه

فلذا يطول على الزمان تعتّبي

لم ألق يوما من يديه مهربا

إلا ثناك ، وحبذا من مهرب

لولاك ما جال القريض بخاطري

فالدهر يوجب للقريض تجنّبي (٣)

لولاك لم ينهض جواد قريحتي

في كل واد للضلالة متعب (٤)

__________________

(١) الطود : الجبل ، والديم : جمع ديمة ، وهي المطر دون برق ولا رعد. الحجا : العقل.

(٢) الأدهم : الأسود ، وأراد به الليل. والأشهب : ما يخالطه بياض ، وأراد به النهار.

(٣) القريض : الشعر.

(٤) في ب : «من كل واد».

٥٩

فاسمع ، ولست بآمر ، نظما غدا

في عقد مدحك لؤلؤا لم يثقب

كالراح يلعب بالعقول للطفه

لكن بغير مسامع لم يشرب

من كل قافية غدت من حسنها

مثلا لغيرك في العلا لم يضرب

خود تقلّد من ثناك قلائدا

بكر لغيرك في الورى لم تخطب (١)

غنيت بمدحك زينة ولربما

يغني الجمال عن الوشاح المذهب

هي بعض أوصاف لذاتك قد غدت

كالبحر عذبا ماؤه لم ينضب

جاءتك تسألك القبول وحسبها

فخرا قبولك وهو جلّ المطلب

وتروم منك إجازة فاقت بما

ترويه بالسند القوي عن النبي

حسبي الإجازة منك جائزة ولم

أك قبل غير الفضل بالمتطلب

لا بدع والإيجاز إطنابا غدا

في مدحه إن لم أطل أو أسهب (٢)

هيهات لا تحصى مآثر فضله

بالمدح إن أطنب وإن لم أطنب

خدمة الداعي محمد بن يوسف الكريمي ، انتهى.

فأجزته بما [صورته و] نصه (٣) : [بحر الرجز]

أحمد من أطلع شمس الدين

في أفق الرواية المبين

وخص فضلا منه بالإسناد

أمّة طه مذهب العناد

فلم يكن عصر من الأعصار

إلا وفيه أهل الاستبصار

ينفون عن حوزة دين الله ما

يروم من عليه رشد أبهما (٤)

وأنتحي سبل صلاة كامله

على الذي له العطايا الشامله

محمد المرسل بالشرع الحسن

ذو المعجز المفحم أرباب اللسن

مع حزبه من صحبه وعترته

ومن تلا مؤمّلا لأثرته (٥)

__________________

(١) الخود : المرأة الشابة الناعمة ، وتقلّد ـ تتقلّد.

(٢) في ب : «لا بدع والإطناب إيجازا غدا».

(٣) في ب : «فأجزته بما نصه».

(٤) حوزة الإنسان : ما يملكه ، وحوزة الدين : حماه.

(٥) عترة الرجل : عشيرة الرجل ، جماعته ، أتباعه.

٦٠